الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة 65: الفاعل
1
تعريفه:
اسم، مرفوع، قبله فعل تام2، أو ما يشبهه 3، وهذا الاسم هو الذي فعل 4 الفعل، أو قام به 5.
1 للنحاة فيه تعريفات كثيرة، راعوا في أكثرها جانب اللفظية المنطقية، ولا بأس بهذا؛ لولا أنهم بالغوا حتى انتهوا إلى إطالة مذمومة لا تناسب التعريف، أو اختصار معيب؛ يحوي الغموض والإبهام، وقد اخترنا من تعريفاتهم ما خلا من العيبين السالفين، ومال إلى الوضوح، واليسر، وإن اشتمل على بعض أجزاء يعدها المناطقة من أحكام الفاعل، لا من تعريفه؛ مثل: الرفع، ولكن هذا لا أهمية له قديمًا وحديثًا.
2 أي: ليس من الأفعال الناقصة -وهي النواسخ التي تحتاج إلى اسم وخبر، لا إلى فاعل؛ مثل: الفعل "كان" وأخواتها الفعلية- ويشترط في الفعل أيضًا أن يكون مبنيًا للمعلوم؛ لأن المبني للمجهول يحتاج إلى نائب فاعل في الأغلب، ولا يحتاج إلى فاعل، وإنما قلنا في "الأغلب" لتخرج الأفعال الملازمة للبناء للمجهول -فيما يقال- فإنها قد تحتاج لفاعل أحيانًا -وسيجيء البيان، والتفصيل في ص 108.
3 من كل ما يعمل عمل الفعل؛ كالمصدر، واسم الفاعل، والصفة المشبهة، وباقي المشتقات العاملة التي سبق الكلام عليها "في الباب الأول، هامش ص4، وغيره" وكاسم الفعل أيضًا، فالمصدر نحو عجبت من إتلاف المال محمد، واسم الفاعل؛ مثل: أصانع الثوب فتاة؟ والصفة المشبهة مثل: سحرنا الخطيب بكلام جميل أساليبه، قوي براهينه، وأفعل التفضيل؛ نحو: هذا الإكمال خلقه
…
وهكذا، ما اسم المفعول فحكمه حكم المبني للمجهول، كلاهما يرفع نائب فاعل، "كما سيجيء"، ومثل الجامد المؤول بالمشتق؛ نحو: العدو نمر، أي: هو؛ لأنه بمعنى: غادر فهو جامد مؤول بالمشتق وفاعله ضمير مستتر فيه، وقد يكون ظاهرًا نحو: القائد، أسد هجماته، أي: القائد جريئة هجماته.
"وقد سبق بيان الجامد المؤول بالمشتق في ج 1ص 326 م33 باب المبتدأ ".
4 أو يفعله الآن، أو في المستقبل؛ ليشمل المضارع الذي يقع مدلوله الآن أو في المستقبل؛ ويشمل الأمر الذي يقع مدلوله في المستقبل؛ وكذا الفعل الذي قبله أداة تعليق؛ مثل: إن يحضر الغائب نستقبله، والفعل هنا قد يكون داخلًا في جملة إنشائية للمدح؛ مثل: نعم المحسن؛ لأن الفعل في بعض الجمل، ومنها الجمل الإنشائية التي للمدح، وفي التعريفات العلمية لا يدل على زمان -كما قرره المحققون، وأشرنا إليه هامش ج1 ص 31 م 4- ولا فرق بين أن يكون معنى الفعل موجبًا أو منفيا؛ نحو: انتصر الشجاع، ولم ينتصر الجبان.
5 يرد على البال السؤال عن الفرق المعنوي بين الفاعل الذي قام به الفعل، والمفعول به الذي وقع عليه الفعل؛ لأن المعنى اللغوي للعبارتين واحد، بحيث لو وضعت إحداهما مكان الأخرى ما تغير المعنى اللغوي
…
=
فمثال الاسم، صريحًا، أو مؤولًا:{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} ، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} 1، "شاع أن البغي وخيم العاقبة"، "اشتهر أن تنتقل العدوى من المريض للسليم".
ومثال ما يشبه الفعل: أواقف على الشجرة عصفورة - ما فرج أعداؤنا بوحدتنا وقوتنا، فكلمة:"عصفورة" فاعل للوصف؛ "وهو" واقف، اسم الفاعل" وكلمة:"أعداؤنا" فاعل للوصف: "فرح - الصفة المشبهة".
ومن أمثلة الفاعل الذي قام به الفعل أيضًا: اتسعت ميادين العمل في بلادنا، وتنوعت أسبابه؛ فلن يضيق الرزق بطالبيه ما داموا جادين.
= إن الفرق اللفظي بين الفاعل والمفعول به معروف للنحاة؛ فالفاعل مرفوع، والمفعول به منصوب، وهذا الفرق اللفظي يستتبع عندهم فرقا اصطلاحيًا في معنى كل جملة، يوضحه ما يأتي:
"تحرك الشجر"، كلمة:"الشجر" تعرب فاعلا نحويًا، لكن هذا الإعراب لا يوافق المعنى اللغوي الواقعي لكلمة:"فاعل"، وهو:"من أوجد الفعل حقيقة، وباشر بنفسه إبرازه في الوجود"؛ لأن الشجر لم يفعل شيئًا؛ إذ لا دخل له في إيجاد هذا التحرك، ولا في خلقه، وجعله حقيقة واقعة بعد أن لم تكن، فليس للشجر عمل إيجابي -مطلقا- في إحداث التحرك، وكل علاقته به أنه استجاب له، وتفاعل معه؛ فقامت الحركة به؛ وخالطته، ولابسته، من غير أن يكون له اختيار أو دخل في إيجادها، كما سبق، فأين الفاعل الحقيقي الذي أوجد التحرك من العدم، وكان السبب الحقيقي في إبرازه للوجود؟
ليس في الجملة ما يدل عليه، أو على شيء ينوب عنه، فإذا قلنا: حرك الهواء الشجر -تغير الأمر؛ فظهر الفاعل الحقيقي المنشئ للتحرك، وبان الموجد له، الذي أوقع أثره على المفعول به.
مثال آخر: تمزقت الورقة، تعرب كلمة:"الورقة" فاعلًا نحويًا، وهذا الإعراب لا يوافق ولا يساير المعنى اللغوي لكلمة؛ "فاعل"، ولا يوافق الأمر الواقع؛ لأن الورقة في الحقيقة لم تفعل شيئًا؛ فلم تمزق نفسها، ولا دخل لها في تمزقها، ولا تشترك فيه بعمل إيجابي يحدثه؛ ولكنها تأثرت به حين أصابها، فأين الفاعل الحقيقي -لا النحوي- الذي أوجد التمزق، وجعله حقيقة قائمة بالورق؟ لا وجود له في الجملة، ولا دليل يدل عليه أو على شيء ينوب عنه، لكن إذا قلنا: مزق الطفل الورقة -ظهر الفاعل الحقيقي، واتضح من أوجد الفعل بمعناه اللغوي الدقيق.
ومما سبق يتبين الفرق المعنوي بينهما، وأنه ينحصر في:
أ- أن الفاعل النحوي -على الوجه السالف- ليس هو الفاعل الحقيقي، وإنما هو المتأثر بالفعل، وليس في الجملة ما يدل على ذلك الفاعل الحقيقي، أو على شيء ينوب عنه.
ب- وأن المفعول به ليس فاعلًا نحويًا ولا حقيقيًا، وإنما هو المتأثر بالفعل، أيضًا، ولكن مع اشتمال جملته على الفاعل الحقيقي، أو ما ينوب عنه.
1 المراد بالاسم الصريح هنا: ما يشمل الضمير، كما في الآية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
يكون الفاعل مؤولًا إذا وقع مصدرًا منسبكًا من حرف مصدري وصلته. وحروف المصادر خمسة1، لكن الذي يصلح منها للسبك في باب الفاعل ثلاثة2؛ هي:"أن" - "أن" - "ما"، المصدرية بنوعيها، مثل: يسعدك أن تعمل الخير، ويسعدني أنك حريص عليه، "أي: يسعدك عمل الخير ويسعدني حرصك عليه"
…
ومثل: ينفعك ما أخلصت في عملك - يسرني ما طالت ساعات الصفر، "أي: ينفعك إخلاصك في عملك -يسرني مدة 3 إطالة ساعات الصفو"، فلا يوجد المصدر المؤول إلا من اجتماع أمرين مذكورين - غالبًا 1 في الكلام، هما: حرف سابك وصلته، ولا يجوز حذف أحدهما إلا "أن" الناصبة للمضارع
1 و 1 حروف المصادر وتسمى: "حروف السبك"، خمسة، وهي:"أن الناصبة للمضارع أن مشددة ومخففة - ما - كي - لو "، وقد سبق الكلام على معناها، وصلتها، وكل ما يتعلق بها في ج 1 - آخر باب: الموصول - ص 368 م 29 من هذا الكتاب، وزاد عليها بعضهم همزة التسوية؛ فإنها من أدوات السبك عندهم، وهي التي تقع بعد كلمة:"سواء" ويليها صلتها مشتملة على لفظة "أم" الخاصة بهما.
كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ
…
} فالهمزة تسبك - بغير سابك - مع الجملة بعدها بمصدر يعرب هنا فاعلًا. والتقدير: إن الذين كفروا سواء - بمعنى: متساو - إنذارك وعدمه عليهم، فهم يعربون كلمة:"سواء" خبر "إن" والمصدر المؤول - من غير سابك - فاعل لكلمة "سواء" التي هي بمعنى اسم الفاعل.
"وتفصيل الكلام على هذا في مكانه الخاص ج3 باب العطف عند بيان أحوال "أم"، ص 431 م 118 -وسبقت الإشارة له في ج 1 بآخر "باب الموصول" م 29، كما قلنا.
2 أما: "كي" المصدرية فلا تصلح للسبك في باب الفاعل؛ لأنها - في الغالب - تكون مسبوقة بلام الجر لفظًا، أو تقديرًا، فالمصدر المؤول منها ومن صلتها مجرور باللام؛ فلا يكون فاعلًا وكذلك:"لو" المصدرية؛ لأنها - في الغالب مسبوقة بجملة فعلية، فعلها "ود" أو "يود" - أو ما في معناهما، فالمصدر المنسبك منها ومن صلتها يعرب مفعولًا للفعل الذي قبلها
…
3 بشرط أن يكون المراد: أن مدة الإطالة هي التي تسر، وليست الإطالة نفسها؛ وإلا كانت "ما" مصدرية فقط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنها قد تحذف وحدها وجوبا أو جوازا في مواضع معينة، وتبقى صلتها -كما سيجيء1- ومع حذفها في تلك المواضع تسبك مع صلتها الباقية مصدرا يعرب على حسب حالة الجملة، وقد حذفت سماعا في غير تلك المواضع، وبقيت صلتها أيضا، وهو حذف شاذ لا يصح القياس عليه، ومنه قولهم: وما راعني إلا يسير الركب، أي: إلا أن يسير الركب، والتقدير
…
ما راعني إلا سير الركب، فالمصدر المؤول فاعل، ومثله: يفرحني يبرأ المريض، أي: أن يبرأ المريض والتقدير: يفرحني برء المريض، فالمصدر المنسبك فاعل، وهو نظير المسموع، وكلاهما لا يجوز القياس عليه، وإنما يذكر هنا لفهم المسموع الوارد في الكلام العربي القديم، دون محاكاته.
وقد دعاهم إلى تقدير "أن" حاجة الفعل الذي قبلها إلى فاعل، فيكون المصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعلًا، ولولا هذا لكان الفاعل محذوفًا أو جملة:"يسير الركب - يبرأ المريض"، وكلاهما لا يرضى عنه النحاة، لمخالفته الأعم الأغلب.
وبهذه المناسبة نشير إلى أن الراجح الذي يلزمنا أتباعه اليوم يرفض أن تقع الجملة الفعلية أو الاسمية فاعلًا، وأما قوله تعالى في قصة يوسف:{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّه} ، فالفاعل ضمير مستتر تقديره، "هو" عائد على المصدر المفهوم من الفعل، أي: بدا لهم بداء، أي: ظهور رأي، وهذا أحد المواضع التي يستتر فيها الضمير - كما سبق2.
وهناك رأي يجيز وقوعها فاعلًا مطلقًا، ورأى ثالث يجيز وقوعها فاعلًا بشرط أن تكون فعلية معلقة3 بفعل قلبي، وأداة التعليق الاستفهام؛ كقوله
1 في الجزء الرابع، باب "إعراب الفعل" حيث الكلام على النواصب ثم الجوازم
…
2 جـ1 ص181 م20 عند الكلام على "مرجع الضمير".
3 شرحنا في الباب الأول: "ظن وأخواتها" التعليق وأدواته، ص27.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالى: {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ} 1، والرأي الأول أكثر مسايرة للأصول اللغوية، وأعبد من التشتيت والتفريق، وأثارهما السيئة في الإبانة والتعبير، فالاقتصار عليه أولى.
نعم إن كانت الجملة مقصودًا لفظها وحكايتها بحروفها وضبطها جاز وقوعها فاعلًا؛ لأنها -بسبب قصد لفظها- تعتبر بمنزلة الفرد؛ كأن تسمع صوتًا يقول: "رأيت البشير"، فتقول:"سرني رأيت البشير"؛ فتكون الجملة كلها باعتبارها كتلة واحدة متماسكة، فاعلًا، مرفوعًا بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهروها حركة الحكاية2.
1 تفصيل الكلام على حالات: "كيف الإعرابية والبنائية" في جـ1 م39 ص509.
2 انظر رقم 3 من هامش ص119 حيث البيان الخاص بنوع الجملة التي تصلح نائب فاعل.
المسألة 66: أحكام الفاعل
للفاعل أحكام تسعة، لا بد أن تتحقق فيه مجتمعة:
أولها: أن يكون مرفوعًا، كالأمثلة المتقدمة، ويجوز أن يكون الفاعل مجرورًا في لفظه، ولكنه في محل رفع، ومن أمثلته إضافة المصدر إلى فاعله؛ في نحو: يسرني إخراج الغني الزكاة؛ فكلمة: "الغني" مضاف إليه مجرور، وهي فاعل المصدر؛ إذ المصدر هنا يعمل عمل فعله1، "أخرج" فيرفع مثله فاعلًا، وينصب مفعولًا به، وأصل الكلام: يعجبني إخراج الغني الزكاة؛ ثم صار المصدر مضافًا، وصار فاعله مضافًا إليه مجرورًا في اللفظ، ولكنه مرفوع في المحل بحسب أصله2، كما قلنا؛ فيجوز في تابعه "كالنعت، أو غيره من التوابع الأربعة3"، أن يكون مجرورًا؛ مراعاة للفظه، أو مرفوعًا مراعاة للمحل، تقول: يعجبني إخراج الغني المقتدر الزكاة؛ برفع كلمة: "المقتدر" أو جرها.
ومن أمثلة ذلك أيضًا الفاعل المجرور بحروف جر زائد، ويغلب أن يكون حرف الجر الزائد هو:"من"، أو:"الباء"، أو:"اللام"، نحو: ما بقي من أنصار للظالمين -كفى4 بالحق ناصرًا ومعينًا- هيهات لتحقيق الأمل بغير الجهد الصادق. فكلمة: "أنصار" مجرورة في اللفظ بحرف الجر الزائد: "من"، ولكنها في محل رفع فاعل، وكلمة:"الحق" مجرورة بحرف الجر الزائد: "الباء" في محل رفع؛ لأنها "فاعل"، وكذلك: كلمة: "تحقيق" مجرورة بلام الزائدة في محل رفع؛ لأنها فاعل لاسم الفعل: "هيهات".
1 في أول الجزء الثالث باب خاص بإعمال المصدر، وأحكامه المختلفة، وكذا اسم المصدر.
2 ومثل المصدر المضاف لفاعله اسم المصدر في نحو: يسرني عطاء الغني الفقير. فكلمة "عطاء" اسم مصدر الفعل: "أعطى" الذي مصدره: إعطاء، وقد أضيف اسم المصدر لفاعله، ونصب مفعوله، ففاعله مجرور اللفظ، مرفوع المحل.
3 في آخر الجزء الثالث باب مستقل لكل واحد منها.
4 فعل ماض، معناه: وفي وأغنى: "حصل به الاستغناء"....
فالفاعل في الأمثلة الثلاثة وأشباهها مجرور اللفظ، مرفوع المحل؛ بحيث لو جاء بعده تابع "كالعطف، أو غيره من التوابع الأربعة" لجاز في تابعه الرفع والجر؛ كما أسلفنا- ففي المثال الأول نقول: ما بقي من أنصار وأعوان1 للظالمين؛ بالجر والرفع في كلمة: "أعوان" المعطوفة، وفي المثال الثاني نقول: كفى بالحق والأخلاق
…
يجر كلمة: "الأخلاق" ورفعها، وفي الثالث هيهات لتحقيق الأمل والفوز
…
بجر كلمة: "الفوز" ورفعها2.
ثانيها: أن يكون موجودًا -ظاهرًا، أو مستترًا- لأنه جزء أساسي 3 في
1 إذا كان المعطوف معرفة والمعطوف عليه مجرورًا بمن الزائدة؛ مثل: ما بقي من أنصار والجنود
…
، وجب في المعطوف الرفع فقط - كما يقول النحاة - لأن "من" الزائدة لا تكون جارة زائدة - في الرأي الأغلب - إلا بشرطين - كما سيجيء في ص 462 - أن تكون مسبوقة بنفي أو شبهه، وأن يكون المجرور بها نكرة، ولما كان المعطوف في حكم المعطوف عليه، ويعد معمولًا مثله لحرف الجر الزائد:"من" وجب عندهم أن يكون نكرة كالمعطوف عليه، فإن لم يكن مثله لم يصح أن يكون معمولا للحرف "من" فلا يصح فيه الجر، ويجب فيه الاقتصار على الرفع، وكذا إن كان المعطوف عليه نكرة وأداة العطف:"لكن" أو: "بل"؛ لأن المعطوف بهما بعد النفي والنهي يكون مثبتًا؛ فلا يصح جره؛ لأنه بمنزلة المجرور بالحرف "من" والمجرور به لابد أن يكون نكرة منفية.
"راجع إيضاح الكلام على: "بل" و"لكن" في ج1 ص 443 م 43، وفي باب العطف جزء 3".
هذا تلخيص كلامهم، وهو مناقض لما يقولونه في مواضع مختلفة؛ من أنه يغتفر في الثواني "أي في التوابع وأشباهها" ما لا يغتفر في الأوائل -راجع البيان ص 338 م 81، وله إشارة 632- وبنوا على هذا أحكامًا كثيرة؛ فلا داعي هنا لخروجهم على ما قرره، وتشددهم وتضييقهم.
والرأي -عندي- تطبيق قاعدتهم السابقة على توابع الفاعل المجرور؛ فيجوز في توابعه الجر مطلقًا؛ مراعاة للفظ المجرور، والرفع مراعاة لمحله، وليس في هذا ضرر لفظي أو معنوي بل فيه تيسير، وتخفف، وتقليل للتفريغ.
2 وإلى ما سبق يشير ابن مالك بقوله:
الفاعل الذي كمرفوعي: أتى
…
زيد منيرًا وجهه، نعم الفتى
وقد اكتفى في تعريف الفاعل بذكر أمثلة مستوفية للشروط هي: أتى زيد
…
فكلمة "زيد" فاعل للفعل المتصرف: "أتى" وكلمة: "وجه" فاعل للوصف المشبه للفعل؛ وهو: "منير" اسم فاعل، و"الفتى" فاعل للفعل الجامد:"نعم"؛ فقد عدد الفاعل تبعًا لأنواع العامل.
3 الجزء الأساسي في الجملة، أو الأصيل، هو: الذي لا يمكن الاستغناء عنه في أداء معناها الأصلي، ويسميه النحاة: عمدة، ومنه: المبتدأ - الخبر - الفاعل - كثير من أنواع الفعل
…
جملته؛ لا بد منه، ولا تستغني الجمة عنه لتكملة معناه الأصيل مع عامله؛ ولهذا لا يصح حذفه.
ويستثنى من هذا الحكم أربعة أشياء1 كل منها يحتاج للفاعل، ولكنه قد يحذف -وجوبًا، أو جوازًا- لداع يقتضي الحذف؛ وهي:
أ- أن يكون عامله مبينًا للمجهول؛ نحو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، ومثل: إن القوي يخاف بأسه. وأصل الكلام: كتب الله عليكم الصيام إن القوي يخاف الناس بأسه
…
ثم بني الفعل للمجهول، فحذف الفاعل وجوبًا: وحل مكانه نائب له.
ب- أن يكون الفاعل واو جماعة أو ياء مخاطبة، وفعله مؤكد بنون التوكيد؛ كالذي في خطبة أحد القواد
…
" أيها الأبطال، لتهزمن أعداءكم، ولترفعن راية بلادكم خفاقة بين رايات الأمم الحرة العظيمة
…
فأبشري يا بلادي "فوالله لستمعن أخبار النصر المؤزر2، ولتفرحن بما كتب الله لك من عزة، وقوة، وارتقاء".
"وأصل الكلام: تهزمونن - ترفعونن - تسمعينن - تفرحينن - حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال، ثم حذفت وجوبًا واو الجامعة وياء المخاطبة، لالتقاء الساكنين"3.
جـ- أن يكون عامله مصدرًا؛ مثل: إكرام الوالد4 مطلوب، والحذف هنا جائز.
1 زاد عليها بعض النحاة، ولكن الزيادة لم تثبت على التمحيص، ولم يرض عنها المحققون "راجع الخضري ج 1، والصبان ج2 أول باب الفاعل عند الكلام على مواضع حذفه" بل إنهم لم يرضوا عن هذه الأربعة، وقالوا هناك: إن الحذف فيها ظاهري فقط، وليس بحقيقي، ولهم أدلتهم المقبولة القوية، وإن كنا قد وقفنا وسطًا.
2 البالغ الشديد.
3 الكلام على هذا الحذف من نواحيه المختلفة مدون بالجزء الأول ص 2 المسألة السادسة، أما التفصيل الأكمل ففي ج 4 ص 129 م 143، بابي: نون التوكيد، ثم الإعلال والإبدال.
4 يرى بعض النحاة: أن المصدر جامد، فلا يتحمل ضميرًا مستترًا فاعلًًا، إن حذف فاعله الظاهر، إلا أن كان نائبًا من عامله المحذوف فيتحمل ضميره "راجع ص 221"، ويرى بعض آخر أنه جامد مؤول بمشتق فهو محتمل للضمير، ففاعله مستتر فيه "راجع: رقم 2 ص 113 ورقم 2 من هامش ص 221".
د- أن يحذف جوازًا مع عامله لداع بلاغي، بشرط وجود دليل يدل عليهما مثل: من قابلت؟ فتقول: صديقًا1، أي: قابلت صديقًا.
وفي بعض الأساليب القديمة التي نحاكيها اليوم ما قد يوهم أن الفاعل محذوف في غير المواضع السالفة، لكن الحقيقة أنه ليس بمحذوف، ومن الأمثلة لهذا: أن يتكلم اثنان في مسألة، يختلفان في تقديرها، والحكم عليها، ثم ينتهي بهما الكلام إلى أن يقول أحدهما لصاحبه: إن كان لا يناسبك فافعل ما تشاء، ففاعل الفعل المضارع:"يناسب" ليس محذوفًا، ولكنه ضمير مستتر تقديره:"هو" يعود إلى شيء مفهوم من المقام، أي: إن كان لا يناسبك رأيي، أو نصحي، أو الحال الذي أنت فيه2.
ومنها: أن يعلن أحدهما رأيه بقوة وتشدد؛ فيقول أحد السامعين: ظهر -أو: تبين- أو: تكشف
…
يريد: ظهر الحق.... أو تبين الحق
…
أو: تكشف الحق.
وقصارى القول: لا بد -في أكثر3 الحالات- من وجود الفاعل اسمًا ظاهرًا، أو ضميرًا مستترًا أو بارزًا، وقد يحذف أحيانًا؛ كما في تلك المسائل الأربعة. وحذفه في المسألتين الأوليين واجب، أما في الأخيرتين فجائز.
1 ليس من اللازم في هذه الصورة، وأشباهها من كل اسم مذكور وحده -أن يعرب مفعولًا به بل يصح إعرابه شيئًا آخر يناسب الغرض والمقام؛ كأن يكون مبتدأ خبره محذوف، أو العكس
…
أو
…
أو
…
أو
…
أو
…
2 سبق الكلام على هذا الوضع عند الكلام على مرجع الضمير ج1 ص 230 م19.
3 انظر ص 72.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
هناك أفعال لا تحتاج إلى فاعل مذكور أو محذوف؛ منها: "كان"1 الزائدة؛ مثل: المال - كان - عماد للمشروعات العمرانية.
ومنها الفعل التالي لفعل آخر؛ ليؤكده توكيدًا لفظيًا؛ مثل: "اقترب - اقترب - القطار"؛ "فتهيأ - تهيأ - له"، فالفعل الثاني منهما مؤكد للأول توكيدًا لفظيًا، فلا يحتاج لفاعل2 مع وجود الفاعل السابق.
ومنها أفعال اتصلت بآخرها: "ما" الكافة: "أي: التي تكف غيرها عن العمل، وتمنع ما اتصلت به أن يؤثر في معمول" مثل: طالما - كثر ما - قلما، نحو:"طالما أوفيت بوعدك، وكثر ما حمدت لك الوفاء، وقلما3 يخلف النبيل وعده"، ويعرب كل واحد فعلًا ماضيًا مكفوفًا عن العمل "أي: ممنوعًا" بسبب وجود "ما" التي كفته، وقد يقال في الإعراب: طالما - أو كثر ما - أو: قلما - "كافة ومكفوفة" بمعنى: أن كل كلمة من الاثنتين كفت الأخرى، ومنعتها من العمل، فهي كافة لغيرها، ومكفوفة بغيرها.
وهناك رأي أفضل؛ يعرب الفعل ماضيًا، ويعرب "ما" مصدرية، والمصدر المنسبك منها ومن صلتها في محل رفع فاعل الفعل الماضي؛ فالتقدير: طال إيفاؤك بوعدك - وكثر حمدي لك الوفاء - وقل إخلاف النبيل وعده، وإنما كان هذا الرأي أفضل؛ لأنه يوافق الأصل العام الذي يقضي بأن يكون لكل فعل أصلي فاعل؛ فلا داعي لإخراج هذه الأفعال من نطاق ذلك الأصل4.
هذا ويقول اللغويون: إن تلك الأفعال - هي - في الرأي الأحسن الجدير بالاتباع - لا يليها إلا جملة فعلية؛ كالأمثلة السابقة.
1 تفصيل الكلام على زيادتها، وفائدتها وإعرابها
…
في ج 1 ص 428 المسألة: 44.
2 ولا لشيء آخر من المعمولات "طبقا للبيان التفصيلي الآتي في باب التوكيد"، ج 3 - م 116 ص 510.
3 نستعمل: "قلما" في أغلب الأساليب لإثبات الشيء القليل؛ كهذا المثال المذكور بعد، وقد تستعمل في بعض الأساليب للنفي المحض؛ فتكون حرفا نافيًا -لا فعلًا- مثل:"ما" النافية، و"لا" النافية نحو: قلما يسلم السفيه من المكاره. أي: ما يسلم
…
ولا بد في استعمالها حرف نفي من وجود قرينة تدل على هذا والأحسن ترك هذا الاستعمال القليل -بالرغم من جوازه- قراره من اللبس.
4 ولأن العلة التي يذكرونها لكف الفعل في مثل: "قلما" وعدم احتياجه للفاعل -وهي كما جاء في المعنى -شبهه في معناه للحرف: "رب" علة واهية.
وعلى اعتبار "ما" كافة، يجب وصلها بالفعل الذي قبلها في الكتابة؛ فتشبك بآخره، أما على اعتبارها مصدرية فيجب فصلها في الكتابة.
ثالثها: وجوب تأخيره عن عامله، كالأمثلة السالفة، وقد يوجد في بعض الأساليب الفصحى ما يوهم أن الفاعل متقدم، والواقع أنه ليس بفاعل في الرأي الأرجح؛ ففي مثل:"الخير زاد"، لا نعرب كلمة:"الخير" فاعلًا مقدمًا، وإنما هي مبتدأ، وفاعل الفعل بعده ضمير مستتر تقديره:"هو" يعود على الخير، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، وفي مثل: إن ملهوف استعان بك فعاونه، تعرب كلمة:"ملهوف" فاعلًا1 بفعل محذوف يفسره الفعل بعدها؛ والتقدير: إن استعان بك ملهوف -استعان بك- فعاونه، ومثله: إن أحد استغاث بك فأغثه
…
وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، فالفاعل لا يكون متقدمًا، ما الاسم التقدم على الفعل في تلك الأمثلة وأشباهها فقد يعرب حينًا، مبتدأ، وفاعل الفعل الذي بعده ضمير مستتر يعود على ذلك الاسم، وقد يعرب في حالات أخرى فاعلًا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده2، أو غير هذا من الأوجه الإعرابية الصحيحة التي تبعده عن أن يكون فاعلًا متقدمًا.
رابعها: الشائع أن يتجرد عامله "فعلًا كان، أو شبه فعل" من علامة في آخره تدل على التثنية، أو على الجمع حين يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مثنى أو جمعًا، نحو: طلع النيران -أقبل المهنئون- برعت الفتيات في الحرف المنزلية، فلا
1 بيان السبب في ص 144.
2 هذا رأي فريق كبير من النحاة، وخاصة البصريين ويرى غيرهم -ولا سيما الكوفيين- جواز تقدم الفاعل على عامله، وهم يعربون الاسم الظاهر المرفوع من الأمثلة المذكورة فاعلًا.
وبالرغم من الميل للتيسير وتقليل الأقسام يبدو رأي البصريين هنا أقرب مسايرة للأًصول اللغوية؛ ذلك أن مهمة "المبتدأ" البلاغية تختلف عن مهمة "الفاعل"، فلا معنى للخلط بينهما، وإزالة الفوارق التي لها آثارها في المعنى -كما سيجيء إيضاحه مفصلًا في مكانه المناسب ص 144 من باب "الاشتغال".
وفي الحكم الثاني والثالث يقول ابن مالك:
وبعد فعل فاعل، فإن ظهر
…
فهو، وإلا فضمير استتر
أي: أن الفعل لا بد له -في الأغلب- من فاعل بعده، فإن ظهر فهو المطلوب، ولا استتار ولا حذف، وإلا فهو ضمير مستتر
…
أو محذوف إن كان الموضع موضع حذفه.
يصح في الأمثلة السابقة وأشباهها -طبقًا، للرأي الشائع- أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية، ولا واو جماعة، ولا نون نسوة؛ فلا يقال: طلعًا النيران -أقبلوا المهنئون- برعن الفتيات1
…
إلا على لغة تزيد هذه العلامات مع وجود الفاعل الظاهر بعدها، وهي لغة فصيحة2، ولكنها لم تبلغ من درجة الشيوع والجري على ألسنة الفصحاء ما بلغته الأولى التي يحسن الاكتفاء بها اليوم، والاقتصار عليها؛ إيثارًا للأشهر -وتوحيدًا للبيان- مع صحة الأخرى.
ومثل الفعل في الحكم السابق ما يشبهه في العمل، فلا يقال في اللغة الشائعة: هل المتكلمان غريبان؟ هل المتكلمون غريبون، بإعراب كلمتي:"غريبان" و"غريبون" فاعلًا للوصف، ويجوز على اللغة الأخرى3.
1 لا يقال هذا ولو كانت التثنية والجمع من طريق التفريق والعطف بالواو؛ مثل: طلعا الشمس والقمر
…
حضروا محمود، وصالح؛ وحامد
…
تعلمن فاطمة، ومية وبثينة
…
2 لأن الوارد المسموع بها كثير في ذاته، وإن كان قليلًا بالنسبة للوارد من اللغة الأخرى، ولا معنى لما يتكلفه بعض النحاة من تأويل ذلك الوارد المشتمل على علامة التثنة، أو الجمع مع وجود الفاعل الظاهر بعد تلك العلامة؛ قاصدًا بالتأويل إدخال تلك الأمثلة تحت حكم آخر لا يمنع اجتماع الضمير مع ذلك الاسم المرفوع في جملة فعلية واحدة؛ فهذا خطأ منهم؛ إذ المقرر أن القلة النسبية لا تمنع، القياس، وأنه لا يصح إخضاع لغة قبلية للغة أخرى ما دامت كلتاهما عربية صحيحة.
ويستدل الذين يجيزون الجمع من الأمرين بأمثلة كثيرة: منها قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}
…
وقوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بإعراب كلمة: "الذين" وكلمة "كثير" هي "الفاعل" والواو حرف محض وللدلالة على الجمع، وعليها قول الشاعر:
جاد بالأوال حتى
…
حسبوه الناس حمقا
وقول الآخر:
لو يرزقون الناس حسب عقولهم
…
ألفيت أكثر من ترى يتكفف
ولا داعي عندهم لإعراب الواو فاعلًا، مع إعراب الاسم الظاهر بدلًا، أو غيره من ضروب التأويل التي منها إعراب الاسم الظاهر مبتدأ متأخرًا، وتكون الجملة الفعلية قبله خبرًا متقدمًا
…
ومن البديه أن محاكاة القرآن في ألفاظه المفردة والمركبة محكاة دقيقة أمر سائغ بل مطلوب، فإذا حاكيناه في مثل الآيتين السابقتين -وغيرهما- كانت المحاكاة الدقيقة صحيحة قطعًا، ولا يجرؤ أحد أن يصف التركب بالخطأ، ومن شاء بعد ذلك أن يؤول تعبيراتنا بمثل ما أول من الآيتين فليفعل، فليس يعنينا إلا صحة التركيب المساير للقرآن وسلامته من الخطأ، سواء أكانت صحته وليدة التأويل أم غيره، فالمهم الصحة لأنوع التعليل.
3 لعل الأخذ باللغة الأخرى التي تزيد هذه الحروف في آخر الفعل -أحسن في حالة الوصف؛ =
خامسها: أن عامله قد يكون مضمرًا "أي: محذوف اللفظ" جوازًا أو وجوبًا:
أ- فيكون العامل مضمرًا "أي: محذوف لفظه" جوازًا إذا وقع جواب استفهام ظاهر الأداة، تشتمل جملته على نظير العامل المحذوف، نحو: من انتصر؟ فتجيب: الشجاع، أي: انتصر الشجاع
…
ونحو: أحضر اليوم أحد؟ فتجيب: الضيف، أي: حضر الضيف
…
أو يكون في جواب استفهام ضمني مفهوم من السياق من غير تصريح بأدائه ودلالته؛ نحو: ظهر المصلح فاشتد الفرح به
…
؛ العلماء - القادة - الجنود - أي: فرح العلماء - فرح القادة - فرح الجنود فكان سائلًا سألك من فرح به؟ فكان الجواب: العلماء
…
و؛ فالاستفهام غير صريح، ولكنه مفهوم من مضمون الكلام، ومثل: ازدحم الطريق؛ الأولاد، السيارات، الدراجات
…
أي: زحمه الأولاد، زحمته السيارات
…
زحمته الدراجات فليس في الكلام استفهام صريح، وإنما فيه استفهام ضمني، أو مقدر يفهم من السياق؛ فكأن أصل الكلام: من زحمه؟ فأجيب: الأولاد، أي: زحمه الأولاد، ومثل: العيد بهجة مأمولة، وفرحة مشتركة: الكبار، الأطفال، الرجال، النساء
…
ففي الكلام سؤال ضمني أو مقدر؛ هو: من يشترك فيها؟ فأجيب: الكبار.. و. أي: يشترك فيه الكبار. .. و..، ومثل: لم يدخل الحزن قلبك لموت فلان، فتقول: بل أعظم الحزن. فكأن أصل الكلام: هذا أصحيح؟ فأجبت أعظم الحزن، أي بل دخله أعظم الحزن
…
= لأنه أيسر وأوضح -كما سبق أن قلنا في باب المبتدأ والخبر عند الكلام على الوصف- ج 1 ص 330 م 34، وفي الحكم الرابع يقول ابن مالك:
وجرد الفعل إذا ما أسندا
…
لاثنين، أو جمع كفاز الشهدا
وقد يقال: سعيدا وسعدوا
…
والفعل للظاهر بعيد مسند
يقول: لا تلحق بآخر الفعل الذي فاعله اسم ظاهر -مثنى أو جمع- علامة تثنية أو جمع، وساق مثالًا لذلك:"فاز الشهداء" فالفاعل جمع تكسير للرجال، وفعله مجرد من علامة جمع الرجال؛ فلم يقل: فازوا الشهداء، ثم عاد فقال: إنه قد يصح في بعض اللغات زيادة علامة التثنية والجمع على اعتبارها مجرد علامة حرفية، وليست ضميرًا فاعلًا؛ لأن الفاعل اسم ظاهر مذكور بعدها، والفعل قلبه؛ فنقول: سعدا الرجلان، وسعدوا الرجال.
وهكذا1.
ب- ويكون العامل مضمرًا وجوبًا إذا وقع مفسرًا بما بعد فاعله من فعل آخر "أو ما يشبهه" يعمل في ضمير يعود على الفاعل الظاهر السابق، أو: في اسم مضاف إلى ضمر2 يعود على ذلك الفاعل؛ نحو: إن ضعيف استنصرك فانصره - إن صديق حضر والده فأحسن استقباله، فالفعل:"استنصر" و"حضر" هو المفسر للفعل المحذوف، وأصل الكلام: إن استنصرك ضعيف استنصرك، وفاعل الفعل المفسر ضمير مستتر تقديره:"هو" يعود على فاعل الفعل المحذوف. وكذلك فاعل الفعل: "حضر" فإنه مفسر لفعل محذوف، والتقدير: إن لابس صديق؛ حضر والده فأحسن استقباله3، فالضمير في كلمة:"والده" مضاف إليه، والمضاف هو كلمة:"الوالد" المعمولة للفعل المفسر: "حضر" وفي هذين المثالين وأشباههما لا يجوز الجمع بين المفسر والمفسر؛ لأن المفسر هنا يدل على الأول، ويغني عنه؛ فهو كالعوض، ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض عنه4.
سادسها: أن يتصل بعامله علامة تأنيث تدل على تأنيثه "أي: على تأنيث الفاعل حين يكون مؤنثًا، هو، أو نائبه"5، وزيادتها على الوجه الآتي:
1 يجوز في الأسماء التي أعريناها فاعلًا لفعل محذوف إعرابات أخرى لغير ما نحن فيه.
2 هذا الاسم المضاف يسمى: "الملابس للفاعل، أي: الذي يجمعه به صلة أي صلة؛ كقرابة، أو صداقة، أو عمل، أو تملك
…
3 سيجيء في باب: "الاشتغال" تفصيل المسألة، وتوضيحها، وسبب اختيارهم هذا الإعراب -ص 140 م69 و 145 وما بعدهما.
4 وفي الحكم الخامس يقول ابن مالك:
ويرفع الفاعل فعل أضمرا
…
كمثل: زيد، في جواب: من قرا؟
يريد أن الفاعل قد يكون مرفوعًا بفعل مضمر، "أي: غير مذكور مع فاعله"، وضرب لهذا مثالًا هو: أن يسأل سائل: من قرأ؟ فيجاب: زيد: أي: قرأ زيد. واكتفى بهذا عن سرد التفصيل الخاص بهذا الحكم وقد ذكرناه.
5 وكذلك تدل على تأنيث اسم الناسخ إن كان العالم من النواسخ، وتمتنع التاء، في مواضع سنذكر في "هـ" من ص 84.
أ- إن كان العامل فعلًا ماضيًا لحقت آخره تاء التأنيث الساكنة1، مثل قول شوقي في سكينة بنت الحسين بن علي: رضي الله عنهما:
كانت سكينة تملأ الدنيا
…
وتهزأ بالرواة
روت الحديث، وفسرت
…
آي الكتاب البينات
ب- إن كان العامل مضارعًا فاعله المؤنث اسم ظاهر، للمفردة، أو لمثناها أو جمعها، لحقت أوله تاء متحركة: مثل: تتعلم عائشة، تتعلم العائشتان -تتعلم العائشات، وكذلك إن كان فاعله ضميرًا متصلًا للغائية المفردة أو لمثناها2، مثل: عائشة تتعلم3- العائشتان تتعلمان، ومثل قولهم: عجبت للباغي كيف تهدأ نفسه، وتنام عيناه، وهو يعلم أن عين الله لا تنام؟ وكالمضارع تملأ" و"تهزأ" في البيت السالف.
فإن كان فاعله ضميرًا متصلًا لجمع الغائبات "أي: نون النسوة"، فالأحسن - وليس بالواجب4- تصديره بالياء، لا بالتاء؛ استغناء بنون النسوة في آخره؛ نحو: الوالدات يبذلن الطاقة في حماية الأولاد، ويسهرن الليالي في رعايتهم. ويصح: تبذلن، تسهرن
…
ولكن الياء أحسن -كما تقدم.
ج- إن كان العامل وصفًا5 لحقت آخره تاء التأنيث المربوطة6؛ مثل:
1 وفي هذا يقول ابن مالك:
وتاء تأنيث تلي الماضي إذا
…
كان لأنثى؛ كأبت هند الأذى
والفاعل في مثاله مؤنث حقيقي، وقد يكون مؤنثًا - مجازيًا؛ "كالعين؛ والطلول" في قول الشاعر:
وتلفتت عيني؛ فمذ خفيت
…
عني الطلول، تلفت القلب
ومن الأمثلة أيضًا قول الشاعر - وفيه الفاعل مؤنث لفظي مجازي:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
…
فما فاته منها فليس بضائر
2 أما تاء المخاطبة للمفردة، ومثناها، وجمعها؛ فليست تاء تأنيث؛ وإنما هي للدلالة على الخطاب لا على التأنيث؛ نحو: أنت يا زميلتي لا تعرفين العبث - أنتما يا زميلتي لا تعرفان العبث- أنتن يا زميلاتي لا تعرفن العبث.
3 الضمير المستتر نوع من المتصف -كما سبق في ج 1 م 18 ص 198 باب الضمير.
4 كما سبق تفصيل هذا في باب الفعل "ج1 م4 رقم 2 من هامش ص 46 عند الكلام على: المضارع وكذا في "ج" ص 181 م14 عند الكلام على الأفعال الخمسة.
5 أي: اسمًا مشتقًا.
6 انظر "ج" من ص 84 حيث التكملة.
أساهرة والدة الطفل؟.
وحكم زيادة تاء التأنيث عام ينطبق على المواضع الثلاثة السالفة " أ - ب - ج " غير أن زيادتها قد تكون واجبة، وقد تكون جائزة، فتجب في حالتين.
الحالة الأولى: أن يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا، حقيقي التأنيث1، متصلًا
1 المؤنث أنواع اصطلاحية، فمنه:"المؤنث الحقيقي" وهو الذي يلد ويتناسل. وقد يكون تناسله من طريق البيض والتفريخ؛ كالطيور.
ومنه: " المؤنث المجازي"، وهو الذي لا يلد ولا يتناسل، ولكنه يجري في أغلب استعمالاته اللفظية على حكم المؤنث الحقيقي فيؤنث له الفعل أحيانًا، وكذلك الصفة والخبر، ومن أمثلته: شمس، أرض، سماء
…
ومن الأنواع: "المؤنث اللفظي" وهو الذي يشتمل لفظه على علامة تأنيث؛ سواء أكان مؤنثًا حقيقي، أم مجازيًا، أم دالًا على مذكر، فمن أمثلة المؤنث اللفظي والحقيقي معًا: عائشة - فاطمة - ليلى - سعدى - نجلاء، ومن أمثلة المؤنث اللفظي والمجازي معًا: ورقة، صحيفة، صحراء، ومن أمثلة المؤنث اللفظي ومعناه مذكر: طلحة، معاوية
…
وهناك نوع من المؤنث يسمونه "المؤنث المعنوي" فقط هو: ما كان دالًا على مؤنث مطلقًا، مع خلو لفظه من علامة تأنيث.
ونوع آخر يسمونه: "المؤنث تأويلًا"؛ كالكتاب، مرادًا به: الصحيفة: وكاللسان، مرادًا به الرسالة.
ونوع آخر؛ يقال له: "المؤنث حكمًا" وهو المذكر المضاف لمؤنث؛ نحو كلمة: "كل" في قوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ، ونحو كلمة:"صدر" في قول الشاعر: "وتحطمت صدرا لفتاة على العدا" فكلمة: "كل" مذكرة، وكذا كلمة:"صدر"، ولكنهما في المثالين مؤنثتين؛ فقد اكتسبتا التأنيث من المضاف إليه وأنث الفعل لتأنيثهما، وهذا النوع وكذا المؤنث تأويلًا مع جواز استعماله وصحة محاكاته يقتضينا أن نقتصد في استعماله، منعًا للشبهة اللغوية: وحيرة السامع والقارئ، فإن خيف اللبس باستعماله وجب العدول عنه، نزولًا على الصالح اللغوي.
وليس من اللازم أن توجد لأمة لفظية للتأنيث في المؤنث الحقيقي، أو المجازي: فقد توجد كبعض الأمثلة السابقة: أو لا توجد مثل: زينب، سعاد، مي
…
ومثل: عين، أذن، يد
…
" وفي الجزء الرابع -ص 437 م169- الباب الشامل الخاص بالتأنيث، وأقسامه المتعددة، وعلاماته، وأحكامه المختلفة".
وقد أشار ابن مالك إلى حالتي الوجوب بقوله:
وإنما تلزم فعل مضمر
…
متصل أو مفهم ذات حر
يريد: أن علامة التأنيث تكون لازمة في الفعل فاعله ضمير متصل مستتر، أو بارز - يعود على مؤنث مطلقًا، وكذلك في الفعل الذي فاعله اسم ظاهر متصل به ما يفهم، ويدل على مؤنثة حقيقية
…
بعامله مباشرة1، غير مراد منه الجنس، وغير جمع2 وما يجري مجراه كقولهم: سعدت امرأة عرفت ربها حق المعرفة؛ فأطاعته: وشقيت امرأة لم تراقبه في السر والعلن، ويلاحظ التفصيل الآتي:
1-
إن كان الفاعل اسمًا ظاهرًا مؤنثًا حقيقيًا، ولكنه مفصول من عامله بفاصل جاز تأنيث العامل وعدم تأنيثه3؛ نحو: نسق الزهر مهندسة بارعة، أو نسقت
…
ومثل: ما صاح إلا طفلة صغيرة، أو: صاحت، وعدم التأنيث هو الأفصح حين يكون الفاصل كلمة:"إلا" 4 والأفصح مع غيرها التأنيث5.
1 لزم التأنيث في هذه الحالة باق إذا عطف على الفاعل مذكر؛ نحو: قامت عائشة ومحمد، كما يلزم التذكير في عكسه؛ مثل: قام محمد وعائشة، أما قولهم يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع فخاص بنحو: عائشة ومحمد قائمان.
"راجع الصبان" وانظر ما يتصل بهذا في رقم 4 من هامش ص 83.
2 بأن يكون مفرد، أو مثنى؛ لأن للمجموع حكمًا سيجيء هنا.
3 سواء أكان الفاصل ضميرًا كالذي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}
…
أم غير ضمير كالأمثلة التي ستجيء.
4 أو: غير، أو سوى
…
مع ملاحظة أن كلمة: "غير" أو: "سوى" هي التي تعرب فاعلًا، ولكنها مضافة إلى المؤنث.
5 وفي هذا يقول ابن مالك:
وقد يبيح الفصل ترك التاء في
…
نحو: أتى القاضي بنت الواقف
يريد: أن الفصل بين الفعل وفاعله الظاهر المؤنث الحقيقي الذي وصفناه -يبيح تجريد الفعل من علامة التأنيث، وضرب لذلك مثلًا هو: أتى - القاضي - بنت الواقف، ويصح أتت القاضي، ولولا الفصل لوجب تأنيث الفعل، ثم قال:
والحذف مع فضل بإلا فضلا
…
كما زكا إلا فتاء ابن العلا
وفي رأي ابن مالك أن عدم التأنيث مفضل على التأنيث حين يكون الفاصل كلمة: "إلا" مثل: ما زكا إلا فتاة ابن العلا؛ ما صلحت إلا فتاة الرجل المعروف بابن العلا، ثم قال:
والحذف قد يأتي بلا فصل ومع
…
ضمير ذي المجاز في شعر وقع
أي: أن العامل الذي فاعله مؤنث ظاهر حقيقي قد يتجرد من علامة التأنيث مع عدم وجود فاصل؛ نحو: قال فتاة، وكذلك قد تحذف علامة التأنيث من العامل الذي فاعله ضمير متصل -مستتر، أو بارز- يعود على مؤنث مجازي "ذي مجاز، أي: صاحب مجاز" نحو الأرض اهتز بالأمس اهتزازًا شديدًا، ثم انشق بعد ذلك وهذا الحذف شاذ لا يصح محاكاته، ولا القياس عليه.
2-
وكذلك يصح الأمران إن كان الفاعل ظاهرًا، ومؤنثًا حقيقيًا غير مفصول، ولكن لا يراد به فرد معين، وإنما يراد به الجنس كله ممثلًا في الفاعل: فكأن الفاعل رمز لجنس معناه، أو مرادٌ به ذلك الجنس كله، ومنه "الفاعل" الذي فعله:"نعم" أو"بئس" أو أخواتهما1، فيجوز إثبات علامة التأنيث في العامل وحذفها: نحو: نعم الأم، ترعى أولادها، وتشرف على شئون بيتها
…
فكلمة "الأم" هنا لا يراد بها واحدة معينة، وإنما يرمز بها إلى جنس الأم من غير تحديد ولا تخصيص، وهذا على اعتبار "أل" جنسية2؛ فيجوز أن يقال: نعم الأم، ونعمت الأم3.
3-
وكذلك إن كان الفاعل ظاهرًا ولكنه جمع تكسير للإناث، أو الذكور فيصح تأنيث العامل، وعدم تأنيثه؛ نحو: عرفت الفواطم طريق السداد، واتبعت الهنود سبل الرشاد، ويصح: عرف
…
واتبع
…
؛ فالتأنيث على قصد تأويل الفاعل بالجماعة، أو الفئة، وعدم التأنيث على قصد تأويله بالجمع أو الفريق؛ فكأنك في الحالة الأولى تقول: عرفت جماعة الفواطم طريق السداد، واتبعت جماعة الهنود سبل الرشاد، وكأن: في الحالة الثانية تقول: عرف جميع الفواطم 4
…
واتبع جمع الهنود 4
…
فالتأنيث ملاحظ فيه معنى "الجماعة"، والتذكير ملاحظز فيه معنى " الجمع"، وكأن العامل مسند إلى هذه أو تلك؛ ويجري التأنيث أو التذكير على أحد الاعتبارين.
ومثل قولهم؛ إذا دعا البدوي استجاب سكان الحي لدعوته؛ فأسرع الرجال
1 في الجزء الثالث باب خاص بهما، وبألفاظ المدح والذم الأخرى.
2 وليست للعهد، ومقتضى ذلك -كما قالوا، ونصوا على أنه لا بعد فيه- جواز الأمرين في مؤنث قصد به الجنس؛ نحو: صار المرأة متعلمة كالرجل. ومثل هذا: ما قام من امرأة؛ فيصح زيادة تاء التأنيث وعدم زيادتها؛ لأن "من" أفادت الجنسية، بخلاف ما قامت امرأة؛ لكون المراد بها الفرد، وإنما جاء العموم من النفي
…
3 ليس من اللازم في هذه الصورة أن يكون الفاعل ظاهرًا، فقد يكون ضميرًا مفسرًا بنكرة بعده، نحو: نعم فتاة عائشة؟
4-
4 وإنما صح حذف التاء من الفعل مع أن فاعله اسم ظاهر حقيقي التأنيث؛ لأن تأويله بمعنى " الجمع" جعله بمنزلة المذكر مجازًا؛ فأزال المجازي الطارئ ما كان يلاحظ لأجل التأنيث الحقيقي كما أزال التذكير الحقيقي في "رجال " في الصورة التالية.
إليه، وبادر الفتيان لنجدته
…
ويجوز: استجابت - أسرعت - بادرت؛ فيجري التأنيث أو التذكير هنا - كما في سابقتها - على أحد الاعتبارين.
ويجري على اسم الجمع1 واسم الجنس الجمعي2 المعرب3، ما يجري على جمع التكسير؛ نحو: قالت طائفة لا تسالموا العدو، ونحو: شربت البقر
…
ويجوز: "قال، وشرب"4
…
4-
وإن كان الفاعل الظاهر جمع مؤنث ساملًا - مستوفيا للشروط 5- فحكمه كحكم مفرده؛ فيجب تأنيث عامله - في الرأي الأقوى- كقولهم: بلغت الأعرابيات في قوة البيان وبلاغة القول مبلغ الرجال، وكانت الشاعرات تجيد
1 هو ما يدل على ما يدل عليه الجمع، ولكن ليس له مفرد من لفظه، مثل: قوم - رهط - طائفة، أو: هو ما يدل على أكثر من اثنين، وليس له مفرد من لفظه ومعناه معًا، وليست صيغته على وزن خاص بالتكسير، أو غالب فيه - فيدخل فيه اسم الجمع ماله مفرد من معناه فقط، مثل: إبل وقوم، وجماعة؛ فلهذه الكلمات - وأشباهها - مفرد من معناها فقط، فمفرد إبل هو: جمل أو ناقة: ومفرد قوم وجماعة هو: رجل أو امرأة، وليس لها مفرد من لفظها ومعناها معًا، وبرغم دلالتها على أكثر من اثنين، وسنعيد هذا البيان مفصلًا في ج 4 باب "جمع التكسير"، م 174 ص 625 وباب "التأنيث" م169 - حيث الكلام في:"ج" على تذكير أسماء الجمع وتأنيثها
…
و
…
لمناسبة تقتضيه هناك.
2 سبق تعريفه وكل ما يتصل به في ج 1 م 1 ص 20، وانظر حكم مفرده في:"أ" ص 84.
3 بخلاف المبني مثل "اللذين" في رأي من يعتبرها اسم جنس جميعًا "وانظر""أ" في ص 84 حيث تتمة الحكم الخاص بعامل اسم الجنس الجمعي.
4 وفي جمع التكسير وفي فاعل "نعم" وأخواتها، "وهي التي سبق الكلام عليها قبل جمع التكسير -ص 81" يقول ابن مالك:
والتاء مع جمع سوى السالم من
…
مذكر كالتاء مع إحدى اللبن
أي: تاء التأنيث التي تزاد في العامل على تأنيث الفاعل - حكمها من ناحية وجودها أو الاستغناء عنها، كحكمها في العامل الذي يكون فاعله هو كلمة:"اللبن""بمعنى: الطوب الذي لم يطبخ بالنار ولم يدخلها" حيث يقال: تكاثر اللبن، أو تكاثرت اللبن؛ بزيادة تاء التأنيث أو بحذفها؛ فكذلك الشأن في كل جمع سوى جمع المذكر السالم المستوفي للشروط -وجمع المؤنث السالم المستوفي أيضًا- فلم يبق جمع سواهما إلا جمع التكسير، فكأنه يريد أن يقول: إذا كان الفاعل جمع تكسير جاز في عامله التأنيث؛ نحو: قام الرجال، وقامت الرجال، على نحو ما شرحناه، ثم قال:
والحذف في "نعم الفتاة" استحسنوا
…
لأن قصد الجنس فيه بين
5 سبقت شروطه في جـ1 ص100 المسألة 12.
القريض كالشعراء، وربما سبقت شاعرة كثيرًا من الفحول
…
فإن لم يكن مستوفيًا للشروط جاز الأمران؛ نحو: أعلنت الطلحات السفر، أو أعلن
…
"جمع: طلحة، اسم رجل"، وكقول بعض المؤرخين:"لما تمت "أذرعات" 1 نباء وعمرانًا هيأ واليها طعامًا للفقراء، ونظر فإذا جمع من النساء مقبل؛ فقال: الحمد لله، أقبل أولات الفضل من عملن بأنفسهن، وساعدن بأولادهن؛ ابتغاء مرضاة الله " فيصح في الفعلين: "تم
…
" "أقبل
…
" زيادة تاء التأنيث في آخرهما، أو عدم زيادتها.
وبديه أن الفاعل إذا كان جمع مذكر سالمًا مستوفيًا للشروط، لا يجوز -في الرأي الأصح- تأنيث عامله وإنما يحكم له بحكم مفرده، كقولهم:"أسرع المحاربون إلى لقاء العدو، فرحين، ولم يتزحزح الواقفون في الصفوف الأمامية، ولم يتقهقر الواقفون في الصفوف الخلفية؛ حتى كتب الله لهم النصر، وفاز المخلصون بما يبتغون".
فإن كان غير مستوف للشروط2 جاز الأمران على الاعتبارين السالفين - "معنى الجمع أو معنى الجماعة" نحو: أظهر أولو العلم في السنوات الأخيرة عجائب؛ لم يشهد الأرضون مثلها من بدء الخليقة، وشاهد العالمون من آثار العبقرية ما جعلهم يرفعون العلم والعلماء إلى أعلى الدرجات؛ فيصح في الأفعال المذكورة عدم إلحاق علامة التأنيث بها كما هنا، أو زيادتها فيقال: أظهرت - تشهد - شاهدت
…
5 وإن كان الفاعل الظاهر مؤنثًا غير حقيقي "وهو: المؤنث المجازي" صح تأنيث عامله وعدم تأنيثه؛ نحو: امتلأت الحديقة بالأزهار -تمتلئ الحديقة بالأزهار، ويصح: امتلأ، ويمتلئ.
6-
هناك صور للفاعل المؤنث الحقيقي لا يصح أن يؤنث فيها عامله، منها: أن يكون الفعل هو التاء التي للمفردة؛ مثل: كتبت - أو لمثناها؛ نحو كتبتما،
1 اسم بلد بالشام.
2 ومن هذا أن يدخل على صيغة المفرد عند الجمع تغيير -أي تغيير- في عدد الحروف، أو في ضبطها.
أو التي معها نون النسوة؛ مثل كتبتن1
…
أو يكون الفاعل هو: "نا" التي لجماعة المتكلمات؛ نحو: كتبنا، أو نون النسوة، نحو: كتبن.
ومنها: أن يكون الفاعل المؤنث الحقيقي مجرورًا في اللفظ بالباء التي هي حرف جر زائد، وفعله هو: كلمة؛ "كفى" مثل: "كفى بهند شاعرة"2.
الحالة الثانية3: أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا عائدَا على مؤنث مجازي، أو حقيقي؟ كقولهم: بلادك أحسنت إليك طفلًا، وأفاءت عليك الخبر يافعًا؛ فمن حقها أن تسترد جزاءها منك شابًا وكهلًا، وكقولهم: الأم المتعلمة تحسن رعاية أبنائها؛ فترفع شأن بلادها4، ففاعل الأفعال "وهي: أحسن - أفاء - تسترد" ضمير مستتر تقديره: "هي" يعود على مؤنث مجازي، وأما فاعل الفعلين: "تحسن - ترفع
…
"، فضمير مستتر تقدير: "هي" يعود على مؤنث حقيقي
…
فإن كان الفاعل ضميرًا بارزًا منفصلًا كان الأفصح الشائع في الأساليب العالية عدم تأنيث عامله: نحو: " ما فاز إلا أنت يا فتاة الحي" - "الفتاة ما فاز إلا هي" - "إنما فاز أنت - إنما فاز هي"، ووأشباه هذه الصور مما يقال عند إرادة الحصر، ومع أن التأنيث جائز فإن الفصحاء يفرون منه.
1 طريقة إعراب هذا الضمير ونظائره موضحة تفصيلًا في موضعها الأنسب وهو "كيفية إعراب الضمير" ج 1 م 19 ص 213.
2 نص النحاة على أن يكون الفعل هو: "كفى" الذي يكون فاعله مجرورًا بحرف الباء الزائدة، ويفهم من هذا أن غيره من الأفعال التي فاعلها مجرور بحرف جر زائد - قد يتصل بها علامة تدل على تأنيث ذلك الفاعل، بل إنهم ذكروا أمثلة للتأنيث بمناسبة عارضة في باب النائب عن الفاعل، ومن تلك الأمثلة قوله تعالى:{وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ}
…
وقوله تعالى: {وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا} وقوله تعالى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} .
3 سبقت الأولى من حالتي التأنيث في ص 87.
4 ملاحظة: التأنيث في صور الحالة الثانية واجب ولو عطف على الفاعل مذكر؛ نحو: البنت قامت - هي - والوالد؛ كوجوبه في نحو: قامت البنت والوالد- كما يلزم التذكير في عكسه؛ نحو: الوالد قام هو والبنت؛ كوجوبه في نحو: قام الوالد والبنت، أما قولهم:"يغلب المذكر على المؤنث عند الاجتماع فخاص بنحو: البنت والوالد قائمان، الوالد "ولهذا إشارة موضحة سبقت في رقم 1 من هامش ص 79.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
أ- اسم الجنس الجمعي الذي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء المربوطة - إذا وقع مفرده هذا فاعلًا وجب تأنيث عامله مطلقًا؛ "أي: سواء أكان من الممكن تمييز مذكره من مؤنثه: كبقرة وشاة، أم لم يمكن؛ كنملة ودودة"؛ فيقال: سارت بقرة - أكلت شاة - دأبت نملة على العمل - ماتت دودة.
أم اسم الجنس المفرد الخالي من التاء الذي لا يمكن تمييز مذكره من مؤنثه فيجب تذكير عامله، ولو أريد به مؤنث؛ مثل: صاح هدهد - غرد بلبل،
…
فإن أمكن تمييز مذكره من مؤنثه روعي في تأنيث العامل، وعدم تأنيثه ما يدل عليه التمييز، فالمعمول عليه في تأنيث عامل اسم الجنس المفرد الخالي من التاء، أو عدم تأنيثه - هو مراعاة اللفظ عند عدم التمييز.
ب - إذا كان الفاعل جمعًا يجوز في عامله التذكير والتأنيث "كجمع التكسير"، فإن الضمير العائد على ذلك الفاعل يجوز فيه أيضًا التذكير والتأنيث؛ نحو: قامت الرجال كلهم -أو قام الرجال كلها، والأحسن لدى البلغاء موافقة الضمير للعامل في التذكير وعدمه؛ نحو: قامت الرجال كلها، أو قام الرجال كلهم، ونحو: حضرت الأبطال كلها، أو: حضر الأبطال كلهم، وذلك ليسير الكلام على نسق متماثل.
ج- كما تلحق تاء التأنيث الفعل في المواضع السابقة تلحق أيضًا الوصف - كما سبق1- إلا إذا كان الوصف مما يغلب عليه ألا تلحقه التاء في بعض حالاته، مثل:"فعول" بمعنى: "فاعل"؛ كصبور، وجحود
…
ومثل: "فعيل" بمعنى: مفعول؛ كطريح وطريد، بمعنى: مطروح، ومطرود2، ومثل:"أفعل التفضيل"3 في بعض صوره، وكذلك لا تلحق آخر اسم الفعل4، كهيهات. ولا العامل
1 في "جـ" من ص77.
2 بيان هذا وتفصيله في الباب الخص بالتأنيث جـ4 م169 ص437.
3 له باب مستقل في جـ3 م112 ص322.
4 له باب مستقل في جـ4 م141 ص108.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إذا كانت شبه جملة على الرأي الذي يجعل شبه الجملة رافعًا فاعلًا بشروط اشترطها، وهو رأي يحسن إغفاله اليوم.
د- إذا قصد لفظ كلمة ما؛ "اسمًا كانت، أو فعلًا، أو حرفًا" جاز اعتبارها مذكرة على نية: "لفظ" أو مؤنثة على نية: "كلمة"، وكذلك حروف الهجاء في الرأي الأشهر؛ تقول في كلمة سمعتها مثل:"هواء" أعجبني الهواء، أو: أعجبتني الهواء، فالأولى على إرادة: أعجبني لفظ: "الهواء" والثانية على إرادة: أعجبتني كلمة: "الهواء"، وتقول في إعراب:"أعجب" إنه فعل ماض، أو إنها فعل ماض.
وتقول "أل" هو: حرف يفيد التعريف أحيانًا: أو: هي حرف تفيد التعريف أحيانًا، وهكذا.
وتنظر للحروف الهجائي "الميم" مثلًا فتقول: إنه جميل المنظر، أو إنها جميلة المنظر
…
وعلى حسب التذكير أو التأنيث في كل ما سبق، ونظائره - يذكر أو يؤنث العامل والضمائر وغيرها من كل ما يتصل بالمطابقة.
هـ- الأحكام الخاصة بالتذكير والتأنيث المترتبين على وقوع الفاعل مفردا مؤنثًا، تطبق أيضًا حين وقوعه مثنى مؤنثًا، فيجري على عامل الفاعل المؤنث المثنى، وعلى الضمائر العادة عليه من التذكير والتأنيث، ما يجري عليهما مع الفاعل المفرد المؤنث -كما يفهم مما سبق- كما سبق حكم العامل مع الفاعل المجموع1.
1 في ص80.
سابعها: أن يتقدم - أحيانًا - على المفعول به؛ كالأمثلة السابقة، وكقول الشاعر:
وإذا أراد الله امرًا لم تجد
…
لقضائه ردًّا ولا تحويلًا
ولهذا التقدم أحوال ثلاث؛ فقد يكون واجبًا، وقد يكون ممنوعًا، وقد يكون جائزًا.
أ- فيجب الترتيب بتقديم الفاعل وتأخير مفعوله في مواضع، أشهرها:
1-
خوف اللبس الذي لا يمكن معه تمييز الفاعل من المفعول به؛ كأن يكون كل منهما اسمًا مقصورًا؛ نحو: ساعد عيسى يحيى، أو مضافًا لياء المتكلم؛ نحو: كرم صديقي أبي1، فلو تقدم المفعول به على الفاعل لخفيت حقيقة كل منهما، وفسد المراد بسبب خفائها؛ لعدم وجود قرينة تزيل هذا الغموض2، واللبس. فإن وجدت قرينة لفظية أو معنوية تزيله لم يكن الترتيب واجبًا، فمثال اللفظية: أكرمت يحيى سعدى، فوجود تاء التأنيث في الفعل دليل على أن الفاعل هو المؤنث "سعدى"، ومثل: كلم فتاه يحيى؛ لأن عودة الضمير على "يحيى" دليل على أنه الفاعل، وأنه متقدم في الرتبة3، برغم تأخره في اللفظ، "ولهذا يسمى المتقدم حكمًا، ولم يكن معولًا به لكيلا يعود الضمير على شيء متأخر في اللفظ والرتبة؛ وهذا
أمر لا يساير الأساليب الصحيحة التي تقضي بأن الضمير لا بد أن يعود على متقدم في الرتبة، إلا في بعض مواضع 4 معينة، ليس منها هذا الموضع.
ومثال المعنوية: أتعبت نعمى الحمى، فالمعنى يقتضي أن تكون "الحمى" هي الفاعل؛ لأنها هي التي تتعب "نعمى"، لا العكس.
1 يقع اللبس في صور كثيرة؛ فيشمل كل الأسماء التي يقدر على آخرها الإعراب، كالمقصور، وكالمضاف إلى ياء المتكلم، وكالأسماء التي تعرب إعرابًا محليًا، ومنها "المبنيات"ح كأسماء الإشارة، وأسماء الموصول
…
2 لا التفات لما يقال من أن مخالفة الترتيب جائزة مع اللبس، فهذا كلام لا يساير الأصول اللغوية العامة، ولا يوافق القصد من التفاهم الصريح بالكلام.
3 بيان الرتبة والدرجة ملخص في رقم 1 من هامش ص 88.
4 سبقت في باب الضمير ج 1 ص 184 م 10.
2-
أن يكون الفاعل ضميرًا متصلًا والمفعول به اسمًا ظاهرًا؛ نحو: أتقنت العمل، وأحكمت أمره، ولا مانع في مثل هذه الصورة من تقدم المفعول به على الفعل والفاعل معًا؛ لأن الممنوع أن يتقدم على الفاعل وحده؛ فيتوسط بينه وبين الفعل.
3-
أن يكون كل منهما ضميرًا متصلًا ولا حصر1 في أحدهما؛ نحو عاونتك كما عاونتني.
4-
أن يكون المفعول به قد وقع عليه الحصر، "والغالب أن تكون أداة الحصر هي:"إنما" أو"إلا" المسبوقة بالنفي"، نحو: إنما يفيد الدواء المريض، أو: ما أفاد الدواء إلا المريض.
وقد يجوز تقديم المفعول به على فاعله إذا كان المفعول محصورا بإلا المسبوقة بالنفي، بشرط أن تتقدم معه "إلا"؛ نحو: ما أفاد -إلا المريض- الدواء2.
ومع جواز هذا التقديم لا يميل أهل المقدرة البلاغية إلى اصطناعه؛ لمخالفته الشائع بن كبار الأدباء.
ب- ويبج إهمال الترتيب: وتقديم المفعول به على الفاعل فيما يأتي:
1-
أن يكون الفاعل مشتملًا على ضمير يعود على ذلك المفعول به؛ نحو: صان الثوب لابسه -قرأ الكتاب صاحبه3
…
ففي الفاعل "وهو: لابس- صاحب" ضمير يعود على المفعول به السابق4، فلو تأخر المفعول به لعاد ذلك
1 سبق في الجزء الأول -ص 346 م 37- الإشارة إلى معنى الحصر "القصر" والغرض منه.
2 لما كان المحصور بإلا هو الواقع بعدها مباشرة كان تقدمه معها لا لبس فيه؛ لأن وجودها قبله مباشرة يدل على أنه المحصور بغير غموض، أما المحصور "بإنما" فإنه المتأخر عنها، الذي لا يليها مباشرة، فإذا تقدم ضاع -في بعض الحالات، الغرض البلاغي من الحصر، ولا قرينة في الجملة تدل على التقديم وموضعه، فيقع اللبس الذي يفسد الغرض.
3 ومثل الشطر الثاني من قول الشاعر:
حديث ذوي الألباب أهوى وأشتهي
…
كما يشتهي الماء المبرد شاربه
4 يتساوى في هذا الحكم اتصال الضمير بالفاعل مباشرة، كالمثالين المذكورين -واتصاله بشيء ملازم للفاعل، لا يمكن أن يستغني عنه الفاعل، كصلة الموصول إذا كان الفاعل -أو نائبه- اسم موصول كالذي في قول الشاعر:
سمرت فأدركت العلاء وإنما
…
يلقى عليات العلا من سما لها
ففي الصلة: "سمالها" ضمير يعود على المفعول به، "وهو: عليات"، فوجب تقدم المفعول لهذا.
الضمير على متأخر لفظًا ورتبة1؛ وهو مرفوض في هذا الموضع، أما عوده على المتأخر لفظًا دون رتبة -وهو المسمى بالمتقدم حكمًا- فجائز، ومن أمثلته: عود الضمير من مفعول به متقدم على فاعله المتأخر؛ نحو؛ حملت ثمارها الشجرة - فالضمير "ها" في المفعول عائد على "الشجرة" التي هي الفاعل المتأخر في اللفظ، دون الرتبة؛ لأن ترتيب الفاعل في تكون الجملة العربية يسبق المفعول به. ونحو: أفادت صاحبها الرياضة - أروى حقله الزارع
…
أما عودة الضمير على المتأخر لفظًا ورتبة فكما عرفنا - ممنوعة إلا في بعض مواضع محددة، وقد وردت أمثلة قديمة عاد الضمير فيها على متأخر لفظًا ورتبة في غير تلك المواضع؛ فحكم عليها بالشذوذ وبعدم صحة محاكاتها، إلا في الضرورة الشعرية، بشرط وضوح المعنى، وتمييز الفاعل من المفعول به؛ فمن الخطأ أن تقول: أطاع ولدها الأم - أرضى ابنه أباه.
2-
أن يكون الفاعل قد وقع عليه الحصر "بأداة يغلب أن تكون إلا" المسبوقة بالنفي، أو"إنما" نحو: لا ينفع المرء إلا العمل الحميد - إنما ينفع المرء العمل الحميد، وقد يجوز تقديم المحصور "بإلا" على مفعوله إذا هي تقدمت معه وسبقته؛ نحو: لا ينفع إلا العمل الحميد المرء
…
"ملاحظة": ستأتي2 مواضع يجب أن يتقدم فيها المفعول به على عامله، فيكون متقدمًا على فاعله تبعًا لذلك.
1 شرحنا "في باب الضمير ج 1 ص 182" معنى التقدم في اللفظ مع التقدم في الرتبة، ومعنى التقدم في اللفظ دون الرتبة، وملخصه: أن بناء الجملة العربية قائم على ترتيب يجب مراعاته بين كلماتها؛ فتتقدم واحدة على الأخرى وجوبًا أو جوازًا؛ فإن كان تقدم اللفظ واجبًا بحسب الأصل الغالب عليه سمي تقدمًا في الرتبة، أو في الدرجة، فالأصل في المبتدأ وجوب تقدمه على الخبر، والأصل في الفعل وجوب تقدمه على فاعله ومفعوله: والأصل في الفاعل أن يتقدم على المفعول
…
فإذا تحقق هذا الأصل ووضع كل لفظ ي مكانه وفي درجته قيل: إنه متقدم في اللفظ وفي الرتبة؛ كالمبتدأ حين يتقدم على خبره، وكالفاعل حين يتقدم على مفعوله، فإذا تأخر المبتدأ عن خبره، أو الفاعل عن مفعوله، لم يفقد درجته؛ ولم تزل عن رتبته، برغم تأخره اللفظي؛ فيقال عنه: إنه متأخر لفظًا لا رتبة.
وهناك مواضع يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظًا ورتبة شرحناها -كما قلنا- في مكانها الأنسب لها، وهو باب الضمير ج 1 ص 234 م 20 برغم أن بعض المطولات النحوية تذكرها في آخر باب الفاعل لمناسبة طارئة.
2 في الصفحة التالية.
جـ- في غير ما سبق "في: أ، ب" يجوز الترتيب وعدمه، ومن أمثلة تقديم الفاعل على المفعول جوازًا1 قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضيلة
…
طويت أتاح لها لسان حسود
ومن أمثلة تقديم المفعول به -جوازًا- على فاعله وحده: الجهل لا يلد الضياء ظلامه
…
، والشطر الأول من قول الشاعر:
أبت لي حمل الضيم نفس أبية
…
وقلب إذا سيم الأذى شب وقده2
ويفهم من الأقسام السالفة أن المواضع التي يتقدم فيها الفاعل وجوبًا -هي عينها المواضع التي يتأخر فيها المفعول به وجوبًا، فيمتنع تقديمه على فاعله، والعكس صحيح كذلك؛ فالمواضع التي يتقدم فيها المفعول به على فاعله وجوبًا هي عينها المواضع التي يتأخر فيها الفاعل وجوبًا، ويمتنع تقديمه عليه، حيث لا وجوب في التقديم أو التأخير يجوز الأمران، ولا يمتنع تقديم هذا أو ذاك.
بقيت مسألة الترتيب بينهما وبين عاملهما، وملخص القول فيها: أن الفاعل لا يجوز تقديمه على عامله -كما سبق3 وأن المفعول به يجب تقديمه على عامله في صور4، ويمتنع في أخرى؛ ويجوز في غيرهما.
أ- فيجب تقديمه:
1-
إن كان اسمًا له الصدارة في جملته؛ كأن يكون اسم استفهام، أو اسم شرط؛ نحو؛ من قابلت؟ أي نبيل تكرم أكرم
…
وكذلك إن كان مضافًا لاسم له الصدارة؛ نحو: صديق من قابلت؟ - صاحب أي نبيل تكرم أكرم
…
1 إلا إذا أوجب الوزن الشعري أحدهما.
2 ناره، ومن أمثلة التقديم الجائز قول الشاعر:
ولا خير في حسن الجسوم وطولها
…
إذا لم يزن حسن الجسوم عقول
3 في ص 73.
4 وفي هذه الصور يكون متقدمًا على فاعله أيضًا -كما أشرنا؛ إذ لا يمكن أن يتقدم على عامله دون أن يتقدم على فاعله.
2-
كذلك يجب تقديمه إن كان ضميرًا مفصلًا لو تأخر عن عامله لوجب اتصاله1 به؛ كقولهم: "أيها الأحرار: إياكم نخاطب، وإياكم ترقب البلاد
…
"، فلو تأخر المفعول به: "إيا" لا تصل بالفعل، وصار الكلام: نخاطبكم
…
ترقبكم
…
؛ فيضيع الغرض البلاغي من التقديم "وهو: الحصر".
3-
وكذلك يجب تقدميه إذا كان عامله مقرونًا بفاء الجزاء2 في جواب "أما" الشرطية الظاهرة أو المقدرة، ولا اسم يفصل بين هذا العامل وأما، فيجب تقديم المفعول به ليكون فاصلًا؛ لأن الفعل -وخاصة المقرون بفاء الجزاء- لا يلي "أما" الشرطية3، ومن الأمثلة قوله تعالى:{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} ، وقوله:{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} 4 بخلاف: أما اليوم فساعد نفسك، حيث لا يجب تقديم المفعول به، لوجود الفاصل؛ وهو هنا: الظرف5.
ب- ويمتنع تقديم المفعول به على عامله في الصور الآتية6: وقد سبقت الإشارة لبعضها.
1-
جمع الصور التي يمتنع فيها تقدمه على فاعله، وقد سبقت 7؛ "ومنها أن يكون تقدمه موقعًا في لبس، نحو: ساعد يحيى عيسى، فلو تقدم المفعول به -من غير قرينة- لالتبس بالمبتدأ، ومهمة المبتدأ المعنوية تخالف مهمة الفاعل.
1 وذلك في غير باب: "سلنيه" و"خلتنيه" حيث يجوز الاتصال والانفصال مع تأخر المفعول عن عامله؛ "كما تقدم في ج 1 ص 172 باب الضمير. م 20".
2 في هذا الموضع يصح أن يعمل ما بعد فاء الجزاء فيما قبلها.
3 كما سيجيء في ص 139.
4 هذا الموضع يعبر عنه بعض النحاة بأنه ما يكون العامل فيه جوابًا للأداة " أما" الشرطية المقدرة، ويعبر عنه بعض آخر بما يكون العامل فيه أمر مقرونًا بالفاء، والمعمول به منصوبًا بفعل الأمر، ولم يشترط وجود "أما" المقدرة، فعند الإعراب قد يلاحظ وجودها، فتكون الفاء في الأمثلة السابقة داخلة على جوابها، أولا يلاحظ وجودها فتكون الفاء زائدة، والمفعول المتقدم معمولًا لفعل الأمر المتأخر عنه، وهذا الإعراب أيسر وأوضح لخلوه من التقدير، "ثم انظر الأمر الثالث ص 139".
5 ترده ص 139.
6 مع ملاحظة ما هو مذكور منها في الزيادة، ص 93.
7 في ص 86.
وكذلك بقية الصور الأخرى، ما عدا الثانية؛ فيجوز فيها الأمران.
2-
أنه يكون مفعولًا لفعل التعجب "أفعل" في مثل: ما أعجب قدرة الله التي خلقت هذا الكون.
3-
أن يكون محصورًا بأداة حصر، هي:"إلا" المسبوقة بالنفي، أو "إنما" نحو: لا يقول الشريف إلا الصدق - إنما يقول الشريف الصدق.
4-
أن يكون مصدرًا مؤولًا من "أن المشددة أو المخففة" مع معموليها؛ نحو: عرف الناس أن الكواكب تفوق الحصر، وأيقن العلماء أن بعض منها قريب الشبه بالأرض، إلا أن كانت "أن" مع معموليها مسبوقة بأداة الشرط:"أما"؛ نحو: أما أنك فاضل فعرفت؛ لأن "أما" لا تدخل إلا على الاسم.
5-
أن يكون واقعًا في صلة حرف مصدري1 ينصب الفعل "وهو: أن - كي" في نحو: "سرني أن تقرن القول الحسن بالعمل الأحسن؛ لكي يرفع الناس قدرك"، فإن كان واقعًا في صلة حرف مصدري غير ناصب جاز -في رأي- تقديمه على عامله، لا على الحرف المصدري؛ نحو: أبتهج ما الكبير احترم الصغير، والأصل: ابتهج ما احترم الصغير الكبير، وامتنع -في رأي آخر 2 تقديمه على عامله، وهذا الرأي أقوى وأنسب في غير صلة " ما" المصدرية 3.
6-
أن يكون مفعولًا لعامل مجزوم بحرف جزم يجزم فعلًا واحدًا 4، فيجوز تقدمه على عامله وعلى الجازم معًا، ولا يجوز تقدمه على العامل دون الجازم؛ تقول: وعدًا لم أخلف، وإساءة لم أفعل، ولا يصح: لم وعدًا أخلف، ولم إساة أفعل.
7-
أن يكون مفعولًا به لفعل منصوب بالحرف: "لن"، فلا يجوز أن يتقدم
1 بيان الحروف المصدرية، وتفصيل الكلام على أحكامها مدون في ج 1 ص 294 م 29.
2 لهذا بيان في ج 1 م 29.
3 راجع " الصبان" في هذا الموضع، ثم "التصريح" في باب "الحال"، عند الكلام على تأخر الحال عن عاملها وجوبًا.
4 فخرج حرف الشرط الذي يجزم فعلين مثل: إن، فلا يجوز التقدم عليه.
على عامله فقط، وإنما يجوز أن يتقدم عليه، وعلى "لن" معًا، نحو، ظلمًا لن أحاول، وعدوانًا لن أبدأ1.
وفي غير مواضع التقديم الواجب، والتأخير الواجب2، يجوز الأمران.
1 وقد عرض ابن مالك عرضًا سريعًا موجزًا لأحوال الترتيب السابقة، واكتفى فيها بالإشارة المختصرة التي لا توفي الموضوع حقه من الإيضاح، والتفصيل النافعين، قال:
والأصل في الفاعل أن يتصلا
…
والأصل في المفعول أن ينفصلا
وقد يجاء بخلاف الأصل
…
وقد يجي المفعول قبل الفعل
يريد: أن الأصل في تكوين الجملة العربية، وترتيب كلماتها، يقتضي اتصال الفاعل بعامله، وانفصال المفعول عن ذلك العامل بسبب وقوع الفاعل فاصلًا بينهما؛ إذ مرتبة الفاعل مقدمة على مرتبة المفعول به، ومراعاة هذه المرتبة تجعل الفاعل هو الذي يلي العامل، وتجعل المفعول به مفصولا منه بالفاعل، ثم بين أن هذا الأصل لا يراعى أحيانا، فيتقدم المفعول به على الفاعل، ويفصله عن فعله وعامله، وانتقل بعد ذلك إلى حالتين من الحالات التي يجب فيها تأخير المفعول به، وهما حالة خوف اللبس، وحالة الفاعل الضمير، غير المحصور، الواجب اتصاله بعامله، فقال فيهما:
وأخر المفعول إن لبس حذر
…
أو أضمر الفاعل غير منحصر
وأوضح بعد ذلك أن المحصور "بإلا" أو"إنما" يجب تأخيره؛ فاعلًا كان أو مفعولًا به، وأنه يجوز تقديمه.
ولم يذكر النوع الذي يصح تقديمه، ولا شرطه، مكتفيًا بأن يقول: إن تقديم المنحصر يصح إذا ظهر المقصود، ولم يخف المعنى، أو يتأثر بالتقديم، وفي هذا يقول:
وما بإلا أو بإنما انحصر
…
أخر، وقد يسبق إن قصد ظهر
وختم كلامه بأن بين أن عود الضمير من المفعول به المتقدم على فاعله المتأخر شائع في أفصح الأساليب لا عيب فيه؛ لأنه عائد على متأخر في اللفظ متقدم في الرتبة، وهذا كثير سائغ، كما قلنا: وساق مثالًا لذلك هو: خاف ربه عمر. أما عود الضمير من الفاعل المتقدم على مفعوله المتأخر فوصفه بأن شاذ، لا يصح القياس عليه: ومثل له بنحو: زان نوره الشجر، فيقول:
وشاع نحو: "خاف ربه عمر"
…
وشذ نحو: "زان نوره الشجر"
وكلامه مجمل، بل مبتور.
2 ومن مواضع التأخير الواجب ما يأتي في الزيارة -ص 93.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
هناك مواضع أخرى لا يجوز فيها تقدم المفعول به على عامله، منها1: أن يكون مفعولصا به لفعل مؤكد بالنون، نحو: حاربن هواك.
أو مفعولًا به لفعل مسبوق بلام الابتداء؛ وليس قبلها "إن"؛ ففي مثل: لينصر2 الشريف أهل الحق
…
لا يصح أن يقال: أهل الحق لينصر الشريف، ويصح أن يقال: إن الشريف أهل الحق لينصر.
أو يكون فعله مسبوقًا بلام القسم؛ نحو: والله لفي غد أقضى حق الأهل.
أو مسبوقًا بالحرف: "قد" نحو: قد يدرك المتأني غايته؛ أو: "سوف"؛ نحو: سوف أعمل الخير جهدي.
أو مسبوقًا باللفظ: "قلما"؛ نحو: قلما أخرت زيارة واجبة.
أو: "ربما"، نحو: ربما أهلكت البعوضة الفيل.
1 راجع المواضع التالية في الصبان، وكذا الهمع جـ1 ص166.
2 على اعتبار هذه اللام للابتداء.
ثامنها: عدم تعدده؛ فلا يصح أن يكون للفعل وشبهه إلا فاعل واحد، أما مثل: تصافح علي وأمين، ومثل تسابق حليم، ومحمود، وسليم، و
…
فإن الفاعل هو الأول، وما بعده معطوف عليه، ولا يصح في الاصطلاح النحوي إعراب ما بعده فاعلًا، برغم أن أثر الفعل ومعناه متساو بين الأول وغيره1.
تاسعها: إغناؤه عن الخبر حين يكون المبتدأ وصفًا مستوفيًا الشروط 2؛ مثل: أمتقن الصانعان؟
1 يقول النحاة: إن مجموع المعطوف والمعطوف عليه في المثالين السابقين، وأشباههما هو الفاعل الذي أسند إليه الفعل؛ فلا تعدد إلا في أجزائه، لكن هذا المجموع من حيث هو مجموع لا يقبل الإعراب، فجعل الإعراب في أجزائه.
2 للوصف المستغني بفاعله عن الخبر أحكام وتفصيلات سبق بيانها في بابها المناسب لها "باب المبتدأ والخبر ج 1 ص 322 م 33".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
زيادة وتفصيل:
مسألة أخيرة: عرض بعض1 النحاة لما سماه: "الاشتباه بين الفاعل والمفعول به"، وصعوبة التمييز بينهما في بعض الأساليب، وأن ذلك يكثر حين يكون أحدهما اسمًا ناقصًا "أي: محتاجًا لتكملة بعده تبين معناه؛ كاسم الموصول، و"ما الموصوفة" والآخر اسمًا تامًا؛ أي: لا يحتاج للتكملة، وضرب لذلك مثلًا؛ هو:"أعجب الرجل ما كره الأخ"، فما الفعل في الجملة السابقة؟ أهو كلمة:"الرجل"، أم كلمة:"ما" التي بعده؟ وما "المفعول به" في الحالتين؟
وقد وضع ضابطًا مستقلًا لإزالة الاشتباه؛ ملخصه:
أ- أن نفرض الاسم التام هو الفاعل؛ فضع مكانه ضميرًا مرفوعًا للمتكلم، ونفرض الاسم الناقص هو المفعول به؛ ونضع مكانه اسمًا ظاهرًا، منصوبًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه2؛ "حيوانًا مثله إن كان المراد من الاسم الناقص حيوانًا، وغير حيوان إن كان الناقص كذلك، فإن استقام المعنى مع هذا الفرض فالضبط الأول صحيح، على اعتبار أن الاسم التام هو الفاعل، وأن الناقص هو المفعول به، وإن لم يستقم المعنى لم يصح الضبط السابق، نقول في المثال السالف أعجبت الثوب، فالتاء ضمير للفاعل المتكلم، جاءت بدلًا من الاسم التام "الرجل" وكلمة: "الثوب" جاءت بدلًا من الاسم الناقص: "ما" وهي من جنسه، باعتباره من جنس غير حيواني، وقد ظهر أن المعنى على هذا الفرض غير مستقيم؛ وهذا ينتهي إلى أن الضبط الذي كان قبله غير صحيح أيضًا.
فإن كان المقصود من: "ما"، إنسانًا مثلًا، فوضعنا مكانها فردًا من أفراد الإنسان فقلنا: أعجب محمدًا
…
صح الفرض وصح الضبط الذي كان قبله.
ب- نفرض الاسم التام: "الرجل" في المثال السابق هو المفعول به، "وما" هي الفاعل؛ فنضع مكان المفعول به ضميرا منصوبًا للمتكلم، ونضع مكان الناقص اسمًا ظاهرًا، أي اسم، بشرط أن يكون من جنسه؛ فإن استقام المعنى صح الضبط السابق وإلا فلا يصح؛ نقول: أعجبني الثوب؛ إن كان المراد من "ما" شيئًا غير حيواني، فيستقيم المعنى ويصح الضبط الأول.
1 منهم الأشموني في آخر باب الفاعل.
2 عاقلا كان الجنس أم غير عاقل.
جـ- إذا لم يصلح المعنى على اعتبار الاسم التام فاعلًا أجريت التجربة على اعتباره مفعولًا به، وكذلك العكس إلى أن يستقيم.
وكالمثال السالف: أمكن المسافر السفر1، بنصب:"المسافر"، كما يدل على هذا الضابط السالف؛ لأنك تقول: أمكنني السفر؛ بمعنى: مكنني فاستطعته، ولا تقول: أمكنت السفر
…
والحق أن هذه المسالة التي عرض لها بعض النحاة لا تفهم بضابطهم2، ولا يزول ما فيها من اشتباه إلا بفهم مفرداتها اللغوية، وقيام قرينة تدل على الفاعل والمفعول به، وتفرق بيانهما، أما ذلك الضابط وما يحتويه من فروض فلا يزيل شبهة، ولا يكشفها؛ لأنه قائم على أساس وضع اسم ظاهر مكان الناقص بشرط أن يكون من جنسه "حيوانًا عاقلًا، وغير عاقل - أو غير حيوان"، فكيف نختار هذا البديل من جنس الأصيل إذا كنا لا نعرف حقيقة ذلك الأصيل وجنسه؟ فمعرفة البديل متوقفة على معرفة الأصيل أولًا، ونحن إذا اهتدينا إلى معرفة الأصيل لم نكن بعده في حاجة إلى ذلك الضابط، وما يتطلبه من فروض لا تجدي شيئًا؛ ذلك أن الأصيل سيدل بمعناه في جملته على من فعل الفعل، فيعرف من وقع عليه الفعل تبعًا لذلك، ويزول الاشتباه، وإذًا لا حاجة إلى الضابط، ولا فائدة من استخدامه؛ لأن الغرض من استخدامه الكشف عن حقيقة الاسم الناقص، وهذا الكشف يتطلب اختيار اسم من جنسه ليحل محله. فكيف يمكن الاهتداء إلى اسم آخر من جنسه إذا كان الاسم الناقص مجهول الجنس لنا؟.
فمن الخير إهمال تلك المسألة بضابطها، وفروضه، والرجوع في فهم المثالين السابقين وأشباهما إلى فهم المعاني الصحيحة لمفرداتها اللغوية، والاعتماد بعد ذلك على القرائن، مع الفرار -جهد الطاقة- من استعمال تلك الأساليب الغامضة، هذا هو الطريق السديد، وعليه المعول.
1 الاسمان هنا تامان -وهي حالة قليلة بالنسبة للأولى.
2 عبارة الضابط كما وردت عنهم هي: "أن تجعل في موضع التام إن كان مرفوعا ضمير المتكلم المرفوع، وإن كان منصوب ضميره المنصوب، وتبدل من الناقص اسما بمعناه في العقل وعدمه".