الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية: دقة عبارات السلف في تقرير التلازم بين الإيمان والعمل
لقد قرر السلف رحمهم الله هذه القاعدة التي هي أهم قاعدة من قواعد الإيمان والدين على الإطلاق أيما تقرير وحرروها أيما تحرير وذلك لعلمهم بأن الخطأ في هذه القاعدة أو الجهل بها وبما يترتب عليها ليس كالجهل بغيرها من القواعد العقدية (فإن الخطأ في اسم الإيمان ليس كالخطأ في اسم محدث، ولا كالخطأ في غيره من الأسماء، إذ كانت أحكام الدنيا والآخرة باسم الإيمان والإسلام والكفر والنفاق)(1) ولذلك فإن السلف رحمة الله عليهم قد صرحوا في أوضح عبارة وأبين دلالة بأن فاقد العمل ليس بمؤمن وقد عبروا بجميع عبارات النفي بعدم صحة الإيمان بلا عمل إطلاقا، فلم تبق عبارة لنفي الإيمان عمن لم يجمع بين القول والعمل إلا وعبروا بها كي لا يبقى مجال للشك في معنى هذه القاعدة وتقعيدها بإجماع السلف بأدق الكلمات وأوضح العبارات.
وفيما يلي نص عباراتهم وصريح كلماتهم على تأصيل هذه القاعدة:
1 -
فمن تعبيرات السلف النفي المطلق للإيمان الذي ليس معه عمل (والمقصود بالعمل هو العمل الظاهر مع عمل القلب لا عمل القلب وحده كما يزعم البعض)(2) وهذا ما سيأتي بيانه من كلامهم رحمهم الله وفي مبحث خاص إن شاء الله.
1 -
قال سفيان بن عيينة رحمه الله (الإيمان قول وعمل ولا يكون قول إلا بعمل)(3).
2 -
وقال الحسن رحمه الله (الإيمان قول، ولا قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية ولا قول وعمل، ونية إلا بسنة)(4).
3 -
وقال الإمام الآجري رحمه الله (باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا إلا بأن يجتمع فيه الخصال الثلاث)(5).
وقال رحمه الله (وقد قال تعالى في كتابه وبين في غير موضع أن الإيمان لا يكون إلا بعمل وبينه النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما قالت المرجئة الذين لعب بهم الشيطان)(6).
وقال أيضاً: (فالأعمال – رحمكم الله – بالجوارح تصديق عن الإيمان بالقلب واللسان، فمن لم يصدق الإيمان بعمل جوارحه، مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج وأشباه لهذه، ورضي من نفسه بالمعرفة والقول لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان تركه للعمل تكذيبا لإيمانه وكان العمل بما ذكرناه تصديقا لإيمانه، وبالله التوفيق)(7).
وفي كلام الإمام الآجري هذا بيان واضح بأن الإيمان الحقيقي المقبول عند الله المانع من الخلود في النار الموجب لدخول الجنة لا يمكن إلا بعمل الجوارح الظاهرة بعد عمل القلب واللسان وأنه يستحيل أن يدعي الإنسان الإيمان بلسانه ولم يأت بالعمل فإن ذلك كما قال رحمه الله تكذيب لإيمانه كما أن العمل تصديق لصحة إيمانه وما أقر به على لسانه (8).
4 -
وبمثله قال تلميذه ابن بطة رحمه الله (باب بيان الإيمان وفرضه وأنه تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح والحركات لا يكون العبد مؤمنا إلا بهذه الثلاث (9).
(1)((الإيمان)) (309).
(2)
وعلى هذا الأساس بنى مرجئة العصر منهجهم في الإيمان.
(3)
((الشريعة)) للآجري (2/ 604).
(4)
((أصول السنة)) لابن أبي زمنين (109)، ((الشريعة)) للآجري (3/ 639).
(5)
((الشريعة)) للآجري (2/ 611).
(6)
((الشريعة)) للآجري (2/ 614).
(7)
((الشريعة)) للآجري (2/ 614).
(8)
فهل بعد هذا البيان يأتي من يقرر خلاف ذلك وينسبها إلى السلف زورا وبهتانا.
(9)
((الإبانة/الإيمان)) (2/ 760).
وقال أيضاً (في مواضع كثيرة من القرآن، أمر الله فيها بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام شهر رمضان، والجهاد في سبيل الله، وإنفاق الأموال، وبذل النفس في ذلك، والحج بحركة الأبدان، ونفقة الأموال فهذا كله من الإيمان والعمل به فرض لا يكون المؤمن إلا بتأديته)(1).
2 -
ومن تعبيرات السلف رحمهم الله قولهم (لا يصلح قول إلا بعمل) روى ذلك عبدالله بن الإمام أحمد رحمهما الله بسنده في كتاب السنة عن الأئمة: محمد بن مسلم الطائفي وفضيل بن عياض والثوري، رحم الله الجميع (2).
وقال محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان رحمهم الله: (لا يصلح قول إلا بعمل)(3).
3 -
ومن تعبيراتهم أيضاً قولهم رحمهم الله (لا يستقيم الإيمان إلا بالعمل).
1 -
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا يستقيم الإيمان إلا بالقول ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بموافقة للسنة (4).
2 -
وقال داود بن أبي هند رحمه الله (لا يستقيم قول إلا بعمل ولا قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة)(5).
3 -
وقال الثوري رحمه الله (كان الفقهاء يقولون لا يستقيم قول إلا بعمل ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة)(6).
4 -
ومن تعبيراتهم أيضاً: أنه لا ينفع الإيمان إلا بعمل: قال الحسن رحمه الله (الإيمان كلام وحقيقته العمل فإن لم يحقق القول بالعمل لم ينفعه القول)(7).
1 -
وروى معمر عن الزهري رحمهما الله: (والإيمان قول وعمل قرينان لا ينفع أحدهما إلا بالآخر)(8).
2 -
وقال الحميدي رحمه الله: (الإيمان قول وعمل يزيد وينقص لا ينفع قول إلا بعمل، ولا عمل وقول إلا بنية ولا قول وعمل إلا بسنة)(9).
3 -
وقال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله: (وأن الإيمان والعمل قرينان لا ينفع أحدهما بدون صاحبه)(10).
4 -
وقال الإمام ابن بطة رحمه الله (واعلموا رحمكم الله أن الله عز وجل لم يثن على المؤمنين ولم يصف ما أعد لهم من النعيم المقيم والنجاة من العذاب الأليم، ولم يخبرهم برضاهم عنهم إلا بالعمل الصالح والسعي الرابح وقرن القول بالعمل والنية بالإخلاص، وحتى صار اسم الإيمان مشتملا على المعاني الثلاثة لا ينفصل بعضها من بعض ولا ينفع بعضها دون بعض حتى صار الإيمان قولا باللسان وعملا بالجوارح ومعرفة القلب خلافا لقول المرجئة الضالة الذين زاغت قلوبهم وتلاعبت الشياطين بعقولهم وذكر الله عز وجل ذلك في كتابه والرسول صلى الله عليه وسلم في سنته)(11).
5 -
وعبروا أيضاً بقولهم أن الإيمان لا يجزئ إلا بالعمل:
وقد ذكرنا قول الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر)(12).
1 -
وقال الإمام الآجري رحمه الله: (الإيمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا، وقول باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا إلا بهذه الثلاثة لا يجزئ بعضها عن بعض)(13).
(1)((الإبانة/الإيمان)) (2/ 713).
(2)
((السنة)) لعبد الله (1/ 337).
(3)
((تقريب التهذيب)) (2/ 340).
(4)
((شرح الاعتقاد)) لللالكائي (5/ 886) و ((الإبانة/الإيمان)) (2/ 807).
(5)
((أصول السنة)) لابن أبي زمنين (209).
(6)
((الإبانة/الإيمان)) (2/ 807).
(7)
((الشريعة)) للآجري (2/ 634).
(8)
((الإيمان)) لابن تيمية (231).
(9)
((أصول السنة آخر مسند الحميدي)) (2/ 546).
(10)
((مجموع الفتاوى)) (7/ 335).
(11)
((الإبانة/الإيمان)) (2/ 779).
(12)
((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة لللالكائي)) (5/ 956).
(13)
((الشريعة)) (2/ 686).
وقال أيضاً (اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين: أن الإيمان واجب على جميع الخلق وهو تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح، ثم اعلموا أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب والتصديق إلا أن يكون معه الإيمان باللسان نطقا ولا تجزئ معرفة بالقلب ونطق اللسان حتى يكون عمل الجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاث كان مؤمنا دل على ذلك القرآن والسنة وقول علماء المسلمين)(1).
2 -
وقال تلميذه ابن بطة رحمه الله (اعلموا رحمكم الله أن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه فرض على القلب المعرفة به والتصديق له ولكنه وبكل ما جاءت به السنة وعلى الألسن النطق بذلك والإقرار به قولا وعلى الأبدان والجوارح العمل بكل ما أمر به وفرض من الأعمال لا تجزئ واحدة من هذه إلا بصاحبتها ولا يكون العبد مؤمنا إلا بأن يجمعها كلها حتى يكون مؤمنا بقلبه مقرا بلسانه عاملا مجتهدا بجوارحه، ثم لا يكون أيضاً مع ذلك مؤمنا حتى يكون موافقا للسنة في كل ما يقوله ويعمله متبعا للكتاب والعلم في جميع أقواله وأعماله وبكل ما شرحته لكم نزل به القرآن ومضت به السنة وأجمع عليه علماء الأمة)(2).
6 -
ومن عبارات السلف رحمهم الله: أنه لا يقبل الإيمان إلا بعمل: قال الإمام الأوزاعي رحمه الله: (وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل، والعمل من الإيمان والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم يجمع هذه الأديان اسمها ويصدقها العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه ولم يصدق بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين).
وقال ابن بطة رحمه الله (
…
وأن الله لا يقبل قولا إلا بعمل ولا عملا إلا بقول) (3).
7 -
وعبروا أيضاً بنفي صحة الإيمان بلا عمل:
1 -
قال الإمام الآجري رحمه الله (لا يصح الدين إلا بالتصديق بالقلب والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وما أشبه ذلك)(4). قواعد في بيان حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة لعادل الشيخاني- ص210
(1)((الشريعة)) (2/ 611).
(2)
((الإبانة/الإيمان)) (2/ 610 - 761).
(3)
((الإبانة/الإيمان)) (2/ 795).
(4)
((الشريعة)) (2/ 563).