المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

أولاً: يروى عن ابن مسعود (1) رضي الله عنه أنه قال: تقرَّبوا إلى الله ببغض أهل المعاصي، والقوهم بوجوه مكفهرة، والتمسوا رضى الله بسخطهم وتقربوا إلى الله بالبعد منهم (2).

وروى أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قال: لا يقلدن أحدكم

(1) هو عبد الله بن مسعود بن غافل حليف بني زهرة، كان إسلامه قديما حيث أسلم مع سعيد ابن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب وذلك قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقيل عنه: إنه قال: لقد رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، وهاجر الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وشهد بدرًا وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أجهز على أبي جهل وشهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة توفي بالمدينة سنة 32 ودفن بالبقيع انظر أسد الغابة لابن الأثير (3/ 256 - 260).

(2)

انظر تحفة الإخوان/ حمود التويجري (56).

ص: 118

دينه رجلا، فإن آمن آمن وإن كفر كفر، فإن كنتم لا بد مقتدين، فاقتدوا بالميت فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة (1) اهـ.

ثانيا: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: كل إخاء منقطع إلا إخاءً كان على غير طمع (2) اهـ.

ثالثا: أخرج أبو نعيم عن حسان بن عطية أن أبا الدرداء (3) رضي الله عنه كان يقول: لا تزالون بخير ما أحببتم خياركم، وما قيل فيكم بالحق فعرفتموه، فإن عارف الحق كعامله (4) اهـ.

رابعا: قال ابن مسعود رضي الله عنه: لو أنَّ رجلاً قام يعبد الله بين الركن والمقام سبعين سنة لبعثه الله مع من يحب يوم القيامة (5) اهـ، وهذا الأثر موافق لمعنى الحديث الصحيح المرء مع من أحب (6) وقال الحسن رضي الله عنه مصارمة الفاسق قربان إلى الله (7) اهـ.

خامسا: ما يصوره لنا موقف خالد بن الوليد رضي الله عنه مع مجاعة

(1) انظر الحلية لأبي نعيم (1/ 136).

(2)

انظر كنز العمال عبد الرحمن جلال الدين السيوطي (8/ 236).

(3)

هو عويمر بن مالك بن زيد بن قيس بن أمية بن عامر ويكنى بأبي الدرداء تأخَّر إسلامه قليلاً وكان آخر أهل داره إسلاما وحسن إسلامه، وكان فقيها عاقلا حكيما آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنهما وتولى أبو الدرداء قضاء دمشق في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وتوفي قبل أن يقتل عثمان بسنتين وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (5/ 185، 186).

(4)

انظر الحلية لأبي نعيم (1/ 210).

(5)

انظر فضيلة الألفة والأخوة مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1605) الورقة (78) المؤلف غير معروف يعتقد أنها مؤلفة في القرن التاسع الهجري.

(6)

رواه مسلم صحيح مسلم (4/ 2032) باب البر والصلة.

(7)

انظر فضيلة الألفة والأخوة الورقة (78).

ص: 119

ابن مرار الحنفي اليمامي، أن الميل إلى أصحاب الباطل وموادعتهم، موالاة لهم فقد كان مجاعة بن المرار الحنفي من أهل اليمامة قد وفد هو وأبوه على النبي صلى الله عليه وسلم وكان من رؤساء بني حنيفة وأقطعهما النبي صلى الله عليه وسلم العودة وعوانة والجبل، ثم لما حصلت الردة مال مجاعة إلى تأييد قومه من أصحاب مسيلمة، ولما سار خالد إلى اليمامة حين ارتدوا قدَّم مائتي فارس، وقال: من أصبتم من الناس فخذوه، فأخذوا (مجاعة) في ثلاثة وعشرين رجلا من قومه، فلما وصلوا إلى خالد قال مجاعة يا خالد، لقد علمت أني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه، أمس فإن يك كذابا قد خرج فينا فإن الله يقول:(وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)[الأنعام: 164] فقال خالد: يا مجاعة، تركت اليوم ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه، أنت أعز أهل اليمامة وقد بلغك مسيري إقرارًا له ورضاء بما جاء به، فهلا أبيت عذرا، وتكلمت فيمن تكلم، فقد تكلم ثمامة بن أثال فرد وأنكر، وتكلم اليشكري، فإن قلت أخاف قومي، فهلا عمدت إلي أو بعثت إلى رسولا، فقال: إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفو عن هذا كله، فقال قد عفوت عن رمك (1) ولكن في نفسي حرج من تركك (2) اهـ.

سادسًا: في سنة 138 هـ من الهجرة نشأ خلاف كبير بين الأخوين، سلطان الشام، الملك الصالح إسماعيل، وسلطان مصر، الملك الصالح نجم الدين أيوب، كان من نتيجته أن استعان الملك.

(1) أي سجنك انظر المعجم الوسيط (1/ 375).

(2)

انظر مجموعة التوحيد (289 - 290)(299 - 300) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (4/ 300، 301)

ص: 120

إسماعيل بالصليبيين أعداء الإسلام والمسلمين، وتحالف معهم على قتال أخيه نجم الدين، وأعطاهم مقابل ذلك مدينة صيدا، على رواية السبكي (1) وكذلك قلعة صفد وغيرها على رواية المقريزي (2) وأمعن إسماعيل في هذه الخيانة، فسمح للصليبين أن يدخلوا دمشق، ويشتروا منها السلاح وآلات الحرب، وما يريدون.

فأثار هذا الصنيع المنكر استياء عامة المسلمين وعلمائهم فهب الشيخ عبد العزيز بن عبد السلام وصعد على منبر الجامع الأموي بدمشق في يوم الجمعة، وخطب الناس وأفتى بتحريم بيع السلاح للأعداء، وأنكر بشدة على الملك إسماعيل خيانته وفعلته النكراء، وألغى من الخطبة الدعاء المتعارف عليه للسلطان إسماعيل وهذا بمثابة الإعلان بنزع البيعة منه، وأبدل ذلك بقوله:(اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر)(3) اهـ.

ولم يكن السلطان حاضرًا تلك الخطبة، فلما علم أمر بعزل الشيخ واعتقاله، مع صاحبه الشيخ ابن الحاجب المالكي لاشتراكه معه في هذا الإنكار (4).

سابعا: قال ابن جرير الطبري في قوله تعالى: (فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ)[آل عمران: 28] يعني: فقد برئ من الله وبرئ الله منه لارتداده عن دينه (5) اهـ.

(1) انظر طبقات الشافعية للسبكي (5/ 100) وبعدها.

(2)

انظر كتاب السلوك للمقزيري (1/ 303).

(3)

انظر وا إسلاماه أحمد باكثير (100).

(4)

المصدر السابق المكان نفسه.

(5)

انظر مجموعة التوحيد (288) وانظر الدرر السنية (2/ 176) وانظر (65، 66) من هذه الرسالة.

ص: 121

ثامنًا: يفهم من كلام ابن تيمية رحمه الله قوله: إن ظاهر النصوص يدل على كفر من تولى الكفار، نقل ذلك عنه حمد بن عتيق في بعض ما كتبه (1) وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن المعاون لأعداء الله فقال حكمه حكم المباشر وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وأحمد (2).

تاسعًا: يقول ابن كثير (3) في تفسيره، إن من يوال الكفار من دون المؤمنين ويسر إليهم بالمودة فهو كافر مرتد، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى:(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ)[آل عمران: 28] إلا ما استثنى الله ممن يكره إكراها ملجئا (4) اهـ.

عاشرًا: يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (لو أن رجلاً أقرَّ بأن الإسلام نهى عن الشرك، ولم يفعل الشرك بنفسه، ولكنه زينه للناس، ورغبهم فيه، أليس هذا كافرا مرتدا)(5).

وعلى هذا القول يحكم بكفر الذين يدعون إلى الأحزاب الكافرة من شيوعية، أو اشتراكية، أو بعثية، أو ماسونية، أو علمانية، أو نحو

(1) انظر مجموعة التوحيد (288) وانظر الدرر السنية (2/ 176).

(2)

انظر الفتاوى لابن تيمية (35/ 91).

(3)

هو إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي المعروف بابن كثير (عماد الدين، أبو الفداء) ولد سنة (700) بجندل من أعمال بصرى، ثم انتقل إلى دمشق ونشأ بها وتعلم العلم فيها فهو محدث، مؤرخ مفسر، فقيه، توفي في شعبان سنة (774) هـ ودفن بمقبرة الصوفية عند شيخه ابن تيمية رحمهما الله جميعًا رحمة واسعة من تصانيفه تفسير كبير يقع في عشر مجلدات، مختصر علوم الحديث لابن الصلاح، البداية والنهاية في التاريخ، الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجامع المسانيد جمع فيه آحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة: انظر معجم المؤلفين (2/ 283، 284).

(4)

انظر مختصر تفسير ابن كثير/ محمد علي الصابوني (1/ 276)

(5)

انظر الرسائل الشخصية: محمد بن عبد الوهاب (29).

ص: 122

ذلك، وإن لم يكونوا من المعتنقين لها والمنضمين إليها، ويلحق بذلك أيضا دعاة الدعارة والفساد في وسائل الإعلام، الذين يزِّينون الفاحشة، وهتك القيم والأخلاق الإسلامية، وإن لم يمارسوا الفساد بأنفسهم، ويطبقوه على أهليهم، لأن من كره ما أحل الله، ودعا إلى ما حرم الله، فقد استحق غضب الله عليه.

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (لو أن إنسانا كره ما أنزل الله أو أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به أمر استحباب، وصد الناس عن ذلك كركعتي الفجر مع علمه بما قال الرسول صلى الله عليه وسلم أليس هذا كافرًا مرتدًّا؟

فكيف بمن سب دين الله الذي بعث الله به جميع أنبيائه، مع إقراره ومعرفته به، ومدح دين المشركين، الذي بعث الله أنبياءه بإنكاره، وبيان بطلانه (1).

وقال الفضيل بن عياض (2): من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله، وأخرج الإسلام من قلبه، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها: ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض صاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له (3) اهـ.

فإذا كان هذا كله في صاحب البدعة وهو على دين الله، فما بالك بمن يوالي من يدعون خصائص الألوهية في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحلَّ الله؟ ومع ذلك كله يقرهم على هذا الإدعاء، ويواليهم ويناصرهم عليه، فهذه ليست موالاة مبتدع على بدعته بل هي موالاة كافر على كفره، أو مشرك على شركه ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أنه

(1) انظر الرسائل الشخصية: محمد بن عبد الوهاب (30).

(2)

انظر ترجمته في ص (144) من هذه الرسالة.

(3)

انظر في ظلال القرآن سيد قطب (7/ 278).

ص: 123

لا يحكم بالكفر إلا على من عرف التوحيد ثم عاداه، وعادى من يلتزمونه، وصد الناس عنه فيقول:(ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله، ثم عاداه وصدَّ الناس عنه، فهذا الذي أكفره، وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء، إلا رجلا معاندًا، أو جاهلاً بأحكام الإسلام)(1).

ثم يقول: (نكفر من أشرك بالله، بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك، وكذلك نكفر من حسَّن الشرك للناس، وأقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه، دون مشاهد الشرك، وقاتل بسيفه دونها، وأنكر وقاتل من يسعى في إزالتها)(2).

وفي رسالة بعث بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إلى محمد بن عيد، ذكر فيها أنه يحكم بكفر من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله، ثم أبغضه ونفر الناس عنه، وجاهد من صدق الرسول فيه، وكذلك من عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره، وأقر بذلك ليلاً ونهارًا، ثم مدحه وحسَّنه للناس، زعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم فحكمه الكفر (3).

ثم يقول: وإني لا أكفر أحدا بالظن، أو بالموالاة للكفار، أو بالجهل ما لم تقم عليه حجة البلاغ (4) اهـ.

ومفهوم كلام الشيخ رحمه الله أن من قامت عليه حجة البلاغ بشأن موالاة الكفار ثم والاهم بعد ذلك فهو كافر.

ويرى قتال من أبغض التوحيد، ونفَّر الناس عنه، ومدحه وحسَّنه.

(1) انظر مجموع الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب (58).

(2)

المصدر السابق (60).

(3)

المصدر السابق (25)

(4)

المصدر السابق المكان نفسه.

ص: 124

ووالى أعداء التوحيد وخصوم الإسلام، بعد معرفته له، وذلك عملاً بقوله:(وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)[الأنفال: 39].

ثم يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: وقد أجمع العلماء على أن من سب الشرع، أو سبَّ الأذان، أو سبَّ شيئًا من أحكام الإسلام الثابتة أنه كافر مرتد (1).

وهذا يدل والكلام للشيخ، على أن الإنسان قد يكفر بكلمة أو عقيدة قلب أو فعل من أفعال الشرك.

فكيف بمن جاهد بنفسه وماله ورأيه، أهل التوحيد، وأطاع أهل الشرك والضلال؟. أليس ذلك أولى بوصف الكفر والردة عن الإسلام (2).

ثم يقول: لو قدرنا فرضًا أن السلطان المسلم في المغرب ظلم أهل المغرب ظلمًا عظيمًا، في أموالهم وأنفسهم ورأوا أنه لا مخرج لهم بذلك إلا بالاستنجاد بالفرنج، وعلموا يقينا أنهم لا يوافقونهم إلا أن يقولوا: نحن معكم على دينكم ودنياكم، وأنكم على حق، والسلطان على باطل، وتظاهروا معهم بذلك مع أنهم لم يدخلوا في دين الفرنج حقيقة، ولم يتركوا دين الإسلام بالفعل، لكن تظاهروا بما ذكرنا، ومرادهم في ذلك دفع الظلم عنهم فلا يشك أحد أنهم مرتدون.

حيث صرحوا أن دين الكفار هو الحق، ودين السلطان الذي هو الإسلام هو الباطل، مع علمهم أن الحق والصواب عكس ما قالوا، ولكنهم قالوا ذلك كراهية للسلطان ولما فيه من ظلم (3) اهـ.

وهذا المثال ينطبق على كثير ممن يدعون الإسلام اليوم فقد انحرف

(1) انظر الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب (26).

(2)

المصدر السابق (27).

(3)

المصدر السابق (28).

ص: 125

كثير من الناس وارتدوا عن الإسلام، ووالوا أعداء المسلمين، بحجة فساد العلماء والحكام المسلمين، فانضموا إلى الأحزاب الكافرة، واعتنقوا المبادئ الضالة كوسيلة من وسائل التخلص من حكم الحكام الظالمين وتسلط العلماء النفعيين، وهؤلاء أخطئوا الطريق، فهم كالمستجير من الرمضاء بالنار، فكراهيتهم لبعض المسلمين الذين يمثلون الإسلام تمثيلاً زائفًا جعلتهم يكرهون الإسلام نفسه، وينفرون منه، وينفرون الناس عنه، لاعتقادهم الخاطئ أن الدعوة إلى الإسلام، تخدم مصالح هؤلاء الذين يتاجرون باسم الإسلام، وهذا التصور والفهم، هو غاية الجهل والسطحية والسذاجة حيث إن الإسلام حجة على الناس، وليست أعمال الناس حجة على الإسلام ولأن الإسلام يحكم على الأشخاص من خلال قيمه وتصوراته، ولا يحكم على الإسلام من خلال أفعال الناس وتصرفاتهم فسوء التطبيق للإسلام من بعض المسلمين، يجب أن لا نُحمِّل ذلك الخطأ مبدأ الإسلام نفسه، حيث إن نظرية الإسلام الأساسية قائمة على العدل والإنصاف فإذا سرق الحاكم أو ظلم، أو ارتشى القاضي وجار في حكمه، أو نافق العالم وداهن، فالإسلام برئ من كل هذه السيئات والتصرفات، لأن أحكامه تأبى مثل هذه الأعمال وتنكرها ويعتبر الأفراد مسئولين عن هذا التصرف ومجزيين عليه في الدنيا والآخرة، والإسلام برئ منهم ومن تصرفاتهم التي لا تمثله في قليل أو كثير.

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: ومن اعتقد أن لأحد من الناس طريقًا غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنه لا يجب عليه اتباعه أو أن له أو لغيره الخروج عن اتباعه، أو قال: إن من العلماء من يسعه الخروج عن شريعة الله كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فقد كفر في هذا كله (1).

(1) انظر الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (68)

ص: 126

ثم يقول الشيخ في موضع آخر: «إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب الطاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام» .

كيف لا .. وهم يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله ويسعون في الأرض فسادا بقولهم، وفعلهم وتأييدهم؟ ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفَّرهم، أوزعم أن فعلهم هذا ولو كان باطلاً، فلا يخرجهم إلى الكفر فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لأنه لا يصح دين الإسلام، إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم (1).

قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 256].

وقد نهى الله نبيه وعباده المؤمنين عن المجادلة عمن فعل ما دون الشرك من الذنوب في قوله تعالى: (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ)[النساء: 107] فكيف بمن جادل عن المشركين، وصد عن دين رب العالمين (2) اهـ.

إن في تلك الآية إدانة صريحة للذين يظاهرون الكفار ويوالونهم من دون المؤمنين أن المسلم الحقيقي هو الذي لا يطلق لسانه في تمجيد الكفار وتصويب باطلهم، وهو يعلم أنهم يفعلون بالمسلمين الأفاعيل النكراء، من قتل للنفوس البريئة، ونهب للثروات الطائلة، ومتاجرة بأعراض المسلمات، فلا يتعاون مع الكفار ويمجدهم ويتعاطف معهم، ويدافع عنهم، إلا كافر مثلهم.

إن المسلم المخلص الغيور، وهو الذي ينطلق في تعامله مع الناس

(1) انظر الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب (188).

(2)

انظر الرسائل الشخصية: محمد بن عبد الوهاب (193).

ص: 127

من قاعدة الحب في الله والبغض في الله، فيحب أهل الإسلام وإن كانوا بعيدين عنه نسبا ووطنا، ويبغض أهل الكفر وإن كانوا قريبين منه نسبًا ووطنًا.

إن هناك فئة من الناس هي بمثابة إمعات (1) تردد ما تردده وسائل الإعلام المعادية للإسلام، فليحذر المسلم من أن يكون ببغاء يردد ما يتفوه به الأعداء، ويكون صدًى لهم في أقوالهم وأفعالهم فيخذل المؤمنين، وينصر الكافرين على المؤمنين، ومن فعل ذلك فقد استحق غضب رب العالمين فيا أهل الإسلام ويا حماة العقيدة الإسلامية، لا تغتروا بمن يتمسح بالإسلام وهو من أشد أعدائه، وألد خصومه، فتبرروا لهم أخطاءهم وتتستروا على جرائمهم فإنكم مسئولون عن ذلك أمام الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وقد لخص الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بعض مقالات لابن تيمية رحمه الله قال في أحدها: إن من أعظم الفروق بين أهل محبة الله، وبين من يدعي محبة الله: هو اتباع الشريعة والقيام بواجب الجهاد (2).

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إن هؤلاء الذين يقولون التوحيد دين الله ورسوله، ثم يبغضونه أكثر من بغض اليهود والنصارى ويسبونه ويصدون الناس عنه، ويجاهدون في زواله وتثبيت الكفر بالنفس والمال والرأي، هؤلاء يجب جهادهم وقتالهم، بكل مستطاع حيث إنهم أشد من اليهود والنصارى، وهم مصدر فتنة على هذا

(1) إمعات جمع إمعة وهو الذي يقول لكل أحد: أنا معك، ولا يثبت على شيء لضعف رأيه. انظر المعجم الوسيط (1/ 26).

(2)

انظر ملحق المصنفات للشيخ محمد بن عبد الوهاب (17).

ص: 128

الدين وقد أمر الله عز وجل بقتال أهل الفتنة قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)[البقرة: 193].

ثم يقول كيف لا يكفر من جاء إلى أهل الشرك يحثهم عليه وعلى لزومه، ويزينه لهم ويستشيرهم على قتل المؤمنين الموحدين، وأخذ مالهم ومصادرة حقوقهم؟ (1) إن الأدلة على كفر المسلم، إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على المسلمين، ولو لم يشرك، أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين (2).

(الحادي عشر: سئل الشيخان حسين وعبد الله (3)) (4) ابنا الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا عمن عاهد على السمع والطاعة والموالاة في الله والمعاداة فيه، ولم يف بما عاهد عليه من الموالاة والمعاداة ولا تبرأ من دين الكفار.

فأجابا بأن حكمه الكفر والردة عن الإسلام (5) وحول هذا المعنى يقول الشاعر سليمان بن سحمان الدوسري.

(1) انظر الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب ص (272).

(2)

انظر الرسائل الشخصية الشيخ محمد بن عبد الوهاب (272).

(3)

هو الشيخ عبدا الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية سنة (1165) ونشأ بها في كنف والده نشأة علم وصلاح فقرأ القرآن حتى حفظه ثم تفقه على والده في المذاهب الإسلامية، وبعد وفاة والده كان هو القائم مقام والده في نشر الدعوة، وتعليم طلاب العلم، وقد تخرج على يديه عشرات العلماء الذين تولوا القضاء في مناطق مختلفة في عهده، وله عدد من المصنفات منها جواب أهل السنة النبوية في نقص كلام الشيعة والزيدية، وألف مختصرا للسيرة النبوية وله رسائل متفرقة وضعت في مجاميع الرسائل والمسائل النجدية وفي أثناء حملة إبراهيم باشا على الدرعية واستيلائه عليها نقل الشيخ وابنه عبد الرحمن إلى مصر وبقي فيها تحت الإقامة الجبرية حتى توفي سنة (1242هـ) انظر مشاهير علماء نجد عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله (32: 50).

(4)

انظر الدرر السنية (8/ 113، 114).

(5)

انظر الدرر السنية (8/ 113، 114).

ص: 129

ففرض على كل امرئ نصرة الهدى

وقمع ذوي الإلحاد من كل ذي صد (1)

الثاني عشر: يقول الشيخ حمد بن علي بن عتيق: إن الأمور التي يصير بها المسلم مرتدا، أمران.

1 -

الأمر الأول الشرك.

2 -

الأمر الثاني مظاهرة المشركين على دينهم الباطل وطاعتهم في ذلك ولم يستثن من حالات المظاهرة والطاعة إلا حالة واحدة وهي الموافقة لهم في الظاهر مع مخالفتهم في الباطن، وذلك إذا كان في سلطانهم، مع مباشرة تعذيبهم وتهديدهم له (2) اهـ.

الثالث عشر: قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله إن كل من استسلم للكفار، ودخل في طاعتهم وأظهر موالاتهم فقد حارب الله ورسوله، وارتد عن الإسلام، ووجب جهاده، ولزمت معاداته (3) اهـ وقد أجمع العلماء على أن من تكلم بالكفر هازلا أنه يكفر، كما في قصة المنافقين في غزوة تبوك، فكيف بمن أظهر الكفر وساعد على إظهاره ودعا إليه خوفًا وطمعًا في ملذات الدنيا؟ ألا يكون أولى وأحق بالكفر والردة ممن قال بضع كلمات معدودة في مناسبة محدودة؟ (4).

(1) ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان/ سليمان بن سحمان (8).

(2)

انظر مجموعة التوحيد (286 - 296).

(3)

انظر الدرر السنية (7/ 11).

(4)

انظر مجموعة التوحيد (234).

ص: 130