المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

لقد أكرم الله عز وجل المسلمين حين جعل من دينه رابطة تربط المسلم بأخيه المسلم مهما نأى المكان واختلف الزمان، وأصبحت العقيدة الإسلامية تجمع بين القلوب المؤمنة، وتنشئ العطف والرحمة فيما بينها.

ومن أول خصائص المجتمعين على الحق أن يسوسوا به أنفسهم، وأن تقوى به المحبة بينهم وأن تكون له مناصرتهم وتأييدهم قال تعالى:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10] وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].

وعلى هذا إذا قلنا: إن الإسلام هو العروة الوثقى بين اتباعه جميعا، فإن التناصر بينهم يتم في حدود الشريعة الإسلامية ولذلك فلا مجال

ص: 266

للاعتراض عليه، من فرد أو جماعة، أو دولة لأن من اعترض على ما شرعه الله وأوجبه على المسلمين فحكمه الكفر (1).

فقد أمرنا الله عز وجل بأوامر وكلفنا بتنفيذها ونهانا عن محرمات وطلب منا عدم مقارفتها قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].

فأي مسلك ينافي أمر الله أو نهيه يعد خروجًا على الإسلام ولكن هذا الخروج منه ما هو كفر ومنه ما هو أقل من ذلك بمراتب متفاوتة.

وقد ذكر الله عز وجل نموذجا حيا للموالاة الصحيحة بين الإخوة في الله، ثم ذكر الهدف من الموالاة في الله في مجال الدعوة، بذكر قصة موسى وهارون عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، قال تعالى:(وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)[طه: 29 - 35].

فبين الله تعالى الغاية من الأخوة في الله والموالاة فيه، أن المؤمنين بعضهم سند لبعض كما كان هارون سندًا لموسى عليهما السلام فموسى طلب من ربه أن يجعل له وزيرا يشدُّ عضده، ويقوي همته، ويعينه على نوائب الحياة، في القول والعمل، وإذا فهو يريد شريكا في أمره كله، يقاسمه بؤسه ونعيمه ويتبادل معه الرأي، ويتحمل معه أعباء الدعوة إلى الله، على بصيرة وهدي من الله، يشاركه في ذكر الله، وتسبيحه ويتحمل معه الصبر والابتلاء في إبلاغ الدعوة إلى الطغاة والمنحرفين

(1) انظر زاد المسير في علم التفسير (2/ 366، 367) وانظر تفسير الطبري (6/ 163) وانظر تفسير القرطبي (6/ 190).

ص: 267

فمجابهة الطغاة تحتاج إلى معين وناصر، والمعين والناصر بعد الله، هو الأخ المؤمن الصادق، الذي يقدم نفسه، وماله وجميع ما يملك في نصرة دين الله ونصرة أخيه في العقيدة بلا ملل أو منة قال تعالى:(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)[طه: 42، 43] وما دام هذا شأن موسى مع هارون كما هو شأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع صحابته، والتابعين لهم بإحسان، ألا يجب علينا الاقتداء بهم، في أن نذهب دعاة إلى الحق، كما ذهب موسى وهارون (اذهب أنت وأخوك بآياتي) ألسنا مكلفين بحمل هذا الدين كما حمله موسى وهارون وكما حمله رسلنا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[آل عمران: 110] ألا يجب علينا التحمل والصبر في سبيل الدعوة كما صبر موسى وهارون (ولا تنيا في ذكري) ألا يجب أن نبلغ الطغاة والفراعنة في كل زمان ومكان دعوة الحق ونلزمهم بالأخذ بها وعدم إضلال الناس، وتعذيبهم بمناهج الكفر والضلال.

فالموالاة في الله لا تصدر من طرف واحد، وإنما هي شركة بين المؤمنين يكمل بها بعضهم بعضًا، فالأخ الذي تبحث عنه ليعينك دائما على طاعة الله ويواليك ويناصرك على ذلك، هو أيضا يبحث عنك لنفس الغرض، حيث إن الموالاة تضامن في المال والنفس واللسان والقلب، والأخ مع أخيه مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى، وتعين إحداهما الأخرى في مجالات الحياة المختلفة والحقوق التي تقتضيها الأخوة في الله هي كما يلي:

أولا: الحق الأول من حقوق الموالاة في الله الإيثار: إن من الصفات الكريمة التي امتدح الله بها الأنصار صفة الإيثار قال تعالى:

ص: 268

(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[الحشر: 9] فالمسلم الذي يؤثر إخوانه في الله بماله ونفسه، فينزلهم أعظم من نفسه، فإن ذلك دليل على كمال إيمانه وعظيم حبه لله تعالى، ولمن يحبهم الله من خلقه، وهذه أعظم منزلة في الإيثار، ودونها منزلة أخرى وهي أن ينزل المسلم إخوانه المؤمنين منزلة نفسه فتسمح نفسه بمشاركتهم له في ماله ومنزله إذا اقتضى الأمر ذلك.

قال الحسن: «كان أحدهم يشق إزاره لأخيه مناصفة بينهما» (1).

ودون المرتبتين السابقتين مرتبة ثالثة، وهي أن ينزل المسلم أخاه مرتبة الصاحب لديه، فيقوم بحاجته من فضل ماله، إذا عرضت له حاجة وهو يملكها بين يديه قدمها دون أن يلجئه إلى السؤال إذا علم بحاله، فإن ألجأه إلى السؤال فهو دليل على تقصيره في حق أخيه عليه، فإذا لم تجد نفسك في رتبة من هذه الرتب مع إخوانك الذين انعقدت رابطة الأخوة بينك وبينهم فاعلم أن الجاري بينكم مخالطة وهمية ليست ذات صفة شرعية صادقة.

فقد روي أن أبا هريرة رضي الله عنه جاءه رجل فقال: إني أريد أن أواخيك في الله فقال: أتدري ما حق الإخاء في الله؟ قال له عرفني قال: أن لا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني، فقال الرجل: لم أبلغ هذه المنزلة بعد قال: إذا فاذهب عني (2) اهـ.

ثانيًا: من حقوق الموالاة في الله قضاء حاجات الإخوان والقيام بها

(1) انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1605)(556/ 6) الورقة (37) المؤلف غير معروف كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبًا.

(2)

انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوط بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1605) فيلم (556/ 6) الورقة (37) المؤلف غير معروف، كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبا.

ص: 269

على قدر الاستطاعة والقدرة، مع البشاشة، وإظهار الفرح والاستبشار بها قال بعض السلف (1): إذا استقضيت أخاك الحاجة فلم يقضها لك فذكره ثانية فلعله قد نسيها، فإن لم يقضها لك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم كبر عليه واقرأ هذه الآية:(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[الأنعام: 36] اهـ.

وكان بعض السلف الصالح يقوم بتفقد عيال أخيه في الله بعد موته عشرات السنين، فيقضي حاجاتهم، ويلبي مطالبهم، ويتودد لهم، ويتردد عليهم، كأنهم بمنزلة أولاده، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه (2).

قال ميمون بن مهران: (من لم ينفعك بصداقته، لم يضرك بعداوته (3)) اهـ.

وروي في الأثر: ألا إن لله أواني في أرضه وهي القلوب فأحب الأواني إلى الله أصفاها وأصلبها وأرقها، وأخلصها من الذنوب وأصلبها في الدين وأرقها على الإخوان (4).

وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: «إخواننا أحب إلينا من أهلينا وأولادنا لأن أهلينا يذكروننا الدنيا، وإخواننا يذكروننا الآخرة» (5).

ثالثا: من حقوق الموالاة في الله أن يسكت الأخ المسلم عن عيوب إخوانه في غيبتهم وحضرتهم، إذا كانت هذه العيوب لا تمس شيئا من واجبات الدين وأركانه وذلك مثل قلة الأكل عند البعض منهم أو زيادته

(1) نفس المصدر السابق نفس المكان.

(2)

المصدر السابق الورقة (40).

(3)

المصدر السابق نفس المكان.

(4)

فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (1605) فيلم (556/ 6) الورقة (40) المؤلف غير معروف، كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبًا.

(5)

المصدر السابق الورقة (40، 41).

ص: 270

عند البعض الآخر أو كثرة النعاس لدى بعضهم أو قلة الكلام من بعضهم وكثرته عند البعض الآخر، فإن هذه الأمور ونحوها من الأولى أن يتجاهلها الأخ من إخوانه فلا يبديها لهم إذا خاف في إبدائها لهم أو مناقشتهم فيها ما يحملهم على قطع رابطة الأخوة ومفارقة الجماعة، فلا يبديها لهم ولا يناقشهم فيها مواجهة، ولكن يعرض بما هو شبيه بحالتهم، فيكون ناصحا لهم بطريق غير مباشر.

وعلى الأخ أن لا يكثر من مفاتحة إخوانه بأشياء لم يذكروها مخافة أن يحملهم على الكذب اضطرارًا في ذلك، وأن يسكت عن القدح في أحباب إخوانه والمقربين إليهم، ممن لا يظهر عليهم فعل المعاصي والمجاهرة بها.

قال ابن المبارك: «المؤمن يطلب لهفوات إخوانه المعاذير والمنافق يطلب العثرات» (1) اهـ.

ومن حقوق الموالاة في الله (2) ترك سوء الظن بالأخ المسلم، فسوء الظن غيبة القلب، وذلك أمر منهي عنه المسلم، ما لم تتوافر الأدلة اليقينية في حصول الأمر المظنون به، وسوء الظن هو أن تحمل فعل أخيك على

(1) هو عبد الله بن المبارك أبو عبد الرحمن المروزي مولى بني حنظلة كانت أمه خوارزمية وكان أبوه عبد تركيا لرحل من تجار همدان من بني حنظلة ولد عبد الله بن المبارك في سنة 118 هـ وتعلم العلم حتى أصبح يلقب بأمير المؤمنين في الحديث قدم هارون الرشيد إلى الرقة في غرب بغداد فاستقبله أفراد من الحرس والشرطة، وعندما قدم عبد الله بن المبارك من نفس المكان خرج الناس عن بكرة أبيهم لاستقباله فنظرت جارية في قصر الخليفة إلى المنظر فقالت ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الرشيد الذي لا يجمع الناس إلى بشرط وأعوان، وقد سئل ابن المبارك من الناس؟ فقال: العلماء، قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد قيل فمن السفلة؟ قال: الذين يعيشون بدينهم توفي رحمه الله مجاهدا في بلاد الروم سنة 181 هـ انظر تاريخ بغداد الخطيب البغدادي (1/ 152) وانظر حلية الأولياء لأبي نعيم (8/ 167).

(2)

انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات (1605)، فيلم (556/ 6) المؤلف غير معروف الورقة (41، 42) كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبًا.

ص: 271

وجه فاسد مع إمكان أن تحمله على وجه حسن، وسوء الظن يمكن تقسيمه إلى قسمين:

القسم الأول: هو ما يسمَّى فراسة المؤمن، وهو الظن الذي يستند إلى علامات ودلائل تشير إلى ذلك فإن هذا يحرك الظن تحريكًا لا يقدر الإنسان على دفعه.

القسم الثاني: الظن السيئ ومنشؤه سوء اعتقاد الأخ بأخيه، فإذا صدر من الأخ المظنون به سوء فعل له وجهان، دفعه سوء اعتقاده بأخيه أن ينزل فعله هذا على الوجه الرديء من غير علامة يقينية ترجع ذلك الأمر الذي حمل فعل أخيه عليه، وهذا الظن المبني على أمور وهمية جناية على الأخ بغير ما اكتسب وهذا هو الظن الذي حذرنا الله منه وحذرنا منه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات: 12].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث (1)» وأقل درجات المعاملة في الأخوة في الله أن يعامل أخاه بمثل ما يجب أن يعامل هو به (2).

رابعا: من حقوق الموالاة في الله أن يذكر الأخ محاسن إخوانه في الله، لأن المحاسن تغطي المساوئ وتجلب المحبة، وهذه الصفة من أخص خصال الأخوة في الله.

فعلى الأخ المسلم أن يتودد لأخيه بلسانه ويتفقده في أحواله التي يحب أن يتفقد فيها فمعنى الموالاة في الله هي أن يساهم الأخ مع إخوانه

(1) رواه البخاري انظر فتح الباري (9/ 198) باب النكاح 45.

(2)

فضيلة الألفة والأخوة مخطوطة بجامعة الرياض برقم (1605) فيلم (556/ 6) الورقة (42).

ص: 272

في السراء والضراء، ولذلك روي عن أبي كريمة المقداد بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه» (1).

والحكمة من إخبار الأخ أخاه بمحبته إياه لتحصل بينهما المودة والصلة والتزاور والمناصحة والتعاون، فتزداد المحبة وتتقوى الصلة بينهما وتتوثق عرى الأخوة بين الإخوة في الله (2) حيث أن الأخ إذا عرف أنك تحبه أحبك على ذلك ومعرفة الحب تكون بالقول والفعل، فإذا حصل ذلك بدأ الحب يتزايد بين الجانبين ويتضاعف والمحبة بين المؤمنين مطلوبة في الشرع ولذلك أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أسبابها القولية والفعلية ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (3) هذا في أسباب المحبة القولية.

أما المحبة الفعلية فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت» (4) وفي حديث آخر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهداية ويثيب عليها (5).

ومن مقتضيات الموالاة في الله أن يدفع المسلم عن أخيه في الله ذم

(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث صحيح انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 352) رقم الحديث (9/ 384).

(2)

انظر: نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 352).

(3)

رواه مسلم انظر: صحيح مسلم (1/ 74).

(4)

رواه البخاري انظر: فتح الباري (5/ 199).

(5)

المصدر السابق (5/ 210).

ص: 273

الذامين وقدح القادحين، وأن يرد تعنت المتعنتين وتشويه الحاقدين الذين يريدون أن يصفوا كل مسلم بأوصاف النقيصة والازدراء حتى لا يبقوا لأحد من المسلمين صفة العزة والكرامة والإيمان الصحيح، وإن تسليط الجهال وأنصاف المتعلمين على القدم وتكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات وأقبح الصفات، لأن هؤلاء لا يريدون أن يبقوا على فرد أو جماعة تمثل الإسلام تمثيلا صحيحا وبالتالي كأنهم بلسان حالهم يقولون أن لا وجود للإسلام والمسلمين فينشرون اليأس والتخاذل بين المسلمين، ولم يسلم من تلك المصيدة الخبيثة حتى أولئك الذين يتزعمون الدعوة إلى الله، فهم يربون أتباعهم على الحقد والضغينة نحو الآخرين، وكأن الإسلام وقف عليهم دون غيرهم من الناس، وكأنهم وحدهم المعصومون من الخطأ الذي يشترك فيه عامة الناس، إن المبدأ والمنهاج في تقييم المسلمين إذا انتشر وشاع على هذا الأساس، فسوف تفقد الأمة الثقة بجميع المسلمين عامة والعاملين للإسلام خاصة، وعند ذلك تضيع في متاهات الضلال والانحراف لعدم توفر القيادة الفكرية والقدوة العلمية والجماعة المستقيمة التي يمنحها المسلم ولاءه وانتماءه ونصرته وتأييده في هذه الحياة.

وهذا لا يعني عدم محاسبة الإخوان عن أعمالهم وعيوبهم ومناصحتهم في تقصيرهم، ولكن الذي نقصده هو عدم التجريم الخفي الذي يهدم ولا يبني ويفسد ولا يقوم والذي قد يكون للكذب والمكر السيء مجال واسع فيه.

فالإغضاء عن عيوب الإخوان يعتمد على الغرض الباعث على الإغضاء فإذا أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى فيه من إصلاح أخيك بالإغضاء منه، فأنت مدار له والمداراة جائزة كما تقدم (1).

(1) انظر ص (209 - 211) من هذه الرسالة.

ص: 274

وإن أغضيت عن فعل محرم أو ترك واجب، أو أغضيت لحظ نفسك واستجلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن والمداهنة محرمة مذمومة كما تقدم إيضاح ذلك.

خامسًا: من حقوق الموالاة في الله أن لا يسب المسلم إخوانه من أجل الدفاع عن كافر أو نحوه، ودليل ذلك أن أبا سفيان رضي الله عنه أتى قبل إسلامه على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها فقال أبو بكر رضي الله عنه أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك.

فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يغفر الله لك يا أخي (1).

فهم قالوا هذا الكلام موالاة لله ورسوله والمؤمنين، ومعاداة لأعدائهم ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم إثارة غضبهم بهذه الصورة سببًا في غضب الله على من أغضبهم، فإذا كان أبو بكر رضي الله عنه رغم منزلته في الإسلام يقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك.

فكيف حال الذين يعاندون المؤمنين في وسائل الإعلام المختلفة فيمدحون الكفار وينشرون الكفر ليل ونهار، ويسخرون من المؤمنين بأقوالهم وأفعالهم؟ أليس هؤلاء قد باءوا بغضب على غضب؟

(1) رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 1947) كتاب فضائل الصحابة، وانظر التحفة العراقية لابن تيمية ص 35.

ص: 275

واستحقوا لعنة الله وعذابه قال تعالى: (فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)[البقرة: 90].

سادسًا: من حقوق الموالاة العفو عن هفوة الأخ والكف عن عثرته وهي لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية، أو في دنياه بتقصيره في حقك.

فأما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية وترك واجب أو اقتراف محرم فلا يخلو ذلك من أمرين:

1 -

أن تكون تلك المعصية التي اقترفها، أو الواجب الذي تركه زلة قد ندم عليها وتاب عنها فالعفو والصفح واجب في ذلك.

2 -

أن يكون مصرًا على المعصية متلبسًا بها، فالأولى التلطف في نصحه بما يقيم عوجه، ويجمع شمله، ويعيد الورع والصلاح إليه، فإن لم تستطع وبقي مصرًّا، فقد اختلفت طرق الصحابة في حق مودته واستمرار موالاته، أو مقاطعته ومعاداته، ولهم في هذه المسألة قولان:

القول الأول: قول أبي ذر (1) رضي الله عنه حيث يرى أن

(1) هو جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار، وكان أبو ذر رضي الله عنه من كبار الصحابة وفضلائهم، قديم الإسلام يقال: أسلم بعد أربعة وكان خامس من أسلم، ثم انصرف إلى بلاد قومه وأقام بها حتى هاجر رسوله الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فقدم عليه وعندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك تخلف أبو ذر قليلا ثم ركب بعيره ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الطريق كان بعيره بطيئا فتركه وحمل متاعه على ظهره وانطلق ماشيا على قدميه حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر أحد المسلمين إليه وهو مقبل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر فقالوا: يا رسول الله هو أبو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر يمشي على الطريق وحده ويموت وحده ويحشر وحده، وقد توفي رضي الله عنه على طريق الربذة في أطراف الشام سنة (32) هـ وصلَّى عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة (5/ 186 - 188).

ص: 276

المسلم إذا انقلب على إخوانه وعصى ربه، وأصرَّ على معصيته، أنه يجب بغضه ومعاداته حيث يقول: إذا انقلب أخوك عمَّا كان عليه من الاستقامة فأبغضه من حيث أحببته، فإنَّ ذلك من مقتضى الحب في الله والبغض فيه (1).

القول الثاني: قول أبي الدرداء رضي الله عنه وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم حيث ذهبوا إلى خلاف القول الأول فقالوا: إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى (2) اهـ.

وقال إبراهيم النخعي (3): لا تقطع أخاك، ولا تهجره عند الذنب بذنبه، فإنه يركبه اليوم ويتركه غدا (4) اهـ.

وهذه الطريقة يرى البعض أنها أقوم وألطف وأفقه، وقد احتج أهل القول الأول بأن مرتكب المعاصي لا تجوز مؤاخاته ابتداء، فيجب مقاطعته انتهاء لأن الحكم إذا ثبت بعلة فالقياس أن يزول بزوالها، وعقد الأخوة في الله لا يستمر مع من يقارف المعاصي ويصرُّ عليها.

وأجاب أهل القول الثاني على ذلك، بأنه إذا قوطع من انحرف عن طريق الأخوة في الله، وانقطع عن صحبة إخوانه الأفاضل الكرام، فإنَّ ذلك يزيده إصرارًا واستمرارًا على معصيته، ويتيح فرصة للشيطان وحزبه،

(1) انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (1605) فيلم (556/ 6) المؤلف غير معروف، كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبًا الورقة (55).

(2)

المصدر السابق الورقة (56).

(3)

هو إبراهيم بن يزيد النخعي من كبار التابعين علمًا وورعًا، توفي سنة (95) هـ انظر البداية والنهاية لابن كثير (9/ 140).

(4)

انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض برقم (1605) على ميكروفيلم رقم (556/ 6) الورقة (56).

ص: 277

أن يجُّروا العاصي من الساحل إلى محيط الكفر والضلال، مما يتحقق معه غلبة الهلاك.

والأصل أن ينزل عقد الأخوة في الله منزلة عقد القرابة فإذا انعقدت القرابة تأكَّد الحق ووجب الوفاء به، وكذلك الأخوة في الله، إذا انعقدت وجب بقاؤها حتى ولو حصل ما يناقضها من معصية لا توجب الكفر، أو حصل ما ينقصها أو يضعفها، لأن استمرار الملاطفة والرفق والاستمالة، يفضي إلى الرجوع والتوبة إلى الله، عند استمرار الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولأن استمرار الصحبة يؤدي إلى استمراء الحياء عند العاصي أو المخالف مما قد يكون سببا معينا على الإقلاع عن المعصية ومخالفة الجماعة، ولأن من الحق الوفاء بحق الأخوة في الله والأخ العاصي أو المخالف لنهج الجماعة المسلمة بأشدَّ الحاجة إلى من يقف معه في مصيبته تلك، أرأيت هذا الأخ لو كان مستقيما على الصراط السوي، وأصابته حاجة مالية أو فقر شديد، ألا يجب شرعًا مساعدته ومعاونته؟ وكذلك الأمر بالنسبة لمصائب الاعتقاد والعمل، فإن فقر الدين أعظم رزية من فقر المال، فهذا الأخ الذي انحرف بعصيانه وخرج على منهج الجماعة قد أصابته مصيبة وألمت به نازلة، حيث افتقر في دينه وأصيب في عقيدته فينبغي أن يراقب وأن يراعى ولا يهمل بل يجب أن يتلطف به، ليعان على الخلاص من الواقعة التي ألمت به، فأخوة الإيمان عدة للنوائب وحوادث الزمان، فهي مؤازرة في البلاء ومشاركة في الرخاء وأي حادثة أشد من حادثة الإصابة في الدين؟ وأما ابتداء مصاحبة الفاسق أو مؤاخاته فلا تقاس على هذه الحال، فمؤاخاة الفاسق ابتداء لم يتقدم لها حق سابق، ولذلك يجوز ترك المؤاخاة له ابتداء، وهذا ليس بمذموم ولا مكروه، بل قال البعض: إن هذا هو الأولى (1).

(1) انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (1605) على ميكروفيلم (556/ 6) الورقة (56).

ص: 278

أما قطع الأخوة بعد اتصالها فمنهي عنه، ومذموم في نفسه، ونسبة قطعها إلى تركها ابتداء، كنسبة الطلاق إلى ترك النكاح.

فالطلاق في معظم أحواله أبغض إلى الله من ترك النكاح، فمخالطة الفساق ابتداء محذورة، ومفارقة إخوان العقيدة والإيمان أيضا محذورة حيث إن المسلم مطلوب منه شرعا، أن يصحب الأخيار وينبذ الأشرار، لأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، وهذا الأخ الذي شذ عن إخوانه في الله هو كالمريض الذي يجب الاعتناء به وعلاجه بكل مستطاع فالمريض لا ييأس منه أهله بمجرد ظهور المرض عليه، فيسعون إلى قبره ودفنه وهو على قيد الحياة، بل الواجب بذل الطاقة واستفراغ الوسع في معرفة أسباب المرض ونوعه، ثم معرفة العلاج النافع لمثل تلك الحال، وكذلك الشأن في معاملة من يشذُّ عن طريق الجماعة المسلمة، فإنه يجب أن تصله وإن قطعها، وأن تترفق به وإن جفاها، وأن تحسن إليه وإن أساء إليها، وأنت تصبر عليه كصبر أهل المريض على علاج مريضهم ما لم تيأس منه كيأس أهل المريض من مريضهم بالموت (1).

وهذا القول هو القول الراجح في نظري للأسباب التي ذكرتها فيما سبق، لأن القول الأول وهو قول أبي ذر رضي الله عنه في وجوب معاداة من انحرف بمعصيته عن طريق الأخوة في الله، فيه شدة وخشونة وغلظة قد يترتب عليها من المفاسد أكثر مما يترتب عليها من المصالح.

وإن كان الأمر في نظري أنه يختلف باختلاف الأشخاص والأوضاع المحيطة بالجماعة المسلمة، لأن هذه المسألة مما يدخل في نطاق السياسة الشرعية لمصلحة الدعوة إلى الله عز وجل.

هذا الكلام المتقدم يتعلق بالخلاف بين الإخوة في الله، إذا ارتكب أحدهم معصية تؤدي به إلى الانحراف عن طريق الجماعة المسلمة.

(1) المصدر السابق نفس المكان.

ص: 279

أما ما يتعلق بتقصير الأخ في حق أخيه بما يوجب إيحاشه وإثارة غضبه فالأولى أن لا يلجأ المسلم إلى ذلك مع إخوانه، ولكن لو حصل زلة من أخ على أخيه فالواجب العفو والاحتمال، وأن يحمل أقواله وأفعاله على المحمل الحسن، وأن يطلب له العذر في ذلك.

وعلى الأخ المسلم أن يكون معتدلاً مع إخوانه في الحب، فلا يتكلف ما لا يطيق، ويكون معتدلا مع أعدائه في البغض فلا يبالغ في البغض عند الوقيعة بالأعداء، فقد يتحول الأعداء إلى أصدقاء يوما من الأيام قال تعالى:(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الممتحنة: 7] كما أن تحول الأصدقاء إلى أعداء أمر غير ممتنع الحصول، روي الترمذي عن علي موقوفًا:

«أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما» (1).

وروي عن عمر رضي الله عنه قوله: لا يكن حبك كلفًا ولا بغضك تلفًا (2) اهـ.

أي لا يكن حبك شديدًا إلى درجة الهيام والإفراط، فيكون مشقة على النفس والمال، ولا تلفًا وهو أن تحب تلف صاحبك، ولو كان في هلاكه هلاكك.

سابعًا: من حقوق الموالاة بين الإخوة في الله دوام المحبة والمودة إلى الموت، فالمحبة والموالاة والمناصرة للمؤمنين عبادة يتقرب بها العبد

(1) رواه الترمذي: وقال: عن علي موقوفًا، انظر سنن الترمذي (3/ 234).

(2)

انظر فضيلة الألفة والأخوة مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (1605) فيلم (556/ 6) المؤلف غير معروف كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبا (57).

ص: 280

إلى ربه والعبادة ليس لها أجل دون الموت قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].

قال القرطبي: اليقين الموت (1) فمعنى ذلك أن المحبة في الله يجب أن تستمر مع أهل الإيمان إلى الموت، وحتى ولو مات بعض الإخوة في الله فإن المحبة تستمر مع أولادهم وقراباتهم حيث إن الحب في الله يراد به الآخرة فإذا انقطع قبل الموت بغير عذر شرعي حبط العمل وضاع السعي بين المنقطعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه (2).

فإذا قصَّر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه وذلك أن مجالسة الإخوان في الله مسلاة من الهموم، وعون على الدين والدنيا.

ولذلك قال ابن المبارك: ألذُّ الأشياء مجالسة الإخوان والاجتماع بهم (3) اهـ.

والمودة الدائمة هي التي تكون بسبب الموالاة في الله والحب فيه، أما المودة لغرض دنيوي فهي تزول بزوال الغرض الذي حدثت المودة من أجله.

(1) انظر تفسير القرطبي (10/ 64).

(2)

رواه مسلم: انظر صحيح مسلم (2/ 715) كتاب الزكاة باب: فضل إخفاء الصدقة.

(3)

انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض قسم المخطوطات برقم (1605) فيلم (556/ 6) المؤلف غير معروف، يعتقد أنها كتبت في القرن التاسع الهجري الورقة (57).

ص: 281

فقد روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما توادَّ اثنان في الله عز وجل، أو في الإسلام فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما» (1).

ومن الوفاء بحق الأخوة في الله، عدم موافقة الأخ على ما يخالف الحق، بل من الوفاء المخالفة في ذلك إذا كان لدى المخالف دليل صريح فيما ذهب إليه.

ثامنا: من حقوق الموالاة في الله أن الإنسان إذا عجز عن تقديم العون المادي لإخوانه فلا أقلَّ من أن يدعو لهم في حياتهم بالنصر والتمكين، وبعد مماتهم بالمغفرة والرضوان، فقد ورد في الحديث:«ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب، إلا قال الملك: ولك بمثل» (2).

(1) انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (2/ 232).

(2)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 2094) باب الذكر (23).

ص: 282