الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُفْهَمُ مِنْ قَيْدِ " ثُمَّ خَرَجَتْ حَيَّةً " أَنَّهَا لَوْ مَاتَتْ فِيهِ يَتَنَجَّسُ الْمَاءُ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَاءِ " بِالْيَسِيرِ " أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ لَا يَنْجُسُ إِلَاّ إِذَا تَغَيَّرَ وَصْفُهُ. (1)
19 -
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ أَكْثَرُوا مِنَ التَّفْصِيلَاتِ، فَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْفَأْرَةَ إِذَا وَقَعَتْ هَارِبَةً مِنْ الْقِطِّ يُنْزَحُ كُل الْمَاءِ؛ لأَِنَّهَا تَبُول. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَجْرُوحَةً أَوْ مُتَنَجِّسَةً. وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ مَعِينًا، أَوِ الْمَاءُ عَشْرًا فِي عَشْرٍ، لَكِنْ تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ، وَلَمْ يُمْكِنْ نَزْحُهَا، نُزِحَ قَدْرُ مَا كَانَ فِيهَا.
20 -
وَإِذَا كَانَتِ الْبِئْرُ غَيْرَ مَعِينٍ، وَلَا عَشْرًا فِي عَشْرٍ، نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْوًا بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ، إِلَى ثَلَاثِينَ نَدْبًا، بِمَوْتِ فَأْرَةٍ أَوْ عُصْفُورٍ أَوْ سَامٍّ أَبْرَصَ. وَلَوْ وَقَعَ أَكْثَرُ مِنْ فَأْرَةٍ إِلَى الأَْرْبَعِ فَكَالْوَاحِدَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ خَمْسًا إِلَى التِّسْعِ كَالدَّجَاجَةِ، وَعَشْرًا كَالشَّاةِ، وَلَوْ فَأْرَتَيْنِ كَهَيْئَةِ الدَّجَاجَةِ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ. وَإِذَا مَاتَ فِيهَا حَمَامَةٌ أَوْ دَجَاجَةٌ أَوْ سِنَّوْرٌ يُنْزَحُ أَرْبَعُونَ وُجُوبًا إِلَى سِتِّينَ اسْتِحْبَابًا. وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى خَمْسِينَ.
وَيُنْزَحُ كُلُّهُ لِسِنَّوْرَيْنِ وَشَاةٍ، أَوِ انْتِفَاخِ الْحَيَوَانِ الدَّمَوِيِّ، أَوْ تَفَسُّخِهِ وَلَوْ صَغِيرًا. وَبِانْغِمَاسِ كَلْبٍ حَتَّى لَوْ خَرَجَ حَيًّا. وَكَذَا كُل مَا سُؤْرُهُ نَجِسٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَقَالُوا فِي الشَّاةِ: إِنْ خَرَجَتْ حَيَّةً فَإِنْ كَانَتْ هَارِبَةً مِنْ السَّبُعِ نُزِحَ كُلُّهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. (2)
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي الْبَقَرِ وَالإِْبِل أَنَّهُ يُنَجِّسُ الْمَاءَ؛ لأَِنَّهَا تَبُول بَيْنَ أَفْخَاذِهَا فَلَا تَخْلُو مِنَ الْبَوْل. وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ نَزْحَ عِشْرِينَ دَلْوًا،
(1) المغني 1 / 45 سنة 1346 هـ.
(2)
مجمع الأنهر 1 / 34، وتبيين الحقائق 1 / 29 - 30
لأَِنَّ بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَقَدِ ازْدَادَ خِفَّةً بِسَبَبِ الْبِئْرِ فَيَكْفِي نَزْحُ أَدْنَى مَا يُنْزَحُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ كُلُّهُ، لاِسْتِوَاءِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ وَالْغَلِيظَةِ فِي حُكْمِ تَنَجُّسِ الْمَاءِ. (1)
الْمَبْحَثُ الْخَامِسُ
تَطْهِيرُ الآْبَارِ وَحُكْمُ تَغْوِيرِهَا
21 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ فَإِنَّ التَّكْثِيرَ طَرِيقُ تَطْهِيرِهِ عِنْدَ تَنَجُّسِهَا إِذَا زَال التَّغَيُّرُ. وَيَكُونُ التَّكْثِيرُ بِالتَّرْكِ حَتَّى يَزِيدَ الْمَاءُ وَيَصِل حَدَّ الْكَثْرَةِ، أَوْ بِصَبِّ مَاءٍ طَاهِرٍ فِيهِ حَتَّى يَصِل هَذَا الْحَدَّ.
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ طُرُقًا أُخْرَى، إِذْ يَقُولُونَ: إِذَا تَغَيَّرَ مَاءُ الْبِئْرِ بِتَفَسُّخِ الْحَيَوَانِ طَعْمًا أَوْ لَوْنًا أَوْ رِيحًا يَطْهُرُ بِالنَّزْحِ أَوْ بِزَوَال أَثَرِ النَّجَاسَةِ بِأَيِّ شَيْءٍ. بَل قَال بَعْضُهُمْ: إِذَا زَالَتِ النَّجَاسَةُ مِنْ نَفْسِهَا طَهُرَ. (2) وَقَالُوا فِي بِئْرِ الدَّارِ الْمُنْتِنَةِ: طَهُورُ مَائِهَا بِنَزْحِ مَا يُذْهِبُ نَتْنَهُ. (3)
22 -
وَيَقْصُرُ الشَّافِعِيَّةُ التَّطْهِيرَ عَلَى التَّكْثِيرِ فَقَطْ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قَلِيلاً (دُونَ الْقُلَّتَيْنِ) إِمَّا بِالتَّرْكِ حَتَّى يَزِيدَ الْمَاءُ، أَوْ بِصَبِّ مَاءٍ عَلَيْهِ لِيَكْثُرَ، وَلَا يَعْتَبِرُونَ النَّزْحَ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ الطَّهُورُ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّهُ وَإِنْ نُزِحَ فَقَعْرُ الْبِئْرِ يَبْقَى نَجِسًا كَمَا تَتَنَجَّسُ جُدْرَانُ الْبِئْرِ بِالنَّزْحِ. وَقَالُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ شَيْءٌ نَجِسٌ،
(1) البدائع 1 / 75
(2)
بلغة السالك 1 / 16،15، والدسوقي على الشرح الكبير 1 / 46 ط عيسى الحلبي.
(3)
حاشية الرهوني 1 / 59
كَفَأْرَةٍ تَمَعَّطَ شَعْرُهَا، فَإِنَّ الْمَاءَ يُنْزَحُ لَا لِتَطْهِيرِ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا بِقَصْدِ التَّخَلُّصِ مِنَ الشَّعْرِ. (1)
23 -
وَيُفَصِّل الْحَنَابِلَةُ فِي التَّطْهِيرِ بِالتَّكْثِيرِ إِذَا كَانَ الْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ قَلِيلاً، أَوْ كَثِيرًا لَا يَشُقُّ نَزْحُهُ، وَيَخُصُّونَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ تَنَجَّسَ الْمَاءُ بِغَيْرِ بَوْل الآْدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ. وَيَكُونُ التَّكْثِيرُ بِإِضَافَةِ مَاءٍ طَهُورٍ كَثِيرٍ، حَتَّى يَعُودَ الْكُل طَهُورًا بِزَوَال التَّغَيُّرِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ تَنَجُّسُ الْمَاءِ بِبَوْل الآْدَمِيِّ أَوْ عَذِرَتِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَزْحُ مَائِهَا، فَإِنْ شَقَّ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِزَوَال تَغَيُّرِهِ، سَوَاءٌ بِنَزْحِ مَا لَا يَشُقُّ نَزْحُهُ، أَوْ بِإِضَافَةِ مَاءٍ إِلَيْهِ، أَوْ بِطُول الْمُكْثِ (2) . عَلَى أَنَّ النَّزْحَ إِذَا زَال بِهِ التَّغَيُّرُ وَكَانَ الْبَاقِي مِنَ الْمَاءِ كَثِيرًا (قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ) يُعْتَبَرُ مُطَهِّرًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. (3)
24 -
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَقْصُرُونَ التَّطْهِيرَ عَلَى النَّزْحِ فَقَطْ، لِكُل مَاءِ الْبِئْرِ، أَوْ عَدَدٍ مُحَدَّدٍ مِنَ الدِّلَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ. وَإِذَا كَانَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ اعْتَبَرُوا النَّزْحَ طَرِيقًا لِلتَّطْهِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ عِنْدَهُمْ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُحَدِّدُوا مِقْدَارًا مِنَ الدِّلَاءِ وَإِنَّمَا يَتْرُكُونَ ذَلِكَ لِتَقْدِيرِ النَّازِحِ. (4) وَمِنْ أَجْل هَذَا نَجِدُ الْحَنَفِيَّةَ هُمُ الَّذِينَ فَصَّلُوا الْكَلَامَ فِي النَّزْحِ، وَهُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا عَلَى آلَةِ النَّزْحِ، وَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ حَجْمُهَا.
25 -
فَإِذَا وَقَعَتْ فِي الْبِئْرِ نَجَاسَةٌ نُزِحَتْ، وَكَانَ نَزْحُ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ طَهَارَةً لَهَا. (5) لأَِنَّ الأَْصْل فِي الْبِئْرِ
(1) أسنى المطالب 1 / 13 / 16، والوجيز 1 / 8، والمجموع 1 / 149، 148 ط المنيرية.
(2)
كشاف القناع 1 / 33، والمغني1 / 34، والإنصاف1 / 65، والبجيرمي على الخطيب.
(3)
أسنى المطالب1 / 15.
(4)
بلغة السالك1 / 15، 16، وحاشية الرهوني1 / 59
(5)
فتح القدير والعناية على الهداية1 / 68 ط بولاق سنة 1315 هـ.
أَنَّهُ وُجِدَ فِيهَا قِيَاسَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ أَصْلاً، لِعَدَمِ الإِْمْكَانِ، لاِخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِالأَْوْحَال وَالْجُدْرَانِ.
الثَّانِي: لَا تَنْجَسُ، إِذْ يَسْقُطُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ، لِتَعَذُّرِ الاِحْتِرَازِ أَوِ التَّطْهِيرِ. وَقَدْ تَرَكُوا الْقِيَاسَيْنِ الظَّاهِرَيْنِ بِالْخَبَرِ وَالأَْثَرِ، وَضَرْبٍ مِنَ الْفِقْهِ الْخَفِيِّ وَقَالُوا: إِنَّ مَسَائِل الآْبَارِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى اتِّبَاعِ الآْثَارِ. أَمَّا الْخَبَرُ فَمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي الْبِئْرِ: يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ وَفِي رِوَايَةٍ: يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْوًا (1) .
وَأَمَّا الأَْثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَال: يُنْزَحُ عِشْرُونَ (2) . وَفِي رِوَايَةٍ: ثَلَاثُونَ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَال فِي دَجَاجَةٍ مَاتَتْ فِي الْبِئْرِ: يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ
(1) حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه " قال فى الفأرة تموت في البئر ينزح منها عشرون دلوا " ذكره صاحب الهداية. وقال ابن الهمام " ذكره مشايخنا عن أنس غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا ". وقال ابن عابدين في هوامش البحر " جاءت السنة في رواية أنس عن النبي صلى ا. وانظر فتح القدير على الهداية1 / 71 ط الأميرية) ونسب إلى الطحاوي إخراجه ولم نجده في كتابه " معاني الآثار " فلعله في غيره من كتبه.
(2)
الأثر عن علي أنه قال: " ينزح عشرون. . " وفي رواية " ثلاثون " قال ابن التركماني " رواه الطحاوي " وليس ذلك في كتابه معاني الآثار، وانما فيه " أن عليا قال في بئر وقعت فيها فأرة فماتت، قال: ينزح ماؤها " وفي رواية " قال: إذا سقطت الفأرة أو الدابة في البير ف
دَلْوًا (1) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا أَمَرَا بِنَزْحِ مَاءِ زَمْزَمَ حِينَ مَاتَ فِيهَا زِنْجِيٌّ. (2) وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ.
وَأَمَّا الْفِقْهُ الْخَفِيُّ فَهُوَ أَنَّ فِي هَذِهِ الأَْشْيَاءِ دَمًا سَائِلاً وَقَدْ تَشَرَّبَ فِي أَجْزَائِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَنَجَّسَهَا. وَقَدْ جَاوَرَتْ هَذِهِ الأَْشْيَاءُ الْمَاءَ، وَهُوَ يَنْجُسُ أَوْ يَفْسُدُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ، حَتَّى قَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إِذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ ذَنَبُ فَأْرَةٍ، يُنْزَحُ جَمِيعُ الْمَاءِ؛ لأَِنَّ مَوْضِعَ الْقَطْعِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ بِلَّةٍ، فَيُجَاوِرُ أَجْزَاءَ الْمَاءِ فَيُفْسِدُهَا. (3)
26 -
وَقَالُوا: لَوْ نُزِحَ مَاءُ الْبِئْرِ، وَبَقِيَ الدَّلْوُ الأَْخِيرُ فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِل عَنْ وَجْهِ الْمَاءِ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ، وَإِنْ انْفَصَل عَنْ وَجْهِ الْمَاءِ، وَنُحِّيَ عَنْ رَأْسِ
(1) الأثر عن أبي سعيد الخدري " أنه قال في الدجاجة تموت في البئر: ينزح منها أربعون دلوا " قال ابن الهمام: قال الشيخ علاء الدين: إن الطحاوي رواه. فيمكن كونه في غير شرح الآثار. وإنما الذي فيه عن حماد بن أبي سليمان قال في دجاجة وقعت في البئر: ينزح منها قدر أر
(2)
حديث: " أنهما أمرا. . " رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح من طريق ابن سيرين: أن زنجيا وقع في زمزم، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح، فغلبتهم عين جاءت من الركن، فأمر بها فدسمت بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم، قال اوفي معاني الآثار للطحاوي بشرح أماني الأحبار1 / 48 ط الهند بسند صحيح " عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات، فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها، فجعل الماء لا ينقطع، فنظر فإذا أعين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه. قال الشيخ ابن الهمام: وهو سند صحيح. (الدراية 1 / 60 ط الفجالة، وانظر سنن الدارقطني 1 / 33 بتحقيق اليماني، ونصب الراية 1 / 129) .
(3)
البدائع 1 / 75، 76.
الْبِئْرِ، طَهُرَ. وَأَمَّا إِذَا انْفَصَل عَنْ وَجْهِ الْمَاءِ، وَلَمْ يُنَحَّ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ، وَالْمَاءُ يَتَقَاطَرُ فِيهِ، لَا يَطْهُرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَطْهُرُ.
وَجْهُ قَوْل مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّجِسَ انْفَصَل مِنَ الطَّاهِرِ، فَإِنَّ الدَّلْوَ الأَْخِيرَ تَعَيَّنَ لِلنَّجَاسَةِ شَرْعًا، بِدَلِيل أَنَّهُ إِذَا نُحِّيَ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ يَبْقَى الْمَاءُ طَاهِرًا، وَمَا يَتَقَاطَرُ فِيهَا مِنَ الدَّلْوِ سَقَطَ اعْتِبَارُ نَجَاسَتِهِ شَرْعًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ إِلَاّ بَعْدَ انْفِصَال النَّجِسِ عَنْهَا، وَهُوَ مَاءُ الدَّلْوِ الأَْخِيرِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الاِنْفِصَال إِلَاّ بَعْدَ تَنْحِيَةِ الدَّلْوِ عَنْ الْبِئْرِ؛ لأَِنَّ مَاءَهُ مُتَّصِلٌ بِمَاءِ الْبِئْرِ. وَاعْتِبَارُ نَجَاسَةِ الْقَطَرَاتِ لَا يَجُوزُ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ، وَالضَّرُورَةُ تَنْدَفِعُ بِأَنْ يُعْطَى لِهَذَا الدَّلْوِ حُكْمُ الاِنْفِصَال بَعْدَ انْعِدَامِ التَّقَاطُرِ، بِالتَّنْحِيَةِ عَنْ رَأْسِ الْبِئْرِ. (1)
27 -
وَإِذَا وَجَبَ نَزْحُ جَمِيعِ الْمَاءِ مِنْ الْبِئْرِ يَنْبَغِي أَنْ تُسَدَّ جَمِيعُ مَنَابِعِ الْمَاءِ إِنْ أَمْكَنَ، ثُمَّ يُنْزَحَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سَدُّ مَنَابِعِهِ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ، رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِائَةُ دَلْوٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُنْزَحُ مِائَتَا دَلْوٍ، أَوْ ثَلَاثُمِائَةِ دَلْوٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ، فِي رِوَايَةٍ: يُحْفَرُ بِجَانِبِهَا حُفْرَةٌ مِقْدَارُ عَرْضِ الْمَاءِ وَطُولِهِ وَعُمْقِهِ، ثُمَّ يُنْزَحُ مَاؤُهَا وَيُصَبُّ فِي الْحُفْرَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ، فَإِذَا امْتَلأََتْ حُكِمَ بِطَهَارَةِ الْبِئْرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: يُرْسَل فِيهَا قَصَبَةٌ، وَيُجْعَل لِمَبْلَغِ الْمَاءِ عَلَامَةٌ، ثُمَّ يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ مَثَلاً، ثُمَّ يُنْظَرُ كَمْ انْتَقَصَ، فَيُنْزَحُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَاّ إِذَا كَانَ دَوْرُ الْبِئْرِ مِنْ أَوَّل حَدِّ الْمَاءِ إِلَى مَقَرِّ الْبِئْرِ مُتَسَاوِيًا، وَإِلَاّ لَا يَلْزَمُ إِذَا نَقَصَ شِبْرٌ بِنَزْحِ عَشْرِ دِلَاءٍ مِنْ أَعْلَى الْمَاءِ أَنْ
(1) البدائع 1 / 77، وتبيين الحقائق 1 / 29