الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم
إن طعام أهل النار هوالضريع والزقوم، وشرابهم الحميم والغسلين والغساق، قال تعالى: لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَاّ مِن ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِن جُوعٍ [الغاشية: 6 - 7]، والضريع شوك بأرض الحجاز يقال له الشبرق. وعن ابن عباس: الشبرق: نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، فإذا هاج سمي ضريعاً. وقال قتادة: من أضرع الطعام وأبشعه. وهذا الطعام الذي يأكله أهل النار لا يفيدهم، فلا يجدون لذة، ولا تنتفع به أجسادهم، فأكلهم له نوع من أنواع العذاب. وقال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان: 43 - 46] وقد وصف شجرة الزقوم في آية أخرى فقال: أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإٍلَى الْجَحِيمِ [الصافات: 62 - 68]. وقال في موضع آخر: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ [الواقعة: 51 - 56]. ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك آلاماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد: 15]. هذه هي ضيافتهم في ذلك اليوم العظيم، أعاذنا الله من حال أهل النار بمنه وكرمه. وإذا أكل أهل النار هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه وفساده إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل: 12 - 13]، والطعام ذو الغصة هو الذي يغص به آكله، إذ يقف في حلقه. ومن طعام أهل النار الغسلين، قال تعالى: فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلَاّ مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلَاّ الْخَاطِؤُونَ [الحاقة: 35 - 37]، وقال تعالى: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَساقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص: 57 - 58]. والغسلين والغساق بمعنى واحد، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد، وقيل: ما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم، وقال القرطبي: هو عصارة أهل النار. وقد أخبر الحق أن الغسلين واحد من أنواع كثيرة تشبه هذا النوع في فظاعته وشناعته.
أما شرابهم فهو الحميم، قال تعالى: وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد: 15]، وقال: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنا أَعْتَدْنَا لِلظالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [الكهف: 29]، وقال: وَيُسْقَى مِن ماء صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:16 - 17]، وقال: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَساقٌ [ص: 57].
وقد ذكرت هذه الآيات أربعة أنواع من شراب أهل النار:
الأول: الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهي حره، كما قال تعالى: يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن: 44]، والـ (آن): هو الذي انتهى حره، وقال: تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية:5]، وهي التي انتهى حرها فليس بعدها حر.
النوع الثاني: الغساق
…
النوع الثالث: الصديد، وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده، وفي (صحيح مسلم) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إن على الله عهداً لمن شرب المسكرات ليسقيه طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار)) (1).
الرابع: المهل وقال ابن عباس: في تفسير المهل: ((غليظ كدردي الزيت)) (2). الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر- ص87
وأما لباس أهل النار فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أنه يُفصّل لأهل النار حلل من النار، كما قال تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج: 19]. وكان إبراهيم التيمي إذا تلا هذه الآية يقول: سبحان من خلق من النار ثياباً. وقال تعالى: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النارُ [إبراهيم: 48 - 49]. والقطران: هو النحاس المذاب. وفي (صحيح مسلم) عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب)). (3) وخرجه ابن ماجه ولفظه: ((النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع الله لها ثياباً من قطران ودرعاً من جرب)) (4). الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر- ص91
(1) رواه مسلم (2002).
(2)
رواه الطبري في ((تفسيره)) (22/ 44).
(3)
رواه مسلم (934).
(4)
رواه ابن ماجه (1581). بلفظ: (ودرعاً من لهب) بدلاً من (ودرعا من جرب). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/ 45): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.