المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

إن هذا الدين من سماته العظيمة ومميزاته الكريمة أنه ينقل النص الموحى به من عند الله إلى التطبيق العملي في واقع الناس وحياتهم فمجرد العلم بالأحكام الشرعية لا يغني صاحبه شيئًا ما لم تتحول هذه المعرفة إلى عمل واقعي مشاهد محسوس، وإن القرآن الكريم والسنة النبوية ليسا للمتاع العقلي ولا للمعرفة المجردة، وإنما جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم من عند ربه ليكونا منهاج حياة، ولذلك لم ينزل الله عز وجل هذا القرآن جملة واحدة، وإنما نزل وفق الحاجات المتجددة ووفق المشكلات العملية التي تواجهها الجماعة المسلمة في حياتها الواقعية، يقول سيد قطب رحمه الله: لقد كانت الآية أو الآيات تنزل في الحالة الخاصة أو الحادثة المعينة تحدث الناس عما في نفوسهم، وترسم لهم منهج العمل في المواقف المتعددة (1) اهـ.

(1) انظر معالم في الطريق سيد قطب (18 - 19)

ص: 301

وكان من ضمن هذه المواقف التي تناولها القرآن الكريم والسنة النبوية موقف الموالاة والمعاداة، فنزلت الآية القرآنية وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه القضية بما لا يدع زيادة لمستزيد، وقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار على نهجهم الموالاة في الله والمعاداة فيه كما رسمها الله عز وجل فوالوا أولياءه وعادوا أعداءه، على هدى وبصيرة من وحي الله، فكانوا بذلك قدورة وأسوة حسنة لمن وفقه الله إلى عمل الخير وهداه إلى الصواب، وفي هذا المبحث سنعرض صورا ومشاهد واقعية حقيقية، عن الموالاة والمعاداة في الله، وكيف وصل الإسلام باتباعه إلى هذه الدرجة العظيمة من الحب في الله والبغض في الله، بصورة لا مثيل لها في غير تاريخ الإسلام وسنعمل على ترتيب هذه الصور حسب أهميتها وإن كانت كلها مهمة وهي صور للذكرة وليست للحصر فصور الموالاة والمعاداة في الله أكثر من أن تحصر، حيث ما من عمل من الأعمال إلا والباعث عليه الحب في الله أو البغض في الله، وهذه الصور تتخذ أشكالا متنوعة في الموالاة والمعاداة في الله بحيث تكون نموذجا متكاملا للمجتمع المسلم فهي لا تقتصر على جانب دون جانب آخر، ومن هذه الصور ما يلي:

أولا: من صور الموالاة في الله الإيثار:

فقد روي في سبب نزول قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الحشر: 19] إنما هم الأنصار فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله.

ص: 302

- صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله هذه الآية (1).

وقد روى البخاري أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا فقالوا تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا سمعنا وأطعنا (2) وقد أخرج الإمام أحمد عن أنس، أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قدم المدينة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه فقال له سعد: أي أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا، فانظر شطر مالي فخذه وتحتي امرأتان فانظر أيتهما أعجب إليك حتى أطلقها فقال عبد الرحمن، بارك الله لك في أهلك ومالك دلوني على السوق فدلوه فذهب، فاشترى وباع فربح فجاء بشيء من أقط وسمن، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه درع زغفران فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهيم؟ (3) فقال: يا رسول الله تزوجت امرأة، فقال:«ما أصدقتها؟» قال: وزن نواة من ذهب، قال:«أو لم ولو بشاة» (4).

ثانيا: من صور المعاداة في الله، معاداة ذوي القرابة وهجرهم، عند استمرار عداوتهم ومحاربتهم في الله:

(1) انظر فتح الباري (7/ 119) كتاب مناقب الأنصار.

(2)

رواه البخاري انظر صحيح البخاري (3/ 136) دار إحياء التراث العربي.

(3)

أي ما أمرك وشأنك انظر صحيح مسلم (2/ 1042).

(4)

رواه البخاري ومسلم انظر صحيح البخاري (7/ 5) وانظر صحيح مسلم (2/ 1042).

ص: 303

قال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22].

روي في سبب نزول هذه الآية أقوال متعددة، نذكر منها قول ابن جريج (1) حيث يقول: حدثت أن أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه وسلم فصكه ابنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه صكة فسقط منها على وجهه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال: أو فعلته؟ لا تعد إليه فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لو كان السيف مني قريبا لقتلته، هذا والله أعلم كان في أول الإسلام فإن أبا قحافة أسلم عام الفتح (2) وقال ابن مسعود رضي الله عنه إن الآية المتقدمة نزلت في أبي عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح ورضي الله عنه حيث قتل أباه عبد الله بن الجراح يوم بدر، وكان ابن الجراح يتصدى لأبي عبيدة عدة مرات، وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما كثر من ذلك قصد إليه أبو عبيدة فقتله أي قتل الشرك الممثل في شخص أبيه ولو لم يكن مشركا لكان من أبر الناس بوالده (3).

وقد أنكر الواقدي ذلك وقال: إن والد أبي عبيدة قد توفي قبل الإسلام ورد بعض أهل العلم قوله ذلك (4).

ومن صور المعاداة في الله، أنه لما أكثر اليهود من نقضهم العهود مع

(1) هو عبد الله بن جريج الأموي المكي ولد سنة (80) هـ وتوفي سنة (150) هـ محدث حافظ فقيه مفسر، رومي الأصل ولد بمكة وقدم العراق وحدث بالبصرة وأكثروا عنه الرواية من آثاره السنن مناسك الحج، وتفسير القرآن الكريم انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (6/ 183، 184).

(2)

انظر تفسير القرطبي (17/ 307) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (3/ 85).

(3)

انظر تفسير القرطبي (17/ 307) وانظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن رأفت الباشا (2/ 11).

(4)

انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (3/ 85).

ص: 304

رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاروا ينسجون المؤامرات بالمدينة أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة في قتل اليهود المحاربين لله ورسوله، وكان ذلك في السنة الثالثة للهجرة حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم «من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه» فوثب محيصة بن مسعود رضي الله عنه على ابن سنينة اليهودي وهو من تجار يهود فقتله، وكان ابن سنينة يبايعهم في تجارته، فقال له أخوه حويصة بن مسعود وهو حينئذ مشرك، يا عدو الله قتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله يلوم أخاه على قتل هذا التاجر اليهودي، فقال محيصة: لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك فقال: «إن دينا بلغ بك هذا لعجب» فأسلم حويصة لذلك (1).

ومن صور الموالاة في الله ما حصل من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع أمه عندما امتنعت عن الأكل والشرب وأقسمت أن لا تطعم حتى يرجع عن الإسلام، وأخذت على ذلك ليالي وأياما، وبدأت تستقبل سعدا بالبكاء والدموع، لعلها تبلغ بدموعها ما لم تبلغه بتوسلاتها وكان معروفا أنه من أبر الأبناء بأمهاتهم، لكنه وقف من أجل دينه ذلك الموقف الحازم الشديد فقال لها: والله لو كان لك ألف نفس، فخرجت نفسًا نفسًا، ما تركت ديني هذا.

وعند ذلك أدركت أن هذا الأمر ليس فيه مجال للمساومة أو الإغراء أو التهديد أو الوعيد، فرجعت عن ذلك (2) وقريب من هذه الحادثة ما حصل من الطفيل بن عمرو الدوسي حيث أسلم وأقام بمكة زمنا تعلم فيه وتفقه في أمر دينه ثم عزم على الرحيل والعودة إلى قومه دوس التي كانت تعبد أصناما منها ذوى الشرى، وذو الكفين، وعندما وصل إلى أهله قال:

(1) انظر المصدر السابق (4/ 334، 335).

(2)

انظر كتاب سعد بن أبي وقاص عبد الحميد جودة السحار (8 - 13) وانظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن رأفت الباشا (4/ 111 - 113).

ص: 305

استقبلني والدي وكان شيخًا كبيرًا فقلت له: إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني، قال: ولم يا بني؟ قلت: لقد أسلمت واتبعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال: أي بني، ديني دينك، فقلت: اذهب واغتسل وطهر ثيابك ثم تعالى حتى أعلمك ما علمت، فذهب واغتسل وطهر ثيابه ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم، وهكذا فعل مع زوجته وأمه وبعض قومه، وكان أبو هريرة رضي الله عنه ممن أسلموا على يد الطفيل بن عمرو الدوسي (1).

وقد أخرج ابن جرير الطبري عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى بدر أن يسحبوا (2) إلى القليب، فطرحوا فيه ثم وقف وقال: يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا، فقالوا يا رسول الله تكلم قومًا موتى؟ قال:«لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا» فلما رأى أبو حذيفة بن عتبة رضي الله عنه أباه عتبة يسحب إلى القليب عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجهه فقال: يا أبا حذيفة كأنك كاره لما رأيت فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبي كان رجلاً سيدًا فرجوت أن يهديه ربه إلى الإسلام، فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي حذيفة بخير (3) اهـ.

وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لسعيد بن

العاص رضي الله عنه وقد مر به إني أراك كأنك في نفسك شيء أراك

تظن أني قتلت أباك، إني لو قتلته لم أعتذر إليك من قتله، ولكني

قتلت خالي العاص بن هشام ابن المغيرة، فأما أبوك فإني مررت به وهو

(1) انظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن رأفت الباشا (1/ 29، 30)(7/ 91).

(2)

أي يجر على وجه الأرض.

(3)

أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 223) وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم.

ص: 306

يبحث بحث الثور بروقه (1) فحدت عنه وقصد له ابن عمه علي فقتله فقال سعيد بن العاص: لو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل فأعجبه قوله (2).

ومن صور الموالاة في الله والمعاداة فيه، ما أخرج البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي بن سلول وهو في ظل أطم (3) فقال ابن سلول: غبر علينا ابن أبي كبشة (4)، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنه يا رسول الله والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه فقال: لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته (5).

وأخرج ابن شاهين بإسناد حسن عن عروة قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر وعبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبويهما فنهاهما عن ذلك (6).

وأخرج ابن أبي شيبة عن أيوب قال: قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما لأبي بكر: رأيتك يوم أحد فصدفت (7) عنك قال أبو بكر رضي الله عنه لكني لو رأيتك ما صدفت عنك، وقد أسلم عبد الرحمن رضي الله عنه في هدنة الحديبية (8).

(1) الروق أي القرن انظر لسان العرب (1/ 1257).

(2)

انظر البداية والنهاية لابن كثير (3/ 290) وانظر أسد الغابة (2/ 310)(5/ 170، 171) وانظر حياة الصحابة (2/ 292).

(3)

الأطم البناء المرتفع انظر المعجم الوسيط (1/ 20).

(4)

أبي كبشة هو زوج حليمة السعدية مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يجد المنافقون من عيب في رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبوه إلى زوج مرضعته.

(5)

انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (9/ 318) قال الهيثمي: رجاله ثقات.

(6)

انظر الإصابة في معرفة الصحابة لابن حجر (1/ 361).

(7)

أي أعرضت انظر المعجم الوسيط (1/ 512).

(8)

انظر سنن البيهقي (8/ 186) وانظر كنز العمال (5/ 274).

ص: 307

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها في معركة بدر، استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم في أسرى بدر فقال ما ترى يا ابن الخطاب؟ قال عمر قلت: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب لعمر فاضرب عنقه، وتمكن عليّا من عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، وحتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة (1) للمشركين (2).

وروي عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فدخل على ابنته أم حبيبة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه، فقال: أي بنية أرغبت بهذا الفراش عني؟ أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ نجس مشرك، فقال يا بنية لقد أصابك بعدي شر (3)، ومن صور المعاداة في الله أيضا، ما حصل في معركة بدر الكبرى حينما مر مصعب بن عمير بأخيه أبي عزيز بن عمير وقد خاض معركة بدر مع الكفار ضد المسلمين، فمر به مصعب وأحد الأنصار يضع القيد في يده، فقال مصعب للأنصاري شد يديك به، فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب إنه أي الأنصاري أخي دونك (4) ومن صور الموالاة والمعاداة التي حصلت في موقف واحد وحادثة واحدة ما روي في حادثة زيد بن سعنة رضي الله عنه وكان يهوديا قبل إسلامه أنه أقرض النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم قرضا اقترضه النبي صلى الله عليه وسلم ليسد به خللا في

(1) هوادة: أي لين ورقة انظر المعجم الوسيط (2/ 1009).

(2)

انظر البداية والنهاية لابن كثير (3/ 297).

(3)

انظر البداية والنهاية لابن كثير (4/ 280) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (5/ 457) وانظر الطبقات لابن سعد (8/ 70)

(4)

انظر غزوة بدر تأليف أحمد محمد باشميل (176، 177).

ص: 308

شئون نفر من المؤلفة قلوبهم، ثم رأى زيد بن سعنة أن يذهب لطلب الوفاء من الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ميعاد الوفاء المحدد، قال: أتيته يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ ثم قلت: يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب إلا مطلا ولقد كان لي بمخالطتكم علم ونظر إلىَّ عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فوته (1) لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّ في سكون وتؤدة (2) اهـ.

ومن الصور في مثل هذا الموقف ما كان من عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عمير بن وهب الجمحي رضي الله عنه حيث كان قبل إسلامه مع صفوان بن أمية رضي الله عنه وكان ذلك قبل إسلام صفوان أيضا فتحدث عمير بن وهب عن أسر ابنه في بدر، وحدث صفوان برغبته في قتل الرسول صلى الله عليه وسلم لولا دين عليه وأولاد صغار لهم من ينفق عليهم، فقال صفوان بن أمية رضي الله عنه أنا أتحمل ذلك عنك وتعاهد الرجلان بجوار الكعبة على ذلك، ثم مضى عمير بن وهب في مهمته حتى قدم المدينة ونزل على مقربة من المسجد النبوي وبينما هو متجه إلى المسجد إذ التفت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان مع جماعة من الصحابة خارج المسجد فقال عمر: هذا عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشر امضوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكونوا حوله، ثم انطلق عمر إليه وأخذ بمجمع ثوبه من عنقه وطوق عنقه بحمالة سيفه، ثم مضى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال قال لعمر أطلقه يا

(1) أي لولا ما أخشى أن يفوتني من رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت.

(2)

انظر حقوق الإنسان محمد الغزالي (59) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (2/ 231، 232).

ص: 309

عمر فأطلقه ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي جاء بك يا عمير؟ قال جئت أرجو فكاك هذا الأسير الذي في أيديكم قال الرسول صلى الله عليه وسلم فما بال السيف معك؟ قال: وهل أغنت عنا شيئا يوم بدر؟

ثم أخبره النبي صلى الله عليه وسلم باتفاقه مع صفوان وخطتهما لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لقد أيقنت أنه ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني إليك سوقا ليهديني إلى الإسلام، ثم شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لخنزير كان أحب إلي من عمير بن وهب حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو اليوم بعد إسلامه أحب إلي من بعض أبنائي (1).

ومن تلك الصور العملية في الموالاة والمعاداة في الله ما حصل من المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وذلك عندما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أتاه عروة بن مسعود الثقفي رضي الله عنه قبل أن يسلم (2) وكان سيد ثقيف وكان خلال حديثه يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه جريا على عادة العرب في ذلك عند الملاطفة والرغبة في التواصل والتراحم، وكان المغيرة بن شعبة هو ابن أخي عروة بن مسعود (3) واقفا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما مد عروة يده إلى لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قرع المغيرة يد عمه بكعب السيف وهو يقول: أكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألا تصل إليك، فيقول عروة، ويحك ما أفظك وما أغلظك فيبتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1) انظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن الباشا (1/ 58 - 68) وانظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (4/ 149) وانظر كتاب الجرح والتعديل (4/ 421).

(2)

انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (3/ 405) ابن الأثير.

(3)

المصدر السابق (3/ 406، 407).

ص: 310

وانصرف عروة وهو مأخوذ بما رأى من فعل ابن أخيه فيه وحرصه على سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إلى قريش وهو يقول لهم: «يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، والله ما يحدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما عليه إلا أن يشير إلى امرئ فيفعل» (1).

ومن الصور العملية في ذلك أيضا أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بعث بعثة استطلاعية مكونة من اثنين من جنوده للوصول إلى القسطنطينية وتفقد أحوالها، وسافر الاثنان متنكرين حتى وصلا عاصمة الروم واختلطا بأهلها وجمعا ما يريدان من معلومات، وكانت خطتهما أن يمشيا متباعدين حتى إذا قبض على أحدهما كان بوسع الآخر العودة والإخبار عنه، ودخل أحدهم قصر الملك في أحد احتفالاتهم، وحاول التعرف على القصر ومداخله، وأحوال الملك وجماعته، ولكنه اكتشف أمره وقبض عليه، وكان أخوه في الإسلام يراقب ذلك فلما تأكد من أنه سجن كر راجعا ليخبر الخليفة بأمره.

وقدم الجندي الأموي المسلم إلى ملك الروم الذي كان مغرورا بأبهته وحاشيته كالديك الرومي محاطا بالحاشية والحرس، فاتهم الجندي المسلم باللصوصية وقال له: ماذا يريد خليفتكم من الإغارة علينا، أما تكفيكم بلادكم؟ ورد عليه الجندي بعزة وإباء: نحن لا طمع لنا في بلادكم وأموالكم وإنما نهدف إلى نشر الإسلام وإقامة موازين العدل التي افتقدها الناس بسبب ضلالهم عن الدين الحق وتحريفهم لكتب الأنبياء السابقين ولتأليههم البشر وعبادتهم للملوك والجبابرة، وغضب عند ذلك البطريرك الذي كان

(1) رواه البخاري، انظر فتح الباري (5/ 329 - 333).

ص: 311

جالسا قرب الملك وقام من مجلسه وصفع الجندي على وجهه صفعة مؤلمة، وأمر به إلى السجن ومرت الأيام وجرى تبادل الأسرى بين المسلمين والروم وعاد الجندي المسلم الأسير إلى أهله، واستدعاه الخليفة وأكرمه وسمع خبره، ثم أمر بتوجيه بعثة من الجنود تنكروا على شكل صيادين حتى وصلوا إلى القسطنطينية فدخلوها واحتالوا على البطريرك فقبضوا عليه وجاءوا به مكبَّلا إلى أن أدخل على مجلس الخليفة الذي زانه الوقار والحكمة والهيبة فأوقف أمامه، وكان الجندي الذي أسر بجانب الخليفة: فقال له: معاوية أهذا هو؟ أي الذي صفعك فقال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له دونك فاقتص منه، فقال الجندي باستعلاء وعزة: بل عفوت عنه يا أمير المؤمنين، فقال الخليفة للبطريرك: اذهب إلى ملكك وقل له: إن أمير المؤمنين يقيم العدل ويقتص من الجاني حتى في مملكته، ورجع البطريرك يرجف فؤاده خزيًا وهيبة، وقد أذله وقهره عفو الجندي وتوبيخ الأمير بالرغم مما أساء إليهما به هو وملكه المتعجرف وهكذا لم يقر قرار للخليفة المسلم حتى أعاد لجندي صفع ظلمًا، حقه من عدوه، وحفظ له كرامته وللدولة هيبتها أمام أعتى دول الأرض حينذاك وأكثرها غنى ورفاهية وتجبرا (1).

ورحم الله معاوية بن أبي سفيان الذي ضرب بتلك الحادثة المثل الكبير للحاكم المسلم الذي يدافع عن حق الفرد وحق الجماعة على حد سواء.

ولكن أين حكام اليوم من مثل تلك الحادثة العظيمة؟ لقد أضاعوا حقوق الأفراد وحقوق الأمة كلها فهناك شعوب مسلمة تقتل وتعذب بأشد أنواع العذاب وتستعبد من قبل طغاة كافرين، ومع ذلك لا نسمع ممن

(1) انظر تأملات تاريخية في مجلة المجتمع عدد (534) السنة الحادية عشرة في (28/ 8/ 1401) هـ (49).

ص: 312

يدعون الإسلام من الحكام والمحكومين حتى مجرد الاستنكار بالقول فضلا عن الاستنكار بالعمل بل ربما قدم بعض أدعياء الإسلام العون المادي والمعنوي لمن ينتهكون حرمات المسلمين وإعراضهم فرحمتك يا رب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ثالثا: من صور المعاداة في الله ما قام به بعض المسلمين من هجمات جريئة وتصفية جسدية لأعداء الله، لم يدفعهم إلى ذلك حب مرتبة دنيوية ولا راتب أو مكافأة شهرية، وإنما فعلوا ذلك موالاة لله وحبا له، وعداوة لأعداء الله وبغضا لهم.

قال ابن إسحاق لما انتهى أمر الخندق، كان سلام بن أبي الحقيق اليهودي، فيمن حزب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف من كبار اليهود فاستأذن الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق وهو مقيم بخيبر فأذن لهم، فخرج من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر، هم عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحارث بن ربعي، وخزاعي بن أسود حليف لهم من أسلم، وأمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عتيك ونهاهم أن يقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا، فلم يدعوا غرفة في الدار حتى أغلقوها على أهلها، وكان هو في علية (1) إليها عجلة قال: فأسندوا إليها حتى قاموا على بابه، فاستأذنوا فخرجت امرأته إليهم فقالت من أنتم؟ قالوا أناس من العرب نلتمس الميرة (2) قالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه، فلما دخلنا أغلقنا علينا وعليه الحجرة، تخوفا أن يكون دونه محاولة تحول بيننا وبينه، قال:

(1) أي غرفة مرتفعة على أخرى.

(2)

الميرة أي الطعام.

ص: 313

فصاحت امرأته فنوهت بنا فابتدرناه وهو على فراشه، بأسيافنا فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه، كأنه قبطية ملقاة (1).

قال فلما صاحت بنا امرأته جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل قال فلما ضربنا بأسيافنا تحامل عليه عبد الله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه وهو يقول قطني قطني أي حسبي حسبي قال وخرجنا وكان عبد الله بن عتيك ضعيف البصر، قال: فوقع من الدرجة فوثبت يده وثبا شديدا، وحملناه حتى نأتي به نهرًا من عيونهم، فندخل فيه، فأوقدوا النيران واشتدوا في كل وجهة يطلبوننا حتى إذا يئسوا رجعوا إليه فاكتنفوه وهو يقضي، فقلنا كيف لنا بأن نعلم أن عدو الله قد مات؟ قال فقال رجل منا: أنا أذهب فأنظر لكم، فانطلق حتى دخل مع الناس قال: فوجدتها يعني امرأته ورجال من اليهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه، وتحدثهم وتقول: أما والله قد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي، وقلت: أني لابن عتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه، فقالت: فاظ وإله يهود قال فما سمعت كلمة كانت ألذَّ على نفسي منها.

وفي هذه الحادثة يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

لله در عصابة لاقيتهم

يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف

يسرون بالبيض الخفاف إليكم

مرحا كأسد في عرين مغرف

حتى أتوكم في محل بلادكم

فسقوكم حتفا ببيض ذنف

مستنصرين لنصر دين نبيهم

مستصغرين لكل أمر مجحف (2)

فهؤلاء الذين قاموا بهذا العمل لم يدفعهم إلى ذلك رغبة في مالٍ يمنحه

(1) القبطية: ثياب من كتان بيض رقاق، كانت تنسج بمصر، وهي منسوبة إلى القبط على غير قياس: انظر المعجم الوسيط (2/ 718).

(2)

انظر في هذا البداية والنهاية لابن كثير (4/ 137، 138).

ص: 314

لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أو رهبة من بطش الرسول صلى الله عليه وسلم بهم لو لم يقوموا بذلك وإنما هم الذين استأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة العظيمة حبا لله ورسوله ونصرة دينه، وعداوة لمن حارب الله ورسوله وكان بإمكانهم أن يعيشوا كما عاش غيرهم من الجبناء والمنافقين الذين يدسون رءوسهم بالرمال ويتملقون كل كافر وفاجر، ولكن الحب الحقيقي لله ورسوله والمؤمنين والبغض والعداوة للكافرين، لا بد أن يتحول إلى عمل واقعي مشهود ليظهر صفاء الإيمان في أعماق النفس المسلمة.

ومن صور المعاداة في الله ما حصل في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث كان هناك رجل نصراني اسمه عساف من أهل السويداء فشهد عليه جماعة من أهل الإسلام أنه يسب النبي صلى الله عليه وسلم وعندما طلب هرب واستجار بأحمد بن حجي أمير آل علي، فاجتمع الشيخ تقي الدين ابن تيمية والشيخ زين الدين الفارقي (1) شيخ دار الحديث، ودخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي فكلماه في أمره، فأجابهما إلى ذلك وأرسل معهما من جنده من يحضره فخرج الشيخان من عنده ومعهما خلق كثير من الناس وفي الطريق التقوا بعساف النصراني ومعه رجل من العرب فسب المسلمون عسافًا وشتموه فقال ذلك الرجل الأعرابي هو خير منك يعني النصراني فرجم الناس ذلك الأعرابي حتى مات، وأما عساف النصراني فقد قدم إلى الوالي وأعلن إسلامه وحقن الوالي دمه بسبب إسلامه (2).

رابعًا: من صور الموالاة في الله عدم الرضوخ للإغراءات المادية

(1) هو عمر بن إسماعيل بن مسعود بن سعد الدين الربعي الفارقي الشافعي ولد سنة 598 وتوفي سنة 689 وهو محدث فقيه أصولي أديب مشارك في أنواع العلوم وله عدد من المؤلفات انظر معجم المؤلفين (7/ 277) وانظر البداية والنهاية لابن كثير (13/ 318).

(2)

انظر البداية والنهاية لابن كثير (13/ 335، 336).

ص: 315

وذلك في مثل ما حصل من عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه حيث أسر في إحدى المعارك مع الروم ثم ذهبوا به إلى ملك الروم، وعرض عليه أن يتنصر، ويخلي سبيله ويكرم مثواه، فرد عليه بعزة وثقة وأنفة وإباء، قائلا: إن الموت أحب إلي ألف مرة مما تدعوني إليه.

فقال قيصر: أجبني إلى النصرانية، فإنك إن فعلت شاطرتك ملكي، وقاسمتك سلطاني، فقال عبد الله: لو أعطيتني جميع ما تملك، وجميع ما تملكه العرب، على أن أرجع عن ديني طرفة عين ما فعلت ذلك.

قال: إذن أقتلك، قال: أنت وما تريد، ثم صلبوه على خشبة الصلب فرموه قريبا من رجليه، وقريبا من يديه وهو يعرض عليه مفارقة دينه فأبى، ثم أمر بقدر عظيمة، فصب فيها الزيت، ثم أوقدت تحته النار حتى اشتدت حرارته ثم دعا بأسيرين من أسارى المسلمين، فألقي أحدهما فإذا لحمه يتفتت، وإذا عظامه تبدو عارية، ثم التفت إلى عبد الله بن حذافة ودعاه إلى النصرانية فكان أشد إباء لها من قبل، فلما يئس منه، أمر به أن يلقى في القدر التي ألقي فيها صاحبه، فلما ذهبوا به دمعت عيناه، فقال رجال قيصر لملكهم: إنه قد بكى فظن أنه قد جزع من الموت، وقال ردوه إلي، فلما مثل بين يديه عرض عليه النصرانية فأباها.

فقال: ويحك، فما الذي أبكاك إذن؟

قال: أبكاني أني قلت في نفسي: تلقى الآن في هذه القدر، فتذهب نفسك وقد كنت أتمنى أن يكون لي بعدد ما في جسدي من شعر، أنفس فتلقى كلها في هذا القدر في سبيل الله.

فقال الطاغية، هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ فقال عبد الله له: وعن جميع أسارى المسلمين أيضًا؟ قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدو من أعداء الله أقبل رأسه فيخلي عني وعن أساري المسلمين جميعا لا

ص: 316

ضير في ذلك علي ثم دنا منه وقبل رأسه، فأمر الملك بإطلاق سراحه وسراح جميع المسلمين المأسورين لديهم (1).

إن هذا البطل المسلم المجاهد قد أضاف بعمله هذا مجدا إلى بطولاته العظمى في الإسلام حيث لم يدفعه هذا الترغيب والترهيب حب السلامة لنفسه فقط، ولم يطغ حب الذات أو حب المنصب أو حب المال أو الجاه على حب الله، ولم يخضع إلى الإغراءات المادية والمعنوية التي أراد ملك النصارى أن يرجعه بها عن الإسلام، رغم عظمة الإغراء وهول الموقف، لقد رفض أن يقبل رأس هذا الكافر إلا إذا كان ثمن هذه القبلة جميع أسارى المسلمين.

إنها قبلة ما أعظم ثمنها وأجل قدرها.

ولكن شتان بين الأمس واليوم، لقد أصبح المسلمون اليوم يتسابقون إلى تقبيل السفاحين لدماء المسلمين من الكفرة والمرتدين أمثال بيغن وريغان، وبريجنيف، ورؤساء الأحزاب البعثية والماسونية في البلاد العربية، لقد قبل عبد الله بن حذافة السهمي رأس ملك الروم بعزة واستعلاء بعد أن أملى عليه شروطه، أما مدعي الإسلام اليوم فيقبلون رءوس الطواغيت وهم أذلاء صاغرون يقبلونهم وقد سلبوهم دينهم إن كان لديهم بقية من دين يقبلونهم وقد عاثوا في أرض الإسلام والمسلمين بكل أنواع الجرائم والمنكرات، ونهبوا خيرات البلاد، وشردوا الملايين ممن يدعونه أخوتهم إن كانوا يعرفون للأخوة معنى، ومع ذلك يقبلونهم بأفواههم، وترتجف لمحبتهم قلوبهم، وتشهد على مودتهم للكفار أفعالهم.

أما عبد الله بن حذافة السهمي فقد قبل حاكم الروم وقلبه يكاد ينفجر غيظًا وعداوة له ولكنه الإكراه الذي عذر الله المسلم فيه أن يقول كلمة

(1) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (3/ 142، 144) وانظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن رأفت الباشا (1/ 51 - 57).

ص: 317

الكفر قال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[النحل: 106].

إن قبلات العبيد لأسيادهم اليوم في الشرق والغرب ليس ثمنها مشاطرة أولئك العبيد أسيادهم في ملكهم وأموالهم، كما عرض على عبد الله بن حذافة السهمي من قبل قيصر، وإنما ثمنها مشاطرة الأسياد لأولئك العبيد في نهب خيرات المسلمين وثرواتهم فهل هذه هي التقدمية والحرية والاشتراكية التي ينادون بها؟

خامسا: من صور الموالاة في الله استخدام الاقتصاد في الموالاة في الله والمعاداة فيه وذلك مثل ما فعل ثمامة بن أثال ملك اليمامة رضي الله عنه عندما أسلم فقد آذى المسلمين في أول أمره ثم أسر فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن أسلم قال يا رسول الله والله ما كان على ظهر الأرض وجه أبغض إلي من وجهك قبل أن أسلم، وقد أصبح وجهك الآن أحب الوجوه كلها إلي، ووالله ما كان دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، ووالله ما كان بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ، ثم قال: كنت أصبت في أصحابك دما، فما الذي توجبه علي فقال النبي:) صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليك يا ثمامة، فإن الإسلام يجب ما قبله)، ثم ذهب معتمرًا إلى مكة، وهو حديث عهد بالإسلام وأقبل على قريش بكل عزة وكبرياء فثاروا في وجهه ووصفوه بمختلف الأوصاف، وكادوا يقتلونه لأنهم كانوا يعدونه سندا ومعينا لهم، ثم قال لقريش: أقسم برب هذا البيت، إنه لا يصل إليكم بعد عودتي إلى اليمامة حبة من قمحها أو شيء من خيراتها حتى تتبعوا محمدا عن آخركم وفعل ما قال بكل حزم وقوة حتى فشا في قريش الجوع واشتد عليهم.

ص: 318

الكرب فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر وقالوا قتلت الرجال بالسلاح، والأطفال والنساء بالجوع وكان الرسول صلى الله عليه وسلم مشفقا حتى على أعدائه فكتب عليه الصلاة والسلام إلى ثمامة بن أثال (1) بأن يطلق ما منعه عنهم من الميرة من تمر وطعام ففعل ذلك.

سادسا: من صور الموالاة في الله مشاركة المسلمين ولو بالقلب والشعور إذا عجز المرء عن المشاركة الفعلية فيشاركهم في أفراحهم وآلامهم فيفرح بما يفرحهم ويتألم لما يتألمون منه.

فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من نفاق (2) قال القرطبي: إن من لم يتمكن من عمل الخير، فينبغي له العزم على فعله إذا تمكن منه ليكون عزخمه بدلا من فعله، فأما إذا خلا عنه ظاهرا، وباطنا فذلك شأن المنافق الذي لا يعمل الخير ولا ينويه خصوصا الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام (3).

فالمسلم لا بد أن يوالي أولياء الله وينصرهم ويحب نصرتهم ويعادي أعداء الله ويشارك في كسر شوكتهم بنفسه وماله وأقواله فإن لم يستطع فلا أقل من المشاركة بقلبه ووجدانه، فقد روي عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم حبسهم المرض وفي رواية إلا شركوكم في الأجر (4).

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: رجعنا من غزوة

(1) انظر صور من حياة الصحابة د/ عبد الرحمن الباشا (1/ 102 - 116).

(2)

صحيح مسلم (3/ 1517) كتاب الإمارة باب ذم من مات ولم يغز.

(3)

انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (2/ 929) مؤسسة الرسالة.

(4)

رواه مسلم صحيح مسلم (3/ 1518) دار إحياء التراث العربي.

ص: 319

تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أقواما بالمدينة ما سلكنا شعبا، ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر» (1) وفي قصة الذين جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يطلبون منه أن يأخذهم معه إلى الجهاد، فردهم لأنه لم يجد ما يحملهم عليه، وهم لا يجدون ما ينفقون سوى أعز ما يملكون من تضحية في نفوسهم دليل على المشاركة بالشعور عند عدم المشاركة بالفعل فقد انصرفوا وهم يبكون حزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد قال تعالى:(لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)[التوبة: 91، 92].

فالمسلم إذا عجز عن المشاركة بالمال أو النفس أو القول فلا أقل من المشاركة بمشاعر الحب والبغض، ولذلك فعذر الله للمذكورين في الآيتين ليس على إطلاقه بل هو مشروط بقوله (إذا نصحوا لله ورسوله) أي: إذا عرفوا الحق وأحبوه وأحبوا أهله، وأحبوا انتصارهم، وعرفوا الباطل وعادوه وأبغضوه وعادو أهله، فعند ذلك تزول عنهم التبعة ويدخلون في عداد المحسنين (2) قال تعالى:(إِذَا نَصَحُوا للهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ولكنهم مع ذلك نجد أن أعينهم تفيض من الدمع حزنا على ما فاتهم من شرف الجهاد مع أن طبيعة معظم الناس الذين يفقدون حرارة الإيمان أن يفرحوا بنجاتهم من الأخطار، وابتعادهم عن غائلة الحروب ولكن الإيمان جعل هؤلاء يرون في فوات هذه الغزوة عليهم فوات شيء ثمين يستحق أن تسكب عليه العبرات وتحزن له النفوس، وعلى عكس هذا

(1) انظر صحيح البخاري (4/ 31) ط دار إحياء التراث العربي.

(2)

انظر تفسير القرطبي (8/ 226).

ص: 320

الموقف المتسامح مع أصحاب الأعذار الذين شاركوا بقلوبهم ومشاعرهم عند عجزهم عن المشاركة بأفعالهم نجد موقف الشدة والتأنيب لأولئك الذين تخلفوا عن المعركة نفسها بدون عذر شرعي وذلك في قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي (1).

وذلك نتيجة لحظات من الضعف البشري، وإيثارا للراحة على التعب والظل على الحر، والإقامة على السفر، مع أنهم مؤمنون صادقون، فقد استيقظ الإيمان في نفوسهم بعد قليل من سفر الرسول صلى الله عليه وسلم وعلموا أنهم ارتكبوا بتخلفهم عنه وعن المؤمنين إثما كبيرا، ومع ذلك فقد كانت عقوبتهم قاسية رادعة مؤلمة، فقد عزلوا عن المجتمع عزلا تاما، واعتزلهم المؤمنون اعتزالا كاملا، ونهي الناس عن كلامهم والتحدث معهم لمدة خمسين يوما حتى زوجاتهم أمروا بمفارقتهن مفارقة سكنى واستئناس بهن، ورغم المقاطعة الشديدة لهم، لم نجد منهم من ركن إلى أقوال المنافقين أو اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين ولم نجد منهم من استحباب إلى دعوة حاكم غسان الذي سمع بالخبر، فأراد أن يستغل تلك الفرصة بدعوة أحد الثلاثة أو جميعهم إليه، ولكن كتابه أحرق بالنار، لأن جذوة الإيمان مشتعلة في النفوس كما نجد في هذه القصة الوحدة الحقيقية في القول والعمل والالتزام الصارم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقاطعة من يؤمرون بمقاطعته ولو كان أقرب قريب، وهذه الصفة هي روح الموالاة والمعاداة في الله، فلم يهم أحد من المسلمين بمسارقة أولئك النفر في الحديث خفية أو خلسة، لاعتقادهم اعتقادا جازما بأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتخلف ثلاثة نفر من ثلاثين ألف مجاهد ليس له تأثير مباشر في نتيجة المعركة أو طبيعتها ولكن القضية هي أكبر من ذلك حيث إن الأمر يتعلق بمبدأ المشاركة والالتزام بمفهوم الإيمان، ولا يجوز للمسلم أن

(1) انظر البداية والنهاية لابن كثير (5/ 23).

ص: 321

يتحول من المشاركة الفعلية إلى المشاركة القلبية والشعورية إلا عند وجود الأسباب المبيحة لذلك أما ترك المشاركة الفعلية والقولية والقلبية فهذا لا يحصل من مسلم صادق في انتمائه للإسلام فلا يجوز للمؤمن الصادق في إيمانه أن يتخلف عن عمل يقتضيه الواجب، أو يرضى لنفسه بالراحة والناس من إخوانه يتعبون، أو يستغرب في الملذات والنعيم وإخواته يبتئسون وتلك هي سمة الإيمان وسمة المؤمن دائما وأبدا إنه فرد من جماعة، وجزء من كل وعضو من جسم، وإن ما يصيب هذه الجماعة يصيبه من باب أولى، وما يفيد هذه الجماعة يفيده، وإن النعيم لا معنى له ولا قيمة له مع شقاء الأمة وبؤسها، والراحة لا لذة لها، مع تعب الناس وعنائهم، وإن التخلف عن الواجب نقص في الإيمان، وخلل في الدين وإثم لا بد فيه من التوبة والإنابة إلى الله عز وجل (1).

ولذلك فإحساس المؤمن وضميره الحي يدفعانه إلى ذلك الواجب بسلطان من داخل نفسه لا من خارجها فهذا أبو خيثمة رضي الله عنه بعد ما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك المتقدم ذكر طرف منها دخل على أهله في يوم شديد الحر، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه وقد رشت كل واحدة منهما عريشها بالماء ليزداد برودة، وبردت فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب كل عريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له.

فقال في نفسه: رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح (2) والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأتين حسنوين في ماله مقيم ما هذا بالنصف (3)؟ والله لا أدخل عريش واحدة منكن حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأ لي زادا، ففعلتا ثم خرج في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أدركه

(1) انظر في هذا المعنى كتاب السيرة دروس وعبر تأليف د/ مصطفى السباعي (172).

(2)

الضح لهب الشمس وحرارتها انظر المعجم الوسيط (1/ 536).

(3)

النصف أي: العدل والإنصاف انظر المعجم الوسيط (2/ 934).

ص: 322

حين نزل تبوك، وقد قال وهو في الطريق شعرا بهذه المناسبة نذكر منه ما يلي:

تركت خضيبا بالعريش وضرمة

صفايا كراما بسرها قد تحمما

وكنت إذا شك المنافق أسحمحت

إلى الدين نفسي شطره حيث يمما (1)

إن المسلم الحق ليضيق صدره بمأكله ومشربه ومسكنه وهو حر طليق، إذا كان إخوانه يتقلبون في حالة بؤس وشقاء وضيق.

ومثل أبي خيثمة عثمان بن مظعون رضي الله عنه حيث دخل مكة في جوار الوليد بن المغيرة، فلما رأى عثمان ما يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الأذى وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل مشرك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني لنقص شديد في نفسي فمضى عثمان إلى الوليد بن المغيرة فقال: يا أبا عبد شمس وفت ذمتك قد كنت في جوارك وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلي به وبأصحابه أسوة فقال الوليد فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت قال لا: ولكن أرضى بجوار الله ولا أريد أن استجير بغيره، قال الوليد فانطلق إلى المسجد فاردد على جواري علانية كما أجرتك علانية، فانطلق إلى المسجد ثم قال الوليد هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد على جواري فقال عثمان صدق، وقد وجدته وفيًّا كريما، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله عز وجل، ثم حضر مجلسا لقريش وفيه لبيد ينشد.

ألا كل شيء ما خلا الله باطل، فقال: عثمان صدقت ثم قال: وكل نعيم لا محالة زائل، فقال عثمان كذبت.

فقال لبيد: يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا فقام سفيه منهم

(1) انظر البداية والنهاية لابن كثير (5/ 8).

ص: 323

فلطم عثمان بن مظعون على عينه حتى أثر فيها فقال له بعضهم لقد كنت في ذمة منيعة وكنت في غنية عما لقيت فقال عثمان جوار الله آمن وأعز (1).

فهذا ما فعله السلف الصالح وما يفعله كل مسلم غيور في عصرنا الحاضر فمهما انحرفت الأمة عن جادة الصواب فإنها لا تعدم الخير وقد عبر عن هذا المعنى من المسلمين المعاصرين عصام العطار (2) بقصيدة نجتزئ منها قوله ما يلي:

فلا راحة حتى ولو لأن مضجع

ولو كنت حتى في ظلال البواسق

إذا كان في خلف السجون أشاوس

تعذب بأيدي كل طاغ ومارق

تمنيت حتى ضجعة السجن بينكم

على الصخر في جو من الجور خانق

صلابة أرض السجن إن كان بينكم

أحب وأشهى من طري النمارق (3)

سابعًا: من صور الموالاة في الله أن يكون المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وقد تحقق هذا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لأن استنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلي من جزيرة العرب (4) وقد روي أن أحد الجنود المسلمين وقع أسيرا في حوزة الرومان وأنهم حملوه إلى إمبراطورهم

(1) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (3/ 385، 386).

(2)

هو الشيخ عصام العطار تعلم في دمشق وعمل في مجال التربية والتعليم ثم وهب حياته للدعوة إلى الإسلام وقد حقد عليه حزب البعث الكافر فخرج يبحث عن مكان أمين في بلاد الله فلم تتسع له البلاد الإسلامية واستقر في ألمانيا سنوات ولكنه مع ذلك لم يسلم من حقد الطائفة النصيرية الكافرة حيث قد تطاولوا عليه في منفاه فقتلوا زوجته بنان الطنطاوي ولا زال الصراع بينه وبين أعداء الله قائم ومستمر، انظر شعراء الدعوة الإسلامية (1/ 75 - 92)

(3)

شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث (1/ 91) تأليف أحمد الجمع، حسني جرار.

(4)

انظر كنز العمال (2/ 312).

ص: 324

الذي حاول أن يكرهه على ترك إسلامه، ورفض الأسير المسلم، وثبت على عقيدته فثار الإمبراطور وأمر أن تفقأ عيناه .. وسمع عمر بن عبد العزيز فكتب إلى ملك الروم يقول: أما بعد. فقد بلغني ما صنعت بالأسير المسلم، وإني أقسم بالله لئن لم ترسله إلي من فورك لأبعثن إليك من الجند ما يكون أولهم عندك وآخرهم عندي.

وعندما وصل الخطاب تراجع ملك الروم أمام هذه العزمة وأمر بإعادة الأسير المسلم إلى أهله وقومه (1) وفي موقف المعتصم (2) صورة من صور الموالاة في الله فهو الخليفة الثامن من خلفاء الدولة العباسية وبطل عمورية العملاق الذي ضرب بتلك المعركة المثل الأعلى في استراداد الكرامة والذود عن حياض المسلمين وقصة عمورية كما ذكر بعض المؤرخين هي: أن نوفيل ملك الروم أغار على حدود الدولة العباسية وعلى زبطرة بالذات وهي مسقط رأس المعتصم وعلى أهل ملطية وغيرها من حصون المسلمين وأسر مجموعة من المسلمين من الرجال والنساء والأطفال فمثل بهم فمنهم من سمل عيونهم، ومنهم من قطع أنوفهم وآذانهم ومنهم من قتل، وكان من بين الأسرى امرأة هاشمية، كبر عليها الضمير وعظمت عليها القسوة، فصاحت بأعلى صوتها وامعتصماه، ونقل بعض الحاضرين هذه الصيحة إلى المعتصم، فما أن وصلت إلى مسمعه حتى صرخ بأعلى صوته في المجلس ونهض مرددا لبيك، لبيك يا أختاه

(1) انظر مجلة الدعوة المصرية عدد (47) السنة التاسعة والعشرون (421) في جمادى الأولى (1400)(55) مقال عن عمر بن عبد العزيز بقلم محمد الخطيب.

(2)

هو أبو إسحاق المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بويع بالخلافة يوم وفاة أخيه المأمون في يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة (218 هـ 833) ولسنة (180هـ 795) وتوفي سنة (226 - 841) فتح عمورية من بلاد البيزنطيين الشرقية، وشيد مدينة سامراء سنة (222هـ 838) بعد أن ضاقت بغداد بجنده من الأتراك وتوفي بها، انظر تاريخ الطبري (10/ 304، 367) وانظر الموسوعة العربية الميسرة (2/ 1718).

ص: 325

وأمر بالنفير العام، واستدعى القضاة والشهود، وأشهدهم على وصيته، أن ماله إذا استشهد في هذه المعركة فيقسم إلى ثلاثة أقسام ثلثه صدقة وثلثه لأولاده، وثلثه لمواليه، وسار بنفسه ومن معه من خيرة قواده ورجاله سنة (223) هـ فحاصر عمورية وهي عين النصرانية ومركز قوتها ومسقط رأس نوفيل ملك الروم، ففتحها بعد حصار شديد رغم حصانة أسوارها وقوة رماتها فخرت صريعة بين يديه، وثأر المعتصم، من أعداء الله ولمن نكل بهم من المسلمين والمسلمات، واسترد كرامة الأمة الإسلامية وبين كيف تكون غضبة الحاكم المسلم إذا انتهكت حرمات العقيدة أو اعتدى على حمى الإسلام والمسلمين (1) وقد عاد إلى بغداد مكبرا مهللا واستقبلته الأمة بالفرح والغبطة والسرور، وأنشد أبو تمام قصيدته المشهورة:

السيف أصدق إنباء من الكتب

في حده الحد بين الجد واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في

متونهن جلاء الشك والريب

وجاء من هذه القصيدة:

لبيت صوتا زبطريا هرقت له

كأس الكرى ورضاب الخرد العرب

وجاء من هذه القصيدة أيضًا:

كم كان في قطع أسباب الرقاب بها

إلى المخدرة العذراء من سبب (2)

وفي مثل هذه الصورة المشرقة من صور الوفاء والغيرة على حمى الإسلام ما روي أن الحجاج بن يوسف الثقفي غضب على واليه في السند غضبا

(1) انظر في هذا البداية والنهاية لابن كثير (10/ 286 - 288) أحداث سنة (223) وانظر تاريخ الأمم والملوك للطبري (10/ 332) وانظر موسوعة التاريخ الإسلامي (3/ 262 - 266).

(2)

انظر ديوان أبي تمام (14 - 18).

ص: 326

شديدا وذلك بسبب امرأة أسرت من المسلمين وأدخلت إلى بلاد السند فجهز الجيوش المتواصلة، وأنفق بيوت الأموال حتى استنقذ المرأة وردها إلى أهلها ومدينتها (1).

هذه حال المسلمين في عهدهم الزاهر عهد الجسد الواحد إذا اعتدى على طرف منه تقلص الجسم وارتعش وانتفض انتفاضة تدمر الأعداء، ولكن شتان بين الأمس واليوم، وأين الثرى من الثريا؟ إن ملايين المسلمين اليوم من الرجال والنساء والأطفال يصرخون ليل نهار، في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها ووسطها، يصرخون وينادون بلسان الحال والمقال وامعتصماه، ولكن هيهات هيهات لا مجيب. يقول الشاعر عمر أبو ريشة:

أمتي كم غصة دامية

خنقت نجوى علاك في فمي

تسمعي نوح الحزانى وتطربي

وتنظري دمع اليتامى وتبسمي

رب وامعتصماه انطلقت

ملء أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها

لم تلامس نخوة المعتصم (2)

لقد أصبح معظم المسلمين اليوم كالسائمة من بهيمة الأنعام التي يذبح الجزار من طرفها وتفقد كل يوم فردًا من أفرادها، ومع ذلك فهي تأكل بكل طمأنينة وتجتر، وتعطي الدر بسخاء لمن يحد السكين لنحرها، لقد أصبح الكفار في هذا العصر أكثر موالاة مع بعضم من المسلمين مع بعضهم وهذا ليس من قبيل التشهير بل هو الواقع فعلا، فإذا اعتدي على يهودي أو نصراني أو شيوعي قامت قيامة العالم كله، أما عندما يكون الضحية من المسلمين فإننا نرى التجاهل المفرط من المسلمين وأعداء الإسلام على حد سواء، وكدليل على ما نقول نسوق بعض الأحداث المشهورة للعبرة

(1) انظر تاريخ الأمم والملوك للطبري (10/ 352) أحداث سنة 224.

(2)

انظر مجلة الدعوة السعودية عدد (815) الاثنين (3/ 11/ 1401)(30، 31).

ص: 327

والذكرى فعندما قتل قادة الثورة الإيرانية أحد التجار اليهود قامت قائمة إسرائيل واليهود في أمريكا وروسيا وأوروبا وحاصروا إيران محاصرة اقتصادية وإعلامية وعسكرية، وعندما قبضت الحكومة الإيرانية على خمسين فردا من الصليبيين واليهود لديها قامت الدنيا كلها فما من صحيفة تصدر أو مجلة أو نشرة أخبار في إذاعة أو تلفاز في كل صباح ومساء في العالم كله، إلا وتذكر عنهم كلاما مستفيضا وجدلا كلاميا وآخر ما دار بشأنهم ولم يكتف الصليبيون واليهود بذلك بل حركوا شركاءهم وعملاءهم في داخل إيران وخارجها كي يطوقوا تلك الثورة ويقضوا عليها في مهدها.

وعندما قتل مزارع أبيض من النصارى البريطانيين في روسيا قامت بريطانيا في كل نشرة من أخبارها، تذكر الملابسات والمحاكمات والتقارير الإخبارية عن ذلك (1) وفي بولندا دعت نقابة العمال الحرة إلى إضراب في العاصمة البولندية، في أكثر من ثلاثين دائرة عمل وذلك بسبب احتجاز السلطة الحكومية، أحد عمال الطباعة لديها حيث إن هذا العامل عضو في هذه المنظمة (2).

فهل يكون الكفار أوفى لأهل ملتهم منا نحن المسلمين؟

هذا هو حاصل فعلا في واقعنا الحاضر، وحتى نكون موضوعيين في هذا نسوق حادثة واحدة من مئات الحوادث التي تبين مدى ظلم المسلمين بعضهم لبعض، وعدم موالاة بعضهم لبعض، على المستوى الرسمي، والمستوى الشعبي، وذلك أنه حدث في يوم الجمعة 27/ 6/ 1980م، وفي الساعة التاسعة صباحا توجهت اثنتا عشرة طائرة هليوكبتر تابعة لسرايا الدفاع بقيادة المجرم الطاغية رفعت الأسد فنزلت في مطار حماة ثم انتقلت إلى سجن تدمر الصحراوي حيث المعتقل الكبير لخيرة المسلمين

(1) إذاعة لندن صباح يوم الأربعاء 20/ 12/ 1400 هـ الساعة السابعة زوالي.

(2)

إذاعة لندن صباح يوم الثلاثاء 26/ 12/ 1400 هـ الساعة السابعة زوالي.

ص: 328

العاملين المجاهدين وأخرجوهم خارج السجن بطريقتهم الخاصة ثم أطلقوا عليهم النار فاستشهدوا جميعًا، وقال الذين شهدوا العملية: إن عددهم ما بين الثمان مائة والألف، من خيرة أهل الإسلام، ثم دفنوا في الصحراء التي قتلوا فيها بواسطة جرافتين كبيرتين (1) إن هذا الخبر الذي يدمي القلب ويبكي العين ويحزن النفس لم نسمع عنه في وسائل الإعلام التي تدعي الإسلام، ولا وسائل الإعلام العالمية التي تدعي المحافظة على حقوق الإنسان أي تعليق أو بيان، في الوقت الذي تتحدث فيه هذه الوسائل عن أخبار القطط والكلاب والفئران، وهذا يؤكد لنا أن الإعلام في العالم كله كأنه يعمل تحت إدارة واحدة، تهدف إلى طمس معالم الإسلام وإخفاء قضاياه وتجاهل حقوقه وحقوق أهله.

إن هؤلاء الذين استشهدوا تحت وطأة الحكم النصيري الكافر، لو كانوا من أهل الفن الماجن المصاب بجنون الشهوة الجنسية أو كانوا ممن يحلون عقولهم في أقدامهم من أصحاب الكرة الذين تتقاذفهم مخططات اليهود والنصارى كما يتقاذفون الكرة بينهم، لبكت عليهم وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة بدلا من الدموع دمًا، ولأجمعت وسائل الإعلام كلها في بلاد الإسلام وخارجها على تأبينهم بما يصك الآذان ويذهل الأسماع ولترك سماسرة اليهود والنصارى في المنظمات الدولية والمنظمات الخاصة إلى إصدار بيانات الاستنكار والاحتجاج أما عندما يكون القتلى من المسلمين المخلصين بأيدي الشيوعية في أفغانستان، أو على يد الصليبي ماركس في الفلبين أو بأيدي عبدة البقر في الهند، أو على يد الطاغية المجرم النصيري في سوريا فإن العالم كله يلتزم الصمت نحو تلك الأحداث الدامية ويتجاهلها لأن الضحية في ذلك هم أهل الإسلام.

بل لقد ابتكرت وسائل الإعلام الغربية المعادية للإسلام مصطلحات

(1) انظر مجلة النذير العدد التاسع عشر الاثنين 18/ 8/ 1400 هـ دمشق (16).

ص: 329

إعلامية تطلقها على أهل الإيمان والإسلام، لقصد تعمية المسلمين في العالم عما يصيب إخوانهم في مشارق الأرض ومغاربها من تصفيات جسدية وتعذيب وحشي فهي تصف المسلمين الغيورين على الإسلام بأنهم يمينيون متطرفون، وفي هذا إدخال للمسلمين في عداد النصارى، ومحاولة صبغهم بصيغة العمالة للغرب وتارة تصفهم بأنهم مسلمون متعصبون أو متطرفون وفي هذا تضليل للسامع بأن هؤلاء يستحقون ما يلقون من قتل وتعذيب لأنهم ليسوا مسلمين معتدلين، ولو سألنا هؤلاء أو سألنا عملاءهم في البلاد الإسلامية عن المسلم المعتدل في مفهوم هؤلاء لوجدناه المسلم الذي لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، ولا يختلف عن اليهود والنصارى في شيء سوى تسمية بالإسلام وانتسابه إليه اسما لا حقيقة، فهذا هو المسلم المعتدل في مفهوم أعداء الإسلام.

وبناء على ذلك فإن المسلم المعتدل في نظر أعداء الإسلام غير مسلم في مفهوم الإسلام الصحيح، لأن الإسلام الذي يرضى عنه أعداء الإسلام ليس إسلاما حقيقيا قال تعالى:(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)[البقرة: 120] ..

ولذلك يجب على المسلم أن لا يصدق أبواق اليهود والنصارى ومن يدور في فلكهم في إطلاق المفاهيم والأوصاف على العاملين للإسلام، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: 6] بل يجب أن يسمَّى المسلمون بما يسمون به أنفسهم، لا بمسميات أعداء الإسلام لهم، فإن أعداء الإسلام يكيدون للإسلام والمسلمين بالقول والفعل وهذا الأمر ليس غريبا منهم، ولكن الغريب في ذلك أن يصدق أقوالهم وأفعالهم بعض من ينتسب إلى الإسلام فلا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 330