الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في شرائط الصوم:
وهى أربعة:
الأول: النقاء من الحيض والنفاس:
فلا يصح صوم الحائض ولا النفساء. انتهى.
هذا الكلام يوهم أن الصائمة إذا ولدت ولم تر نفاسًا لا يبطل صومها، والصحيح بطلانه كما قاله في "شرح المهذب" هنا وفي باب الغسل.
قوله: ولو نوى بالليل ثم شرب دواء فزال عقله نهارًا، قال في "التهذيب": إن قلنا: لا يصح الصوم في الإغماء فهاهنا أولى، وإلا فوجهان، والأصح: لا يصح؛ لأنه بفعله. انتهى.
وقد أطلقوا هذا الكلام ولم يفصلوا بين أن يكون الشرب لحاجة أو لا لحاجة، وقد جعلوا في الصلاة شرب الدواء للحاجة بمثابة الإغماء حتى إن القضاء؛ فينبغي هنا أيضًا إلحاقه به حتى يصح الصوم، إلا أن يقال: الفارق بينهما مشقة قضاء الصلاة دون الصوم؛ ولهذا الفرق أوجبوا القضاء هنا في الإغماء إذا استغرق الوقت، بخلاف الصلاة، وهذا أيضًا خيال ضعيف؛ فإنهم لم يجعلوا المدرك هنا المشقة وعدمها بل عللوه بكونه من فعله.
وقد صرح في "التتمة" بأنه يعذر كما ذكرته؛ فيتعين المصير إليه، وسأذكر لفظه.
هذا التصحيح السابق من كلام البغوي لا من كلام الرافعي فاعلمه.
وقد ذكر مثله الخوارزمي في "الكافي" حكمًا وتعليلًا وتصحيحًا، وفيه
كلام آخر يأتي عقب هذا.
قوله: قال في "التتمة": ولو شرب المسكر ليلًا وبقي سكره جميع النهار لزمه القضاء، وإن صحا في بعضه فهو كالإغماء في بعض النهار. انتهى.
وإطلاق النقل السابق يقتضي أن زوال العقل بشرب الدواء في بعض النهار ليس كالإغماء يقتضي الإبطال؛ والقول به مع القول بما صرح به هنا؛ وهو أن زواله في بعض النهار بالسكر كالإغماء في غاية التباين، اللهم إلا أن تكون المسألة السابقة مفروضة فيما إذا كان الزوال في جميع النهار، فإن حمل على هذا استقام، وهذا هو الكلام الذي تقدم الوعد بذكره، وهذا الكلام الذي نقله الرافعي عن "التتمة" ذكره في المسألة السادسة من الباب الخامس فقال: إذا شرب بالليل وبقي سكران طول نهاره فعليه قضاء الصوم، وإن امتد السكر في بعض النهار فهو كالإغماء.
فأما إذا شرب دواء حتى زال عقله فإن شربه للتداوي فهو كالمجنون، وإن شربه سفاهة فهو كالسكران. هذا كلامه.
وقد تقدم الوعد في المسألة السابقة بذكر ما ذكره في الدواء، وهذا الذي ذكره فيه -أعني في الدواء- يقتضي أنه إذا زال العقل به في بعض النهار فإن كان لحاجة أبطل لأنه جعله كالمجنون، وإن كان لا لحاجة بل سفهًا صح الصوم؛ لأنه جعله كالإغماء، وهذا واضح الإشكال.
والمسألة جميعها مشكلة؛ فقد رأيت مسألة السكر في جميع النهار في "فتاوى القفال"، وجزم بأن القضاء لا يجب، على عكس ما نقله الرافعي عن "التتمة" وسكت عليه، وعلله -أعني: القفال- بأن السكران مخاطب.
قوله: أما إذا ارتد ثم جن أو سكر ثم جن، ففي وجوب القضاء وجهان.
ولعل الظاهر الفرق بين اتصاله بالردة وإتصاله بالسكر كما سبق في
الصلاة. انتهى.
تابعه في "الروضة" على التعبير بقوله: ولعل الظاهر، وصرح في "شرح المهذب" بأنه الصحيح.
قوله: وذكر الإمام أن القاضي الحسين سلك مسلكًا يفضي إلى تنزيل يوم العيد منزلة يوم الشك.
قال: وما يراه قاله عن عقد. انتهى.
وهذه المقالة تقتضي إثبات خلاف في صحة صومه، وقد حذفها النووي من "الروضة".
وقوله: عن عقد: هو بالدال بعد القاف؛ أي: عن اعتقاد بلا شك وإظهارًا للملكة في المباحث فاعلمه.
فإن نسخ الرافعي وقع فيها عقل باللام، وعبارة الإمام ترشد إلى ما قلنا، وصرح به الغزالي في "البسيط" فقال: إن قاله القاضي عن اعتقاد فعلى خلاف المذهب.
قوله: وهل يجوز للمتمتع العادم للهدى صوم أيام التشريق عن الثلاثة اللازمة عليه؟ فيه قولان: القديم: أنه يجوز؛ لما روى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص للمتمتع إذا لم يجد الهدي ولم يصم الثلاثة في العشر أن يصوم أيام التشريق (1).
والجديد -وبه قطع بعضهم-: أنه لا يجوز؛ لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال"(2). انتهى ملخصًا.
(1) أخرجه البخاري (1894).
(2)
أخرجه أبو داود (2419) من حديث عمرو بن العاص وفى الباب عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وهذه الطريقة النافية للقديم نقلها الرافعي في أواخر الكلام؛ لأجل ذلك لم يتفطن لها النووي فأسقطها من "الروضة".
والحديث الأول رواه البخارى، والحديث الثاني -وهو النهى عن صيامها- رواه أبو داود بإسناد صحيح من رواية عمرو بن العاص، وفي "صحيح مسلم" (1):"إنها أيام أكل وشرب وذكر لله" والبعال: بكسر الباء الموحدة وبالعين المهملة: هو الجماع؛ ومن هاهنا نقل ابن حزم عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد.
ذكر ذلك في حديث النهى عن صوم المرأة إلا بإذن بعلها إذا كان حاضرًا.
ولكن المعروف في كتب اللغة أن البعل هو الزوج، على خلاف ما قاله.
قوله: وإذا جوزنا للمتمتع العادم للهدي صوم أيام التشريق فهل يجوز صومها لغيره؟ فيه وجهان: الأكثرون على أنه لا يجوز. . . . إلى آخره.
استدرك عليه في "الروضة" فقال من "زياداته": وإذا جوزناه لغير المتمتع، فهو مختص بصوم له سبب من واجب أو فعل.
فأما ما لا سبب له فلا يجوز عند جمهور من ذكر هذا الوجه.
هذا الذي استدركه قد صرح به الرافعي عند الكلام على صوم المحبوس إذا اجتهد فوافق ذا الحجة؛ فالغريب أن الرافعي قد صرح به أيضًا هنا في التعليل فإنه قال ما نصه: قال أبو إسحاق: نعم؛ لأن تجويز صومها للمتمتع إنما كان؛ لكونه صومًا له سبب، فيجوز مثل هذا الصوم لكل أحد دون التطوعات المحضة.
(1) حديث (1441) من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه.
هذا لفظه فحذفه النووي حالة الاختصار ظنًا منه أنه تعليل محض لا تقييد للمسألة، ثم رأي بعد ذلك أنه لابد منه فاستدركه على الرافعي ظنًا أنه لم يذكره.
قوله: وأما يوم الشك فقد روي عن عمار بن ياسر أنه قال: من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم (1).
ثم قال: فلا يجوز صومه عن رمضان ويجوز صومه عن قضاء ونذر وكفارة، وكذا إذا وافق ورده في التطوع بلا كراهة.
روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستقبلوا رمضان بيوم أو يومين إلا أن يوافق ذلك صيامًا كان يصومه أحدكم"(2).
وعن القاضي أبي الطيب أنه يكره أن يصومه عما عليه من فرض.
قال ابن الصباغ: هذا خلاف القياس، لأنه إذا لم يكره فيه ما له سبب من التطوعات فلأن لا يكره فيه الفرض كان أولى. انتهى كلامه.
فيه أمور:
أحدها: أنه لم يبين الورد، وقد أوضحه في "شرح المهذب" فقال: فإن
(1) أخرجه أبو داود (2334) والترمذى (686) والنسائي (2188) وابن ماجه (1645) والدارمى (1682) وابن خزيمة (1914) وابن حبان (3585) من حديث عمار رضي الله عنه.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وعلقه البخاري في "صحيحه" عن صلة.
وقال الألبانى: صحيح.
(2)
أخرجه الترمذى (1684) وأحمد (10455) والشافعى (908) والدارقطنى (2/ 159) من حديث أبى هريرة.
قال الترمذى: حسن صحيح.
وقال الدارقطنى: كلهم ثقات.
وقال الألباني: صحيح.
كان له سبب بأن كان عادته صوم الدهر أو صوم يوم وفطر يوم أو صوم يوم معين كيوم الاثنين فصادفه جاز صومه بلا كراهة. انتهى.
وفي تجويزه في القسم الأول نظر.
الثاني: أن مقتضى كلامه رجحان عدم الكراهة في قيامه عن الفرض، وقد صرح بذلك في "شرح المهذب" فقال: إنه مقتضى كلام الجمهور.
واعلم أن ما قاله القاضي أبو الطيب من الكراهة ظاهر، وما نقله الرافعي عن ابن الصباغ من قياسه على التطوع وأقره عليه، عجيب؛ لأنه إذا صام فيه الفرض لم تبرأ ذمته بيقين لاحتمال أن يكون من رمضان ورمضان لا يقبل غيره.
وهذا المعنى لا يأتي في التطوع؛ ولأجل هذا جزم الشيخ أبو إسحاق في "المهذب" بالكراهة، وقال في "الحاوي": إنه مذهب الشافعي، وجزم به أيضًا الجرجاني في "الشافي" والماوردي في "المقنع"، وعزاه إلى التطوع أيضًا.
وأظن أن القائلين به أكثر عددًا وهذا على تقدير تفرقة القاضي بين الفرض والنفل ذي السبب، وكلام القاضي في "التعليق" يقتضي أنه لا فرق، وابن الصباغ في نقله هنا عن القاضي قد صرح بأنه ينقل عن "تعليقه".
الأمر الثالث: أن الرافعي قد ذكر في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها أنه لو أخر الفائتة ليقضيها فيها كره له ذلك، وقياسه أنه يأتى مثله هنا في قضاء الصوم وفي المنذور والكفارة.
الأمر الرابع: أن إطلاقه جواز القضاء فيه يقتضي أنه لا فرق بين قضاء الواجب والمستحب، وهو نظير ما قالوه في الأوقات المكروهة للصلاة أن
قضاء الفائتة فيها جائز، وإن كانت نافلة من صور قضاء المستحب هنا أن يشرع في نافلة صوم ثم يفسده فإنه يستحب قضاؤه كما قال في "الروضة".
الأمر الخامس: قد تقرر أن تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر ممتنع وإطلاق الفرض يقتضي استثناء هذا اليوم وأنه يجوز التأخير عنه، وقد صرح به الروياني في "البحر" فحكى عن القاضي أبي الطيب أنه يكره أيضًا؛ لأن المقصود بالقضاء هو القربة ولا قربة في ذلك، وعن غيره عدم الكراهة، ثم قال: وهذا أصح عندي، وبالغ في "البيان" فحكى في تحريم الفرض مطلقًا وجهين.
والحديث الأول أخرجه الترمذي وصححه، والثاني أخرجه الشيخان.
قوله: ولا يجوز أن يصوم فيه -أي: يوم الشك- تطوعًا لا سبب له، فإن فعل لم يصح في الأصح. انتهى.
اعلم أن ما جزم به الرافعي من التحريم قد قال به البغوي، والشاشي، وصاحب "التهذيب" و"التتمة" و"البيان"، وجزم به أيضًا النووي في "شرح المهذب" تبعًا لأصله، والمعروف إنما هو الكراهة؛ فقد صرح بكراهته البندنيجي في "الذخيرة"، و"التعليقة" ونصر المقدسي في "المقصود" وابن الصباغ في "الشامل"، والروياني في "البحر" و"الحلية"، والقاضي الحسين في إحدى "تعليقتيه"، والفوارني في "الإبانة"، والقاضي أبو الطيب في "تعليقه"، والجرجاني في كتابيه "الشافي" و"البحر"، والمحاملي في "المقنع". وقال الماوردي في "الحاوي": النهي عن صومه للكراهة لا التحريم، وقال الدارمي في "الاستذكار": لا يجب صوم يوم الشك ونكرهه، فإن صامه جاز.
وقسم الصيمري في "شرح الكفاية"، وأبو حامد في "الرونق"، والمحاملي في "اللباب"، والبيضاوي في "التبصرة" و"شرح الكفاية"، والماوردي في "الإقناع" الصوم إلى حرام وغيره، وجعلوا هذا من قسم المكروه لا من الحرام.
وذكر نحوه الشافعي في "مختصر البويطي" فقال: ولا أحب أن يعمد أحد إلى صوم يوم الشك نافلة.
ومن كان يسرد الصوم أو كان يصوم أيامًا جعلها على نفسه فوافق ذلك اليوم فلا بأس أن يصومه، ومن نواه لرمضان أجزأه، وقد قيل. يعيده وإن كان من رمضان، هذا لفظه بحروفه.
ولم يعبر الإمام في "النهاية" بالتحريم بل قال: اعتماد صومه من غير سبب منهي عنه.
وكذلك عبر الغزالي في كتبه الثلاثة: "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز"، وكلام الزجاجي في "التهذيب" يقتضي جوازه أيضًا.
قوله: فإن نذر صومه ففي صحة نذره الوجهان -أي: المتقدمان في الصحة، وإن قلنا يصح فليصم يومًا آخر، فإن صامه خرج من نذره، قاله في "التهذيب". انتهى.
تابعه في "الروضة" عليه ولم يسند النقل المذكور إلى "التهذيب"، ونقله في "شرح المهذب" عن الخراسانيين.
إذا علمت ذلك ففيه أمران:
أحدهما: أن قول الرافعي فليصم لا شك أنه على سبيل الإيجاب؛ لأن التفريع على أن صومه حرام، والمحرم يجب العدول عنه.
وذكر بعض المتأخرين من شراح "الوسيط" أنه على سبيل الأولوية،
وكأنه أخذه من نذر الصلاة في الأوقات المكروهة، وقد سبق إيضاحه مع أمور أخرى تتعلق بما نحن فيه فراجعه.
الثاني: أنه كيف يصح نذره والخروج عن العهد به مع القول بتحريمه.
قوله: ولو كان في السماء قطع سحاب يمكن أن يرى الهلال من خلالها وأن يخفي تحتها ولم يتحدث برؤيته أحد، فقال الشيخ أبو محمد: هو يوم شك، وقال غيره: إنما يكون كذلك بشرط أن يتحدث برؤيته من لا يقبل قوله. وتوسط الإمام .. إلى آخره.
والأصح أنه ليس بيوم شك، كذا صححه النووي في "زيادات الروضة" و"شرح المهذب".