المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العاشر: في طواف الوداع - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

قوله في "أصل الروضة": وإذا خرج بلا وداع وقلنا: يجب الدم فعاد قبل بلوغه مسافة القصر سقط عنه الدم، وإن عاد بعد بلوغها فوجهان: أصحهما: لا يسقط. انتهى كلامه: فيه أمران:

أحدهما: أن ما جزم به هاهنا من طريقة الوجهين مخالف لما في "شرح المهذب" وأنه حكى فيه طريقين وصحح طريقة القطع فقال: وإن عاد بعد بلوغها فطريقان:

أصحهما -وبه قطع الجمهور: لا يسقط. والثاني حكاه الخراسانيون وجهان.

هذا لفظه. وقد عبر في "المنهاج": بالصحيح.

الأمر الثاني: أن تعبيره بالسقوط ذكره أيضًا الرافعي وهو يقتضي ثبوت الدم بمجرد الخروج، وينبغي أن يأتي فيه ما سبق في مجاوزة الميقات بعد إحرام، فراجعه.

قوله: أحدهما: ذكر الإمام والغزالي أن طواف الوداع من مناسك الحج، وليس على الخارج من مكة وداع لخروجه منها، لكن صاحب "التتمة" و"التهذيب" وغيرهما أوردوا أنه ليس من جملة المناسك حتى يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر سواء كان مكيًا أو آفاقيًا.

وهذا أقرب بسببها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله للإحرام، ولأنهم اتفقوا على أن المكي إذا حج وهو على عزم الإقامة بوطنه لا يؤمر

ص: 400

بطواف الوداع، وكذا الآفاقي إذا حج وأراد الإقامة بها ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج. انتهى كلامه. فيه أمور:

أحدها: أن ما قاله من كون طواف الوداع ليس من المناسك مردود؛ فقد تظافر على أنه من المناسك كلام الشافعي والأصحاب؛ فقد قال الشافعي في "الإملاء" بعد تقريره أنه ليس بواجب ما نصه: فإن قال قائل: فلم أمرتموه أن يهريق دمًا. قيل: هو شيء أمر به من الحج والعمرة فتركه. هذا لفظه ومن "الإملاء" نقلت. وقال في "الأم" في باب الطواف بعد عرفة: أعمال الحج منها ما إذا تركه ورجع إليه سقط عنه الدم، ولو لم يرجع لزمه الدم مثل الميقات في الإحرام ومثله والله أعلم طواف الوداع قياسًا على المزدلفة والجمار والبيتوته ليالي منى لأنه نسك قد تركه.

هذا لفظه في "الأم"، وصرح به القاضي في "التلخيص" وصاحب "التقريب" والمحاملي والقاضي الحسين، وكذلك القاضي أبو الطيب في استدلاله على وجوبه، وقال الماوردي: أنه من سنن الحج، وكذلك أبو بكر بن لال في "مختصر" له لطيف حنيفة في العبادات خاصة وسماه "شرح ما لا يسع المكلف جهله" وصاحب "التنبيه" أنه من واجباته، ونقله الفوراني في "العمد" عن الأصحاب فقال ما نصه: قال أصحابنا: طواف الوداع من جملة الأبعاض.

قال القفال: وهذا غلط. انتهى.

وأيضًا فقد اتفقوا على جبره بالدم عند الترك وجوبًا إن قلنا بوجوبه، وهو دليل على أنه من الحج لأن الدم إنما يجب للتحلل الحاصل في الحج لا لترك المأمور به يتجرد بدليل وجوبه إذا ترك الإحرام من الميقات وعدم وجوبه إذا ترك الإحرام لدخول مكة.

ص: 401

الأمر الثاني: أن استدلاله عليه بأنه لو كان من المناسك لعم المقيم والراحل كلام ضعيف كما نبه عليه صاحب "التقريب" وسبب الوقوع فيه ذهولهم عن شرطه؛ لأنه وإن كان من المناسك لكن إنما يشرع لمعنى وهو مفارقة البين وذلك مفقود هنا، ثم إن الاستدلال الذي قبله فيه نظر أيضًا لأنه إن كان اقتضاء الدخول للإحرام فسببه اقتضاء الخروج للوداع فيكونان سواء في الوجوب أو عدمه. وليس كذلك، بل الوداع واجب والإحرام غير واجب.

الثالث: أنه قد ذكر في أوائل الفصل المعقود للوقوف ما يخالف ما قاله هاهنا ويوافق كلام الغزالي فقال في الكلام على الخطبة المسنونة يوم السابع ما نصه: وينبغي أن يأمر في خطبته للمتمتعين أن يطوفوا قبل الخروج للوداع. انتهى.

وما قاله من أن المتمتع يطوف للوداع دون غيره سببه أن المتمتع قد أراد الخروج بعد تحلله من مناسكه وهي أعمال العمرة. وأما المفرد والقارن فلم يتحللا من مناسكهما.

إذا علمت ما ذكره هناك فهو مخالف لما رجحه هاهنا لتخصيصه الأمر عن فرع من المناسك ولانتفاء الخروج إلى مسافة القصر.

وقد تابعه النووي في "الروضة" على الموضعين، وعبر عن قول الرافعي هنا أنه أقرب بقوله: أنه أصح، ثم خالف الموضعين معًا في "شرح المهذب" فقال عقب الكلام على هذه المسألة في أثناء فرع ما نصه: والصحيح المشهور أن طواف الوداع يتوجه على من أراد مسافة القصر ودونها، سواء أكانت مسافة قريبة أم بعيدة لعموم الأحاديث وممن صرح به صاحب "البيان" وغيره، انتهى كلامه.

ص: 402

ثم ذكر أيضًا في الشرح المذكور ما يخالف هذا ويوافق كلام "الروضة" فإنه نقل عن الشافعي والأصحاب إيجابه.

واعلم أن في نقله ذلك عن صاحب "البيان" نظر؛ لأن صاحب "البيان". ذكر ذلك فيما إذا خرج إلى منزله وهو يقتضي أن من خرج لحاجة ويعود قريبًا لا وداع عليه، بخلاف يقتضيه كلام النووي.

ومما يدل عليه أيضًا أن العمراني قال: قال الشيخ أبو نصر في "المعتمد": ليس على المقيم الخارج إلى التنعيم وداع عندنا خلافا "للبيان" أنه عليه.

الأمر الرابع: أنه قد تقرر بما ذكرناه في النصوص السابقة أن الخلاف في كونه من مناسك الحج جار في العمرة أيضًا على خلاف ما يوهمه تقييده المذكور في أول المسألة.

قوله: الثانية: ينبغي أن لا يمكث بعد طواف الوداع، فإن مكث نظر إن كان لغير عذر أو اشتغل بغير أسباب الخروج من شراء متاع أو قضاء دين أو زيارة صديق أو عيادة مريض فعليه إعادة الطواف.

وإن اشتغل بأسباب الخروج من شراء الزاد وشد الرحل ونحوهما فقد نقل الإمام فيه وجهين: أحدهما أنه يحتاج إلى الإعادة ليكون آخر عهده بالبيت.

وأصحهما -وبه أجاب المعظم- أنه لا يحتاج لأن المشغول بأسباب الخروج غير مقيم. انتهى.

ذكر مثله في "الروضة" وفيه أمور:

أحدها: أنه قد سبق في باب الاعتكاف أن عيادة المريض إذا لم يخرج

ص: 403

لها بل كانت على طريقه لا تقطع التوالي في الاعتكاف الواجب بل يغتفر صرف قدرها في سائر الأغراض فكذلك القول في صلاة الجنازة أيضًا. وإذا ثبت هذا هناك لزم جريانه هنا بطريق عليه فقال: وأخر عهد معقول؛ وهو أن يفرغ من الرحلة وجميع حوائجه ثم يطوف، فإن أخذه بعد ذلك ارتحالًا أو مقامًا فينزل أو زيارة لأحد أو بيعًا أو شراء على غير طريقه عاد للوداع، وإن مر على طريقه بمنزله وأنقذ رحلته لم يعد.

هذا لفظه، ونقله عنه صاحب "التقريب".

والأمر الثاني: أنا قد استفدنا من هذا النص أن مذهب الشافعي خلاف ما رجحه الرافعي من كون الاشتغال بشد الرحل في غير طريقه لا يضر.

الأمر الثالث: أن الذي حكاه عن "النهاية" مخالف للمذكور فيها؛ فإن التردد الذي حكاه فيها إنما هو في التعريج لأمر قبل طواف القدوم، وقال أنهم قطعوا بأن التعريج في طواف الوداع يفسده ذكر ذلك في الفصل المعقود لأحكام الطواف أن لا يعرج الراجع إلى مكة بعده على أمر، فإن عرج على [أمر](*) فسد ما جاء به عن الجهة المطلوبة وتعين الإتيان بطواف الوداع مرة أخرى.

هذا لفظه. ثم أعاد المسألة بعد ذلك بنحو ورقة في الكلام على طواف القدوم فقال: ثم قال الأئمة: ينبغي أن لا يعرج القادم على أمر حتى يطوف طواف القدوم؛ ففي قوله الأئمة تردد. وقطعوا بأن التعريج نقد طواف الوداع نفسه. هذا لفظه.

نعم: صرح الغزالي في "البسيط" بحكاية الوجهين.

قوله: الثالثة: هل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان كالقولين في الجمع بين الليل والنهار؛ أصحهما -على ما قاله صاحبا "التهذيب"

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ليست بالمطبوع

ص: 404

و"العدة"- وجوبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينصرفن أحدكم حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت"(1).

واحتج للثاني بالقياس على طواف القدوم لكن صاحب "التقريب" ألحق طواف القدوم بطواف الوداع في وجوب الجبر.

وعلى التسليم بالفرق أن طواف القدوم تحية البقعة وليس مقصودًا في نفسه؛ ألا ترى أنه يدخل في طواف العمرة وطواف الوداع مقصود في نفسه، وكذلك لا يدخل تحت طواف آخر. انتهى كلامه.

فيه أمران:

أحدهما: أن هذا التعليل الذي ذكره في طواف الوداع وهو كونه مقصودًا لا يدخل تحت غيره لم يذكره في "الروضة" ولا في "شرح المهذب". وهو حكم مهم بل قاعدة عظيمة حتى لو طاف للإفاضة بعد رجوعه من أيام منى ثم أراد السفر عقبة لم يكف بل لابد أن يطوف للوداع أيضًا. وكذلك لو طاف للعمرة أو عن نذر.

ولكن روى البخاري في صحيحه عن عائشة في اعتمارها مع أخيها عبد الرحمن عقب الحج ما يدل على خلاف؛ فإنه لما ذكر الحديث قال في أثنائه: "فنزلنا المحصب فدعا بعبد الرحمن فقال: أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة ثم افرغا من طوافكما انتظركما هاهنا فأتيا في جوف الليل فقال: أفرغتما؟ قال نعم. فنادى بالرحيل في أصحابه بأن يحل الناس"(2).

هذا لفظه. فلم يأمر بطواف غير طواف العمرة؛ ولهذا ترجم له -

(1) أخرجه مسلم (1227) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

أخرجه البخاري (1485).

ص: 405

أعني البخاري- بقوله: باب المعتمر إذا طاف طواف العمرة ثم خرج هل يجزئه من طواف الوداع.

الأمر الثاني: أن صاحب "التقريب" قد نقل عن "النص" والأكثرين التفرقة، ونقل المساواة عن بعضهم إلا أنه أيده فقال: ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب الذم لترك طواف القدوم، وهو قياس القول بوجوبه في الوداع، لكن نص الشافعي وأكثر الأصحاب على الفرق.

هذه عبارته. ثم جزم به -أي: بعدم الوجوب- بعد ذلك بأوراق في الكلام على وجوب الإحرام على داخل مكة فقال ما نصه: وكما خصت مكة نفسها بطواف القدوم لا على أنه واجب بكل حال لكنه سنة؛ فمن تركه فلا قضاء عليه، ولو كان فرضًا أشبه أن يلزم تاركه بعد وجوبه بالإحرام دم، ولا نعلمه أوجبه نصًا إلا أن يقاس على طواف الوداع في أحد القولين.

هذا لفظه، ومنه نقلت فثبت بطلان ما نقلوه عنه.

والحديث المذكور رواه مسلم ولفظه:

"لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت"، وروى البخاري أيضًا قريبًا منه ولفظه:"أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض"(1).

والاستدلال إلا للولي لأن لفظ الأمر لا يدل على الإيجاب بخصوصه بل محتمل له وللندب كما أوضحناه في علم الأصول؛ فتفطن له.

قوله: الرابعة: إذا خرج من غير وداع وقلنا بوجوبه فعاد وطاف نظر إن عاد قبل الانتهاء إلى مسافة القصر تأدي الواجب به وسقط الدم بلا خلاف

(1) أخرجه البخاري (1668) ومسلنم (1328) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 406

كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه، وإن عاد بعد الانتهاء إليها فوجهان: أصحهما: أنه لا يسقط لاستقراره بالسفر الطويل فوقوع الطواف بعد العود حقًا للخروج الثاني.

والثاني: يسقط كما قبلها.

ولا يجب العود في الحالة الثانية وأما الأولى ففيها خلاف. . إلى آخره.

وما ذكره رحمه الله من نفي الخلاف لم يتعرض له في "الروضة" لكون الرافعي قد ذكره بعد الفراغ من المسألة في الكلام علي ألفاظ "الوجيز" وليس ذلك بصحيح؛ فإن في المسألة ثلاثة أوجه خرجها صاحب "التقريب" من نصوص مختلفة ورأيتها في كتابه:

أحدها: يعيده مطلقًا.

والثاني: يعيده إن لم يتعد.

والثالث: يعيده مطلقًا إن قضى ما تركه بأن يطوف للقدوم ثم للوداع الأول ثم للوداع الثاني.

هذا كلامه.

قوله: ويقول إذا فرغ: اللهم إن البيت بيتك. . . . إلى آخره.

ثم قال ما نصه: ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وينصرف. وينبغي أن يتبع نظره البيت ما أمكنه. انتهى.

وحاصله أنه يرجع القهقري كما يفعله كثير من الناس، أو يلتفت إليه حال انصرافه، وهو أقرب إلى كلامه.

إذا علمت ذلك فقد وافق النووي هنا على ما قاله الرافعي. ثم إنه صحح في "شرح المهذب" خلاف ما جزم به هاهنا فقال ما نصه: قطع جماعة بأنه إذا طاف للوداع وبصره للبيت حتى يكون آخر عهده بالبيت.

ص: 407

وقال القاضي أبو الطيب وآخرون: يلتفت إليه في حال انصرافه كالمتحزن عليه.

وقال جماعات: يخرج ماشيًا تلقاء وجهه وهذا الثالث هو الصواب.

هذا كلامه. وجزم صاحب "التنبيه" بالوجه الأول فاستدرك عليه النووي في تصحيحه فقال: المختار: أنه لا يلتفت.

وهذا الاستدراك يقتضي أن الصحيح ما قاله الشيخ كما اصطلح عليه في خطبة التصحيح.

ص: 408