الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَدِيَّةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، لأَِنَّهُ تَحْصِيل مَنْفَعَةٍ كَالاِحْتِشَاشِ وَالاِصْطِيَادِ، وَتَكُونُ لِسَيِّدِهِ لَا لَهُ.
وَلَوْ أَبَى الْعَبْدُ قَبُول الْهِبَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى قَبُولِهَا (1) .
الْحَجْرُ عَلَى الرَّقِيقِ:
110 -
الرَّقِيقُ فِي الأَْصْل مَحْجُورٌ عَلَيْهِ شَرْعًا لِحَظِّ سَيِّدِهِ. فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِ الْمَال، أَوْ يَتَّجِرَ أَوْ يَسْتَأْجِرَ أَوْ يُؤَجِّرَ، وَلَوْ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ إِلَاّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، فَإِنْ فَعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ دُونَ إِذْنٍ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلاً أَوْ مَوْقُوفًا، عَلَى الْخِلَافِ فِي تَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ. وَقِيل: يَصِحُّ الشِّرَاءُ لأَِنَّ الثَّمَنَ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ.
وَإِذَا لَزِمَ الرَّقِيقَ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِغَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِ، كَأَنِ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ أَوِ اقْتَرَضَ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ يَتَّبِعُهُ الْغَرِيمُ بِهِ إِذَا عَتَقَ وَأَيْسَرَ، كَالْحُرِّ، وَكَالأَْمَةِ إِذَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ كَأَرْشِ جِنَايَتِهِ، فَإِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ فَدَاهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ
(1) الزرقاني 3 / 218، وكشاف القناع 4 / 303.
فِدَاؤُهُ بِمَا يَزِيدُ عَنْ قِيمَتِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لِلدَّائِنِ عِوَضَ دَيْنِهِ (1) .
الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ:
111 -
يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِرَقِيقِهِ فِي التَّصَرُّفِ وَالْمُتَاجَرَةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لأَِنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ كَانَ لِحَقِّ سَيِّدِهِ، فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِإِذْنِهِ (2) .
ثُمَّ قَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الإِْذْنَ يَتَحَدَّدُ بِقَدْرِ مَا أَذِنَ السَّيِّدُ، وَيَنْفَكُّ عَنْهُ حَجْرُهُ بِقَدْرِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَجْرُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالاً يَتَّجِرُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ وَيَتَّجِرَ فِيهِ، إِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ فِي ذِمَّتِهِ جَازَ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ نَوْعًا مِنَ الْمَال يَتَّجِرُ فِيهِ جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الاِتِّجَارُ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، وَلَا أَنْ يُؤَجِّرَ مَال التِّجَارَةِ كَدَوَابِّهَا، وَلَا أَنْ يَتَوَكَّل لإِِنْسَانٍ؛ لأَِنَّ الإِْذْنَ لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ. وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَصَرَّفُ الرَّقِيقُ الْمَأْذُونُ بِالْوَكَالَةِ وَالنِّيَابَةِ عَنْ سَيِّدِهِ.
وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَال التِّجَارَةِ - وَلَوْ يَسِيرًا - مَا لَمْ يَعْلَمْ بِرِضَا سَيِّدِهِ
(1) المغني 4 / 247 - 249 و5 / 77، والمنهاج وشرح المحلي بحاشية القليوبي 2 / 242، والزرقاني 5 / 302.
(2)
المغني 5 / 77.
بِذَلِكَ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي هَذَا مِثْل قَوْل الْحَنَفِيَّةِ كَمَا يَأْتِي.
قَال الْجُمْهُورُ: وَلَا بُدَّ مِنَ الإِْذْنِ بِالْقَوْل، فَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مَأْذُونًا (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرَّقِيقَ الْمَأْذُونَ يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ فِي مَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ.
قَالُوا: وَالإِْذْنُ هُنَا إِنَّمَا هُوَ إِسْقَاطٌ لِلْحَقِّ، وَلَيْسَ تَوْكِيلاً أَوْ إِنَابَةً، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ الرَّقِيقُ لِنَفْسِهِ بِمُقْتَضَى أَهْلِيَّتِهِ، فَلَا يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ وَلَا يَتَخَصَّصُ بِنَوْعٍ، فَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا صَارَ مَأْذُونًا مُطْلَقًا حَتَّى يُعِيدَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لأَِنَّ الإِْسْقَاطَ لَا يَتَوَقَّتُ. وَإِذَا أَذِنَ لَهُ فِي نَوْعٍ عَمَّ إِذْنُهُ الأَْنْوَاعَ كُلَّهَا وَلَوْ نَهَاهُ عَنْهَا صَرِيحًا، كَأَنْ قَال: اشْتَرِ الْبَزَّ وَلَا تَشْتَرِ غَيْرَهُ، فَتَصِحُّ مِنْهُ كُل تِجَارَةٍ.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَيَثْبُتُ الإِْذْنُ لِلْعَبْدِ فِي التِّجَارَةِ دَلَالَةً، فَلَوْ رَأَى السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي مَا أَرَادَ فَسَكَتَ السَّيِّدُ صَارَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا، إِلَاّ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَا قُصِدَ بِهِ مِنَ الإِْذْنِ الاِسْتِخْدَامُ، كَأَنْ يَطْلُبَ مِنْ عَبْدِهِ شِرَاءَ شَيْءٍ لِحَاجَتِهِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِذْنًا فِي التِّجَارَةِ، وَبَيْنَ مَا قُصِدَ بِهِ فَكُّ الْحَجْرِ.
قَالُوا: وَلِلْمَأْذُونِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيُوَكِّل
(1) المغني4 / 249 و5 / 77، 78، وابن عابدين 5 / 99، وشرح المنهاج بحاشية القليوبي 2 / 242 وما بعدها.
بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَيَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ، وَيُعِيرَ الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ؛ لأَِنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَى عَبْدِهِ، وَتُقْبَل الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَوْلَاهُ. وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الأَْرْضَ إِجَارَةً أَوْ مُسَاقَاةً أَوْ مُزَارَعَةً، وَيُشَارِكَ عِنَانًا لَا مُفَاوَضَةً، وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيُؤَجِّرَ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ وَيُقِرَّ بِنَحْوِ وَدِيعَةٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيُهْدِي طَعَامًا يَسِيرًا بِمَا لَا يُعَدُّ سَرَفًا، وَأَنْ يُضِيفَ الضِّيَافَةَ الْيَسِيرَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَهُ وَلَوْ عَلَى مَالٍ، وَلَا أَنْ يُقْرِضَ أَوْ يَهَبَ وَلَوْ بِعِوَضٍ، وَلَا يَكْفُل بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ، وَلَا يُصَالِحَ عَنْ قِصَاصٍ وَجَبَ عَلَيْهِ (1) . وَفِي الْهِدَايَةِ: لَا بَأْسَ بِقَبُول هَدِيَّةِ الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ بِخِلَافِ هَدِيَّتِهِ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ، اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ بُطْلَانُهُ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِل هَدِيَّةَ سَلْمَانَ رضي الله عنه حِينَ كَانَ عَبْدًا (2) ، وَقَبِل هَدِيَّةَ بَرِيرَةَ رضي الله عنها (3) . وَأَجَابَ بَعْضُ
(1) الدر المختار وابن عابدين 5 / 99 - 104.
(2)
حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل هدية سلمان رضي الله عنه " أخرجه أحمد (5 / 443 - ط الميمنية) من حديث سلمان، وقال الهيثمي في المجمع (9 / 336 - ط القدسي) :" رجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ".
(3)
حديث: " قبوله هدية بريرة ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 410 - ط السلفية) من حديث عائشة.