الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الأدلة على وجوب الإيمان بالقدر
الفرع الأول: الأدلة العامة من القرآن الكريم على وجوب الإيمان بالقدر
الأدلة العامة من القرآن الكريم على وجوب الإيمان بالقدر: وردت في كتاب الله تعالى آيات تدل على أن الأمور تجري بقدر الله تعالى وعلى أن الله تعالى علم الأشياء وقدرها في الأزل، وأنها ستقع على وفق ما قدرها الله سبحانه وتعالى ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]
…
2 -
وقوله تعالى سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب:38](أي قضاء مقضياً، وحكماً مبتوتاً، وهو كظل ظليل، وليل أليل، وروض أريض في قصد التأكيد)(1).
3 -
وقوله تعالى عن موسى عليه السلام: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى [طه: 40] أي أنه جاء موافقاً لقدر الله تعالى وإرادته على غير ميعاد (2).
4 -
وقوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات: 21 - 23]. أي: جعلنا الماء في مقر يتمكن فيه وهو الرحم مؤجلاً إلى قدر معلوم قد علمه الله سبحانه وحكم به، فقدرنا على ذلك فنعم القادرون نحن، أو: فقدرنا ذلك تقديراً فنعم المقدرون له نحن – على قراءتين- (3) والقراءة الثانية (قدّرنا) بالتشديد توافق قوله تعالى: مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ [عبس:19].
فهذه الآيات تفيد الإخبار عن قدر الله الشامل لكل شيء، وأخبار القرآن مقطوع بها. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود -بتصرف- ص: 39
الفرع الثاني: الأدلة العامة من السنة النبوية على وجوب الإيمان بالقدر
دلت نصوص السنة على وجوب الإيمان بالقضاء والقدر، والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جداً، ولكن نعرض لبعضها،
…
فمنها:
1 -
حديث جبريل المشهور – برواياته المختلفة (4).
2 -
حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه)) (5) ، فنفى الإيمان حتى يؤمن العبد بالقدر وأن ما يجري عليه إنما هو بقدر من الله لا يتغير أبداً، ونفي الإيمان عمن لم يؤمن بالقدر يدل على وجوبه.
(1)((فتح البيان في مقاصد القرآن)) تفسير صديق حسن خان (7/ 375).
(2)
انظر: ((تفسير ابن كثير)) (5/ 287).
(3)
انظر: ((تفسير القرآن الجليل)) للنسفي (5/ 308)، و ((فتح البيان)) (10/ 190 - 191)، وانظر بالنسبة للقراءات وتوجيهها في الآية:((حجة القراءات)) لأبي زرعة عبدالرحمن بن نجلة (ص: 743 - 744) تحقيق سعيد الأفعاني.
(4)
الحديث رواه مسلم (8)، ورواه أبو داود (4695)، والترمذي (2610)، وابن ماجه (63)، وأحمد (1/ 51)(367)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 528)(11721)، وابن خزيمة (4/ 127)(2504)، وابن حبان (1/ 389)(168)، والبيهقي (10/ 203)(20660). من حديث عمر رضي الله عنه.
(5)
رواه الترمذي (2144). وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
3 -
حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر)) (1)
فالمراد بالحديث نفي أصل الإيمان عن من لم يؤمن بهذه الأربع: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله، ويؤمن بالموت: أي فناء الدنيا، أو المراد: اعتقاد أن الموت يحصل بأمر الله لا بفساد المزاج كما يقول الطبائعيون، ويؤمن بالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر، وأن كل ما يجري بقدر الله تعالى وقضائه، ونفي أصل الإيمان عمن لم يؤمن بهذه الأمور يدل على وجوب الإيمان بها.
4 -
حديث طاوس قال: أدركت أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: ((كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو الكيس والعجز)) (2)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:((جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:48 - 49])) (3) وهذان الحديثان يدلان على التصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شيء، حتى أن العاجز قد قدر عجزه، والكيس قد قدر كيسه، فكل ذلك مقدر في الأزل، معلوم لله مراد له، وهذا يدل على وجوب الإيمان بالقدر.
5 -
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال: لا إله إلا الله، ولا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار)) (4) فإذا كان الإيمان بالأقدار من أصل الإيمان فيجب الإيمان به.
6 -
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من التكذيب بالقدر، وذلك في الحديث الذي رواه أبو الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر)) (5) ولا شك أن هذه الأمور المنفي دخول الجنة بسببها متفاوتة وأعظمها التكذيب بالقدر، فالتصديق بالقدر واجب وسبب لدخول الجنة. القضاء والقدر لعبدالرحمن بن صالح المحمود - بتصرف- ص: 40
(1) رواه الترمذي (2145)، وابن ماجه (81)، وأحمد (1/ 97)(758)، والحاكم (1/ 87). وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1/ 100) كما قال ذلك في المقدمة، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (2/ 111)، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه).
(2)
رواه مسلم (2655) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً.
(3)
رواه مسلم (2656) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه أبو داود (2532)، والبيهقي (9/ 156)(18261)، وسعيد بن منصور (2/ 176)(2367)، وأبو يعلى (7/ 287)(4311)، والديلمي (2/ 86) (2465). قال البيهقي في ((الاعتقاد)) (220): له شواهد، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (1/ 83) كما قال في المقدمة.
(5)
رواه أحمد (6/ 441)(27524)، والبزار (10/ 45)، وابن أبى عاصم (1/ 141)(321)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (7/ 203). قال البزار: إسناده حسن، وقال الهيثمي: فيه سليمان بن عتبة الدمشقي وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه ابن معين وغيره، وصحح إسناده أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 320)، وحسنه الألباني في ((كتاب السنة)) (321)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1048).