الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: تعريف الكوثر اصطلاحا
أما تعريفه في الاصطلاح، فهو حسب مفهوم تعريفات العلماء له – على ضوء ما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه: نهر في الجنة، أعطاه الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم زيادة في إكرامه ولطفه به وبأمته. وهو متصل بالحوض الذي هو في الموقف – كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الحوض، وكما سيأتي إيضاحه أيضا.
وقد فسر الكوثر بأنه نهر في الجنة، كما جاء في حديث أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها أنه قال:((سألتها عن قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1] قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم، شاطئاه عليه در مجوف آنيته كعدد النجوم)) (1).
فهذا الحديث نص في تفسير الكوثر بأنه النهر الذي أعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم، على أنه قد جاء في رواية ابن عباس أنه فسر الكوثر تفسيرا عاما يندرج تحته الكوثر الذي هو النهر في الجنة وغيره، وذلك فيما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر:(هو الخير الذي أعطاه الله إياه)، قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: فإن الناس يزعمون أنه نهر في الجنة، فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه (2) ، وهذا جمع من سعيد بن جبير بين ابن عباس وعائشة وما في معناهما مما يدل على تفسير الكوثر بالنهر.
قال ابن حجر: هذا تأويل من سعيد بن جبير بين حديثي عائشة وابن عباس، وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر وأبو اسحاق وقتادة ونحوهما ممن روى ذلك صريحا أن الكوثر هو النهر (3)، على أنه لا تعارض بين تفسير ابن عباس وتفسير عائشة للكوثر – كما ذكر ابن حجر العسقلاني – إذ إن حاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول غيره أن المراد به نهر في الجنة؛ لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير.
ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه؛ لأنه يشمل كل خير كثير مفرط؛ من علم وعمل وشرف الدارين، وهذا – وإن كان تأويلا حسنا – لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق عن عدد من الصحابة، فلا معدل عنه؛ لثبوت ذلك وصحته عن الذي أنزل عليه الوحي (4) .... وهناك أقوال لأهل العلم في بيان معنى الكوثر، هي في الواقع لا تخرج عن مضمون ما سبق، قال الشوكاني:(وذهب أكثر المفسرين – كما حكاه الواحدي – إلى أن الكوثر نهر في الجنة، وقيل: هو حوض النبي صلى الله عليه وسلم في الموقف، قاله عطاء، وقال عكرمة،: الكوثر النبوة، وقال الحسن: هو القرآن، وقال الحسن بن الفضل: هو تفسير القرآن وتخفيف الشرائع، وقال أبوبكر بن عياش: هو كثرة الأصحاب والأمة، وقال ابن كيسان: هو الإيثار، وقيل: هو الإسلام، وقيل: رفعة الذكر، وقيل: نور القلب، وقيل: الشفاعة، وقيل: المعجزات، وقيل: إجابة الدعوة، وقيل: لا إله إلا الله، وقيل: الفقه في الدين، وقيل: الصلوات الخمس)(5).
وذكر السيوطي عن مجاهد رضي الله عنه قال: الكوثر خير الدنيا والآخرة (6)، فهذا الأقوال لا ينافي بعضها بعضا؛ إذ أنها تشترك في إثبات أن خيرا خص الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إكراما وتشريفا له، وهذا يصدق على كل ما قيل في ذلك، أما القول الأول؛ وهو أن الكوثر نهر في الجنة، فهذا هو الراجح في بيان معناه والذي تشهد له النصوص كما أشرنا إليه.
(1) رواه البخاري (4965).
(2)
رواه البخاري (4966).
(3)
((فتح الباري)) (8/ 732).
(4)
((شرح ثلاثيات المسند)) (1/ 535)، و ((فتح الباري)) (8/ 732).
(5)
((فتح القدير)) (5/ 502 - 503) ، ((فتح الباري)) (8/ 732).
(6)
((الدر المنثور)) (6/ 502 – 503)، وعزاه إلى ابن جرير وابن عساكر.
وأما القول الثاني: وهو أن الكوثر هو نفس الحوض الذي وعد به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو من باب تغليب التسمية باعتبار ما يصب فيه من الكوثر الذي هو داخل الجنة – كما سيأتي في وجه الاتصال بينهما، وأما الأقوال الأخرى فإنها كلها تهدف إلى إثبات خير أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، وكلها تدخل في تعريف من عرف الكوثر بأنه الخير الكثير، وإن كان في تلك الصفات ما يختص به وحده ومنها ما يشركه فيها من الأنبياء والرسل وأتباعهم كالشفاعة مثلا.
وفي هذا يقول الخازن في تفسيره: فجميع ما جاء في تفسير الكوثر فقد أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم؛ أعطي النبوة، والكتاب، والحكمة، والعلم، والشفاعة والحوض المورود، والمقام المحمود، وكثرة الأتباع، والإسلام وإظهاره على الأديان كلها والنصر على الأعداء، وكثرة الفتوح في زمنه وبعده إلى يوم القيامة. وأولى الأقاويل في الكوثر الذي عليه جمهور العلماء أنه نهر في الجنة (1).
وقال النيسابوري: قال أهل المعنى: ولعله إنما سمي كوثرا لأنه أكثر أنهار الجنة ماء أو خيرا، ولأن أنهار الجنة تتفجر منه (2).
ويقول ابن حجر: والكوثر فوعل من الكثرة، سمي بها لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره (3).
وقد ذكر النيسابوري إضافة إلى ما سبق من الأقوال قولين يبدو عليهما أثر التكلف؛ مثل القول بأن المراد بالكوثر هم أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أولاد ابنته فاطمة، أو هم علماء أمته (4). وهما وإن كانا داخلين في عموم لفظ الكوثر بمعناه اللغوي إلا أنهما لا دليل عليهما. الحياة الآخرة لغالب عواجي - بتصرف- 2/ 1496
(1)((تفسير الخازن)) (4/ 414).
(2)
((غرائب القرآن)) (30/ 194).
(3)
((فتح الباري)) (8/ 831).
(4)
((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) (30/ 195).