الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي حُكِمَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ. قَال أَبُو الْخَطَّابِ: وَقَدْ صَوَّبَهُ أَحْمَدُ، فَقَال: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ، يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ. وَقَال: هُوَ قَوْل أَهْل الْمَدِينَةِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَبِهِ قَال شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، وَبِهِ قَال الإِْمَامُ مَالِكٌ فِي الأَْمْوَال خَاصَّةً. (1)
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى، لِمَا رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى طَالِبِ الْحَقِّ (2) وَلأَِنَّهُ إِذَا نَكَل ظَهَرَ صِدْقُ الْمُدَّعِي وَقَوِيَ جَانِبُهُ، فَتُشْرَعُ فِي حَقِّهِ، كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْل نُكُولِهِ.
وَقَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا أَدَعُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. (3)
النُّكُول عَنِ الْيَمِينِ:
29 -
النُّكُول لُغَةً: الاِمْتِنَاعُ. يُقَال: نَكَل عَنِ الْيَمِينِ؛ أَيِ امْتَنَعَ عَنْهَا. وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الاِصْطِلَاحِ إِذَا كَانَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ.
(1) البحر الرائق 7 / 240 ط الميمنية، وتهذيب الفروق 4 / 158 ط دار إحياء الكتب العربية، والمغني مع الشرح الكبير 12 / 124 وما بعدها ط المنار 1348 هـ.
(2)
رواه الدارقطني ورواه الحاكم والبيهقي، وفيه محمد بن مسروق لا يعرف، وإسحاق بن الفرات مختلف فيه، ورواه تمام في فوائده من طريق أخرى عن نافع. (تلخيص الحبير 4 / 209 ط الفنية المتحدة) .
(3)
البحر 7 / 223 المطبعة العلمية، وتبصرة الحكام 1 / 272 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 8 / 346، والمغني 12 / 123 ط المنار الأولى.
وَالنُّكُول عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَفِي أَحَدِ رَأْيَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَكُونُ حُجَّةً يُقْضَى بِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بَل إِذَا نَكَل فِي دَعْوَى الْمَال أَوْ مَا يَئُول إِلَيْهِ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي بِطَلَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعِي قُضِيَ لَهُ بِمَا طَلَبَ وَإِنْ نَكَل الْمُدَّعِي رُفِضَتْ دَعْوَاهُ. فَقَدْ أَقَامُوا نُكُول الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَقَامَ الشَّاهِدِ، إِذْ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِحَقِّهِ إِذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَحَلَفَ، فَكَذَلِكَ يُقْضَى لَهُ بِنُكُول الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي. فَالْحَقُّ عِنْدَهُمْ لَا يَثْبُتُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ، كَمَا لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ بِهِ وَإِلَاّ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ كُل دَعْوَى لَا تَثْبُتُ إِلَاّ بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ، كَالْقَتْل وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، فَلَا يَمِينَ تُوَجَّهُ مِنَ الْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، وَلَا بُدَّ لِتَوْجِيهِ الْيَمِينِ مِنْ إِقَامَةِ شَاهِدٍ عَلَى الدَّعْوَى، فَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِرَدِّ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَلَا تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعِي، إِذْ لَا فَائِدَةَ فِي رَدِّهَا عَلَيْهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا نَكَل عَنِ الْيَمِينِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَيْهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ لِكَوْنِهِ بَاذِلاً أَوْ مُقِرًّا، إِذْ لَوْلَا ذَلِكَ لأََقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ لِيَدْفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ لأَِحْمَدَ، وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّهُ إِنْ نَكَل تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَيُحْكَمُ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ، كَمَا تَقَدَّمَ. (1)
(1) تبصرة الحكام 1 / 273 ط الحلبي وتهذيب الفروق 4 / 151 ط دار إحياء الكتب، ونهاية المحتاج 8 / 335 ط الحلبي، والبحر 7 / 224 ط العلمية، ومنتهى الإرادات 2 / 601 ط دار العروبة والمغني 12 / 123، 124.