الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِنْبَاطِهِمْ أَنْ يَدُلُّونَا عَلَى حُكْمٍ وَاحِدٍ اعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى هَذَا الْقَانُونِ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ وُجِدَ حُكْمٌ مُطَابِقٌ لِمَا فِي الْقَانُونِ الرُّومَانِيِّ فَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْهُ، بَل هُوَ مِمَّا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ وَمِنْ الْمَسَائِل الَّتِي لَمْ تَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْعُصُورِ وَالأَْزْمَانِ. وَعِنْدَ النَّظَرِ فِي مَصْدَرِ هَذِهِ الأَْحْكَامِ - إِنْ وُجِدَتْ - سَنَجِدُ أَنَّهَا مُعْتَمِدَةٌ عَلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ.
بَقَاءُ الْمَذَاهِبِ وَانْتِشَارُهَا:
35 -
مِمَّا تَقَدَّمَ عَلِمْنَا أَنَّ هُنَاكَ مَذَاهِبَ انْدَثَرَتْ، وَأُخْرَى بَقِيَتْ وَنَمَتْ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَالنُّفُوذِ.
وَهَذَا الْقَوْل عَلَى إِطْلَاقِهِ - مَرْدُودٌ - فَقَدْ يَكُونُ لِلسُّلْطَانِ وَالنُّفُوذِ بَعْضُ الأَْثَرِ فِي بَقَاءِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَانْتِشَارِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الأَْثَرَ ضَئِيلٌ، إِذْ إِنَّ الدَّوْلَةَ الْعَبَّاسِيَّةَ - وَكَانَ نُفُوذُهَا مُمْتَدًّا عَلَى جَمِيعِ الأَْقْطَارِ الإِْسْلَامِيَّةِ - كَانَ الْقَضَاءُ بِيَدِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيِّينَ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يَجِدْ لَهُ أَتْبَاعًا فِي الشَّمَال الإِْفْرِيقِيِّ أَوْ فِي مِصْرَ إِلَاّ قِلَّةً قَلِيلَةً، بَل إِنَّ الْكَثْرَةَ الْكَثِيرَةَ مِنْ بِلَادِ فَارِسَ كَانَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِهَا يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ إِبَّانَ هَذِهِ الدَّوْلَةِ قَاصِرًا عَلَى الْعِرَاقِ وَبِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ. كَمَا أَنَّ الدَّوْلَةَ الْعُثْمَانِيَّةَ وَكَانَ سُلْطَانُهَا يَمْتَدُّ عَلَى أَكْثَرِ الْبِلَادِ الإِْسْلَامِيَّةِ كَانَ مَذْهَبُهَا الرَّسْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبَ الْحَنَفِيَّ، وَكَانَ الْقَضَاءُ فِي كُل السَّلْطَنَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ فِي عُلَمَاءِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَمَعَ هَذَا نَجِدُ أَنَّ الشَّمَال الإِْفْرِيقِيَّ كُلَّهُ لَا يَنْتَشِرُ فِيهِ إِلَاّ مَذْهَبُ مَالِكٍ، اللَّهُمَّ إِلَاّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ فِي عَاصِمَةِ تُونُسَ فِي بَعْضِ الأُْسَرِ الْمُنْحَدِرَةِ مِنْ أَصْلٍ تُرْكِيٍّ. وَكَذَلِكَ الْحَال فِي مِصْرَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ وَمِنْهُمْ الْمَالِكِيُّونَ فِي صَعِيدِ مِصْرَ أَوْ فِي مُحَافَظَةِ الْبُحَيْرَةِ، وَلَا نَجِدُ الْحَنَفِيِّينَ إِلَاّ قِلَّةً قَلِيلَةً مُنْحَدِرَةً مِنْ أَصْلٍ تُرْكِيٍّ أَوْ شَرْكَسِيٍّ أَوْ تَمَذْهَبَ بِهَذَا الْمَذْهَبِ طَمَعًا فِي تَوَلِّي الْقَضَاءِ. . . وَإِنْ كَانَتْ حَلَقَاتُ الدِّرَاسَةِ فِي الأَْزْهَرِ عَامِرَةً بِطُلَاّبِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَلَكِنَّ الْعَامَّةَ إِمَّا شَافِعِيُّونَ أَوْ مَالِكِيُّونَ، فَأَيْنَ تَأْثِيرُ السُّلْطَانِ فِي فَرْضِ مَذْهَبٍ خَاصٍّ؟ .