المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول

‌المسألة 69: اشتغال العامل عن المعمول

أ- في مثل: "شاورت الخبير" - يتعدى الفعل المتصرف: "شاور" بنفسه إلى مفعول به واحد؛ فينصبه؛ ككلمة: "الخبير" هنا، ويجوز - لسبب بلاغي، أو غيره - أن يتقدم هذا المفعول به الواحد على فعله1، ويحل في مكانه بعد تقدمه أحد شيئين:

إما ضمير عائد إليه، يعمل فيه الفعل الموجود النصب مباشرة، ويستغنى به عن ذلك المفعول المتقدم، فنقول: الخبير شاروته "فالهاء ضمير حل محل المفعول السابق، واكتفى به الفعل".

وإما لفظ ظاهر آخر، يعمل فيه الفعل المنصرف النصب أيضًا؛ بشرط أن يكون هذا اللفظ الظاهر سببًا2 للمفعول به المتقدم الذي استغنى عنه الفعل، وأن يكون مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: الخبير شاورت زميله، فاللفظ الظاهر:"زميل" هو الذي حل محل المفعول به السابق، وهو سببي له ومضاف، والضمير في آخره مضاف إليه، عاد على المفعول به المتقدم.

والسببي في هذا المثال مضاف، ولكنه في مثال آخر قد يكون متبوعًا بنعت، ونعته هو المشتمل على الضمير المطلوب؛ نحو: التجارة عرفت رجلًا يتقنها؛ فجملة "يتقنها" نعت، وفيها الضمير العائد، وقد يكون متبوعًا بعطف بيان مشتمل على ذلك الضمير أيضًا؛ نحو: الصديق أكرمت الولد أباه، وقد يكون متبوعًا

1 بشرط ألا يفصل بين الفعل والمفعول به المتقدم فاصل، غير توابع الاسم المتقدم "من: النعت والتوكيد والعطف البياني، أو العطف بالواو، والبدل"، وغير المضاف إليه، وغير الظرف، وغير الجار ومجروره، ويصح الفصل بالأمرين؛ الظرف والجار ومجروره معًا، كما يجوز الفصل بما لا بد منه مما يقتضيه المقام، وذكر الضمير، فإن كان العامل وصفًا صالحًا للعمل جاز الفصل - كما سيجيء في ص 129.

2 المراد بالسببي للاسم: كل شيء له صلة وعلاقة بذلك الاسم، سواء أكانت صلة قرابة، أم صدقة، أم عمل أم غير هذا معًا يكون فيه جمع، وارتباط بين الاسمين بنوع من أنواع الجمع والارتباط.

ص: 124

بعطف نسق بالواو -دون غيرها- مشتملًا على الضمير المذكور، نحو: الزميلة أكرمت الوالد وأهلها، ولا يصلح من التوابع سببي غير أحد هذه الثلاثة.

ومن الممكن حذف ما حل محل المفعول به السابق من ضميره العائد إليه مباشرة، أو سببية المشتمل على ضميره يعود عليه كذلك، ومتى وقع هذا الحذف صار الاسم المتقدم مفعولًا به للفعل المتأخر عنه كما كان، وتفرغ هذا الفعل لنصبه.

وكالأمثلة السابقة نظائرها؛ نحو: يصاحب العاقل الأخيار

أنجز الوعد

وأشباههما؛ حيث ينصب الفعل المتصرف مفعولًا به واحدًا1؛ يجوز أن يتقدم على عامله، ويحل محله أحد الشيئين؛ إما ضميره العائد عليه مباشرة، والذي يعمل فيه الفعل الموجود النصب، ويستغنى به عن المفعول السابق؛ فنقول: الأخيار يصاحبهم العاقل - الوعد أنجزه - وإما لفظ ظاهر سببي يشتمل على ضمير يعود على المفعول به المتقدم، ويشتغل الفعل الموجود بنصبه، ويكتفي به عن ذلك المفعول؛ فنقول: الأخيار يصاحب العاقل زملاءهم - الوعد أنجز صاحبه

وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يكون مضافًا، أو منعوتًا، أو عطف بيان، أو عطف نسف بالواو، مع اشتمال كل واحد على الضمير العائد إلى الاسم السابق.

ويصح - كما سبق - حذف الضمير العائد على ذلك الاسم المتقدم، كما يصح حذف السببي وما فيه من ضمير عائد عليه أيضًا؛ فيصير الاسم المتقدم في الحالتين مفعولًا به للفعل المتأخر، ويتفرغ هذا الفعل لنصبه بعد أن كان قد انصرف عنه إلى الضمير المباشر، أو إلى السببي.

ب- وليس من اللازم أن يكون الفعل المتصرف متعديًا بنفسه مباشرة إلى المفعول به الواحد؛ وإنما يجوز أن يكون هذا الفعل قاصرًا لا يتعدى إلى المفعول به إلا بمساعدة حرف جر أصلي؛ نحو: فرحت بالنصر؛ فالفعل: "فرح" لازم لم ينصب مفعوله "وهو: النصر" بنفسه مباشرة؛ وإنما نصبه بمعونة حرف الجر:

1 وقد ينصب أكثر من واحد، ولكن الذي يتقدم عليه واحد فقط - كما سيأتي في رقم 2 من هامش ص127.

ص: 125

"الباء"، فكلمة "النصر" في ظاهرها مجرورة بالباء، ولكنها في المعنى والحكم بمنزلة المفعول به1، ويصح في هذه الكلمة المجرورة التي تعتبر بمنزلة المفعول به في المعنى والحكم، أن تتقدم وحدها -دون حرف الجر- على فعلها؛ بشرط أن يحل محلها بعد حرف الجر مباشرة أحد الشيئين: إما الضمير الذي يعمل فيه الفعل معًا وحكمًا، والذي يعود على المفعول به المعنوي السابق؛ نحو: النصر فرحت به، وإما لفظ آخر سببي، يعمل فيه الفعل، ويشتمل على ضمير يعود على المفعول به المعنوي "المحكمي" السابق، نحو: النصر فرحت بأبطاله2.

ومثل هذا يقال في النظائر: من نحو؛ ينتصر الحق على الباطل - سر في طريق الخير

، حيث يصح: الباطل ينتصر الحق عليه - الباطل ينتصر الحق على أعوانه - طريق الخير سر فيه - طريق الخير سر في جوانبه، وهكذا، من غير أن نتقيد في السببي بأن يكون مضافًا؛ فقد يصح أن يكون واحدًا من التوابع الثلاثة التي ذكرناها.

ومن الممكن حذف الضمير أو السببي، فيرجع الاسم السابق إلى مكانه القديم فيعمل فيه عامله الجر.

جـ- وليس من اللازم أيضًا أن يكون العامل فعلًا، فقد يكون3 اسم

1 ومع أنها بمنزلة المفعول به معنى وحكمًا لا يجوز نصبها مع وجود حرف الجر قبلها، كما لا يجوز -في الرأي الأنسب- اعتبارها في محل نصب: ولهذا لا يصح في توابعها إلا الجر فقط.

"راجع رقم 3 من هامش ص 117 ثم رقم 3 من هامش ص 151 م 70 - حيث الرأي الآخر، والتعليق عليه".

2 إذا كان الاسم المشتغل عنه ظرفًا وجب في الضمير العائد عليه أن يجر بالحرف "في" نحو: يوم الخميس سافرت فيه، وهذا هو المشهور، ويجوز حذف حرف الجر؛ توسعًا، فيقال: سافرته؛ طبقًا للبيان المفصل الذي سيجيء في رقم 3 من هامش ص 247، ورقم 1 من هامش ص 252.

3 لا يكون العامل هنا إلا فعلًا متصرفًا، أو اسم فاعل، أو صيغة مبالغة، أو اسم مفعول، ولا يكون صفة مشبهة، ولا تفضيلًا، ولا وصف آخر؛ لأن ما بعد هذه الثلاثة من معمولاتها لا يكون مفعولًا به، ويشترط في هذا الوصف العامل ألا يوجد ما يمنعه من العمل في المتقدم؛ كاسم الفاعل المبدوء بكلمة "أل"، وكذلك إذا كان مجردًا منها ومعناه المضي المحض، فإنه لا ينصب مفعولًا به بعده، فلا يصلح أن يوضح عاملًا قبله، أو يرشد إليه إن كان محذوفًا، فلا اشتغال في مثل: المخترع أنا المادحه، ولا المخترع أنا مادحه أمس، ولا اشتغال إذا كان اسم المفعول للماضي، أو مقرونًا بأل، أو كان العامل اسم فعل؛ لأن اسم الفعل لا يتقدم معموله عليه؛ فهو لا يعمل فيما قبله؛ والذي لا يتقدمه مفعوله لا يصلح أن يكون موضحًا ولا دالًا على عامل قبله محذوف، لهذا السبب نفسه لا يصح الاشتغال إذا كان العامل مصدرًا،

أو فعلا جامدًا، كفعل التعجب، وعسى، وليس، وغيرها من كل ما ليس له مفعول به، أو لا يصلح أن يتقدم عليه مفعوله، هذا إلى أن العامل في الاشتغال لا بد أن يكون مشتقًا والمصدر وما بعده مما ذكرناه هنا - ليس مشتقًا، نعم يجوز الاشتغال في المصدر، وفي اسم الفعل، وفي ليس، عند من يجيز تقديم معمول الأولين، وخير ليس، نحو: محمودًا لست مثله، أي: باينت محمودًا لست مثله، وهو رأي - على قلة أنصاره - مقبول، وفيه توسعة.

ص: 126

فاعل، أو: اسم مفعول، فنحو: أنا مشارك الأمين، نقول فيه: الأمين أنا مشاركة1 - الأمين أنا مشارك رفاقه، ونحو: الحق منصور على الباطل، نقول فيه: الباطل الحق منصور عليه - الباطل الحق منصور على شياطينه.

فمتى تقدم المفعول به على عامله، وحل محله ما يشغل مكانه، ويغني العامل عن ذلك المفعول به المتقدم، فقد تحقق ما يسميه النحاة:"اشتغال العامل عن المعمول"، ويقولون في تعريف الاشتغال.

أن يتقدم اسم واحد2، ويتأخر عنه عامل يعمل في ضميره مباشرة، أو يعمل في سببي للمتقدم، مشتمل على ضمير يعود على المتقدم، بحيث لو خلا الكلام من الضمير الذي يباشره العامل، ومن السببي، وتفرغ العامل للمتقدم - لعمل فيه النصب لفظا، أو معنى "حكما" حكما كما كان قبل التقدم.

فلا بد في الاشتغال من ثلاثة أمور مجتمعة، "مشغول"، وهو: العامل، ويسمى أيضا:"المشتغل"، وله شروط عرفناها3، "ومشغول به": وينطبق على الضمير العائد على الاسم السابق مباشرة، كما ينطبق على اللفظ السببي الذي له ضمير يعود على ذلك المتقدم، و"مشغول عنه"، وهو: الاسم المتقدم الذي

1 سيأتي في الجزء الثالث "باب اسم الفاعل، م 102 ص 214 - الهامش رقم 1" ما نصه: "في هذا المثال - وأشباهه - نجد الاسم السابق منصوبًا مع أن الضمير الراجع إليه مجرور، لكنه مجرور في حكم المنصوب: لأن كلمة: مشارك"، أو"مساعد" - ونظائرهما في مثل هذا التركيب في حكم الفعل، وتنوينها ملحوظ، وإن لم يكن ملفوظًا، فالضمير هنا كالضمير في مثل:"أعليا مررت به" مجرور في حكم المنصوب "راجع شرح المفصل ج 6 ص 69"، وانظر "ب" السابقة ص 125.

2 التقييد بواحد هو الرأي الصحيح عند عدم تعدد العامل المقدر، ولا مانع أن يكون العامل متعديا إلى أكثر من واحد، ولكن الذي يتقدم عليه هو معمول واحد له - كما سبق في رقم1 من هامش ص125.

3 في الصفحات السابقة، وفي رقم3 من هامش ص126، وانظر رقم1 من ص138.

ص: 127

كان في الأصل متأخرا، مفعولا به حقيقيا أو معنويا "حكميا"، ثم تقدم على عامله، وترك مكانه للضمير المباشر، أو للسببي، فانصرف العامل عن المفعول، واشتغل بما حل محله.

ولا بد في هذا الاسم المتقدم أن يتصل بعامله بغير فاصل ممنوع بينهما1 إذا

1 وقد سبق في رقم1 من هامش ص124 ما يجوز الفصل به.

وفي بيان "الاشتغال" وتوضيح أمره يقول ابن مالك:

إن مضمر اسم سابق فعلا شغل

عنه بنصب لفظه أو المحل-1

فالسابق انصبه بفعل أضمرا

حتما موافق لما قد أظهرا-2

"أي: إن شغل ضمير اسم سابق فعلا، عن نصب الاسم السابق لفظا أو محلا، مثل: البيت قعدت فيه - فانصب الاسم السابق بفعل مضمر "أي: غير ظاهر؛ لأنه محذوف" حتما، أي: إضمارا حتما، لا مفر منه في حالة النصب؛ لأنه محذوف، ويكون ذلك الفعل المحذوف موافقا للفعل الظاهر في الجملة من ناحية اللفظ والمعنى، أو المعنى فقط -كما سيأتي-" ذلك تقدير البيتين ومعناهما، مع ما فيهما من التواء النظم، بسبب التقديم والتخير، والحذف.

يريد: حين يوجد اسم متقدم على فعله، ولهذا الاسم المتقدم ضمير يعود عليه، ويشغل فعله بدلا من نصب السابق لفظا أو محلا -فإن ذلك الاسم السابق يجوز نصبه، ولكن بفعل غير ظاهر حتما، فلا يجوز إظهاره، ويكون هذا الفعل المحذوف موافقا للفعل المذكور "فكلمة حتما: صفة لمصدر محذوف، أي: إضمارا حتما، فتعرب مفعولا مطلقا، و"بنصب" بمعنى عن: نصب، فالباء بمعنى:"عن" ثم بين بعد أبيات: أن العامل قد يتعدى إلى مفعوله بمساعدة حرف جر، فينصبه محلا، "أي: حكما" حين لا يتعدى إليه مباشرة، وعندئذ يفصل حرف الجر بينهما، وقد يفصل بينهما المضاف حين يكون المضاف إليه هو الضمير العائد للاسم السابق، والحكم في حالة فصل العامل المشغول كالحكم في حالة وصله المباشر بالمعمول، فيقول:

وفصل مشغول بحرف جر

أو بإضافة كوصل يجري-1

وصرح بعد ذلك بأن العامل هنا قد يكون فعلا أو وصفا عاملا، فالوصف العامل يساوي الفعل فيما تقدم، بشرط ألا يوجد مانع يمنع الوصف من العمل ونصب مفعوله إذا تقدم، فيقول:

وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل

بالفعل، إن لم يك مانع حصل-11

وقد شرحنا من قبل -في رقم3 من هامش ص126- نوع الوصف الذي يصلح للعمل هنا، والمانع الذي يعوقه عن العمل، وسبب ذلك ثم ختم الباب بالبيت التالي:

وعلقة حاصلة بتابع

كعلقة بنفس الاسم الواقع-12

ومضمونه: أن السبي الخالي من الضمير إذا كان له تابع يشمل على ضمير عائد على الاسم السابق فإن العلقة "أي: العلاقة" تحصل وتتم بين العامل والتابع كما تحصل وتتم بالاسم الواقع بعد العامل مباشرة، وهذا الاسم هو ضمير المتقدم، أو سببيه المشتمل على ضميره.

ص: 128

كان العامل فعلا1، أما إن كان وصفا فيجوز الفصل.

حكم الاسم السابق في الاشتغال:

يجوز في هذا الاسم السابق من ناحية إعرابه وضبط آخره، أمران -بشرط ألا يوجد ما يحتم أحدهما مما سنعرفه.

أولهما: إعرابه مبتدأ، والجملة بعده خبره2.

وثانيهما: إعرابه مفعولا به لعامل محذوف وجوبا، يدل عليه ويرشد إليه العامل المذكور بعده في الجملة، فيكون العامل المحذوف وجوبا مشاركا للمذكور إما في لفظه ومعناه معا، وإما في معناه، فقط، ولا يصح الجمع بين العاملين ما داما مشتركين3، إذ المذكور عوض عن المحذوف، فمثال الأول: الأمين شاركته، فالتقدير: شاركت الأمين شاركته، ومثال الثاني: البيت قعدت فيه، التقدير: لابست البيت، قعدت فيه: أو: لازمت البيت، قعدت فيه، ومثل: الحديقة مررت بها، أي: جاوزت الحديقة مررت بها، وهكذا نستأنس بالعامل المذكور في الوصول إلى العامل المحذوف وجوبا من غير أن نتقيد أحيانا بلفظ العامل المذكور أما معناه، فنحن مقيدون به في كل حالات الاشتغال.

مع جواز الأمرين السالفين فالأول "وهو إعرابه مبتدأ" أحسن؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف، ولا إلى التفكير في اختياره، وفي موافقته للعامل المذكور، وقد تكون موافقته معنوية فقط؛ فتحتاج -أحيانًا- إلى كد الفكر4.

1 يجوز الفصل بتوابع الاسم السابق، -إلا العطف بحرف غير الواو- وبالمضاف إليه، وشبه الجملة، وغير هذا مما سبق تفصيله كاملا في رقم1 من هامش ص124.

2 في هذه الصورة التي يرفع فيها الاسم السابق - تخرج المسألة من باب: "الاشتغال" كما تخرج صور أخرى ستجيء "انظر رقم1 من هامش ص130".

3 فإن لم يكونا مشتركين جاز أن يكون الأول مذكورا، ومعنى هذا جواز نصب الاسم السابق بفعل مخالف للمذكور، فلا اشتغال معه، -كما سنوضحه في الزيادة والتفصيل في رقم 2 من ص138.

4 والبلاغيون يفرقون بين الأمرين، إذ يترتب على أحدهما أن تكون الجملة اسمية، وعلى الآخر أن تكون فعلية، وفرق بلاغي بين المدلولين، مع صحتهما؛ لهذا يقولون: إن أحسن الأمرين هو ما يتفق مدلوله مع غرض المتكلم، فإن لم يعرف غرضه فهما سيان.

ص: 129

والنحاة يتخيرون هذا الموضع للكلام على حكم كثير من الأسماء المتقدمة على عواملها وينتهزون فرصة: "الاشتغال" ليعرضوا أحكام تلك الأسماء؛ سواء منها ما يدخل في باب: "الاشتغال" وتنطبق عليه أوصافه التي عرفناها، وما لا يدخل فيه، ولا تنطبق عليه صفاته1: وهم يقسمونها ثلاثة أقسام2: ما يجب نصبه، وما يجب رفعه، وما يجوز فيه الأمران.

1 كالحالة التي يجب فيها رفع الاسم السابق؛ إذ لا ينطبق عليها في الصحيح تعريف "الاشتغال" الأصيل، ومثلها حالات الرفع الأخرى التي يكون الرفع فيها جائزًا، فحالة الرفع بنوعيه لا ينطبق عليها -في الصحيح- الاشتغال الحقيقي ما دام الاسم مرفوعًا.

كما سيجيء في "ب" من ص 132 ثم انظر رقم 2 من ص 138.

2 الواقع أنهم يقسمونها خمسة أقسام، "قسم يجب فيه النصب"، وقسم يجب فيه الرفع، وقسم يجوز فيه الأمران والنصب أرجح، وقسم يجوز فيه الأمران والرفع أرجح، وقسم يجوز فيه الأمران على السواء"، وواضح أن هذا التقسيم يوجب النصب وحده في بعض حالات، ويوجب أخرى كذلك، ويجيز الأمرين في كل حالة من الأحوال الثلاثة الباقية، ولكن هذه الإجازة قد تكون مع الترجيح أحيانًا؛ كأن يكون النصب هو الأرجح؛ فيكون الرفع هو الراجح؛ أو العكس؛ "بأن يكون النصب هو الراجح، والرفع هو الأرجح"، واستعمال الراجح ليس معيبًا ولا ضعيفًا من الوجهة اللغوية، نعم هو -مع كثرته وقوته- لا يبلغ "درجة" الأرجح فيهما، لكن كلاهما عربي فصيح، وهذه الأرجحية مزية يسيرة إذا كان الداعي لها أمرًا بلاغيًا مما يطأ ويتغير بحسب الدواعي، فهي ليست أرجحية ذاتية دائمة؛ إنما هي خاضعة لأذواق البلغاء في العصور اللغوية المختلفة، متفاوتة بتفاوت تلك الأزمان والدواعي؛ -لكيلا تتجر البلاغة وتجمد عند حد لا تتجاوزه كما يصرح علماؤها - فالراجح قد يشيع ويكثر استعماله في عصر لغوي؛ فيكون هو الأرجح، وعندئذ ينزل الأرجح إلى "درجة" الراجح، ثم يبدل الحالة مرة أخرى في عصر لغوي جديد، فيذيع استعمال بلاغي لم يكن ذائعًا من قبل، بل في بيئة أخرى مع اتحاد العصر، فيقع التغيير في "الدرجة" كما وصفنا؛ وهكذا دواليك

= فالتفاوت بينهما منشؤه الأرجحية التي قد تتغير، ولا تثبت -كما قلنا - ولو كان منشؤه القلة الذاتية المعيبة والضعف، أو الحسن والقبح اللغويين، لوجب الاقتصار على القوي دون الضعيف، وعلى الحسن دون القبيح، لهذا لا داعي لكثرة الأقسام، والأحكام، وتعدد الآراء في كل حكم، وما يتبعه من عناء لا طائل وراءه.

على أنا سنشير إلى أقسامهم الخمسة "في ص 137"، ونصف منها بالقلة ما وصفوه، علمًا بأن هذه القلة -كما سبق- ليست المعيبة في الاستعمال، ولا المانعة من القياس على نظائرها؛ لأنها نسبية لا ذاتية، أي: أنها قلة عددية راجحة، بالنسبة للكثرة العددية التي للأرجح، ولو كانت القلة معيبة هنا ما وصفوا الضبط الوارد بها بأنه "راجح"، وأن غيره أرجح؛ إذ المعيب الذي لا يصلح استعماله لا يوصف بأنه راجح ولا حسن، وفوق هذا فالخلاف محتدم في أمر هذي الوصفين وانطباقهما، أو عدم انطباقهما على بعض أقسامهم.

ص: 130

1 فيجب نصب الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل، كأداة الشرط، وأداة التحضيض1، وأداة العرض1، وأداة الاستفهام2، إلا الهمزة 3؛ نحو:"إن ضعيفًا تصادفه4 فترفق به - حيثما أديبا تجالسه يؤنسك" - "هلًا حلمًا تصطنعه - ألا زيارة واجبة تؤديها" - "متى عملًا تباشره؟ أين الكتاب وضعته؟ "فلا يجوز الرفع في هذه الأمثلة ونظائرها على الابتداء، أما الرفع على أنه فاعل، أو نائب فاعل لفعل محذوف، أو أنه اسم لكان المحذوفة - فجائز5.

ومن الأمثلة للرفع قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، وقول الشاعر:

1 و 1 التحضيض هو: الحث وطلب الشيء بقوة وشدة تظهر في نبرات الصوت وكلماته، والعرض: طلب الشيء برفق وملاينة، تعرف من نبرات الصوت، وصياغة كلماته أيضًا، وكثير من أدواتهما مشترك بينهما؛ مثل: - هلًا - ألا - ألا - لولا - لوما

"، ولهذه الأدوات باب خاص - في ج 4 م 162 - بفصل أحكامها المختلفة التي منها: اختصاصها بالفعل إذا كانت للتحضيض أو العرض".

2 إنما تكون أدوات الاستفهام مختصة بالفعل وحده إذا وقع بعدها في جملتها؛ كالمثالين المذكورين؛ بخلافها في نحو: متى العمل؟ - أين الكتاب؟ لخلو كل جملة من فعل بعد أداة الاستفهام، أي: أن وجود الفعل بعد أداة الاستفهام - غير الهمزة؛ لأنها ليست مختصة بالأفعال، بل تدخل عليها كما تدخل على الأسماء ووقوعه متأخرًا عنها في جملتها، يجعل هذه الأداة مختصة بالدخول على الفعل.

3 لما تقدم من أنها غير مختصة بالأفعال، وفي هذا الموضع الذي يجب فيه النصب يقول ابن مالك:

والنصب حتم إن تلا السابق ما

يختص بالفعل؛ كإن، وحيثما-3

"تلا السابق: أي: وقع الاسم السابق بعد ما يختص بالفعل".

4 المضارع هنا مرفوع لا يصح جزمه؛ لأنه ليس فعلًا للشرط؛ لأن الشرط المجزوم هو الفعل المحذوف مع فاعله، وموضعهما؛ بعد اداة الشرط مباشرة - بغير فاصل - أما هذا الفعل المذكور فهو مع فاعله جملة مضارعية مفسرة يتحتم رفع مضارعها، وهي تفسر الجملة الفعلية التي حذفت، وبقي معمولها المنصوب والتي بعد أداة الشرط مباشرة، فالمفسر جملة، وكذلك المفسر، ولا يصح أن يكون الفعل المذكور هو المفسر وحده، بالرغم من أنه للفعل المحذوف، والدال عليه، وسيجيء في الزيادة والتفصيل في رقم 4 من ص 139 وما بعدها" بيان مناسب عن الفعل إذ كان هو المفسر وحده، وأنه يكون كذلك عند رفع الاسم الواقع بعد أداة الشرط، باعتباره مرفوعًا لفعله المحذوف، وعن الجملة الفعلية إذا كانت بتمامها هي المفسرة، وليس الفعل وحده.

5 سيجيء في الزيادة والتفصيل "ص 138 رقم 3 و 4 وما بعدهما" إيضاح واف عن النصب الواجب ومكانه، ثم عن هذا الرفع وما يقال فيه، ثم تعقيبه بعرض للرأي السديد.

ص: 131

وليس بعامر بنيان قوم

إذا أخلاقهم كانت خرابا

وقول الآخر:

وإذا مطلب كسا حلة العار

فبعدا1 لمن يروم نجازه2

التقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك

وإذا كانت أخلاقهم كانت 3 وإذا كسا مطلب كسا حلة العار

وهكذا 4.

ب- ويجب 5 رفع الاسم السابق:

1-

إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الاسم؛ فلا يجوز أن يقع بعدها فعل؛ مثل: إذا "الفجائية"6 نحو: خرجت فإذا الرفاق أشاهدهم؛ فيجب رفع كلمة: "الرفاق"، ولا يجوز نصبها على الاشتغال بفعل محذوف؛ لأن "إذا الفجائية" لا يقع بعدها الفعل مطلقًا؛ لا ظاهرًا ولا مقدرًا.

1 فهلاكًا "دعاء بالهلاك".

2 إنجازه، والحصول عليه.

3 ومثله قول الشاعر:

وما استعصى على قوم منال

إذا الإقدام كان لهم ركابا

4 ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر:

إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد

بفضل الغنى ألفيت مالك حامد

الأصل: أعطيت الغنى فحذف الفعل: "أعطي الأول"، وبقي نائب فاعله: "التاء، وهو ضمير واجب الاتصال، لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانه بضمير منفصل له معناه وحكمه، وهو: أنت.

ومثل هذا يقال في كلمة: "حن" من قول الشاعر:

ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا

وإن نحن أومأنا إلى الناس وقفوا

الأصل: وإن أومأنا أومأنا، حذف الفعل الأول، وبقي فاعله:"نا" وهو ضمير متصل لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانه بما يصلح محله، وهو:"نحن".

وكذلك الضمير: "نحن" في قول الآخر:

إذا نحن ناصرنا امرأ ساد قومه

وإن لم يكن من قبل ذلك يذكر

"انظر ما يوضح هذا في ص 141 وما بعدها".

5 وهذه الحالة -كغيرها من حالات الرفع الواجب والجاز- ليست داخلة في الاشتغال الأصيل "انظر رقم 1 من هامش ص 130".

6 سبق إيضاح لها في ج 1 ص 482.

ص: 132

ومثل "إذا" الفجائية أدوات أخرى؛ منها: "لام" الابتداء في نحو: إني للوالد أطيعه؛ فلا يجوز نصب كلمة: "الوالد" على الاشتغال، ولا اعتبارها مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله؛ لأن لام الابتداء لا تدخل على المفعول به.

ومنها: واو الحال الداخلة على الاسم الذي يليه المضارع المثبت، في مثل: أسرع والصارخ أغيثه، فلا يصح نصب "الصارخ" على اعتباره مفعولًا به لفعل محذوف مع فاعله، وتقديرهما:"أغيث" والجملة من الفعل المحذوف مع فاعله في محل نصب على الحال لا يصح هذا؛ لأن الجملة المضارعية التي مضارعها مثبت، غير مسبوق بلفظ:"قد"

لا تقع حالًا -على الأرجح- إذا كان الرابط هو: "الواو" فقط1، كهذا المثال وأشباهه.

ومنها: "ليست" المتصلة "بما" الزائدة؛ فلا نصب على الاشتغال في مثل: ليتما وفي أصادفه؛ لأن "ما" الزائدة لا تخرج "ليت" من اختصاصها بالأسماء؛ إذ يجوز إعمال "ليت" وإهمالها؛ فالمنصوب بعدها اسم لها، ولا يصح أن يقع بعدها فعل مطلقًا.

2-

وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا وقع قبل أداة لها الصدارة في جملتها؛ فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وبعد تلك الأداة العامل، مثل أداة الشرط، والاستفهام2 وما النافية ولا النافية الواقعة في جواب قسم3؛ فلا يصح نصب الاسم السابق في نحو: الكتاب إن استعرته فحافظ عليه - المريض هل زرته؟ الحديقة ما أتلف زروعها - والله الذنوب لا أرتكبها؛ لأن هذه الأدوات لها الصدارة، فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها؛ "أيك لا يجوز أن يتقدم

1 كما سيجيء في ص398 من باب الحال.

2 انظر رقم2 من هامش ص131.

3 ومما لا يعمل ما بعده فيما قبله: أدوات التحضيض والعرض، ولام الابتداء، وكم الخبرية، والحروف الناسخة، "ما عدا أن"، والموصول، والموصوف، وحروف الاستثناء، فكل هذا لا يعمل ما بعده فيما قبله، فلا يصلح دالا على المحذوف، فلا يصح النصب في الأسماء التي في أول الجمل التالية: التائة هلا أرشدته - الضال ألا هديته -الخائف لأنا مؤمنه - الهرم كم مرة زرته!! - الخير إني أحببته - النزيه الذي أصطفيه - الغناء فن أهواه - شاع ما المال إلا ينفقه العاقل في النافع، أما حرفا التنفيس فالشائع جواز النصب والرفع في الاسم الذي يسبقهما، نحو الرسالة سأكتبها - القصيدة سوف أحفظها.

ص: 133

معمولها عليها، ولا معمول لعامل بعدها"، وما كان كذلك لا يصلح أن يكون دالًا على عامل محذوف يماثله، ولا مرشدًا إليه1 ومثلها: أدوات الاستثناء؛ فلا نصب في نحو: ما السفر إلا يحبه الرحالون1.

ج ويجوز الأمران2، في غير القسمين السالفين، فيشمل ما يأتي:

1 -

الاسم - المشتغل عنه - الذي بعده فعل دال على طلب؛ كالأمر3، والنهي، والدعاء؛ نحو: الحيوان ارحمه - الطيور لا تعذبها - اللهم

1 و 1 لأن ما لا يصلح أن يكون عاملًا بنفسه لا يصلح أن يكون مفسرًا لعامل محذوف، وفي وجوب الرفع يقول ابن مالك:

وإن تلا السابق ما بالابتداء

يختص فالرفع التزمه أبدا-4

كذا إذا الفعل تلا ما لم يرد

ما قبل معمولًا لما بعد، وجد-5

ومعنى البيتين: إن تلا الاسم السابق ما يختص بالابتداء

- أي: أن وقع الاسم السابق بعد لفظ مختص بالدخول على المبتدأ - فالتزم رفع ذلك الاسم السابق.

كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا كان الفعل المشتغل قد وقع بعد لفظ لا يرد ما قبله معمولًا لعامل بعده، "الفعل تلا ما لم يرد ما قبل معمولًا لما بعد وجد"، أي: تلا الفعل شيئًا، لم يرد ما قبل ذلك الشيء معمولًا لما وجد بعده، وفي هذا البيت شيء من التعقيد.

2 مع ملاحظة أن المسألة لا تكون من باب: "الاشتغال" في حالة ضبط الاسم السابق بالرفع - كما سبق في رقم 1 من هامش ص 130.

3 سواء أكان الأمر بصيغة فعل الأمر؛ نحو: التردد اجتنبه، أم بلام الأمر الداخلة على المضارع؛ نحو: التردد لتجتنبه.

"ملاحظة" هذا من المواضع التي بعدها النحاة جائزة النصب والرفع، ولكن النصب عندهم أرجح؛ بحجة "أن الإخبار بالطلب عن المبتدأ قليل، وخلاف القياس؛ لعدم احتمال الصدق والكذب إلا بتأويل

بل قيل بمنعه، وإنما اتفقت السبعة على الرفع في آية السرقة وهي قوله تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ؛ لأنه ليس مما نحن فيه؛ لتقديره عند سيبويه: "مما يتلى عليكم حكم السارق

" فخبره -وهو الجار والمجرور- محذوف، والفعل "اقتلوا" بعده مستأنف لبيان الحكم؛ فالكلام جملتان؛ لأن هذا ليس من مواضع دخول الفاء في الخبر عنده، أما عند المبرد فالجملة الفعلية خبر ودخلته الفاء لما في المبتدأ في معنى الشرط؛ ولذا امتنع النصب؛ لأن ما بعد فاء الجزاء وشبهها لا يعمل فيما قبلها". ا. هـ كلام الخضري، ومثله في الصبان وغيره.

ص: 134

الشهيد ارحم، أو: الشهيد رحمه الله.

وكذلك إن وقع الاسم السابق بعد أداة يغلب أن يليها فعل، كهمزة الاستفهام، نحو: أطائرة ركبتها؟ وكأدوات النفي الثلاثة: "ما - لا إن"؛ نحو: ما السفه نطقته - لا الوعد أخلفته، ولا الواجب أهملته - إن السوء فعلته، ومثل:"حيث" المجردة من "ما"، نحو: اجلس حيث الضيف أجلسته.

وكذلك إن وقع الاسم السابق عد عاطف تقدمته جملة فعلية، ولم تفصل كلمة:"أما"1 بين الاسم والعاطف؛ نحو: خرج زائر والقادم استقبلته، فلو فصلت "أما" بينهما كان الاسم "المشتغل عنه" في حكم الذي لي يسبقه شيء؛ نحو: خرج زائر، وأما المقيم فأكرمته.

فالأمثلة في كل الصور السابقة وأشباهها، يجوز فيها الأمران، النصب والرفع. وجمهرة النحاة تدخلها في النوع الذي يجوز فيه الأمران قياسًا، والنصب أرجح1 عندهم، وحجتهم: أن الرفع يجعل الاسم السابق مبتدأ، والجملة الطلبية بعده خبر، ووقوع الطلبية خبرًا -مع جوازه- قليل بالنسبة لغير الطلبية، أو يجعل الاسم السابق مبتدأ بعد همزة الاستفهام ونحوها، ووقوع المبتدأ بعدها - مع جوازه- قليل أيضًا، لكثرة دخولها على الأفعال دون الأسماء، أو يجعل الجملة الاسمية بعده إذا كانت غير مفصولة بأما2، معطوفة على الجملة الفعلية قبله؛

1 كان الفاصل المراد هنا -غالبا- هو: "أما"؛ لأن ما ما بعدها مستأنف، ومنقطع في إعرابه عما قبلها: فلا أثر للفصل بغيرها "راجع الأمر الثالث ص138".

2 وإلى الأمور التي مرت في القسم الأول يشير ابن مالك، ويبين أن المختار النصب فيقول:

واختير نصب قبل فعل ذي طلب

وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب-6

وبعد عاطف -بلا فصل على

معمول فعل مستقر أولا

-7

يريد: أن النصب والرفع جائزان في أمور، ولكن النصب هو المختار فيها، وذلك حين يقع الاسم السابق قبل فعل دال على الطلب، "انظر رقم 3 من هامش الصفحة السابقة لأهميته" أو: بعد شيء غلب إيلاؤه الفعل، "أي: غلب أن يليه ويقع بعده الفعل، كهمزة الاستفهام"،

وكذلك بعد عاطف يعطف الاسم السابق على معمول لفعل آخر مذكور أول جملته بغير فصل بين العاطف والمعطوف، وصياغة البيت الثاني عاجزة عن تأدية المراد منه، إذ المراد أن الاسم المشتغل عنه =

ص: 135

والعطف عل جملتين مختلفتين في الاسمية والفعلية -مع صحته- قليل.

2-

الاسم السابق "أي: المشتغل عنه" الواقع بعد عاطف غير مفصول بالأداة: "أما" وقبله جملة ذات وجهين1، مع اشتمال التي بعده في حالة نصبه على رابط يربطها بالمبتدأ السابق2، -كالضمير العائد عليه، أوالفاء المفيدة للربط به-، نحو:"النهر فاض ماؤه صيفا، والحقول سقيناها من جداوله" - "العلم الحديث نجح في غزو الكون السماوي، فالعلوم الرياضية، استلهمها الغزاة قبل الشروع"، فيصح رفع كلمتي:"الحقول - والعلوم" على اعتبار كل منهما مبتدأ، خبره الجملة الفعلية بعده، وهذه الجملة الاسمية معطوفة على الاسمية التي قبلها، ويجوز نصب الكلمتين على أنهما مفعولان لفعل محذوف، والجملة من هذا الفعل المحذوف وفاعله معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرا قبلهما، وفي الحالتين تتفق الجملتان المعطوفتان مع الجملتين، المعطوف عليهما في ناحية الاسمية أو الفعلية، فيجري الكلام على نسق واحد، ولهذا يتساوى3 الأمران.

= يجوز فيه الأمران، والنصب أرجح إذا كان ذلك الاسم واقعًا -مباشرة- بعد عاطف يعطف جعلته التي تحتويه، على الجملة الفعلية قبله والتي استقر مكان فعلها في أولها، سواء أكان المعمول في الجملة الفعلية السابقة مرفوعًا؛ مثل: غاب حارس وحارسًا أحضرته "فكلمة حارس" الأولى فاعل وهو معمول للفعل: غاب" أم معمولًا منصوبًا، نحو: صافحت رجلًا، وجنديًا كلمته "فكلمة: رجلًا" مفعول، وهو معمول للفعل: معمولًا منصوبًا، نحو: صافحت رجلًا، وجنديًا كلمته، "فكلمة: رجلًا" مفعول، وهو معمول للفعل: صافح" فنصب الاسم المشتغل عنه يقتضي أن يكون مفعولًا لفعل محذوف يوضحه المذكور بعده، والجملة عن الفعل المحذوف وفاعله معطوف على الجملة التي قبلها، فالعطف عطف جملة فعلية على جملة فعلية وليس عطف مفردات، فلا معنى لقول ابن مالك: إن العطف على معمول فعل مستقر في أول جملته التي قبل العاطف، ذلك أن المعمول في الجملة السابقة ليس معطوفًا عليه كما أوضحنا، ولكن ضيق الوزن وضرورة الشعر أوقعاه في التعبير القاصر، وقد تأوله النحاة بأن التقدير: وبعد عاطف - فلا فصل - على جملة معمول فعل مستقر أولًا

ومهما كان العذر فإن الخبر هو في اختيار الأسلوب الناصع الوافي الذي لا يحوي عيبًا، ولا يتطلب تأويلًا أو تقديرًا.

1 وهي الجملة الاسمية التي يكون المبتدأ فيها اسمًا خبره جملة فعلية؛ مثل: الشجرة ظهر ثمرها - الفاكهة طاب طعمها - ومنها: الجملة التعجبية، ولكن التعجبية لا تصلح في هذا الموضع أو: هي جملة اسمية صدرها مبتدأ، وعجزها جملة فعلية، كقولهم: النبيل زادته النعمة نبلًا وشرفًا، واللئيم زادته النعمة لؤمًا وبطرًا - الحر ينتصر لكرامته - والذليل يمتهنها.

2 لأنها حينئذ تكون معطوفة على الخبر، فلا بد فيها من رابط كالخبر "راجع الأشموني والصبان".

3 وفي هذا يقول ابن مالك:

ص: 136

3-

الاسم السابق "المشتغل عنه" الواقع في غير ما سبق، نحو الرياحين زرعتها. والنحاة يجيزون الأمرين ويرجحون الرفع؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير عامل محذوف1.

"ملاحظة" بانضمام هذا الأقسام الثلاثة "1، 2، 3" إلى القسم الذي يجب فيه النصب فقط، والقسم الذي يجب فيه الرفع فقط، تنشأ الأقسام الخمسة التي عرضها النحاة فيه هذا الباب، وارتضوها وجعلوا لكل منها حكمًا، وقد أشرنا 2 إلى أنه يمكن إدماج بعضها في بعض وجعلها ثلاثة، اختصارًا وتيسيرًا.

وإن تلا المعطوف فلا مخبرا

به عن اسم فاعطفن مخيرا-8

يريد: إن وقع الاسم السابق بعد حرف عطف قبله فعل، وهذا الفعل -مع فاعله- خبر عن مبتدأ قبلهما وقيل: حرف العطف، فلك الخيار في هذه الحالة أن تعطف ما بعد حرف العطف على ما قبله مباشرة، عطف جملة فعلية على الجملة الفعلية السابقة، وأن تعطف ما بعد حرف العطف على كل ما قبله، عطف جملة اسمية على نظيرتها الاسمية، وقد شرحنا توجيه كل حالة من هاتين الحالتين المتساويتين في الصحة، شرحًا يوضح هذا البيت الغامض المبتور.

1 وفي حالة الرفع لا تكون المسألة من باب "الاشتغال" -كما كررنا في كل حالات الرفع الواجب والجائز- وفي هذا يقول ابن مالك:

والرفع في غير الذي مر رجح

فما أبيح افعل، ودع ما لم يبح-9

2 في رقم 2 من هامش ص 130.

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

1-

زاد فريق من النحاة شروطًا أخرى للاشتغال رفضها سواه، بحجة أنها لا تثبت على التمحيص، وهذا رأي سديد حملنا على إهمالها؛ ادخارًا للجهد، وإبعادًا لنوع من الجدل لا خير فيه للنحو.

2-

أشرنا قريبًا1: إلى صحة أن يكون الاسم السابق المنصوب مفعولًا به لفعل محذوف، يخالف الفعل المذكور بعده في جملته، ولا يكون له صلة بلفظه ولا بمعناه؛ وذلك حين تقوم قرينة تدل على هذه المخالفة: كأن يقال: ماذا اشتريت؟ فتجيب: كتابًا أقرؤه، "فكتابًا" مفعول به لفعل محذوف تقديره: اشتريت كتابًا أقرؤه؛ فالفعل المحذوف مخالف للمذكور في لفظه ومعناه؛ فلا تكون المسالة من باب "الاشتغال"، ولا يكون العامل الثاني صالحًا للعمل في المفعول به السابق، ولا مفسرًا لعامله المحذوف، وفي هذه الحالة التي يختلف فيها الفعلان: المحذوف والمذكور، لا يكون الحذف واجبًا، وإنما يكون جائزًا 2، فيصح في الفعل المحذوف أن يذكر، أما الحذف الواجب ففي:"الاشتغال"؛ فلا يصح الجمع بينهما؛ لأن الثاني بمنزلة العوض عن الأول؛ ولا يجمع بين العوض والمعوض عنه3.

3-

إنما يقع "الاشتغال" بمعناه العام الذي يشمل الاسم السابق المرفوع بعد أدوات الشرط، والتحضيض والاستفهام، غير الهمزة، كما سبق في الشعر؛ فقط؛ للضرورة، وأما في النثر فلا يحسن بعد تلك الأدوات إلا صريح الفعل4

1 في رقم 3 من هامش ص 129.

2 ما لم يوجد سبب آخر غير الاشتغال يوجبه.

3 لا يصح الجمع بين العوض والمعوض عنه، وهذا أسلم من قولهم: لا يصح الجمع بين التفسير والمفسر، "أي: المفسر والمفسر"؛ لأنه يصح أحيانًا الجمع بين هذين كما في التفسير بما بعد الحرف: "أي" وكالتفسير بعطف البيان، وبواو العطف التي تفيد التفسير

كما سيجيء في ص 143 - ومن كان التعبير بعدم جواز الجمع بين العوض والمعوض عنه هو الأسلم والأدق.

4 يقول النحاة: إن قوعه في النثر مستقبح، ولو وقع فيه لجاز مع القبح.

ص: 138

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويستثنى من أدوات الشروط ثلاثة أشياء؛ يقع بعدها الاشتغال نثرًا ونظمًا.

أولها: أدوات الشرط التي لا تجزم؛ ومنها: إذا - ولو - مثل قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} إلخ، ومثل: لو الحرب امتنعت لطابت الحياة.

وثانيهما: "إن"، بشرط أن يكون الفعل في التفسير ماضيًا لفظًا، نحو: إن علمًا تعلمته فاعمل به، أو ماضيًا معنى1 فقط، نحو: إن علمًا لم تتعلمه فاتتك فائدته. فإن كان فعل التفسير مضارعَا مجزومًا 2 لم يقع الاشتغال بعده إلا في الشعر، دون النثر.

وثالثها: "أما" الشرطية، ولكن لا يجب نصب الاسم بعدها؛ لأن الاسم يليها حتمًا3 ولو كان الفعل مذكورًا بعده؛ نحو: قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} ، فقد قرئ "ثمود" بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاشتغال، وفي حالة النصب يجب تقدير العامل بعد الاسم المنصوب، وبعد الفاء معًا؛ لأن "أما" لا يليها إلا الاسم4 ولا يفصل بينها وبين الفاء إلا اسم واحد، والتقدير -كما يقولون- وأما ثمود فهديناهم5 هديناهم، وللبحث تحقيق.

4-

من الأصول النحوية أن المحذوف قد يحتاج -أحيانًا- إلى شيء مذكور يفسره، ويدل عليه، وقد يكون التفسير واجبًا، كما في باب:"الاشتغال" وفي هذا الباب إن كان المحذوف جملة فعلية، فتفسيره لا يكون إلا بجملة مذكورة في الكلام، مشاركة للمحذوفة في لفظها ومعناها معًا، أو في المعنى فقط؛ نحو:

1 كالمضارع الداخلة عليه "لم" فإنها، في الأغلب -تقلب زمنه للمضي.

2 انظر سبب الجزم في رقم 2 من هامش ص 141.

3 كما تقدم هنا، وفي رقم 1 ص 90.

4 وقد عرفنا أن شرط وجوب النصب وحده أن تكون الأداة الشرطية مختصة بالدخول على الأفعال دون الأسماء، وليست "أما" كذلك؛ لأنها لا تدخل إلا على الاسم.

لهذا كان الاقتصار على نصب الاسم السابق غير واجب، بل يجوز فيه الأمران.

5 للآية السالفة بيان هام يجيء في الجزء الرابع -آخر باب: "أما الشرطية" م 161 ص 474- عند الكلام على حذف "أما" كالذي في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ

} .

ص: 139

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

العظيم نافسته - المصنع وقفت فيه - التقدير: نافست العظيم نافسته - لابست المصنع وقفت فيه، أو نحو ذلك مما يؤدي إلى الغرض في الحدود المرسومة، ولا يصح هنا تفسير الجملة بغير جملة مثلها على الوجه السابق.

وإن كان المحذوف فعلًا فقط أو وصفًا عاملًا يشبهه، ويحل محله، جاز أن يفسر كل منهما بفعل أو بما يشبهه، تفسيرًا لفظيًا ومعنويًا معًا، أو معنويًا فقط والأفضل التماثل عند عدم المانع بأن يفسر الفعل نظيره الفعل، ويفسر الوصف نظيره الوصف، نحو: إن أحد دعاك لخير فاستجب - ما الصلح أنت كارهه. التقدير: إن دعاك أحد، دعاك لخير فاستجب - ما أنت كاره الصلح - أنت كارهه.

ويدور بين النحاة جدل طويل في موضع الجملة المفسرة؛ أيكون لها محل من الإعراب، أو ليس لها محل؟ وقد يكون الأنسب الأخذ بالرأي القائل: إنها تساير الجملة المحذوفة، "المفسرة" وتماثلها في محلها الإعرابي وعدمه، كما تمثلها في لفظها ومعناها على الوجه السالف، وعلى هذا إن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لا محل لها من الإعراب فالمفسرة كذلك لا محل لها من الإعراب؛ نحو: البحر أحببته، أي: أحببت البحر أحببته؛ فالجملة التفسيرية لا محل لها من الإعراب؛ لأن الأصلية المحذوفة كذلك، وإن كانت الجملة المحذوفة "المفسرة" لها محل من الإعراب؛ فالتي تفسرها تسايرها وتماثلها فيه؛ نحو قوله تعالى:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، أي: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر؛ فالجملة المحذوفة " المفسرة" في محل رفع خبر "إن"، فالتي تفسرها: كذلك في محل رفع خبر، ونحو: العقلاء الواجب يؤدونه؛ أي: العقلاء يؤدون الواجب يؤدونه، فالجملة المحذوفة "المفسرة" في محل رفع خبر المبتدأ والمفسرة في محل رفع خبر المبتدأ كذلك، وفي قوله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} تقع الجملة الاسمية "المفسرة" مفعولًا به في محل نصب؛ لأن المحذوف المفسر مفعول به منصوب؛ إذ التقدير: "الجزاء، أو الجنة وعد الله الذين آمنوا وعلموا الصالحات، لهم مغفرة"، فجملة:"لهم مغفرة" هي المفسرة المفعول به المحذوف1.

1 ولا يصح أن تكون هي المفعول الثاني للفعل: "وعد"؛ لأنه من باب "كسا"، أي: من الأفعال التي لا يقع فيها المفعول الثاني جملة.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا تكون الجملة هي المفسرة في باب الاشتغال إلى حين يكون الاسم السابق منصوبًا كالأمثلة السالفة؛ فإن كان مرفوعًا للمحذوف فالمحذوف هو فعله وحده1، ويتعين أن يكون مفسره هو الفعل المذكور وليس الجملة، ولا بد -عند المحققين- أن يكون هذا الفعل المذكور "المفسر" مسايرا للمحذوف " المفسر" في حكمه وإعرابه اللفظي، والتقديري، والمحلي

مثل إن العتاب يكثر يؤد إلى القطيعة، التقدير: إن يكثر العتاب - يكثر - يؤد إلى القطيعة، فالمفسر هو الفعل:"يكثر" الثاني، وهو مضارع مجزوم كالأول المحذوف2، إذا العناية تلاحظك عيونها فلا تخف شيئًا، التقدير: إذا تلاحظك العناية تلاحظك عيونها، فالمفسر في المثال هو الفعل:"تلاحظ" وحده، وهو كالأول في حكمه

1 كما أشرنا في رقم 4 من هامش ص 132 وفي ص 140، سواء أكان الفعل مبنيًا للمعلوم أم للمجهول، تامًا أم ناقصًا؛ مثل كان، كل هذا على حسب السياق، وعلى مقتضاه يعرب الاسم المرفوع فاعلًا، أو نائب فاعل، أو اسمًا لكان

مثل: إن يرد اشتد فاحترس -إن عمل أتقن فلازمه- وقول الشاعر:

وليس بعامر بنيان قوم

إذا أخلاقهم كانت خرابًا

ومثل هذا: المرء مجزي بعمله إن خير كان فجزاؤه خير

التقدير: "إن اشتد برد - اشتد - فاحترس" - "إن أتقن عمل - أتقن - فلازمه" - "المرء مجزي بعمله" إن كان في عمله خير - كان - فجزاؤه خير" إذا كانت أخلاقهم كانت.

2 ما سبب الجزم؟ خلاف فيه، وجاء في الصبان ما نصه:"قال أبو علي: الفعل المذكور والفعل المحذوف في نحو قوله: " لا تجزعي إن منفسًا أهلكته"، مجزومان محلًا؛ وجزم الثاني ليس على البدلية؛ إذ لم يثبت حذف المبدل منه، بل على تكرير "إن"، أي: إن أهلكت منفسًا إن أهلكته، وساغ إضمار "إن" أي: وإن لم يسغ إضمار لام اأمر إلا في ضرورة، لاتساعهم فيها، ولقوة الدلالة عليها بتقديم مثلًا، واستغنى بجواب "إن" = الأولى "عن جواب الثانية. ا. هـ.

لكن ما ورد في كلامه من أن حذف المبدل منه لم يثبت، هو مخالف لما قالوه من أنه قد يحذف في بعض الصور، وسيجيء في الجزء الرابع -باب البدل، م 123 ص 652- أحكام متفرقة، منها الحكم:"د" ونصه: "قد يحذف المبدل منه، ويستغنى عنه بالبدل بشرط أن يكون المبدل منه في جملة وقعت صلة موصول؛ نحو أحسن إلى الذي عرفت المحتاج، أي: الذي عرفته المحتاج؛ فكلمة: "المحتاج" يصح أن تكون بدلًا من الضمير المحذوف". ا. هـ، ويصح فيها إعرابات أخرى ذكرت هناك.

ص: 141

الإعرابي، ومثل:

إذا الملك الجبار صعر خده1

مشينا إليه بالسيوف نعاتبه

أي: إذا صعر الملك خده، صعره، فالمفسر هو الفعل الماضي وحد "صعر"، ومثل:

فمن نحن نؤمنه2 يبت وهو آمن

ومن لا نجره يمس منا مفزعًا

التقدير: فمن نؤمنه يبت وهو آمن، فالمفسر هو الفعل "نؤمن" وحده، وهو مجزوم كالفعل المفسر المحذوف، وكلمة:"نحن" في البيت ضمير فاعل للفعل المحذوف، وقد برز هذا الضيمر -بعد استتاره الواجب- بسبب حذف فعله وحده؛ إذ لا يبقى الفاعل مستترًا بعد حذف عامله، فإذا رجع العامل وظهر، عاد الضمير الفاعل إلى الاستتار كما كان، فإن ظهر مع ظهور عامله لم يعرب -في الرأي الشائع- فاعلًا؛ وإنما يعرب توكيد لفظيًا للضمير المستتر المماثل له. وينطبق هذا الكلام على البيت التالي:

فإن أنت لم ينفعك علمك3 فانتسب

لعلك تهديك القرون الأوائل

التقدير: فإن لم تنتفع لم ينفعك علمك

وأشباه هذا، فالفعل "ينفع" هو وحده المفسر للفعل المحذوف، وهو مساير لذلك المحذوف في الجزم والنفي معًا. والضمير البارز "أنت" فاعل الفعل المحذوف، وكان مستترًا وجوبًا فيه، فلما حذف الفعل برز في الكلام فاعله المستتر، ولما رجع الفعل إلى الظهور في الجملة الأخيرة عاد فاعله الضمير إلى الاستتار، كما كان أولًا، ومثله قول الشاعر:

1 صعر خده: حوله إلى جهة لا يرى فيها الناس؛ تكبرا منه وترفعًا.

2 بمعنى: نؤمنه، أي: نمنحه الأمان.

3 يريد: إن لم يكن لك علم بحوادث الموت المحيطة بك بحيث يعظك فارجع. إلى أصولك الأوائل الذاهبين، لعل لك عظة في موتهم.

ص: 142

إذا أنت 1 فضلت امرأ ذا براعة

على ناقص كان المديح من النقص

وقول الآخر:

بليغ إذا يشكو إلى غيرها الهوى

وإن هو لاقاها فغير بليغ

وفي مثل:

لا تجزعي إن منفس أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

يكون التقدير: لا تجزعي إن هلك منفس أهلكته

والمحذوف هنا مطاوع للمذكور، فهو من مادته اللفظة ومن معناه، وإن كانت المشاركة اللفظية ليست كاملة.

أما تفضيل الرأي القائل بمسايرة الجملة المفسرة للجملة المفسرة في حكمها، ومحلها الأعرابي فراجع إلى أمرين:

أولهما: أن الجملة المفسرة قد يكون لها محل من الإعراب -بالاتفاق- في بعض مواضع، كالجملة المفسرة لضمير الشأن2 في نحو:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، فإن جملة "الله أحد" مبتدأ وخبر في محل رفع؛ لأنها خبر لضمير الشأن:"هو"، وفي نحو: ظننته: "الصديق نافع"؛ الجملة الاسمية في محل نصب؛ لأنها المفعول الثاني لظن

وليس في هذا خلاف.

وثانيهما3: أن هناك كلمات تفسر غيرها وقد تسايرها في حركة إعرابها؛ كالكلمات الواقعة بعد "أي" التي هي حرف تفسير في مثل: هذا سوار من عسجد؛ أي: ذهب، فكلمة:"أي" حرف تفسير؛ يدل على أن ما بعده يفسر شيئًا قبله، وكلمة:"ذهب" هي التفسير لكلمة: "عسجد" ويجب أن تضبط مثلها في حركات الإعراب، نعم إنهم يعربون كلمة "ذهب"، وأمثالها

1 فالأصل: إذا فضلت

فلما حذف الفعل بقيت التاء، وهي هنا ضمير متصل فاعل لا يستقل بنفسه، فأتينا مكانها بضمير مرفوع منفصل بمعناها؛ هو الضمير:"أنت" - كما سبق مثل هذا في رقم 4 من هامش ص 132 - فإذا رجع الفعل المحذوف رجع فاعله السابق، وهو "التاء" واتصل به.

2 راجع ضمير الشأن ج 1 ص 226 م 198 - باب الضمير.

3 لهذا إشارة في رقم 3 من هامش 138.

ص: 143

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مما يقع بعد "أي" التفسيرية بدلًا أو عطف بيان؛ لكن هذا لا يخرجها عن أنها مماثلة للمفسر في حركة إعرابه؛ إذ كل من البدل وعطف البيان تابع هو بمنزلة متبوعه.

ومن الكلمات التي تفسر غيرها، ويتحتم أن تسايره في حركة إعرابه ما يقع بعد حرف العطف:"الواو" الذي يدل أحيانًا على أن ما بعده مفسر لما قبله، كما في مثل: الماء الصافي يشبه اللجين والفضة، فالواو وحرف عطف للتفسير؛ لأن ما بعدها يفسر ما قبلها، وهو مساير له - وجوبًا - في حركات إعرابه؛ إذا المعطوف كالمعطوف عليه في كثير من أحكامه التي منها حركات الإعراب.

فالرأي القائل باعتبار الجملة التفسيرية مسايرة لما تفسره يجعلها كنظائرها من الجمل التي لها محل من الإعراب، وكغيرها من المفردات التي تؤدي مهمة التفسير، ولا معنى للتفرقة في الحكم بين ألفاظ تؤدي مهمة واحدة، إلا إن كان هناك سبب قوي، ولم يتبين هنا السبب القوي؛ بل الذي تبين أن الكلام المأثور الفصيح يؤيد أصحاب هذا الرأي الواضح الذي يمنع تعدد الأقسام والأحكام، ويؤدي إلى التيسير بغير ضرر.

وقد أشرنا1 إلى أن الجملة لا تكون مفسرة في باب "الاشتغال" إلا حين يكون الاسم السابق منصوبًا، فإن كان مرفوعًا لعامله المحذوف فالمحذوف هو فعله وحده، ويتعين أن يكون التفسير بفعل فقط، كما قلنا: إن الاسم السابق إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل وجب نصبه، ولا يجوز رفعه على أنه مبتدأ، وإنما يجوز رفعه على أنه مرفوع فعل محذوف؛ كقوله تعالى:{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْه} ، فكلمة:"أحد" فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: وإن استجارك أحد من المشركين استجارك

إلى آخر ما أوضحنا

والذي نريد بسطه الآن أن بعض القدامى والمحدثين لا يروقهم هذا التقدير، ويسخرون منه، مطالبين بإعراب الاسم المرفوع -في الآية السالفة وأشباهها- إما مبتدأ مباشرة، وإما فاعلًا مقدمًا للفعل الذي بعده "أي: للمفسر"، وبإهمال التعليل الذي يحول دون هذا الأعراب؛ لأنه -كما يقولون- تعليل نظري محض،

1 في رقم4 من هامش ص132 وفي ص140.

ص: 144

ساسه التخيل والتوهم، وتعارضه النصوص الكثيرة الواردة بالرفع الصريح

ولا حاجة إلى عرض أدلة كل فريق ممن يبيح، أو يمنع فقد فاضت بها المطولات والكبت التي تتصدى لمثل هذا الخلاف، وسرد تفاصيله وأدلته التي تضيق بها الصدور -أحيانًا- حين تقوم على مجرد الجدل، وتعتمد على التسابق في إظهار البراعة الكلامية، ومنها: كتاب: "الإنصاف في أسباب الخلاف"، لابن الأنباري

والحق يقتضينا أن نحكم على كل وجه من أوجه الإعراب الثلاثة بالضعف. ولكن الضعف في حالة تقدير عامل محذوف، أخف وأيسر، ويما يلي البيان بإيجاز، ولعل فيه -مع إيجازه- ما يرد بالأمر مورده الحق، ويضعه في نصابه الصحيح، هذا، وفي الاستئناس والاسترشاد بما يقال في الاسم المرفوع بعد أداة الشرط -كالآية السابقة، وأمثالها- ما يكفي ويوصل لتأييد النحاة، ودعم رأيهم في باقي حالات رفعه.

أ- في مثل: إن عاقل ينصحك ينفعك، لو أعربنا الاسم السابق:"عاقل" مبتدأ لكانت الجملة الفعلية بعده "وهي: ينصحك" في محل رفع، خبره - ويترب على هذا أن تكون أداة الشرط، وهي تفيد - دائمًا - التعليق 1 قد دخلت على جملة اسمية، مع أن الجملة الاسمية تفيد الثبوت2 في أكثر الصور، وهو من أضداد التعليق، وهنا يقع في الجملة الواحدة التعارض الواسع بين مدلول الأداة، ومدلول المبتدأ مع خبره؛ وهو تعارض واقعي3 لا خيالي؛

1 توقف حصول شيء، أو عدم حصوله، على آمر آخر؛ فيكون الثاني -في الأغلب- مترتبًا على الأول وجودًا وعدمًا، فإن كانت أداة الشرط جازمة، فالتعلق والتوقف لا يتحقق إلا في المستقبل.

2 ثبوت الحكيم إيجابًا أو سلبًا، أي: تحقق وقوعه والقطع بحصوله؛ سواء أكان موجبًا أو منفيًا.

3 لإيضاح هذا التعارض نقول: الأصل في الجملة الاسمية - كما هو مقرر مقطوع به - أنها تدل - في الأغلب - على الثبوت إذا كانت اسمية محضة؛ "أي خالية من فعل"، ومن أمثلتها: الوالد رحيم - الولدان نفعهما عميم

وقد تقيد مع الثبوت الدوام بقرينة، هذا شأن الجملة الاسمية المحضة، فإن كانت غير محضة، "وهي التي يكون فيها الخير جملة فعلية" نحو: الوالد زاد فضله، فإنه تقيد مع الثبوت التجدد، وقد تفيد الاستمرار التجددي، وكل ما سبق موضح بتفصيلاته في لوم البلاغة وغيرها.

ومنه يتبين أن الدلالة التي تؤديها الجملة الاسمية بنوعيها "المحضة، وغير المحضة" تعارض وتناقص "التعليق"، فكيف يجتمعان في جملة واحدة؟

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذ مرده الاستقراء المنتزع من الأساليب العربية الصحيحة التي لا يسوغ مخالفتها، ولا سيما في النواحي المتعلقة بالمعنى، وإلا اضطربت المعاني، وتناقضت، ولم تؤد اللغة مهمتها - بخلاف الجملة الفعلية؛ فإنها تقبل التعليق، ولا تعارضه.

وشيء آخر يؤيد ما سلف؛ هو أن بعض النصوص الفصيحة الواردة تدل على وجود لغات أو لهجات ترفع المضارع "ينصح" في ذلك المثال وأشباهه، فإذا ورد مرفوعًا فأين فعل الشرط؟ أيكون هو فعل الشرط مع رفعه، فنتكلف أقبح التأول والتمحل في إعرابه؟ أم نتركه على حاله مرفوعًا، ونقدر فعلًا آخر للشرط مجزومًا مباشرة؟ الأمران معيبان، ولكن الثاني أقرب إلى القبول؛ لأنه - بسبب جزمه المباشر الخالي من التأول - ينخرط في عداد أفعال الشرط؛ إذ الأصل في أفعال الشرط أن تكون مجزومة، وهذا دليل آخر يدفعنا إلى رفض الوجه الإعرابي السابق "المبتدأ"، كما تحمل على رفضه أمور نحوية، وبلاغية دقيقة وفي مقدمتها الفصل بالمبتدأ بين أداة الشرط الجازمة وفعلها، وهذا ممنوع1؛ لمخالفته المأثور الشائع، ومنها: أن دخول النواسخ على المبتدأ مطرد، مع أن كثير من النواسخ لا يصح دخوله هنا على المبتدأ، ومن هذا الكثير الحرف:"إن" إذ له الصدارة في جملته، فلا يصح وقوعه بعد أداة الشرط

و

و

ب- ولو أعربنا الاسم السابق وهو: "عاقل" وأشباهه، فاعلًا - أو شيئًا آخر مرفوعًا بالعامل الذي بعده - كما يرى فريق من الكوفيين لكان هذا أخذًا برأي ضعيف أيضًا، فوق ما فيه من الفصل الممنوع عند أكثر النحاة - كما أوضحنا-، ومن اختلاط الأمر في كثير من الأساليب بين المبتدأ والفاعل

1 عند جمهور البصريين "راجع شرح العكبري، للديوان المتنبي وبيته التالي:

لو الفلك الدوار أبغضت سعيه

لعوقه شيء عن الدوران

من القصيدة التي مطلعها:

عدوك مذموم بكل لسان

ولو كان من أعدائك: القمران

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المتقدم كما في المثال المعروض ونظائره -وما أكثرها- فيوجد من يعرب كلمة؛ "عاقل" مبتدأ، والجملة الفعلية بعده خبره، ومن يعربها فاعلًا مقدمًا للفعل بعده. وعلى الإعراب الأول تكون الجملة اسمية، وقد سبق ما فيها من عيب، إما على الإعراب الثاني فالجملة فعلية؛ ودلالتها مختلفة عن سابقتها، فشتان بين مدلولي الجملتين في لغتنا، هذا إلى مشكلات أخرى تتعلق بوجود فاعل مذكور - أحيانًا- بعد الفعل المتأخر، كالتاء في قول الشاعر:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فهل يمكن إعراب الضمير "أنت" في كل شطر فاعلًا مع وجود التاء بعده، ومشكلات تتعلق بالضمائر: المستترة المتصلة بالفعل المتأخر، كموقع الضمير "أنت" في مثل قول الشاعر:

إذا أنت لم تشرب مرارًا على القذى

ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه

فما إعراب "أنت"؟ أتكون فاعلًا مقدمًا للفعل "تشرب" مع أن فاعله ضمير مستتر وجوبًا، لا يجوز إظهاره؟ أم تكون توكيدًا متقدمًا لذلك الفاعل المستتر مع أن التوكيد لا يصح تقديمه على المؤكد؟ إلى غير هذا من مشكلات تتصل بالضمائر - وسواها - كمشكلة الفاعل المتقدم في مثل:"محمد" قام، بإعراب "محمد" فاعلًا عند من يجيزونه، فما إعرابه إن سبقه ناسخ مثل: كان محمد قام؟ أين الفاعل؟ وأين اسم الناسخ؟ وكذلك مشكلة عودة الضمائر، ومطابقتها للفاعل المتقدم أو عدم مطابقتها، واعتبارها حروفًا أو أسماء مهملة حينًا وغير مهملة حينًا آخر بغير ضابط سليم يعتمد عليه في كل ذلك.

ج- فلم يبق إلا اختيار الإعراب الثالث القائم على تقدير فعل محذوف، "تحقيقًا لما اشترطه جمهور النحاة من دخول أداة الشرط على فعل ظاهر، أو مقدر ومنع دخولها على الاسم واعتباره أفضلها، وأن العيب فيه أخف وأيسر، كما قلنا، ولن يترتب على هذا "التقدير" خلط بين المعاني والمدلولات اللغوية، ولا تداخل بين القواعد النحوية، على أن "التقدير" باب واسع وأصيل في لغتنا، ولكنه محكم، وسائغ ممن يحسن استخدامه - عند مسيس الحاجة الشديدة - على النط الوارد الفصيح الذي يحتج به، والذي لا يؤدي إلى خلط أو اضطراب.

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

4-

أجرى بعض النحاة الذين لا يقصرون الاشتغال على النصب - أحكامًا أربعة على الاسم السابق إذا كان مرفوعًا، وبعده فعل قد عمل الرفع في ضميره أو في ملابسه:

فيجب رفع هذا الاسم السابق إما بالابتداء إذا وقع بعد أداة لا يليها فعل؛ كإذا الفجائية، وليتما "المختومة بما الزائدة"، نحو: خرجت فإذا النسيم ينعش - ليتما الجو يعتدل، وإما على الفاعلية يفعل محذوف إذا وقع بعد أداة لا يليها إلا الفعل -كأداة الشرط- نحو: إن سيارة أقبلت فاحترس منها، وقول الشاعر:

إذا أنت لم تحم القديم بحادث

من المجد لم ينفعك ما كان من قبل

ويكون الرفع بالابتداء راجحًا في مثل: الزارع يكافح: حيث لا يحتاج إلى تقدير شيء محذوف، أما إعرابه فاعلًا بفعل محذوف فيحتاج إلى تقدير ذلك الفعل، والتقدير هنا ردئ ما دام الاسم غير واقع بعد أداة تطلب فعلًا؛ كأداة الاستفهام، ونحوها

وقد يكون الرفع بالفعل المحذوف راجحًا على الرفع بالابتداء في مثل: العاملة لتجتهد؛ لأن وقوع الجملة الطلبية خيرًا قليل بالنسبة لغير الطلبية.

وقد يتسويان في مثل كلمة: "الزروع" من نحو: المطر نزل، "والزروع ارتوت منه؛ لأن الجملة الأولى ذات وجهين فإذا أعربت كلمة "الزروع" مبتدأ والجملة بعدها الخبر كانت هذه الجملة الاسمية معطوفة على الجملة الاسمية التي قبلها. وإذا أعربت كلمة:"الزروع" فاعلًا لفعل محذوف كانت هذه الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية الواقعة خبرًا قبلها.

5-

أبيات ابن مالك في هذا الباب ليست مرتبة ترتيبًا متماسكًا يساير المعاني ويؤالف بعضه بعضًا، فقد يذكر بيتًا أو بيتين في أول الباب يشرح بهما قاعدة معينة، ثم يأتي ببيت أو أكثر ليشرح قاعدة ثانية، فثالثة

ثم يذكر بيتًا آخر يتمم القاعدة الأولى، فآخر يتمم الثالثة، وهكذا تتفرق أجزاء القاعدة الواحدة في بيتين أو أكثر ليس بينهما توال، أو اتصال مباشر، فلم يكن يد من استيفاء كل قاعدة على حدة استيفاء كاملًا، ثم الإشارة في الهامش إلى أبيات ابن مالك

ص: 148

المتعلقة بتلك القاعدة، وتدوينها على حسب ما يقتضيه تماسك القاعدة وتكاملها، لا على حسب ورودها في ألفيته؛ وإلا جاءت القاعدة مفككة، متناثرة هنا وهناك، متداخلة في غيرها، على أنا وضعنا بجانب كل بيت من أبيات ابن مالك رقمه الخاص به الذي يدل على ترتيبه الحقيقي بين أبيات هذا الباب كما وردت في ألفيته.

6-

أسلوب: "الاشتغال" بمعناه العام دقيق، يتطلب براعة في تأليفه وضبطه، كي يسلم من الخطأ، والالتواء، والتفكك؛ فحيذا الاقتصاد في استعماله.

ص: 149