المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام - الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية - جـ ١

[محماس الجلعود]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌المبحث الأول: المفهوم اللغوي للموالاة والتولي

- ‌المبحث الثاني: المفهوم اللغوي للمعاداة

- ‌المبحث الثالث: المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة

- ‌المبحث الرابع: بيان ارتباط عنوان الرسالة بالمعنى الاصطلاحي للشريعة الإسلامية

- ‌الباب الأول: مشروعية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌التمهيد: لمحة تاريخية عن الموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الأول: منزلة الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: الموالاة والمعاداة في القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الموالاة والمعاداة في السنة النبوية

- ‌المبحث الثالث: أقوال السلف الصالح في الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌المبحث الرابع: ارتباط الموالاة والمعاداة بالشهادتين

- ‌المبحث الخامس: الموالاة والمعاداة في الله قولاً وعملاً

- ‌المبحث السادس: حكم موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين

- ‌المبحث السابع: موالاة أهل الحق تستلزم معاداة أهل الباطل

- ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

- ‌المبحث التاسع: صلة المداهنة والمداراة بالموالاة والمعاداة

- ‌المطلب الأول: المداهنة وحكمها

- ‌المطلب الثاني: المداراة وحكمها والفرق بينها وبين المداهنة

- ‌المبحث العاشر: تغيير الأسماء لا يغير حقيقة المسمى وحكمه

- ‌الفصل الثاني: التطبيق العملي للموالاة والمعادة في الشريعة الإسلامية

- ‌المبحث الأول: أسباب تحقيق الموالاة في الله

- ‌المبحث الثاني: حقوق الموالاة بين المسلمين

- ‌المبحث الثالث: موالاة الأقليَّات الإسلامية

- ‌المبحث الرابع: أسباب تحقيق المعاداة في الله

- ‌المبحث الخامس: صورة من الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الباب الثاني: في عوامل ضعف الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌التقديم: تحديد قضية هذا الباب

- ‌الفصل الأول: الجهل وصلته بالموالاة والمعاداة

- ‌الفصل الثاني: الاختلاف في مسألة من مسائل الفروع

- ‌الفصل الثالث: الاعتزال عن الجماعة المسلمة

- ‌المبحث الأول: الاعتزال بدعوى جواز الاعتزال

- ‌المبحث الثاني: اعتزال المؤمنين خوفا من أعداء أهل الإيمان

- ‌المبحث الثالث: العلماء بين طريق الجهاد وطريق الاعتزال

- ‌الفصل الرابع: دعوى الإكراه في عدم الموالاة في الله والمعاداة فيه

- ‌الفصل الخامس: العملاء الذين يوالون الأعداء للمصلحة الشخصية

الفصل: ‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

‌المبحث الثامن: مكانة الموالاة والمعاداة في الإسلام

إن معرفة المسلم الملتزم بالإسلام عقيدة وعبادة لحكم الموالاة والمعاداة في الله تجعله ينطلق في تعامله مع الناس من فهم ثابت وتصور صحيح، في علاقاته مع الناس، فيعاملهم على أساس قربهم وبعدهم من الله، فكلما كان الإنسان إلى الله أقرب، كانت موالاته ومحبته ومناصرته في الله أعظم، وكلما انحرف الإنسان عن طاعة الله عز وجل، أبغضه المؤمن على قدر انحرافه، وعاداه على قدر بعده عن الله، لأن محبة الله عز وجل هي الأساس في كل تصرف يتصرفه العبد المسلم، فمحبة ما يحبه الله تابعة لمحبة الله منبثقة عنها، إذ المحبة هي أصل الموالاة في الله والبغض أصل المعاداة في الله، كما سبق إيضاح ذلك وقد أخبر الله عز وجل أنه هو الولي، والمتولي لنا في كل شأن من شئوننا وأنه لا يجوز أن نتخذ معه أو من دونه وليا، أو أولياء، قال تعالى: (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ

ص: 187

قَدِيرٌ) [الشورى: 99] فالذين اتخذوا من دونه أولياء غلطوا أشد الغلط وأجرموا أشد الإجرام، عندما اتخذوا حثالة البشر أو بعض المخلوقات أولياء لهم من دون الله أو مع الله، قال تعالى:(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1].

وأصح القولين في ذلك أنهم يعدلون بالله غيره، في العبادة والمحبة والموالاة (1) كما في قوله تعالى:(تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء: 98] وقال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)[البقرة: 165] وقال تعالى: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)[الكهف: 50] أي: أن يبدلوا عبادة الله ومحبته وموالاته بغيره من الأنداد.

فالمسلم الحق هو الذي يتخذ الله وليا، ويرضي بولايته دون سواه ويعتقد جازما أن ولاية الله عز وجل هي التي تنفع في الدنيا والآخرة؛ لأن ذلك مما أخبر الله به في قوله تعالى:(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)[آل عمران: 150] فالله هو الولي للمؤمنين، وهو خير الناصرين لهم ففي ولايته وطاعته غنية وكفاية عن طاعة الكفار وموالاتهم، فيجب على المسلم أن يكون الله عز وجل هو الولي الذي يتقرب إليه العبد بالقول والعمل فهو يتولى عباده المؤمنين بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وإعانتهم في جميع أمورهم (2) قال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ

(1) انظر مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين لابن قيم الجوزية (1/ 340).

(2)

انظر تفسير ابن سعدي (6/ 595).

ص: 188

الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 257] وقال تعالى: (فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)[يوسف: 101] وقال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)[الأنعام: 14] قل يا محمد! أغير الله اتخذ وليًا؟ أي ربًّا ومعبودًا وناصرًا ومحبوبًا دون الله، وهو الذي فطر السموات والأرض، فكيف يليق أن اتخذ غير الخالق الرازق الغني الحميد (1)؟

قال الله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 68] وقال تعالى: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)[فصلت: 31].

فإن كان الله عز وجل هو الولي والوالي والناصر والنافع والضار، فمن السفاهة والطيش بل ومن الكفر بعبادة الله، أن يتخذ المرء من دونه وليا أو نصيرا قال تعالى:(وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا)[النساء: 89].

وقال تعالى: (مَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)[التوبة: 74].

فبين تعالى على جهة الإخبار بأن الله هو الولي وأنه لا ولي غيره وأنه

(1) انظر تفسير القرطبي (6/ 397) وانظر تفسير ابن سعدي (2/ 379 - 380).

ص: 189

هو ولي الصالحين قال تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[الأعراف: 196].

فالإنسان عندما يتخذ الله وليا إنما يفعل ذلك لأنه أمر كلفه الله به، حيث يريد سبحانه وتعالى، من المسلم التجرد لله من تعظيم سواه، لأن الموالاة والتولي لغير الله، تعظيم لمن والاهم وتولاهم من دون الله، وهذا شرك في التعظيم، فالموالاة هي لب المحبة وثمرتها والشرك في المحبة من أعظم أنواع الشرك قال تعالى:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)[البقرة: 165].

فمتى أحب العبد غير الله لذاته والتفت إليه بقلبه كان عبدا لما أحبه ورجاه وإذا لم يحب أحدا لذاته سوى الله، وأحب ما يحبه الله تقربا إلى الله كان ذلك من تمام العبودية لله عز وجل، لأن العبد كلما ازدد حبا لله ولما يحبه الله، ازداد عبودية وقربا من الله وهذا الأمر هو جوهر الإسلام وحقيقته التي أرسل الله من أجلها جميع الرسل والأنبياء (1).

فيجب علينا أن نعطي حبنا وولاءنا لله عز وجل أولا ثم لرسوله والمؤمنين بهذا الدين حتى نكون من حزب الله، وتنتفي عنا صفة الانتماء إلى الأحزاب الشيطانية، التي تعبدنا الله ببغضها وعداوتها وجهادها والقضاء عليها، فبالإضافة إلى أن موالاة غير الله شرك، هي كذلك موالاة غير نافعة في الدنيا والآخرة، حيث إن الإنسان يقصد بموالاة من تولاه، أن يتقوى بقوته ويعز بعزته، ويرتفع برفعته، وهل هناك أحد تنطبق عليه تلك الصفات بكمالها غير الله عز وجل؟ فالله يعد الذين آمنوا في مقابل الثقة

(1) انظر رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية (54 - 58).

ص: 190

به، وصدق الالتجاء إليه، والولاء له وحده، ولرسوله وللمؤمنين يعدهم بالنصر والغلبة والتمكين، وقد جاء هذا الوعيد بعد بيان قاعدة الإيمان ذاتها في قوله تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56] فإذا كان النصر والغلبة والعزة والكرامة إنما تكون بموالاة الله ورسوله والذين آمنوا فمن الانحراف عن العقيدة السلمية أن يخلع الإنسان صفة الموالاة والتولي بكمالها لأعداء الله أو لمخلقوات ضعيفة، لا تنفع نفسها فضلا عن غيرها، فالذين يحبون غير الله، ويرجون سواه، في نصرة أو معونة أو تمكين، هؤلاء كأنما يتجاهلون مقام الباري عز وجل، ويتصغرون شأنه في المعونة والنصرة، عندما يلجئون بالمودة وطلب النصرة من غير الله، كحال الذين يستعينون ويستنصرون بالكفار الشرقيين أو الكفار الغربيين أو الهيئات الدولية، والأحزاب الجاهلية، وهذا منتهى الضلال والانحراف، فالله سبحانه وتعالى أمر عباده أن يتخذوه وليا، دون غيره من المخلوقات؛ لأن ذلك من مقتضى عبوديتهم له، واعترافهم بربوبيته، وألوهيته عليهم، كما يجب عليهم خوفه، ورجاؤه، يجب عليهم محبته، وموالاته دون غيره، وليس الدافع إلى موالاة الله، هو طلب النصرة والتمكين فقط، بل الدافع الأساسي أن هذا أمر تعبدنا الله به، أما ما يترتب على هذا الأمر من نصرة ومودة وفلاح، فهذه ثمار تأتي في حينها، وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذه الأمة، لا لتكون بذاتها هي الأغراء الوحيد على الدخول في هذا الدين فانتصار المسلمين على أعدائهم، وتفوقهم على سواهم، لا شيء منه لذواتهم، وأشخاصهم إنما يكون ذلك لحساب عقيدتهم، فيكون لهم ثواب الجهد في ذلك، فالله عز وجل لا يطلب ولاية أحد من خلقه ليزداد بهم عزا أو قوة، أو أن يعينوه في شأن من شئونه فإنه سبحانه وتعالى هو الغني الحميد الذي لا يحتاج إلى أحد من خلقه في الأرض ولا في

ص: 191

السماء قال تعالى: (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ)[سبأ: 22] وقال تعالى: (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111] قال مجاهد (1) المعنى لم يحالف أحدا، ولا ابتغي نصرا من أحد، أي لم يكن له ناصر يجيره من الذل، يعني لم يذل فيحتاج إلى ولي أو إلى ناصر، لعزته وكبريائه (2) اهـ.

وأما قوله تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7] أي أن تكونوا سببا في نصر دين الله ينصركم الله على الكفار وقال قطرب (3): «إن تنصروا نبي الله ينصركم الله» (4) اهـ.

وقال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40] أي من ينصر دين الله، وينصر رسوله فإن الله ناصره (5) وقال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللهِ كَمَا قَالَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّأَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ)

فقوله: (كونوا أنصار الله) معناه كونوا أنصارًا لدين الله ومعنى نحن أنصار الله أي نحن أنصار دين الله، وقال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام (مَنْ

(1) هو مجاهد بن جبير المالكي أبو الحجاج ولد حوالي سنة 20 هـ توفي سنة 104هـ من آثاره تفسير القرآن الكريم، فهو مفسر تابعي جليل انظر معجم المؤلفين (8/ 177).

(2)

انظر تفسير القرطبي (10/ 345).

(3)

هو محمد بن المستنير بن أحمد البصري (المعروف بقطرب)(أبو علي) لغوي، نحوي، أخذ النحو عن سيبويه وغيره من علماء البصرة وأخذ عن النظام المعتزلي وكان يعلم أولاد أبي دلف العجلي وتوفي ببغداد، من تصانيفه في اللغة والتفسير: العلل في النحو، الاشتقاق المصنف الغريب في اللغة، الرد على الملحدين في متشابه القرآن توفي سنة 206 هـ، وله نحو عشرون كتابا انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (12/ 15)، وانظر الموسوعة العربية محمد شقيق غربال (2/ 1388).

(4)

انظر تفسير القرطبي (16/ 232).

(5)

انظر تفسير القرطبي (12/ 72).

ص: 192

أَنْصَارِي إِلَى اللهِ) أي من يكون معنيا إلي فيما يقرب إلى الله؟ (1).

ومن خلال استعراض هذه الآيات والتي قبلها يتضح أن موالاة المسلم لربه ثم لرسوله ثم للمؤمنين عبادة تعبده الله بها، وحمله إياها، وإلا فإن الله عز وجل غني عن عباده ليس محتاجا إليهم في شيء، وهو كذلك قادر على نصرة دينه وأتباع دينه بقوله (كن فيكون) ولكنه جعل الموالاة في الله والمعاداة فيه أصلا من الأصول الشرعية ليختبر عباده بذلك وليمتحن خلقه بهذا الواجب العظيم فمن قام بذلك قام بواجب عظيم من واجبات الإسلام، ومن ضيع ذلك فهو لما سواه أضيع، والموالاة الحقيقية لله عز وجل توجب موالاة ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن من لوازم محبة الله محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموالاة الله توجب موالاة رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام؛ لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه ويوالي من يوالي محبوبه ويعادي من يعاديه، وقد ذكر الله عز وجل وجوب محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وموالاته في آيات وأحاديث كثيرة نذكر منها ما يلي:

أولاً: قول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56].

ثانيًا: قول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)[المائدة: 55].

(1) انظر تفسير القرطبي (18/ 89، 90) وانظر فتح القدير للشوكاني (5/ 223).

ص: 193

ثالثا: قول الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)[الأحزاب: 6].

قال ابن عطية (1) وبعض العلماء: هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك والضلال، وهو يدعوهم إلى النجاة (2) اهـ.

ويؤيد هذا المعنى حديث: «إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل أستوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بحجزم وأنت تقتحمون فيها» (3).

وأدلة وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وموالاته من السنة ما يلي:

1 -

ما روي أن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا غير سر يقول: «إن آل أبي ليسوا بأوليائي، إنما ولي الله وصالح المؤمنين» (4). قال النووي في معنى الحديث: إن ولي من كان صالحا، وإن بعد نسبه مني، وليس ولي من كان غير صالح، وإن قرب نسبه (5).

2 -

وعن أنس رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (6).

(1) يوجد بهذا الاسم ابن عطية: عبد الله بن عطية بن حبيب أبو محمد مقرئ مفسر مات سنة ثلاث وثمانين وثلاث مائة من الهجرة ومن آثاره تفسير القرآن الكريم ويوجد أيضا بهذا الاسم ابن عطية/ عبد الحق بن غالب بن عطية المحاربي عالم بالتفسير والأحكام والحديث والفقه، والنحو والأدب توفي سنة (546) هـ في بلاد المغرب ولا أعلم أيهما المقصود بكلام القرطبي انظر فتح القدير للشوكاني (1/ 9)، وانظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (5/ 93)(6/ 83).

(2)

انظر تفسير القرطبي (14/ 122).

(3)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 789) دار التراث العربي.

(4)

رواه البخاري انظر فتح الباري (10/ 419).

(5)

المصدر السابق (10/ 421).

(6)

رواه مسلم: انظر صحيح مسلم (1/ 68) كتاب الإيمان.

ص: 194

فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الدرجة تقتضي أن مخالفة ذلك منقصة للإيمان (1):

3 -

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحب إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن انقذه الله منه، كما يكره أن يقذف بالنار» (2) ومحبة الرسول تستلزم محبة كل ما جاء به من عند الله ومعاداة كل من عاداه.

4 -

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» (3) وقد عد ابن القيم رحمه الله من أنواع الكفر، كفر الأعراض عن الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يصدقه، ولا يكذبه ولا يواليه، ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم (والله أقول لك كلمة، إن كنت صادقا، فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك)(4) اهـ.

فمن هذه الأحاديث وتلك الآيات يزول الشك باليقين في وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبة كل ما جاء به من عند الله، من الأقوال والأفعال والاعتقادات، وأن من خالف ذلك فليس له في الإيمان حظ أو نصيب.

ومن مقتضيات محبة الله ومحبة رسوله، ومحبة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحب المرء المسلم إخوانه المؤمنين وجماعة المسلمين فإن هؤلاء تجب محبتهم في الله، ومناصرتهم من أجل دين الله، فقد دلت

(1) انظر تحفة العراقية لابن تيمية (35).

(2)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (1/ 166) كتاب الإيمان.

(3)

قال النووي: حديث صحيح انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد تأليف الشيخ عبد الرحمن بن حسن (396).

(4)

انظر مدارج السالكين بين إياك نعبد وإياك نستعين ابن قيم الجوزية (1/ 338).

ص: 195

الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب محبتهم ومناصرتهم بالقول والفعل والاعتقاد ومن الأدلة على ذلك من كتاب الله قول الله تعالى:

1 -

(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71] فقوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ) أي ذكورهم وإناثهم بعضهم أولياء بعض أي: في المحبة والموالاة والانتماء والنصرة والتعاطف (1).

2 -

قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[الأنفال: 72].

3 -

قول الله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 55، 56].

ففي تلك الآيات عقد موالاة ومحبة ومناصرة عقدها الله عزوجل بين المؤمنين، في كل زمان ومكان، وذكر لنا نموذجا في موالاة الذين آمنوا وهاجروا في سبيل الله، كيف استقبلهم إخوانهم الأنصار، الذين آووا ونصروا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه، وكيف أعانوهم بأموالهم وأنفسهم وديارهم، حسبما تقتضيه أخوة العقيدة الإسلامية، فصار بعضهم أولياء بعض لكمال إيمانهم، وتمام اتصال بعضهم ببعض (2).

وقد دلت السنة النبوية المطهرة على وجوب موالاة المسلمين بعضهم لبعض وإليك بعض الأدلة على ذلك.

(1) انظر تفسير ابن سعدي (3/ 264)، وانظر تفسير القرطبي (8/ 203).

(2)

انظر تفسير ابن سعدي (3/ 193).

ص: 196

1 -

ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى» (1).

2 -

ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما «أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله» (2).

3 -

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه (3).

4 -

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أرأيت إن كان ظالما، كيف أنصره؟ قال:«تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن فذلك نصره» (4).

5 -

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: «وما أعددت للساعة؟» قال: حب الله ورسوله قال: «فإنك مع من أحببت» (5).

قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم فإنك مع من أحببت، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله، وأبا بكر وعمر، فأرجوا أن أكون معهم، وإن لم أعمل أعمالهم (6).

6 -

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل إلى

(1) رواه البخاري انظر صحيح البخاري (8/ 12) باب كتاب الأدب.

(2)

انظر تخريج هذا الحديث في (2) من هذه الرسالة.

(3)

متفق عليه، انظر نزهة المتقين شرح رياض الصالحين (1/ 245).

(4)

رواه البخاري انظر المصدر السابق (1/ 252).

(5)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 2032)

(6)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 2032).

ص: 197

الناس بوجهه فقال: يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا، واعلموا أن لله عز وجل عباد ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس ولوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغطبهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله، انعتهم لنا يعني صفهم لنا فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور، فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورا، وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة، ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (1).

7 -

ورد في كتاب بعث به الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك الحبشة، وكان من ضمن ما جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم:«وأني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي وبالذي جاءني» (2).

8 -

روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة

(1) انظر مسند أحمد (5/ 343) وانظر سنن أبي داود (3/ 799 ح 3527) وإسناده صحيح تعليق عزت الدعاس.

انظر منهاج المسلم/ لأبي بكر الجزائري (109) وقال عنه: إنه صحيح (ط- 1 - 1391) الناشر محمد علي السيد بسوريا.

(2)

رواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم انظر البداية والنهاية لابن كثير (3/ 83) وانظر حياة الصحابة مجلد (1) ص (103) وانظر تاريخ الطبري (2/ 89).

ص: 198

الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل» (1).

9 -

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي» (2).

10 -

وفي الحديث: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله» (3).

فهذه الأدلة لعلى وجوب محبة المؤمنين، ومولاتهم ومناصرتهم ودفع الأذى عنهم، وقد ذكر الله عز وجل أن الذين يعادون المؤمنين أو من دان بالإسلام وعمل به ودعا إليهم، ويسعون لإيصال الشر إليه، وتشريهدهم عن ديار الإسلام أن هؤلاء على خطر عظيم في خروجهم من الإسلام (4).

قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[النساء: 112].

وفي الحديث: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» (5).

(1) رواه الحاكم من المستدرك وقال صحيح الإسناد وأبو نعيم من الحلية عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا انظر تحفة الأخوان حمود بن عبد الله التويجري وانظر مجموعة التوحيد (118).

(2)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (4/ 1988).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن مسعود مرفوعا، وهو حسن، انظر الإيمان لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (ت 235)(45) تحقيق ناصر الدين الألباني المطبعة العمومية بدمشق وانظر مسند الإمام أحمد (4/ 286).

(4)

انظر الجواب الفائض للرد على الرائض تأليف سليمان بن سحمان مخطوطة بقسم المخطوطات بجامعة الرياض برقم (3413) الورقة (33).

(5)

رواه البخاري في باب التواضع، انظر فتح الباري (11/ 340).

ص: 199

وفي حديث آخر: «وإني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب» (1).

وقد جعل الله حب الصحابة، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين علامة، ودليلا من دلائل الإيمان، كما ذكر أن بغضهم وبغض من يقتدي بهم، وبمن اقتدوا به، من دلائل الكفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آية المنافق بغض الأنصار» «وآية المؤمن حب الأنصار» (2) وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«حب الأنصار آية الإيمان، وبغضهم آية النفاق» (3) وعن البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأنصار:«لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله» (4)، وفي حديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:«عهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق» (5).

ومعنى هذه الأحاديث، أن من عرف رتبة الأنصار، وما كان منهم في نصرة الإسلام والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين وقيامهم في مهمات الإسلام حق القيام وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وحبه إياهم وبذلهم أموالهم، وأنفسهم بين يديه، وقتالهم معه، ومعاداتهم سائر الناس، من غير المسلمين إيثارا للإسلام، ومن عرف فضل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب النبي صلى الله عليه وسلم له وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه: ثم أحب الأنصار وعليا لهذا كان ذلك من دلائل صحة إيمانه، وصدقه في إسلامه، لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن أبغضهم كان بضد ذلك واستدل ببغضه لهم على نفاقه وفساد سريرته (6) ويقاس على ذلك حب، أو بغض من سار

(1) انظر مجموعة التوحيد (483).

(2)

رواه مسلم انظر صحيح مسلم (1/ 85).

(3)

المصدر السابق نفس المكان.

(4)

المصدر السابق نفس المكان.

(5)

المصدر السابق (86).

(6)

المصدر السابق (85).

ص: 200

على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل فرس في أخيته يجول ثم يرجع إلى أخيته، وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان فأطعموا طعامكم الاتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين» (1) فهذا الحديث يدل على وجوب إعطاء المعروف لأهل الإيمان وأهل التقى الذين هم عون للمؤمن في الدنيا والآخرة.

وقد دلت بعض الأحاديث أن القطعية بين الأخوة المسلمين وعدم الموالاة في الله من علامات الساعة وأشراطها، فقد روي عن حذيفة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: «علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن أخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها، أن بين يديها فتنة وهرج» قالوا يا رسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة القتل، ويلقي بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدًا (2).

وهذا للأسف هو الحاصل بين عامة المسلمين في العصر الحاضر.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من حديث طويل أن من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعلنا هادين مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك وعدوا لأعدائك نحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالفك» (3).

ومما تقدم يتضح لنا بكل جلاء ووضوح، وجوب موالاة الله ورسوله والمؤمنين، موالاة وتوليا بالقول والفعل والاعتقاد، إذا كنا صادقين في انتسابنا إلى أمة الإسلام، فالحب في الله والبغض في الله أصل عظيم من

(1) انظر مسند أحمد (3/ 55).

(2)

مسند أحمد (5/ 389).

(3)

سنن الترمذي (5/ 148).

ص: 201

أصول الإيمان يجب على العبد مراعاته، ولهذا جاء في الحديث «المتقدم أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله

» الحديث.

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أصل دين الإسلام وقاعدته أمران:

الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والدعوة إلى ذلك والموالاة فيه، وتكفير من تركه قال تعالى:(إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ)[الممتحنة: 4].

الثاني: الإنذار عن الشرك، في عبادة الله، والتغليظ في ذلك، والمعادة فيه وتكفير من فعله (1).

ثم يقول جاء في الحديث الصحيح من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله (2) فقوله وكفره بما يعبد من دون الله، تأكيد للنفي، فلا يكون معصوما إلا بذلك، لأن شهادة أن لا إله إلا الله قيدت في الأحاديث بقيود ثقال، منها العلم، والإخلاص، والصدق واليقين وعدم الشك، وقبول ذلك ومحبته والمعاداة فيه والموالاة عليه (3) اهـ.

فمن والى الله ورسوله والمؤمنين، ولم يعاد المشركين، لم يصح إيمانه ولم يستقم إسلامه لأن عداوة الكفار واجبة، بالقدر الذي يجب فيه، موالاة الله ورسوله، والمؤمنين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه

(1) انظر مجموعة التوحيد (33، 34).

(2)

رواه مسلم: انظر صحيح مسلم (1/ 53).

(3)

انظر مجموعة التوحيد (35).

ص: 202

الله: الإخلاص محبة الله وإرادة وجهه فمن أحب الله أحب دينه وما لا فلا (1) اهـ.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: الواجب على كل عبد أن يعرف أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ووحد الله، لا يجوز له أن يواد من حاد الله، ورسوله، حتى يتوب المحاد من المحادة لله ورسوله (2) اهـ.

والدليل على ذلك، قوله تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة: 22] فإذا كان الله عز وجل قد نهى عن موادة الأب والابن والأخ والعشيرة، إذا كانوا كفارة فما بالك بمن يواد الكفار، الذين لا يرتبط بهم بنسب أو سبب مباح، وقال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله: في معرض شرحه لكلام الشيخ ابن القيم رحمه الله في باب التوبة، قال: يتبين لك أن الإسلام لا يستقيم إلا بمعاداة أهل الشرك، فإن لم يعادهم فهو منهم، وإن لم يفعل فعلهم (3).

ولأن محبة الله ومحبة الكفار، لا تجتمع في قلب مؤمن، حتى في حال الإكراه الملجئ الذي يعذر فيه الإنسان بالنطق في كلمة الكفر، لا يعذر الإنسان برضا القلب عنهم، لأنه إذا رضى بقلبه، فليس بعد ذلك في قلبه ذرة من إيمان.

وفي كتاب وقعه علماء مكة المكرمة، بعد فتحها، على يد سعود

(1) المصدر السابق (36).

(2)

المصدر السابق نفس المكان.

(3)

انظر مجموعة التوحيد (35).

ص: 203

ابن عبد العزيز بن محمد بن سعود قالوا فيه: ومن لم يدخل في هذا الدين ويعمل به، ويوالي أهله، ويعادي أعداءه، فهو عندنا كافر بالله واليوم الآخر، وواجب على إمام المسلمين جهاده وقتاله، حتى يتوب إلى الله مما هو عليه، ويعمل بهذا الدين (1) اهـ.

وقد وقع عليه أحد عشر عالما من علماء مكة الأجلاء ولكن للأسف الشديد أن كثيرًا من ولاة المسلمين المعاصرين، الذين فرض عليهم محاربة من يوالي الكفار، هم قد سبقوا غيرهم في ذلك فركنوا إلى الذين ظلموا واتخذوهم بطانة من دون المؤمنين.

يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: لا تضيعوا حظكم من الله وتحبوا دين اليهود والنصارى، على دين نبيكم، فما ظنكم بين واجه الله، وهو يعلم من قلبه أنه عرف التوحيد، وأنه يعلم، أنه دين الحق، وهو يبغضه ويبغض من أتى به، ويبغض من اتبعه، ويعرف أن دعوة غيره هي الكفر ولكن مع ذلك يحبه ويحب من اتبعه أتظنون أن الله يغفر لهذا (2).

إن الموالاة كما قلنا في التعريف الشرعي هي المحبة القلبية وما يترتب عليها من أقوال وأفعال.

والمحبة لغير الله شرك كما تقدم إيضاح ذلك، فإخلاص الموحد لله يقتضي الحب في الله، والبغض فيه، والمعاداة في الله، والموالاة فيه لأن العبد إذا أخلص لله في المحبة، أحب طاعته وأهل طاعته، وأبغض معصيته وأهل معصيته، على معاصيهم، فعلى قدر المحبة لله، تكون الموالاة بين المسلمين والمعاداة للكافرين (3).

(1) الدرر السنية (1/ 318).

(2)

انظر الدرر السنية (1/ 61)

(3)

انظر الدرر السنية (11/ 52).

ص: 204

والمحبة لله وفي الله ليست من قبيل محبة العوض فقط، بل هي أيضا إضافة لما يجده المسلمين في الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر محبة يجد المؤمن في قلبه وفعله آثارها الحسنة ونتائجها المحمودة في دار الدنيا قبل الآخرة، بخلاف محبة الأجير والعامل الذي يعمل لمحبة العوض فقط، أما حال العمل فلا يجد إلا التعب والضيق والنصب، وإنما يدفعه للعمل محبة العوض الذي ينتظره بعد تمام العمل.

حيث إن محبة الله وحده ومحبة ما يحبه الله، تنفق مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، فلا تعارض أو تناقض بين أمر الله به وبين ما هو مودع في نفس الإنسان من حب وبغض ولذلك كانت الموالاة في الله والمعاداة فيه ملة أبينا إبراهيم عليه السلام وهدى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:(وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ)[المائدة: 51] والموالاة في الله، هي سبب تناصر المسلمين فيما بينهم وتعاونهم على ما يحقق لهم العزة والكرامة في الدنيا والأآخرة.

وقد عد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من نواقض الإسلام العشرة: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين (1) مستدلا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[المائدة: 51].

وقد أجمع علماء الإسلام أن من لم يكفر المشركين أوشك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، أو اعتقد أن نظامهم أهدى وأفضل من هدي الله ورسوله، أو أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

(1) انظر مجموعة التوحيد (28).

ص: 205

ولو عمل به فهو كافر، لعدم استسلامه وانقياده انقيادا كاملا لله عز وجل (1) اهـ.

وعداوة الكفار أمر واجب على المسلم، ولو كان هذا الكافر من القرابة في النسب قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 23، 24].

فنهى سبحانه وتعالى في الآية الأولى، المؤمنين عن موالاة وموادة أقرب الناس إليهم إذا كانوا كفارا وبين أن الذي يتولى أباه أو أخاه الكافر، ظالم لنفسه، يحملها على محمل قد حرمه الله عليها فكيف بمن تولى الكافرين وهم أعداء له ولآبائه ولدينه؟ أفلا يكون هذا ظالما، بلى، والله إنه أظلم الظالمين وقد عرف العلماء الظلم، بأنه وضع الشيء في غير موضعه (2).

ثم بين في الآية الثانية أن هذه الأعذار الثمانية التي يعتذر بها المعتذرون لا تصح أن تكون عذرا في موالاة وموادة الكافرين فليس لأحد أن يواليهم، خوفا على أبيه، أو أخيه، أو بلاده أو ماله أو مركزه أو زوجته وأولاده فإن الله قد سد باب الأعذار بهذه الأمور ونحوها وعد من يعتذر بها من المنافقين قال تعالى:(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا)[الفتح: 11].

(1) الدرر السنية (2/ 176).

(2)

انظر مورد الظمآن لدروس الزمان تأليف عبد العزيز السلمان (3/ 105).

ص: 206

وقد يعترض معترض على أن هذه الآية والتي قبلها نزلت في شأن الجهاد فما علاقتهما بالموالاة والمعاداة، فنقول: إن علاقتهما بالموالاة والمعاداة من وجهين:

الأول: إذا كانت هذه الأعذار الثمانية المذكورة في الآية ليست عذرا في ترك الجهاد، الذي هو فرض كفاية في بعض أحواله، فكونها لا تكون عذرا، في ترك عداوة المشركين ومقاطعتهم بطريق الأولى.

الثاني: قوله تعالى: (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ)[التوبة: 24] فمحبة الله ورسوله، توجب إيثار عداوة المشركين ومن في حكمهم، ومقاطعتهم على هذه الثمانية، كما أن محبة الجهاد توجب إيثاره عليها (1).

وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أن المبغض لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كافر بالإجماع ولو عمل به (2)، ثم يقول في موضع آخر فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن يرد شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه مخالفا لهواه أو لما عليه أهل وقته، ومشايخه، فإن الكفر كما قال ابن القيم رحمه الله في نونيته:

فالكفر ليس سوى العناد ورد ما

جاء الرسول به لقول فلان

فانظر لعلك هكذا دون التي

قد قالها فتبوء بالخسران (3)

وقال تعالى: (إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73] اهـ.

(1) انظر مجموعة التوحيد (262).

(2)

انظر الرسائل الشخصية للشيخ محمد بن عبد الوهاب (230).

(3)

المصدر السابق (240).

ص: 207

أي إن لم تجانبوا المشركين، وتوالوا المؤمنين، وإلا وقعت الفتنة في الناس، وهو التباس الأمر، واختلاط المسلم بالكافر، على غير تمييز فيقع بذلك فساد عريض (1).

وفي رسالة بعث بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى عبد الله بن علي ومحمد بن جماز، يأمرهما بمخاطبة من لديهم، قال فيها: ولكن أخبروهم أن الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، لا يصير للرجل دين إلا بها، فلا ينفعهم ترك الشرك، ولا ينفعهم قول (لا إِلَهَ إِلا اللهُ) حتى يبغضوا لله (2).

وقال: أبلغوهم أن المعاداة ملة أبينا إبراهيم عليه السلام ونحن مأمورون في متابعته قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) إلى قوله تعالى: (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} (3).

ثم قال: واذكروا لهم إن الواجب على الرجل أن يعلم علياله وأهل بيته الحب في الله، والبغض في الله، والموالاة في الله، والمعاداة فيه، مثل تعليم الوضوء والصلاة، لأنه لا صحة لإسلام المرء، إلا بصحة الصلاة ولا صحة لإسلامه أيضا إلا بصحة الموالاة والمعاداة في الله (4)، وفي مسائل لخصها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، عن ابن تيمية رحمهما الله قوله: إن الحسنات أمور وجودية متعلقة بالرحمة والحكمة، لأنها إما فعل مأمور، أو ترك محظور، والترك أمر وجودي، فتركه لما عرف أنه ذنب، وكراهته له، ومنع نفسه منه، أمور وجودية، وإنما يثاب على الترك، على هذا الوجه، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم

(1) ملحق المصنفات مختصر تفسير سورة الأنفال للشيخ محمد بن عبد الوهاب (25)

(2)

الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب (322)

(3)

المصدر السابق نفس المكان.

(4)

الرسائل الشخصية محمد بن عبد الوهاب (323).

ص: 208

البغض في الله، من أوثق عرى الإيمان، وهو أصل الترك، وجعل المنع لله، من كمال الإيمان، وهو أصل الترك أيضا، فبراءة الخليل عليه السلام من قومه المشركين ومعبوداتهم ليست تركا محضا، بل صادرا عن بغض وعداوة لهم، لبغضهم ومعاداتهم لله (1). ثم يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب إن الله سبحانه وتعالى يحب عباده المؤمنين، فيريد الإحسان إليهم، وهم يحبونه فيريدون طاعته، وما من مؤمن إلا ويجد في قلبه محبة الله ورسوله والمؤمنين، والمحبة هذه تكون لكل محبوب بحسبه محبة الله هي الأساس، ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من محبة الله، ومحبة المؤمنين من محبة الله ومحبة رسوله، فإذا سمع المؤمن، من يسب أحد هؤلاء المحبوبين لديه، هان عليه ذلك الساب وانعقد القلب على عداوته، ومهاجرته، بل وجب السعي إلى إرجاعه إلى الحق أو محاربته على ذلك، خاصة إذا كان السب لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم لأن ذلك لا يصدر إلا عن كافر أو مرتد عن الإسلام (2) قال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ)[المجادلة: 22].

وعلى هذا فإن بغض الكفار واجب ومحبتهم ممتنعة، وعلى العكس من ذلك أهل الإيمان، فإن حبهم واجب وبغضهم ممتنع، يقول الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود رحمهم الله وهو من العلماء العاملين في رسالة بعث بها إلى بلاد العجم وبلاد الروم قال فيها: نحن لا نكفر إلا من عرف التوحيد وسبه وسماه دين الخوارج، وعرف الشرك وأحبه وأحب أهله ودعا إليه وحض الناس عليه، بعد ما قامت عليه الحجة، وإن لم يفعل الشرك أو فعله وسماه بغير اسمه، بعد ما عرف أن

(1) ملحق المصنفات للشيخ محمد بن عبد الوهاب (36).

(2)

انظر العقيدة الإسلامية، محمد بن عبد الوهاب (ص385).

ص: 209

الله حرمه، أو كره ما أنزل الله أو أبغض ما أنزل الله (1) قال تعالى:(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)[محمد: 9].

فنستنتج من ذلك، أن أكبر ذنب وأضله وأعظمه منافاة لأهل الإسلام الولاء لأعداء الله، من حب معاونة ومناصرة لهم على كفرهم، لأن من أنواع الشرك الرئيسة شرك المحبة والولاء (2) والشرك بأنواعه المتعددة من أعظم الذنوب قال تعالى:(إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء: 48] وشرك الولاء للأعداء يتخذ صورا متعددة منها السعي فيما يظهر به دين الكفار، وما هم عليه من باطل وشرك يضاف إلى ذلك انشراح الصدر لهم، وطاعتهم والثناء عليهم ومدح من دخل تحت أمرهم المنكر، وانضم إلى سلكهم وحرض على ترك جهادهم ومسالمتهم ودعا إلى عقد الأخوة معهم والطاعة لهم وتكثير سوادهم (3).

وقد روي عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ستكون أمراء من دخل عليهم فأعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولست منه، ولن يرد عليّ الحوض» (4).

وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على خصومة بظلم أو يعين على ظلم لم يزل في سخط الله تعالى حتى ينزع» (5).

(1) انظر الدرر السنية (1/ 145، 146).

(2)

انظر مقرر علم التوحيد للصف الثاني الثانوي بالمملكة العربية السعودية/ تأليف محمد قطب (1) سنة 396هـ، (36).

(3)

انظر الدرر السنية (11/ 80).

(4)

رواه أحمد، مسند أحمد (2/ 95).

(5)

رواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه (2/ 52) وانظر الحلية لأبي نعيم (5/ 74)(248).

ص: 210

وروي أيضا عن امرأة يقال لها فسيلة قالت: سمعت أبي قول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا «ولكن من العصبية أن يعين الرجل قومه على الظلم» (1).

ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله: إن الله افترض على المؤمنين عداوة المشركين من الكفار والمنافقين ومن حذا حذوهم، وقطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين وبين أن من تولى الكفار فهو منهم (2) قال تعالى:(وَمَنْ يَتَوَلهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)[المائدة: 51] وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) إلى قوله: (وَمَنْ يَتَوَلهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة: 1 - 9].

فنأخذ من تلك الآيات، أن موالاة الكافرين أمر عظيم، ومبدأ خطير وذلك مما عرضته الآيات من شدة النهي والزجر، مع صحابي علم الله واطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أن حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه فعل ذلك مع سلامة القصد، ويقين القلب بالإسلام، ولكن مع ذلك أنزل فيه آيات بينات ووقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثائرا يقول: يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقد نافق، فيرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يا عمر إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال:«اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (3). فأعطت الآيات التسع من أول سورة الممتحنة حجمًا عظيمًا لهذه الحادثة،

(1) رواه ابن ماجه المصدر السابق (2/ 463).

(2)

انظر مجموعة التوحيد (113).

(3)

تفسير القرطبي (18/ 50).

ص: 211

لكن لا تكون سابقة لمثلها، في هذا الدين، مع أنه كان يمكن أن تمر هذه الحادثة لو قدرناها باعتبارها حادثة فردية بطريق أسهل وأخف، من أن ينزل الله بها وحيا يتلى إلى قيام الساعة، ولكن إرادة الله ومشيئة هي التي قدرت لهذه الحادثة أن تكون، وأن تكشف فصاحب القصة هو أحد الأفراد القلة الذين استودعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سر هذه الغزوة ثم تدركه لحظة الضعف البشري، فيبوح بذلك السر، ويجري قدر الله وإعجازه، بكف ضرر هذه الحادثة، قبل تمامها، باطلاع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر (1) فيتحقق بذلك أمر الله في منع موالاة الكافرين ومودتهم، وبخاصة الذين يحاربون أهل الإسلام في دينهم وديارهم وأنفسهم حيث قال:(وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) أما لو رجعنا إلى الكتاب الذي بعث به حاطب بن أبي بلتعة، إلى قريش لوجدنا أن ما فيه من كلمات، تعتبر بمثابة حرب نفسية للكفار حيث يقول فيه: أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل، وأقسم بالله لو لم يسر إليكم إلا وحده لأظفره الله بكم، وأنجز له موعده فيكم، فإن الله وليه وناصره (2) ولكن نظرا إلى أن الأمر تم بتصرف فردي واجتهاد شخصي لمصلحة خاصة، اعتبر ذلك الأمر في غاية الخطورة والشدة، حيث إن في ذلك إذاعة لسر رسول الله صلى الله عليه وسلم وللجماعة المسلمة بدون مراجعتها وإقرارها لذلك.

فاعتبر ذلك انحيازا إلى الكفار وموالاة لهم، ولكن حاطب بن أبي بلعتعة رضي الله عنه قد استثنى من طائلة هذا التصرف وعفا الله عنه لاعتبارات تقدم ذكرها (3) وهي لا تنطبق على سواه، أما من يفعل ذلك

(1) انظر في ظلال القرآن (8/ 65، 66).

(2)

تفسير القرطبي (18/ 50) وانظر نيل الأوطار للشوكاني (8/ 156).

(3)

انظر (172) من هذه الرسالة.

ص: 212

من المسلمين بعده، فهو مرتكب لذنب عظيم وإثم كبير، إذا فعل ذلك لغرض دنيوي وكان سليم الاعتقاد، نحو الله ورسوله ودين الإسلام والمسلمين حيث إن حاطب رضي الله عنه أراد بعمله ذلك أن يتخذ يدا عند الكفار يحمون بها أبناءه وأهله، ولو ينو الردة عن الدين ومع ذلك وصف هذا العمل بالضلال قال تعالى:(وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)[االممتحنة: 1].

أما من فعل ذلك مع فساد النية وخبث الطوية فهو كافر مرتد (1) وهذا الحكم ينطبق على الذين يستدعون الكفار إلى بلاد المسلمين ثم يطيعونهم فيما يأمرون به من كفر وضلال، ويظهرون لهم الموافقة على دينهم الباطل، ويعينونهم عليه بالمال والرجال والسلاح، بينما يقطعون صلتهم بالمؤمنين خاصة والمسلمين عامة، وربما ناصبوا المسلمين العداء في أقوالهم وأفعالهم فهل يشك أحد في كفر هؤلاء وردتهم عن الإسلام؟ إن من يفعل ذلك يكون خارجا على منهج الله ومنهج رسوله، فإن كان حاكما سقطت ولايته وانحلت بيعته، ووجب عصيانه وعدم طاعته، وإن كان من أدعياء العلم، ثبت إلحاده وانحرافه وزندقته، وإن كان جاهلا، أو متهاونا ثبت ضلاله لعدم سعيه وسؤاله عما لا يعلم حيث إن الله تعالى يقول:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[الأنبياء: 7].

فكثير من مدعي الإسلام في عصرنا الحاضر داخلون تحت هذا لاحكم فالذين يصححون مذاهب الكفر ويعظمون أحزابه وينتمون إليها ويدعون لها، كفارا وإن اعتقدوا الإسلام أو زعم بعضهم بجهل أو تجاهل أن لا تعارض بين الإسلام وتلك الأحزاب.

(1) أحكام القرآن لابن القيم (4/ 1771).

ص: 213

فالذين ينادون بالشيوعية، أو الاشتراكية، أو يدعون إلى الأحزاب البعثية، أو القومية، أو العلمانية، أو الماسونية هؤلاء كفار وإن عاشوا بين المسلمين، وتسموا بأسماء أهل الإسلام، لأنهم لم يرضوا بالإسلام دينا، ولم يعتقدوا بكماله وتمامه، وإلا لم ينتموا ويدعوا إلى تلك الأحزاب الكافرة قال تعالى:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة: 3].

وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].

فالذين يوالون الكفار على تلك الصفات المتقدمة حكمهم الكفر، لأن هؤلاء الذين يوالون الكفار غالبا ما يكونون مبغضين لحكم الله ورسوله ودين الإسلام، معادين لأوليائه موالين لأعدائه، فهم والحالة هذه جمعوا بين سببين مكفرين:

الأول: تفضيل أحكام الكفار وأنظمتهم على حكم الله ورسوله.

الثاني: بغضهم لما جاء عن الله وعن رسوله من دين الإسلام فهم يحاولون تأويل النصوص الشرعية وتفسيرها حسبما يتفق مع أهوائهم ورغباتهم المنحرفة فهم وإن عملوا ببعض أحكام الإسلام فليسوا مسلمين بالمعنى الصحيح، لأنهم لم يستسلموا لله، وينقادوا له بالطاعة، ويذعنوا لأحكام الإسلام ففي أنفسهم حرج مما قضى الله به وشرع وهذا ينفي عنهم صفة الإيمان، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ

ص: 214

لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن وذمة ووقع فيه وأقره ودعا إليه، وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، أو نظيره أو شر منه، أو دونه فتنقض بذلك عرى الإسلام ويعود المعروف منكرا والمنكر معروفا، والبدعة سنة والسنة بدعة، ويكفر الرجل بمحض الإيمان وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع، ومن له بصيرة وقلب حي يرى ذلك عيانا والله المستعان (1) اهـ.

وقد رأى ذلك من قبلنا، ورأيناه في عصرنا الحاضرة بصورة لا مثيل لها فقد ابتلينا بجهلة يدعون علما بلا عمل، ويحملون شهادات كبيرة ولكنهم مع ذلك أشربت قلوبهم حب الشرك والبدع، وقلدوا اليهود والنصارى وأهل الوثنية حذو القذة بالقذة، فقد استحسنوا البدعة، وأنكروا التوحيد والسنة وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل وجهلوا أو تجاهلوا أن الله تعالى عقد الأخوة والموالاة والمحبة بين المؤمنين كلهم، ونهى عن موالاة الكافرين كلهم، من يهود ونصارى ومجوس، ومشركين وملحدين ومارقين ومرتدين، وغيرهم ممن ثبت في الكتاب والسنة والحكم بكفرهم، فعليهم وعلى أمثالهم ممن لم يصلوا إلى درجتهم أن يعلموا أن الله عز وجل، قد أوجب على كل مسلم محبة كل مؤمن موحد، تارك لجميع المكفرات الشرعية، وأن عليه موالاته ونصرته بنفسه، وماله، واعتقاده وكل من كان بخلاف ذلك من أهل الزيغ.

(1) مجموعة التوحيد (319، 320).

ص: 215

والإنحراف والضلال، فإنه يجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة والإمكان فما الولاء والبراء، إلا الحب والبغض في الله، وهما أصل الإيمان، فأصل الإيمان، أن تحب في الله أنبياءه، ورسله وأتباع رسله، وتبغض في الله، أعداءه، وأعداء رسله، وأعداء المؤمنين في كل زمان ومكان، وكل من حكم الشرع بتكفيره فإنه يجب تكفيره ومن لم يكفر من كفره الله ورسوله، فهو كافر مكذب لله ورسوله، وذلك إذا ثبت عنده كفره بدليل شرعي (1) اهـ.

وقد بين الله عز وجل في كتابه الكريم، وسنة رسوله المصطفى العظيم أن الناس في هذه الحياة قسمان لا ثالث لهما، حزب الله، وحزب الشيطان، وأمر المسلم أن ينضم إلى حزب الله، يحبه ويواليه ويناصره بجميع ما يملك، إن أراد أن يكون من جزب الله المفلحين، قال تعالى:(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ}. إلى قوله: (أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[المجادلة: 22] أما من ضل وانحرف، وشقي في دنياه وأخراه فهو الذي يتولى ويوالي حزب الشيطان، وحزب الشيطان يتخذ مظاهر متعددة وإشكالا مختلفة، ولكن يجمعها شيء واحد هو تعارضها مع الإسلام جملة وتفصيلا فكل حزب يتعارض مع الإسلام هو حزب الشيطان مهما أطلق عليه من أسماء براقة وألفاظ ممنمقة قال تعالى:(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المجادلة: 19] فيجب على المسلم أن يتعامل مع الناس، على أساس أن هناك من الناس من هم أولياء لله، ومنهم من هم أولياء للشيطان، وقد فرق الله بينهم بقوله تعالى في شأن أوليائه (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ

(1) انظر في هذا المعنى الفتاوى السعدية (1/ 98) عبد الرحمن بن سعدي

ص: 216

عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس: 62].

وقوله تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة: 257].

وقال تعالى عن أولياء الشيطان: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ)[الأعراف: 27].

وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[الأنعام: 121].

وقال تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ)[الكهف: 50] فإذا عرف الناس أن فيهم أولياء للرحمن، وأولياء للشيطان، فيجب على المسلم أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرق الرسول صلى الله عليه وسلم بينهما (1).

فأولياء الله لا تجوز معاداتهم أو محاربتهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» (2) .. الحديث

فيؤخذ من ذلك أن من كره من أحب الله خالف الله، ومن خالف الله عاذده، ومن عانده أهلكه الله.

وإذا ثبت ذلك في جانب المعاداة ثبت ضد ذلك في جانت الموالاة لأولياء الله، فمن والى أولياء الله أكرمه الله، ومن عاداهم عاداه الله.

قال الطوفي (3): لما كان ولي الله هو من تولى الله بالطاعة

(1) انظر مجموعة التوحيد (482).

(2)

رواه البخاري انظر فتح الباري (11/ 340).

(3)

هو سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري البغدادي الحنبلي ولد سنة (657) ونشأ نشأة العلماء فهو فقيه أصولي، مشارك في أنواع العلوم، ولد بقرية طوفي من أعمال بغداد، وتوفي في الخليل بفلسطين سنة (716) من تصانيفه الكثيرة بغية الشامل في أمهات المسائل في أصول الدين مختصر الحاصل في أصول الفقه، شرح مقامات الحريري في مجلدات الإكسير في قواعد التفسير مختصر الجامع الصحيح للترمذي.

انظر معجم المؤلفين عمر رضا كحالة (4/ 266).

ص: 217

والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة، وقد أجري الله العادة بأن عدو العدو صديق، وصديق العدو عدو، فعدو ولي الله، عدو الله ومن عادى إنسانا كان كمن حاربه، ومن حارب ولي الله كان كمن حارب الله (1) اهـ.

وفي الحديث إني لأثار لأوليائي كما يثأر الليث الحرب (2).

أي آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره لأن الله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[الحج: 38] فهذه كرامة من الله عز وجل للذين آمنوا به، ووالوه وأحبوه، وأحبوا ما يحب، وابغضوا ما يبغض ورضوا بما يرضى وسخطوا بما يسخط، وأمروا بما يأمر به، ونهوا عما نهى عنه، وأعطوا لمن يحب أن يعطي، ومنعوا من يحب أن يمنع، فمن أجل ذلك أحاطهم الله بعناية ورعايته قال تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}.

فمن لم يعاد الكافرين ويوال المسلمين فليس من حزب الله ولا من أهل ولايته، يقول الشاعر سليمان بن سحمان:

فمن لم يعاد المشركين ومن لم

يوال ولم يبغض ولم يتجنب

فليس على منهاج سنة أحمد

وليس على نهج قويم معرب (3)

(1) انظر فتح الباري (11/ 343).

(2)

انظر مجموعة التوحيد (383) ضمن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية.

(3)

عقود الجواهر المنضدة الحسان/ سليمان بن سحمان (248).

ص: 218

ويقول في موضع آخر:

ومن كان ذا حب لمولاه إنما

محبته للدين شرط فقيد

ومن لا فلا والحب لله إنما

يتم بحب الدين دين محمد

فعاد الذي عادى لدين محمد

ووال الذي والاه من كل مهتد

وأحبب رسول الله أكمل من دعا

إلى الله والتقوى وأكمل مرشد

أحب من الأولاد والنفس بل ومن

جميع الورى والمال من كل اتلد

واحبب لحب الله من كان مؤمنا

وأبغض لبغض الله أهل التمرد

وما الدين إلا الحب والبغض والولا

كذاك البراء من كل غاو ومعتد (1)

ويقول المجاهد مروان حديد (2) من قصيدة طويلة:

ومرضاة الإله بحرب كفر

وبغض الكفر في لحمي ودمي

فخلاصة القول في هذا المبحث إننا محتاجون إلى ولاية الله ونصرته وعونه لنا وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت موالاتنا في الله، ومعادالتنا فيه وأن من لم يوال في الله ويعاد فيه فليس بمسلم، وأنه لا عز لنا في الدنيا

(1) المصدر السابق (259).

(2)

ولد الشاعر المجاهد مروان حديد في مدينة حماة عام (1938) وعاش في أسرة عرفت بتمسكها بالإسلام تلقي العلم بمدارس حماة ومساجدها وبعد أن أتم دراسته الثانوية انتقل إلى مصر والتقى بكثير من علمائها، وعلى رأسهم الشيخ حسن البنا رحمه الله ثم بعد ذلك تخرج من كلية الزراعة مهندسا زراعيا، وعاد إلى سوريا داعية إلى الله، يزرع بدعوته الإيمان في القلوب المجدية، ولكن البعثيين الكفرة تصدوا له فاعتقلوه وقضى سنوات طويلة في سجن تدمر الصحراوي ثم خرج منه عام (1967) بعد الهزيمة المصطنعة التي سلم فيها الخائن النصيري هضبة الجولان لأخوانه اليهود، فتألم المجاهد مروان حديد لاستيلاء اليهود على القدس، وشكل مجموعة من الشباب المسلم واتخذوا قاعدة لهم في غور الأردن ينطلقون منها إلى قلب فلسطين، مجاهدين لليهود، فتأمر عليهم اليهود مع النصيريين الكفرة وعندما عاد مروان حديد إلى حماة داهمته القوات البعثية صباح اليوم الأول من شهر يوليو 1975م وصعدت روحه الطيبة إلى بارئها انظر شعراء الدعوة الإسلامية (5/ 95 - 97).

ص: 219

والآخرة إلا بالموالاة في الله التي تجعل المسلمين كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، ولا فوز لنا في الآخرة إلا بذلك، فمن والى الكفار فهو معهم دنيا وأخرى، قال تعالى:(إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[النساء: 140]، وقال تعالى:(بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا)[النساء: 139].

ص: 220