الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْكُ التَّكَسُّبِ فِي رَمَضَانَ لِلتَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ:
15 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاِكْتِسَابَ فَرْضٌ لِلْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَل: الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل، أَمِ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ؟ .
فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْكَسْبِ أَفْضَل؛ لأَِنَّ مَنْفَعَةَ الاِكْتِسَابِ أَعَمُّ، فَمَنِ اشْتَغَل بِالزِّرَاعَةِ - مَثَلاً - عَمَّ نَفْعُ عَمَلِهِ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنِ اشْتَغَل بِالْعِبَادَةِ نَفَعَ نَفْسَهُ فَقَطْ.
وَبِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الأَْرْحَامِ وَالإِْحْسَانِ إِلَى الأَْقَارِبِ وَالأَْجَانِبِ، وَفِي التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ لَا يَتَمَكَّنُ إِلَاّ مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الأَْنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ أَفْضَل احْتَجَّ بِأَنَّ الأَْنْبِيَاءَ وَالرُّسُل عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الأَْوْقَاتِ، وَكَانَ اشْتِغَالُهُمْ بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرُ، فَيَدُل هَذَا عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الاِشْتِغَال بِالْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّهُمْ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَخْتَارُونَ لأَِنْفُسِهِمْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ.
وَعَلَيْهِ فَمَنْ مَلَكَ مَا يَكْفِي حَاجَتَهُ فِي رَمَضَانَ كَانَ الأَْفْضَل فِي حَقِّهِ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ طَلَبًا لِلْفَضْل فِي هَذَا الشَّهْرِ، وَإِلَاّ كَانَ الأَْفْضَل فِي حَقِّهِ التَّكَسُّبَ حَتَّى لَا يَتْرُكَ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيل مَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ الْخَيْوَانِيِّ قَال: شَهِدْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَتَاهُ مَوْلًى لَهُ فَقَال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا - يَعْنِي رَمَضَانَ - قَال لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: هَل تَرَكْتَ لأَِهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ؟ قَال: لَا، قَال: أَمَا لَا، فَارْجِعْ فَدَعْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ (1) وَقَدْ تَرْجَمَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لأَِخْلَاقِ الرَّاوِي وَآدَابِ السَّامِعِ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: ذِكْرُ مَا يَجِبُ عَلَى طَالِبِ الْحَدِيثِ مِنْ الاِحْتِرَافِ لِلْعِيَال وَاكْتِسَابِ الْحَلَال (2) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (اكْتِسَاب) .
(1) حديث: " كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت ". أخرجه أحمد (2 / 195 - ط الميمنية) والخطيب البغدادي في الجامع (1 / 97 - ط مكتبة المعارف) والسياق للخطيب، وذكر الذهبي في الميزان (4 / 350 - ط الحلبي) أن راويه عن عبد الله بن عمرو فيه جهالة، ولكن الحديث صحيح بلفظ:" كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته ". أخرجه مسلم (2 / 692 - ط الحلبي) .
(2)
الجامع للخطيب البغدادي 1 / 97، الكسب للشيباني ص44، 48.