الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَضَاءُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ:
30 -
الْمُرَادُ بِعِلْمِ الْقَاضِي ظَنُّهُ الْمُؤَكَّدُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ مُسْتَنِدًا إِلَيْهِ. (1)
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لأَِنَّ الْحُدُودَ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا، وَلَيْسَ مِنَ الاِحْتِيَاطِ الاِكْتِفَاءُ بِعِلْمِ الْقَاضِي، وَلأَِنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ إِلَاّ بِالإِْقْرَارِ أَوِ الْبَيِّنَةِ الْمَنْطُوقِ بِهَا، وَأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ فِي عِلْمِ الْقَاضِي مَعْنَى الْبَيِّنَةِ، فَقَدْ فَاتَتْ صُورَتُهَا، وَهُوَ النُّطْقُ، وَفَوَاتُ الصُّورَةِ يُورِثُ شُبْهَةً، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (2) .
وَأَمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ فَمَحَل خِلَافٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ:
فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُ الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عِلْمُهُ قَبْل الْوِلَايَةِ وَبَعْدَهَا. وَهَذَا قَوْل شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ، مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَل بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ (3) . فَدَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقْضِي بِمَا
(1) نهاية المحتاج 8 / 247 ط الإسلامية.
(2)
البدائع 7 / 7، وتبصرة الحكام 1 / 167 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 8 / 246 وما بعدها ط الإسلامية، والمغني 11 / 400 ما بعدها ط المنار.
(3)
حديث: " إنما أنا بشر. . . " رواه مالك وأحمد والشيخان وغيرهم باختلاف عن أم سلمة. (الفتح الكبير 1 / 436)
يَسْمَعُ لَا بِمَا يَعْلَمُ، وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَضِيَّةِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَاّ ذَاكَ (1) وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَدَاعَى عِنْدَهُ رَجُلَانِ، فَقَال لَهُ أَحَدُهُمَا: أَنْتَ شَاهِدِي. فَقَال إِنْ شِئْتُمَا شَهِدْتُ وَلَمْ أَحْكُمْ أَوْ أَحْكُمُ وَلَا أَشْهَدُ (2)
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَمَذْهَبُ الإِْمَامَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ عِلْمُهُ قَبْل وِلَايَةِ الْقَضَاءِ أَمْ بَعْدَهَا، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا - وُجُوبًا - ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ - نَدْبًا - وَاشْتَرَطُوا لِنَفَاذِ حُكْمِهِ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسْتَنَدِهِ، فَيَقُول: عَلِمْتُ أَنَّ لَهُ عَلَيْكَ مَا ادَّعَاهُ، وَقَضَيْتُ، أَوْ: حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِعِلْمِي. فَإِنْ تَرَكَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ.
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَالَتْ لَهُ هِنْدُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِنِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَال: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ (3) فَحَكَمَ لَهَا مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إِقْرَارٍ، لِعِلْمِهِ بِصِدْقِهَا، وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْبَيِّنَةِ، فَيَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ بِطَرِيقِ الأَْوْلَى؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيِّنَةِ لَيْسَ عَيْنَهَا، بَل حُصُول الْعِلْمِ
(1) حديث: " شاهداك أو يمينه. . . " رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه باختلاف. (نصب الراية 4 / 59) .
(2)
ذكره صاحب المغني، وابن حزم في المحلى، ولم يسنده. وقال ابن حزم هو من طريق الضحاك، وقد قال عنه ابن حجر: صدوق كثير الإرسال (المغني 9 / 55، والمحلى 9 / 427) .
(3)
حديث: " خذي ما يكفيك وولدك. . . " روى بعدة روايات للشيخين وغيرهما. (فيض القدير 3 / 436، 437) .