المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

إن الاختلاف من الظواهر العادية بين الناس نظرا لاختلاف القدرات الفكرية والجسمية والعقلية بين البشر، فما يراه إنسان مصلحة قد يراه إنسان آخر مفسدة وما يحبه شخص قد يبغضه شخص آخر، ولهذا كله أنزل الله تعالى للناس تشريعا يحقق لهم الخير في كل زمان ومكان، ويجنبهم شر تضارب الآراء واختلاف النزعات، كما هو حاصل في الأنظمة الوضعية (1).

ولذلك فإن الاختلاف بعد نزول القرآن الكريم والسنة النبوية يجب حسمه عن طريق الكتاب والسنة قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء: 59].

(1) انظر أسباب اختلاف الفقهاء، د/ عبد الله عبد المحسن التركي (9).

ص: 369

والخلاف الذي يجري بين المنتسبين إلى الإسلام يمكن تقسيمه إلى قسمين:

(1)

اختلاف في فروع الشريعة الإسلامية.

(2)

اختلاف في أصول الإسلام.

وحيث إن هذا الفصل خاص باختلاف الفروع فسوف نؤجل البحث في مسألة الاختلاف في الأصول إلى مبحث الموالاة والمعاداة للفرق التي تدعي الإسلام.

أما الاختلاف في الفروع فينقسم إلى قسمين:

(أ) اختلاف تنوع في الفروع.

(ب) اختلاف تضاد في الفروع.

واختلاف التنوع في الفروع ينقسم إلى أربعة أقسام هي:

أولا: أن يكون الحق في كل من القولين مع اختلاف الصور في ذلك وذلك مثل صلاة الخوف بصورها المتعددة (1).

ثانيا: أن يكون كل من القولين في معنى الأخر مع اختلاف لفظهما وذلك مثل ألفاظ الحدود والتعريفات.

ثالثا: أن يكون المعنيان متغايرين ولكن كل قول صحيح مع اختلاف العبارة مثل تفسير القرء بالحيض أو الطهر (2).

رابعا: أن يكون الخلاف في طريقين مشروعين كلاهما حسن، ولكن الجهل والظلم يحمل على ذم أحدهما دون الآخر وذلك مثل صفة صلاة التراويح (3).

(1) انظر المغني والشرح الكبير/ لابن قدامة (2/ 262 - 269).

(2)

انظر المعجم الوسيط (2/ 729).

(3)

انظر الفقه على المذاهب الأربعة عبد الرحمن الجزيري (1/ 340 - 342).

ص: 370

والخلاف في مثل تلك الصور المتقدمة وأمثالها يجب أن لا يورث عداوة ولا بغضاء، بل هو من اختلاف التنوع الذي فيه رحمة وتيسير على المسلمين في عباداتهم وفي شئون حياتهم العامة (1).

أما النوع الثاني من أنواع الاختلاف في الفروع: وهو اختلاف التضاد في الفروع، فهذا لا يوجب الكفر أو الخروج من الإسلام ما دام هذا الاختلاف مبنيا على تأويل من دليل يعتقد المخالف صحته، وذلك مثل بعض فرق أهل الكلام (2) فلا يجوز تكفيرهم إلا إذا أنكر المخالف حكما شرعيا ثابتا بالتواتر القاطع والإجماع الصحيح، أو خالف بتأويل مجرد عن الدليل (3) وإنما لمجرد الظن والهوى فإنه يكفر بمثل هذه المخالفة التي لا تستند إلى دليل وهذا النوع من الخلاف في المسائل الفرعية هو الممنوع وقوعه بين المسلمين، لأن أحد المخالفين لا بد أن يكون مخطئا وضالاً عن طريق الصواب.

فاختلاف التضاد في مسائل الفروع، هو أكثر أنواع الاختلاف خطورة حيث يئول بالأمة إلى العداوة والبغضاء بل إلى سفك الدماء واستباحة الأموال والأعراض، وهذا كله سببه الجهل بأحكام الإسلام وعدم فقهها وفهمها فهما صحيحا، وذلك راجع إلى سوء الطوية عند المخالف كما يفعل بعض المنافقين أو إلى التقليد الأعمى لأهل النفاق والضلال الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ومثل أولئك أهل التأويل الذين يئولون آيات القرآن الكريم والسنة النبوية تأويلات ضالة، بعيدة كل البعد عن منطوق النصوص ومفهومها، وإنما حملهم على ذلك، الهوى وما تعودوه، من أخلاق منحرفة ذميمة، ومفاهيم خاطئة وذلك هو ما حصل لأهل السنة والجماعة

(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية ص (38 - 42) وانظر أسباب اختلاف الفقهاء د/ عبد الله التركي ص (30 - 36).

(2)

انظر ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين/ عبد الجليل عيسى (116 - 121).

(3)

المصدر السابق ص (132 - 133).

ص: 371

مع فرق أهل التأويل في مسائل القدر والصفات وفي شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وفي هذا العصر يقف أهل السنة والجماعة مع أدعياء العلم والمتاجرين في الفتوى موقفا خلافيا شديدا، نظرا إلى أن أكثر المنتسبين إلى العلم يشاركون بتأويلاتهم الضالة والفتيا الكاذبة في إفساد الامة وانحلالها فقد أفتى بعضهم بجواز نزع الحجاب عن المرأة المسلمة، الأمر الذي تبعه تعري النساء وتبرجهن تبرج الجاهلية الأولى، كما أفتى البعض منهم بجواز عمل المرأة مع الرجل الأجنبي في مجالات مختلفة، وقد ترتب على ذلك مفاسد كثيرة لا يعلمها إلا الله كما أباح البعض منهم الاستماع إلى الأغناني الماجنة والصور الخليعة، بتأويلات باطلة، حتى أصبحت هذه المحظورات الشرعية مباحة في نظر كثير ممن يدعي الإسلام.

ومخالفة هؤلاء لمذهب أهل السنة والجماعة لا توجب كفرهم في مثل هذه المسائل نظرا إلى أن معظم المخالفين في مثل هذه القضايا إنما خالفوا بناء على تأويل واجتهاد أخطئوا فيه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن أهل السنة المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم يلتزمون الحق، ويرحمون من خالفهم عن اجتهاد حيث عذره الله ورسوله (2).

وعلى هذا فالمخالفة المبنية على التكذيب، وهو أن ينفي وجود هذه الأشياء التي ورد الشرع بها بالتواتر القاطع توجب كفر المنكر لها فلو أن إنسانا خالف في وجوب الاتجاه إلى الكعبة في صلاة الفريضة، ورأى جواز الاتجاه إلى أي جهة أخرى، بدون عذر شرعي، فهذا حكمه الكفر لأنه أنكر شيئا ثابتا بالتواتر القاطع، لأن ذلك يتصل بركن من أركان الإسلام وهي

(1) انظر اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية ص (38 - 42).

(2)

انظر ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين/ عبد الجليل عيسى ص (120).

ص: 372

الصلاة، وفي مثل هذه الحالة يجوز إطلاق الكفر على من فعل مثل ذلك (1) أما إن كان القول أو الفعل الصادر مبنيا على تأويل فاسد مستوحي من دليل ثابت، فإنه ينبغي أن لا يكفر كل فريق خصمه إذا رآه مخطئا في فهم الدليل وإن كان يجوز أن يصفه بالخطأ أو الضلال عن الطريق الذي يراه صوابا (2).

وحينئذ يعامل المخالف في ذلك معاملة العصاة والفسقة في شأن الموالاة والمعاداة فيحبه على قدر ما معه من الخير ويبغضه على قدر ما معه من الشر ولا يصل في بغضه وعداوته إلى مرتبة بغض الكفار وعداوتهم لأنه لم يخرج بهذا الخلاف من عداد المسلمين.

فقد كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في رسالة بعث بها إلى العلماء الأعلام في بلد الله الحرام، قال فيها: اعلموا وفقكم الله أن المسائل المجمع عليها لا مجال للنزاع فيها، وأما المسائل الاجتهادية فمعلوم أنه لا إنكار على من يسلك الاجتهاد في مسألة من مسائل الاجتهاد (3) اهـ.

وقال أيضا في رسالة بعث بها إلى أحمد بن يحيى إمام أهل رغبه قال فيها: إن تفضل الله عليك بفهم ومعرفة، فلا تعذر عند الله ولا عند خلقه إلا باتباع الحق، فإن كان الصواب معنا فالواجب عليك الدعوة إلى الله وعداوة من صرح بسب دين الله ورسوله، وإن كان الصواب مع غيرنا أو معنا شيء من الحق وشيء من الباطل فالواجب عليك مذاكرتنا ونصيحتنا وإطلاعنا على الحق، وعلى عبارات أهل العلم لعل الله أن يردنا بك إلى الحق، أما إذا كانت المسألة من مسائل الاختلاف عند الحنفية والشافعية

(1) المصدر السابق ص (133).

(2)

المصدر السابق المكان نفسه.

(3)

انظر الدرر السنية (ج1/ ص43).

ص: 373

والمالكية والحنابلة فتلك مسألة أخرى لا توجب خلافا، ولا عداوة بين المسلمين (1) اهـ.،

ويقول في موضع آخر نحن لا نفتش على أحد في مذهبه ولا نعترض عليه، إلا إذا اطلعنا على نص جلي مخالف لمذهب أحد الأئمة وكانت المسألة مما يحصل بها شعار، ظاهر كإمام الصلاة، فنأمر الحنفي والمالكي مثلا بالمحافظة على نحو الطمأنينة في الاعتدال، والجلوس بين السجدتين لوضوح الدليل على ذلك، بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة، فلا نأمره بالإسرار فيها، والفرق بين المسألتين لاختلاف دلالة الدليلين فيهما (2) اهـ.

لذا فإن مما يجب أن يتنبه إليه كل مسلم أن الاختلاف في مسائل الفروع ومسائل الاجتهاد يقع بين المسلمين ولكن يجب أن لا يحملهم هذا الاختلاف على الفرقة والمقاطعة قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 9، 10].

فلم يقطع سبحانه وتعالى الأخوة بين المسلمين وإن وقع بينهم القتال الذي يستلزم كون أحدهم ظالما والآخر مظلوما (3) ولم يقطع الأخوة الإسلامية أيضا بين القاتل والمقتول ظلما مع شدة الوعيد لمن قتل مؤمنا ظلما حيث قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ

(1) انظر الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص (300، 301).

(2)

انظر الدرر السنية (1/ 127).

(3)

انظر الدرر السنية (7/ 40).

ص: 374

وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة: 178] فسماه أخا له رغم شدة ما بينهما فما دون ذلك أهون وأولى فلا يجوز أن يؤدي الخلاف في مسائل الاجتهاد إلى العداوة والبغضاء والتناحر والكراهية لكل ما هو مع الخصم من حق أو باطل (1).

إن من أعظم الدسائس الشيطانية على أهل الإسلام الاختلاف والتناحر بينهم على جميع المستويات وهذا هو الحاصل فعلاً في عصرنا الحاضر وذلك يدلنا على أننا واقعون فيما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم» (2) وهذا الحديث لا يعني الاستسلام للفرقة والرضى بها، وإنما هو من قبيل التنبيه على الخطر الذي يجب أن لا نقع فيه حيث أمرنا الله عز وجل بالاعتصام والاجتماع على الحق قال تعالى:(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران: 103].

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: إن الله أمر بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرقة فيه فبين هذا بيانا شافيا كافيا يفهمها العوام قبل غيرهم، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (3) اهـ.

وقد اختلفت وجهات النظر حول وجوب الانضمام إلى الجماعة المسلمة أو جواز الانفراد عنها على قولين:

(1) انظر الدرر النسية (7/ 40).

(2)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 2166) كتاب صفات المنافقين.

(3)

انظر الدرر السنية (1/ 99).

ص: 375

القول الأول: قول جماعة من الصحابة ومن التابعين بأن الانضمام إلى الجماعة المسلمة واجب شرعي، ومفارقتها أمر محرم، لأنه لا إسلام إلا بجماعة كما سبق أن ذكرنا في الأدلة الدالة على الاجتماع وعدم الفرقة ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية» (1) وورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام» ؟ قال: «فاعتزل الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (2).

وورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: السمع والطاعة، والجهاد والهجرة والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (3) وروى الإمام أحمد عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» (4)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الصلاة إلى الصلاة التي قبلها كفارة والجمعة إلى الجمعة التي قبلها كفارة والشهر إلى الشهر الذي قبله كفارة إلا من ثلاث» قال: فعرفنا أنه أمر حدث، إلا من الشرك بالله ونكث الصفقة وترك السنة قال: قلنا يا رسول الله هذا الشكر بالله قد عرفناه فما نكث الصفقة وترك السنة؟ قال: «أما نكث الصفقة فأن تعطي رجلا بيعتك ثم تقاتله بسيفك وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة» (5).

(1) انظر صحيح مسلم (3/ 1476) كتاب الإمارة

(2)

انظر فتح الباري (13/ 35) كتاب الفتن (11).

(3)

المصدر السابق (13/ 316) كتاب الاعتصام (19)

(4)

رواه أحمد انظر مسند أحمد (4/ 278).

(5)

رواه أحمد. انظر مسند أحمد (2/ 229) و (506).

ص: 376

وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطبته المشهورة التي خطبها بالجابية: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد» (1).

القول الثاني: هو ما ذهب إليه النجدات من الخوارج (2) وبعض المعتزلة (3) من جواز الفرقة وعدم وجوب الجماعة (4) وهذا القول ظاهر البطلان عقلاً وشرعًا وهو مخالف لما أجمع المسلمون عليه في عصورهم المختلفة.

وبطلان هذا القول من حيث العقل أن الاجتماع قوة؛ لأن المجتمعين يتقوى بعضهم ببعض ولذلك فإنا نجد حتى من لا دين لهم يلتزمون بذلك ويسعون لتحقيقه بينهم وفي فائدة الاجتماع يقول الشاعر:

تأبي الرماح إذا اجتمعن تكسرا

وإذا افترقن تكسرت آحادا

وأما في الشرع فللأدلة السابقة ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم من حديث طويل «فمن أراد منكم بحجة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد» الحديث (5).

وحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا وشبك بين أصابعه» (6).

ووجوب لزوم الجماعة المسلمة وفائدة ذلك أمر لا يحتاج إلى جدال أو مناقشة فهو كما يقول الشاعر

وليس يصح في الأفهام شيء

إذااحتاج النهار إلى دليل

(1) انظر فتح الباري (13/ 316).

(2)

انظر الملل والنحل للشهرستاني على هامش الفصل لابن حزم (1/ 167 - 168) وانظر الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/ 88).

(3)

انظر الفرق بين الفرق للبغدادي (163 - 166).

(4)

انظر الدرر السنية (1/ 104).

(5)

انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 173) رقم الحديث (431)

(6)

رواه البخاري ومسلم انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 245).

ص: 377

فيجب على كل مسلم أن يعمل مع الجماعة المسلمة في بلده ومحيطة وأن يشاركها مشاركة إيجابية بقوله وفعله ويبذل لها ماله ونفسه إذا اقتضى الأمر ذلك، كما يجب على الجماعات الإسلامية في العالم الإسلامي أن تشكل بمجموعها جماعة واحدة متحدة متضامنة فيهما بينها على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن توثق المحبة والمودة فيما بينها، وأن لا تتفرق وتتطاحن ويهدم بعضها ما بناه البعض الآخر عن غفلة أو جهل أو غباء أو حسد ممقوت أو بغض دفين.

فإن الفرقة هي أهم ما تطمح إليه نفوس الأعداء، وتسعى جاهدة لتنميته بين المسلمين، وما نال الأعداء منا غايتهم حتى أوقعوا الخلاف بيننا ففضلوا الأتراك المسلمين عن العرب المسلمين والأكراد المسلمين عن إخوانهم من الأجناس الأخرى وهكذا العجم والبربر وبقية الأجناس فأصبح المسلمون شعبًا وقبائل يتناحر بعضهم مع البعض الآخر.

يقول الدكتور عبد الله رشوان: يجب علينا أن نتضامن ونتكاتف ونتعاون في تنفيذ ما اتفقنا عليه، قولاً وفعلاً .. وليعذر بعضنا بعضًا فيمًا اختلفنا فيه، والاتفاق تام وواجب في الأصول ولا اختلاف إلا في الفروع وليعلم الدعاة أننا جميعًا، نجتهد لنصرة الدين كل على قدر قدرته ووسع طاقته، فينا من يخطئ وفينا من يصيب، ونرجو من الله أن نكون جميعا من الموفقين (1) اهـ، وقد ذكر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى:(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)[آل عمران: 106] فقال: تبيض وجوه أهل السنة والائتلاف وتسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف (2) اهـ.

وقد ذم الله التفرقة في قوله تعالى: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ

(1) انظر مقالة له في مجلة المجتمع عدد 478 السنة الحادية عشرة في 14/ 6/ 1406 هـ (27).

(2)

انظر الرسائل الشخصية، محمد بن عبد الوهاب (305).

ص: 378

حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون: 53] والزبر الكتب أي كل فرقة صنفت كتبا أخذت بها دون كتب الآخرين كما هو واقع الحال في العصر الحاضر بين عامة المنتسبين إلى الإسلام، وهذا من أكبر الأخطاء في منهج التربية الإسلامية حيث إن الواجب يقتضي أن نأخذ الحق من مصادره الأصلية كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما وافقهما من أقوال أهل العلم، وأن نرفض الباطل والخطأ من أي شخص كان عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقر على خطأ حيث عصمه الله من الزلل.

فإن من الواجب على أهل المعرفة والاجتهاد أن لا يكونوا مقلدين لغيرهم بلا فهم وتدبر وإدراك، بل عليهم أن يقارنوا بين الأدلة والأقوال ويستنتجوا القول الوسط الموافق للنص الشرعي، وأن يتسامحوا مع من خالفهم في فهم الدليل إذا كان هذا الخلاف في مسألة فرعية من فروع الشريعة: أما صغار المتعلمين فالأولى أن يختار لهم بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أسلم الكتب وأقومها، وأبعدها عن التعصب لمذهب معين، حتى لا نغرس الحقد والكراهية في نفوس الأبناء لكل من يختلف معنا في مسائل الفروع.

وعندما تتكون عند المبتدئين القدرة على الاستنتاج والتحليل ومعرفة الدليل فإن لهم أن يعملوا باجتهادهم وما فهموه من الأدلة الشرعية بشرط أن لا يتعارض الاجتهاد أو الفهم مع النصوص الشرعية من الكتاب والسنة.

كما أن الأدب الشرعي أن الإنسان إذا تكلم مع من يختلف معه وجب أن يكون الكلام بحكمة وعلم وعدل، فإن العدل واجب مع كل واحد على كل أحد، والظلم محرم مطلقا، لا يباح بحال من الأحوال، قال تعالى:(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)[المائدة: 8]

ص: 379

وهذه الآية نزلت في المسلمين بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به المسلم، فكيف بمن أبغض مسلما بتأويل أو شبهة أو هوى وآذاه على ذلك، ألا يكون هذا مرتكبا لإثم عظيم وذنب كبير (1) قال تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب: 58].

فلا نكفر أحدا من مدعي الإسلام بذنب دون الشرك، ولا نخرجه من دائرة الإسلام بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب، ما لم يستبح لنفسه أو لغيره فعل المحرم أو تحريم المباح (2).

وخلاصة القول في ذلك أن الخلاف في مسألة أصولية يوجب كفر المخالف للحق وعداوته كعداوة الكفار سواء بسواء.

أما الخلاف في مسألة فرعية باجتهاد أو تأويل يعتقد المخالف صحته فلا يكفر بذلك، وحينئذ لا تصح معاداته كمعاداة أهل الكفر، بل يوالى على قدر ما معه من الخير ويبغض على قدر ما معه من الشر، ويجوز وصف المخالف في المسائل الفرعية في خلاف التضاد بالخطأ والبعد عن الحق ولكنه لا يوصف بالكفر أو يعادى معاداة الكفار، ما لم يكن هذا الخلاف مبنيا على الهوى والتأويل المجرد من الدليل، فإذا كان بهذا الوصف فإن أول ما يجب على صاحب الحق في حق من خالفه أن ينصحه ويبين له الدليل بيانا شافيا كافيا، بعد أن يوضح له الخطأ فيما ذهب إليه من قول أو فعل أو اعتقاد وإن استمر على خطئه عامله معاملة العصاة والفساق من المسلمين، فيحبه على قدر ما معه من الخير ويبغضه على قدر ما معه من

(1) انظر ملحق المصنفات محمد بن عبد الوهاب (52، 53) وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/ 109، 110).

(2)

انظر الدرر السنية (1/ 288).

ص: 380

الشر ولا يحمله الخلاف على القطيعة والهجران كحال من يخالفوننا في مسائل أصولية.

هذا فيما يتعلق بخلاف التضاد في المسائل الفرعية، أما اختلاف التنوع في المسائل الفرعية فهو رحمة بالأمة وتيسير عليها ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يحجر على أحد في شيء من ذلك.

ومن ذلك نستنتج أن الخلاف في المسائل الفرعية من أعظم أسباب الفرقة بين المسلمين فقد أدى إلى عدم تعاونهم وتناصرهم مع بعضهم، مما مكن لأعداء المسلمين من التغلب عليهم كما يقول الشاعر:

الخلافات بالخلافة أودت

واقتسمنا وسادنا الدخلاء (1)

(1) انظر شعراء الدعوة الإسلامية (2/ 22).

ص: 381