الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصل العاشر: أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب ولازمة لها
قال ابن القيم عن أعمال القلوب -: (هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبع ومكملة ومتممة، وأن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها)(1).
وقال شيخ الإسلام: (ثم القلب هو الأصل، فإذا كان فيه معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة، لا يمكن أن يتخلف البدن عما يريده القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت، فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (2).
وقال أبو هريرة: القلب ملك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده.
فإذا كان القلب صالحاً بما فيه من الإيمان علماً وعملاً قلبياً لزم ضرورة صلاح الجسد بالقول الظاهر والعمل بالإيمان المطلق، كما قال أئمة أهل الحديث: قول وعمل، قول باطن وظاهر، وعمل باطن وظاهر، والظاهر تابع للباطن لازم له، متى صلح الباطن صلح الظاهر، وإذا فسد فسد) (3).
وقال – أيضا -: (
…
وشرح حديث جبريل الذي فيه بيان أن الإيمان أصله في القلب، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((الإسلام علانية، والإيمان في القلب)) (4)، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:((ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (5). فإذا كان الإيمان في القلب، فقد صلح القلب، فيجب أن يصلح سائر الجسد، فلذلك هو ثمرة ما في القلب؛ فلهذا قال بعضهم: الأعمال ثمرة الإيمان.
وصحته – أي الجسد – لما كانت لازمة لصلاح القلب دخلت في الاسم، كما نطق بذلك الكتاب والسنة في غير موضع) (6).
وقال – أيضاً -: (وفصل الخطاب في هذا الباب: أن اسم الإيمان قد يذكر مجرداً، ويذكر مقروناً بالعمل أو بالإسلام)(7).
(1)((بدائع الفوائد)) (3/ 224).
(2)
رواه البزار في مسنده (1/ 488)(3267)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (1/ 235) (382). والحديث في الصحيحين بلفظ:((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). رواه البخاري (52)، ومسلم (4178). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(3)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 187).
(4)
رواه أحمد (3/ 134)(12404)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 301)(2923)، وابن أبي شيبة (11/ 11) (30955). من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (6/ 353): غير محفوظ. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 57): رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه، والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون. والحديث ضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (2280).
(5)
رواه البزار في مسنده (1/ 488)(3267)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (1/ 235) (382). والحديث في الصحيحين بلفظ:((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). رواه البخاري (52)، ومسلم (4178). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(6)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/ 39).
(7)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/ 271).
فإذا ذكر مجرداً تناول الأعمال؛ كما في الصحيحين: ((
…
الإيمان بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (1)، وفيهما أنه قال لوفد عبدالقيس:((آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم)) (2).
وإذا ذكر مع الإسلام – كما في حديث جبريل أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان – فرق بينهما، فقال: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
…
)) إلى آخره (3).
وفي المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام علانية، والإيمان في القلب)) (4) فلما ذكرهما جميعاً، ذكر أن الإيمان في القلب، والإسلام ما يظهر من الأعمال.
وإذا أفرد الإيمان أدخل فيه الأعمال الظاهرة، لأنها لوازم ما في القلب؛ لأنه متى ثبت الإيمان في القلب والتصديق بما أخبر به الرسول وجب حصول مقتضى ذلك ضرورة، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، فإذا ثبت التصديق في القلب لم يتخلف العمل بمقتضاه ألبتة، فلا تستقر معرفة تامة ومحبة صحيحة، ولا يكون لها أثر في الظاهر.
ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء [المائدة: 81].
وقوله: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة: 22] ونحوها.
(1) رواه البخاري (9)، ومسلم (162). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (1334)، ومسلم (124). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
رواه البخاري (50)، ومسلم (106). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه أحمد (3/ 134)(12404)، وأبو يعلى في مسنده (5/ 301)(2923)، وابن أبي شيبة (11/ 11) (30955). من حديث أنس رضي الله عنه. قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (6/ 353): غير محفوظ. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 57): رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه، والبزار باختصار، ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي بن مسعدة، وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون. والحديث ضعفه الألباني في ((ضعيف الجامع)) (2280).
فالظاهر والباطن متلازمان، لا يكون الظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن فلا بد أن يستقيم الظاهر؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:((ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)) (1)، وقال عمر لمن رآه يعبث في صلاته:(لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)(2).
وفي الحديث: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه)) (3).
ولهذا كان الظاهر لازماً للباطن من وجه، وملزوماً له من وجه، وهو دليل عليه من جهة كونه ملزوماً لا من جهة كونه لازماً، فإن الدليل ملزوم المدلول، يلزم من وجود الدليل وجود المدلول، ولا يلزم من وجود الشيء وجود ما يدل عليه، والدليل يطرد ولا ينعكس بخلاف الحد فإنه يطرد وينعكس) (4). براءة أهل الحديث والسنة من بدعة المرجئة لمحمد بن سعيد الكثيري – ص: 126
(1) رواه البزار في مسنده (1/ 488)(3267)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (1/ 235) (382). والحديث في الصحيحين بلفظ:((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)). رواه البخاري (52)، ومسلم (4178). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(2)
لم أقف عليه من قول عمر رضي الله عنه، ولكن وقفت عليه من قول سعيد المسيب؛ رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص: 419)، وعبدالرزاق (2/ 266)(3308)، وابن أبي شيبة (2/ 289)(6854)، والبيهقي معلقاً (2/ 285) (3365). والحديث روي مرفوعاً؛ حيث رواه الحكيم الترمذي في ((نوادر الأصول)) (3/ 210) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال العراقي في ((المغني)) (1/ 105): سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (910): فالحديث موضوع مرفوعا، ضعيف موقوفا بل مقطوعا، ثم وجدت للموقوف طريقا آخر؛ فقال أحمد في ((مسائل ابنه صالح)) (ص: 83): حدثنا سعيد بن خثيم قال حدثنا محمد بن خالد عن سعيد بن جبير قال: نظر سعيد إلى رجل وهو قائم يصلي
…
إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد، يشهد لما تقدم عن العراقي أن الحديث معروف عن ابن المسيب. اهـ.
(3)
رواه أحمد (3/ 198)(13071)، وابن أبي الدنيا في ((الصمت)) (9)، والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (442). من حديث أنس رضي الله عنه. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 213): رواه أحمد وفي إسناده علي بن مسعدة وثقه جماعة وضعفه آخرون. وقال العراقي في ((المغني)) (2/ 767): رواه ابن أبي الدنيا في ((الصمت)) والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) بسند فيه ضعف. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2841): رجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي وهو حسن الحديث.
(4)
((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/ 272 - 273).