الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: القائلون بفناء النار
المخالفون لمذهب أهل الحق في هذه المسألة
…
:
1 -
الجهمية: القائلون بفناء النار وفناء الجنة أيضاً، وقد حكى الإمام أحمد في آخر كتاب (الرد على الزنادقة) مذهب الجهمية بأن النار والجنة تفنيان، ورد عليهم ذاكراً النصوص الدالة على عدم فنائهما.
2 -
الخوارج والمعتزلة: يقولون بخلود كل من يدخل النار، ولو كانوا من أهل التوحيد، وسر هذا القول أن الخوارج يكفرون المسلمين بالذنوب، فكل من ارتكب ذنباً، فإنه كافر خالد مخلد في نار جهنم، والمعتزلة يرون أن من ارتكب ذنباً في منزلة بين المنزلتين، فلا هو مؤمن ولا كافر، ويجرون عليه أحكام الإسلام في الدنيا، ولكنه في الآخرة مخلد في نار جهنم، وقد سقنا كثيراً من النصوص الدالة على أن أهل التوحيد يخرجون من النار.
3 -
اليهود: الذين يزعمون أنهم يعذبون في النار وقتاً محدوداً، ثم يخلفهم غيرهم فيها، وقد أكذبهم الله في زعمهم، ورد عليهم مقالتهم وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 80 - 81]. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ [آل عمران: 23 - 24].
ونقل ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال في تفسير آية البقرة: (قال أعداء الله اليهود: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يوما، فإذا انقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب).
وذكر ابن جرير عن السدي قوله: (قالت اليهود: إن الله يدخلنا النار أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل، فلذلك أمرنا أن نختن، قالوا: فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه). (1)
وذكر أيضاً ابن عباس قال: (ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوباً: إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهي إلى شجرة الزقوم ثابتة في أصل الجحيم، وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيها شجرة الزقوم، فزعم أعداء الله أنه خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياماً معدودة).
قال ابن جرير: (وإنما يعني بذلك يعني بذلك المسير الذي ينتهي في أصل الجحيم، فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل، فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك، فذلك قوله: لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَاّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ [البقرة:80]. يعنون بذلك الأجل، فقال ابن عباس: (لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب، حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خزان سقر: زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة، فقد خلا العدد، وأنتم في الأبد، فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون). (2)
4 -
قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي، فإنه زعم أن أهلها يعذبون فيها مدة، ثم تنقلب طبائعهم نارية يتلذذون بالنار لموافقتها لطبائعهم، قال ابن حجر في الفتح:(وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من الزنادقة). (3)
(1)((تفسير الطبري)) (1/ 381).
(2)
((تفسير الطبري)) (1/ 381).
(3)
((فتح الباري)) (11/ 421).
5 -
قول من زعم أن أهلها يخرجون منها، وتبقى على حالها خالدة لا تبيد. 6 - قول أبي هذيل العلاف من أئمة المعتزلة الذاهب إلى أن حياة أهل النار تفنى، ويصيرون جماداً لا يتحركون، ولا يحسون بألم، قال بذلك لأنه يقول بامتناع حوادث لا نهاية لها، فخالف الأدلة الصريحة القطيعة الثبوت بمقاييس عقلية باطلة.
…
وقد تتابع العلماء في التأليف لبيان خطأ هذا المذهب، يقول ابن حجر العسقلاني بعد حكايته لهذا القول:(وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد)(1)، وهذا الكتاب الذي أشار إليه هو (الاعتبار ببقاء الجنة والنار) لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفى سنة 756. وقال صديق حسن خان:(وقد ألف العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي رسالة سماها: (توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين)، وفي الباب رسالة للسيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير، ورسالة للقاضي العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني، حاصلهما بقاء الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما). (2)
…
ومن الذين تعرضوا لهذه المسألة القرطبي في (التذكرة)، فقد ساق النصوص الدالة على خلود الجنة والنار، والمخبرة بأن الموت يذبح بين الجنة والنار ثم يقال:(يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت) ثم قال: (هذه الأحاديث مع صحتها في خلود أهل الدارين فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة). (3)
ورد القرطبي على الذين قالوا بفناء النار، وبين أن الذي يفنى إنما هو النار التي يدخلها عصاة الموحدين، قال:(فمن قال: إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول. وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العلية التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير). (4)
ونقل القرطبي عن فضل بن صالح المعافري قال: (كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا: انصرفوا، فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا، لأنه جاءني رجل يستأذن علي زعم أنه قدم من الشام في مسألة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في أكل الجرجير، فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم؟ فقلت له: لا بأس به (5). فقال: أستودعك الله، وأقرأ عليك السلام، ذكره الخطيب أبو بكر أحمد رحمه الله، وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال:((يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين)) (6) هكذا رواه موقوفاً عن عبد الله بن عمرو، وليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، ومثله لا يقال من جهة الرأي، فهو مرفوع). (7) الجنة والنار لعمر سليمان الأشقر – ص 42
(1)((فتح الباري)) (11/ 422).
(2)
((يقظة أولي الاعتبار))، لصديق حسن خان (ص: 42)، ورسالة الصنعاني طبعها المكتب الإسلامي بيروت، وقد حققها وكتب لها مقدمة ضافية الشيخ ناصر الدين الألباني فأجاد.
(3)
((التذكرة)) للقرطبي (ص: 436).
(4)
هذا القول لا يصح فيه خبر ثابت، وكأن قائله أراد منه خمود النار التي يكون فيها عصاة الموحدين حتى ينبت النبات على حوافها.
(5)
هذه القصة إن كانت صحيحة فقد تكلف هذا السائل في سفره لتبين أمر هو في غاية الوضوح.
(6)
رواه البزار في ((المسند)) (6/ 442). قال العيني في ((عمدة القاري)) (19/ 52): وهذا وإن كان موقوفا فإن مثله لا يقال بالرأي.
(7)
((التذكرة للقرطبي)) (ص: 437).
قال القرطبي: أجمع علماء أهل السنة على أن أهل النار مخلدون فيها غير خارجين منها، كإبليس وفرعون، وهامان، وقارون، وكل من كفر وتكبر، وطغى وتجبر، فإن له نار جهنم لا يموت فيها ولا يحيى، وقد وعدهم الله عذاباً أليماً فقال عز وجل: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ وأجمع أهل السنة أيضاً على أنه لا يبقى فيها مؤمن، ولا يخلد فيها إلا كافر جاحد. فاعلمه.
وقد زل هنا بعض من ينتمي إلى العلم والعلماء: فقال إنه يخرج من النار كل كافر، ومبطل، وشيطان، وجاحد ويدخل الجنة، وإنه جائز في العقل أن تنقطع صفة الغضب، فيعكس عليه فيقال: وكذلك جائز في العقل: أن تنقطع صفة الرحمة، فيلزم عليه أن تدخل الأنبياء والأولياء النار يعذبون فيها، وهذا فاسد مردود بوعده الحق وقوله الصدق قال تعالى في حق أهل الجنان عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود: 108] أي غير مقطوع وقال: وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر: 48] وقال: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [الانشقاق: 25] وقال: لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [التوبة: 21 - 22] وقال في حق الكافرين: لَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ [الأعراف: 40] وقال فَاليَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية: 35] وهذا واضح.
وبالجملة فلا مدخل للعقول فيمن اقتطع أصله بالإجماع والنقول. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور، انتهى. يقظة أولى الاعتبار مما ورد في ذكر النار وأصحاب النار لصديق حسن خان– ص: 17