الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية
إن موالاة ونصرة الأقليات المسلمة، بل الأكثرية المسلمة الممزقة تحت أقدام المجرمين الكفرة واجب شرعي لا يعذر المسلمون بتركه ويأثمون إثما عظيمًا في تقاعسهم عن ذلك، كيف لا يكون ذلك؟ والله عز وجل يقول:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 72]
فيتبين من هذه الآية أن الأصل أن يكون المجتمع المسلم كلاًّ لا يتجزأ وجماعة لا تفترق، ووحدة لا تنفصم، والأصل أيضًا أن يفتح المجتمع المسلم أبوابه لتقبل كل من يدين بالإسلام بلا فارق أو تمييز على أساس من اللون، أو العرق، أو لنشأة أو مكان الولادة أو غير ذلك من
الفوارق الجاهلية، فبلاد الإسلام هي المأوى الشرعي لكل مسلم، فالدخول إلى دار الإسلام حقٌّ شرعي لكل مسلم على المسلمين جميعا، لا فضل لهم بذلك أو منة إذا كانوا مسلمين يطبقون الإسلام تطبيقا صحيحا.
ولكن مع ذلك لو بقيت قلة من المسلمين بدار الكفر، ثم اعتدى عليها بعد التسهيلات التي يمنحها المسلمون لهذه القلة في الدخول في دار الإسلام، فإن الواجب الإسلامي يفرض على المسلمين مناصرة تلك الأقلية المسلمة التي رضيت بالبقاء في دار الكفر بدون عذر أو مبرر شرعي، حيث إن دار الإسلام قد فتحت أبوابها لدخولهم ودخول كل مسلم إليها، قال تعالى:(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الأنفال: 72].
فهؤلاء ليسوا من أعضاء المجتمع الإسلامي الموحد المتحد على الإسلام قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)[الأنفال: 72] ومع ذلك أوجب علينا مناصرتهم بموجب رابطة الإسلام والإيمان ثم استثنى في مناصرة هؤلاء، أن لا تكون مناصرتهم مخلة بشرط من شروط الاتفاق بين المسلمين والكفار، لأن مصلحة المجتمع المسلم في دار الإسلام أولى من مصلحة قلة من المسلمين اختارت البقاء في دار الكفر على النزوح إلى دار الإسلام مع تمكنها من الدخول في دار الإسلام لو أرادت ذلك (1).
فإذا كانت مناصرة هذه القلة بتلك الصفات واجبة في الإسلام فما ظنك بمناصرة المسلمين المأسورين عند الكفار، والذين لا يستطيعون للخروج حيلة ولا يهتدون سبيلا، ولو خرجوا من دار الكفر لما وجدوا دار إسلام تؤويهم أو تضمهم، أو تدافع عنهم؟
(1) انظر في ظلال القرآن/ سيد قطب (10/ 73).
إن الواجب الإسلامي يفرض على الدول والشعوب المنتسبة إلى الإسلام أن تكون بين خيارين في تعاملها مع المسلمين المضطهدين.
الأول: أن تفتح أبواب بلادها لتقبل المضطهدين من المسلمين من مختلف أنحاء العالم، فتؤويهم في دار الإسلام وتقدم لهم المساعدات السخيَّة، وفرص العمل الشريف ويشتركون معهم في جميع الحقوق والامتيازات كما اشترك المهاجرون والأنصار بالمدينة عند قدوم المهاجرين إليها، وهذا الأمر قد يترتب عليه بعض الصعوبات نظرا إلى أنه قد يهاجر إلى البلاد الإسلامية من لا يعمل بالإسلام على الوجه الصحيح، ونظرا لوجود فئات كثيرة من أهل الكفر والنفاق تعيش بداخل البلاد الإسلامية، ولا ترضى بمثل هذا الإجراء حيث يتعارض مع رغباتها ومنهجها في الحياة، ولذلك فإن من الأولى في بداية الأمر أن لا يكثر المسلمون من سواد خصومهم بمثل هذا التصرف حتى يتكون لديهم القاعدة الصلبة التي تتحدى قوى الكفر والنفاق في الداخل والخارج، كما أن فتح باب الهجرة لبعض الأقليات الإسلامية قد يؤدي إلى أن تكون هجرتهم لمصالح دنيوية ويؤدي إلى خلو كثير من البلاد التي كانت تحكم بالإسلام إلى أن تكون دار كفر لا وجود للمسلمين فيها، مع أن المسلمين اليوم ليسوا بحاجة ماسة إلى العدد الكمي بقدر ما هم بحاجة ماسة إلى النوعية المخلصة الصادقة التي تفهم الإسلام كما فهمه السلف الصالح.
الثاني: أن يعدل المسلمون عن فتح باب الهجرة للأكثرية المسلمة المضطهدة في معظم البلاد الإسلامية، وأن يستبدلوا ذلك بالدعم السخيّ لإخوانهم بالمال والنفس والرأي، فيكون المسلمون بدار الكفر مجاهدين في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم ويكون إخوانهم في الإسلام مجاهدين معهم بالمال والرأي والنفس إن تطلب الأمر ذلك وبذلك يتحقق للمسلمين هدفان:
(1)
كسر شوكة الكفار وحماية المسلمين من سيطرة الكفر وهيمنته على المسلمين
(2)
رفع راية الجهاد التي أمر الله بها أن ترفع حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)[الأنفال: 39].
يقول أبو بكر بن العربي: إذا كان من المسلمين أسراء أو مستضعفون فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن والمال والرأي وبأن لا تبقى منا عين تطرف، حتى نخرج إلى اسنتقاذهم، إن كان عددنا يحتمل لذلك، وأن نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لأحد منا درهم أو دينار يبخل به عن ذلك (1) اهـ.
ولا ريب أن تطيبق مثل هذه التعاليم كان هو السبب الرئيسي في نصرة المسلمين وعزتهم عبر قرون طويلة من تاريخ هذه الأمة المجيدة كما أن إهمالهم لهذا الأمر هو الذي أطمع الأعداء في بلاد المسلمين، فبدءوا في كل يوم يفترسون جزءا من المسلمين، والبقية الباقية من المسلمين في لهو وعبث ومجون وضياع (2).
فالدول المحسوبة على الإسلام اليوم لا تقوم بواجب الأقليات الإسلامية على المستوى المطلوب منها شرعا وإنما اكتفت بإنشاء إدارة هزيلة ضعيفة واهية بموجب قرار وزراء خارجية المؤتمر الإسلامي التاسع الذي عقد في داكا عام (1398هـ -1978) ونشاط هذه الإدارة محدود جدًّا فهي تقوم بطلب المساعدات من الأعضاء ثم تقوم بتوزيعها على المراكز الإسلامية بشكل إعانات نادرة محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع
(1) انظر أحكام القرآن لابن العربي (2/ 876) وانظر تفسير القرطبي (8/ 57، 58).
(2)
انظر فقه السير محمد سعيد رمضان البوطي (139).
فقد ذكر أحد المسئولين في هذه الإدارة أنهم قدموا مساعدة مالية إلى خمسة عشر مركزا بالولايات المتحدة الأميركية ودول الكاريبي، وعشرين مركزا في أوروبا، وثلاثين مركزا في آسيا، وستة وستين مركزا في أفريقيا، ولم يذكر المسئول الرقم الخاص بكل قارة ولا الرقم الإجمالي لهذه المساعدات (1) مما يدل على أن المساعدات ليست على المستوى المطلوب وأنها لا تعادل ما يتقاضاه حمار من الحمير الناهقة أو الرافسة، والآثار الظاهرة لتلك المراكز تدل على ضعفها وعجزها عن الجدية والنشاط، فهي لا تخدم المسلمين إلا في قضايا جزئية، أما أن تتبنى قضايا الاعتقاد والعبادة والسياسة والاقتصاد والاجتماع ونحو ذلك فهي غير مؤهلة لذلك، ولا يسمح لها الأعضاء بمزاولة مثل ذلك، في الوقت الذي نجد فيه أن مجلس الكنائس العالمي قد اعتمد مبلغ خمسين مليون دولار لإنفاقها على مراكز تكفير المسلمين في كل من تركيا وسوريا والأردن ومصر والسودان وتونس والجزائر والسنغال وملاوي وباكستان وبنغلاديش، وهذه كلها دول إسلامية فيما مضى من الزمن (2).
ولم يكتف الصليبيون بذلك بل إن قضايا النصارى في مصر والشام ترعى من قبل الدول الكبرى الصليبية في العالم أجمع.
ولذلك نحن لا نطالب بمثل تلك الإدارة الهزيلة لحقوق الأقليات الإسلامية في العالم، بل نطالب الأمة بأجمعها أن تكون في حسها ووجدانها مساعدة الأقليات الإسلامية، وأن تضغط على الحكومات التي تمثلها تمثيلاً زائفًا في أن تهتم بأمور المسلمين وقضاياهم في العالم أجمع، لأن ذلك من مسئوليات المسلمين عامة وحكوماتهم خاصة وقد تعتذر
(1) انظر مجلة البلاغ عدد (533) في (29/ 4/ 1400) هـ (26).
(2)
انظر مجلة الدعوة السعودية عدد (809) في (17/ 10/ 1401) هـ (12).
بعض الحكومات بأنها تلتزم مبدأ الحياد مع شقيقاتها، أو مع دول العالم، والحق أنه لا حياد مع من حارب الله ورسوله والمؤمنين قال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22] فهذا العذر غير مقبول فأي ارتباط يتعارض مع الكتاب والسنة يجب أن يضرب به عرض الحائط، والأدلة على وجوب مناصرة الأقليات الإسلامية سبق ذكر البعض منها والبعض الآخر كما يلي:
(1)
قال تعالى: (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا)[النساء: 148].
(2)
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)[الشورى: 39].
(3)
قال تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ)[الشورى: 40، 41].
ومن السنة قول الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلي:
(1)
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما (1)» .
(2)
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع، فذكر عيادة المريض واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإجابة الداعي، وإبرار القسم (2).
(3)
قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل
(1) رواه البخاري. انظر فتح الباري (5/ 98) كتاب المظالم.
(2)
المصدر السابق (99).
الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (1)».
فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب الانتصار للمظلومين من الظالمين، وللمضطهدين المعذبين من قبل الكفار والمجرمين، سواء كان الذين يعذبون المسلمين كفارًا صرحاء أو مرتدين عملاء.
إن في تلك الأدلة تقريرًا خالدًا لصفة من صفات هذه الأمة المسلمة صفة الانتصار من كل باغ ومعتد وظالم مهما كان مركزه ووجوده في الأمة الإسلامية، إن الدين الإسلامي لا يحابي أحدا على حساب الآخرين.
ولذلك حرم الإسلام الخضوع للظالم أو مساعدته في ظلمه أو التستر على مظالمه، أو تبرير جرمه وطغيانه.
إن الأمة المسلمة مطالبة شرعًا بالانتصار ممن يظلمها، مطالبة بالرد على سيئات الظالمين بمثلها، وهي في عملها هذا تزاول حقها المشروع في دفع الظلم عنها وعن أفرادها ورعاياها من المسلمين في كل مكان من الأرض، فلا عبرة بأي أعراف أو مفاهيم جاهلية، من شأنها أن تهدر حقوق المسلمين وتدوس كرامتهم، في الوقت الذي تتجاوز به دول الكفر جميع القوانين التي وضعتها بنفسها، عندما ترى أن هذه القوانين لا تخدم أهدافها ومصالحها ومصالح عملائها.
فالهيئات الدولية التي يدير شئونها أعداء المسلمين، كأنما وضعت لتكبيل المسلمين وتقييدهم والقضاء عليهم فوجًا إثر فوج (2).
إن وضع الأكثرية الإسلامية في عصرنا الحاضر وضع حرج للغاية.
(1) رواه البخاري ومسلم انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 246) رقم الحديث (226).
(2)
انظر تفسير القرطبي (6/ 1 - 4) وانظر في ظلال القرآن سيد قطب (6/ 577 - 579)(25)(301 - 403).
حيث أقام أعداء الإسلام دويلات وإمارات مبعثرة، أحاطوها بحدود جغرافية مصطنعة، وأعطوها جنسيات متباينة، ووضعوا على رأس كل واحدة منها إلا ما ندر منها دكتاتورا متسلطا يفتك بالمسلمين فتكا ذريعا فلا هي تستطيع الانتصار عليه بمفردها، ولا تستطيع أن تستنصر عليه بجيرانها، لأن القائمين على مسئوليات الدول المجاورة يقومون بنفس الدور، ويسيرون على نفس المخطط.
والشعوب الإسلامية مطحونة غارقة في بحر الشهوات والشبهات بحيث لا تشعر بعملية الانسلاخ من الإسلام وعملية التصفية الجسدية للمسلمين الغيورين على دينهم فنجد أن عامة الشعوب الإسلامية مشغولة بالفن الماجن القابع بين وجه المرأة ونحرها، والبعض الآخر مشغول بالرياضة التي تروض الناس على الضياع والذل والانحطاط والنوع الثالث مشغول بعبادة الدرهم والدينار يلهث وراء ذلك ويطلب حصوله بكل وسيلة وأقبح سبيل، وإذا وجدت قلة مؤمنة في خضم هذا المجتمع المنحرف عن الإسلام يعز عليها ما يعانيه إخوانها تحت وطأة الطغاة المجرمين وما أكثرهم فإنها قد لا تجد إلى مساعدتهم سبيلا، وذلك أن معظم الدول المنتسبة إلى الإسلام لا تسمح بجمع أي نوع من أنواع التبرعات للأقليات الإسلامية المضطهدة في العالم بل الأكثرية المضطهدة في العالم الإسلامي، وبعض الدول قد تسمح في ظروف معينة بجمع التبرعات لبعض المنكوبين من المسلمين إذا كان ذلك يناسب وضعها السياسي وقضاياها الأمنية فتسمح بجمع التبرعات تحت إشرافها وإطلاعها بحجة تنظيم ذلك وصيانته، ثم تدفع ما تحصل عليه أو بعض ما تحصل إلى الموالين لها في طرف النزاع في فلسطين، أو في أفغانستان أو غيرها من البلاد الإسلامية وقد لا يأتي أصحاب الشأن من ذلك شيء، سوى إعطاء بعض المنافقين والعملاء كي يصوروا في المرائي والصحف والمجلات وينشر ذلك في نشرات الأخبار وأقوال الصحف المحلية والعالمية.
ولذلك يحجم كثير من المسلمين عن المشاركة في دعم الأقليات الإسلامية لأنه لا يطمئن إلى سلامة وصول هذه الإعانات إلى المستحقين لها شرعا، نظرا لبعد القائمين على مقاليد السلطة في معظم الدول الإسلامية عن جوهر الإسلام وحقيقته.
ولكن لو قامت دولة إسلامية حقيقية صادقة مخلصة، وأرادت أن تقوم بمساعدة المسلمين المعذبين في العالم الإسلامي بجدية وإخلاص، فإنها تزاول بعملها هذا أمر مشروعا وتؤدي واجبا نحو هذا الدين ونحو المسلمين عامة وهي تنطلق في عملها هذا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم:«كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، والإمام راع ومسئول عن رعيته (1)» ورعاية المسلمين لإخوانهم لا تحدها حدود، ولا تمنعها قيود غير شرعية وقد يعترض معترض فيقول: كيف تستطيع دولة صغيرة من الدول أن تتدخل في الشئون الداخلية لدولة أخرى؟ والجواب: أن نقول: إن المسلمين في مودتهم وتراحمهم وتناصرهم يجب أن يكونوا أشد من تناصر الكفار فيما بينهم، لقد تضامنت دول الكفر جميعًا مع اليهود من حين إعلانهم لدولتهم حتى هذا التاريخ وهم يلقون الدعم البشري، والعسكري والاقتصادي والمعنوي من دول الكفر عامة والدول الكبرى منها خاصة، وتضامنت دول الكفر كلها مع أميركا في قضية الرهائن الأميركيين لدى إيران، رغم قوة أميركا وتفوقها في مجالات عديدة وتضامن اليهود مع نصارى لبنان فضلا عن نصارى العالم أجمع، وتضامن الشيوعيون في كوبا وبولندة والدول العربية مع روسيا في غزوها لأفغانستان رغم أن روسيا ليست بحاجة إلى فلك فهل ما تبيحه دول الكفر لنفسها من تعاون وتناصر يحرم تطبيقه بين المسلمين؟
إن لدى الحكومات القائمة في البلاد الإسلامية وسائل كثيرة تستطيع
(1) رواه البخاري ومسلم انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 288) رقم الحديث (285).
من خلانها الضغط والتأثير على من يطاردون الأكثرية المسلمة فضلا عن الأقليات الإسلامية ومن هذه الوسائل ما يلي:
أولاً: استخدام الاقتصاد كوسيلة قوية ومؤثرة على أوضاع هؤلاء المجرمين، فلا نصدر لهم ما يحتاجون إليه ضرورة ولا نستورد منهم ما يمكن أن نجده عند غيرهم ممن هم على علاقة حسنة بالمسلمين.
ثانيًا: من وسائل الضغط على أعداء الله وأعداء رسوله والمؤمنين عدم التعاون معهم في أي مجال من مجالات الحياة، فلا نعينهم ولا نستعين بهم في أي أمر من أمور المسلمين، ما دمنا نجد في غيرهم من يسد مسدهم، ولو اضطررنا إلى التعامل معهم فنتعامل معهم معاملة تجارية دون محبة أو مودة فهاهم ينهبون ثروات المسلمين وخيراتهم ولا يضمرون لهم سوى الحقد والكراهية والمكر الخبيث.
ثالثًا: يجب على المسلمين أن يكشفوا مخططات الكفار ويوضحوا جرائمهم تجار الإسلام والمسلمين، في مناهج التعليم ووسائل الأعلام وأن لا يسلكوا معهم سبيل المداهنة والنفاق.
رابعًا: يجب على المسلمين شعوبًا وحكومات أن يمدوا يد العون والمساعدة بسخاء إلى المسلمين الذين يقاومون الحكومات الطاغية والأحزاب الكافرة، ودعمهم في ذلك بلا خجل أو حياء أو خوف من الناس، لأن هذا واجب شرعي من واجبات الإسلام، يؤديه المسلمون كما يؤدون غيره من الواجبات الشرعية.
خامسًا: أن يستقدم المسلمون بعض اللاجئين من المسلمين الذين يطردون من بلادهم والذين لا يشكلون إلا قلة قليلة في بلاد الكفار مثل لاجئي كمبوديا، وكوريا، وفيتنام، وتايلند، وبعض بلدان أفريقيا وأوروبا الشرقية، ثم يتقاسمهم أهل البلاد الإسلامية فيما بينهم.
كما تفعل الدول الصليبية مع النصارى في شرق آسيا، فإن المسلمين بحاجة إلى الأيدي العاملة، فبدلاً من أن يستقدموا مئات الآلاف من الصليبيين واليهود وأهل الأوثان، يأتون بإخوانهم في الإسلام فيستفيدون منهم في مجال الأعمال المختلفة، ويفيدوهم بالنصرة والمأوى وإتاحة العيش الكريم لهم مع المسلمين، والدول الإسلامية تتمتع بمساحات شاسعة من الأرض وبأنهار كبيرة وكثيرة، وبثروة بترولية كبيرة، فهي قابلة للنمو في مجال الزراعة والصناعة ومختلف جوانب الحياة، وهي قادرة على استيعاب الملايين من البشر، ففي السودان وجنوب مصر وليبيا وتونس صحارى شاسعة يمكن استغلالها وإسكان آلاف اللاجئين فيها.
ولكن أين من يفكر في مثل هذا ويعمل له؟
إن معظم الدول التي تحكم الشعوب الإسلامية لا تفكر بمثل ذلك ولا تخطط له، لأنها قصيرة الأجل في نظرها فاقدة للثقة بنفسها، لأنها أصلا ما قامت ولا انطلقت من منطلق صحيح، يجعلها تطمئن في تخطيطها وتصرفها في سائر أعمالها.
فهي تنتظر الوقيعة بها صباح مساء، ولذلك كل هم تلك الدول هو أن تعض على مكانها بالنواجذ ولو كان في ذلك تدمير لأمة الإسلام كلها.
فهي على استعداد أن تبيع بلاد المسلمين بمن فيها من المسلمين مقابل الحصول على مال كثير وكرسي وثير، فحكومات كهذه لا تبني ولا تهتم بشعوبها المحدودة بحدود ضيقة، فضلاً عن أن يرجى فيها الخير في نصرة شعوب وبلاد بعيدة عنها، ففاقد الشيء لا يُعطيه فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.