الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ صِلَتِهِ بِالإِْبْرَاءِ مَا جَاءَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ إِنْ وَقَعَتْ بِلَفْظِ (التَّرْكِ) كَأَنْ يَقُول: تَرَكْتُ الدَّيْنَ، أَوْ: لَا آخُذُهُ مِنْكَ، فَهِيَ كِنَايَةُ إِبْرَاءٍ. وَلَكِنْ نَقَل الْقَاضِي زَكَرِيَّا الْقَوْل بِأَنَّ ذَلِكَ إِبْرَاءٌ صَرِيحٌ. وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَالْمُقْرِي (1) .
وَالتَّرْكُ يُسْتَعْمَل لِلإِْسْقَاطِ عُمُومًا بِحَيْثُ يَحْصُل بِهِ مَا يَحْصُل بِلَفْظِ الإِْسْقَاطِ وَيُعْطَى أَحْكَامَهُ، وَلِذَا أَوْرَدَهُ الرَّمْلِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي عِدَادِ الأَْلْفَاظِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ الإِْسْقَاطُ فِيهَا إِلَى قَبُولٍ - كَالإِْبْرَاءِ عِنْدَهُمْ - فِي حِينِ يَحْتَاجُ لَفْظُ الصُّلْحِ إِلَى الْقَبُول (2) .
وَقَدْ يُطْلَقُ التَّرْكُ عَلَى الاِمْتِنَاعِ مِنِ اسْتِعْمَال الْحَقِّ دُونَ إِسْقَاطِهِ، كَتَرْكِ الزَّوْجَةِ حَقَّهَا فِي الْقَسْمِ وَمَنْحِهِ لِلزَّوْجَةِ الأُْخْرَى، فَإِنَّ لَهَا الرُّجُوعَ وَطَلَبَ الْقَسْمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَل.
وَالْغَالِبُ أَنْ يُسْتَعْمَل لَفْظُ التَّرْكِ فِي الدَّعْوَى، فَالْمُدَّعِي فِي أَشْهَرِ تَعْرِيفَاتِهِ " مَنْ إِذَا تَرَكَ (أَيْ دَعْوَاهُ) تُرِكَ " وَهَذَا حَيْثُ لَمْ يَصْدُرْ دَفْعٌ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِدَعْوَاهُ، فَإِنْ حَصَل لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي التَّرْكُ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ الْكَيْدَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَيُلْزَمُ بِالاِسْتِمْرَارِ فِي الدَّعْوَى لِلْفَصْل فِيهَا. وَاعْتَبَرَ بَعْضُهُمْ هُنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُدَّعِيًا أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ لَهُ فِي كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُ طَلَبُ دَفْعِ التَّعَرُّضِ (3) .
(1) إعانة الطالبين 3 / 152، وتحفة المحتاج بحاشية الشرواني 6 / 305 ط صادر، وشرح الروض وحواشي الرملي 2 / 481، 482
(2)
شرح الروض 2 / 215 وحواشي الرملي عليه.
(3)
حاشية ابن عابدين 4 / 419 ط الأولى بولاق.
صِفَةُ الإِْبْرَاءِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
12 -
الإِْبْرَاءُ مَشْرُوعٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَتَعْرِضُ لَهُ الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْخَمْسَةُ الْمَعْرُوفَةُ:
فَيَكُونُ وَاجِبًا إِذَا سَبَقَهُ اسْتِيفَاءٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِالْبَرَاءَةِ لِمُسْتَحِقِّهَا، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَدْل الْمَأْمُورِ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْل} (1) وَالْمُؤَكَّدِ بِالْحَدِيثِ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ (2) وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي بَابِ السَّلَمِ: إِذَا أَحْضَرَ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَال السَّلَمِ الْحَال لِغَرَضِ الْبَرَاءَةِ أُجْبِرَ الْمُسَلِّمُ عَلَى الْقَبُول أَوِ الإِْبْرَاءِ. فَهَذَا وَاجِبٌ تَخْيِيرِيٌّ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُفْلِسِ فَلَهُ إِجْبَارُ الْغُرَمَاءِ عَلَى أَخْذِ الْعَيْنِ إِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ، أَوْ إِبْرَائِهِ. (3)
وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، كَمَا لَوْ جَاءَ ضِمْنَ عَقْدٍ بَاطِلٍ، لأَِنَّ اسْتِبْقَاءَ الْبَاطِل حَرَامٌ، عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بُطْلَانِ الإِْبْرَاءِ.
وَتَعْرِضُ لَهُ الْكَرَاهَةُ فِيمَا إِذَا أَبْرَأَ وَارِثَهُ أَوْ غَيْرَهُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ حَيْثُ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ، وَمُسْتَنَدُ الْكَرَاهَةِ مَا فِي ذَلِكَ الإِْبْرَاءِ مِنْ تَضْيِيعِ وَرَثَتِهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ حِينَ هَمَّ بِالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ: إِنَّكَ أَنْ
(1) سورة النساء الآية 58
(2)
حديث " على اليد ما أخذت. . . " أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا وأبو داود والترمذي عنه بلفظ " حتى تؤدي " وقد اختلف في سماع الحسن من سمرة. (المقاصد الحسنة ص 290 نشر الخانجي بمصر)
(3)
القليوبي 2 / 256، وشرح الروض 2 / 201