الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: مكان النار
أما مكانها فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (جهنم في الأرض السابعة). رواه أبو نعيم (1).
وخرج ابن منده عن مجاهد قال: (قلت لابن عباس رضي الله عنهما: أين النار؟ قال: تحت سبعة أبحر مطبقة) ......
وخرج ابن خزيمة، وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه:(إن الجنة في السماء، وإن النار في الأرض)(2). وابن أبي الدنيا عن قتادة: (كانوا يقولون: الجنة في السموات السبع، وإن جهنم في الأرضين السبع)(3). وفي حديث البراء في حق الكافر: ((يقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً)) (4) خرجه الإمام أحمد، وغيره وتقدم أول الكتاب بطوله.
وأخرج الإمام أحمد بسند فيه نظر عن يعلى بن أمية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((البحر هو جهنم)) فقالوا ليعلى: ألا تركبها. يعني: البحور. قال: ألا ترون أن الله يقول: نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف: 29]. لا والذي نفس يعلى بيده لا أدخلها أبداً حتى أعرض على الله عز وجل ولا يصيبني منها قطرة حتى ألقى الله عز وجل. (5)
قال الحافظ ابن رجب (6): (وهذا إن شئت فالمراد به أن البحار تفجر يوم القيامة فتصير بحراً واحداً، ثم يسجر ويوقد عليها فتصير ناراً، وتزاد في نار جهنم. وقد فسر قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير: 6] بنحو هذا). وقال ابن عباس: تسجر تصير ناراً. وفي رواية عنه: (تكون الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث الله عليها ريحاً دبورا فتنفخه حتى يرجع ناراً) رواه ابن أبي الدنيا، وابن أبي حاتم، وأخرجا عنه أيضاً في قوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [العنكبوت: 54]. قال: (هو هذا البحر فتنشر الكواكب فيه، وتكور الشمس والقمر فيه فيكون هو جهنم). وقال سيدنا علي رضي الله عنه ليهودي: (أين جهنم؟ قال: تحت البحر قال علي: صدق، ثم قرأ: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ)[التكوير: 6] رواه ابن أبي إياس.
وخرج ابن أبي حاتم عن أبي بن كعب رضي الله عنه في قوله: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ. قال: (قالت الجن للإنس: نأتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج)(7).
(1) رواه أبو نعيم في ((صفة الجنة)) (127).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في ((صفة النار)) (177).
(3)
رواه ابن أبي الدنيا في ((صفة النار)) (183).
(4)
رواه أبو داود (4753)، وأحمد (4/ 287)(18557)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (ص 119) وابن منده في ((الإيمان)) (398)، والحاكم (1/ 93)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1/ 355) (395). قال ابن منده: هذا إسناد متصل مشهور رواه جماعة عن البراء وهو ثابت على رسم الجماعة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وقال البيهقي: صحيح الإسناد، وقال الهيثمي (3/ 50): رجاله رجال الصحيح.
(5)
رواه أحمد (4/ 223)(17989). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 389): رواه أحمد ورجاله ثقات، وقال السيوطي في ((البدور السافرة)) (309): رجاله ثقات.
(6)
((التخويف من النار)) (ص: 47).
(7)
رواه ابن أبي الدنيا في ((الأهوال)) (23).
وفي سنن أبي داود عن ابن عمرو مرفوعاً: ((لا يركب البحر إلا حاجاً، أو معتمراً، أو غازياً في سبيل الله فإن تحت البحر ناراً، وتحت النار بحراً)) (1). وروي عن ابن عمر مرفوعاً: ((إن جهنم محيطة بالدنيا، وإن الجنة من ورائها فلذلك كان الصراط على جهنم طريقا إلى الجنة)) (2). قال الحافظ ابن رجب: (هذا حديث غريب منكر)(3).
وقيل: إن النار في السماء. وخرج الإمام أحمد عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أتيت بالبراق فلم نزايل طرفه أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، وفتح لنا أبواب السماء، ورأيت الجنة والنار)) (4).
وخرج عنه أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم:((رأيت ليلة أسري بي الجنة والنار في السماء فقرأت هذه الآية: وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ [الذاريات: 22] فكأني لم أقرأها قط)) (5).
ولا حجة في هذا ونحوه على أن النار في السماء لجواز أن يراها في الأرض وهو في السماء، وهذا الميت يرى وهو في قبره الجنة والنار وليست الجنة في الأرض، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رآهما وهو في صلاة الكسوف وهو في الأرض، وفي بعض طريق حديث الإسراء عن أبي هريرة أنه مر على أرض الجنة والنار في مسيره إلى بيت المقدس (6). ولم يدل شيء من ذلك على أن الجنة في الأرض، فحديث حذيفة إن ثبت فيه أنه رأى الجنة والنار في السماء، فالسماء ظرف للرؤية لا للمرئي أي: رأيت الجنة والنار حال كوني في السماء، يعني: صدرت الرؤيا مني وأنا في السماء، ولا تعرض في الحديث للمرئي فتأمل. البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني - بتصرف – 3/ 1313
وعن عبد الله ابن سلام قال: (إن أكرم خليفة لله أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وإن الجنة في السماء)(7) أخرجه أبو نعيم، وعنده أيضاً عن ابن عباس ((أن الجنة في السماء السابعة)) ويجعلها الله تعالى حيث شاء يوم القيامة، ((وجهنم في الأرض السابعة)) (8) وعن ابن مسعود رضي الله عنه:((الجنة في السماء الرابعة، فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء، والنار في الأرض السابعة فإذا كان يوم القيامة جعلها الله حيث شاء)) (9) أخرجه ابن مندة (10).
وقال مجاهد: قلت لابن عباس: (أين الجنة؟ قال: فوق سبع سموات، قلت: فأين النار؟ قال: تحت سبعة أبحر مطبقة)(11) رواه ابن منده، قال الشوكاني في فتح القدير: والأولى الحمل على ما هو الأعم من هذه الأقوال، فإن جزاء الأعمال مكتوب في السماء، والقدر، والقضاء ينزل منها، والجنة والنار فيها. انتهى.
…
(1) رواه أبو داود (2489). وسكت عنه، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/ 18).
(2)
رواه الخطيب في ((تاريخ بغداد)) (2/ 291). قال ابن رجب في ((التخويف من النار)) (76): غريب منكر، وقال ابن حجر في ((لسان الميزان)) (2/ 359): هذا منكر جداً محمد بن حمزة واه.
(3)
((التخويف من النار)) (ص: 48).
(4)
رواه الترمذي (3147)، وأحمد (5/ 392)(23380)، وابن حبان (1/ 233)(45)، والحاكم (2/ 391). قال الترمذي: حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وحسن إسناده الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (874).
(5)
روي ذلك من قول مجاهد والضحاك وسفيان كما في ((تفسير الطبري)) (26/ 206) والعظمة لأبي الشيخ (4/ 1261).
(6)
((التخويف من النار)) (ص: 49).
(7)
رواه أبو نعيم في ((صفة الجنة)) (126).
(8)
رواه أبو نعيم في ((صفة الجنة)) (127).
(9)
رواه أبو نعيم في ((صفة الجنة)) (129).
(10)
ذكره ابن القيم بإسناده عنه (44) و ((لوامع الأنوار البهية)) (ص: 237).
(11)
ذكره ابن القيم بإسناده (44) و ((لوامع الأنوار)) (ص: 237).
والحاصل أن الجنة فوق السماء السابعة، وسقفها العرش، وأن النار في الأرض السابعة على الصحيح المعتمد وبالله التوفيق) انتهى (1).
…
قال السيوطي في (إتمام الدراية شرح النقاية): (ونقف عن النار، أي نقول فيها بالوقف، أي محلها حيث لا يعلمه إلا الله، فلم يثبت عندي حديث أعتمده في ذلك، وقيل: تحت الأرض لما روى ابن عبد البر وضعفه من حديث ابن عمر مرفوعاً ((لا يركب البحر إلا غاز أو حاج، أو معتمر، فإن تحت البحر ناراً)) (2) ...... وقيل: هي على وجه الأرض لما روى وهب أيضاً قال: (قال: أشرف ذو القرنين على جبل قاف فرأى تحته جبالاً صغاراً – إلى أن قال – يا قاف، أخبرني عن عظمة الله، فقال: إن شأن ربنا لعظيم. إن ورائي أرضاً مسيرة خمسمائة عام في خمسمائة عام، من جبال ثلج، يحطم بعضها بعضاً ولولا هي لاحترقت من جهنم).
وروى الحارث بن أسامة في مسنده عن عبد الله بن سلام قال: (الجنة في السماء والنار في الأرض) وقيل: محلها في السماء). انتهى كلام السيوطي ومثله في التذكرة للقرطبي قال: (فهذا يدل على أن جهنم على وجه الأرض والله أعلم بموضعها، وأين هي من الأرض). انتهى.
وقال الشيخ أحمد ولي الله المحدث الدهلوي في عقيدته: (ولم يصرح نص بتعيين مكانهما بل حيث شاء الله تعالى إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه)، انتهى.
أقول وهذا القول أرجح الأقوال وأحوطها إن شاء الله تعالى. يقظة أولى الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار لصديق حسن خان- بتصرف– ص: 23
(1)((لوامع الأنوار البهية)) (ص: 239).
(2)
((التمهيد)) (1/ 239 - 240).