المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادس: في الوقوف - المهمات في شرح الروضة والرافعي - جـ ٤

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌ زكاة الفطر

- ‌الطرف الثاني: في صفات المؤدي

- ‌الطرف الثالث: في صفات المخرج

- ‌كتاب الصيام

- ‌الركن الثاني: الإمساك عن المفطرات

- ‌القول في شرائط الصوم:

- ‌القول في السنن

- ‌القسم الثاني في مبيحات الإفطار وموجباته

- ‌كتاب الاعتكاف

- ‌كتاب الحج

- ‌الباب الأول: في وجوه أداء النسكين:

- ‌الباب الثاني: في أعمال الحج

- ‌الفصل الأول: في الإحرام

- ‌الفصل الثاني: في سنن الإحرام

- ‌الفصل الثالث: في سنن دخول مكة

- ‌الفصل الرابع: في الطواف

- ‌الفصل الخامس: في السعي

- ‌الفصل السادس: في الوقوف

- ‌الفصل السابع: في أسباب التحلل

- ‌الفصل الثامن: في المبيت

- ‌الفصل التاسع: في الرمي

- ‌الفصل العاشر: في طواف الوداع

- ‌الفصل الحادي عشر: في حكم الصبى

- ‌الباب الثالث في محظورات الحج والعمرة

- ‌النوع الأول: اللبس

- ‌النوع الثاني: الطيب

- ‌النوع الثالث دهن شعر الرأس واللحية

- ‌النوع الرابع: الحلق والقلم:

- ‌النوع الخامس: الجماع

- ‌النوع السادس: مقدمات الجماع

- ‌الباب [الرابع] (*) في الدماء

- ‌الفصل الأول في أبدالها

- ‌الفصل الثاني في مكان إراقة الدماء وزمانها

الفصل: ‌الفصل السادس: في الوقوف

‌الفصل السادس: في الوقوف

قوله: وينبغي للإمام أو منصوبه أن يخطب بمكة في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد صلاة الظهر خطبة واحدة يأمر الناس فيه بالغدو إلى منى ويخبرهم بما بين أيديهم من المناسك لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك.

انتهى. والمراد بما بين أيديهم أي: في الخطبة الثانية. كذا ذكره الرافعي بعد هذا في الكلام على الخطبة الثانية المشروعة بنمرة ولكن الصواب عدم التقييد بما بين الخطبتين كما ستعرفه هناك. والحديث المذكور رواه البيهقي بإسناد جيد كما قاله في "شرح المهذب".

قوله: ويأمر في خطبته المتمتعين أن يطوفوا قبل الخروج للوداع. انتهى.

وهذه المسألة يأتي الكلام عليها في فصل طواف الوداع إن شاء الله تعالى.

قوله: ويحرم من كان حلالًا على ما سبق في صورة المتمتع أي: في اليوم الثامن وهو المسمى يوم التروية، ثم يخرج بهم الإمام في ذلك اليوم إلى منى.

ومتى يخرج؟ المشهور أنه يخرج بعد صلاة الصبح بحيث يوافقون الظهر بمنى. وحكى القاضي ابن كج أن أبا إسحاق ذكر قولًا أنهم يصلون الظهر بمكة ثم يخرجون. انتهى كلامه.

وهذا القول الذي اقتضى كلامه يشعر أنه قد جزم به في أواخر باب وجوب أداء النسكين في أثناء كلام أوله قال: وأما المعسر وقد تقدم ذكر لفظه هناك، وأن الفتوى على المذكور هنا.

ص: 346

واعلم أن الماوردي قد ذكر أن الإمام إذا كان مقيمًا بمنى فيستحب له أن يحرم، ويصعد المنبر محرمًا. وهذا الذي قاله يستثنى منه قولهم يستحب الإحرام يوم الثامن، وقد توقف فيه "شرح المهذب" فقال ما قاله من إحرام الإمام غريب محتمل.

قوله: قال الشافعي: فإن بنى بها -أي بعرفة- قرية واستوطنها أربعون من أهل الكمال أقاموا الجمعة والناس تبع لهم. انتهى كلامه.

وما ذكره من إقامة الجمعة في القرية المذكورة وإن كان مسلمًا لكن بناؤها هناك ممتنع على الصحيح، وكذلك في مزدلفة ومنى كما ستعرفه في كتاب إحياء الموات؛ وعللوه بالتضييق فلتتفطن لذلك فإنها إن بنيت لانتفاع الواقفين عامة بها فيحتمل الجواز بعدم الاختصاص بكون ذلك مستثنى؛ ويؤيده اتفاقهم على مسجد الحيف، ويحتمل المنع للتضييق بموضع الجدر.

قوله: في الكلام على الخطبة بنمرة، ويخفف الخطبة بحيث يفرغ منها مع فراغ المؤذن من الإقامة على ما رواه الإمام وغيره من الأذان على ما رواه صاحب "التهذيب" وغيره. انتهى كلامه. فيه أمران:

أحدهما: أن الأصح هو الوجه الثاني كذا صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، والنووي في "شرح المهذب" وغيره من كتبه.

الأمر الثاني: أن النووي في "الروضة" لما اختصر كلام الرافعي فقال من زياداته الأصح الذي قطع به الجمهور هو الثاني فتفطن لما قاله فإنه غريب.

قوله: وإذا كان الإمام مسافرًا فالسنة له القصر، وليقل الإمام إذا سلم: أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) انتهى.

(1) أخرجه أبو داود (1229) والطيالسي (840) والطبراني في "الكبير"(18/ 209) حديث (517) وابن أبي شيبة (1/ 336) والبيهقي في "الكبرى"(5170) والطحاوي في "شرح المعاني"(2229) من حديث عمران بن حصين بسند ضعيف لضعف على بن زيد.

ص: 347

السفر: بفتح السين وسكون الفاء.

وقد تقدم إيضاحه في مسح الخف والحديث المذكور رواه مالك في "الموطأ"(1) من قول عمر نفسه وأنه قاله وهو في مكة، وأما رفعه ووروده في نمرة فغريب.

قوله: وأما الأول فلأن صاحب الشامل وطائفة قد ذكروا أن نمرة موضع من عرفات. وقال الأكثرون: ليست منها. . . إلى آخره.

تابعه عليه في الروضة فقال: الصواب أن نمرة ليست من عرفات، ولم يذكر غير هذا.

وقد بسط هذا الاعتراض في "شرح المهذب" فقال: وإنما نمرة فليست أيضًا من عرفات بل بقربها. هذا هو الصواب الذي نص عليه الشافعي في "مختصر الحج الأوسط" وغيره، وصرح به أبو علي البندنيجي والأصحاب، ونقله الرافعي والأكثرون قال: وقال صاحب "الشامل" وطائقة: هي من عرفات.

وهذا الذي نقله غريب ليس بمعروف ولا هو في "الشامل" ولا هو صحيح، بل إنكار للحس؟ ، ولما تطابقت عليه كتب العلماء.

هذا كلامه، والذي ذكره النووي غلط عجيب؛ فإن النقل في "الشامل" كما قاله الرافعي فإنه قال: مسألة: قال الشافعي: ويخطب يوم السابع، ثم قال بعد ذلك: فإذا طلعت الشمس يوم التاسع على تبير راحوا إلى الموقف في أول طلوعها لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى بمنى صلاة الفجر فلما بزغت الشمس رحل في أول بزوغها إلى عرفات"(2) إذا ثبت هذا فإذا وصل إليها ضرب له خباء أو قبة؛ لأنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم "ضرب له فيه من شعر بنمرة"؛ وهو موضع من عرفات.

(1) حديث (346).

(2)

لم أقف عليه.

ص: 348

هذا لفظ صاحب "الشامل" بحروفه؛ فكأن النووي ذهل عنه لوقوعه ذهولًا.

قوله: واعلم أنه يسن في الحج أربع خطب: إحداها بمكة في المسجد الحرام في اليوم السابع من ذي الحجة، والثانية بعرفة وقد ذكرناها، والثالثة يوم النحر، والرابعة يوم النفر الأول، ويخبرهم في كل خطبة عما بين أيديهم من المناسك وأحكامها إلى الخطبة الأخرى. انتهى كلامه.

تابعه في "الروضة" على هذه العبارة، وفيها أمران:

[أحدهما](1): أن ما ذكره في الخطبة الأولى من اقتصار التعليم على ما بينها وبين الثانية من المناسك بخلاف مذهب الشافعي؛ فإنه نص على استحباب تعلم الجميع فقال في "الإملاء" ما نصه: قال الشافعي: وفي الحج أربع خطب: يوم السابع بمكة بعدما يصلي الظهر فيأمر الناس بالمضي إلى منى والإحرام والصلاة بمنى والمسير إلى عرفة وحضور الصلاة بعرفة وغير ذلك من حجة.

هذا لفظه ومن "الإملاء" نقلت، والتي بعدها فكلام الشافعي فيها موافق للمذكور هنا.

الأمر الثاني: أن الخطبة الرابعة لا تدخل في اللفظ الذي عبر به؛ فإنه ليس بعدها خطبة أخرى، وكان الصواب إفراد الرابع بالذكر فيقول كما قال غيره أنه يعلمهم فيها جواز النفر ويودعهم ويوصيهم بالتقوى.

ورأيت في كتاب "الأعداد" لابن سراقة من متقدمي الأصحاب في الباب المعقود -أن خطبة نمرة واجبة، وكذلك ذكره في كتابه المسمى قبل كتاب الزكاة بنحو صفحة فقال: هي وخطبة الجمعة فرضان.

(1) في أ: أحدها.

ص: 349

قوله: أن يقفوا عند الصخرات. . إلى آخره.

هذا في حق الرجل، أما [المرأة](1) فيستحب أن تقف في حاشية الموقف كما تقف في آخر المسجد.

هكذا نقله النووي في المناسك وفي آخر باب الإحرام من "شرح المهذب" عن الماوردي وأقره.

وقياسه استحباب ذلك في حق الخنثى أيضًا ويكون على الترتيب المذكور في الصلاة، ثم يتعدى النظر إلى الصبيان عند اجتماعهم مع البالغين في وقت واحد.

واعلم أنه يتجه أن يقال: أنه لا يستحب للمرأة فصل الوقوف مع الرجال عند الصخرات وأمر أمرها بمفارقة أهلها الخارجين معها وخيامها الساترة لها والوقوف في حاشية الموقف المؤدي غالبًا إلى ضياع بعضهم من بعض؛ فيبعد جدًا وليس نظير الصلاة.

قوله: وأظهر القولين أن الوقوف راكبًا أفضل؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وليكون أقوى على الدعاء.

والثاني: هما سواء. نص عليه في "الأم".

انتهى. تابعه عليه في "الروضة"، وفيه أمران:

أحدهما: أن المرأة مستثناة من استحباب الركوب؛ فإنه يستحب لها أن تكون قاعدة لأنه أستر لها؛ كذا قاله الماوردي، وجزم به النووي في "تصحيح التنبيه".

ولا شك في هذا إذا لم تكن المرأة في هودج ونحوه، فإن كانت كما هو الغالب ففيه نظر، والمتجه الوقوف.

(1) سقط من أ.

ص: 350

ثم إنهما يستثنيا الخنثى ولا شك أنه كالمرأة.

الأمر الثاني: أن محل هذا الخلاف فيمن لا يحتاج الناس إلى ظهور [من](1) يستفتي ويقتدي به، فإن كان فالأفضل في حقه الركوب قطعًا.

وكذلك إذا شق عليه الوقوف ماشيًا، أو ضعف عن الدعاء. قاله في "شرح المهذب".

وحديث وقوفه عليه الصلاة والسلام راكبًا في الصحيحين (2).

قوله: ويؤخرون المغرب إلى أن يصلوها مع العشاء بمزدلفة.

ثم قال بعد ذلك: ثم كثر الأصحاب أطلقوا القول بأنه يؤخرهما إلى أن يأتي المزدلفة، ومنهم من قال: ذلك ما لم يخش فوات اختيار العشاء، فإن خاف ذلك لم يؤخر وجمع بالناس في الطريق.

انتهى كلامه. وهذا القيد الذي نقله عن بعضهم قد نص عليه الشافعي فقال في "مختصر الحج الأوسط" من "الأم" في باب ما يفعل من دفع من عرفة ما نصه: ولا يصلي المغرب والعشاء حتى يأتي المزدلفة فيصليهما فيجمع بينهما بإقامتين ليس معهما أذان، وإن أدركه نصف الليل قبل أن يأتي المزدلفة صلاهما دون المزدلفة هذا لفظ الشافعي بحروفه، وذكر مثله في "الإملاء" أيضًا فقال ما نصه: قال الشافعي: وأكره للرجل إذا دفع من عرفة أن يخرج حتى يأتي المزدلفة، فإن فعل لم يصل المغرب والعشاء قبل نصف الليل حيث أدركه.

انتهى لفظه بحروفه، ومن "الأم" و"الإملاء" نقلت.

ولا اعتبار مع نص صاحبنا بمخالفة غيره فضلًا عن إطلاقه.

(1) سقط من أ.

(2)

تقدم.

ص: 351

وقول الشافعي في "الإملاء": فإن فعل أي: أتى المزدلفة يشعر بأن استحباب التأخير إنما هو لمن كان يقصد الدخول إليها، فإن لم يقصد فلا يستحب له هذا الجمع.

وهي مسألة حسنة ومتجهة في المعنى؛ لأنه إن كان يقصد الدخول إليها فإن لم يقصد فلا يستحب له. هذا الأولى، والسنة فيه تقديم الثانية فلا يدخل حتى يصلي.

وتأخير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى مناسب؛ وهو اشتغاله بفضل النسك، وإن كان مقيمًا فهو إنما يجمع على قول فعله النسك، وهو ما قلناه من قصد مزدلفة، وذلك أيضًا مفقود.

قوله: ويسيرون بسكينة ووقار، فإن وجد بعضهم فرجة أسرع؛ روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يسير حتى دفع العنق، فإذا وجد فرجة نصّ (1).انتهى.

العنق: بعين مهملة بعدها نون مفتوحتين وبالقاف، وهو ضرب من السير فيه إسراع يسير.

والنص: بفتح النون وبالصاد المهملة [على هنه](*).

والفرجة: بضم الفاء وفتحها، ويقال: فرج بلا هاء أيضًا.

وروي في الحديث "فجوة" بدل "فرجة" والفجوة: هو المكان المتسع يخرج إليه من مضيق.

والحديث في الصحيحين.

قوله: ولو فرض النوم في أشواط وبعضها على هيئة لا تنقض الوضوء

(1) أخرجه مالك (878) والبخاري (1583) ومسلم (1268) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا في المطبوع، ولم أفهمها، وفي شرح القسطلاني:«(نص): بفتح النون والصاد المهملة المشددة أي سار سيرا شديدا يبلغ به الغاية»

ص: 352

قال الإمام: هذا يقرب من صرف الطواف إلى طلب الغريم.

قال: ويجوز أن يقطع بوقوعه موقعه. انتهى ملخصًا.

والأصح: صحة الطواف.

كذا صححه النووي في "شرح المهذب" و"زيادات الروضة"، ونقل المسألة من هنا إلى فصل الطواف؛ لأنه اللائق بها.

قوله في "أصل الروضة": ولو حضرها ولم يعلم أنها عرفة، أو حضر مغمى عليه أو نائمًا أو دخلها قبل وقت الوقوف ونام حتى خرج الوقت أجزأ على الصحيح.

قلت: الأصح عند الجمهور: لا يصح وقوف المغمى عليه. والله أعلم. انتهى كلامه.

والذي نقله في "الروضة" عن الرافعي من صحة وقوف المغمى عليه سهو فإن المذكور فيه أنه لا يصح، فإنه قال: الرابعة: لو حضر وهو مغمي عليه لم يجزءه؛ لفوات أهليه العادة؛ ولهذا لا يجزئه الصوم إذا كان مغمي عليه طول نهاره.

وفيه وجه أنه يجزئه اكتفاء بالحضور.

هذا لفظه. وذكر أيضًا مثله في "الشرح الصغير"؛ فانعكس هذا الكلام عليه، ثم ظهر له مخالف للأكثرين فاستدركه عليه ظنًا منه أن الرافعي قاله ونقله عنه أيضًا في "شرح المهذب"، ثم رد عليه فيه أيضًا، وسببه ما تقدم مرات أن "الروضة" لخصها قبل شروعه في "شرح المهذب" فكان ينقل من الرافعي مما لخصه فيها من كلامه معتقدًا عدم تغييره.

ووقع ابن الرفعة أيضًا في هذا الغلط، وكأنه اعتمد هنا على "الروضة" في النقل عن الرافعي كما تعمده كثير من الطلبة.

ص: 353

قوله: ولو حضر مجنونًا لم يجزئه.

قال في "التتمة": لكن يقع نفلًا كحج الصبي الذي لا يميز.

ومنهم من طرد فيه الوجه المنقول في الإغماء. انتهى.

وهذا الذي نقله عن "التتمة" وأقره عليه من وقوعه نفلًا قد تابعه عليه النووي في "الروضة" و"شرح المهذب"، وهو خلاف مذهب الشافعي؛ فقد نص في "الأم" وغيرها على فوات الحج بالإغماء وحينئذ فيلزم الفوات في المجنون بطريق الأولى، فقال في باب الإحصار بالمرض وغيره ما نصه: قال الشافعي: ومن لم يدخل عرفة إلا مغمي عليه لم يعقب ساعة ولا طرفة عين وهو بعرفة فقد فاته الحج.

هذا لفظه بحروفه ومن "الأم" نقلت، ونص عليه أيضًا في "الإملاء" فقال: قال الشافعي: وأقل إدراك الحاج الحج أن يدخل عرفة.

ثم قال ما نصه: فإذا دخلها ليلًا أو نهارًا واقفًا أو غير واقف نازلًا وسائرًا في بعض هذه الأوقات فقد أدرك الحج.

وإن لم يدخلها في شيء من هذه الأوقات أو دخلها مغمي عليه لا يعقل في شيء من هذه الأوقات فقد فاته الحج.

هذا لفظه بحروفه، ومن "الإملاء" نقلت.

وجزم الشيخ في "التبيه" بمثله أيضًا فقال: ومن فاته الوقوف بعرفة أو وقف وهو مغمي عليه فقد فاته الحج.

ولم يستدرك عليه النووي في تصحيحه.

ورأيت في "التقريب" مثله أيضًا، ومقتضى كلامه جريانه في الحلق إذا جهلناه ركنًا.

وقد صرح صاحب "التقريب" نقله أيضًا عن الشافعي في المجنون.

ص: 354

قوله: إحداهما: وقت الوقوف يدخل بزوال الشمس يوم عرفة ويمتد إلى طلوع الفجر يوم النحر.

وقال أحمد: يدخل وقته بطلوع الفجر يوم عرفة؛ لما روي عن عروة بن مضرس الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى معنا هذه الصلاة يعنى الصبح يوم النحر وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا فقد تم حجه وقضى تفثه"(1).

ثم قال: ولنا وجه أنه يشترط كون الوقوف بعد الزوال وبعد مضى إمكان صلاة الظهر. انتهى.

مضرس: بميم مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة بعدها سين مهملة.

والتفث: هو المشار إليه بقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (2). الآية. وهو ما يفعله المحرم عند تحلله من إزالة الشعث والوسخ والحلق وقلم الأظفار ونحوها.

والحديث المذكور رواه أصحاب السنن الأربعة بأسانيد صحيحة، وقال الترمذي: حسن صحيح.

واعلم أنا إن تمسكنا بالحديث فيقوى مذهب الحمل، وإن تمسكنا بالفعل

(1) أخرجه أبو داود (1950) والترمذي (891) والنسائي (3041) وابن ماجه (3016) وأحمد (16253) والدارمي (1888) وابن خزيمة (2821) والحاكم (1700) والدارقطني (2/ 239) والطيالسي (1282) والطبراني في "الكبير"(17/ 149) حديث (377) و"الأوسط"(1296) و"الصغير"(276) وابن أبي شيبة (3/ 226) والبيهقي في "الكبرى"(9251) والطحاوي في "شرح المعاني"(3651) وأبو نعيم في "الحلية"(4/ 334) والحميدي (900) وابن الجارود في "المنتقى"(467) من حديث عروة رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح.

وقال الألباني: صحيح.

(2)

سورة الحج (29).

ص: 355

فيقوى الوجه الآخر، ويكون نظير ما قالوه في الأضحية فالذي ذهب إليه الجمهور مخالف للدليل القولي والفعلي.

قوله في "الروضة": فلو اقتصر على الوقوف ليلًا صح حجه، وقيل: فيه قولان. انتهى.

وقد حكى الرافعي رحمه الله طريقة ثالثة عن رواية الإمام فقال: وعن شيخه أن الخلاف مخصوص بما إذا أنشأ الإحرام ليلة النحر، فإذا لخص ذلك خرج منه ثلاثة أوجه أصحها: يكون مدركًا سواء أحرم قبل ليلة العيد أو فيها.

والثاني: لا على التقديرين.

والثالث: أنه مدرك بشرط تقديم الإحرام عليهما.

انتهى ملخصًا. فحذف النووي ذلك.

قوله: وإن دفع قبل الغروب ولم يعد ليلًا ففي وجوب الدم قولان؛ قال المحاملي والروياني: أصحهما: لا يجب؛ بل يستحب بحديث عروة المتقدم ونقله الكرخي عن الجديد وقطع به بعضهم، وفي "التهذيب" أن الجديد هو الوجوب. انتهى ملخصًا.

ليس فيه هاهنا تصريح بتصحيح، وقد صرح في أوائل الفصل الثامن المعقود لمبيت منى بأن الراجح قول الاستحباب، وصرح بتصحيحه هاهنا في "الشرح الصغير" و"المحرر" وعبر فيهما بالأصح وصححه أيضًا النووي في "أصل الروضة" و"شرح المهذب" وفي غيرهما من مشاهير كتبه، ثم خالف في "المناسك الكبرى" وصحح وجوبه مع تصحيحه فيها أن الجمع بين الليل والنهار لا يجب. وهو ذهول.

ص: 356

قوله في أصل "الروضة": وإذا قلنا بالوجوب في مسألتنا فعاد ليلًا فلا دم على الأصح. انتهى كلامه.

وما جزم به هاهنا تبعًا للرافعي من طريقة الوجهين قد خالفه في "شرح المهذب" فإنه حكى فيه طريقين وصحح طريقة القطع فقال: ففي سقوط الدم عنه طريقان: أصحهما وبه قطع المصنف والعراقيون وطائفة من غيرهم يسقط؛ لما ذكره المصنف.

والثاني حكاه الخراسانيون: فيه وجهان: أصحهما هذا، والثاني: لا يسقط.

هذا لفظه. ووقع في "المنهاج" كما وقع في "الروضة".

قوله: فإن أخطأوا فوقفوا العاشر نظر إن تبين قبل الزوال فوقفوا بعده فقد قال في "التهذيب": المذهب أنه لا يجزئهم لأنهم وقفوا على يقين الفوات، وهذا غير مسلم لأن عامة الأصحاب ذكروا أنه لو قامت البينة على رؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة لا يتمكنون من حضور الموقف بالليل يقفون من الغد.

فإذا لم يحكم بالفوات فقيام الشهادة ليلة العاشر لزم مثله في اليوم العاشر. انتهى.

تابعه في "الروضة" عليه. وعبارتهما تشعر بأنهما لم يقفا على التصريح بذلك لغير البغوي.

وقد صرح القاضي الحسين في تعليقه بالمسألة وخرجها على وجهين في مسألة، ولم يصرح فيها بترجيح.

ص: 357