الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غَلَبَةِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ تَسَاوِيهِمَا:
16 -
الْمُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ اشْتِمَال الإِْبْرَاءِ عَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ: الإِْسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ، وَفِي كُل مَسْأَلَةٍ تَكُونُ الْغَلَبَةُ لأَِحَدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ تَبَعًا لِلْمَوْضُوعِ، كَالإِْبْرَاءِ عَنِ الأَْعْيَانِ، فَهُوَ لِلتَّمْلِيكِ؛ لأَِنَّ الأَْعْيَانَ لَا تَقْبَل الإِْسْقَاطَ. أَمَّا فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ فَيَجْرِي الْمَعْنَيَانِ كِلَاهُمَا. فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ مِنْ أَنَّ الإِْبْرَاءَ عَنِ الدَّيْنِ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَمَعْنَى الإِْسْقَاطِ، وَمَثَّل لِمَا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَيَرْتَدُّ بِالرَّدِّ. (1)
وَمَثَّل بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ لِمَا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى الإِْسْقَاطِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ، فَأَبْرَأَهُ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لأَِنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ، وَهَذَا إِسْقَاطٌ. وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الإِْبْرَاءُ عَنِ الزَّكَاةِ، لاِنْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ.
وَنَقَل الْقَاضِي زَكَرِيَّا عَنِ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ قَوْلَهُ: " الْمُخْتَارُ أَنَّ كَوْنَ الإِْبْرَاءِ تَمْلِيكًا أَوْ إِسْقَاطًا مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُطْلَقُ فِيهَا تَرْجِيحٌ، بَل يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ بِحَسَبِ الْمَسَائِل، لِقُوَّةِ الدَّلِيل وَضَعْفِهِ؛ لأَِنَّ الإِْبْرَاءَ إِنَّمَا يَكُونُ تَمْلِيكًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الدَّيْنَ مَالٌ، وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ مَالاً فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ، فَإِنَّ أَحْكَامَ الْمَالِيَّةِ إِنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّهِ.
وَمِمَّا غَلَبَ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَرْجِيحُهُمْ اشْتِرَاطَ الْقَبُول فِي الإِْبْرَاءِ، كَمَا سَيَأْتِي. (2)
(1) تبويب الأشباه والنظائر لابن نجيم 384
(2)
الفروع لابن مفلح 4 / 194، وشرح الروض وحواشي الرملي عليه 2 / 238، 239، والقليوبي 2 / 327، والدسوقي 4 / 99 و3 / 310
عَلَى أَنَّ هُنَاكَ مَا يَصْلُحُ بِالاِعْتِبَارَيْنِ (الإِْسْقَاطِ وَالتَّمْلِيكِ بِالتَّسَاوِي) . وَمِنْهُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْوَارِثُ مَدِينَ مُوَرِّثِهِ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَوْتِهِ، ثُمَّ بَانَ مَيِّتًا، فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ إِسْقَاطٌ يَصِحُّ، وَكَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ تَمْلِيكًا؛ لأَِنَّ الْوَارِثَ لَوْ بَاعَ عَيْنًا قَبْل الْعِلْمِ بِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ ثُمَّ ظَهَرَ مَوْتُهُ صَحَّ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَهُنَا بِالأَْوْلَى (1) .
اخْتِلَافُ الْحُكْمِ بِاخْتِلَافِ الاِعْتِبَارِ:
17 -
قَدْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِاخْتِلَافِ اعْتِبَارِ الإِْبْرَاءِ، هَل هُوَ إِسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا لَوْ وَكَّل الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ صَحَّ التَّوْكِيل، نَظَرًا إِلَى جَانِبِ الإِْسْقَاطِ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَى جَانِبِ التَّمْلِيكِ لَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ. (2)
أَرْكَانُ الإِْبْرَاءِ
تَمْهِيدٌ:
18 -
لِلإِْبْرَاءِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ، بِحَسَبِ الإِْطْلَاقِ الْوَاسِعِ لِلرُّكْنِ، لِيَشْمَل كُل مَا هُوَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ الشَّيْءِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ مَاهِيَّتِهِ أَمْ خَارِجًا عَنْهَا، كَالأَْطْرَافِ وَالْمَحَل، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ. فَالأَْرْكَانُ عِنْدَهُمْ هُنَا: الصِّيغَةُ وَالْمُبْرِئُ (صَاحِبُ الْحَقِّ أَوِ الدَّائِنُ) وَالْمُبْرَأُ (الْمَدِينُ) وَالْمُبْرَأُ مِنْهُ (مَحَل الإِْبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَقٍّ)
وَرُكْنُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ الصِّيغَةُ فَقَطْ، أَمَّا الْمُتَعَاقِدَانِ وَالْمَحَل فَهِيَ أَطْرَافُ الْعَقْدِ وَلَيْسَتْ رُكْنًا، لِمَا سَبَقَ.
(1) تبويب الأشباه والنظائر لابن نجيم 384
(2)
تبويب الأشباه والنظائر 384