المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 67: النائب عن الفاعل - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 67: النائب عن الفاعل

‌المسألة 67: النائب عن الفاعل

1

من الدواعي2 ما يقتضي حذف الفاعل دون فعله، ويترتب على حذفه أمران محتومان؛ أحدهما: تغيير يطرأ على فعله3، والآخر: إقامة نائب عنه يحل محله، ويجري عليه كثير من أحكامه التي أسلفناها4؛ كأن يصير جزءًا أساسيًا في الجملة؛ لا يمكن الاستغناء عنه، ويرفع مثله؛ وكتأخره عن عامله5، وتأنيث عامله له أحيانًا، وتجرد العامل من علامة تثنية أو جمع؛ وكعدم

1 يسميه كثير من القدماء: المفعول الذي لم يسم فاعله، والأول أحسن؛ لأنه أخصر؛ ولأن النائب عن الفاعل قد يكون مفعولًا به في أصله وغير مفعول به؛ كالمصدر، والظرف، والجار مع مجروره -كما سيجيء في ص 113 م 68.

هذا، والذي يحتاج لنائب فاعل ويرفعه شيئان، أحدهما:"الفعل المبني للمجهول"، وقد يسمى أيضًا:"الفعل المبني للمفعول"، والتسمية الأولى أحسن -طبقا لما سبق في رقم 1- والآخر:"اسم المفعول"؛ فلا بد لكل منهما من نائب فاعل، ويزاد عليها المصدر المؤول في رأي سيجيء في "ب" من ص 110، أما اسم المفعول، وأحكامه، وكل ما يتعلق به، فله باب خاص مستقل في الجزء الثالث.

2 بعضها لفظي؛ كالرغبة في الاختصار في مثل: لما فاز السابق كوفي، أي: كافأت الحكومة السباق، مثلا

وكالمماثلة بين حركات الحروف الأخيرة في السجع؛ نحو: من حسن عمله عرف فضله، فلو قيل: عرف الناس فضله، لتغيرت حركة اللام الثانية، ولم تكن مماثلة للأولى، وكالضرورة الشعرية

وبعضها معنوي؛ كالجهل بالفاعل، وكالخوف منه، أو عليه

"ومما يصلح لكل واحد من الثلاثة قولنا: قتل فلان، من غير ذكر اسم القاتل" وكإبهامه، أو تعظيمه بعدم ذكر اسمه على الألسنة صيانة له، أو تحقيره بإهماله، وكعدم تعلق الغرض بذكره، حين يكون الغرض المهم هو الفعل، وكشيوعه ومعرفته في مثل: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها

أي: جبلها الله وخلقها.

3 ولا بد أن يكون فعله غير جامد، وغير أمر -كما سيجيء في رقم 8 من ص 107.

4 في ص 68.

5 يرى بعض النحاة أنه يجوز تقديم نائب الفاعل إذا كان شبه جملة؛ لأن علة منع التقديم -وهي خوف التباس الجملة الاسمية بالفعلية- غير موجودة هنا " راجع الصبان ج 3 باب، "أفعل التفضيل" عند قول ابن مالك: "وما به إلى تعجب وصل

"، ولهذا إشارة في رقم 2 من هامش ص 111.

ص: 97

تعدده، وكإغناء هذا النائب عن الخبر أحيانًا في مثل: أمزروع الحقلان؟ " فالحلقلان، نائب فاعل للمبتدأ اسم المفعول، واسم المفعول لا يرفع إلا نائب فاعل؛ كما عرفنا من قبل" إلى غير هذا من الأحكام الخاصة بالفاعل؛ والتي قد تنتقل بعد حذفه إلى نائبه1.

ولكل واحد من الأمرين تفصيلات وأحكام تخصه.

أ- إليك ما يتعلق بالأمر الأول:

1-

إن كان الفعل ماضيًا، صحيح العين2، خاليًا من التضعيف - وجب ضم أوله، وكسر الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مكسورًا من قبل، فالفعل في مثل:"فتح العمل باب الرزق - أكرم الناس الغريب"، يتغير بعد حذف الفاعل؛ فيصير في الجملة:"فتح باب الرزق3 أكرم الغيب 4"، "وهناك بعض حالات يجوز فيها كسر أوله،

1 وفي هذا يقول ابن مالك:

ينوب مفعول به عن فاعل

فيما له - كنيل خير نائل

وأصل الكلام: ناب المستحق خير نائل؛ أي: خير عطاء، فحذف الفاعل، وتعتبر الفعل بعد حذفه تغيرًا سنعرفه، ونائب عنه المفعول به، وليس من اللازم أن يكون النائب مفعولًا به، كما قلنا

2 من الاصطلاحات اللغوية الشائعة: "فاء" الكلمة، "عين" الكلمة، "لام" الكلمة، يريدون بالفاء: الحرف الأول من الكلمة الثلاثية، أصيلة الأحرف، وبالعين: الحرف الثاني منها، "أي: الأوسط" وباللام الحرف الثالث؛ "أي: الأخير" ويقولون عنها لذلك: أنها على وزن: "فعل"ح مثل: كتب - قعد - فتح

فكل واحدة على وزن "فعل".

3 ومثل الفعل: "جمع" في قول الشاعر:

إذا جمع الأشراف من كل بلدة

فأفضلهم من كان للخير صانعًا

4 أين الكسر في نحو: صيم الشهر - بيع القطن؟

أصلهما: صوم - بيع، وخضوعًا لأحكام عامة في:"الإعلال" طرأ عليهما تغير معروف؛ بقلب الضمة فيهما كسرة، فقلب الواو ياء، وحذف الكسرة من ياء:"بيع" - وانظر رقم 5 الآتي ص 102 - فالكسر مقدر كتقديره في المضعف؛ "مثلك عد، فأصله: عدد قبل الإدغام".

وأين الكسر أيضًا قبل الآخر في الفعل: "أصيب" - ونحوه - من قول الشاعر:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا

الكسر مقدر؛ إذ الأصل: "أصوب"؛ نقلت حركة: الواو للحرف الصحيح قبلها بعد حذف السكون؛ ثم قلبت الواو عبد الكسرة ياء.

ص: 98

وستجيء

1".

2-

إن كان الفعل مضارعًا وجب -في كل حالاته- ضم أوله أيضًا، وفتح الحرف الذي قبل آخره إن لم يكن مفتوحًا من قبل؛ فالمضارع في مثل: "يرسم المهندس البيت - يحرك الهواء الغصن

" يصير في الجملة بعد حذف الفاعل: يرسم البيت - يحرك الغصن2، ومثل قول الشاعر:

أعندي وقد مارست3 كل خفية

يصدق واش، أو يخيب سائل

وقد يكون الفتح قبل الآخر مقدارًا لعلة تمنع ظهوره؛ مثل: يصام، "أصله: يصوم، ثم صار "يصام" لسبب صرفي معروف"4، ومثل: "تصاب وتنال"، في قول الشاعر:

يهون علينا أن تصاب جسومنا

وتسلم أعراض لنا وعقول

وفي قول الآخر:

إن الكبار من الأمور

تنال بالهمم الكبار

والأصل قبل التغيير الصرفي: تصوب وتنيل

1 في رقم 5 من ص 102.

2 وفي الحالتين السابقتين يقول ابن مالك:

فأول الفعل اضممن، والمتصل

بالآخر اكسر في مضي؛ كوصل

واجعله من مضارع منفتحًا

كينتحي؛ المقول فيه: ينتحي

أي: أن أول الفعل المبني للمجهول ويضم في الماضي والمضارع، وأن الحرف المتصل بالآخر يكسر في الماضي؛ مثل: وصل؛ فأصله: وصل، ويصير مفتوحًا في المضارع، مثل: ينتحي، فإن الحرف الذي قبل آخره يفتح البناء للمجهول؛ فيصير:"ينتحى"، "ينتحي الرجل إلى الشجرة، أي: يميل بها، ويتجه نحوها". وقد قلنا: إن هناك بعض حالات يكسر فيها أول الماضي، كالحالة الخامسة والسادسة، والسابعة - وستجيء.

3 جربت وعرفت.

4 هو: نقل فتحة "الواو" و"الياء" إلى الساكن الصحيح قبلهما؛ فتكون "الواو" وكذا "الياء" متحركة بحسب أصلها -قبل نقل فتحتها- ويكون ما قبلها متحركًا بحسب الحالة الجديدة التي طرأت عليه بعد أن كان ساكنًا؛ فيقلب حرف العلة "ألفًا".

ص: 99

3-

إن كان الماضي مبدوءًا بتاء تكثير زيادتها عادة - سواء أكانت للمطاوعة1

1 حين نسمع شخصًا يقول: "علمت الغلام الزراعة" يتردد على الذهن سؤال؛ هو: هل استجاب الغلام للتعلم واستفاد؟ ويظل السؤال قائمًا حتى يجد جوابًا. فإذا قال المتكلم: علمت الغلام الزراعة فتعلمها - دل الفعل الثاني على أن الغلام تعلم، واستفاد واستجاب للتعلم، وحقق معناه، وهذا هو ما يسمى:"المطاوعة"، وحين يقول شخص:"كسرت الحديد"، وقد يرد على الذهن: كيف تستطيع تكسير الحديد؟ هل استطعت تكسيره حقًا؟ فإذا قال المتكلم: كسرت الحديد فتكسر، كان الفعل:"تكسر" هو الجواب عن المطلوب، الماحي للشبهة السالفة، الدال على أن الحديد تأثر بالكسر واستجاب له، وحقق معنى الفعل الأول، ولهذا يسمى الفعل الثاني:"مطاوعًا"، ومثله: حطمت الصخر. فتحطم، بريت الخشب، فانبرى

مع وجود الفاء العاطفة في كل لك، ولا يصح العطف هنا بغيرها -طبقًا لما نص عليه ابن الأثير في كتابه: الجامع الكبير ج 1 ص 202 عند كلامه على حرف العطف- فالمطاوعة فعل هي:

" قبول فاعله التأثر بأثر واقع عليه من فاعل فعل ذي علاج محسوس إلى فاعل فعل آخر يلاقيه اشتقاقًا، بحيث يحقق التأثر معنى ذلك الفعل".

والتعريف السابق للمطاوعة هو أوضح التعريفات وأشملها، وهو ملخص الذي ارتضاه "الخضري" -وكذا الصبان- في باب:"تعدي الفعل ولزومه" ج 1. ونصًا على اشتراط العلاج الحسي، وعلى تلاقي الفعلين في الاشتقاق؛ فلا يقال: علمت الرجل المسألة فانعلمت؛ لعدم المعالجة الحسية، ولا يقال: ضربته فتألم لعدم التلاقي في الاشتقاق.

وحصول الأثر وتحققه لي بالواجب، وإنما هو الغالب الكثير؛ طبقًا لما جاء في حاشية التصريح، ج 1، باب:"التعدي واللزوم"، نقلًا عن البيضاوي في تفسير قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّه} حيث صرح بأنه: يقال: كسرته فلم ينكسر، وعلمته فلم يتعلم، وقال: إن حصول الأثر غالب لازم". ا. هـ. وهذا الرأي يساير المسموع كثيرًا، ويلاحظ أنه جعل الفعل: "علم" من أفعال المعالجة الحسية، خلافًا لسابقه.

وللمطاوعة أحكام وصيغ قياسية تشتمل كل صيغة منها على بعض حروف خاصة ترمز للمطاوعة، وتدل عليها، منها التاء في أول الماضي، ويسمونها لذلك: تاء المطاوعة؛ مثل: دربت الصانع؛ فتدرب، همدت الحائط؛ فتهدم. فجرت الماء فتفجر - كسرت الغصن فتكسر، وسيجيء بعض الأحكام والصيغ - في هامش ص 167 - وهو بضع هام.

وقد عقد صاحب "المخصص""ابن سيده" بحثًا لطيفًا " "في الجزء 14 ص 175 وما حولها" عرف فيه لكثير من أوزان المطاوعة القياسية، ومنها: أن كل ماضي ذي أربعة أحرف على وزن "فعل" يكون له مضارع على وزن "تفعل"، وهذا جزء من قواعد عامة هناك تفيد أعظم الفائدة، وتتسع لكثير مما نظنه محذورًا، وفي الجزء الأول من مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة شيء "قليل من تلك الأوزان، مستخلص من المرجع السابق الأصيل.

ومن بين قرارات هذا المجمع قياسية جمع أفعال المطاوعة، وقد سجل هذا القرار في الصفحة الثامنة من المجلد الذي أصدره بعنوان:"البحوث والمحاضرات" في مؤتمر الدورة الخاصة بسنة 1963 - 1964.

ومن قراراته أيضًا ما جاء في ص 39 من كتابه: "مجموعة القرارات العلمية من الدورة الأولى إلى الدورة الثامنة والعشرين" خاصًا بمطاوع "فعل" الثلاثي المتعدي ونصه: "وسيعاد للمناسبة في ص 168""كل فعل ثلاثي متعد، دال على معالجة حسية فمطاوعة القياسي هو: "الفعل"، ما لم تكن فاء الفعل واوًا، أو لامًا، أو نونًا، أو ميمًا، أو راء، ويجمعهما قولك: "ولنمر" فالقياس فيه: "افتعل". ا. هـ.

ص: 100

أما لغيرها - "مثل الماضي: تعلم، تفضل - تعاون - تناشد، تجاهل" وجب ضم الحرف الثاني مع الأول؛ ففي مثل: تعلم الصبي حرفة - تفضل الصديق بالزيارة -

يصير الماضي: تعلمت حرفة - تفضل بالزيارة1 وفي مثل قولهم: "تعلم البحار في الملاحة، وتعاون مع رفاقه فأمن الخطر" يصير الكلام بعد بناء الفعل الماضي للمجهول: تعلم2 فن الملاحة، وتعوون مع الرفاق؛ فأمن الخطر وهكذا.

4-

إن كان الماضي مبدوءًا بهمزة وصل فإن ثالثة يضم مع أوله؛ ففي مثل: "اعتمد العاقل على كفاحه - انتصر المكافح بعمله" - يقال في بناء الفعلين للمجهول: اعتمد على الكفاح - انتصر بالعمل3.

1 يقول ابن مالك:

والثاني التالي "تا" المطاوعة

كالأول اجعله بلا منازغه

أي: اجعل الحرف الثاني في الماضي مضمومًا كالأول، إن كان الأول تاء المطاوعة، إذ لا نزاع - أي لا خلاف في هذا.

2 إذا كانت التاء في أول الماضي لا تكثر زيادتها فلا يضم الحرف الذي يليها؛ مثل: ترمس الزارع الحب، "أي: رمسه، بمعنى: دفنه"، وإنما كانت زيادة التاء غير معتادة في هذه الكلمة -وأشباهها- لأنها جاءت للتوصل إلى النطق بالساكن، وهو الراء، وهذا اختصاص همزة الوصل.

3 وفي هذا يقول ابن مالك:

وثالث الذي بهمز الوصل

كالأول اجعلنه كاستحلي

أي: أن الحرف الثالث من الفعل المبدوء بهمزة الوصل بضم كالأول، ومثل له بالفعل "استحلي" المبني للمجهول، وأصله:"استحلى" مبدوءًا بهمزة وصل. فلما بني للمجهول ضم الحرف الأول والثالث منه.

ومما يلاحظ في البيت أن كلمة: "ثالث"

بالنصب تعرف مفعولًا به لفعل محذوف يفسره الفعل الآتي بعده؛ وهو: "اجعل" المؤكد بالنون، مع أن الفعل المؤكد بالنون لا يصلح أن يعمل فيما قبله، ولا أن يفسر عاملًا محذوفًا قبله. وكذلك إعراب "كالأول" جار ومجور متعلق بالفعل المتأخر عنه المؤكد بالنون، وهو:"اجعل" والفعل المؤكد بالنون لا يصح أن يتعلق به شبه جملة قبله، وهذا هو الرأي الأقوى والأفصح، ويخالفه رأي آخر أقل شيوعًا وقوة يراه مقبولًا في شبه الجملة وحدها، لكن ابن مالك يقع في هذه المخالفة كثيرًا لضرورة النظم، وقد سبق لها نظائر في الجزء الأول "انظر فهرس الجزء الأول م7 هامش ص 96 طبعة 3 ورقم 1 هامش ص75 قبلها"، والمعربون يلتمسون تأويلات وتقديرات لتصحيح مخالفته، ولا داعي لشيء من هذا، لما فيه من تكلف وتعسف، ويكفي التصريح بأن النظم قهره على ارتكاب المخالفة؛ وهذا هو السبب الحق.

ص: 101

5-

إن كان الماضي الثلاثي معل العين1؛ واويًا كان أو يائيًا -مثل: صام، باع - وبني للمجهول، جاز في فائه عند النطق أو الكتابة، إما الكسر الخالص؛ فينقلب حرف العلة ياء؛ نحو: صيم، بيع، وإما الضم الخالص، فينقلب حرف العلة واوًا، نحو: صوم، بوع، وإما الإشمام2 وهذا لا يكون إلا في النطق.

والكسر أعلاها، فالإشمام، فالضم، وكل واحد من الثلاثة جاز بشرط ألا يوقع في لبس، وإلا وجب العدول عنه إلى ضبط آخر لا لبس فيه؛ فكثير من الماضي المعل الوسط قد يوقع في اللبس إذا بني للمجهول، وأسند لضمير تكلم، أو خطاب؛ سواء أكان الضمير فيهما للمفرد المذكر أم لغيره، وكذلك

1 معل العين "ما يكون وسطه حرف علة"، ويخضع لأحكام "الإعلال" المعروفة في الباب الخاص بهذا "ج4"، ومنها: قلب حرف العلة الواو أو الياء ألفًا، في نحو: صام - هام - فأصلهما صوم - هيم

ومنها: نقل حركة حرف العلة الواقع عين الكلمة إلى ساكن صحيح قبله بالشروط المذكورة هناك؛ نحو: يقوم، وأصله: يقوم

إلى غير ذلك من أحكام "الإعلال" التي تدخل على حرف العلة؛ فتحدث به تغييرًا.

فإذا كان حرف العلة الواقع عين الفعل لا يخضع للأحكام السابقة، فإنه لا يسمى:"معلًا" إنما يسمى: "معتلًا" وجاز في فائه من الحركات الثلاث ما يجوز في فاء الفعل الصحيح؛ مثل: عور - هيف - اعتور

وغيرها من الأفعال المتشابهة لها؛ فإنها تسلك مسلك الفعل الصحيح عند بنائها للمجهول - كما قلنا.

والشائع بين النحاة أن حروف العلة الثلاث "و - أ - ي" إذا سكنت وكان قبلها حركة مجانسة لها سميت: حروف علة، ومد، ولين، فإن لم تجانسها الحركة التي قبلها سميت: حروف علة ولين، فإن تحركت فهي حروف علة فقط "راجع حاشية الخضري ج2 أول باب: الإعلال بالنقل".

ومن النحاة من يطلق اللين على حرف العلة المتحرك، وهذا مخالف للشائع، كما قال الخضري في المرجع السالف - "وقد سبقت لهذا إشارة في ج 1 م 16 هامش ص 169 من الطبعة الثالثة - وسيجيء التفصيل الأوضح في ج 4 في بابي "الترخيم" و"الإعلال والإبدال".

2 الإشمام -عند النحاة- هو: النطق بحركة صوتية تجمع بين الضمة والكسرة على التوالي السريع، بغير مزج بينهما؛ فينطق المتكلم أولًا بجزء قليل من الضمة، يعقبه جزء كبير من السكرة؛ يجلب بعده ياء، فالجمع بين الحركتين ليس معناه الخلط بينهما في وقت واحد خلال النطق؛ وإنما معناه مجيئهما على التعاقب السريع بالطريقة التي أسلفناها.

ص: 102

إذا أسند لنون النسورة الدالة على الغائبات، فالفعل:"ساد" - وأشباهه - في نحو "ساد الرجل قومه بالفضل"

إذا أسندناه لضمير متكلم أو مخاطب من غير أن يبنى للمجهول، قلنا عند الضم:"سدت"، ولو بنينا الفعل للمجهول، وقلنا:"سدت" أيضًا 1؛ لوقع اللبس حتمًا بين هذه الصورة التي بني فيها للمجهول، والصورة السالفة التي لم يبن فيها للمجهول، وفرارًا من اللبس الذي ليس معه قرينة تزيله، ويجب البعد عن ضم الحرف الأول2 في هذه الصورة المبنية للمجهول، ولنا بعد ذلك استعمال الكسر، أو: الإشمام.

ومثل: الفعل: "ساد" غيره ن كل فعل ماض ثلاثي، إما معل الوسط بألف أصلها واو؛ "وليس من باب:"فَعِلَ يَفْعَلُ"؛ كخاف يخاف.3 مثل: شاق، يشوق، رام، يروم

وإما معقل الوسط بألف أصلها ياء أيضًا، فليس اللبس مقصورًا على الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها واو، وليس من باب فعل يفعل، بل يمتد إلى الماضي الثلاثي المعل الوسط بألف أصلها ياء؛ مثل الفعل:"زاد" في نحو: قد زادك الصديق ودًا،

1 لإيضاح هذا المثال وأشباهه نقول في: "ساد الرجل قومه بالفضل" إذا أسند الماضي المبني للمعلوم إلى ضمير المخاطب مثلًا؛ صارت الجملة سدت قومك بالفضل - بضم السين - فإذا صارت الجملة: يا مهمل سادت النابغ

وأردنا بناء الفعل للمجهول مع إسناده للمخاطب أيضًا، فإننا نحذف الفاعل "النابغ"، ونقيم المفعول به "وهو: كاف الخطاب" مقامه، ولما كان الضمير "الكاف" لا يقع في محل رفع وجب استبداله ووضع ضمير آخر بمعناه في مكانه؛ بحيث يصلح الضمير الجديد أن يكون في محل رفع نائب فاعل، لهذا نجيء بدله بضمير

الخطاب التاء، فنقول عند بنائه للمجهول: يا مهمل سدت، أي: صرت مسودا، لا سيدا، بمعنى أن غيرك صار سيدك، فالصورة الشكلية للفعل واحدة عند الضم، في حالتي بنائه للمعلوم والمجهول، وفيها يقع اللبس، وللفرار منه منعوا في المبني للمجهول ضم أوله إن كانت عينة ألفًا أصلها واو

إلا نحو: خاف - كما سيجيء هنا.

2 لا يجوز الضم في الواوي إلا إذا كان ماضيه فعل "بكسر العين"، ومضارعه على وزن: يفعل "بفتح العين" نحو: خاف - يخاف "وأصله: خوف - يخوف"، ذلك أن الفعل:"خاف" وأشباهه - إذا أسند وهو مبني للمعلوم لمخاطب - مثلًا يصير: خفت، بكسر أوله، وحذف وسطه، طبقًا لقواعد الإسناد، فلو بني للمجهول وكسر أوله لأوقع في لبس؛ بسبب تشابه صورتي الفعل في حالتي بنائه للمعلوم وللمجهول، والفرار من هذا اللبس يوجب ضم أوله عند بنائه للمجهول أو الإشمام.

3 للسبب الذي تقدم في رقم 3 والذي يمنح الكسر في مثل: "خاف يخاف" عند بناء الماضي للمجهول ويوجب الضم.

ص: 103

فإنه إذ أسند لضمير المخاطب -مثلا- من غير بناء للمجهول يصير: قد زدت الصديق ودا، بكسر أول الماضي، وإذا أسند للمخاطب أيضا مع البناء للمجهول، فإن كسر أوله صار: زدت ودا1 كذلك، فصورته في الحالتين واحدة مع اختلاف الإسناد والمعنى، وهذا هو اللبس الواجب توقيه، ومن أجله لا يصح الكسر هنا عند بنائه للمجهول؛ فيجب العدول عنه؛ إما إلى ضم أوله نطقًا وكتابة، فنقول:"زدت"، وإما إلى الإشمام "وهذا لا يكون إلا في حالة النطق -كما عرفنا"-.

ومثل الفعل "زاد" كثير من الأفعال الماضية المعلة الوسط بالألف التي أصلها الياء؛ ومنها: دان، يدين - قاس، يقيس - عاب، يعيب - باع - يبيع.

وخلاصة ما سبق:

أن الواجب يقتضي العدول عن ضم فاء الثلاثي المعل العين بالواو، عند خوف اللبس "لا ما كان مثل:"خاف"".

والعدول عن كسر فاء الثلاثي المعل العين بالياء عند خوف اللبس أيضًا.

وكذلك إن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول عنه إلى النطق بالكسرة الصريحة الواضحة، أو بالضمة الصريحة الواضحة.

ومن أجل اللبس والعمل على اجتنابه وضح النحاة القاعدة التالية:

"يجوز في فاء الفعل الماضي، الثلاثي، المعتل الوسط، عند بنائه للمجهول ثلاثة أشياء: الضم، أو: الكسر، أو: الإشمام، بشرط أمن اللبس في كل حالة، فإن أوقع الضم في لبس وجب تركه إلى الكسر أو الإشمام، وأن أوقع الكسر في لبس وجب تركه إلى الضم أو الإشمام، وإن أوقع الإشمام في لبس وجب العدول

1 وذلك بعد حذف الفاعل وإقامة المفعول به "وهو: الكاف" مقامه، ولما كانت "الكاف" -كما أوضحنا في رقم1 من هامش ص 103- من الضمائر التي لا تقع في محل رفع أتينا مكانها بضمير للمتكلم مثلها مع صلاحيته، لأن يكون نائب فاعل في محل رفع، هو: تاء المخاطب، والمعنى المقصود في المثال الثاني المبني للمجهول هو الدلالة على وقع الزيادة على المخاطب، أما في المثال الأول فهو الدلالة على وقوع الزيادة من المخاطب "الفاعل"، على الصديق "المفعول به"، والفرق كبير بين الدلالتين مع اتفاق الصورة الشكلية للفعلين. ومن هنا يقع اللبس الذي يجب الفرار منه؛ بتغيير الشكل في المبني للمجهول

ص: 104

عنه إلى النطق بحركة صريحة واضحة، وهي: الضمة أو الكسرة، بحيث يمتنع اللبس معها، وعند صحة الأمور الثلاثة، يكون الكسر أحسنها1، فالإشمام، ثم الضم وهو أقلها استعمالًا.

6-

وإن كان الماضي الثلاثي المبني للمجهول مضعفًا2 مدغمًا؛ مثل الفعل: "عد" في: "عد الصيرفي المال"3

جاز في فائه الأوجه الثلاثة، "الضم الخالص، وهو الأكثر هنا، فالإشمام، فالكسر الخالص"، تقول وتكتب: عرفت أن المال قد عد -بضم العين أو كسرها- كما يجوز الإشمام في حركتها عند النطق، وإذا خيف اللبس في وجه من الثلاثة وجب تركه إلى غيره؛ كالفعل:"عد" - "رد"، وأشباههما، فإن فعل الأمر منهما يكون مضموم الأول: فيلتبس به الماضي المبني للمجهول إذا كانت حركة فائه الضمة؛ إذ يقال: عد المال، رد العدو، فلا تتضح حقيقة الفعل؛ أهو فعل ماضي مبني للمجهول أم فعل أمر؟ وفي مثل هذه الحالة يجب العدول عن الضم إلى الكسر، أو الإشمام؛ لأن الكسر والإشمام لا يدخلان أول هذين الفعلين إذا كانا للأمر4.

1 وبالكسر جاء قول الشاعر:

إذا قيس إحسان امرئ بإساءة

فأربى عليها فالإساءة تغفر

2 مضعف الثلاثي: ما كانت عينه ولامه من جنس واحد؛ نحو: عد - مد - شق - صب.

3 وفي قول الشاعر:

ولم أر أمثال الرجال تفاوتًا

إلى المجد؛ حتى عد ألف بواحد

4 وإنما قرئ: "ردوا" بالضم قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}

لوجود قرينة تمنع اللبس، هي: أن فعل الأمر لا يكون فعل شرط للأداة "لو" أو غيرها.

وفي الأوجه الثلاثة الجائزة في الثلاثي معل العين، وفي الثلاثي المضعف، ومنع ما يوقع منها في لبس، يقول ابن مالك:

واكسر أو اشمم "فاء" ثلاثي أعل

عينًا، وضم جا، كبوع: فاحتمل

أي: اكسر أو أشمم فاء الماضي الثلاثي المعل العين، وقد جاء فيه الضم عن العرب؛ فيجوز القياس عليه؛ واحتمل قبوله؛ لمجيئه عنهم، "فا" هي مقصور الحرف:"فاء"، و"جا" هي: مقصور الفعل: "جاء"، وعند قراءة كلمة "أو" في البيت تتحرك الواو بالفتحة التي انتقلت إليها من الهمزة التي بعدها، والأصل: أو اشمم؛ لأنه أمر من الفعل: "أشم" الرباعي، وقد انتقلت حركة الهمزة إلى الواو الساكنة بعد حذف الهمزة للوزن الشعري، ثم يقول: =

ص: 105

7-

وتجوز الأوجه الثلاثة أيضًا في الحرف الثالث الأصلي من الماضي المعل العين؛ إذا كان على وزن؛ انفعل، أو: افتعل؛ مثل: "انقاد - انهال - انهار"، ومثل: "اختار - اجتاز - احتال

".

ويلاحظ هنا أن حركة الحروف الأول "وهو: همزة الوصل" لا تلزم صورة واحدة في ضبطها، فلا تقتصر على حركة معينة، وإنما تماثل وتساير حركة الحرف الثالث، وأن ضمة الثالث ستؤدي إلى قلب الألف التي بعده واوًا، وأن كسرته ستؤدي إلى قلبها ياء؛ فلا بد في حركة الحرف الأول -وهو همزة الوصل- من أن تكون مناسبة لحركة الثالث في الضم، أو الكسرة، أو الإشمام، كما سبق؛ فيقال ويكتب فيهما: انقود، أو: انقيد، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا باقي الأفعال التي تشبه:"انقاد".

كذلك يقال ويكتب: اختور، أو: اختير، أو: ينطق بالإشمام في حركة الحرف الأول والثالث، وكذا يقال في باقي الأفعال التي تشبه:"اختار".

ويشبههما في الحكم السابق: "انفعل" و"افتعل" إذا كانا صحيحين مضعفي اللام؛ نحو: انصب - انسد - انجر -

ومثل: امتد - اشتد - ابتل، فإذا بني فعل للمجهول من هذه الأفعال ونظائرها - جاز في حرفه الثالث - عند أمن اللبس - الضم، الخالص نطقًا وكتابة، أو: الكسر الخالص كذلك، أو الإشمام نطقًا، وفي كل حالة من الثلاث يتحرك الحرف الأول؛ - وهو همزة الوصل - بمصل حركة الحرف الثالث، نحو: انصب - أو انصب، امتد - امتد1.

=

وإن بشكل خيف لبس يجتنب

وما لباع قد يرى لنحو حب

يريد: أن أدى وجه من الأوجه الثلاثة السالفة إلى اللبس الذي لا يمكن معه تمييز الفعل المبني للمجهول من غيره، وإلى اختلاط المعاني -وجب اجتناب ذلك الوجه إلى آخر ليس فيه لبس.

ثم بين أن ما ثبت من الأحكام لفاء الفعل: "باع" - وغيره من الماضي الثلاثي المعل الوسط - عند البناء للمجهول، قد يثبت لنحو:"حب" من كل فعل ماضي ثلاثي مضاعف، حيث يجوز في فائه الأمور الثلاثة، بشرط أمن اللبس؛ فإن خيف اللبس في أحدها وجب تركه.

1 وفي هذا يقول ابن مالك: =

ص: 106

8-

إن كان الفعل جامدًا أو فعل أمر لم يصح بناؤه للمجهول مطلقًا

9-

إن كان الفعل ناقصًا "مثل: كان، وكاد، وأخواتهما"، فالصحيح أنه يبنى للمجهول، وتجري عليه أحكام المبني للمجهول1 بشرط الإفادة، وعدم اللبس -إلا الناقص الجامد؛ مثل: ليس، وعسى؛ لأن الجامد لا يبنى للمجهول- كما سبق.

=

وما لفا باع لما العين تلي

في اختار، وانقاد، وشبه ينجلي

وفي هذا البيت شيء من التعقيد بسبب التقديم، والتأخير، والحذف، والأصل الذي يريده: الذي يثبت لفاء: "باع" يثبت كذلك للحرف الذي تليه عين الفعل من نحو: "اختار" و"انقاد" أو شبه لهما ينجلي، "أي: يتضح" والمشابهة تكون في الوزن والإعلال، وهناك ما يشبههما من جهة انطباق الحكم عليه؛ كافعل وافتعل؛ الصحيحين مشددي اللام، تلي العين؛ أي: تليه، فالهاء محذوفة.

والمعنى: ما تقرر من الأوجه الثلاثة في حركة الفاء من الفعل المعل العين، "مثل: باع، صام" يتقرر مثله للحرف السابق لعين الفعل المعلة، إذا كان الفعل على وزن: "افتعل" أو"انفعل" وأشباههما وما يلحق بهما.

1 بالرغم من صحة بناء هذه الأفعال للمجهول، فمن المستحسن عدم بنائها للمجهول؛ مسايرة للأساليب العليا، وأحكام البلاغة التي ترى فيها ثقلًا في النطق، وقبحًا في الجرس، وسيأتي في "ب" من ص 122 كلام خاص بخبر "كان" وحدها يتصل بما نحن فيه.

ص: 107

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- ورد عن العرب أفعال ماضية تشتهر بأنها ملازمة للبناء للمجهول، سماعًا عن أكثر قبائلهم، وهي الأفعال التي يعتبرها اللغويون مبنية للمجهول في الصورة اللفظية، لا في الحقيقة المعنوية1؛ ولذلك يعربون المرفوع بها فاعلًا؛ وليس نائب2 فاعل، ومن أشهرها: هزل - دهش وشده، وهما بمعنى واحد -؛ ومنها: "شغف بكذا، وأولع به، وأهتر به، استهتر به، وأغري به، وأغرم به

، وكلها بمعنى واحد؛ هو: التعلق القوي بالشيء"، ومنها: أهرع، بمعنى: أسرع، ومنها: نتج، ومنها: عني بكذا؛ أي: اهتم به، ومنها: حم فلان "بمعنى أصابته الحمى" - أغمي عليه - فلج - امتقع لونه "بمعنى تغير" - زهي "بمعنى تكبر"

و

3.

لكن ما حكم مضارع هذه الأفعال؟ أيجب بناؤه للمجهول مثلها، أم يتوقف أمره -كماضيه- على السامع الوارد من العرب في كل فعل؟

الصحيح أنه مقصور على السماع الوارد في كل فعل4، ومنه في الشائع: "يهرع، يعني، يولع، يستهتر

".

بقي توضيح المراد من أن تلك الأفعال الماضية ملازمة للبناء للمجهول سماعًا عن أكثر القبائل:

1 لأن الفاعل -في الأغلب- هو الذي فعل الفعل، أو قام به الفعل"

وهذا ينطبق على الاسم المرفوع بعد هذه الأفعال.

2 وهذا في الرأي الشائع الذي ورد صريحًا في كثير من المراجع؛ كالقاموس المحيط، في مقدمته تحت عنوان "المقصد، في بيان الأمور التي اختص بالقاموس"، وهو المقصود بعنوان:"مسألة"، وكالخضري في مواضع متفرقة، منها: باب "أبنية المصادر" عند الكلام على مصدر: "فعل"

إلا إن كان المبني للمجهول لزومًا غير رافع الاسم بعده؛ نحو: سقط في يد المتسرع، "بمعنى: ندم"، فشبه الجملة نائب فاعل، وليس بفاعل: لأن الفاعل لا يكون شبه جملة.

3 عقد "ابن سيده" في كتابه، "المخصص" "ج 15 ص 72" بابًا سماه: ما جاء من الأفعال على صيغة ما لم يسم فاعله.

4 جاء النص على هذا في مقدمة "القاموس" في "بيان الأمور التي اختص بها القاموس" تحت عنوان "مسألة".

ص: 108

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يرى أكثر النحاة أن المراد هو عدم استعمالها في معانيها السالفة مبنية للمعلوم؛ تقول: شدهت من الأمر، بالبناء للمجهول، ولا يصح عند هؤلاء شدهني الأمر، بالبناء للفاعل، لاعتمادهم على ما جاء في كتاب:"فصيح ثعلب"، ونحوه من التصريح القاطع بأنها لا تبنى للمعلوم.

وأنكر بعض المحققين -كابن بري1- ما قاله ثعلب وغيره من اللغويين والنحاة، وحجة ابن بري في الإنكار أن "ثعلبًا"، ومن معه لم يعلموا ما سجله ابن درستويه وردده؛ ونصه2:"عامة أهل اللغة يزعمون أن هذا الباب لا يكون إلا مضموم الأول، ولم يقولوا: إنه إذا سمي فاعله جاز بغير ضم، وهذا غلط منهم؛ لأن هذه الأفعال كلها مفتوحة الأوائل في الماضي؛ فإذا لم يسم فاعلها فهي كلها مضمومة الأوائل، ولم نخص بذلك بعضها دون بعض، وقد بينا ذلك بعلته وقياسه؛ فيجوز: عنيت بأمرك، وعناني أمرك - وشغلت بأمرك، وشغلي أمرك - وشدهت بأمرك، وشدهني أمرك". ا. هـ، هذا ما نقله "ابن بري"1 وختمه بقوله:"وفي ذلك كفاية تغني عن زيادة إيضاح وبيان". ا. هـ.

ورأيه هو السديد الذي تؤيده النصوص الصحيحة التي تحمل الباحث على أن يسأل: كيف خفيت هذه النصوص على كثير من اللغويين والنحاة القدامى؟ وكيف رتبوا على وجود نوع وهمي من الأفعال يلازم البناء للمجهول -في رأيهم- أحكامًا خاصة؛ كمنع مجيء "صيغتي التعجب" من الثلاثي مباشرة، وعدم صحته إلا بوسيط، وكمنع صوغ "أفعل التفضيل" من مصادرها إلا بوسيط كذلك

و

و

ولا شك أن رأي "ابن بري"، ومن معه من المحققين هو السديد -كما تقدم- والأخذ به يؤدي إلى إلغاء تلك الأحكام الخاصة، ويبيح في الثلاثي "التعجب" المباشر، وكذا "التفضيل" بغير وسيط، ويرد لتلك الأفعال اعتبارها وحقها، ويجعل شأنها شأن غيرها من باقي الأفعال التي يصح أن تبنى للمعلوم حينًا، وللمجهول حينًا آخر، على حسب مقتضيات المعنى.

1 و 1 ضبط القاموس الياء مشددة بالشكل.

2 ما يأتي منقول مما يسمى بالاسم الآتي نصه: "الرسالة المشتملة على انتقاد "ابن الخشاب البغدادي" على العلامة "أبي محمد الحريري" في مقاماته، وانتصار الشيخ الإمام العلامة أبي محمد عبد الله بن بري للإمام الحريري في الرد على " ابن الخشاب". ا. هـ. وهذه الرسالة مطبوعة في ختام بعض طبعات "مقمات الحريري".

ص: 109

ب- عرفنا1 أن نائب الفاعل يكون مرفوعًا بأحد شيئين؛ الفعل المبني للمجهول، واسم المفعول، فهل يرتفع بالمصدر المؤول المسبوك في أصله من "أن"، والفعل المبني للمجهول؟ انتهى النحاة إلى أن الأصح جوازه بشرط أمن اللبس، ومن أمثلتهم: عجبت من أكل الطعام؛ بتنوين المصدر "أكل" ورفع كلمة: "الطعام" على اعتبارها نائب فاعل له، والأصل عندهم: عجبت من أن أكل الطعام، فلما سبك المصدر المؤول صارت كلمة:"الطعام" نائب فاعل له بعد سبكه.

فإن أوقع في السبك لبس لم يصح؛ نحو؛ عجبت من إهانة علي، إذا كان علي هو المهان، "والأصل: من أن أهين علي"، فيتعين أن يكون المصدر مضافًا و"علي"، هو المضاف إليه المجرور، وهو في محل نصب مفعول به، ولا يصح الرفع؛ لوقوع اللبس بسببه.

وكما صح رفع نائب الفاعل بالمصدر المؤول يصح أن يكون مجرورًا باعتباره مضافًا إليه، والمصدر هو المضاف، فيكون نائب الفاعل مجرورًا لفظًا -مرفوعًا محلًا؛ كما يجوز جعل ما أضيف إليه المصدر في محل نصب على المفعولية. والفاعل محذوف من غير نيابة شيء عنه.

أما على الرأي الذي يمنع المصدر المؤول من رفع نائب فاعل يتعين إضافة المصدر لما بعده ويكون ما بعده -وهو المضاف إليه- في محل نصب على المفعولية2.

بالرغم من أن الأصح -عندهم- جوازه، فالأنسب اليوم عدم الالتجاء إليه؛ لأنه لا يكاد يخلو من غموض وثقل ينافيان الأساليب الناصعة العالية، وأسس البلاغة، وهذان أمران لهما اعتبارهما، ويزيدهما قوة ورجاحة خلو المراجع المتداولة من أمثلة مسموعة من فصحاء العرب تؤيده.

ج- في الفعل الثلاثي المعل العين، وفي غيره من الأفعال الماضية المبنية للمجهول لغات أخرى، أعرضنا عنها؛ لأنها لهجات متعددة، لقبائل متباينة لا نرى خيرًا في استعمالها اليوم؛ حرصًا على الإبانة والتوحد المفيد قدر الاستطاعة، ومنعًا للتشتت والتعدد في أهم وسيلة للتفاهم والإيضاح، وهي: اللغة.

1 في رقم 1 من هامش ص97.

2راجع: " الخضري، والصبان".

ص: 110

المسألة 68:

ب- الأشياء التي تنوب عن الفاعل بعد حذفه.

ننتقل إلى الأمر الثاني1 الذي يترتب على حذف الفاعل؛ وهو: إقامة نائب عنه يحل محله، ويخضع لكثير من أحكامه، -كما قلنا-.

والذي يصلح للنيابة عن الفاعل واحد من أربعة أشياء؛ المفعول به، والمصدر والظرف، والجار مع مجروره 2، وقد تلحق بها -أحيانًا- حالة خامسة، ستيجيء3.

1-

فأما المفعول به فقد سبقت له أمثلة كثيرة، غير أن فعله قد يكون متعديًا لواحد؛ كالأمثلة المشار إليها، وقد يكون متعديًا لاثنين أصلهما المبتدأ والخبر؛ كمفعولي:"ظن" وأخواتها4 -في مثل ظن الغلام الندى مطرا، أو ليس أصلهما المبتدأ والخبر، كمفعولي:"أعطى"، وأخواتها، ومنها:"كسا"، في مثل: أعطى الغني الفقير مالًا، وكسا المحتاج ثوبًا 5، وقد يكون متعديًا لثلاثة؛ "كأعلم" و"أرى" 6، نحو: أعلم الطبيب المريض الدواء شافيًا.

فإن كان الفعل متعديًا لمفعول به واحد، مذكور في الكلام أقيم هذا الواحد مقام الفاعل

وإن كان متعديًا لاثنين مذكورين، فقد يكون أصلهما المبتدأ والخبر أو ليس أصلهما كذلك، فأي المفعولين ينوب؟

1 أما الأول فقد سبق في ص 98.

2 راجع ما قلناه أول الباب " في رقم 5 من هامش ص 97" من أن بعض النحاة يجيز تقديم نائب الفاعل إذا كان شبه جملة، وبيان السبب.

3 في ص 119، أما غير هذه الخمسة فسيجيء عنه كلام في الزيادة والتفصيل ص 122 أ- ومنه يعلم وجود أشياء أخرى.

4 سبق بابها في ص 3.

5 ليس أصل المفعولين هنا المبتدأ والخبر، إذ لا يقال على سبيل الحقيقية اللغوية، لا المجاز: الفقير مال -المحتاج ثوب؛ لفساد المعنى الحقيقي على هذا.

6 سبق بابهما في ص 58.

ص: 111

وإن كان متعديا لثلاثة مذكورة فأيها ينوب كذلك1.

خير الآراء وأنسبها: اختيار الأول للنيابة إذا كان هو الأظهر والأبين للقصد مهما كان نوع فعله، لكن لا مانع من تركه، واختيار غيره؛ فيكون في هذا اختيار لغير الأفضل، فإن كان غير الأول هو الأقدر على إيضاح المراد، وإبراز الغرض من لجلمة فنيابته مقدمة على نيابة الأول، ولا بد في كل الحالات من أمن اللبس؛ وإلا وجب العدول عما يحدثه إلى ما لا يحدثه، وفيما يلي أمثلة لأنواع الفعل المتعدي قبل بنائه للمجهول، وبعد بنائه، وما يحدث اللبس وما لا يحدثه.

فما لا يحدثه؛

"عرف المسترشد الصواب - عرف الصواب".

"ظن الجاهل الخفاش طائرًا - ظن الخفاش طائرًا - ظن طائر الخفاش".

" أعطى الوالد الطفل كتابًا - أعطى الطفل كتابا - أعطى كتاب الطفل".

"أعلمت التاجر الأمانة نافعة - أعلم التاجر الأمانة نافعة - أعلم الأمانة التاجر نافعة - أعلم نافعة التاجر الأمانة".

ولا يصح إنابة غير الأول في مثل: "أعطيت محمدًا فريقًا من الأعوان"، "منحت الشركة مهندسًا"؛ لأن كلا من الأول والثاني يصلح أن يكون أخذًا ومأخوذًا؛ فلا يمكن التمييز بينهما عند بناء الفعل للمجهول إلا باختيار أولهما ليكون نائب فاعل؛ لأن اختياره يجعله بمنزلة الفاعل في المعنى؛ فيتضح من تقدمه أنه الآخذ؛ وغيره المأخوذ، ومثل هذا يقال في: ظننت الولد الوالد، حيث يجب اختيار الأول للنيابة؛ لأن كلا منهما صالح أن يكون هو المظنون الشبيه بالآخر. ولا يمنع هذا اللبس إلا اختبار الأول وذلك للسبب السالف، ولا سيما أن الأول هنا

1 الخلاف بين النحاة عنيف متشعب فيما يصلح للنيابة عند تعدد المفعول به، وتباين أوصافه؛ أهو الأول وحده، فلا يصح إنابة غيره، أم الأول وغيره؛ فيختار واحد بغير تعيين؟ وهل الأول وغيره سواء عند الاختيار، مزية لأحدهما على الآخر؟ وهل بين المفعولين أو الثلاثة ما لا يصلح للنيابة؟

و

و

ولا نريد الإرهاق بسرد أوجه الخلاف، وأسبابه، وأدلته كما وردت في المطولات فليس في السرد ما يناسبنا اليوم، وحسبنا أن نستقصي الآراء، ونستصفي مال خير لتقدمه هنا.

ص: 112

هنا أصله مبتدأ، والمبتدأ متقدم بحسب أصل رتبته على الخبر، ومثل هذا يقال في:"أعلم السائق المهندس زميله مهملًا"، حيث يجب اختيار الأول؛ لما سلف.

وإذا وقع الاختيار على واحد وجب ترك ما عداه على حاله -كما كان- مفعولًا به منصوبًا 1.

ومما يجب التنبه له أن المفعول الثاني "لظن"، وأخواتها قد يكون جملة -كما سبق في بابها2- فإن كان جملة لم يصح اختياره نائب للفاعل؛ لأن الفاعل ونائبه لا يقعان جملة3 في الراجح، وينطبق هذا على غير "ظن" أيضًا؛ فهو حكم عام فيها وفي غيرها

2 وأما المصدر -ومثله اسم المصدر- فيصلح للنيابة عن الفاعل بشرطين؛ أن يكون متصرفًا، ومختصًا، والمراد بالتصرف: ألا يلازم النصب على المصدرية،

1 وإلى بعض ما سبق يشير ابن مالك بقوله:

باتفاق قد ينوب الثان من

باب: "كسا" فيما التباسه أمن

في باب: "ظن" و"أرى" المنع اشتهر

ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر

يريد: أن النحاة اتفقوا - بناء على ما استنبطوه من كلام العرب - على جواز إنابة المفعول الثاني الذي فعله "كسا" وشبهه، - وهو الفعل الذي ينصب مفعولين، ليس أصلها المبتدأ والخبر - إذا أمن الالتباس، أما إنابة الثاني مما فعله "ظن" أو"رأى" - وأخواتهما فقد بين أن المشهور المنع، وهو لا يوافق على المنع إذا كان القصد ويتضح بالثاني، ولم يتعرض للمفعول الثالث الذي فعله ينصب ثلاثة، وقد ذكرنا أن حكمه كغيره. وسيعاد البيتان لمناسبة أخرى في هامش ص 120.

2 ص 24.

3 قد تقع الجملة نائب فاعل إذا حكيت بالقول، وقصد لفظها بحروفها وضبطها - بالتفصيل المبين "في ب" من ص 53؛ لأنها تكون حينئذ بمنزلة المفرد؛ بسبب قصد لفظها - مثل قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْض} ، فيجوز أن تكون جملة:"لا تفسدوا" هي نائب الفاعل مرفوعة بضمة مقدرة على آخرها، منع من ظهورها الحكاية

ومثل المحكية أيضًا المؤول بالمفرد؛ نحو: عرف كيف جاء علي، أي: عرف كيفية مجيء علي.

"راجع ج1 م 39 - هامش ص 509 - حيث تفصيل الكلام على حالات إعراب: "كيف"، وبنائها وقد أشرنا إليه في رقم 1 من هامش ص 61 و 1 من هامش ص 67، وهذا يشمل المفعول الثاني لظن وغيرها.

أما وقوع الجملة فاعلًا فقد سبق فيه في ص 66 وأن الأرجح المنع.

ص: 113

وإنما ينتقل بين حركات الإعراب المختلفة؛ فتارة يكون مرفوعًا، وأخرى يكون منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب حالة الجملة؛ مثل: فهم، جلوس، تعلم

؛ نحو: الفهم ضروري للمتعلم - إن الفهم ضروري

- اعتمدت على الفهم

و

كذا الباقي ونظائره مما لا يلازم النصب على المصدرية؛ لأن ملازمته النصب على المصدرية تمنع أن يكون مرفوعًا مطلقًا؛ فلا يصلح نائب فاعل أو غيره من المرفوعات.

فإن كان المصدر - أو اسمه 1 - ملازمًا النصب على المصدرية لم يكن متصرفًا، ولم يصح اختياره للنيابة عن الفاعل؛ مثل:"معاذ"؛ فإنه مصدر ميمي لم يشتهر استعماله عن العرب إلا منصوبًا مضافًا2 في نحو: معاذ الله أن يغدر الأمين، ومثل:"سبحان" 3؛ فإنه اسم مصدر لم يشتهر استعماله عن العرب كذلك إلا منصوبًا مضافًا - في الأغلب - فلو وقع أحدهما نائب فاعل لصار مرفوعًا، ولخرج عن النصب الواجب له، وهو ضبط لا يصح مخالفته، ولا الخروج عليه؛ حرصًا على اللغة، ومحافظة على طرائقها المشهورة.

والمراد بالاختصاص: أن يكتسب المصدر من لفظ آخر معنى زائدًا على معناه المبهم، المقصور على الحدث المجرد؛ ليكون في الإسناد إليه فائدة، فالمعاني المبهمة المجردة "مثل؛ قراءة - أكل - سفر

و

وأمثالها"؛ يدل كل منها على معناه الذي يفهم من لفظه نصًا، دون زيادة شيء عليه؛ فكلمة: "قراءة" ليس في معناها الحرفي ما يدل على أنها قراءة سهلة أو صعبة، نافعة أو ضارة، و"الأكل" ليس في معناه الحرفي ما يدل على أنه لذيذ أو بغيض، قليل أو كثير، حار أو بارد

و"السفر" ليس في معنى نصه الحرفي

1و 1 اسم المصدر في جميع ألفاظه وصيغه مقصور على السامع، "كما سيجيء في الباب الخاص بتعريفه وبأحكامه -ج 3 م 99 ص 201- ستأتي لهذه إشارة في رقم 3 من هامش ص 214.

2 "معاذ" في نحو: معاذ الله أن أنس الفضل، مصدر ميمي نائب عن اللفظ بفعله، "أي: يغني عن التلفظ بفعله"، والأصيل أعوذ بالله معاذًا، ثم حذف الفعل، وقام المصدر نائبًا عن لفظه، وأضيف، فصار: معاذ الله ويعرب مفعولًا مطلقًا، وستجيء إشارة له في ص 236 م 76، ولاستعماله غير مضاف، لضرورة الشعر".

3 اسم مصدر معناه: التسبيح، وفعله: سبح، وستجيء إشارة له في ص 234 م 76؛ ولاستعماله في ضرورة الشعر غير مضاف.

ص: 114

ما يدل على أنه سفر قريب أو بعيد، سهل أو شاق، مرغوب فيه أو مرغوب عنه.. وهكذا يدل المصدر وحده -وكذا اسمه- على المعنى المجرد، أي: على ما يسمونه: "الحدث المحض" فمثل هذا المصدر، أو اسمه لا يصلح أن يكون نائب فاعل؛ لأن الإسناد إليه لا يفيد معنى جديد أكثر من معنى فعله، فكأنه جاء لتأكيد معنى فعله، وتوكيد المعنى الموجود ليس هو المقصود الأساسي من الإسناد، ولا يوصف بأنه معنى جديد، فلا يصح أن يقال: علم علم، فهم فهم

إذ لا بد مع المصدر من زيادة معنى جديد على معناه الأصلي، ليكون صالحا للنيابة عن الفاعل، وهذه الزيادة تأتيه من خارج لفظه، وهي التي تجعله مختصا.

وتحدث بواحد أو أكثر من أمور متعددة؛ منها: وصفه؛ نحو: علم علم نافع - فهم فهم عميق، ومنها: إضافته؛ نحو: علم علم المخترعين، وفهم فهم العباقرة. ومنها: دلالته على العدد؛ نحو: قرئ عشرون قراءة

وغير هذا من كل ما يزيل إبهام المصدر، واسمه، ويزيد معناهما على مجرد تأكيد معنى الفعل، ويجعل الإسناد إليهما مفيدًا فائدة جديدة أساسية.

ومما سبق نعلم لمراد من قولهم المختصر: "إن المصدر يصلح للنيابة إذا كان مفيدًا"، ويكتفون بهذه الجملة؛ لأن الإفادة لا تحقق إلا بالشرطين السالفين وهما:"التصرف والاختصاص".

3 وأما الظرف بنوعيه فيصلح للنيابة عن الفاعل إذا كان مفيدًا أيضًا، وهذه الفائدة تتحقق بشرطين، أن يكون الظرف متصرفًا كامل التصرف، وأن يكون مختصًا.

والمراد بالتصرف الكامل: صحة التنقل بين حالات الإعراب المختلفة؛ من "رفع، إلى نصب، إلى جر؛ على حسب حالة الجملة"، وعدم التزامه النصب على الظرفية وحدها دائمًا، أو النصب على الظرفية مع الخروج عنها أحيانًا إلى شبه الظرفية، وهو الجر بالحرف "من" 1 - في الغالب؛ لأن عدم تصرفه

1 ينقسم الظرف -باعتبار التصرف وعدمه- إلى ثلاثة أقسام: ظرف كامل التصرف، وظرف ناقص التصرف، ويسمى أيضًا التشبيه بالمتصرف -وظرف غير متصرف مطلقًا، وسيجيء هنا موجز عنها، أما تفصيل الكلام على الأقسام كلها ففي باب الظرف ص 242 م 78.

ص: 115

الكامل يمنع وقوعه مرفوعًا - نائب فاعل أو غيره من المرفوعات، كما سبق - فمثال الظرف الكامل التصرف: يوم - زمان - قدام - خلف؛ لأنك تقول: اليوم يوم طيب - قضيت يومًا طيبًا - تطلعت إلى يوم طيب

وتقول: قدامك فسيح - إن قدامك فسيح - سأتجه إلى قدامك، فهذه الظروف المتصرفة يصح وقوعها نائب فاعل إن كانت مختصة1.

ومثال الظرف غير المتصرف مطلقا، "وهو يلازم النصف على الظرفية وحدها": قط2 - عوض 3 - إذا - سحر؛ "بشرط أن يراد به سحر يوم معين دون غيره؛ ليكون ظرفصا ملازمًا للنصب"، فلا يصح أن يقع واحد من هذه الظروف - وأشباهها - نائب فاعل؛ فلا يقال عنه نائب فاعل في مثل: ما كتب قط - لن يكتب عوض - مما يجاء إذا جاء الصديق - مدح سحر. لا يقال ذلك4 لعدم تحقق الفائدة المطلوبة من الإسناد، ولئلا يخرج الظرف عن الظرفية إلى غيرها، وهي الحكم الدائم الثابت له في الكلام العربي الأصيل الذي لا تجوز مخالفة طريقته.

ومثال الظروف الشبيه بالمتصرف "أي: الظرف ناقص التصرف، وهو الذي لا يترك النصب على الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ وهو الجر بالحرف "من" -غالبًا-

1 "ملاحظة": إذا صار الظرف نائب فاعل، أو شيئًا آخر غير النصب على الظرفية، فإنه لا يسمى ظرفًا -كما سيجيء في بابه، ص 244.

2 ستجيء له إشارة أخرى في "ب" من ص 261، والأشهر في ضبطه أن يكون بفتح القاف مع تشديد الطاء المضمومة، وأن يفيد استغراق الزمن الماضي كله منفيًا؛ لأنه -في الأشهر- لا بد أن يسبقه النفي أو شبهه؛ نحو: ما تأخرت قط، أي: ما تأخرت فيما انقضى من عمري إلى الآن، وهو ظرف مبني على الضم، "وفيه لغات أخرى أقل شيوعًا".

و"قط" هذه غير التي في مثل: تصدق بدرهمين أو ثلاثة فقط، فإن هذه بمعنى: حسب"، والفاء زائدة لتزيين اللفظ.

"وتفصيل المسألة وإيضاحها في ج 1 م 30 ص 382 عند بيت مالك في باب: " المعرف بأل": "أل" حرف تعريف أو اللام فقط

".

3 هو ظرف لاستغراق الزمن المنفي؛ لأنه -في الغالب- يكون مسبوقًا بالنفي. وحكمه عند عدم إضافته: البناء على الضم أو الفتح أو الكسر، فإن أضيف كان معربًا؛ نحو: لن أنافق عوض العائضين -كما سيجيء في "ب" من ص 261.

4 لا يقال ذلك؛ سواء اعتبرنا كلا منهما نائب فاعل، مرفوعًا مباشرة، أو اعتبرناه غير معرب، أي: نائبًا مبنيًا في محل رفع.

ص: 116

كما سبق " عند - ثم - مع

وهذا النوع لا يصلح للنيابة عن الفاعل؛ لأنه كسابقه - لا يفيد الفائدة المطلوبة من الإسناد؛ ولأنه لا يصح إخراجه عن الحكم والضبط الذي استقر له وثبت في الكلام العربي المأثور؛ وهو النصب أو الجر الغالب بمن، فلا يقال: قرئ عند، ولا كتب ثم؛ ولا عرف مع1.

والمراد بالاختصاص هنا: أن يزاد على معنى الظرف معنى جديد آخر يكتسبه من كلمة تتصل به اتصالًا قويًا؛ ليزول الغموض والإبهام عن معناه، كأن يكون الظرف مضافًا؛ نحو: أذن وقت الصلاة - نودي ساعة البيع

أو يكون موصوفًا؛ نحو: قضي شهر جميل في المصايف - قطع يوم كامل في السفر - أو يكون معرفًا2؛ نحو: يحب اليوم؛ لأنه معتدل، أو غير ذلك مما يزيد معنى جديدا على الظرف، ويخرج معناه السابق من الإبهام والتجرد.

4 وأما الجار مع مجروره فإن كان حرف الجر زائدًا - نحو: ما صودر من شيء - فلا خلاف أن النائب هو المجرور وحده - "وأنه مجرور لفظًا، مرفوع محلًا، فيجوز في التوابع مراعاة لفظه أو محله.

أما حرف الجر الأصلي مع مجروره - نحو: قعد في الحديقة الناضرة، فالصحيح أن الذي ينوب منهما عن الفاعل هو المجرور وحده 3 "برغم أن الشائع

1 بعض النحاة يجير في مثل: جلس عندك - بإضافة الظرف إلى الضمير - أن يكون الظرف منصوبًا على الظرفية مع كونه في الوقت نفسه في محل رفع بالنيابة عن الفاع، ويجيز في قوله تعالى:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}

وقوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أن يكون الظرف في الآية الأولى منصوبًا على الظرفية في محل رفع فاعلًا، وأن يكون في الآية الثانية منصوبًا على الظرفية في محل رفع مبتدأ. وهذا غريب، والمشهور في الآيتين ونظائرهما مما يضاف فيه الظرف إلى المبني أن يبنى على الفتح جوازًا؛ فيكتسب البناء من المضاف إليه.

وفي هذه الحالة التي يبنى فيها على الفتح جوازًا تكون فتحته فتحة بناء، لا فتحة إعراب، فيكون مبنيا على الفتح في محل رفع، أو نصب، أو جر على حسب حاجة الجملة.

2 ومنه التعريف بالعلمية؛ مثل: رمضان، للشهر المعروف، ومثل:"سحر" - في رأي - إذا جعل علمًا على سحر يوم معين عند القائلين بعلميته.

3 فهو مجرور في الظاهر، ولكنه في المعنى والتقدير مرفوع، ولا يصح - في الرأي القوي - مراعاة هذا المعنى والتقدير في التوابع أو غيرها؛ فهو أمر ملاحظ عقليا فقط، ولا يجوز مراعاته أو تطبيق حكمه على غيره، شأنه في ذلك شأن المجرور بحرف جر أصلي بعد فعل لازم مبني للمعلوم؛ نحو: قعد الرجل في البيت، فإن كلمة:"البيت" مجرورة في اللفظ؛ لكنها في المعنى والتقدير منصوبة؛ لأنها بمنزلة المفعول به للفعل اللازم، ولا يصح في الرأي الأحسن مراعاة هذا النصب في التوابع أو غيرها؛ فنصبها التقديري أمر ملاحظ فيها عقليا، مقصور عليها وحدها؛ فالمجرور بحرف جر أصلي مع الفعل المبني للمجهول مرفوع "محلًا"، ورفعه هذا مقصور عليه، والمنصوب حمًا مع الفعل المبني للمعلوم منصوب محلًا، ونصبه هذا مقصور عليه؛ فكلاهما يشبه الآخر في حركة معنوية عقلية، مقصورة عليه وحده؛ لا يظهر لها أثر في غيره، "انظر رقم 1 من هامش ص 126 ثم رقم 3 من هامش 151 لأهميته حيث تجد رأيا آخر، وتعليقًا عليه".

ص: 117

على الألسنة هو: الجار مع مجروره، ولا مانع من قبوله تيسيرًا وتخفيفًا"1.

ويشترط لإنابتهما أن يكون الإسناد إليهما مفيدًا، وتتحقق الفائدة بأمرين؛ أن يكون حرف الجر متصرفًا، وأن يكون مجروره مختصًا.

والمراد من التصرف في حرف الجر ألا يلتزم طريقة واحدة لا يخرج عنها إلى غيرها.

كأن يلتزم جر الأسماء الظاهرة فقط؛ "ومن أمثلته: مذ - منذ - حتى "، أو جر النكرات فقط؛ "ومن أمثلته: رب" أو يلتزم جر نوع آخر معين من الأسماء؛ "كحروف القسم؛ فإنها لا تجر إلا مقسمًا به، وكحروف الجر التي للاستثناء "وهي: خلا - عدا - حاشًا"، فإنها لا تجر إلا المستثنى، ومثل: مذ ومنذ: فإنهما لا يجران إلا الأسماء الظاهرة الدالة على الزمان"، فلا يصح وقوع شيء من تلك الحروف مع مجروراتها نائب فاعل؛ فلا يقال نائب فاعل في مثل: صنع منذ الصبح، ولا زرع حتى الشاطئ، ولا قوتل رب رجل عنيد

و

2.

والمراد بالاختصاص: أن يكتسب الجار مع مجروره معنى زائدًا فوق معناهما

1 وفوق ذلك يريحنا من أنواع مرهقة من الجدل الثقيل حول إثبات أن النائب هو حرف الجر وحده، أو مجروره وحده

و

2 وكذلك يشترط ألا يكون معنى حرف الجر هو: "التعليل" كالذي يفهم من "اللام" و"الياء" وقد يفهم من حرف الجر "من" أحيانًا، والداعي لهذا الاشتراط عنهم أن حرف الجر حين يكون معناه التعليل يكون مجروره مبينًا على سؤال مقدر، أي: يكون بمنزلة جواب عن سؤال مقدر؛ فكأن المجرور من جملة أخرى، ويمثلون له بأمثلة منها قول الشاعر:

يغضي حياء، ويغضي من مهابته

فلا يكلم إلا حين يبتسم

أي: يغضي هو، أي الطرف؛ لأن الإغضاء خاص بالطرف؛ فيدل عليه، ولا يصح عندهم أن يكون الجار والمجرور نائب فاعل؛ لأن معنى حرف الجر هنا:"التعليل"، فالمجرور مبني على سؤال مقدر، هو: لماذا يغضى؟ فأجيب: من مهابته، فكأن الجواب من جملة أخرى في رأيهم -كما سبق- لكن كيف نوفق بين هذا الرأي، وما يخالفه مما يأتي في:"أ" ص 122 الإجابة هناك.

ص: 118

الخاص بهما، ويجيئهما هذا المعنى الزائد من لفظ آخر يتصل بهما؛ كالوصف، أو المضاف إليه، أو غيرهما، مما يكسبهما معنى جديدًا؛ فتحصل الفائدة المطلوبة من الإسناد.

ومن أمثلة الجار والمجرور المستوفيين للشروط: أخذ من حقل ناضج - قطع في طريق الماء، فلا يصح: أخذ من حقل - قطع في طريق.

من كل ما سبق نعرف أن "الإفادة" هي الشرط الذي يجب تحققه فيما ينوب عن الفاعل من مصدر، أو ظرف، أو جار مع مجروره، وأن هذه الإفادة تنحصر في التصرف والاختصاص معًا.

5-

يلحق بما تقدم الجملة المحكية بالقول، وكذا المؤولة بالمفرد، طبقًا للبيان الذي سلف1 عنهما.

إلى هنا انتهى الكلام على الأشياء التي يصلح كل واحد منها أن يكون نائب فاعل إذا لم يوجد غيره في الجملة، فإذا وجد أكثر من واحد صالح للإنابة لم يجز أن ينوب عن الفاعل إلا واحد فقط؛ لأن نائب الفاعل -كالفاعل- لا يتعدد لكن ما الحق بالنيابة عند وجود نوعين مختلفين، صالحين، أو أكثر؟ يميل كثير من النحاة إلى الرأي القائل باختيار المفعول به2 دائمًا، "أي في كل الحالات"؛ ليكون هو النائب؛ ويفضلونه على غيره، وهم -مع ذلك- يجيزون ترك الأفضل؛ ففي مثل: أنشد الشاعر القصيدة إنشادًا بارعًا في الحفل أمام الحاضرين، يكون الأفضل عندهم -حين بناء الفعل للمجهول- اختيار المفعول به نائبًا؛ فيقال: أنشدت القصيدة، إنشادًا بارعًا، في الحفل أمام الحاضرين، ولا مانع من ترك الأفضل واختيار غيره، كما قالوا.

1 في رقم 3 من هامش ص 113.

2 ويبالغون، فيفضلونه، ولو كان من نوع المفعول به المنصوب على نزع الخافض، ويترتب على هذا الاختيار بعض صور لها أحكام خاصة، منها ما سيجيء في "ج" من ص 122.

ص: 119

والحق أن الرأي السديد الأنسب هو أن نختار من تلك الأنواع ما له الأهمية في إيضاح الغرض، وإبراز المعنى المراد، من غير تقيد بأنه مفعول به أو غير مفعول به، وأنه أول أو غير أول، متقدم على البقية أو غير متقدم، ففي مثل:"خطف اللص الحقيبة من يد صاحبتها أمام الراكبين في السيارة" - تكون نيابة الظرف: "أمام" أولى من نيابة غيره؛ فيقال خطف أمام الراكبين في السيارة الحقيبة من يد صاحبتها؛ لأن أهم شيء في الخبر وأعجبه أن تقع الحادثة أمام الراكبين، ويحورهم؛ وهم جمع كبير يشاهد الحادث فلا يدفعه، ولا يبالي بهم اللص

وقد تكون الأهمية في مثال آخر: للجار والمجرور؛ نحو: سرف في ديوان الشرطة سلاح جنودها

وهكذا1.

1 وفيما سبق يقول ابن مالك:

قابل من ظرف أو من مصدر

أو حرف جر بنيابة حري

يريد: أن اللفظ القابل للنيابة حر "أي: حقيق وجدير بها" إذا كان ذلك اللفظ ظرفًا أو مصدرًا؛ أو حرف جر، ولعل ابن مالك يريد: أو مجرور الحرف "فكلمة "قابل" مبتدأ خبره: "حر" وقد حذف التنوين ورجعت الياء عند الوقف؛ فصارت "حرى"، وقوله: "من ظرف" جار ومجرور، حال من الضمير في "قابل" أو صفة لقابل؛ فتقدير البيت نحويًا هو: ولفظ قابل للنيابة حر بنيابة؛ حالة كون هذا اللفظ ظرفًا، أو مصدرًا، أو حرف جر - أو هذا اللفظ موصوف بأنه من ظرف، أو من مصدر، أو حرف جر، ثم قال بعد ذلك:

ولا ينوب بعض هذي إن وجد

في اللفظ مفعول به وقد يرد

يريد أنه لا يصح -في الغالب- إنابة شيء مما ذكره في البيت السابق مع وجود المفعول به، ثم عاد فقرر أنه قد يرد في الكلام الصحيح إنابة غير المفعول به مع وجوده، ثم سرد بعد ذلك بيتين سبق شرحهما في مكانهما الأنسب من هذا الباب ص 113 - وهما:

وباتفاق قد ينوب الثان من

باب "كسا" فيما التباسة أمن

في باب: "ظن وأرى" المنع اشتهر

ولا أرى منعًا إذا القصد ظهر

ثم ختم الباب بالبيت التالي:

وما سوى النائب مما علقًا

بالرافع، النصب له، محققًا

يريد: أن النائب عن الفاعل سيصير مرفوعًا؛ لتعلق معناه بالفعل الرافع له؛ فلأن معناه علق =

ص: 120

ومثل هذا يقال عند حذف الفاعل، وعدم وجود مفعول به في الجملة ينوب عنه، مع وجود أنواع أخرى تصلح للنيابة: فإن اختيار بعض هذه الأنواع دون بعض يقوم على أساس الأهمية ودرجتها؛ فما كان أكبر أهمية وأعظم تحقيقًا للمراد من الجملة، فهو الأحق بالاختيار، والأولى بالنيابة.

= برافعه "وثبت أنه رافعه" لا بد أن يرتفع، وما سوى هذا النائب فالنصب له، أي: حكمه النصب "وكلمة محققًا، حال من الضمير، الهاء في: "له"، فإذا وجد في الكلام مفعول به أو أكثر، ومعه شيء آخر يصلح للنيابة عن الفاعل -فالذي وقع عليه الاختيار للإنابة يرتفع، وما عداه ينصب لفظًا، إلا الجملة المحكية، والمؤولة بالمفرد، وقد سبق حكمها في رقم 3 من هامش ص 113، وإلا المجرورة، فيبقى جزء على حاله لفظًا، وينصب محلًا، بالتفصيل الذي عرضناه.

ص: 121

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- في الإنابة عن الفاعل لا يجوز إنابة الحال، والمستثنى، والمفعول معه، والتمييز الملازم للنصب، والمفعول لأجله؛ فكل واحد من هذه الخمسة لا يصلح للإنابة؛ لأنها تخرجه من مهمته الخاصة، وتنقله إلى غيرها، وقد تتغير حركته الملازمة له. لكن فريقًا من النحاة يرى -بحق- جواز نيابة التمييز المجرور بالحرف "من"، وكذا نيابة المفعول لأجله المجرور، بشرط أن يحقق كل منهما الفائدة المطلوبة منه، والغرض من وجوده؛ نحو: يقام لإجلال العلماء النافعين، ويفاض من سرور رؤيتهم، ويسمى كل منهما: نائب فاعل، ويزول عنه الاسم السابق، ورأي هذا الفريق حسن1.

ب- الصحيح أنه لا يجوز إنابة خبر "كان"2 ولا سيما المفرد؛ لعدم الإفادة؛ فلا يصح؛ كين قائم، "على فرض استساغته"؛ إذ معناه كما يقولون: حصل كون لقائم، ومن المعلوم أن الدنيا لا تخلو من حصول كون لقائم.

جـ- عرفنا3 أن جمهرة النحاة تختار المفعول به -دون غيره- لإقامته نائبًا عن الفاعل المحذوف عند تعدد الأنواع الصالحة للنيابة، وقد شرحنا رأيهم، وأوضحنا ما فيه، ويترتب على الأخذ برأيهم ما يأتي:

إذا قلت: زيد في أجر الصانع عشرون - كانت "عشرون" باعتبارها مرفوعة النائب عنه الفاعل، ولا يكون الفعل متحملًا ضميرًا، ولا يلحق بآخره علامة تثنية أو جمع.

أما إذا قدمت: "الصانع" فقلت: الصانع زيد في أجره عشرون -فيجوز أحد أمرين:

1-

أن تكون: "عشرون" مرفوعة على أنها نائب الفاعل، والفعل معها خال

1 لكن كيف نوفق بين هذا الرأي، وما يخالفه مما سبق في رقم 2 من هامش ص 118؟ في الرأي الآخر تضييق بغير داع.

2 هذا الحكم خاص بخبر كان -دون أخواتها "انظر رقم 1 من هامش ص 107".

3 في ص 119.

ص: 122

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من الضمير، فلا يتصل بآخره علامة تثنية أو جمع، وفي هذه الصورة يجب بقاء الحال والمجرور، واشتماله على ضمير مطابق للاسم السابق - المبتدأ - ويكون هو الرابط، مثل: الصانعان زيد في أجرهما عشرون - الصانعون زيد في أجرهم عشرون

وهكذا.

2-

نصب كلمة: "عشرين" على أنها ليست نائب فاعل1، وإنما النائب ضمير مصتل بالفعل؛ لأن الفعل في هذه الصورة يتحمل الضمير مستترًا أو بارزًا، يعود على المبتدأ ويطابقه ويكون هو الرابط، وفي هذه الحالة يمكن الاستغناء عن الجار ومجروره، أو عدم الاستغناء مع بقاء الضمير الذي في آخر المجرور، ومطابقته أيضًا للمبتدأ:"تقول: الصانعان زيدًا عشرين أو: الصانعان زيدًا في أجرهما عشرين" - "الصانعون زيدوا عشرين، أو الصانعون زيدوا في أجرهم عشرين

" وهكذا.

1 والأحسن في هذه الصورة أن تعرب مفعولا مطلقا "أي: نائبة عن المصدر".

ص: 123