الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ مَا كَانَ مِنْ وُجُودِ الْفُرْقَةِ الَّتِي لَا زِلْنَا نَكْتَوِي بِنَارِهَا إِلَى الْيَوْمِ. وَبَدَأَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ يُسَوِّغُونَ آرَاءَهُمْ بِوَضْعِ أَحَادِيثَ يَرْفَعُونَهَا إِلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ إِلَى كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الْمُتَعَصِّبُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ بَل كَانُوا مِنْ الطَّبَقَةِ التَّالِيَةِ الَّذِينَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالإِْسْلَامِ.
وَفِي هَذَا الْعَهْدِ لَمْ يَتَأَثَّرْ الْفِقْهُ بِالْقَوَانِينِ الرُّومَانِيَّةِ أَوِ الْفَارِسِيَّةِ. وَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ قَدْ اقْتَبَسُوا بَعْضَ التَّنْظِيمَاتِ الإِْدَارِيَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ أُولَئِكَ، فَلَيْسَ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا عَنْ الْخَطِّ الْمَرْسُومِ، وَهُوَ رَدُّ الأَْحْكَامِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إِمَّا بِطَرِيقٍ مُبَاشِرٍ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ الإِْجْمَاعِ أَوِ الْقِيَاسِ أَوِ الاِسْتِصْلَاحِ، فَقَدْ أَبْطَل الْمُسْلِمُونَ أَعْرَافًا كَانَتْ شَائِعَةً فِي الْبِلَادِ الْمَفْتُوحَةِ لأَِنَّهَا تُخَالِفُ التَّشْرِيعَ الإِْسْلَامِيَّ نَصًّا وَرُوحًا.
الطَّوْرُ الثَّالِثُ: طَوْرُ التَّابِعِينَ
16 -
وَهَذَا الطَّوْرُ امْتِدَادٌ لِعَهْدِ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ اشْتَرَكَ أَكْثَرُهُمْ فِي حُرُوبِ الْفِتْنَةِ. وَلَكِنَّ هَذَا الْعَهْدَ تَمَيَّزَ بِوُجُودِ مَدْرَسَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا بِالْحِجَازِ، وَالأُْخْرَى بِالْعِرَاقِ. فَأَمَّا مَدْرَسَةُ الْحِجَازِ فَكَانَ اعْتِمَادُهَا فِي الاِجْتِهَادِ عَلَى نُصُوصٍ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ، وَلَا تَلْجَأُ إِلَى الأَْخْذِ بِالرَّأْيِ إِلَاّ نَادِرًا، وَذَلِكَ لِوَفْرَةِ الْمُحَدِّثِينَ هُنَاكَ، إِذْ هُوَ مَوْطِنُ الرِّسَالَةِ، وَفِيهِ نَشَأَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَْنْصَارُ، وَسِلْسِلَةُ الرُّوَاةِ عِنْدَهُمْ قَصِيرَةٌ، إِذْ لَا يَتَجَاوَزُ التَّابِعِيُّ فِي تَحْدِيثِهِ عَنْ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ مِنْ رَاوٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحَابِيُّ غَالِبًا. وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عُدُولٌ ثِقَاتٌ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْمَدْرَسَةُ بِالْمَدِينَةِ يَتَزَعَّمُهَا أَوَّلاً: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، وَمِنْ بَعْدِهِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ، وَأُخْرَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَتَزَعَّمُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ. وَحَمَل الأَْمَانَةَ بَعْدَهُ تَلَامِيذُهُ كَعِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ وَابْنِ جُرَيْجٍ.
أَمَّا الْمَدْرَسَةُ الأُْخْرَى - وَهِيَ مَدْرَسَةُ الْعِرَاقِ - فَكَانَتْ تَلْجَأُ إِلَى الرَّأْيِ كَثِيرًا. وَالرَّأْيُ عِنْدَهُمْ يَرْجِعُ إِمَّا إِلَى الْقِيَاسِ الأُْصُولِيِّ، وَهُوَ إِلْحَاقُ مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ
فِيهَا بِمَسْأَلَةٍ فِيهَا نَصٌّ شَرْعِيٌّ، لِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَهُمَا، وَإِمَّا رَدُّ الْمَسَائِل الْمُسْتَحْدَثَةِ إِلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ الْعَامَّةِ؛ لأَِنَّ أَسَاتِذَةَ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ شَدَّدُوا فِي الرِّوَايَةِ، نَظَرًا لأَِنَّ الْعِرَاقَ كَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْطِنَ الْفِتَنِ، فَفِيهِ الشُّعُوبِيُّونَ الَّذِينَ يُكِنُّونَ الْعَدَاءَ لِلإِْسْلَامِ، وَلَكِنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِكَرَاهِيَتِهِمْ لِلْعَرَبِ، وَمِنْهُمْ الْمَلَاحِدَةُ الَّذِينَ لَا يَفْتَئُونَ يُثِيرُونَ الشُّبُهَاتِ، وَمِنْهُمْ غُلَاةُ الرَّافِضَةِ الَّذِينَ بَالَغُوا فِي حُبِّ عَلِيٍّ حَتَّى جَعَلُوهُ إِلَهًا أَوْ شِبْهَ إِلَهٍ، وَمِنْهُمْ الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ عَلِيًّا وَشِيعَتَهُ، بَل وَيَسْتَبِيحُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ عَلَى غَيْرِ نِحْلَتِهِمْ، وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ. . . فَكَانَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ يَتَحَرَّوْنَ فِي الرِّوَايَةِ، وَيُدَقِّقُونَ فِيهَا، وَيَضَعُونَ شُرُوطًا لَمْ يَلْتَزِمْهَا أَهْل الْحِجَازِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا عَمَل الصَّحَابِيِّ أَوِ التَّابِعِيِّ بِغَيْرِ مَا رَوَى قَدْحًا فِي رِوَايَتِهِ. فَيَحْمِلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُؤَوَّلَةٌ. وَكَذَلِكَ يَعْتَبِرُونَ أَنَّ انْفِرَادَ الثِّقَةِ بِرِوَايَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى قَدْحٌ فِي رِوَايَتِهِ، وَيَحْمِلُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّهَا إِمَّا مَنْسُوخَةٌ أَوْ خَطَأٌ مِنْ الرَّاوِي عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ؛ لأَِنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَاشَوْنَ وَصْفَ الثِّقَاتِ بِتَعَمُّدِ الْكَذِبِ، فَالْعَدْل قَدْ يَنْسَى أَوْ يُخْطِئُ.
وَمِنْ هُنَا كَثُرَ اعْتِمَادُ فُقَهَاءِ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ عَلَى الأَْخْذِ بِالرَّأْيِ فِيمَا يَجِدُّ لَهُمْ مِنْ أَحْدَاثٍ، اللَّهُمَّ إِلَاّ إِذَا ثَبَتَتْ عِنْدَهُمْ سُنَّةٌ لَا شَكَّ فِيهَا، أَوْ كَانَ احْتِمَال الْخَطَأِ فِيهَا احْتِمَالاً ضَعِيفًا.
وَكَانَ زَعِيمُ هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه. ثُمَّ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِ تَلَامِيذُهُ، وَأَشْهَرُهُمْ عَلْقَمَةُ النَّخَعِيُّ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَلَيْهِ تَخَرَّجَ أَئِمَّةُ هَذَا الْمَذْهَبِ.
17 -
لَيْسَ مَعْنَى أَنَّ مَدْرَسَةَ الْحِجَازِ كَانَتْ مَدْرَسَةَ الْحَدِيثِ وَالأَْثَرِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَيْنِ فُقَهَائِهَا مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّأْيِ فِي كَثِيرٍ مِنْ اسْتِنْبَاطَاتِهِ، فَقَدْ عُرِفَ فِي هَذَا الْعَهْدِ مِنْ الْحِجَازِيِّينَ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، الْمَشْهُورُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، وَهُوَ شَيْخُ الإِْمَامِ مَالِكٍ. كَمَا كَانَ فِي الْعِرَاقِ مَنْ يَكْرَهُ الأَْخْذَ بِالرَّأْيِ كَعَامِرِ بْنِ شَرَاحِيل الْمَشْهُورِ بِالشَّعْبِيِّ.
18 -
لَيْسَ مَعْنَى الْمَدْرَسَةِ فِي كَلَامِنَا هَذَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَنَا مِنْ مَبْنًى خَاصٍّ، أَوْ مَكَانٍ أُعِدَّ لِلدِّرَاسَةِ، بَل الْمُرَادُ بِالْمَدْرَسَةِ الْتِزَامُ اتِّجَاهٍ خَاصٍّ وَمَنْهَجٍ مُتَمَيِّزٍ، وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ الْجَامِعَةُ فِي الْجُمْلَةِ هِيَ مَكَانُ تَجَمُّعِ الْعُلَمَاءِ، وَفِيهَا حَلَقَاتُ التَّدْرِيسِ. عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ فِي هَذَا الْعَهْدِ كَانُوا يُفْتُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَطُرُقِهِمْ.
19 -
وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ أَكْثَرَ حَمَلَةِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْعَهْدِ كَانُوا مِنْ الْمَوَالِي، فَفِي الْمَدِينَةِ كَانَ نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي مَكَّةَ كَانَ عِكْرِمَةُ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي الْكُوفَةِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى بَنِي وَالِبَةَ، وَفِي الْبَصْرَةِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، وَفِي الشَّامِ مَكْحُول بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أُسْتَاذُ الأَْوْزَاعِيِّ، وَفِي مِصْرَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَهُوَ أُسْتَاذُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إِمَامِ أَهْل مِصْرَ. . . وَكَثِيرٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ الْمَوَالِي.
وَكَانَ هُنَاكَ عَرَبٌ خُلَّصٌ تَفَرَّغُوا لِلْعِلْمِ فِي هَذَا الْعَهْدِ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ.
وَكَانَتِ الْغَلَبَةُ فِي الْعِلْمِ فِي بَعْضِ الأَْمْصَارِ لِلْعَرَبِ، كَالْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ، وَفِي الْبَعْضِ الآْخَرِ لِلْمَوَالِي كَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ، وَالشَّامِ وَمِصْرَ، مَعَ اخْتِلَاطِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَأَخْذِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ غَضَاضَةٍ لأَِنَّ الإِْسْلَامَ نَزَعَ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَصَبِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ أَهْل الْعِلْمِ - فِي هَذَا الْعَهْدِ - كَانَ مِنْ الْمَوَالِي. وَلِهَذَا أَسْبَابٌ:
أ - أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا - يَوْمَئِذٍ - حَمَلَةَ السَّيْفِ وَقَادَةَ الْجُيُوشِ؛ لأَِنَّهُمْ مَعْدِنُ الإِْسْلَامِ، وَهُمْ عَلَيْهِ أَغْيَرُ، فَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْ التَّفَرُّغِ لِلْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَتَعَلُّمًا.
ب - أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوَالِيَ نَشَأُوا فِي بِيئَاتٍ لَهَا حَضَارَتُهَا وَثَقَافَتُهَا، وَأَرَادُوا أَنْ يُسْهِمُوا بِجُهُودِهِمْ فِي نُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ الَّذِي اعْتَنَقُوهُ طَائِعِينَ مُخْتَارِينَ. وَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْل السَّيْفِ، فَلْيَنْصُرُوا هَذَا الدِّينَ بِالْقَلَمِ.
ج - حَرَصَ سَادَتُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ حَتَّى يَحْمِلُوا عَنْهُمْ أَمَانَةَ مَا حَمَلُوا مِنْ الْعِلْمِ، فَهَذَا نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَلَّمَهُ وَهَذَّبَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَعَنْ
كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَقَال فِيهِ ابْنُ عُمَرَ: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا بِنَافِعٍ.
وَهَذَا عِكْرِمَةُ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ مَاتَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ عَلَى الرِّقِّ، فَبَاعَهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ، فَقَال عِكْرِمَةُ لِعَلِيٍّ: بِعْتَ عِلْمَ أُمَّتِكَ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَاسْتَقَال عَلِيٌّ خَالِدًا مِنْ بَيْعَتِهِ، فَأَقَالَهُ، فَأَعْتَقَهُ.
وَهَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ سَيِّدُ التَّابِعِينَ، نَشَأَ فِي بَيْتِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ السَّيِّدَةِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، وَحَسْبُكَ هَذَا فَضْلاً.
د - إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَوَالِيَ لَازَمُوا سَادَتَهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فِي حِلِّهِمْ وَتَرْحَالِهِمْ، فَكَانُوا أَعْرَفَ النَّاسِ بِسِرِّ هَؤُلَاءِ السَّادَةِ وَعَلَانِيَتِهِمْ، فَنَقَلُوا ذَلِكَ لِلأُْمَّةِ.
20 -
يُعْتَبَرُ هَذَا الْعَهْدُ - فِي الْجُمْلَةِ - امْتِدَادًا لِعَهْدِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ تَدْوِينِ شَيْءٍ سِوَى الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، اللَّهُمَّ إِلَاّ النَّزْرَ الْيَسِيرَ كَمَا تَقَدَّمَ، كَمَا لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ هَذَا الْعَهْدِ أَنَّهُ بَنَى رَأْيًا عَلَى نَظَرِيَّةٍ قَانُونِيَّةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمَصَادِرِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَإِلَاّ فَلْيَدُلَّنَا هَؤُلَاءِ الْمُشَكِّكُونَ عَلَى مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهَا مَصْدَرٌ شَرْعِيٌّ، مِنَ الْمَسَائِل الَّتِي أُثِيرَتْ فِي هَذَا الْعَهْدِ.
وَالْمَسَائِل الْمَبْنِيَّةُ عَلَى الأَْعْرَافِ خَاضِعَةٌ لِلْمِيزَانِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ رَدَّ الإِْسْلَامُ عُرْفًا مِنْهَا فَلَا قِيمَةَ لَهُ، وَالأَْخْذُ بِهِ ضَلَالَةٌ، وَإِنِ اعْتَبَرَهُ أُخِذَ بِهِ، لَا عَلَى أَنَّهُ عُرْفٌ وَلَكِنْ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ عَلَى النَّصِّ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ كَانَ الأَْخْذُ بِهِ أَوْ رَدُّهُ مَبْنِيًّا عَلَى الْمَصْلَحَةِ.
21 -
وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ كَانَتْ فِيهِ فِتَنٌ كُبْرَى إِلَاّ أَنَّ هَذِهِ الْفِتَنَ كَانَ تَأْثِيرُهَا يَكَادُ يَنْحَصِرُ فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ وَمَا يَتَّصِل بِهَا مِنْ أَحْكَامٍ.
22 -
وَبِالرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْعَهْدَ كَانَ مُعَاصِرًا لِعَهْدِ الأُْمَوِيِّينَ، وَالْخُلَفَاءُ فِي هَذِهِ الدَّوْلَةِ يَتَفَاوَتُونَ فِي سِيَاسَتِهِمْ بَيْنَ اللِّينِ وَالشِّدَّةِ وَالتَّوَسُّطِ بَيْنَهُمَا، إِلَاّ أَنَّ الْكُل كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَلَاّ يَرْتَكِبَ كُفْرًا بَوَاحًا، وَمَنْ فَعَل مِنْهُمْ شَيْئًا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ