الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن: شدة حرها وعظم دخانها وشرارها، وزمهريرها
قال الله تعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لَاّ بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41 - 44]
قال ابن عباس: (من دخان) وكذا قال مجاهد وعكرمة وغير واحد (1)، وعن مجاهد قال:(ظل من دخان جهنم وهو السموم)(2) وقال أبو مالك: (اليحموم ظل من دخان جهنم)(3) قال الحسن وقتادة في قوله: لَاّ بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ: (لا بارد المدخل ولا كريم المنظر)(4)، والسموم: هو الريح الحارة، قاله قتادة وغيره (5).
وهذا الآية تضمنت ذكر ما يتبرد به في الدنيا من الكرب والحر، وهو ثلاثة، الماء، والهواء، والظل، فهواء جهنم، السموم وهو الريح الحارة الشديدة الحر، وماؤها الحميم الذي قد اشتد حره، وظلها اليحموم، وهو قطع دخانها أجارنا الله من ذلك كله بكرمه ومنه.
وقال تعالى: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ [المرسلات:30]، قال مجاهد:(هو دخان جهنم: اللهب الأخضر، والأسود، والأصفر الذي يعلو النار إذا أوقدت).
قال السدي: في قوله: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] قال: (زعموا أن شررها ترمي به كأصول الشجر ثم يرتفع فيمتد).
وقال القرظي: (على جهنم سور، فما خرج من وراء سورها يخرج منها في عظم القصور، ولون القار)(6).
وقال الحسن والضحاك في قوله: كَالْقَصْرِ: (هو كأصول الشجر العظام)(7).
وقال مجاهد: (قطع الشجر والجبل)(8).
وصح عن ابن مسعود قال: (شرر كالقصور والمدائن)(9). وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: (بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ يقول: كالقصر العظيم)(10).
وفي (صحيح البخاري) عن ابن عباس قال: (كنا نرفع من الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل، نرفعه للشتاء نسميه القصر)(11).
وقوله: كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ قال ابن عباس: (حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض تكون كأوساط الرجال)(12) وقال مجاهد: (هي حبال الجسور)(13). وقالت طائفة: (هي الإبل) منهم الحسن وقتادة والضحاك (14) وقالوا: (الصفر هي السود). وروي عن مجاهد أيضاً (15).
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: جِمَالَتٌ صُفْرٌ قال: (يقول قطع النحاس)(16).
(1)((تفسير الطبري)) (23/ 129 - 130).
(2)
((تفسير القرطبي)) (17/ 213).
(3)
((المحرر الوجيز)) لابن عطية (5/ 222)، ((تفسير البحر المحيط)) لأبي حيان الأندلسي (8/ 157).
(4)
((زاد المسير)) لابن الجوزي (8/ 144) عن ابن عباس رضي الله عنه.
(5)
((تفسير البحر المحيط)) لأبي حيان (5/ 440).
(6)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 137).
(7)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 138).
(8)
((تفسير الطبري)) (24/ 137)، ((تفسير السمعاني)) (6/ 131).
(9)
((الكشف والبيان)) للثعلبي (10/ 110).
(10)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 137).
(11)
رواه البخاري (4932).
(12)
رواه البخاري (4933).
(13)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 140 - 141).
(14)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 140).
(15)
((تفسير الطبري)) (24/ 139 - 140).
(16)
رواه الطبري في تفسيره (24/ 141).
قال الله عز وجل: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ [الرحمن:35] قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ ويقول: لهب النار وَنُحَاسٌ يقول: دخان النار)(1)، وكذا قال سعيد بن جبير وأبو صالح وغيرهما: أن النحاس دخان النار (2)، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس: شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ قال: (دخان)(3)، وقال أبو صالح:(الشواظ: اللهب الذي فوق النار ودون الدخان)(4)، قال منصور عن مجاهد:(الشواظ، هو اللهب الأخضر المتقطع) وعنه قال: (الشواظ قطعة من النار فيها خضرة)(5).
قال الحسين بن منصور: أخرج الفضيل بن عياض رأسه من خوخة، فقال منصور عن مجاهد: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ [الرحمن:35] ثم أدخل رأسه فانتحب ثم أخرج رأسه، فقال: هو اللهب المنقطع، ولم يستطع أن يجيز الحديث (6).
وخرج النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف امرئ أبداً)) (7) التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار لابن رجب - ص: 110 – 112
أما حرها فقال تعالى: وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: 81] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا فنفسني، فأذن لها في نفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف فأشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها)) (8).
وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ناركم هذه ما يوقد ابن آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم)) قالوا: والله إن كانت لكافية قال: ((إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها)) (9).
وخرجه الإمام أحمد وزاد فيه: ((وضربت بالبحر مرتين، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد)) (10) وتقدم.
(1) رواه الطبري في تفسيره (23/ 47).
(2)
((تفسير الطبري)) (23/ 47).
(3)
رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (ص: 3270).
(4)
((تفسير ابن كثير)) (7/ 497).
(5)
((تفسير الطبري)) (23/ 46)، و ((تفسير ابن كثير)) (7/ 497).
(6)
لم أقف عليه.
(7)
رواه الترمذي (1633)، والنسائي (6/ 12)، وأحمد (2/ 505)(10567)، والحاكم (4/ 288). قال الترمذي: حسن صحيح، والحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 117).
(8)
رواه البخاري (537)، ومسلم (617).
(9)
رواه البخاري (3265)، ومسلم (2843).
(10)
رواه أحمد (2/ 244)(7323). قال ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (4/ 129): إسناده صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (3666).
وخرج الإمام عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن النار هذه جزء من مائة جزء من جهنم)) (1) وروى الطبراني: ((أن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثك بالحق لو أن قدر ثقب إبرة فتح من جهنم لمات من في الأرض كلهم جميعاً من حره)) (2).
قال الحافظ (3): (وروي عن الحسن مرسلاً من وجه ضعيف، والحديث تكلم فيه والله تعالى أعلم).
وقال كعب الأحبار رحمه الله لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من حرها.)
وقال عبد الملك بن عمير: (لو أن أهل النار كانوا في نار الدنيا لقالوا فيها).
وقال بشير بن منصور: قلت لعطاء السلمي رحمه الله: (لو أن إنساناً أوقدت له نار وقيل له: من دخل هذه النار نجا من النار، فقال عطاء: لو قيل لي ذلك لخشيت أن تخرج نفسي فرحاً قبل أن أقع فيها)(4).
فإن قلت قد ذكرت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((أن هذه النار جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)) (5) وفي حديث آخر ((من مائة جزء)) (6) وكلا الحديثين ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
قلت: لفظة سبعين وسبعمائة وسبعة آلاف ونحوها كثيراً ما يراد به التكثير كقوله تعالى: إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ [التوبة: 80] وهذا كثير جداً في كلام العرب أو يقال: إن هذين الحديثين وردا بحسب اختلاف النارين اللتين من نار الدنيا، وكل أحد يشاهد أن بعض نار الدنيا أقوى وأشد حر من بعض، هذا معلوم بالحس لا ينكره أحد والله تعالى أعلم.
وأما زمهريرها
فروي أن بيتاً في جهنم يتميز فيه الكافر من برده يعني يتقطع ويتمزع وقال مجاهد: (إن في النار لزمهريراً يقيلون فيه، يهربون إلى ذلك الزمهرير فإذا وقعوا حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر)(7).
وعن عبد الملك بن عمير أنه قال: (بلغني أن أهل النار يسألون خازنها أن يخرجهم إلى حَبَّانها فأخرجهم فقتلهم البرد حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوا من البرد)(8).
وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن كعباً رضي الله عنه قال: (إن في جهنم برداً هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم)(9). البحور الزاخرة في علوم الآخرة لمحمد بن أحمد السفاريني – 3/ 1343
(1) رواه أحمد (2/ 379)(8910)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 337). وقال: رواته رواة الصحيح، وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (2/ 123): إسناده على شرط مسلم، وفي لفظه غرابة، وصحح إسناده السيوطي في ((البدور السافرة)) (323).
(2)
رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/ 89)(2583). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 389): فيه سلام الطويل وهو مجمع على ضعفه، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) (5401): موضوع.
(3)
((التخويف من النار)) (ص: 94).
(4)
((التخويف من النار)) (ص: 93 - 95).
(5)
رواه البخاري (3265)، ومسلم (2843).
(6)
رواه أحمد (2/ 379)(8910)، والمنذري (4/ 337). وقال: رواته رواة الصحيح، وقال ابن كثير في ((نهاية البداية والنهاية)) (2/ 123): إسناده على شرط مسلم، وفي لفظه غرابة، وصحح إسناده السيوطي في ((البدور السافرة)) (323).
(7)
رواه ابن أبي الدنيا في ((صفة النار)) (152).
(8)
رواه ابن أبي الدنيا في ((صفة النار)) (151).
(9)
رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 370).