الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة
الجهل في اصطلاح أهل الكلام: هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه حقيقة وهو ينقسم إلى قسمين:
1 -
بسيط.
2 -
مركب
فالجهل البسيط: هو عدم العلم بما من شأنه أن يكون به عالما.
والجهل المركب: هو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع (1) ويخلط كثير من الناس بين الجهل والخطأ في المفهوم والآثار المترتبة على ذلك مع أن هناك فرقا واضحًا بينهما.
(1) انظر المعجم الوسيط (1/ 144) قال الراغب الأصفهاني رحمه الله الجهل على ثلاثة أضرب: الأول: وهو خلو النفس من العلم، وهذا هو الأصل، الثاني اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه، الثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل عليه انظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني (102).
فالخطأ هو أن يقصد بفعله فعلاً مباحًا فيقع في محذور لم يقصده كأن يرمي طيرا في غابة فيقتل إنسانا لم يقصد قتله.
بخلاف الجهل فإنه تهاون مبعثه عدم بذل الجهد واستفراغ الوسع في معرفة الحق واتباعه (1).
وكل من الجهل والخطأ يؤاخذ عليه في جناية عدم التثبت ولكن العقوبة في ذلك لا تقدر بقدر الجريمة الخالية من الخطأ أو الجهل (2).
فالخطأ ينقسم إلى قسمين: خطأ في حقوق الله.
وخطأ في حقوق العبيد.
فأما الخطأ في حق الله فقد جعل الشارع الخطأ عذرًا، إذا اجتهد المخطئ في التثبت على ما يمكنه (3).
أما الخطأ في حقوق العبيد، فليس الخطأ عذرًا فيها فيضمن المتلف خطأ قيمة ما أتلف، فعليه الدية في القتل تعويضا عما أصاب ورثة المقتول من الضرر فخففت العقوبة من القصاص إلى الدية المخففة نتيجة لوجود الخطأ في ذلك (4).
والجهل يعذر صاحبه في أمور قد تخفى على كثير من الناس ولكنه يؤاخذ على ذلك بتساهله عن البحث والسؤال قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43] والجهل كالخطأ في أقسامه فمنه ما يتعلق بحق الله تعالى ومنه ما يتعلق بحق الناس.
(1) انظر أصول الفقه محمد الخضري (105).
(2)
المصدر السابق المكان نفسه.
(3)
المصدر السابق المكان نفسه، محمد الخضري (105) أصول الفقه.
(4)
انظر أصول الفقه محمد الخضري (105).
فإن كان الجهل بحكم يتعلق بحق الله تعالى من حيث الإباحة والتحريم، فإن صاحبه لا يؤاخذه عليه حتى يبلغه الدليل، فقد روى مسلم (1) في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر (2) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «هل علمت أن الله قد حرمها؟.» قال: لا، فسار إنسانا فقال النبي صلى الله عليه وسلم «بم ساررته؟» فقال: أمرته ببيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الذي حرم شربها حرم بيعها» قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها.
وفي ذلك يقول النووي لعل سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم عن علمه بالتحريم ليعرف حاله فإن كان عالما بتحريمها أنكر عليه هديته، وعزره على ذلك فلما أخبره أنه كان جاهلاً بذلك عذره وفي هذا دليل على أن من ارتكب معصية جاهلاً تحريمها، فلا إثم عليه ولا تعزير (3) ،.
ولكن إذا تعلقت جناية الجاهل بحق الناس فالقاعدة أنه لا يعذر أحد بجهالته حفاظًا على حقوق الناس روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه» (4) فمن يدعي الجهل بالأمور الظاهرة في الإسلام سواء كانت في حق الله أو حق عباده لا يقبل منه ذلك إذا كان يعيش في وسط إسلامي.
أما من كان حديث عهد بالإسلام، وكان قد نشأ في مجتمع غالب سكانه غير مسلمين فقد يعذر ببعض أنواع الشرك إذا وقع فيه وهو لا يدري، والدليل على ذلك طلب الصحابة رضوان الله عليهم أن يجعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذات أنواط كما للمشركين ذات أنواط، فحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) صحيح مسلم (3/ 1206) باب المساقاة.
(2)
أي قربة ممتلئة خمرًا.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي (11/ 4).
(4)
المصدر السابق (12/ 2).
أنها مثل قصة قوم موسى عندما قالوا: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) فلا خلاف أن الذين قالوا ذلك لم يعلموا الحكم، ولكن لو فعلوا ذلك بعد نهيه لكفروا، ومن ذلك نستنتج أن المسلم إذا تكلم بكلام الكفر وهو لا يدري أنه كفر، فنبه إلى ذلك فرجع عنه وأباب من ساعته أنه لا يكفر (1).
أما من لم يكلف نفسه بمعرفة الشرك، ولا إنه كاره، فوقع فيه أو أيد أهله، فهو آثم وعلى خطر من خروجه عن الإسلام، لأن من جهل الشرك، لا يحصل منه شيء مما دلت عليه لا إله إلا الله، ومن لم يقم بمعنى هذه الكلمة وما دلت عليه، عن علم ويقين وصدق وإخلاص ومحبة وقبول وانقياد فليس من الإسلام في شيء (2) وكثير من الناس لا يميزون بين ما أمروا به، وما نهوا عنه، ولا بين ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ما كذب عليه، ولا يفهمون حقيقة مراده، ولا يتحرون طاعته، بل هم جهال لما أتوا به معظمون لأغراضهم وأهوائهم متبعون لشهواتهم وملذاتهم (3) ولا ريب أن الله عز وجل لم يعذر أهل الجاهلية الذين لا كتاب لهم بهذا الشرك الأكبر الذي حصل منهم والدليل على ذلك حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» (4) فكيف يعذر الله أمة كتاب الله بين أيديهم يمكنهم أن يقرءوه ويفهموا ما فيه قال تعالى: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر: 17] فهو حجة الله على عباده كما قال تعالى: (هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)[إبراهيم: 52].
(1) انظر مجموعة التوحيد (84).
(2)
انظر الدرر السنية (2/ 98) وانظر مجموعة التوحيد (37).
(3)
انظر الدرر السنية (2/ 99).
(4)
رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 2197، 2198) رقم الحديث (2875).
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إنَّ الإنسان يكفر بكلمة يخرجها لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل (1) اهـ.
ويستدل على ذلك بحديث: «إن الرجل يتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه» (2) والإنسان قد يكفر بالمقالة الكافرة وفعل الكفر، وإن كان عند نفسه أنه لم يأت بمكفر، كما حصل من المنافقين في غزوة تبوك قال تعالى:(لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)[التوبة: 66] فهؤلاء ظنوا أن ذلك ليس بكفر، ولكن الآية، دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولو لم يعلم، أو يعتقد أنه كافر، لا يعذر بذلك بل يكفر بفعله القولي والعملي، ومن أجل ذلك فالذي يسب الإسلام أو شعائره كافر بطريق الأولى، وإن لم يعتقد أنه كافر (3).
وقد يعلم الإنسان أن الشيء يضره ويفعله، ويعلم أن هذا الشيء ينفعه ويتركه، لأن ذلك العلم عارضه ما في نفسه من طلب لذة أخرى، أو دفع
ألم آخر فيكون جاهلاً ظالمًا حيث قدَّم هذا على ذلك، ولهذا قال أبو العالية
سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عن قوله: (يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ)[النساء: 17] فقالوا كل من عصى الله فهو جاهل (4)، وقال تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ
(1) انظر الدرر السنية (1/ 50).
(2)
انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (2/ 579).
(3)
انظر تيسير العزيز الحميد (554، 555).
(4)
ملحق المصنفات محمد بن عبد الوهاب (193) وانظر لطائف المعارف للحافظ ابن رجب (350).
بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179] وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» (1) ولا يجوز أن ينسب الكفر إلى شخص معين ما لم تقم عليه حجة البلاغ والعلم التي يعتبر من خالفها كان كافرا، تارة، أو فاسقا أو عاصيا أخرى وهذا في الأمور الخفية مثل الصرف والعطف، التي قد يقال فيها إنه مخطئ ضال.
أما الأمور التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإيجابها مثل أركان الإسلام الخمسة، والأشياء التي ظاهر تحريمها مثل الزنا والخمر والميسر، والربا ونحو ذلك من المحرمات والواجبات فلا يعذر أحد بجهالتها ما لم يكن حديث عهد بالإسلام (2) وعلى هذا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر، فقد كان بعض الصحابة ظنوا إباحة الخمر كقدامة بن مظعون وأصحابه فظنوا أنها تباح لمن عمل صالحا على ما فهموه من آية المائدة قال تعالى:(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[المائدة: 93] وقد اتفق علماء الصحابة رضي الله عنهم كعمر وعلي وغيرهما، على أنهم يستتابون فإن أصروا على الاستحلال كفروا، إذا كان قد بلغهم الدليل، فلم يكفروهم ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق، فإن أصروا بعد معرفة الحق كفروا بجحودهم وإصرارهم (3) وعلى ذلك فمن أعان على ترك واجب، أو إباحة محرم من شعائر الإسلام الظاهرة
(1) العقيدة والآداب الإسلامية الأولى (24) تأليف الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
(2)
انظر الدرر السنية (8/ 29) وانظر المصدر نفسه (8/ 90).
(3)
انظر الجامع الفريد/ تأليف مجموعة من أئمة الدعوة (327، 328).
المعلومة من الدين بالضرورة فحكمه الكفر وإن ادعى الإسلام (1) وعند ذلك يجوز قتله، لأنه لا عذر له في مثل ذلك بالجهل إلا من هو حديث عهد بالإسلام.
فقد أخبر سبحانه وتعالى بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بكفرهم ووصف بني إسرائيل بالجهل مع أنه لا يشك أحد في كفرهم قال تعالى: (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)[الأعراف: 138] فنحن نقطع بأن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، ولكن مع ذلك نعتقد كفرهم وكفر من شك في كفرهم قال تعالى:(فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)[يونس: 89] وقد دل القرآن الكريم على أن الشك في أصول الدين كفر ونوع من أنواع الردة عن الإسلام.
والشك هو التردد بين شيئين كأن لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا كذبه، ولا بوقوع البعث، ولا بعدم وقوعه ونحو ذلك، أو كأن لا يعتقد بوجوب الصلاة، ولا بعدم وجوبها، ولا بتحريم الزنا أو عدم تحريمه ونحو ذلك فهذا كفر بإجماع العلماء (2).
ولا عذر لمن كانت هذه حالته، بكونه لم يفهم حجج الله، وبيناته فعذره غير مقبول بعد بلوغه الحجة وإن لم يفهمها لأن طلب الفهم والعلم بالحجة راجع إليه هو (3) قال تعالى:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43] وقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم لم يتفهموا ما أنزل الله عليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ
(1) انظر الدرر السنية (8/ 28، 29).
(2)
انظر الدرر السنية (8/ 213).
(3)
انظر الدرر السنية (8/ 90).
فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف: 57] فبين سبحانه وتعالى أنهم لم يفقهوه والفقه لغة الفهم فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا بل صرح القرآن الكريم بكفرهم ويكفر من اعتقد الصواب، وهو على الباطل، لعدم تحريه الصواب تحريا دقيقا قال تعالى:(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)[الكهف: 103، 104].
وقد سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبابطين: أن هناك فئة من الناس لا تعرف الإيمان بالله على الوجه الحقيقي، ولا تعرف معنى الكفر بالطاغوت، ولكنها تلتزم ببعض شرائع الإسلام على الإجمال.
أما على التفصيل فهي تبغض أهل التوحيد، وتمقتهم وترى منهم الخطأ في الأمور التي تخالف عاداتها وشهواتها وهواها وما تعارفت عليه حيث يعتقد هؤلاء أن كل شيء خلاف ما تعارفوا عليه هو خطأ لأن في ذهنهم أن كل ما تعارفوا عليه هو الصواب وهو الدين، ولو كان هو عين الخطأ، والصواب مع من يعتقدونه مخطئا، فهم لا يأخذون بالدليل الذي يرد به عليهم، ولا يلتفتون إليه، ولا يرعوون من فيهم، أو يرجعون عن باطلهم لأنهم يرون الدين الحق هو ما تظاهر به المنتسبون إليه من عامة الناس، ولو كان هؤلاء العامة مع قادتهم من علماء السوء وحكام الضلال منحرفين عن الإسلام الصحيح، فهم يصرحون في بعض الأحايين بالبغض والعداوة لأهل الحق، ويصفونهم بأوصاف الكفر والضلال جهلا أو نفاقا ويحرصون على تتبع عوراتهم والوقوع في عثراتهم والتجسس عليهم لحساب أهل الكفر والضلال.
فأجاب رحمه الله بكفر هؤلاء وخروجهم عن الإسلام لعدة أسباب هي:
أولاً: أنهم لم يكلفوا أنفسهم في معرفة الإسلام ولم يستسلموا لله وينقادوا له في كل أمر أو نهي.
ثانيًا: إنهم عادوا أهل الحق، وأبغضوهم وخطئوا طريقهم ورأوا الدين هو ما عليه أكثر المنتسبين إليه من الناس الذين لا علم لديهم ولا عمل (1).
ولا يعني هذا أننا نكفر كل مسلم لا يفهم الإسلام ويعرفه كمعرفة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بل إن المسلم إذا كان معه أصل الإسلام الذي يدخل به الإنسان في عداد المسلمين فهو مسلم، ولو كان جاهلا بتفاصيل أحكام الإسلام الخاصة، فإنه ليس على عوام المسلمين ممن لا قدرة لهم على معرفة تفاصيل ما شرعه الله ورسوله، أن يعرفوا على التفصيل ما يعرفه من أقدره الله على ذلك من علماء المسلمين، وأعيانهم بل عليهم أن يؤمنوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانا عاما مجملا، ويعملوا بذلك وإذا اشتبه عليهم الأمر لجأوا إلى أهل الذكر فسألوهم عما لا يعلمون أما إذا لم يوجد مع الجاهل، الأصل الذي يدخل به الإنسان في عداد المسلمين، فهو كافر، وكفره، هو بسبب الإعراض عن تعلم دينه فلا هو علمه، ولا تعلمه، ولا عمل به، فمن كان ظاهره الكفر فهو كافر ومن كان ظاهره العصيان فهو عاص، ولا نكفر إلا من كفره الله ورسوله بعد قيام حجة البلاغ عليه (2) وقد عد الفقهاء أنواع الردة أربعة ذكروا منها الشك، والشك إنما يكون بسبب الجهل في عدم معرفة أقوى الدليلين، دليل الإثبات ودليل النفي، ولو قلنا بعدم تكفير الجاهل مطلقا لكان لازم هذا أن
(1) انظر الدرر السنية (8/ 232).
(2)
انظر الدرر السنية (8/ 257).
لا نكفر جهلة اليهود والنصارى ومن على شاكلتهم من أهل الأوثان لجهلهم بأحكام الإسلام، وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى، أوشك في كفرهم، وإن كان كفر بعض هؤلاء مبينا على الجهل بأحكام الإسلام، ولكن يكفي في إقامة الدليل عليهم أن يعلموا باسم الإسلام، وأن الله لا يقبل من إنسان غير الإسلام دينا، ثم يبقى عليهم بعد ذلك معرفة هذا الدين، ومعرفة صفاته وخصائصه وذلك من واجبات الفرد نفسه أن يسأل عن الخطأ والصواب، كما يفعل ذلك في أمور معيشته وعلى هذا فمرتكب الكفر، وإن كان متأولا أو مجتهدا أو مخطئا أو مقلدا أو جاهلا ليس معذورا في ذلك فليس حكم الكفر والردة مقصورا على من عاند مع معرفة وعلم، فنحن لا نعرف المعاند حتى يقول: أنا أعلم أن ذلك حق ولكن لا ألتزمه ولا أقول به، وهذا الصنف بهذا الوصف لا يكاد يوجد (1).
وقد قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48] وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72] فلم يستثن سبحانه وتعالى من ذلك الجاهل، ولم يخص المعاند، فمن أخرج الجاهل والمتأول، والمقلد، فقد شاق الله ورسوله وخرج عن سبيل المؤمنين (2) وقال تعالى:(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ)[الأنعام: 111] والجهالة معصية في صغائر الذنوب وفيما دون الكفر، فإن تاب من ارتكب الذنب بجهالة فقبول توبته راجع إلى الله عزوجل قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ
(1) انظر الدرر السنية (9/ 241).
(2)
انظر الدرر السنية (9/ 246).
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء: 17]. قال مجاهد الجاهل من لا يعلم حلالا من حرام، ومن جهالته ركب الأمر المحرم، فكل من عمل خطيئة فهو بها جاهل، سواء كانت هذه الجهالة تصل إلى الكفر، أو إلى ما دونه فكل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته، وإنما سمواجهالا لمعاصيهم لأنهم غير مميزين ولا متبعين للحق ولذلك فعملهم هذا إثم يؤاخذون عليه إلا إذا تابوا وأصلحوا فإن الله غفور رحيم (1).
والجهل صفة موجودة في حياة الناس ولكنه يختلف باختلاف الأفراد والأمم فمن الجهل ما يكون كفرا بواحا ومنها ما يكون كبيرة من كبائر الذنوب ومنه ما يكون معصية من صغائر الذنوب ولكي يتخلص المسلم من الجهل صغيره وكبيره عليه أن يتخذ من رسول الله أسوة حسنة له في حياته قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21] وبسؤال أهل العلم العاملين بعلمهم كما تقدم بيان ذلك.
فعلى هذا نقول أن كثيرا ممن يدعون الإسلام في عصرنا الحاضر وهم يقفون في صف الطغاة والمجرمين ويوالونهم ويناصرونهم ضد الحق وأهله على خطر من خروجهم من الإسلام وإن اعتذر البعض منهم أو عنهم بأنهم جهلة لا يعلمون الحق والحقيقة لأن الواجب الشرعي عليهم هو التثبت والبحث عن الحق والصواب قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
(1) انظر تفسير القرطبي (5/ 91، 92) و (6/ 436).
أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6] ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الجاهلين من البقاء على جهلهم وحثهم على طلب العلم وعلى تحطيم ربقة الجهل، وحثهم على قرع أبواب المعرفة، ويتجلى هذا بوضوح فيما رواه عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه عن جده قال خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة فأثنى على طوائف من المسلمين خيرا، ثم قال:«ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله ليعلمن قوم جيرانهم، ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة ثم نزل» (1) ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث مسئولية العلماء كما بين واجب من لا يعلم، وحث الفريقين على أداء واجبهما أهل العلم ينشرون العلم ويبينونه والجاهل يسعى إليهم ويتعلم منهم، وقد رتب على إخلال أحد الفريقين أو كليهما بواجبه عقوبة زاجرة رادعة من خلال هذا الحديث، وهذا يدل على أن الجهل ليس عذرا في ترك الأحكام أو إعفائه من المسئولية (2).
يقول الشاعر:
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
…
يسائل من يدري فكيف إذًا تدري؟؟ (3)
(1) انظر مجمع الزوائد (1/ 164) وقد رواه الطبراني في مجمعه الكبير وفيه بكير ابن معروف قال البخاري: ارم به، ووثقه أحمد من رواية وضعفه من أخرى، وقال: ابن عدي أرجو أنه لا بأس به، فالحديث فيه لين، وأخرجه المنذري من الترغيب والترهيب (1/ 86، 87) بلفظ عن إشارة إلى أنه وجد من صحح الحديث أو حسنه ممن أخرجه.
(2)
انظر لمحات من المكتبة والبحث والمصادر (23) تأليف د/ محمد عجاج الخطيب.
(3)
الدعوة السعودية عدد (815) من 30/ 11/ 1401 هـ ص 34.
لقد أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا، والحق باطلا والباطل حقا في مفهوم كثير ممن ينتمون إلى الإسلام اسما لا حقيقة ولكن مع ذلك يعتقدون جهلا أو تجاهلا أنهم هم أصحاب الإسلام الصحيح فالإسلام الذي يريدونه ويعتقدون صحته هو إسلام لا يمنعهم عما حرم الله ولا يلزمه بما أوجب الله، ولذلك تراهم يفقهون في وجه كل داعية مخلص يريد إرجاع الأمة إلى الصواب، ويصفون الدعاة إلى الله أبشع الأوصاف التي هم في الحقيقة جديرون بها، إن هؤلاء الجهال وما أكثرهم في عصرنا الحاضر، هم من أهم عوامل ضعف الموالاة بين المسلمين نظرا إلى أنهم يشكلون أكثرية ساحقة ساذجة تافهة في المجتمع الإسلامي ولذلك نرى لزاما على الأمة الإسلامية والعلماء خاصة أن يهتموا بتلك الفئة من الناس اهتماما يناسب حجم المشكة ويدرأ خطرها عن الدعاة إلى الله وأن يوجهوهم إلى التصور السليم، ويلقنوهم الفهم المستقيم، وأن يحولوهم من موقف الرفض والعداء للدين وأهله، إلى موقف التأييد والموالاة والمناصرة على الحق.
لقد أصبح الجهر بكلمة الحق في وسط هذه الجموع المضللة من قبل أعداء الإسلام جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام، لقد جهلت الشعوب الإسلامية هذا الدين، وأخذت عنه تصورات خاطئة، بفعل أعداء الإسلام في داخل البلدان الإسلامية وخارجها، ونقضوا عرى الإسلام عروة عروة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن ودفعه، ووقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية ونظيره، أو شر منه أو دونه.
فتنقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرًا والمنكر معروفًا والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع ومن له
بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا، والله المستعان (1) اهـ وقد أصبح هذا القول حقيقة واقعة في أيامنا هذه، والدليل على ذلك أن الإسلام عاش محنتين عظيمتين على يد طاغيتين مجرمين هما مصطفى كمال أتاتورك وجمال عبد الناصر ومع ذلك كان موقف الجماهير الجاهلة المضللة عن حقيقتهما هو موقف التأييد المطلق والمناصرة التامة لهما والهيام في حبهما إلى درجة الشرك قال تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ)[البقرة: 165] ونحن نذكر هذين الشخصين كمثالين للقيادات الضالة التي يصفق لها الدهماء من الناس ويهيمون في حبها، ويبذلون دماءهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل حفظها وبقائها، وما علموا أن الواجب الشرعي يفرض عليهم أن يحطموا تلك الزعامات الفاجرة الخارجة على الإسلام وأن يعادوها ويبغضوها كما أمر الله في كتابه الكريم وعلى لسان نبيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الجهل المطبق هو الذي حال دون معرفة حقيقة الأعداء وحقيقة الأصدقاء وهو الذي جعل هؤلاء الجهال يوالون أعداء الإسلام موالاة مطلقة ويحاربون أهل الإيمان، إن مصطفى كمال أتاتورك لم يكن يعرف من الإسلام الذي يدعيه أكثر من أن اسمه مصطفى في السجل الرسمي للدولة أما حقيقته فهو صنيعة للحاخام اليهودي نعوم منفذ الخطة اليهودية لهدم الخلافة الإسلامية (2).
لقد كان أتاتورك مجرما بمعنى الكلمة سواء كان في حياته الخاصة أم في مسئولياته العامة، ويشهد على ذلك أحد وزرائه عصمت اينونوا حيث قال له مرة: هل سنأخذ أوامركم من على مائدة العرق (3).
(1) انظر مجموعة التوحيد (319، 320).
(2)
انظر كتاب الرجل الصنم (563) تأليف ضابط تركي سابق ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن.
(3)
انظر المصدر السابق (523).
إن هذا الرجل بعد أن وصل إلى سدة الحكم وقضى على الخلافة الإسلامية، وقع معاهدة لوزان المعقودة بينه وبين بريطانيا المجرمة التي قضت على الخلافة الإسلامية، ومكنت اليهود من احتلال فلسطين كما هو معروف عن دور بلفور، وزير خارجية بريطانيا آنذاك.
وقد كان يمثل بريطانيا في معاهدة لوزان، اللورد كيرزون ورومبولد، وكانت هذه المعاهدة تشتمل على أربعة شروط رئيسية هي:
أولا: إلغاء الخلافة الإسلامية.
ثانيا: قطع كل صلة بالإسلام.
ثالثا: طرد وقتل أنصار الإسلام المتحمسين له.
رابعا: تغيير الدستور الإسلامي إلى دستور علماني (1).
ولقد طبق أتاتورك هذه المعاهدة تطبيقا تاما، فألغى الخلافة الإسلامية ومنع تدريس مواد الشريعة الإسلامية ومنع الزي الإسلامي، واستبدل بلغة القرآن الحروف اللاتينية، كما ألغى الحكم بالشريعة الإسلامية، ووضع مكانها القوانين الوضعية التي جلبها من أوروبا.
وكان قصده من ذلك كله جعل تركيا وما حولها من بلاد الإسلام قطعة من أوروبا وأقسام مبدأ علمانية الدول والحكم، وعدم اعتبار الدين في أي شأن من شئون الحياة.
هذا الشخص الذي فعل بالمسلمين هذا الفعل ما زال تمثاله الذي يرمز إلى الخيانة والعمالة للأعداء، أول ما تقع عليه عين القادم في مطار استنبول، وتماثيله الأخرى منتشرة في كل منعطف وميدان، وصوره تباع للسياح، وكأنه منقذ أمة أو فاتح عظيم، ولو كان كذلك لما جاز ذلك.
فكيف به وهو خائن لئيم؟ والأعجب من ذلك أن الدستور الوضعي
(1) انظر المصدر السابق (283، 294) وانظر المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام تأليف محمد محمود الصواف (128).
في تركيا لا يزال حتى هذا اليوم حارسا أمينا على نظام أتاتورك العلماني الجاهلي ولا يستطيع أحد من أبناء الشعب المسلم في تركيا أن يجهر بانتقاد هذا الطاغية الهالك أو يكشف مخازيه وفضائحه التي بقيت سرا لأكثر من خمسين عاما.
وفي هذه الأيام تجري محاكمة للدكتور نجم الدين أربكان زعيم حزب السلامة الإسلامي بتهمة السعي لإقامة دولة إسلامية في تركيا وقد طالب المدعي العام العسكري بإنزال عقوبة السجن لمدة (36) سنة على الدكتور نجم الدين كما طالب بإنزال عقوبة السجن لمدة (17) سبع عشرة سنة على ثلاثة وثلاثين من أعضاء حزب السلامة الإسلامي لأنهم يسعون لإقامة دول إسلامية وهذه يرون أنها جريمة لأنها تخالف نظام أتاتورك العلماني (1).
ولم يكن تمجيد هذا الطاغية مقصورًا على تركيا وحدها بل إن كثيرا من الكتاب وأصحاب الأقلام المأجورة والمخدوعة يمجدون هذا المجرم ويمتدحونه، وكأن تحطيم الخلافة الإسلامية نصر عظيم وفتح مبين ولا غرابة على معظم الذين فعلوا ذلك لأنهم ينظرون إلى الأمور من خلال منظار اليهود والنصارى إليها، ولكن الغرابة في الأمر أن ينساق من يدعي الإسلام إلى الوقوف بجانب أعداء الإسلام، بينما يكيلون السباب والشتائم على سلاطين الدولة العثمانية وخاصة عبد الحميد الثاني الذي وقف في وجه المؤامرة اليهودية الصليبية رغم الضعف الشديد الذي يحيط بالدولة في عهده ورغم قوة أعدائه فقد أبى إباء المؤمن المعتز بإيمانه بالله عندما عرض عليه قره صو (2) المرسل من قبل هرتزل قائد اليهودية وحامي حماها مبلغ مائة مليون ليرة ذهب باسم قرض طويل الأجل وبدون فائدة.
(1) انظر مجلة الإرشاد العدد العاشر للسنة الثالثة شوال (1401)(73).
(2)
انظر المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، محمد محمود الصواف (129).
وتعهد أيضا باسم اليهود ببناء أسطول بحري لمشاركة الدولة العثمانية في صد الأعداء عنها، وتعهد كذلك ببناء جامعة في القدس كل ذلك مقابل التنازل عن قطعة صغيرة، من أرض فلسطين لليهود.
فأبي السلطان رغم حاجته إلى المال والاستقرار وقال للوسيط قره صو وهو عثماني الجنسية: اغرب عن وجهي أيها الخنزير، أنا لن أستطيع أن أبيع شبرا واحدا من أرض فلسطين لأنها ليست ملكي، بل هي ملك المسلمين جميعا أخذوها بدمائهم، ولن يعطوها إلا بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولتي يوما فإنهم سيأخذونها بلا ثمن أما وأنا حي فإن عمل المشرط في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين بترت من دولتي وهذا أمر لن يكون، إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة (1).
رحمك الله يا عبد الحميد، لقد ظلمك التاريخ، وظلمك أصحاب الأقلام الذين يتخذون من مؤلفات جورجي زيدان، وفارس نمر وسلامة موسى مصدرا لتاريخهم ومعلوماتهم، وما أدرك أولئك الجهلة أن ثلاثتهم قد تربوا في أحضان الصليبية وأنهم يعملون لها، وأن مؤلفاتهم سلاح من الأسلحة التي تشهر في وجه الإسلام والمسلمين.
إن هذا الموقف في معاداة عبد الحميد، وموالاة ومناصرة أتاتورك يعطي صورة واضحة على من يجهل معظم أفراد الأمة بأعدائها الحقيقيين إلى حد يجعلهم ينصرون الظالم على المظلوم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ولم يتعظ المسلمون من نتائج هذا الموقف مع أتاتورك وما حصل من ذلك من جرائم أو سيئات بل مر هذا الحدث بما فيه من مصائب ودواه عظام أثقلت وتثقل كاهل الأمة الإسلامية حتى هذا اليوم، ومع ذلك لا زال بعض المنتسبين إلى الإسلام يمتدح ذلك العدو اللدود للإسلام والمسلمين.
(1) انظر محاضرات في تاريخ فلسطين تأليف د/ أحمد طربين ص4.
أما المأساة الثانية التي كرر فيها الأعداء مواقف أتاتورك في صورة شخص آخر فهي مأساة المسلمين في مصر، وخارج مصر، تلك المأساة التي عاشها أبناء مصر الأوفياء لدينهم وإسلامهم، وعاشها معهم كل مؤمن مخلص غيور، وذلك حين تآمر حفيد فرعون (1) جمال عبد الناصر مع أعداء الإسلام والمسلمين، العميل المزدوج للأمريكان واليهود والشيوعيين فلقد قال عنه خالد محيي الدين وهو من المقربين إليه إن عبد الناصر كان على علاقة مع وكالة المخابرات الأمريكية عن طريق كيرميت روزفلت المهندس الأمريكي لثورات المنطقة (2) وقد ذكر مايلزم كوبلاند صديق عبد الناصر الحميم عن تلك العلاقة بين عبد الناصر والإدارة الأمريكية فيقول عن عبد الناصر: إنه لا يعمل كما يظن كثيرون نتيجة استئثار أو نزوة أو أي دافع من البواعث السطحية، إننا نحن رجال المخابرات الأمريكية قد رسمنا له الطريق فسار فيه، وقد تكون النتائج غير ذلك لو أنه أعد إعداد من نوع آخر (3).
وقد أشار الدكتور محمد صادق إلى هذا الارتباط بما لا يدع مجالا للشك بأن عبد الناصر تآمر مع أعداء الإسلام الصليبيين للقضاء على الإسلام والمسلمين (4) وعبد الناصر كما هو عميل للصليبيين هو كذلك عميل لليهود لأن اليهودية والصليبية يعملان معًا ضد الإسلام وينسقان الخطط فيها بينهما لحرب الإسلام والمسلمين، والأدلة على عمالة عبد الناصر لليهود ما يلي:
أولاً: صرح رجل عدل كان أحد أبطال فلسطين، الذي عرفه اليهود قبل
(1) الحفيد ولد الولد انظر المعجم الوسيط (1/ 183).
(2)
مذبحة الإخوان جار رزق ص13.
(3)
انظر لعبة الأمم مايلز كوبلاند (239) ترجمة إبراهيم جزيني.
(4)
انظر الدبلوماسية والميكافيلية في العلاقات العربية الأمريكية الدكتور محمد صادق (17، 18).
أن يعرفه غيرهم، وهو اللواء معروف الحضري رحمه الله الذي كان أحد أبطال الحرب (1948) وهو الذي مد يد العون للجنود المصريين المحاصرين في الفالوجة وكان عبد الناصر أحد هؤلاء المحاصرين هناك وبعد فك الحصار ورجوعهم إلى المخيم قال معروف الحضري أنه شاهد عبد الناصر يخرج من بين خطوط الحصار ويدلف إلى خطوط اليهود بعد منتصف الليل بغير علم قيادته وبغير أمرها، وأنه شاهده أكثر من مرة يفعل ذلك تحت جنح الظلام وكانت سيارة عسكرية يهودية تنتظره على مقربة من خط المواجهة يستقلها ثم يعود فيها مع خيوط الفجر الأولى، ولا ندري ماذا كان يفعل إلا ما دهمت به مصر بعد ذلك بثلاث سنوات.
ثانيا: يوجد وثيقة بخط عبد الناصر كتبها بيده بعد أن وقع معروف الحضري بأسر اليهود، وصلت إلى معروف يطلب منه فيها التعاون مع ضابط المخابرات اليهودية المدعو كوهين الأمر الذي رفضه معروف الحضري رحمه الله.
ثالثا: صرح ابن غورين مؤسس دولة إسرائيل في عام (1950) في الكنيست الإسرائيلي قائلا: إن انقلابا عسكريا سيقع في مصر لن نكون نحن معاشر اليهود أقل فرحًا به من المصريين أنفسهم، ويقصد بذلك الانقلاب الذي أوصل عبد الناصر إلى الحكم في مصر، فكان ما كان في مصر مما أثلج صدور الكفار أجمع ما عدا أهل الإسلام.
رابعا: جاء في مجلة يهودية تدعى يدعوت أحرينوت قولها: إن إسرائيل مارست ضرب الحركات الإسلامية، خلال الثلاثين عاما الماضية عن طريق أصدقائها في العالم العربي (1) وهذا ما حصل في مصر
(1) انظر فيما تقدم محاضرة مسجلة للدكتور/ علي جريشة بعنوان أعداء في طريق الدعوة تسجيلات اليمامة الرياض/ بطحاء- عمارة النيل.
على يد ذلك السفاح وما يحصل في وقتنا الحاضر على يد عملاء الكفار الشرقيين والغربيين.
خامسًا: نشرت إحدى المجلات الإنجليزية نيوستيتسمان في عددها الصادر في الثاني من أكتوبر عام (1970) بعد أن جللته بالسواد حدادا على عبد الناصر مقالا للمستر سكوتسمان الذي يعترف بأنه صهيوني بارز ولكنه يرثي جمال عبد الناصر، لما قدمه لليهود من خدمات لا تعوض بثمن وصدق الله العظيم حين قال:(وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120] ويضيف سكوتسمان قائلا: كان أول لقاء لي مع عبد الناصر سنة (1953) الأمر الذي جعلني أرتبط معه بصداقة شخصية استمرت سنوات طويلة، ثم يقول: لقد نزلت ضيفًا عند عبد الناصر في إحدى الليالي بمنزله الكائن بجوار الثكنات منشية البكري وقد شهر بتكريمه لي عندما جلست معه جلسة خاصة للعشاء على مائدة المطبخ، لا على مقاعد غرفة الطعام بالصالون المعتاد ولقد دعاني إلى رؤية بناته في غرفة النوم بعد أن سارعت زوجته إلى الاختفاء (1).
سادسًا: جاء في مذكرات موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي سابقا أن حسن التهامي قال له: إنه كان للاستخبارات المصرية عميل إسرائيلي في منصب استراتيجي وكان ضابطا كبيرا في الجيش الإسرائيلي وقد أبلغ المصريين بأن الحرب ستقوم خلال الفترة ما بين (3 أو 6) من حزيران وردا على السؤال: لماذا لم يوضع سلاح الجو المصري في حالة تأهب قصوى؟ ولماذا لم تكترث
(1) انظر الدبلوماسية والميكافيلية في العلاقات العربية الأمريكية د/ محمد صادق ص ز من المقدمة.
القيادة المصرية بهذه المعلومات؟ قال التهامي: إن الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر كان شريكا في المؤامرة الإسرائيلية (1).
سابعًا: نقلت وكالة أ. ب فيلادليفيا أن هناك عدة صحف أمريكية نشرت سلسلة من التصريحات أدلى بها إيلمورجاكسون مراقب لجنة خدمة أصدقاء أمريكا لدى الأمم المتحدة وعضو كنيسة الكويكا قال: إن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أجرى اتصالات مع الإدارة الأمريكية عام 1955 من خلال سفيره في واشنطن أحمد حسين لمصالحة اليهود وقال جاكسون في ختام تصريحاته: إن كثيرين ممن وضعوا ثقتهم في الرئيس المصري جمال عبد الناصر: وكانوا من أنصاره قد يدهشون لقيامه بهذه الجهود لكن الحقيقة أنه قام بذلك، وقد حال دون ذلك استراتيجية السياسة اليهودية في ذلك الوقت اهـ (2).
إن الدور الذي لعبه جمال عبد الناصر في تحطيم عقيدة الأمة وأخلاقها وتسليم المساحات الشاسعة من أرض الإسلام والمسلمين بما فيها القدس لليهود بلا ثمن لهو دور عظيم لا يقارن به إلا الدور الذي قام به كمال أتاتورك من قبله.
فكلاهما لعب دورًا مأسويًا في تاريخ الإسلام والمسلمين، وكلاهما صنعا مأساة لم يصنعها أحد غيرهما في زمانهما ومكانهما فالاثنان حققا لليهود .. أغلى أمانيهم.
الأول: أسقط الخلافة الإسلامية وشتت البلاد الإسلامية دويلات وإمارات مبعثرة متناحرة وأنشأ مبدأ العلمانية في الحكم والتشريع.
(1) انظر مجلة المجتمع عدد 522 السنة الحادية عشرة ف 25/ 5/ 1401 هـ (16).
(2)
انظر مجلة الإصلاح السنة السادسة العدد (58) ربيع الأول عام 1403 هـ (27).
والثاني: منح اليهود نصرا مؤزرا وأعطاهم أرضا وأماكن لم يحلموا بالوصول إليها بهذه السرعة، وبمثل هذه السهولة أعقبه السادات فمنح اليهود صك التملك الشرعي لأراضي المسلمين ومقدساتهم.
هذه نماذج للقيادات الظالمة الطاغية التي لم تترك وراءها أي معلم من معالم البناء الحقيقي للأمة سوى الهزائم المتكررة في مجال الحرب العسكرية والحرب الثقافية، والحرب الأخلاقية والتي جميعها أثقلت كاهل الأمة في حاضرها ومستقبلها، إن البناء في مفهوم تلك القيادة الضالعة في موالاة أعداء الإسلام وتبعيتهم هو نشر الفساد الأخلاقي والانهيار الاجتماعي، وقتل عشرات الآلاف من أبناء المسلمين في الحرب العشوائية، وداخل السجون والمعتقلات الرهيبة أن جرائم هؤلاء قد تجاوزت البالغين إلى الأطفال الرضع ونسوق حادثة واحدة من آلاف الحوادث إلى الذين استعبدهم حب عبد الناصر، ليروا مدى العطف والعناية التي يقدمها محبوبهم إلى أبناء المسلمين.
لقد ذهب عبد الناصر في زيارة لروسيا الشيوعية وعدوة الإسلام الأولى، ومن أجل ترضية سبعة عشر يهوديًا أعضاء في مجلس السوفيت الأعلى (1) أمر عبد الناصر وهو في موسكو باعتقال جميع الإخوان المسلمين وكان من ضمن الإخوان أخ كريم يعيش بالإسكندرية وكان الضابط المكلف باعتقاله يدعى عبد العزيز الصوابي فذهب إليه مع بعض زبانيته في ساعة متأخرة من الليل. ثم اعتقله واعتقل زوجته معه، وترك في البيت ثلاثة أطفال أكبرهم دون الخامسة وأصغرهم رضيع وفي الصباح استيقظ الأطفال فوجدوا الباب مغلقًا وليس عندهم أحد، وعند منتصف النهار مر شقيق الزوجة في زيارة عابرة فنادى على من في الدار فلم يجبه إلا صياح الأطفال وصراخهم وخاطب أكبرهم أين أمك؟ وأين أبوك؟ وأجاب: قمنا من النوم فلم نجدهما
(1) انظر الكيد الأحمر/ عبد الرحمن حنبكة (93).
وفتح الباب بعد مخاطرة عظيمة فوجد الأطفال الثلاثة في وضع تتفطر له الأكباد.
إن هذه الصورة وغيرها مئات وآلاف الصور المحزنة المبكية، ومن أراد المزيد من تلك الصور فليرجع إلى الكتب المطولة في ذلك (1).
إن هذا ليس غريبا من شخص باع دينه بدنياه واستعبده حب المنصب والجاه حتى ولو كان على أشلاء الأبرياء والمظلومين، من الذين لا ذنب لهم إلا أنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا هذه معاملة عبد الناصر لأبناء المسلمين أما سكوتسمان اليهودي الصهيوني فله مكان خاص في بيت الرئيس (2) إن تآمر عبد الناصر مع اليهود والنصارى وغيرهم من كفار الأرض أمر لا غرابة فيه.
ولكن الغريب في الأمر أن يفعل بالمسلمين هذا الفعل هو وزبانيته ومع ذلك كله نجد الملايين في مصر وخارج مصر تسبح بحمد هذا العميل وتقدسه، وتمنحه أعظم الأسماء وأجل الأوصاف والألقاب، وما ذلك إلا نتيجة جهلها بحقائق الأمور، واعتمادها على وسائل التجهيل والتضليل في الداخل والخارج التي جعلت من الدمية أعظم أسطورة ومن الفأر أسدا ضرغاما، وذلك حتى تتم فصول المؤامرة ويتحقق الدور الذي رسمه أعداء الإسلام لها بسلام فقد استشهد سيد قطب رحمه الله وغيره من العلماء الأجلاء ولم نر أو نسمع من الملايين المضللة التي خرجت تطالب ببقاء عبد الناصر بعد هزيمته المنكرة أي احتجاج أو استنكار في الوقت الذي كان يجب على الجماهير أن تفعل عكس ذلك تماما، ولكن من يعي ويبصر أو من غير العرب يصفق لقائد مهزوم؟
(1) انظر مذبحة الإخوان في ليمان طرة جابر رزق وانظر البوابة السوداء أحمد رائف وانظر القابضون على الجمر/ محمد أنور رياض وانظر نافذة على الجحيم، لعدد من الكتاب وانظر الفراعنة الصغار د/ جابر رزق (102).
(2)
انظر صفحة 330 من هذه الرسالة.
عجبت لمصر تهضم الليث حقه
…
وتفخر بالسنور ويحك يا مصر
سلام على الدنيا سلام على الورى
…
إذا ارتفع السنور وانخفض النسر (1)
ويقول الشاعر:
ولا خير من قوم تذل كرامهم
…
ويعظم فيهم نذلهم ويسود (2)
إن من العقبات الشديدة في وجه الدعاة والمصلحين في هذا العصر تلك الجموع البشرية المضللة التي تعيش على هامش الحياة وهي سلاح قوي في يد أعداء الإسلام، ودعاة الضلال والانحراف، وهم لا يتكلفون في توجيه هؤلاء الدهماء ضد الإسلام والمسلمين، بأكثر من دغدغة عواطفهم بالمال والجنس ولغو الحديث، مع إيغار صدورهم ضد الحق ودعاته وعندئذ تكون هذه الفئة سلاحا بأيدي أعداء الإسلام والمسلمين.
إن انتشار هذه الفئة الجاهلة الغبية في معظم أقطار المسلمين كان من أهم أسباب ضعف الموالاة والمعاداة في الله ولذلك يجب على كل مسلم أن يساهم في حل هذه المشكلة الحادة المعقدة.
والحل لا يخرج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما دورنا هو كيف نجعل الناس يفهمون الإسلام فهمًا صحيحًا ويلتزمونه قولاً وفعالاً.
والطريق في نظري لإفهام الناس ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو دور الاتصال الشخصي في نشر التصور الإسلامي الصحيح فلو أخذ كل منا على عاتقه إبراز مفاهيم الإسلام وقيمه العادلة للناس في كل لقاء يلتقي به مع غيره من الناس لكان لذلك أثر عظيم في جلاء ظلمة الجهل عن الناس وتصحيح نظرتهم للإسلام ومقاصد المسلمين.
(1) انظر مجلة الإصلاح عدد (26) في جمادى الثاني (1400) ص (18).
(2)
معجم الأدباء لياقوت الحموي (8/ 258).
القسم الثاني: هو دور التعليم ووسائل الإعلام في تعميق مفهوم الإيمان وإعطاء التصور الصحيح للدين الإسلامي ونظامه في الحياة مع بيان الخصائص التي تميزه عن النظم الجاهلية كلها، إننا لو استطعنا أن نجعل الناس يهتمون بالإسلام وقضاياه المختلفة كاهتمامهم بقضاياهم الشخصية لكان ذلك فاتحة خير وطريقا إلى الوصول إلى الهدف الأسمى في تطبيق الإسلام وتنفيذ أحكامه.
ولكن للأسف الشديد فإن غالبية الناس عن الاهتمام بالدين وقضاياه غافلون فكل ما يفهمه أو يهتم به بعض المنتسبين إلى الإسلام هو تأدية الشعائر التعبدية من صلاة وزكاة وصوم وحج، أما الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ومحاربة المنكرات الظاهرة ظهور الشمس في رابعة النهار وموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، فهم عنها غافلون وعن التشبث بها معرضون.
ومن الأمثلة على جهل بعض المسلمين بالإسلام وتصوره تصورا ناقصا خاطئا ما ذكره جمال الدين الأفغاني رحمه الله حيث يقول: إنك إذا سألت الهندي المسلم عن الإسلام، كان يجيبك بأنه يحمد الله على أنه من أكلة لحوم البقر، هذا كل ما يفهمه عن الإسلام أنه يبيح لحم البقر طعامًا للناس (1) اهـ وليس كل أهل الهند المسلمين بهذا الوصف، ولكن الغالبية العظمى منهم ومن غيرهم في البلاد الإسلامية لا يخرجون عن نطاق هذا الفهم القاصر للدين الإسلامي.
والسبب في ذلك والله أعلم أن أكثر المسلمين يأخذون إسلامهم عن طريق التقليد لأناس هم أبعد ما يكونون عن الإسلام الصحيح علما وعملا وهذا الأمر هو أعظم مصدر من مصادر الجهل المنتشر بين المسلمين وقد اختلف العلماء في التقليد على قولين:
(1) انظر الإيمان وأثره في نهضة الشعوب/ يوسف العظم (134).
القول الأول: قول جماعة نفت التقليد وأنكرته وذمته وقالت في تبرير ذلك أن الناس أحد رجلين.
أ- إما عامي فيجب عليه أن يتعلم ما يستقيم به دينه، ولا فائدة له في لزوم مذهب معين، فإنه كالأمي الذي يدعي أنه يقرأ وهو ليس بقارئ أو يدعي أنه كاتب وليس بكاتب فيدعي أنه على مذهب وهو لا يعرفه ولا يعرف الصحيح من الضعيف.
ب- والرجل الثاني فقيه عالم بالكتاب والسنة، فلا يصح أن يقدم على شيء بغير حجة ولا دليل (1).
وقد ذم الله التقليد والاتباع على غير هدى كما ذكر الله عن الكفار في قوله تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)[الزخرف: 23] وقال تعالى: (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا)[الأحزاب: 66 - 68]، وقد أمر الله عباده باتباع ما أنزل على رسوله قال تعالى:(اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)[الأعراف: 3].
وقد بين تعالى أن الذين يقلدون غيرهم بلا وعي، ولا تعقل يندمون على ذلك يوم القيامة عندما يرون العذاب الأليم قال تعالى:(وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة: 167].
(1) انظر مجموعة التوحيد (150) وانظر أصول مذهب الإمام أحمد للدكتور عبد الله عبد المحسن التركي (675 - 689) وانظر إيقاظ همم أولى الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار/ صالح بن محمد نوح الفلاني (153 - 214).
القول الثاني: قول من يقول إن التقليد أمر ضروري يباح عند الضرورة فليس في قدرة كل الناس معرفة الأدلة التفصيلية من الكتاب والسنة ولكنهم اشترطوا أن يكون التقليد لأحد الأئمة في ما وافق الكتاب والسنة فقد صرح الأئمة بأنه لا يجوز تقليدهم تقليدا مطلقا في كل شيء لأن التقليد المطلق خاص بالمعصوم صلى الله عليه وسلم فيما لم ينسخ أو يكون مخصوصا به دون غيره (1) فقد أمرنا الله بمتابعته بقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ)[الأحزاب: 21].
أما ما عدا الرسول صلى الله عليه وسلم فيؤخذ من قوله ويرد ولذلك نرى أن الأئمة والفقهاء قد أوثر عن كل واحد منهم ما يدل على ذم التقليد والمتابعة المطلقة لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
ومن الأقوال التي رويت عنهم ما يلي:
1 -
قال أبو حنيفة رحمه الله: هذا رأيي فمن جاءنا برأي خير منه قبلناه وقال: هل لأحد قول مع قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ (3).
2 -
قال بشر بن الوليد (4) قال أبو يوسف (5) صاحب أبي حنيفة (لا يحل)
(1) انظر مجموعة التوحيد (150 - 152) وانظر أصول مذهب أحمد د/ عبد الله التركي (676 - 689).
(2)
انظر مجموعة التوحيد (150 - 152).
(3)
المصدر السابق (151).
(4)
هو بشر بن الوليد بن عبد الملك ابن الخليفة الوليد الأول من أم ولد وقد عرف بعالم بني مروان لغزارة علمه، وكان بشر أميرًا للحج عام 95 هـ كما اشترك في بعض الفتوحات الإسلامية في آسيا الصغرى وتولى قيادة الأسطول المصري فرسًا في تراقيا ووصل في توغله حتى أدرنة ولا يعرف تاريخ وفاته انظر دائرة المعارف الإسلامية (3/ 660).
(5)
هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي أبو يوسف ولد
بالكوفة سنة 113 هـ وتفقه علي أبي حنيفة وسمع من عطاء بن السائب وطبقته وروى عن محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو يوسف فقيه
محدث أصولي، مجتهد حافظ عالم بالتفسير والمغازي وأيام العرب، ولي قضاء بغداد لثلاثة من الخلفاء العباسيين وتوفي بها في ربيع الآخر سنة 182 هـ ودفن بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة من آثاره كتاب الخراج المبسوط في فروع الفقه الحنفي ويسمى بالأصل كتاب في آداب القاضي على مذهب أبي حنيفة انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (13/ 240).
لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا (1).
3 -
قال الإمام مالك رحمه الله: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا قول صاحب هذا القبر يشير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيضًا: من ترك قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب فكيف من ترك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هو دون إبراهيم النخعي (2).
4 -
قال الإمام الشافعي رحمه الله: إذا صح الحديث فهو مذهبي وفي لفظ: إذا صح الحديث عندكم فاضربوا بقولي الحائط (3).
5 -
قال أبو داود: قلت لأحمد الأوزاعي أهو أهل أن يقلد؟ أم مالك؟ فقال: لا تقلد في دينك أحدا من هؤلاء إلا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذوه (4).
6 -
قال أحمد رحمه الله: عجبت لقوم عرفوا الأستاذ وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول:(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[النور: 63].
7 -
قال عبد الله (5) بن المعتم: لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان يقلد (6).
(1) انظر مجموعة التوحيد (151).
(2)
المصدر السابق المكان نفسه.
(3)
انظر الدرر السنية (1/ 123).
(4)
انظر مجموعة التوحيد (151، 152).
(5)
هو عبد الله بن المعتم كان على إحدى المجنبتين يوم القادسية وأرسله سعد بن أبي وقاص من العراق إلى تكريت ففتحها وأرسل عبد الله بن المعتم ربعة بن الأفكل إلى نينوي والموصل ففتحهما وكان ذلك سنة (20 هـ) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (3/ 263، 264).
(6)
انظر مجموعة التوحيد (152).
8 -
قال ابن مسعود (1) رضي الله عنه لا يقلدن أحدكم رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر (2).
قال الشاعر:
تخالف الناس فيما قد رأوا ورووا
…
وكلهم يدعون الفوز بالظفر
فخذ بقول يكون النص ينصره
…
إما عن الله أو عن سيد البشر (3)
وهذا لا يعني حرمة اتباع العلماء فيما يقولون من حق وصواب ولكن الأمر الذي نريد تقريره، إنه ليس واجب على الأمة اتباع العلماء كاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وبناء على ذلك لا يحرم تقليدهم فيما وافق الحق والصواب، كما يحرم تقليد من يقول بغير علم، أو من يستمد أقواله وأفعاله من مناهج الكفر والضلال (4).
فالعلماء يجري عليهم الخطأ والنسيان، ومنهم من يقع في مصائد الولاة الكفرة فيبيع دينه بعرض من الدنيا.
من أجل ذلك كله فهم ليسوا معصومين من الخطأ وليس البعض منهم
(1) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب حليف بني زهرة، كان أبوه مسعود قد حالف بني زهرة في الجاهلية، وأمه أم بنت الحارث من هذيل كان إسلامه قديما أول الإسلام حين أسلم سعيد بن زيد وزوجته فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها وذلك قبل إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وروي عن ابن مسعود أنه قال: رأيتني سادس ستة ما على ظهر الأرض مسلم غيرنا، وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وهاجر الهجرتين وصلى القبلتين وشهد بدرا وأحد والخندق وبيعة الرضوان وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي أجهز على أبي جهل، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وقد توفي ابن مسعود رضي الله عنه بالمدينة سنة 23 هـ ودفن بالبقيع انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (3/ 256 - 260).
(2)
انظر مجموعة التوحيد (152).
(3)
انظر مجموعة التوحيد (331).
(4)
انظر مجموعة التوحيد (578، 579).
حجة في موافقة في بعض القضايا والأحداث فمن أحسن الظن ببعضهم من غير نظر إلى الكتاب والسنة هلك (1) وخلاصة القول في هذه المسألة أن التقليد مذموم فيما يتعلق بأصول الأحكام دون فروعها.
أما من تحرى الحق في مسألة فرعية والتزم ذلك في حياته فلا ضير عليه سواء كان ذلك علما تعلمه أو تقليدا لمن وافق عمله الكتاب والسنة (2) فإن الله سبحانه وتعالى أمرنا باتباع أهل العلم فيما يفتون به من أحكام قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النحل: 43].
لذلك فإن كان تقليد العلماء العاملين بالشريعة الإسلامية عليه بعض التحفظات فما عذر أولئك الذين يقلدون اليهود والنصارى والمرتدين والمنافقين بغير سلطان آتاهم؟
إنه لا عذر لهم سوى اتباع الهوى والشيطان والمكابرة عن الحق وأهله أعاذنا الله من ذلك.
يقول الشاعر سليمان بن سحمان
فمن كابر النص الصريح معاندا
…
وحلل تقليدا لما الله حرما
وقلد متبوعا له ومقلدا
…
فهل كان ذا من أناب وأسلما؟ (3)
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غربة الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء» (4).
فهذا الحديث يدل على أن للدين إقبالا وإدبارا، وأن من إقباله أن
(1) انظر الدرر السنية (1/ 270).
(2)
انظر أصول الفقه/ تأليف محمد الخضري بك (380).
(3)
انظر ديوان عقود الجواهر المنضدة الحسان/ سليمان بن سحمان (215، 216).
(4)
رواه مسلم انظر صحيح مسلم (1/ 130).
تفقه القبيلة وتسترشد حتى لا يوجد فيها إلا منافق أو منافقان فهما خائفان مقهوران ذليلان وإن من علامات غربته أن تجفوا القبيلة بأسرها حتى لا يوجد فيها إلا مؤمن أو مؤمنان فهماخائفان مضطهدان (1) وقد وقع مصداق ذلك في هذا العصر حتى صار المعروف منكرا والمنكر معروفا في كثير من بلاد المسلمين وفشى الجهل بين الناس والتقليد الأعمى لأهل الكفر والضلال فنشأ على ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، واعتقد أكثر الناس أن ما هم عليه من عادات الكفر وصفات الكفار لا تتعارض مع الإسلام لعظيم جهلهم، وشدة غفلتهم، وبعدهم عن أحكام الإسلام، بل إنهم يصفون من ينكر عليهم باطلهم وضلالهم بالكفر والتطرف والانحراف عن الإسلام، وينسبون إليه العمالة للأعداء والرجوع بالأمة إلى الوراء والتخلف، وتحطيم منجزات الأمة وإيجاد بذور الفتنة والانقسام وللأسف فإن هذه الفرية التي يرددها أعداء الإسلام لتشويه الحق وأهله تنطلي على كثير من مدعي الإسلام وهذا الفهم الخاطئ لما يقال عن الإسلام والمسلمين لا يعفي هؤلاء من المسئولية أمام الله عزوجل.
فقد قال الفقهاء: إنه يكفي في العلم بالشيء إمكان العلم به، فمتى بلغ الإنسان سن التكليف وهو عاقل مختار، وكان ميسرا له أن يعلم الحق من الباطل، والحرام من الحلال، إما بالرجوع للنصوص الموجبة للتحريم والتحليل وإما بسؤال أهل الذكر اعتبر عالما بالأفعال المباحة والأفعال المحرمة ولم يكن له أن يعتذر بالجهل، أو يحتج بعدم العلم، ولهذا يقول الفقهاء: لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام (2).
ويعتبر المكلف عالما بالأحكام بإمكان العلم لا يتحقق العلم فعلا ومن ثم يعتبر النص المحرم معلوما للكافة ولو أن أغلبهم لم يطلع عليه، أو يعلم عنه شيئا، ما دام العلم به ممكنًا لهم بسؤال أهل الذكر عنه.
(1) انظر الدرر السنية (11/ 106، 107)
(2)
انظر التشريع الجنائي الإسلامي/ عبد القادر عودة (1/ 430).
ولم تشترط الشريعة تحقق العلم فعلا، لأن ذلك يؤدي إلى الحرج وفتح باب الادعاء بالجهل على مصراعيه، ويعطل تنفيذ النصوص الشرعية بدعوى الجهل بها، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم»
…
الحديث (1).
ولذلك لم يجعل الباري عز وجل دعوى الجهل سببا لرفع الجناية عن المعتدي فلا ترتفع عن المعتدي المسئولية الجنائية فيما اعتدى عليه بدعوى جهله بذلك (2).
ومن ذلك يتأكد لي أنه لا عذر للذين يدعون الإسلام وهم يناصبون المسلمين العداء في البلاد الإسلامية فيقفون مع كل طاغية ضد كل داعية ولو جهلوا أو ادعوا الجهل في فهم حقيقة الإسلام والمسلمين، لأن الواجب الشرعي عليهم يقتضي التثبت في اتخاذ المواقف من أهل الخير أو أهل الشر قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)[الحجرات: 6].
إن واجب المنتمين إلى الإسلام أن يعرفوا نوعية من يتعاملون معهم وينزلوهم حسب المنزلة التي ينزلهم الشرع إياها، ولا يكونوا إمعات تصفق لكل ناعق وتصدق كل منافق، فهذا الصنف من الناس هو الذي اعتمد عليه الطغاة في حرب الإسلام والمسلمين.
يقول الشاعر:
فكم خائن باع البلاد سموا به
…
إلى الأوج فهو الفارج الكربات
وكم ملحد مستهتر العرض قد غدا
…
بسحرهم يدعى أبا لبركات
وكما سارق قوت المساكين صوروا
…
على الطرس منه مبدع الحسنات
(1) رواه مسلم انظر صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 2).
(2)
انظر التشريع الجنائي الإسلامي عبد القادر عودة (1/ 430، 431).
أراقوا على أقدامه المدح خشعا
…
كما عكف الغاوون حول منات
أضاليل أملاها النفاق وحطمت
…
بقية ما للدين من حرمات
فواها على الإسلام تهوي صروحه
…
بأيدي جناة من بنية عماة (1)
ويقول الأديب المصري: توفيق البكري مشيرا إلى أن أسباب الطغيان وأساسه هو الجهل:
لا تعجبوا للظلم أن يغشى أمة
…
فتبوء منه بفادح الأثقال
ظلم الرعية كالعقاب لجهلها
…
ألم المريض عقوبة الإهمال (2)
(1) انظر شعراء الدعوة الإسلامية (5/ 33، 34).
(2)
انظر بروتوكولات حكماء صهيون (84) ترجمة محمد خليفة التونس.