الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي يَدِهِ، لَمْ يُصَدَّقْ إِلَاّ بِبَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ، فَإِنِ اسْتَنَدَتِ الْيَدُ إِلَى الْتِقَاطٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الأَْظْهَرِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ اسْتِنَادُهُ إِلَى الْتِقَاطٍ صُدِّقَ وَحُكِمَ لَهُ، كَمَا لَوِ ادَّعَى ثَوْبًا فِي يَدِهِ، فَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا فَالأَْصَحُّ يُحْكَمُ لَهُ بِرِقِّهِ، وَلَا أَثَرَ لإِِنْكَارِهِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْبَالِغِ، ثُمَّ إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ الَّذِي حُكِمَ بِرِقِّهِ وَأَنْكَرَ الرِّقَّ فَالأَْصَحُّ اسْتِمْرَارُ الرِّقِّ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ، وَالثَّانِي: يُصَدَّقُ مُنْكِرُ الرِّقِّ إِلَاّ أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ (1) .
وَيَكْفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الرِّقِّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ (2) .
وَمَنِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَال الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَل أَنَا حُرٌّ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا. قَال الْبُهُوتِيُّ: وَيُخَلَّى سَبِيلُهُ، لأَِنَّ الأَْصْل الْحُرِّيَّةُ، وَالرِّقُّ طَارِئٌ وَلَمْ يَثْبُتْ (3) .
ثُبُوتُ الرِّقِّ بِالإِْقْرَارِ:
6 -
قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ صَبِيٌّ مَجْهُول النَّسَبِ فِي يَدِ رَجُلٍ وَهُوَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ يَعْقِل فَحْوَى مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ، وَادَّعَى الرَّجُل رِقَّهُ، فَقَال الصَّبِيُّ: أَنَا حُرٌّ، فَالْقَوْل قَوْلُهُ؛ لأَِنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَلَوْ قَال: أَنَا عَبْدٌ لِفُلَانٍ - لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ -
(1) روضة الطالبين 12 / 77، 78.
(2)
روضة الطالبين 11 / 255، والمنهاج وشرحه للمحلي 3 / 128.
(3)
كشاف القناع 6 / 397.
فَهُوَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ؛ لأَِنَّهُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ إِذَا أَقَرَّ بِالرِّقِّ وَهُوَ مَجْهُول النَّسَبِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى مَنْ كَانَ عِنْدَ إِقْرَارِهِ بَالِغًا (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَثْبُتُ الرِّقُّ بِإِقْرَارِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِ الْبَالِغِ (2) لَكِنْ إِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ مَنْ هُوَ ثَابِتُ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ، فَلَوْ أَقَرَّتْ حُرَّةٌ لِزَوْجِهَا بِأَنَّهَا أَمَتُهُ، فَبَاعَهَا لِلْجُوعِ وَالْغَلَاءِ، فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي، قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَلَا تَعْزِيرَ؛ لِعُذْرِهَا بِالْجُوعِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى زَوْجِهَا بِالثَّمَنِ (3) . أَيْ لأَِنَّهَا حُرَّةٌ فَلَا تُرَقُّ بِذَلِكَ.
مَنْ يَمْلِكُ الرَّقِيقَ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُهُ:
أَوَّلاً: الْكَافِرُ:
7 -
لَا يَجُوزُ لِلْكَافِرِ اسْتِدَامَةُ تَمَلُّكِ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ اتِّفَاقًا. وَهَذَا الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لأَِنَّ الإِْسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى، وَلِمَا فِيهِ مِنْ إِهَانَةِ الْمُسْلِمِ بِمِلْكِ الْكَافِرِ لَهُ. وَقِيَاسًا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً، بَل أَوْلَى.
وَقَدْ يَدْخُل الرَّقِيقُ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فِي
(1) الهداية وفتح القدير 6 / 250.
(2)
كشاف القناع 6 / 392.
(3)
الزرقاني 7 / 80.
صُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ، لَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ لِمُسْلِمٍ، أَوْ إِعْتَاقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ تِلْكَ الصُّوَرِ:
1 -
أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ كَافِرٍ عَبْدٌ كَافِرٌ فَيُسْلِمُ. فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ يُؤْمَرُ الْكَافِرُ بِبَيْعِهِ تَخْلِيصًا لِلْعَبْدِ الَّذِي أَسْلَمَ مِنْ بَقَائِهِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ.
2 -
وَمِنْهَا أَنْ يَمْلِكَهُ بِالشِّرَاءِ، وَهَذَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ: فَيَصِحُّ وَيُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ مَالِكٍ، وَالْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ: لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ مُسْلِمًا أَصْلاً.
وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْمُسْلِمِ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ لِكَافِرٍ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ، إِذِ الْخِلَافُ فِي الصِّحَّةِ لَا فِي التَّحْرِيمِ.
وَيُسْتَثْنَى مَا إِذَا اشْتَرَى الْكَافِرُ مُسْلِمًا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ، أَوِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي الْحَال، فَذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، وَلِذَلِكَ أَجَازَهُ أَيْضًا الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ يَزُول فِي الْحَال عَقِبَ الشِّرَاءِ مُبَاشَرَةً، وَيَحْصُل ذَلِكَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، بِدُونِ تَوَقُّفٍ عَلَى تَصَرُّفٍ مِنَ الْمَالِكِ، وَيَحْصُل بِهِ مِنْ نَفْعِ الْحُرِّيَّةِ أَضْعَافُ مَا حَصَل مِنَ الإِْهَانَةِ بِالْمِلْكِ فِي لَحْظَةٍ يَسِيرَةٍ. وَهَكَذَا كُل شِرَاءٍ يَسْتَتْبِعُ عِتْقًا.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُمْنَعُ بَيْعُ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى بَيْعُهُ فَلَا يُفْسَخُ، وَيُجْبَرُ عَلَى إِزَالَةِ
مِلْكِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (1) .
وَلَوْ وَكَّل كَافِرٌ مُسْلِمًا فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ لَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ عِنْدَ مَنْ مَنَعَ شِرَاءَ الْكَافِرِ لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ؛ لأَِنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّل، وَالْمُوَكِّل لَيْسَ بِأَهْلٍ لِشِرَائِهِ كَمَا لَوْ وَكَّل مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فِي شِرَاءِ خَمْرٍ.
وَإِنْ وَكَّل الْمُسْلِمُ كَافِرًا يَشْتَرِي لَهُ رَقِيقًا كَافِرًا صَحَّ، أَمَّا إِنْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ رَقِيقٍ مُسْلِمٍ فَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ كَانَ لِمَا فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَالْمِلْكُ هُنَا يَثْبُتُ لِلْمُسْلِمِ، فَلَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَانِعُ.
وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ؛ لأَِنَّ مَا مَنَعَ مِنْ شِرَائِهِ مَنَعَ مِنَ التَّوَكُّل فِيهِ، كَتَوَكُّل الْمُحْرِمِ فِي شِرَاءِ صَيْدٍ، وَتَوَكُّل الْكَافِرِ فِي عَقْدِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ، وَتَوَكُّل الْمُسْلِمِ فِي شِرَاءِ خَمْرٍ لِذِمِّيٍّ (2) .
وَإِنْ كَانَ عَبْدٌ كَافِرٌ فِي مِلْكِ شَخْصٍ كَافِرٍ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ، لَمْ يَزُل مِلْكُ صَاحِبِهِ بِإِسْلَامِهِ، لَكِنْ لَا يُقَرُّ فِي يَدِهِ، بَل يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا يَكْفِي الرَّهْنُ أَوِ التَّزْوِيجُ أَوِ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَهُمَا (3) .
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 40، المغني 4 / 365، وروضة الطالبين 3 / 344، 347، وجواهر الإكليل 2 / 3، مكة المكرمة، دار الباز، مصور عن طبعة القاهرة 1332هـ.
(2)
المغني 4 / 265.
(3)
روضة الطالبين 3 / 347.