المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

لقد تحدث جمع من أفاضل العلماء عن المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة، بصيغ متعددة تختلف ألفاظها، وإن كان هناك توافق وتطابق في المعاني المقصودة بهذه الصيغ، وهذه التعاريف فهي كما يلي:

أولا: يعرف الشيخ عبد اللطيف (1) بن عبد الرحمن، الموالاة والمعاداة فيقول: أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة، البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة.

(1) هو عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب ولد سنة (1225) هـ في بلدة الدرعية موطن دعوة التوحيد ومهد علمائها فحفظ القرآن في صغره ثم انتقل إلى مصر وبقي فيها مدة (31) سنة يتلقى العلم على آفاضل علمائها وفي سنة (1264) رجع إلى نجد واستقر في الإحساء لمدة سنتين ينشر دعوة التوحيد فيها، وبعد ذلك انتقل إلى الرياض، وكان في معية الإمام فيصل بن تركي بن سعود في بعض غزواته، وله جمع من طلاب العلم، وله ستة مصنفات في التوحيد ومختلف العلوم توفي في الرابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1293 هـ انظر مشاهير علماء نجد/ تأليف عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ (70 - 94).

ص: 27

والمعاداة، كالنصرة والأنس، والمعاونة والجهاد، والهجرة ونحو ذلك من الأعمال (1) اهـ.

ثانيا: يقول الشيخ عبد الله (2) بن عبد العزيز العنقري، أن الموالاة هي: الموافقة والمناصرة والمعاونة، والرضا بأفعال من يواليهم، وهذه هي الموالاة العامة، التي إذا صدرت من مسلم لكافر اعتبر صاحبها كافرا، أما مجرد الاجتماع مع الكفار، بدون إظهار تام للدين، مع كراهية كفرهم، فمعصية لا توجب الكفر (3) اهـ.

ثالثا: يقول الدكتور محمد نعيم ياسين: إن الموالاة، تعني، التقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا، لمن يتخذه الإنسان وليا، فإن كان هذا التقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا، مقصودا به الله ورسوله والمؤمنين، فهي الموالاة الشرعية الواجبة على كل مسلم، وإن كان المقصود بالتقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا، هم الكفار، على اختلاف أجناسهم، فهي موالاة كفر ورده عن الإسلام، إذا صدرت ممن يدعي الإسلام، أما الكفار ومن في حكمهم من المرتدين والمنافقين، فبعضهم أولياء بعض، فلا يستغرب منهم ذلك (4) اهـ.

(1) انظر الدرر السنية (2/ 2/ 157).

(2)

هو عبد الله بن عبد العزيز العنقري التميمي النجدي ولد رحمه الله في بلدة ثرمداء من قرى إقليم الوشم بنجد سنة (1290) وتوفي والده وهو في الثالثة من عمره، وفي السابعة من عمره كف بصره، فقرأ القرآن وحفظه عن ظهر قلب ثم تلقى مبادئ العلوم الدينية والعربية في بلدته، ثم انتقل إلى الرياض وتتلمذ على أيدي كثير من علمائها، وفي سنة (1336) عينه الملك عبد العزيز قاضيا لإقليم سدير، وقد شغل هذا المنصب ستة وثلاثين عاما حتى استقال من منصبه لكبر سنه وله مؤلفات وحواش على بعض الكتب منها حاشية على الروض المربع ونونية ابن القيم، توفي في شهر صفر سنة (1373 هـ) انظر مشاهير علماء نجد عبد الرحمن بن عبد اللطيف (246، 247).

(3)

انظر الدرر السنية (7/ 309).

(4)

انظر كتاب الإيمان أركانه حقيقته نواقضه د/ محمد نعيم ياسين ص 188.

ص: 28

رابعًا: يعرف مؤلفوا المعجم الوسيط، الموالاة الشرعية بأنها هي: أن يعاهد شخص شخصًا آخر على الالتزام نحوه بأمر من الأمور (1) اهـ.

خامسًا: ويعرف صاحب الموسوعة العربية (الولاية) التي بمعنى الموالاة بأنها سلطة مقررة لشخص تجعله قادرًا على القيام بأعمال قانونية تنفذ في حق الغير (2) اهـ.

سادسا: يقول سيد قطب (3) رحمه الله أن معنى (الولاية) التي ينهى الله الذي آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى، هي ولاية التناصر والتحالف ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جدا أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود أو النصارى في الدين، وإنما الذي يخشى منه هو ولاء التحالف والتناصر، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره في أول الدعوة الإسلامية، حتى

(1) المعجم الوسيط (2/ 1070).

(2)

انظر الموسوعة العربية الميسرة محمد شفيق غربال (2/ 1962).

(3)

هو سيد بن الحاج قطب بن إبراهيم ولد رحمه الله سنة (1906) في قرية من قرى محافظة أسيوط، لأب ميسور الحال، وكان والده واعيا بمجريات الأمور في بلده، فبعث به والده إلى المدرسة وهو في السادسة من عمره، فأتم حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من العمر، ثم سافر بعد ثلاث سنوات إلى القاهرة ليتم تعليمه الثانوي في رعاية خاله، ثم دخل دار العلوم وتخرج منها وكان محبا للمطالعة منذ صغره، يقرأ كل ما تصل إليه يده، وألف أول كتاب وهو في الخامسة والعشرين سماه (مهمة الشاعر في الحياة) ثم اتصل بعباس محمود العقاد وبقى متتلمذا على العقاد زمنا طويلا إلا أنه كان له نوع من الاستقلال، وبعد ذلك سافر إلى أمريكا للدراسات العليا سنة (1949) ولكنه قطع الدراسة وعاد إلى مصر عندما رأى بأم عينه مكر الأعداء بالمسلمين وأدخل السجن عام (1954) وأقام فيه عشر سنوات ثم أفرج عنه مدة أربعة أشهر، ثم أعيد إليه بعد نشر كتاب (معالم في الطريق) وقد استشهد رحمه الله في يوم (9/ 8/ 1966) وله تسعة عشر مؤلفا منها في ظلال القرآن الذي يقع في ثلاثين جزءا.

انظر كتاب سيد قطب/ محمد توفيق بركات، وكتاب/ سيد قطب تأليف د/ مهدي فضل الله.

ص: 29

نهاهم الله عنه، وأمر بإبطاله، بعدما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة المنورة.

إن المسلم ليس له ولاء ولا حلف إلا مع أخيه المسلم، إنَّ الإسلام يوجب على المسلم أن يقيم علاقاته بالناس جميعا على أساس الإسلام، فالولاء والعداء، لا يكونان في تصور المسلم وفي حركته على السواء إلا من خلال ما تقتضيه الشريعة الإسلامية (1) اهـ.

وبناءً على ذلك فقد قسم الشيخ حسن البنا (2) رحمه الله الناس إلى ستة أصناف هم كما يلي:

1 -

مسلم مجاهد 2 - مسلم قاعد

3 -

مسلم آثم 4 - كافر معاهد.

5 -

كافر محايد 6 - كافر محارب (3).

(1) في ظلال القرآن/ سيد قطب (6/ 758، 759).

(2)

هو حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البنا ولد بمدينة المحمودية بمحافظة البحيرة في مصر سنة (1906) في العام الذي ولد فيه سيد قطب وكان والده من العلماء العاملين فقد اشتغل بالعلوم وله عدة مصنفات في الحديث الشريف أهمها الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وكان إلى جانب ذلك يشتغل بتجليد الكتب وتصليح الساعات لذا لقب بالساعاتي.

دخل حسن مدرسة الرشاد الدينية ثم انتقل إلى المحمودية ودرس فيها الإعدادية، وبعدها انتقل إلى دار المعلمين بدمنهور سنة 1920 م حيث أتم دراستة فيها وحفظ القرآن الكريم قبل إتمام الرابعة عشر من عمره، وفي عام (1923) م انتقل إلى القاهرة حيث انتسب إلى دار العلوم وتخرج منها سنة (1927) وكان ترتيبه الأول وعين مدرسًا بمدينة الإسماعيلية على قناة السويس، ومنها بدأ طريقه للدعوة الإسلامية وشكل أول نواة لدعوة الإخوان المسلمين ضمت ستة نفر من إخوانه في الله وكان ذلك عام (1347هـ 1927م) وفي عام (1932) انتقل إلى القاهرة وانتقل مركز الدعوة إليها واستمرت الدعوة في مصر وانتقلت إلى خارج مصر، ولكن أعداء الإسلام في مصر وخارج مصر أرادوا القضاء عليها فاغتالوا زعيمها في ليلة 14/ 4/ 1368هـ.

انظر كتاب حسن البنا أنور الجندي وانظر مجموعة رسائل الإمام حسن البنا ص 5 - 7.

(3)

انظر مجموعة رسائل حسن البنا (275).

ص: 30

ومن ثم لا يمكن أن يقوم التناصر بين المسلم والكافر، إذ أنهما لا يمكن أن يتناصرا في مجال العقيدة، حيث ليس بينهما أساس مشترك يتناصران عليه (1).

وعلى ضوء هذه الأقسام، يتم وزن الأشخاص والهيئات، ويكون الولاء والعداء، حسبما حدده الشرع لكل نوع من هؤلاء.

ومما سبق بيانه يتضح لي، أن الاختلاف في تعريف الموالاة، هو اختلاف لفظي، مع تطابق المعاني المقصودة لكل منهم.

والحب والبغض، أو الولاء والعداء، صفات فطرية في النفس البشرية ولكن يؤاخذ الإنسان على متعلقاتهما، فإن وافق الحب والبغض أمر الله في ذلك أثيب الإنسان عليهما، وإن خالف الإنسان أمر الله في صفة الحب والبغض استحق العقاب على ذلك، وعلى هذا فإن الحب والبغض تابعان للتكليف الشرعي وداخلان تحت مفهوم الثواب والعقاب (2) لأن الحب والبغض يتبعهما ذوق وإرادة وعمل عند وجوب المحبوب أو المبغض، فمن اتبع ذلك بغير ما أنزل الله، فهو ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، بل يقصد به الأمر إلى الشرك فيكون ممن اتخذ إلهه هواه (3).

الفرق بين الموالاة والتولي في المفهوم الشرعي

التولي: هو الدفاع عن الكفار، وإعانتهم بالمال والبدن والرأي، وهذا كفر صريح يخرج من الملة الإسلامية (4).

أما الموالاة الخاصة، فهي كبيرة من كبائر الذنوب وهي المصانعة.

(1) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (6/ 767).

(2)

انظر الموافقات في أصول الشريعة لأبي إسحاق الشاطبي (2/ 107 - 119).

(3)

انظر الحسبة في الإسلام أو وظيفة الحكومة الإسلامية ابن تيمية ص (67، 68).

(4)

الدرر السنية (5/ 7/ 201).

ص: 31

والمداهنة للكفار، لغرض دنيوي، مع عدم إضمار نية الكفر والردة عن الإسلام (1) كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه عندما كتب إلى قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل هذا الفعل يعتبر كبيرة من كبائر الذنوب، بعد نزول الآيات بذلك قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ)

إلى قوله (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)[الممتحنة: 1] أما حاطب فقد استثنى من ذلك لاعتبارات خاصة، مثل كونه من أهل بدر، وسبقه إلى الإسلام، وسلامة قصده، ولذلك فقد عفا الله عنه (2).

هذا رأي الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف (3) وفي الفرق بين الموالاة والتولي ويوافقه على ذلك الشيخ سليمان (4) بن سحمان حيث يقول نظمًا:

(1) المصدر السابق المكان نفسه.

(2)

انظر تفسير القرطبي (18/ 52).

(3)

هو الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبدا الوهاب، ولد في مدينة الهفوف بالإحساء سنة (1265هـ) ونشأ بها عند جده لأمه عبد الله بن أحمد الوهيبي، وقرأ القرآن وحفظه عن ظهر قلب ثم استقدمه والده إلى الرياض وهو في الرابعة عشرة من عمره ومكث معه يدرس التوحيد والفقه والحديث والتفسير، ثم توفي والده سنة (1293) فسافر إلى الأفلاج وأقام بها ثلاث سنين، درس خلالها على الشيخ حمد بن عتيق، ثم رجع إلى الرياض، وبعد تغلب محمد بن عبد الله بن رشيد عليها طلب من الشيخ أن يصحبه إلى حائل وذلك سنة (1308) وأقام فيها سنة كاملة، ثم عاد إلى الرياض وبقي فيها حتى فتحها الملك عبد العزيز سنة (1319) وعمل عشرين عاما مع الملك عبد العزيز في نشر العلم وتعليمه، وله مجموعة من الرسائل والكتب، وقد توفي في يوم الجمعة (20/ 3/ 1339) انظر مشاهير علماء نجد/ عبد الرحمن بن عبد اللطيف (101، 112).

(4)

هو سليمان بن سحمان النجدي الدوسري، عالم، أديب شاعر، ولد في قرية السقا من أعمال أبها في عسير سنة (1266) وانتقل مع أبيه إلى الرياض فتلقى العلم على علمائها، وكان والده سحمان من العلماء العاملين فقد أقرأ ابنه القرآن الكريم حتى حفظه وأجاده، وفي سنة (1284) انتقل من الرياض إلى الأفلاج، وقد لازم سليمان الشيخ حمد بن عتيق سبعة عشر عاما أي حتى توفي حمد سنة (1301) ثم انتقل إلى الرياض ولازم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف، وكان بالإضافة إلى طلب العلم يعمل كاتبا للإمام عبد الله بن فيصل بن تركي وفي سنة (1305) انتقل مع الإمام عبد الله إلى حائل وبقي فيها أربع سنوات ينشر العلم ويدعو إليه بالعمل حتى نقم منه عبد العزيز بن متعب بن رشيد، فانتقل إلى الرياض للمرة الثالثة (1309) وبقي فيها حتى فتحها الملك عبد العزيز سنة (1319) وقد أصيب بالعمى سنة (1331) وتوفي بالرياض سنة (1349) وله من المصنفات ستة وعشرون مؤلفا، وديوان شعر يحتوي على (8890) بيتا من الشعر.

انظر: مشاهير علماء نجد/ عبد الرحمن بن عبد اللطيف ص 200 - 212.

وانظر: معجم المؤلفين/ عمر رضا كحالة (4/ 2642).

ص: 32

وأصل بلاء القوم حيث تورطوا

هو الجهل في حكم الموالاة عن زلل

فما فرقوا بين التولي وحكمه

وبين الموالاة التي هي في العمل

أخف ومنها ما يكفر فعله

ومنها يكون دون ذلك في الخلل (1)

ويقول الشيخ عبد اللطيف (2) بن عبد الرحمن بن حسن: إن الموالاة تنقسم إلى قسمين.

أولا: موالاة مطلقة عامة، وهذه كفر صريح، وهي بهذه الصفة مرادفة لمعنى التولي، وعلى ذلك تحمل الأدلة الواردة في النهي الشديد عن موالاة الكفار، وأن من والاهم فقد كفر.

ثانيا: موالاة خاصة، وهي موالاة الكفار لغرض دنيوي مع سلامة الاعتقاد، وعدم إضمار نية الكفر والردة كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة في إفشاء سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو مكة كما هو مذكور في سبب نزول سورة الممتحنة (3) اهـ.

ومثل كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في تقسيم الموالاة إلى

(1) ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان/ تأليف سليمان بن سحمان (146).

(2)

انظر ترجمته في ص (27) من هذه الرسالة.

(3)

انظر الدرر السنية (1/ 235، 236).

ص: 33

مطلقة وخاصة، كلام القرطبي (1) وابن العربي (2) وسليمان بن عبد الله (3) ابن عبد الوهاب والشيخ حمد بن علي بن عتيق (4).

(1) انظر كلامه في تفسيره (18/ 52) أما ترجمته، فهو محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري الخزرجيّ الأندلسي، القرطبي المالكي (أبو عبد الله) مفسر توفي بمنية بني خصيب بمصر في ليلة الاثنين التاسع من شوال (671هـ)، ومن تصانيفه الجامع لأحكام القرآن في عشرة مجلدات، والأسنى في شرح أسماء الله الحسنى في مجلدين بالإضافة إلى مؤلفات أخرى، انظر معجم المؤلفين/ عمر رضا كحالة (8/ 239، 240).

(2)

انظر كلامه في تفسيره أحكام القرآن (4/ 1770 - 1773) أما ترجمته فهو محمد ابن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي، الأشبيلي المالكي، ولد في ليلة الخميس لثمان بقين من شعبان سنة (468) وكان أبوه من فقهاء بلدة أشبيلية، تلقى العلم على شيوخ بلده، ثم خرج للحج وعمره سبعة عشر عاما ثم عرج على مصر والشام والتقى بعلمائها، وواصل في رحلته، إلى بغداد، وبعد أربع سنوات في طلب العلم في الشام والعراق ومصر رجع إلى الأندلس سنة (495) وقدم إلى بلدة أشبيلية بعلم كثير، فعلم الطلاب، وصنف خمسة عشر مؤلفا وتولى القضاء ثم تركه وتوفي رحمه الله سنة (543هـ) وهو في الطريق من مراكش إلى فاس وحمل إلى فاس ودفن بها، انظر مقدمة كتاب أحكام القرآن لابن العربي (1/ 4 - 7) وانظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (10/ 242، 243).

(3)

انظر كلامه في مجموعة التوحيد (126) أما ترجمته فهو سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ولد سنة (1200) في بلدة الدرعية وكانت في أوج قوتها تعج بكثير من العلماء الأعلام، فنشأ بها وقرأ القرآن حتى حفظه، وقرأ على عدد من علمائها، وكان نادرة في العلم والحفظ، فكان فقيها ومتكلما ومفسرا ومحدثا من تصانيفه أوثق عرى الإيمان، والتوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق في مجلد واحد، وله تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد، وله تذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتوفي مجاهدا حيث استولى إبراهيم باشا على بلدة الدرعية سنة (1233 هـ) فغدر بالشيخ رغم العهود المبرمة بينه وبين الشيخ وأهل الدرعية، فأخرج الشيخ إلى المقبرة ثم أمر جنده أن يطلقوا عليه النار، وفاضت روحه إلى بارئها وليس له عقب. انظر مشاهير علماء نجد عبد الرحمن بن عبد اللطيف (29، 31) وانظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (4/ 268).

(4)

انظر كلامه في مجموعة التوحيد (257، 260) أما ترجمته فهو الشيخ حمد بن علي بن محمد بن عتيق بن راشد بن حميضة ولد في بلدة الزلفى من بلدان نجد سنة (1227) هـ وقرأ القرآن ثم حفظه وبعد ذلك انتقل إلى الرياض سنة (1253) في زمن الإمام فيصل بن تركي فمكث بها تسع سنوات يقرأ على علمائها مختلف العلوم والمعارف ولاه الإمام فيصل قضاء الخرج، ثم الحلوة، ثم قضاء الأفلاج، وقصده طلاب العلم من مختلف البلاد، وتخرج على يديه جمع من العلماء، وله مؤلفات ورسائل تزيد على سبع مجلدات توفي رحمه الله في سنة (1301) في بلدة الأفلاج انظر مشاهير علماء نجد عبد الرحمن بن عبد اللطيف (179، 180).

ص: 34

وعلى قول هؤلاء جميعًا: أن الموالاة المطلقة العامة، مرادفة لمعنى التولي، وهي بهذا الوصف كفر وردة، ومنها ما هو دون ذلك، بمراتب، ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، بحسب نية الفاعل وقصده (1).

والموالاة التي تصل بفاعلها إلى درجة الكفر، والردة عن الإسلام هي ما يلي:

أولاً: أن يوالي المسلم الكفار، وتكون موالاته لهم مع مساكنتهم في ديارهم والخروج معهم في قتالهم ونحو ذلك، فإنه يحكم على صاحب هذه الموالاة بالكفر كما في ظاهر قوله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) [المائدة: 51].

ثانيًا: إذا كانت موالاة المسلم لها باتباع نظمهم، وتطبيق قوانينهم الجاهلية التي تبيح ما حرم الله، من ربا وزنا وخمر، ونحو ذلك تحرم ما أحلَّ الله من نسل أو تزاوج أو إرث أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فهذه الموالاة للكفار، موجهة للكفر قال تعالى:(ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[المائدة: 44] وللحديث الصحيح (المرء مع من أحب)(2).

(1) انظر الدرر السنية (1/ 236).

(2)

رواه البخاري انظر فتح الباري (10/ 557).

ص: 35

أما الموالاة التي لا تصل إلى درجة الكفر على هذا القول فهي ما يلي:

أولاً: إذا كانت الموالاة لهم في ديار المسلمين، إذا قدموا إليها، وذلك مثل الإكرام العام لهم، بغير نية دعوة إلى الإسلام، ومن غير مودة قلبية لهم، فمثل هذه الموالاة، صاحبها عاص لله آثم على مخالفته متعرض للوعيد على هذا العمل الذي لا يقصد به وجه الله (1) عز وجل.

ثانيًا: إذا كان الإكرام للكفار والموالاة لهم من أجل دنياهم، مع اعتقاد القلب ببطلان ما هم فيه من كفر، وكراهية ذلك منهم، فهذا آثم عاص يجب عليهم من التعزير، وما يزجره ويزجر أمثاله عن ذلك (2).

ويرى الشيخ حمد بن عتيق، أن كل أنواع الموافقة للكفار موجبة، للردة عن الإسلام ما عدا حالة واحدة وهي الإكراه فيقول:

إن موافقة المشركين تنقسم إلى ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يوافقهم في الظاهر والباطن، فينقاد لهم بظاهره، ويميل إليهم ويوادهم بباطنه، فهذا النوع كفر يخرج من الإسلام (3).

الحالة الثانية: أن يوافقهم ويميل إليهم بباطنه مع مخالفته لهم في الظاهر، فهذا أيضا كفر، ولكن إذا عمل بالإسلام ظاهرا، عصم ماله ودمه وعومل بحسب ظاهره، وهذا هو المنافق، الذي يظهر الإسلام ويبطن مودة الكفار ومناصرتهم (4).

(1) انظر مجموعة التوحيد (126).

(2)

المصدر السابق المكان نفسه.

(3)

المصدر السابق (295، 296).

(4)

المصدر السابق المكان نفسه.

ص: 36

الحالة الثالثة: أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن وهو على وجهين:

1 -

أن يفعل ذلك وهو في سلطانهم، وتحت ولايتهم، مع ضربهم له وحبسه، وتهديده بالقتل والتعذيب، مع مباشرة التعذيب فعلا، فإنه والحالة هذه يجوز له موافقتهم في الظاهر مع كون قلبه مطمئنًا بالإيمان، كما جري لعمار بن ياسر رضي الله عنه حيث أنزل الله تعالى:

(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)[النحل: 106].

2 -

أن يوافقهم في الظاهر مع مخالفته لهم في الباطن، وهو ليس في سلطانهم وإنما حمله على ذلك، إما طمع في رياسة، أو مال أو مشحة بوطن أو عيال، أو خوف مما يحدث في المال فإنه في هذه الحال يكون مرتدًّا، ولا تنفعه كراهيته لهم في الباطن، وهو ممن قال الله فيهم (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فأخبر سبحانه وتعالى أنه لم يحملهم على الكفر الجهل بالدين أو بغضه، ولا محبة الباطل وأهله، وإنما هو أنَّ لهم حظًّا من حظوظ الدنيا فآثروه على الدين المنزل من عند الله (1) اهـ.

وهذا القول موافق لمعنى كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (2) ويرى الشيخ عبد الرحمن بن سعدي (3) أن التولي مرادف لمعنى

(1) انظر مجموعة التوحيد (296).

(2)

المصدر السابق المكان نفسه.

(3)

هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي، ولد بمدينة عنيزة بالقصيم سنة (1307) وتوفيت أمه وله أربع سنين ثم توفي والده وهو في الثانية عشر من عمره، فاحتضنته زوجة والده وبدأت تشفق عليه أكثر من أولادها فبدأ بدراسة القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره وطلب العلم بعد ذلك على عدد من علماء زمانه ومشايخ بلده، وعندما بلغ من العمر ثلاثا وعشرين سنة جلس للتدريس فكان يتعلم ويعلم في عام (1350) انتهت إليه رئاسة العلم في القصيم يتخرج عن يديه خلق كثير، وله مؤلفات عديدة تربو على ثلاثين مصنفا في مختلف جوانب المعرفة وقد توفي قبل فجر يوم الخميس (22/ 6/ 1376) هـ رحمه الله.

انظر مشاهير علماء نجد/ عبد الرحمن بن عبد اللطيف (256، 261).

ص: 37

الموالاة سواء بسواء، ولذلك فهو يستعملهما على أنهما لفظان مترادفان فيقول عن التولي عند تفسيره لقول الله تعالى (وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الممتحنة: 9]: إن الظلم يكون بحسب التولي، فإن كان توليا تاما كان ذلك كفرا مخرجا عن الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه (1) اهـ.

وخلاصة الآراء المتقدمة، حول الموالاة والتولي هي أن هناك قولين في هذا الموضوع.

القول الأول: قول ابن سعدي: حيث يجعل الموالاة والتولي بمعنى واحد، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك (2).

القول الثاني: قول من يجعل التولي أخص من الموالاة، فكل من تولى الكفار عند أصحاب هذا القول فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام (3)، وليس كل موالاة للكفار يكفر صاحبها، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنواع الموالاة التي يكفر صاحبها، وأنواع الموالاة التي لا يكفر فاعلها (4).

(1) انظر تفسير ابن سعدي (7/ 357) وانظر (2/ 304).

(2)

انظر 37 من هذه الرسالة.

(3)

انظر (33) من هذه الرسالة.

(4)

انظر (36) من هذه الرسالة.

ص: 38

وقلنا: إن الموالاة للكفار في ديار الإسلام لأجل دنياهم، معصية لا توجب الكفر كما هو رأي أكثر العلماء (1).

وخالف في ذلك الشيخ حمد بن علي بن عتيق، حيث يرى أن موالاة الكفار لأجل دنياهم، موجبة للكفر والردة عن الإسلام (2) وينسب هذا القول أيضا إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (3) ويوافقهما في ذلك الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (4) والذي أميل إليه أن التولي، أخص من الموالاة، حيث أن التولي يفيد معنى الاتخاذ والالتزام الكامل بمن يتولاه، بخلاف الموالاة التي تدل على المحبة والمتابعة بدرجات متفاوتة ولذلك جاء تعبير القرآن الكريم بالنهي عن تولي الكفار قال تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة: 51] وأمر بتولي المؤمنين فإن توليهم، أقوى من مجرد الموالاة الجزئية لهم، وإن كانت الموالاة العامة للمؤمنين أو الكفار تلتقي مع التولي على درجة المساواة. قال تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56] وهذا ما قال به جمهور العلماء (5)، ما عدا ابن سعدي الذي يرى أن التولي درجات متفاتة، منه ما هو كفر، ومنه ما هو دون ذلك، دون أن يذكر مستندا لغويا أو شرعيا لما ذهب إليه، مما يجعل القول، بأن التولي والموالاة بينهما عموم وخصوص، هو القول الراجح كما أوضحت سلفا (6).

(1) انظر (33) من هذه الرسالة.

(2)

انظر مجموعة التوحيد (295، 296).

(3)

المصدر السابق (296)

(4)

المصدر السابق (242)

(5)

انظر ص (33) من هذه الرسالة.

(6)

انظر ص (34) من هذه الرسالة.

ص: 39

وأما الخلاف حول حكم موالاة الكفار لمصلحة دنيوية، هل يكون ذلك موجبا للكفر والردة، أم هو كبيرة من كبائر الذنوب؟

فأقول: الذي يظهر لي، أن من حكم بردة وكفر من والى الكفار لمصلحة دنيوية، إنما قصد بذلك الذين يستبيحون لأنفسهم موالاة الكفار المحرمة، من أجل حظوظهم الدنيوية، فينكرون خطأهم ويدافعون عن باطلهم، فهؤلاء حكمهم الردة والكفر، كما هو الشأن في حل كل من استحل ما حرم الله.

أما الذين يرون أن موالاة الكفار لمصلحة دنيوية كبيرة من كبائر الذنوب، فهؤلاء اعتبروا أن الموالي للكفار عالم بمعصيته خائف من ذنبه، شأنه في ذلك شأن كثير من العصاة الذين يقترفون بعض الذنوب دون استحلال لهم.

ومما تقدم نجد أن الذين تكلموا في الموالاة من العلماء الذين سبقت الإشارة إليهم، وقد عدوا أعلى درجات الموالاة للكفار ردة وكفرا، وأقلها يكون ذنبا ومعصية وإثما، ولم يذكروا أن هناك أي نوع من أنواع الموالاة تصح مع الكفار.

إلا أن بعض العلماء المعاصرين (1) قسموا الموالاة للكفار إلى قسمين:

القسم الأول: أن تكون الموالاة بمعنى المسامحة والمسالمة والمعاشرة الجميلة في الدنيا، والمعاملة بالحسنى وتبادل المصالح بحسب الظاهر، مع عدم الرضا عن حالهم وكفرهم فهذا أمر غير منهي عنه، وقد

(1) انظر تفسيرات آيات الأحكام/ تأليف محمد علي السايس (2/ 6) وانظر مقرر الفقه للصف الثاني ثانوي بالمملكة العربية السعودية تأليف الشيخ خليل مناع القطان (84)(ط-2) عام (1397هـ 1977م).

ص: 40

استدلوا على ذلك بقوله: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8].

القسم الثاني: أن تكون الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة ضد المسلمين، والرضا عن الكفار، وبما هم فيه من كفر، فإن الرضا بالكفر كفر، فلا يبقى مؤمنا مع كونه بهذه الصفة، لأن في مناصرة الكافرين على المسلمين ضررا بالغا بالكيان الإسلامي، وإضعافا لقوة الجماعة المؤمنة، وهذا النوع من الموالاة قد نهى الله عنه بقوله تعالى:(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ)[آل عمران: 28].

فحذر الله المؤمنين من الموالاة والمناصرة للأعداء، وأن التعاون مع أعداء الإسلام بما فيه ضرر على الإسلام والمسلمين خيانة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (1) اهـ.

والذي أفهمه من كلام الشيخين، مناع خليل القطان، ومحمد علي السايس أن هناك نوعا من أنواع الموالاة يجوز فعلها مع الكفار.

والصواب أن الموالاة للكفار في الظاهر والباطن لا تجوز بأي حال من الأحوال، ولكن الذي قصده الشيخان، وهو البر والصلة فعبرا بالموالاة عن البر والصلة التي أباحها الله مع المسالمين من الكفار في قوله تعالى:(لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الممتحنة: 8]

(1) انظر تفسير آيات الأحكام محمد علي السايس (2/ 6) وانظر مقرر الفقه للصف الثاني الثانوي بالمملكة العربية السعودية تأليف مناع خليل القطان (ط-2)(1397).

ص: 41

وإلا فإن نصوص الكتاب والسنة، لم تذكر إباحة تولي الكفار أو موالاتهم على أي وجه من الوجوه سوى حالة واحدة وهي حالة الإكراه الملجئ قال تعالى:(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ)[آل عمران: 28] فيجوز في حالة الضعف والخوف من أذاهم الموالاة لهم ظاهرا، ريثما يعد المسلمون العدة لمواجهة الكفار والتحرر من سيطرتهم، وقد عد العلماء أقل نوع من أنواع الموالاة بدون إكراه إثما ومعصية.

يقول سفيان الثوري (1) رحمه الله: (من لات للكفار دواة أو برا لهم قلما أو ناولهم قرطاسا فقد دخل في الموالاة المنهي عنها ما لم يكن ذلك لغرض دعوة إلى الله)(2) اهـ.

فالموالاة عند علماء الاصطلاح شيء، والبر شيء آخر، فالبر يعني: الصلة في الخير والاتساع في الإحسان، وقد أباح الله ذلك لطائفة من الكفار ضمن شروط معينة سنذكرها فيما بعد بإذن الله تعالى، فلفظ الموالاة ليس مرادفا للبر في الآية المتقدمة (3)، ولا في مدلول اللغة (4).

فدعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة بعض الكفار والبر بهم لا يعني الموالاة لهم، فبسماحة الإسلام يتعامل المسلم مع الناس جميعًا.

(1) هو سفيان بن مسروق الثوري الكوفي (أبو عبد الله) ولد سنة (97هـ) وأصبح محدثا وفقيها توفي بالبصرة سنة (161هـ) له من الكتب: الجامع الكبير، الجامع الصغير، الفرائض ورسالة إلى عباد بن عباد الأرسوفي.

انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (4/ 234).

(2)

انظر مجموعة التوحيد ص116.

(3)

أنظر (41) من هذه الرسالة.

(4)

انظر القاموس المحيط (1/ 370، 371).

ص: 42

على أساس العدل والاحترام المتبادل، بدون محبة القلب للكفار، أو مودة ما هم فيه من كفر، وإنما التعامل بالمثل فيما ليس له مساس في جانب العقيدة، كالبيع والشراء، وتبادل المنافع التي لا تستلزم حبا أو بغضا في بعض الأحوال، فها هم قد سلبوا ثروات البلاد الإسلامية واستعبدوا شعوبها ومع ذلك لا زالوا يضمرون الحقد والكراهية للمسلمين فواجب المسلمين أن يتعاملوا مع الكفار بإنصاف وعدل، فلا يوالوهم على حساب الإسلام، ولا يتعاملوا معهم بحقد وضغينة كما يتعامل معنا أولئك الكفرة الإنذال.

فبسماحة الإسلام، يتعامل المسلم مع الناس جميعا وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس على ذلك.

فعدم موالاة الكفار، لا تمنع من مصاحبتهم بالمعروف، فقد قال تعالى:(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)[لقمان: 15] فهذه الآية دليل على أن الإسلام لا يمنع من مصاحبة الوالدين بالمعروف، مع اختلاف العقيدة، وهذه المصاحبة ليست هي الموالاة المنهي عنها، لأن الموالاة هي محبة القلب وإرادة النصرة والمساعدة للمحبوب، إذا كان محتاجا إلى ذلك، وهي غير حاصلة في المصاحبة بالمعروف، لأن المصاحبة بالمعروف لا ترقى إلى درجة الموالاة، فلو وقف القريب الكافر في الصف المعادي للجماعة المسلمة، وأعلن الحرب عليها فعندئذ لا صلة ولا مصاحبة، ويتضح ذلك من قصة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول.

فقد روي ابن جرير الطبري بسنده، عن ابن زياد قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله عبد الله بن أبي، فقال: ألا ترى ما يقول أبوك؟ قال ما يقول أبي؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: يقول: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فقال: فقد صدق والله يا رسول

ص: 43

الله، أنت الأعز وهو الأذل، أما والله لقد قدمت المدينة يا رسول الله، وإن أهل يثرب ليعلمون ما بها أحد أبر بوالده مني، ولئن كان يرضي الله ورسوله أن آتيهما برأسه لأتينهما به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا

، فلما قدموا المدينة قام عبد الله بن عبد الله بن أُبي على بابها بالسيف لأبيه وقال: أنت القائل (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل)؟ أما والله لتعرفن العزة لك أو لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله لا يأويك ظلها ولا تأويه أبدا إلا بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: يا للخزرج ابني يمنعني بيتي للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال والله لا يأويه أبدا إلا بإذن منه، فاجتمع إليه رجال فكلموه فقال: والله لا يدخلن إلا بإذن من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: «اذهبوا إليه فقولوا له: خله ومسكنه» فأتوه فقال: أما إذا جاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم فنعم (1) اهـ.

فإذا انعقدت آصرة العقيدة فالمؤمنون كلهم إخوة، ولو لم يجمعهم نسب ولا صهر، قال تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] وإذا اختلفت العقيدة ووقف المختلفان موقف المتحاربين فلا صلة ولا ارتباط ولو كانوا أبا وإبنا، فالذين لم يقاتلوا المسلمين في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم ولم يسعوا في إفساد عقيدتهم، ولم يظاهروا عليهم عدوهم، فإن صلتهم والحالة هذه، لا محذور فيها ولا تبعة (2).

أما إذا وصل الأمر، إلى درجة المحبة القلبية لهم، ولما هو من خصائص كفرهم، فهذا هو التولي، والموالاة المحرمة، وليس لقائل أن يقول بعد هذا كله، إن معنى الموالاة غير محدود، إذ يدخل فيه أمور.

(1) انظر هذه القصة مع اختلاف في بعض الروايات في تاريخ الطبري (3/ 63 - 66) وانظر البداية النهاية لابن كثير (4/ 156 - 159) وانظر تهذيب سيرة ابن هشام عبد السلام هارون (238 - 240)

(2)

انظر تفسير ابن سعدي (7/ 356 - 357).

ص: 44

كثيرة، قاصدا بذلك أننا لا نستطيع أن نتخذه معيارا، في معرفة من يكفر ومن لا يكفر، ومن هو دون الكفر بمراتب متعددة، فهذا الزعم لا يصح، لأن الله سبحانه وتعالى، لا ينهى عن شيء غير محدد، وغير معروف ولا يحكم بردة من دخل في أمر غير واضح وغير متميز، وإلا لكان أمره ونهيه في هذا الموضوع عبثا لا يمكن تطبيقه، ومثل هذا القول، لا يقوله مؤمن بالله وصفاته، ومصدق برسالته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ففي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نجد تبيانا واضحا ونبراسا مضيئا لمن قصد الحق وحرص على تطبيقه قال تعالى:(مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)[الأنعام: 38].

أما من عمي أو تعامى عن نور الإسلام وتميع في صلاته مع الكفار فما علينا من تخرصاته، وأوهامه، إذا قامت عليه حجة البلاغ فإن تبلغ الحجة شيء، وفهمها شيء آخر (1).

إن المسلم الحقيقي هو الذي يتحلى بالمفاصلة الكاملة، بينه وبين من ينهج غير منهج الإسلام، إن المفاصلة واجبة بين كل مسلم وبين كل من يرفع راية غير راية الإسلام، إن المسلم مأمور بأن لا يخلط بين منهج الله وبين أي منهج أخر وضعي لا في تصوره الاعتقادي، ولا في نظامه الاجتماعي ولا في كل شأن من شئون حياته.

إن الفوارق بين الإسلام، والكفر، لا يمكن الالتقاء عليها بالمصالحة أو المصانعة أو المداهنة.

إن الذين يحاولون تمييع هذه المفاصلة الحاسمة، باسم التسامح أو التقريب بين الأديان، أو التعايش السلمي، يخطئون في فهمهم للدين.

(1) انظر كتاب الإيمان أركانه حقيقته نواقضه د/ محمد نعيم ياسين (187) وانظر الدرر السنية (8/ 213) وانظر التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة (1/ 430، 431).

ص: 45

الإسلامي، وفهمهم لمعنى التسامح الذي يقره الإسلام، وفهمهم للتعايش السلمي الذي يتفق مع منهج القرآن الكريم.

إن التسامح الذي أقره الإسلام ضمن حدود معينة مع غير المسلمين ينبغي ألا يكون على حساب إضعاف تميز المسلم في تصوره الاعتقادي ونظامه الاجتماعي (1).

إن هناك قسما من المنحرفين عن الإسلام، يظنون أن مرونة الإسلام في معاملة المخالفين له، تعني احترام أباطيلهم ومشاركة الكفار في كفرهم، والرضا بما هو من خصائص كفرهم وما علموا أو تجاهلوا أن مرونة الإسلام مع مخالفيه، إنما كان يقصد بها عدم جرد مشاعر الكفار فيما يعتقدونه من باطل لغرض تأليفهم إلى الإسلام أو رعاية لحق العهد علينا نحوهم، والفرق واضح بين المشاركة في الباطل والرضا به، وبين ترك الباطل وأهله (2).

إن الغرض من معاداة الكفار من قبل المسلم هو أن تبقى شخصية المسلم واضحة قوية متميزة بارزة المعالم، ترى دلائل الإسلام ظاهرة فيها وفي كل حركة من حركاتها (3).

ولكن بعض الخارجين على الإسلام، يحاولون عن جهل، أو سوء نية تمييع اليقين الجازم في نفس كل مسلم، بأن الإسلام والكفر ضدان لا يلتقيان (4).

وأفعال الإنسان في هذه الحياة، لا بد أن تكون مسبوقة بعاطفة الحب أو البغض وتلك هي حقيقة المولاة والمعاداة.

(1) انظر في ظلال القرآن سيد قطب (2/ 6/ 758 - 767).

(2)

انظر كتاب ليس من الإسلام محمد الغزالي ص 301.

(3)

انظر المصدر السابق المكان نفسه.

(4)

انظر في ظلال القرآن سيد قطب (6/ 758 - 767).

ص: 46

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (1) رحمه الله إن كل حركة في الوجود إنما تصدر عن رغبة ومحبة، ولكنها قد تكون محبة محمودة أو محبة مذمومة، والمرجع في ذلك كله إلى عرف الشرع (2)، وقد جمع الله بين نوعي المجتبين في قوله تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ)[البقرة: 165] اهـ.

ومما تقدم يتقرر لديَّ أن الموالاة هي المحبة، قولا وفعال واعتقاد وأن محبة الله واجبة، وهي لا تتحقق إلا بحب ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والأشخاص، حيث إن من الأمور البديهية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، كما هو مقرر عند علماء الأصول، ومحبة غير الله تنقسم إلى قسمين:

أولا: محبة في الله: وهي أن يحب المسلم كل ما يحب الله ويرضاه من

(1) هو شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي تقي الدين أبو العباس، محدث حافظ مفسر فقيه مجتهد مشارك في جميع أنواع العلوم، ولد في (10) ربيع الأول سنة (661) بحران وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير، حدث بدمشق ومصر، وحبس بقلعة القاهرة والإسكندرية بقلعة دمشق مرتين، وتوفي بها في 20/ 11/ 728 هـ وله مصنفات كثيرة: منها مجموعة الفتاوى في خمسة وثلاثين جزءا ومنهاج السنة النبوية في أربعة أجزاء، وبيان الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح في أربعة أجزا، والسياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، وقد ذكر له ابن قيم الجوزية أكثر من مائتين مؤلف في رسالة سماها أسماء مؤلفات ابن تيمية تحقيق صلاح الدين المنجد دمشق (1953م).

انظر الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية تأليف عمر بن علي البزاز المتوفي سنة 749 تحقيق د/ صلاح الدين المنجد، وانظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (1/ 261).

(2)

انظر التحفة العراقية للأعمال القلبية ابن تيمية (35).

ص: 47

الأقوال والأفعال والأشخاص، وهذه المحبة من الموالاة المأمور بها شرعا، وهي منبعثة من محبة الله، متممة لها غير متنافية معها.

ثانيًا: المحبة مع الله، وهي أن يتعلق قلب الإنسان بمحبوب يحبه مع الله، أو من دون الله فيغفل عن محبة الله أو يتوجه إلى غير الله بالرغبة والرهبة، فتكون هذه المحبة مغنية وصارفة له عن محبة الله ومحبة ما يحبه الله، فتكون منافية لمحبة الله، متعارضة معها، وتلك حقيقة موالاة أعداء الله.

وإذا فالمحبة في الله محمودة، متعدية إلى كل داع إلى الله ومهتد بهداه.

أما المحبة مع الله، فهي محبة مذمومة حاملة لصاحبها على محبة الشرك وما فيه من مساوئ وأضرار (1).

والمحبة الضارة ثلاثة أنواع.

النوع الأول: المحبة مع الله، وهي أصل الشرك، وأصل المحاب المذمومة، ومثالها مثل محبة كفار قريش لأصنامهم فيما سلف، ومحبة بعض المنتسبين إلى الإسلام للأحزاب الكافرة والقيادات المنحرفة في العصر الحاضر كالحزب الشيوعي أو الاشتراكي أو البعثي أو نحو ذلك.

النوع الثاني: محبة ما يبغضه الله من كفر وفسوق وعصيان.

النوع الثالث: محبة ما تقطع محبته عن محبة الله، أو تنقص ذلك، مثل محبة الأهل والمال والولد، إذا كانت على حساب محبة الله، أو صارفة للمسلم عن محبة الله (2).

(1) انظر رسالة الشرك ومظاهره تأليف مبارك بن محمد الميلي (179).

(2)

انظر الجواب الفائض في الرد على الرائض تأليف سليمان بن سحمان مخطوطة في قسم المخطوطات بجامعة الرياض الورقة (38) الرقم (3413).

ص: 48

والتعريف الذي أرجحه في تحديد مفهوم التولي والموالاة والمعاداة ما يلي:

التولي: هو بذل المحب لما يرضي المحبوب بذلا تاما.

الموالاة: هي إظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا، إظهارا ناقصا وهذا هو تعريف الدكتور محمد نعيم ياسين، إلا أني رأيت تذييل التعريف بكلمة إظهارا ناقصا حتى نخرج التولي عن مفهوم الموالاة.

أما المعاداة: فهي شعور ينبعث من داخل النفس، لقصد الإضرار وحب الانتقام بالقول والفعل والاعتقاد، لمن يعتقده الإنسان عدوا له.

وبين الموالاة والمعاداة دلالة في مفهوم المخالفة وهو أن يدل اللفظ عل مخالفة حكمة المسكوت عنه للمنطوق به، ويسمى دليل الخطاب (1).

ومعنى ذلك أن الدليل إذا دل بظاهره على وجوب الموالاة، دل بمفهوم المخالفة على النهي عن المعاداة، وإذا دل الدليل بظاهره على وجوب المعاداة، دل بمفهوم المخالفة على النهي عن الموالاة، وكذلك العكس، فإذا نهى الله عن المعاداة بالنص الظاهر دل المفهوم على وجوب الموالاة وإذا نهى الله تعالى بالنص الظاهر عن الموالاة دل المفهوم على وجوب المعاداة.

أي بمعنى أن الأمر بالشيء نهى عن ضده من طريق اللزوم العقلي فإن الآمر إنما قصد بالأمر فعل المأمور به، فإذا كان من لوازمه ترك الضد صار تركه مقصودا لغيره، من جهة اللزوم لا من جهة القصد والطلب (2).

وحول هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن كمال الإخلاص ويقينه، موجب أن يكون الله أحب إلى المرء من كل شيء.

(1) انظر أصول الفقه تأليف محمد الخضري بك (122).

(2)

الفوائد لابن القيم (124).

ص: 49

سواه، وأخوف عنده من كل شيء عداه، فلا يبقى يومئذ إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله.

إن أصل الدين وكماله، أن يكون الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة في الله، والعبادة لله، والاستعانة بالله، والخوف من الله والرجاء لله، والإعطاء لله، والمنع لله، وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره لله، ونهيه لله، وصاحب الهوى يعميه الهوى ويضله عن سبيل الله، فلا يستحضر ما لله، وما لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولا يطلبه (1) اهـ.

فالذي لا يرضي لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضبهما، وإنما يرضى لشهواته وهواه، ويغضب لذلك فهو ممن قال الله فيهم:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى)[النجم: 23].

فالمسلم المؤمن المخلص في عقيدته هو من أخلص توحيده الله، وعادى المشركين في الله، وتقرب بمقتهم وبغضهم، إلى الله وكيف لا يكون ذلك وهم أعداء لله؟ قال تعالى:(مَنْ كَانَ عَدُوًّا للهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ)[البقرة: 98] وعدو الله عدو للمؤمنين بطبيعة الحال قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} .... إلى قوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)[الممتحنة: 1].

(1) انظر الدرر السنية (7/ 109).

ص: 50