الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ - أَيْ الاِفْتِقَارُ لِلْقَبُول - بِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ تَعْظُمُ فِي الإِْبْرَاءِ، وَذَوُو الْمُرُوءَاتِ وَالأَْنَفَاتِ يَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ، لَا سِيَّمَا مِنَ السَّفَلَةِ، فَجَعَل صَاحِبُ الشَّرْعِ لَهُمْ قَبُول ذَلِكَ أَوْ رَدَّهُ، نَفْيًا لِلضَّرَرِ الْحَاصِل مِنَ الْمِنَنِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. (1) وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَرْبِطُونَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْل وَبَيْنَ الْخِلَافِ فِي مَعْنَى الإِْبْرَاءِ، عَلَى مَا سَبَقَ.
24 -
وَلَا فَرْقَ فِي الْحَاجَةِ إِلَى الْقَبُول أَوْ عَدَمِهَا بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالإِْبْرَاءِ، أَوِ التَّعْبِيرِ بِهِبَةِ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ، وَإِثْبَاتُ الْفَرْقِ هُوَ مَا عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِذْ قَالُوا فِيهَا بِالْحَاجَةِ لِلْقَبُول لِمَا فِي اللَّفْظِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَهَا آكَدَ فِي الاِفْتِقَارِ لِلْقَبُول - عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي الإِْبْرَاءِ عُمُومًا - لأَِنَّهَا نَصٌّ فِي التَّمْلِيكِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ، لِنَظَرِهِمْ إِلَى وَحْدَةِ الْمَقْصُودِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الإِْبْرَاءِ.
هَذَا، وَبِالرَّغْمِ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ مِنِ اعْتِبَارِ الْقَبُول مَحْدُودًا بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ مَا دَامَ قَائِمًا فَقَدِ اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ الْفَوْرِيَّةَ فِي الْقَبُول فِي صُورَةِ مَنْ يُوَكِّل فِي إِبْرَاءِ نَفْسِهِ. (2)
وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِجَوَازِ تَأْخِيرِ الْقَبُول عَنِ الإِْيجَابِ، وَلَوْ بِالسُّكُوتِ عَنِ الْقَبُول زَمَانًا، فَلَهُ
(1) الفروق 2 / 110
(2)
الدسوقي 4 / 99، والقليوبي 2 / 340، والفتاوى الهندية 3 / 263، ونهاية المحتاج 5 / 410، وكشاف القناع 2 / 478 ط الشرفية
الْقَبُول بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَال الْقَرَافِيُّ: إِنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. (1)
25 -
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ عَدَمِ التَّوَقُّفِ عَلَى الْقَبُول: الْعُقُودَ الَّتِي يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، كَالصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ (أَيْ عَنْ رَأْسِ مَال السَّلَمِ) فَيَتَوَقَّفُ فِيهَا الإِْبْرَاءُ عَلَى الْقَبُول؛ لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ عَنْ بَدَل الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ يَفُوتُ بِهِ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ، وَفَوَاتُهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْعَقْدِ، وَنَقْضُ الْعَقْدِ لَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ، بَل يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُول الآْخَرِ، فَإِنْ قَبِلَهُ بَرِئَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لَا يَبْرَأُ. وَهَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْفَسْخِ لِعَقْدٍ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ مِنْ وَجْهٍ، وَمَعْنَى الإِْسْقَاطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ. أَمَّا الإِْبْرَاءُ عَنِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَوْ عَنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَهُوَ جَائِزٌ بِدُونِ قَبُولٍ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِسْقَاطُ شَرْطٍ. (2)
رَدُّ الإِْبْرَاءِ:
26 -
يَنْبَنِي اخْتِلَافُ النَّظَرِ الْفِقْهِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الإِْبْرَاءَ إِسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ. وَالَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حَاجَتُهُ لِلْقَبُول أَوْ عَدَمُ حَاجَتِهِ. فَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَرْجُوحِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ حَاجَتِهِ لِلْقَبُول، ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لأَِنَّهُ إِسْقَاطُ حَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالشُّفْعَةِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْخِيَارِ وَالطَّلَاقِ، لَا تَمْلِيكُ عَيْنٍ، كَالْهِبَةِ.
(1) الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 99 نقله عن الفروق للقرافي وأقره (وموطنه في الفروق 2 / 101)
(2)
المجلة العدلية 1568 ووقع للحموي في حاشيته على الأشباه التسوية بين الحالتين، ونوقش من بعض شراح المجلة (كشرح الأتاسي 4 / 589) ، وتبويب الأشباه والنظائر ص 383 نقلا عن البدائع 6 / 46 ط دار الكتاب العربي.