الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين
إن الحكم على الأشياء لا يستند إلى قضايا اجتهادية ظنية وإنما يشتق من أدلة قطعية، ونصوص ثابتة، من الكتاب والسنة، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.
قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 55، 56].
قال ابن سعدي وغيره في تفسير هذه الآية: إن الله عز وجل نهى عن ولاية الكفار، من اليهود والنصارى وغيرهم من باب أولى، وذكر أن مآل توليهم هو الخسران المبين في الدنيا والآخرة، وأخبر تعالى عن الذين يجب ويتعين علينا توليهم دون غيرهم فقال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا) فكل من كان مؤمنا تقيا، كان لله وليًا، ومن كان لله وليا، فهو ولي لرسوله والمؤمنين.
ومن تولّ الله ورسوله، كان تمام ذلك تولي من تولاه الله ورسوله وهم المؤمنون، الذين قاموا بالإيمان ظاهرا وباطنا، وأخلصوا للمعبود بإقامتهم لواجبات الإسلام.
وقد أفادت أداة الحصر في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أنه يجب قصر الولاية على من ذكرهم الله تعالى في الآية والتبري من ولاية غيرهم (1) اهـ.
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71].
يقول سيد قطب رحمه الله في هذه الآية: إن القرآن الكريم يأمر المسلم ويرشده إلى وجوب إخلاص ولائه لربه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولعقيدة الإسلام، وجماعة المسلمين، وعلى ضرورة المفاصلة الكاملة بين الصف الإسلامي الذي يقف فيه المؤمن، وبين كل صف لا يرفع راية الإسلام ولا يتبع قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينضم إلى حزب الله، إن موالاة الفرد ومحبته لغير الجماعة المسلمة معناه الارتداد عن دين الله، والنكول عن طريق الإسلام، الوقوفع في دائرة أولياء الشيطان، أعاذنا الله من ذلك (2) اهـ.
وعن موالاة الكفار بعضهم لبعض، وعدم جواز دخول المؤمنين معهم
(1) انظر تفسير ابن سعدي (2/ 311) وانظر تفسير القرطبي (6/ 221) وانظر زاد المسير في علم التفسير عبد الرحمن بن الجوزي (2/ 383) وانظر مختصر تفسر ابن كثير محمد علي الصابوني (1/ 528) وانظر فتح القدير (2/ 53).
(2)
انظر في ظلال القرآن سيد قطب (6/ 756).
في الموالاة، يقول الله تعالى مخبرا عن ذلك:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].
فأشار سبحانه وتعالى إلى قطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين وأن الكفار بعضهم أولياء بعض، كما أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض وهذه حقيقة ثابتة لا يشك فيها إلا مرتاب، فهل يمكن أن يرفع علم الجهاد ويدحر أهل البغي والفساد، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بدون الحب في الله والبغض في الله، وبدون الموالاة في الله والمعاداة فيه؟
إنه لو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء لم يكن هناك فرق بين أهل الحق وأهل الباطل، ولا بين المؤمنين والكافرين، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان (1).
وعلى هذا فلا بد أن يكون للمؤمن أعداء يبغضهم في الله، وأولياء يحبهم في الله، لأن الأرض لا تخلو من أعداء الله وأعداء الإسلام والمسلمين، فما خلت منهم زمن الرسل والأنبياء، فكيف بأزمان الفتنة في آخر الزمان؟
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)[الأنعام: 122] فالدنيا هي دار الصراع بين الحق والباطل وابتلاء الأخيار، بالأشرار، والمؤمنين بالفجار.
أما الدار الآخرة فهي الدار التي لا معاداة فيها ولا بغضاء، قال تعالى:(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)[الحجر: 47].
(1) انظر: مجموعة التوحيد (117، 118).
أما الدنيا فلا بد فيها من محبة المؤمنين وعداوة الكافرين، فقد ورد في الأثر أن الله أوحى إلى نبي من الأنبياء، أن قل لفلان العابد: أما زهدك في الدنيا فتعجلت راحة نفسك، وأما انقطاعك إليّ فتعززت به، ولكن هل عاديت في عدوا، وواليت في وليا؟ (1)، وقال عبد الله (2) بن عمر رضي الله عنهما «لو صمت النهار لا أفطر، وقمت الليل لا أنام، وأنفقت مالي علقا علقا في سبيل الله، ثم أموت وليس في قلبي حبا لأهل طاعته، وبغضا لأهل معصيته، ما نفعني ذلك شيئًا» (3) اهـ.
وقال الفضيل (4) بن عياض في بعض كلامه: هاه! تريد أن تسكن الفردوس، وتجاور الرحمن في داره مع النبيين، والصديقين والشهداء والصالحين، بأي عمل عملته؟ بأي شهوة تركتها؟ بأي غيظ كظمته؟ بأي رحم قاطعة وصلتها؟ ثم قال: بأي قريب باعدته في الله؟ بأي بعيد قربته في الله (5) اهـ.
(1) انظر مجموعة التوحيد (117).
(2)
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي أسلم مع أبيه صغيرا، وهو لم يبلغ الحلم ولم يشهد بدرا لصغر سنه، وأول مشاهده الخندق وشهد غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا، وشهد اليرموك وفتح مصر وأفريقية توفي عبد الله بن عمر سنة (73 هـ) وهو ابن اربع وثمانين سنة انظر أسد الغابة لابن الأثر (3/ 227، 231).
(3)
انظر فضيلة الألفة والأخوة مخطوطة بجامعة الرياض برقم (1605) الورقة (70) المؤلف غير معروف كتبت تقريبا في القرن التاسع الهجري.
(4)
هو الفضيل بن عياض أبو علي التميمي أحد الأئمة العباد الزهاد ولد بخراسان بكورة دينور، وقد الكوفة وهو كبير، ثم انتقل إلى مكة فتعبد بها، وكان حسن التلاوة وكثير الصلاة والصيام، وكان له مع الرشيد قصة حيث دخل الرشيد عليه منزلة وأعطاه المال فرفض ذلك، توفي في مكة في شهر محرم سنة (187 هـ) انظر البداية والنهاية لابن كثير (10/ 198، 199).
(5)
انظر فضيلة الألفة والأخوة، مخطوطة بجامعة الرياض برقم (1605) الورقة (78) المؤلف غير معروف، كتبت في القرن التاسع الهجري تقريبًا.
وكون المسلم يستشعر دائما عداوة الكفار، والمنافقين والمرتدين ليس معنى ذلك أن يعيش في كآبة وحزن وضجر وضيق ومعاناة طيلة حياته نتيجة مشاهداته لأعمال أهل الكفر واختلاطه بالكفار، وإنما المقصود من عداوة الكفار وإضمار العداوة لهم وملازمة هذا الشعور نحوهم، هو أن يتحول الشعور بعداوتهم إلى عمل مثمر بناء، وذلك بالسعي الجاد لإخراج من يريد الله هدايته من صف الكفار إلى صف أهل الإسلام، بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والأسوة الكريمة، ومن رفض قبول الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وجب مع استعمال الأسلوب الثاني من أساليب الدعوة وهو الجهاد، الذي شرعه الله بتحرير العقول من أن نستبعد لغير خالق العباد.
فمعاداة الكافرين في الإسلام وسيلة لشحذ الهمم في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام، وهي كذلك وسيلة لمحافظة المسلم على خصائص الإسلام ومميزاته، فلا يتأثر بنظم الكفر وتصوراته الجاهلية نظرا لما يكنه لأولئك ولنظمهم من موقف عدائي بخلاف ما لو فقد الشعور نحوهم بالبغض والعداوة فإنه عندئذ يستحسن أقوالهم وأفعالهم ويتأثر بهم وهذا أمر مشاهد وتجربة ماثلة للعيان، فالذي يجاري الكفار في بعض الأمور ويقلدهم في أقوالهم، وأفعالهم أقل عداوة وبغضا لهم، ممن يفاصلهم مفاصلة تامة.
فالشعور بالعداء نحو الأعداء ليس عملا سلبيا، إذا أحسن استغلاله في إطار أمة منظمة ملتزمة بعقيدة ومنهج معين.
ولذلك شواهد من التاريخ الواقعي.
فالصليبيون في الأندلس ظلوا يضمرون العداء للمسلمين طيلة ثمانية قرون من الزمن حتى تغلبوا على المسلمين وأبادوهم إبادة تامة وفر من فر من البقية الباقية إلى شمال أفريقيا، فلم تمت عداوتهم للمسلمين طيلة هذه القرون العديدة ولم يذوبوا أو ينصهروا مع المسلمين، وعندما هجم
الصليبيون واستولوا على الشام والقدس قرابة قرنين من الزمن، لم تخمد نار العداوة لهم في قلوب المؤمنين، حتى هيأ الله لهم الخلاص على يد صلاح الدين الأيوبي، واليهود الذين يستحلون فلسطين اليوم وعلى رأسها القدس لم يفعلوا ذلك إلا عداوة للمسلمين وحقدا عليهم وتشفيا منهم، فشعورهم بالعداء نحو المسلمين، جعلهم عبر ثلاثة عشر قرنا يبحثون عن الفرصة السائحة التي ينقضون فيها على المسلمين فيذلونهم كما دمر المسلمون أسلافهم وقد قالوا ذلك عندما استلوا على القدس عام (1387هـ 1967) يوم بيوم خيبر، يا لثارات خيبر محمد مات وخلف بنات (1).
والجنرال الصليبي غورو، عندما تغلب على جيش ميسلون خارج دمشق توجه فورا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الأموي وركله برجله القذرة وقال له ها قد عدنا يا صلاح الدين (2) اهـ.
فكيف يكون أهل الباطل محتفظين بعداوتهم للإسلام والمسلمين عشرات القرون مستغلين كل الطرق والوسائل الظاهرة والخفية لترجمة هذه العداوة إلى عمل واقعي مشهود في دنيا الإسلام والمسلمين، أما المسلمون وللأسف الشديد فإنهم سريعا ما ينسون اليد التي تصفعهم والقدم التي تركلهم (نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [الحشر: 19].
إن تهاون بعض المسلمين في واجب الموالاة والمعاداة في الله ليس بنتيجة لجهلهم بحكم موالاة المؤمنين، أو معاداة الكافرين، إنما الباعث الحقيقي على ذلك هو تقاعسهم عن تأدية الواجب الشرعي في ذلك حيث قد تكون مصالحهم أو أهواؤهم متعارضة مع أوامر الله في الموالاة أو
(1) انظر قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله تأليف جلال العالم (9، 15، 29).
(2)
انظر القومية والغزو الفكري تأليف محمد جلال كشك (84).
المعاداة كما هو الحال في واقع معظم الناس اليوم الذين يحبون للدنيا ويبغضون للهوى، بعيدا عن مجال الحب في الله والبغض فيه، إن الحب في الله والبغض فيه، هو الحب والبغض الذي يتعدى العلاقات الأجبارية من علاقة العمل أو الجوار أو النسب، فالإنسان قد يحب أحدا من هؤلاء لمصلحة دنيوية فقط، أو لتوافق الطباع السيئة بينهما كما قد يكره أحدا من هؤلاء للمصلحة دنيوية، أو لاختلاف النفوس والرغبات بينهما، وهذا النوع من الحب والبغض وإن كان هو السائد في مجتمعنا المعاصر فهو ليس من قبيل الحب في الله، أو البغض فيه.
فالحب في الله والبغض فيه، أوسع دائرة من ذلك كله فهو حب وبغض على مستوى العالم أجمع، وعلى مستوى الحياة كلها فالحب في الله هو حب أهل الإيمان في أي زمان ومكان، وموالاتهم ومناصرتهم على ذلك.
والمعاداة في الله هي معاداة وبغض أهل الكفر والعصيان في كل زمان ومكان
ومما تقدم عرضه يتضح أن من أحب في الله، فلا بد أن يبغض في الله فإذا أحببت عبدا لأنه مطيع لله، ومحبوب عند الله فلا بد أن تبغض الضد وتعاديه وذلك أمر لا يحتاج إلى جدال، لأن المتضادات لا يوجد أحدها إلا بانتفاء الآخر، والحب والبغض من الأمور التي فطرت عليها النفس البشرية فلا يخش على الناس من تلاشى هاتين الصفتين، أو إحداهما ولكن الخطر الحقيقي يكمن في صرف تلك الصفتين عن إطارهما الصحيج، وما يجب أن يستخدما فيه من حب في الله وبغض في الله، إلى الحب المزيف والبغض المزيف كما هو شأن أهل الجاهلية قديمًا وحديثًا (1).
(1) انظر (37 - 46) من هذه الرسالة.
وحيث تقرر بما لا يدع مجالا للشك، وجوب موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين، فقد أكد الله على ذلك، وجعل هذا الأمر من سمات المؤمنين العملية، قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)[المائدة: 54] وقال تعالى (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29].
قال بعض المفسرين: إن من يتول الكفار منكم أيها المسلمون فيرتد بالموالاة لهم، فليعلم أن الله تعالى، يأتي بقوم آخرين ينصرون هذا الدين على أبلغ الوجوه.
وقال الحسن: علم الله تعالى أن قوما يرجعون عن الإسلام بعد دخولهم فيه، بسبب موالاتهم للكفار، فأخبر هؤلاء بأنه سبحانه وتعالى غني عنهم، وأنهم لن يضيروا (1) الإسلام شيئا بنكولهم عنه، حيث إنه تعالى سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، وأن هؤلاء بردتهم تلك لن يضروا سوى أنفسهم، بحرمانها من منهج الحق والصواب.
وقد وصفت آية المائدة السابقة المؤمنين المحبوبين عند الله المحبين له بأنهم أذلة أي: جمع ذليل؛ لأن ذلول والذل نقيض الصعوبة لا يجمع على أذلة، وإنما يجمع على ذلل، وليس المراد أنهم مهانون عند المؤمنين بل المراد المبالغة في وصفهم بالرفق ولين الجانب، فإن من كان ذليلا عند إنسان فإنه لا يظهر الكبر والترفع عليه ألبتة.
ولتضمن الذل معنى الحنو والعطف، وعدي بعلى دون اللام، كأنه
(1) يضيروا بمعنى: يضروا، لسان العرب (2/ 559).
قيل عاطفين عليهم، والمراد أنهم مع شرفهم واستعلاء حالهم، واستيلائهم على المؤمنين، خافضون لهم أجنحتهم، ليضموا إلى شرف منصبهم فضيلة التواضع أعزة على الكافرين، أي يظهرون الغلظة والترفع على من كفر بالله، قد اجتمعت هممهم وانعقدت عزائمهم، على معاداة أهل الكفر وحربهم، وبذلوا كل جهد يحصل به الانتصار عليهم (1).
وقد: أكد الله هذا المعنى بعدد من آيات القرآن الكريم منها قول الله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)[التوبة: 123].
وقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)[التوبة: 73] فهذه الآيات وغيرها مما تقدم فيها الدليل القاطع على وجوب موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وأن ذلك من مطالب الإسلام ومقاصده الأساسية.
إن أهم ما يميز المسلم عن غيره، هو الولاء في الله، فلا الصلاة ولا الزكاة ولا الحج ولا الصوم، ولا غير ذلك من أعمال الإسلام تجعل المسلم مستقيم الإسلام، إذا نقض ولاءه لله وجماعة المسلمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم» (2).
(1) انظر مجموعة التوحيد (115) وانظر تفسير القرطبي (6/ 220) وانظر (16/ 292، 293) من الكتاب نفسه، وانظر زاد المسير في علم التفسير (2/ 381، 382) وانظر (7/ 445) من الكتاب نفسه، وانظر مختصر تفسر ابن كثير للصابوني (1/ 527) وانظر (3/ 355) من الكتاب نفسه، وانظر تفسير ابن سعدي (2/ 308) وانظر (7/ 110، 111) من الكتاب نفسه وانظر فتح القدير للشوكاني (2/ 21) وانظر حاشية تفسير الطبري (6/ 162)(1 المطبعة الأميرية).
(2)
رواه أحمد بهذه الزيادة وهي وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم روى البخاري الحديث بدون هذه الزيادة، انظر فتح الباري (13/ 5)، وانظر مسند الإمام أحمد (4/ 202).
ولذلك فإننا نلاحظ أن كل مرة ذكرت فيما كلمة حزب الله في القرآن الكريم، إنما ذكرت بجانب الولاء مقيدة فيه مما يدل على أن الولاء لله عز وجل هو الميزان الذي يوزن به إيمان الإنسان بالله، قال تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56] وقال تعالى: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[المجادلة: 22] فهاتان الآيتان، بينتا أنه لا يكون الإنسان من حزب الله إلا إذا حرر ولاءه ومودته فلم يعطهما لعدو الله، مهما كان نوعه، بل الواجب على كل مسلم أن يعطي ولاءه لله ورسوله والمؤمنين بهذا الدين وهذه هي الصفة الأولى للمؤمنين قال تعالى:(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ)[التوبة: 71] فلا ولاء في الإسلام إلا على أساس هذا الدين، ومنطلقاته النظرية والعملية، وكل آصرة جاهلية يعطي الناس ولاءهم على أساسها هي آصرة باطلة فاسدة.
فآصرة العمل التي يجتمع عليها الشيوعيون ويتآخون عليها هي آصرة باطلة شرعا وفاسدة عقلا وواقعا، وآصرة القومية التي يتآخى عليها القوميون العرب أو العجم أو الأكراد أو البربر أو الأتراك أو غيرهم هي آصرة باطلة شرعا حيث يقول تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]. وآصرة الوطنية التي يلتقي عليها دعاة الوطنية غير معتبرة شرعا.
وفاسدة عقلا، وآصرة الإنسانية التي يروج لها دعاة المأسونية غير معتبرة شرعا وفاسدة عقلا وواقعا.
فالمسلم الذي يعطي ولاءه لتلك الروابط الجاهلية لم يعد مسلما حيث إن الله يأبى علينا نحن المسلمين أن نعطي ولاءنا إلا لمن يرتبط معنا برباط الإيمان والإسلام قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة 4] فالموالاة على أية آصرة من الأواصر غير آصرة الإسلام باطلة في الشرع والعقل ومخرجة لصاحبها عن الإسلام، فمتى أعطى المسلم ولاءه للكافرين فقد صار منهم قال تعالى:(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73] ومتى أعطى المسلم ولاءه للمنافقين صار منهم قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)[التوبة: 67] وإذا أعطى ولاءه للمؤمنين صار منهم إذا أدى حتى الإيمان قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[المائدة: 54].
فقد ورد النص القرآن الكريم في استعمال أداة الحصر إنما التي تحصر الحكم فيما بعدها، مما يفيد أن المؤمنين المتصفين بهذه الصفات هم وحدهم الذين تجب موالاتهم دون غيرهم من أصناف الكفار (1) وعلى هذا فإن المسلم يجب عليه وجوبا شرعيا أن يناصر المسلمين ويهتم بأحوالهم ويشاركهم في آمالهم وآلامهم مشاركة مادية ومعنوية حيث اتفق
(1) انظر كتاب جند الله ثقافة وأخلاقا تأليف/ سعيد حوى (172 - 175).
العلماء على أنه إذا أسر مسلم من قبل الكفار فإنه يجب على المسلمين جميعا إنقاذه (1).
فكيف إذا كانت شعوبا بأكملها تحت أسر الكفار وسيطرتهم أفلا يكون الواجب أعظم وألزم أيها الإخوة في الله.
(1) انظر فتح القدير (5/ 191) وانظر البحر الرائق (5/ 72) وانظر نهاية المحتاج (8/ 58).