الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَفْدِيَهُ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَال: إِذَا جَنَى الْعَبْدُ فَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ. وَلأَِنَّ الأَْصْل فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الآْدَمِيِّ فِي حَالَةِ الْخَطَأِ أَنْ تَتَبَاعَدَ عَنِ الْجَانِي تَحَرُّزًا عَنِ اسْتِئْصَالِهِ وَالإِْجْحَافِ بِهِ، إِذْ هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَمَّدِ الْجِنَايَةَ، وَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إِذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ، وَالسَّيِّدُ عَاقِلَةُ عَبْدِهِ؛ لأَِنَّ الْعَبْدَ يَسْتَنْصِرُ بِهِ - وَالأَْصْل فِي الْعَاقِلَةِ النُّصْرَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَتَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنِ الإِْهْدَارِ.
وَهَذَا عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَال لأَِنَّ الْعَوَاقِل لَا تَحْمِل الْمَال. وَالْوَاجِبُ الأَْصْلِيُّ مِنَ الأَْمْرَيْنِ عِنْدَهُمْ دَفْعُ الْعَبْدِ الْجَانِي إِلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَل الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْل إِلَى الأَْمْرِ الثَّانِي وَهُوَ الْفِدَاءُ بِالأَْرْشِ.
قَالُوا: فَإِنْ دَفَعَهُ مَالِكُهُ مَلَكَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا، وَكُلٌّ مِنَ الأَْمْرَيْنِ يَلْزَمُ حَالاً، أَمَّا الدَّفْعُ فَلأَِنَّ التَّأْجِيل فِي الأَْعْيَانِ بَاطِلٌ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلأَِنَّهُ جُعِل بَدَلاً، فَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيَأْخُذُ حُكْمَهُ فَيَجِبُ حَالاً. وَأَيُّهُمَا اخْتَارَهُ وَفَعَلَهُ فَلَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ غَيْرُهُ.
فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَل حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَل الْحَقِّ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَمَا اخْتَارَ الْوَلِيُّ الْفِدَاءَ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّل الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى.
وَالاِخْتِيَارُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْل، وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْل فَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ مَعَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَكَذَا كُل مَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يُدَبِّرَهُ، أَوْ يَسْتَوْلِدَ الأَْمَةَ الثَّيِّبَ، أَوْ يَطَأَ الْبِكْرَ.
وَأَمَّا إِذَا قَتَل الْعَبْدُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُمُ الْقِصَاصُ كَمَا تَقَدَّمَ (1) .
الْكَفَّارَةُ فِي قَتْل الرَّقِيقِ:
121 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ فِي قَتْل الرَّقِيقِ - بِالإِْضَافَةِ إِلَى قِيمَتِهِ الْوَاجِبَةِ لِسَيِّدِهِ - الْكَفَّارَةَ وَلَوْ قَتَل عَبْدَ نَفْسِهِ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ كَذَلِكَ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (2) . الآْيَةَ، وَلأَِنَّهُ مُؤْمِنٌ فَأَشْبَهَ الْحُرَّ، وَهِيَ كَكَفَّارَةِ قَتْل الْحُرِّ سَوَاءٌ، عَلَى التَّفْصِيل وَالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ (ر: كَفَّارَة) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ كَفَّارَةٌ فِي قَتْل الْعَبْدِ لأَِنَّهُ مَالٌ، وَيُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، كَمَا لَا كَفَّارَةَ فِي إِتْلَافِ سَائِرِ الْمُمْتَلَكَاتِ. وَالتَّكْفِيرُ مَعَ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ. قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَحُكْمُ الرَّقِيقِ فِي التَّكْفِيرِ إِذَا قَتَل حُرًّا أَوْ عَبْدًا حُكْمُ الْحُرِّ مِنْ حَيْثُ أَصْل التَّكْفِيرِ (3) .
(1) الهداية 8 / 355 - 360 وتكملة فتح القدير.
(2)
سورة النساء / 92.
(3)
المغني 8 / 93، وجواهر الإكليل 2 / 272، والقليوبي وعميرة 4 / 162.