الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدُّنْيَوِيُّ حَتَّى وَلَوْ رَفَضَهُ الشَّرْعُ، وَلِذَا يَتَفَنَّنُونَ فِي الْحِيَل الَّتِي يَكْسِبُونَ بِهَا هَذَا الْحَقَّ الدُّنْيَوِيَّ.
الأَْطْوَارُ الَّتِي مَرَّ بِهَا الْفِقْهُ الإِْسْلَامِيُّ:
13 -
لَيْسَ مِنْ مَوْضُوعِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ أَنْ نَتَنَاوَل تَارِيخَ الْفِقْهِ الإِْسْلَامِيِّ بِالتَّفْصِيل، فَإِنَّ لِهَذَا عِلْمًا خَاصًّا عُرِفَ بِتَارِيخِ التَّشْرِيعِ، أُفْرِدَتْ فِيهِ الْمُؤَلَّفَاتُ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ نُلْقِيَ الضَّوْءَ عَلَى هَذَا التَّارِيخِ لِيَكُونَ الْقَارِئُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ الأَْمْرِ، وَلِنُثْبِتَ اسْتِقْلَال هَذَا الْفِقْهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ فِقْهِ الأُْمَمِ الأُْخْرَى.
وَقَدْ مَرَّتْ بِالْفِقْهِ الإِْسْلَامِيِّ أَطْوَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ يَتَدَاخَل بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، وَيُؤَثِّرُ الْمُتَقَدِّمُ فِيهَا بِالْمُتَأَخِّرِ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَقُول: إِنَّ هَذِهِ الأَْطْوَارَ مُتَمَيِّزَةٌ مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ تَمْيِيزًا دَقِيقًا، اللَّهُمَّ إِلَاّ الطَّوْرَ الأَْوَّل وَهُوَ عَصْرُ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُتَمَيِّزٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِكُل دِقَّةٍ، بِانْتِقَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّفِيقِ الأَْعْلَى.
الطَّوْرُ الأَْوَّل: عَصْرُ النُّبُوَّةِ
14 -
وَهُوَ فِي عَهْدَيْهِ الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ يَعْتَمِدُ كُل الاِعْتِمَادِ عَلَى الْوَحْيِ، حَتَّى إِنَّ الْمَسَائِل الَّتِي اجْتَهَدَ فِيهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوِ اجْتَهَدَ فِيهَا أَصْحَابُهُ فِي حَضْرَتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ ثُمَّ عَلِمَهَا فَأَقَرَّهَا أَوْ أَنْكَرَهَا تَعْتَمِدُ - كَذَلِكَ - عَلَى الْوَحْيِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى إِنْ أَقَرَّ هَذَا الاِجْتِهَادَ فَهُوَ تَشْرِيعٌ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ، وَإِنْ رَدَّهُ فَالْمُعْتَمَدُ عَلَى مَا أَقَرَّهُ الْوَحْيُ مِنْ تَشْرِيعٍ.
وَمَهْمَا قِيل فِي اجْتِهَادِهِ صلى الله عليه وسلم نَفْيًا وَإِثْبَاتًا - فَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل الَّتِي لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَحْيٌ، فَأَحْيَانًا يُقِرُّهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا الاِجْتِهَادِ، وَحِينًا يُبَيِّنُ لَهُ أَنَّ الأَْوْلَى غَيْرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ.
وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِفِقْهٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكَ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لَمْ يَجْلِسْ إِلَى مُعَلِّمٍ قَطُّ، وَقَدْ نَشَأَ فِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ لَا عَهْدَ لَهَا بِالْقَانُونِ الرُّومَانِيِّ أَوْ غَيْرِهِ.
نَعَمْ كَانَتْ هُنَاكَ أَعْرَافٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهَا النَّاسُ، فَحِينًا نَجِدُ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَْعْرَافِ قَدْ أَقَرَّهَا الشَّارِعُ، وَأَحْيَانًا نَجِدُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَبْطَل هَذِهِ الأَْعْرَافَ، كَعُرْفِ التَّبَنِّي وَكَعُرْفِ الظِّهَارِ وَبَعْضِ أَنْوَاعِ الأَْنْكِحَةِ الَّتِي كَانَتْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الْعَرَبِ، وَكَالرِّبَا، فَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَيُّ إِنْسَانٍ - مَهْمَا كَانَ مُغَالِيًا فِي عَدَائِهِ لِلإِْسْلَامِ - أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ التَّشْرِيعَ فِي هَذَا الْعَهْدِ قَدْ تَأَثَّرَ بِغَيْرِهِ مِنْ تَشْرِيعَاتِ الأُْمَمِ السَّابِقَةِ.
وَلَمْ يُدَوَّنْ فِي هَذَا الْعَهْدِ إِلَاّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ. وَقَدْ نُهِيَ عَنْ تَدْوِينِ غَيْرِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَلِطَ عَلَى النَّاسِ كَلَامُ اللَّهِ بِكَلَامِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم كَمَا وَقَعَ لِلأُْمَمِ السَّابِقَةِ، حَيْثُ خَلَطُوا بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ وَرُسُلِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ، وَاعْتَبَرُوهَا كُلَّهَا كُتُبًا مُقَدَّسَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أُذِنَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُدَوِّنُوا أَحَادِيثَهُ الشَّرِيفَةَ، كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَدْ كَتَبَ مَا سَمِعَهُ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَمَّى صَحِيفَتَهُ هَذِهِ بِـ " الصَّادِقَةِ "، وَأُذِنَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنْ يَكْتُبَ بَعْضَ الْمَسَائِل الَّتِي تَتَّصِل بِالدِّمَاءِ وَالدِّيَاتِ.
وَقَدْ انْتَقَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الرَّفِيقِ الأَْعْلَى بَعْدَ أَنْ مَكَثَ يُبَلِّغُ رِسَالَةَ رَبِّهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، مِنْهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً بِمَكَّةَ، كَانَتْ مُهِمَّتُهُ الأُْولَى تَثْبِيتَ الْعَقِيدَةِ، مَا يَتَّصِل مِنْهَا بِاللَّهِ سبحانه وتعالى أَوِ التَّدْلِيل عَلَى صِدْقِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَوْ مَا يَتَّصِل مِنْهَا بِالْيَوْمِ الآْخِرِ، كَمَا عُنِيَ فِي هَذَا الْعَهْدِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى مَكَارِمِ الأَْخْلَاقِ وَالنَّهْيِ عَنْ أُمَّهَاتِ الرَّذَائِل، وَإِذَا كَانَ فِي الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ بَعْضُ الأَْحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ كَأَحْكَامِ الذَّبَائِحِ فَإِنَّ هَذِهِ الأَْحْكَامَ لَهَا صِلَةٌ بِالتَّوْحِيدِ.
وَالْعَهْدُ الْمَدَنِيُّ هُوَ ذَلِكُمْ الْعَهْدُ الَّذِي تَوَالَتْ فِيهِ التَّشْرِيعَاتُ الْعَمَلِيَّةُ بِكُل مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ.
وَإِذَا كَانَ لَنَا أَنْ نَقُول فِي هَذَا الْعَهْدِ شَيْئًا فَإِنَّنَا نُقَرِّرُ أَنَّ دُعَاةَ الإِْصْلَاحِ عَلَى مَدَى الأَْزْمَانِ يَضَعُونَ نَظَرِيَّاتِهِمْ وَلَا يَعِيشُونَ لِيَرَوْا ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ، وَلَكِنَّ