الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل الدين فأدعه يوما واحدا في الأمارة فكل يأخذ حذره ويبدل ما كان عليه ومضى ما فيه الكفاية (1) اهـ.
ومما تقدم يتضح أن المداهنة مذمومة، وقد نهي عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)[سورة القلم: 9].
والمداهنة مذمومة لأنها وسيلة إلى تزيين القبيح وتصويب الباطل والسكوت على المنكر فهي من الموالاة المحرمة (2) اللهم إنا نعوذ بك من كل عمل يغضبك علينا، ومن كل سجية تقربنا من التشبه بالشياطين الساكتين والناطقين، أو أن نداهن في ديننا أهل الشبهات والشهوات والنفاق والكفر، إنك حسبنا ونعم الوكيل.
المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة
المداراة: هي درء الشر المفسد بالقول اللين، وترك الغلظة أو الإعراض عنه إذا خيف أشد منه، أو مقدار ما يساويه (3).
حكم المداراة لأهل الشر والفجور:
تجوز مداراة أهل الشر والفجور فيما لا ينتج عنه قدح في أصل من أصول الإسلام وواجباته، وهذه المداراة ليست داخلة في مفهوم الموالاة المحرمة (4) فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يداري الفساق والفجار فقد روى البخاري بسند منقطع قوله، ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر
(1) انظر الدرر السنية (11/ 85).
(2)
انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري (13/ 52، 53).
(3)
انظر الدرر السنية (11/ 85) وانظر (7/ 36).
(4)
المصدر السابق نفس المكان.
في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم (1) وفي حديث آخر عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها أخبرتها أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم (2) رجل فقال: ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة فلما دخل ألان له الكلام، فقلت له: يا رسول الله! قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول فقال: أي عائشة: إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه (3).
قال بعض العلماء: تجوز المداراة، فيما لا يؤدي إلى ضرر الغير، فأما إن كانت المدارة في أمور تخالف أصول الدين فهي مداهنة لا مداراة فلا يجوز مداراة الناس في مظالمهم من قتل نفس أو سرقة أموال، أو انتهاك أعراض، أو شهادة زور أو نحو ذلك من الأمور المحرمة (4).
قال ابن بطال (5): المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض
(1) انظر فتح الباري (10/ 527) وقد ضعف الألباني هذا الحديث في كتابه سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 252) رقم (216).
(2)
هو عيينة بن حصن، ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس، ولا يغتر به من لم يعرف حاله، قال القاضي: وكان مثله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين، وجيء به أسيرًا إلى أبي بكر رضي الله عنه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بئس أخو العشيرة من أعلام النبوة لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام، والمراد بالعشيرة قبيلته أي بئس هذا الرجل منها انظر صحيح مسلم (4/ 2002) كتاب في البر والصلة.
(3)
انظر فتح الباري (10/ 528).
(4)
انظر روائع البيان في تفسير آيات الأحكام في القرآن (1/ 404) تأليف محمد علي الصابوني.
(5)
هو علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري، القرطبي المالكي ويعرف بابن اللحام أبو الحسن محدث فقيه، استقضي بحصن الورقة وتوفي في آخر يوم من شهر صفر سنة 449 هـ من آثاره: شرح الجامع الصحيح للبخاري في عدة أسفار، والاعتصام في الحديث، انظر معجم المؤلفين/ عمر رضا كحالة (7/ 87).
الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول والعمل، وذلك من أقوى أسباب الألفة (1) اهـ.
أما المداهنة فهي من الدهان، وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه.
أما المداراة فهي تعني: الرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه، حتى لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بطلف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه على الخير ومنع ما يحصل منه من شر (2).
فقد روى أبو نعيم في الحلية عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل رجل فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بئس أخو العشيرة وبئس الرجل» فلما دنا منه أدنى مجلسه فلما قام وذهب قالوا: يا رسول الله حين أبصرته قلت: بئس أخو العشيرة وبئس الرجل، ثم أدنيت مجلسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنه منافق أداريه عن نفاقه، فأخشى أن يفسد علي غيره» قال أبو نعيم هذا حديث غريب (3).
ومن ذلك نستنتج أن المداراة جائزة فيما لا يؤدي إلى ضرر الغير في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وفيما لا يخالف أصلا من أصول الإسلام وواجباته، وإن مداراة أهل الفسق والفجور ليست قاعدة مطردة يؤخذ بها في كل وقت وحال، وإنما يجوز العمل بها فقط إذا خيف حصول شر أعظم مما هو كائن، أو مثله، وكان المداري غير قادر على إنكار هذا المنكر
(1) انظر فتح الباري (10/ 528).
(2)
المصدر السابق (10/ 528، 529).
(3)
الحلية لأبي نعيم (4/ 191).
بالقول أو الفعل، فيجوز له درء الشر بالقول اللين، أو الإعراض عنه لهذه الأسباب، أما إذا زالت الأسباب الموجبة للمداراة، أو كانت المداراة تؤدي إلى ضرر الغير أو إلى مخالفة أصل من أصول الإسلام وواجباته فإن المداراة حينئذ لا تصح ولا تجوز، لأنها انتقلت من كونها مداراة إلى كونها مداهنة، والمداهنة محرمة في الإسلام كما سبق بيان ذلك (1).
(1) انظر صفحة (204 - 208) من هذه الرسالة.