المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 84: الحال ‌ ‌مدخل … المسألة 84: الحال 1 ظهر البدر كاملًا … ــ … نجا - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 84: الحال ‌ ‌مدخل … المسألة 84: الحال 1 ظهر البدر كاملًا … ــ … نجا

‌المسألة 84: الحال

‌مدخل

المسألة 84: الحال 1

ظهر البدر كاملًا

ــ

نجا الغريق شاحبًا

أبصرت النجوم متوهجة

ــ

أرسل التاجر البضاعة ملفوفة

فحص الطبيب مريضه جالسين

ــ

صافح المضيف ضيفه واقفين

البرد قارسًا ضار

ــ

الشمس شديدة مؤذية

النزول من القطار متحركًا خطر

ــ

ركوب السيارة ماشية وخيم العاقبة

تعريفه:

وصف2، منصوب3، فضلة4، يبين هيئة ما قبله؛ من فاعل، أو مفعول به،

1 أبيات ابن مالك كما وردت في هذا الباب من "ألفيته" لا تساير تسلسل المسائل، ولا ترتيبها المنهجي على الوجه الذي ارتضيناه، لهذه وضعنا كل بيت عقب القاعدة التي يناسبها، ويتصل بها اتصالًا منطقيًا، وفي الوقت نفسه وضعنا بجانب كل بيت رقمًا يميزه، ويدل على ترتيبه بين أبيات الباب كما رتبها ابن مالك.

وكلمة: الحال بغير تاء التأنيث في آخرها صالحة، لأن تكون مذكرة أو مؤنثة، نحو: الحال طيب، أو: طيبة، إن هذا الحال حسن، وهذه الحال حسنة، أما إذ ختمت بتاء التأنيث فهي مؤنثة فقط، نحو: الحالة طيبة، إن هذه الحال حسنة. والكثير في اللفظ التذكير؛ بخلو آخره من التاء، والكثير في المعنى التأنيث.

2 اسم مشتق، وقد تكرر تعريف المشتق وأنواعه، ولكل منها باب خاص في الجزء الثالث.

3 في بعض المراجع المطولة كهامش التصريح معركة جدلية بسبب أن "النصب " ليس جزءًا من التعريف؛ وإنما هو حكم، والدفاع عن هذا، أو مقاومته، ولا يعنينا مثل هذا الجدل الذي لا خير فيه.

والنصب قد يكون ظاهرًا، كما في الأمثلة المعروضة، أو: مقدرًا مثل: تغدو الطيور شتى، أو: محليًا، كقولهم: جاءت الخيل بداد، فكلمة:"بداد" علم جنس، وهي حال، مبنية عل الكسر في محل نصب.

4 الفضلة: ما يمكن أن يستغنى عنه في الأغلب المعنى الأساسي للجملة، وهي خلاف العمدة.

ص: 363

أو منهما معًا1، أو من غيرهما 2 وقت وقوع الفعل3 كالكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة.

وتعرف دلالته على الهيئة بوضع سؤال كهذا: كيف كان شكل البدر حين ظهر؟ أو: كيف كانت صورته؟ فيكون الجواب: هو لفظ الحال السابقة؛ أي: كاملًا، أو: مستديرًا

و

و

وكذا الباقي.

وليس من اللازم أن تكون الحال في كل الاستعمالات وصفًا، وإنما هذا هو الغالب4، ولا أن تكون فضلة؛ فهذا غالب أيضًا؛ فقد تكون بمنزلة العمدة

1 مثل الكلمتين: "جالسين""واقفين" في الأمثلة السابقة.

2 أي: يبين هيئة صاحبه، كالفاعل، وكالمبتدأ، أو الخبر، أو اسم النواسخ، وسيجيء الكلام على صاحب الحال في ص 402 ولا قيمة للاعتراض على مجيء الحال من المبتدأ، أو من اسم الناسخ، أو مما ليس فاعلًا، أو مفعولًا به، أو نحوهما؛ ذلك؛ لأن من يرفضونه لا يرفضونه للسبب القويم الصحيح، وهو: عدم الاستعمال العربي الأصيل، وإنما يرفضونه؛ لأنه لا يتفق مع مظهر من مظاهر السلطان الذي وهبوه للعامل، كأن يقولوا في منع مجيء الحال من المبتدأ: إن العامل في المبتدأ معنوي؛ هو: "الابتداء"، فلو جاءت الحال من المبتدأ لكان المبتدأ هو عاملها؛ فينشأ من هذا عاملان مختلفان، أحدهما عامل في الحال، والآخر عامل في صاحبها، مع أن العامل عندهم في الحال لا بد أن يكون هو نفسه العامل في صاحبها أيضًا طبقًا للبيان الآتي في رقم 3 من هامش ص 380، والغريب أن المأثور الكثير من كلام العرب الخلص لا يوافقهم، ولا يؤيدهم، مع كثرته بدليل صحة قولهم: أعجبني عطاء المحسن مبتسمًا، وسرني صوت القارئ خاشعًا، ولهذا يخالفهم بحق "سيبويه" وفريق معه، للسبب المدون في رقم 3 ص 405.

وإن ما يرفضونه ظاهرًا صريحًا، يقبلونه على نية التأويل؛ فكأن مجرد النية يبيح الأمر المحظور المخالف لها، بالرغم من أن اللفظ الذي يؤولونه لن يتغير في ظاهره، وصريح الأسلوب لن يطرأ عليه تبديل، وهذا موضع من مواضع الشكوى، ولعله السبب الذي حمل بعض النحاة المحققين؛ كارضي على رفض اعتراضهم، ونبذ رأيهم المخالف رأي سيبويه كما جاء في الخضري جـ 1 والصبان وغيرهما في باب الحال عند بيت ابن مالك: "وعامل ضمن معنى الفعل، لا

"، وعلى أن يقول: "إن رأي سيبويه هو الحق، ولا ضرورة تدعو للرأي المخالف".

وإذا كان المحظور يباح بمثل هذه النية وجب ترك الناس أحرارًا في محاكاة الكثير المأثور من الكلام العربي الصحيح، وفي القياس عليه، ومن شاء بعد ذلك أن يتأول فليفعل، فالمهم هو ترك اللفظ على حاله الظاهر المواقف للوارد، ومن حمل نفسه بعد ذلك مشقة التأويل، فهو حر وإن كانت المشقة بغير فائدة.

3 هذا هو الغالب، وقد يكون زمن الحال مقدرًا "أي: مستقبلًا، وسيجيء البيان في ص 390".

4 كما سيجيء في ص 368، عند تفصيل الكلام على اشتقاقها وجمودها.

ص: 364

أحيانًا في إتمام المعنى الأساسي للجملة، أو في منع فساده؛ فالأولى كالحال التي تسد مسد الخير1، في مثل: امتداحي الغلام مؤدبًا؛ فإن المعنى الأساسي هنا لم يتم إلا بذكر الحال، وكالحال في قوله تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} وقوله تعالى: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} ، وقول الشاعر:

ولست ممن إذا يسعى لمكرمة

يسعى وأنفاسه بالخوف تضطرب

فالمعنى الأساسي لا يتم لو حذفت الحال: "كسالى" أو: "جبارين" أو: "أنفاسه تضطرب؟

والثانية: "وهي الحال التي يفسد معنى الجملة بحذفها"؛ مثل: ليس الميت من فارق الحياة، إنما الميت من يحيا خاملًا لا نفع له؛ فلو حذفنا الحال:"خاملًا" وقلنا: الميت من يحيا لوقع التناقض الذي يفسد المعنى، ومثل كلمة:"لاعبين" في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} ، فلو حذفت الحال "لاعبين" لفسد المعنى أشد الفساد2

هذا، وما يبين الحال هيئته من فاعل، أو مفعول به، أو منهما معًا؛ أو من غيرهما، يسمى:"صاحب الحال3".

والتعريف السابق مقصور على الحال "المؤسسة" دون "المؤكدة"؛ لأن المؤسسة هي التي تبين هيئة صاحبها، أما المؤكدة فلا تبين هيئة، ومثال الأولى: ارتمى السارق صارخًا، ومثال الثانية: ولى الحزين منصرفًا، وسيجيء بيانهما وتفصيل الكلام عليهما قريبًا 4.

أقسام 5 الحال، والكلام على كل قسم:

تتعدد أقسام الحال بتعدد الاعتبارات المختلفة التي ينبني عليها التقسيم، وفيما يلي

1 سبق شرحه في ج 1 ص 385 م 39 باب: المبتدأ والخبر.

2 انظر رقم 3 من ص 408.

3 يجيء الكلام عليه مفصلًا في ص 402 م 85.

4 في ص 391.

5 يسميها بعض النحاة أقسامًا، ويسميها آخرون أوصافًا، ويسميها فريق ثالث: نواحي الحال

و

ولا أهمية لاختلاف التسمية ما دام المراد واحدًا؛ وهو الكلام على الحال بحسب الاعتبارات المتصلة بها.

ص: 365

أشهر هذه الاعتبارات، وما تؤدي إليه.

الأول: انقسام الحال باعتبار ثبات معناها وملازمته1 شيئًا 2 آخر، أو عدم ذلك إلى "منتقلة"، وهي الأكثر، "وثابتة"، وهي الأقل.

فالمنتقلة: هي التي تبين هيئة شيء2مدة مؤقتة، ثم تفارقه بعدها، فليست دائمة الملازمة له: مثل: أقبل الرابح ضاحكًا، أسرع البرق مشتعلًا، شاهدت كتائب النمل مهاجرة

و

، فكل حال من الثلاثة:"ضاحكًا، مشتعلًا، مهاجرة" يدل على معنى ينقطع، "فالضحك" لا يلازم صاحبه إلا مدة محددة يزول بعدها، وكذلك:"الاشتعال"، أو "المهاجرة".

والثابتة: هي التي تبين هيئة شيء تلازمه غالبًا ولا تكاد تفارقه، وتتحقق الملازمة في إحدى صور ثلاث.

أ- أن يكون معناها التأكيد، وهذا يشمل:

1– أن يكون معناها مؤكدًا مضمون جملة قبلها، بشرط أن يكون هذا المضمون أمرًا ثابتًا ملازمًا في الغالب، فيتفق معنى الحال ومضمون الجملة؛ ويترتب على هذا أن تكون الحال ثابتة ملازمة صاحبها تبعًا لذلك؛ نحو: خليل أبوك رحيمًا، "فرحيما" حال من "أب" الذي هو صاحبها الملازمة له، ومعنى هذا الحال وهو:"الرحمة" يوافق المعنى الضمني للجملة التي قبلها، وهو:"أبوة خليل"؛ لأن هذه الأبوة لا تتجرد من الرحمة، كما أن المعنى الضمني للجملة هو معنى الحال، إذ مضمون:"خليل أبوك" أنه رحيم، بداعي الأبوة التي تقتضي الرحمة والشفقة كما سلف، فلهذا كان معنى الحال مؤكدًا مضمون الجملة التي قبلها، والحال فيها ملازمة صاحبها.

ويشترط في هذه الجملة التي قبلها أن تكون اسمية، وأن يكون طرفاها "وهما: المبتدأ والخبر" معرفتين، جامدتين3، ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا وعن

1 وسبب هذه الملازمة وجود علاقة مبعثها العقل، أو الطبع، أو العادة، ولو لم تكن الملازمة دائمة في بعض الأحيان، كما جاء في حاشية ياسين في هذا الموضع.

2و2 وهو: صاحبها.

3 اشترط بعض النحاة أن يكون هذا الجمود محضًا، بحيث لا يتأول الجامد بالمشتق؛ احترازًا من =

ص: 366

عاملها، وأن يحذف عاملها وصاحبها1 وجوبًا؛ طبقًا للتفصيل الذي سيأتي

2– وكذلك يشمل أن تكون مؤكدة لعاملها؛ إما في اللفظ والمعنى معًا، نحو، قوله تعالى:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، وإما في المعنى فقط، نحو، قوله تعالى:{وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} ، فكلمة:"حيا" حال من نائب فاعل المضارع: أبعث، أي: من الضمير المستتر "أنا"، ومعناها: الحياة، وهو معنى الفعل: أبعث؛ لأن البعث هو الحياة بعد الموت، فمعناها مؤكد لمعنى عاملها، والرسالة صفة ملازمة للرسول، وكذا حياة المبعوث؛ فكلاهما وصف حل بصاحبه لا يفارقه.

3– ويشمل أيضًا أن تكون مؤكدة بمعناها معنى صاحبها مع ملازمتها صاحبها؛ نحو: اختلف كل الشعوب جميعًا، فكلمة "جميعًا" حال مؤكدة معنى صاحبها، وهو:"كل"؛ لأن معنى الجمعية هو معنى الكلية، لا يفترقان.

وسنعود للكلام على أنواع من المؤكدة بمناسبة أخرى2.

ب– أن يكون عاملها دالًا على تجدد صاحبها؛ بأن يكون صاحبها فردًا من نوع يستمر فيه خلق الأفراد وإيجادها على مر الأيام، أي: أن لذلك الفرد أشباهًا ونظراء توجد وتخلق بعد أن لم تكن، ويتكرر هذا الخلق والإيجاد طول الحياة؛ نحو:"خلق الله جلد النمر منقطًا، وجلد الحمار الوحشي مخططًا"، فكلمة "منقطًا" حال، وكذا كلمة "مخططًا"، وعاملهما:"خلق" وهو يدل على تجدد هذا المخلوق، أي: إيجاد أمثاله، واستمرار الإيجاد ي الأزمنة المقبلة.

= مثل: "علي الأسد مقدامًا"؛ لأن "الأسد" مؤول بالشجاع؛ فيكون الجامد المؤول بالمشتق هو العامل في الحال، وتصير الحال مؤكدة لعاملها، لا لمضمون الجملة، أما الجامد الذي لا يتأول عندهم فمثل:"علي أخوك رحيمًا"، بزعم أن الأخوة لا تستلزم الرحمة، بخلاف الأبوة، هذا رأيهم وتحقيقه عسير؛ إذ لا يكاد يوجد جامد لا يمكن تأويله، كما يقول كثير من النحاة، انظر رقم 2 من هامش ص 373 حتى المثال الذي عرضوه؛ ونظائره ولعل هذا كان السبب في أن شرطهم، ورأيهم لم يذكره بل لم يوافق عليه فريق آخر من النحاة، كصاحب التوضيح، كما يدل عليه مثاله وهو:"زيد أبوك عطوفًا" وكما يصرح شارحه بأنه مخالف للرأي السالف، "راجع التوضيح وشرحه عند تقسيمه الحال إلى مؤسسة ومؤكدة" وقد ذكر الأشموني وغيره مثال التوضيح أيضًا في أول باب الحال، ثم في الحال المؤكدة.

1 وهذا على اعتبار أنها حال من الضمير المحذوف مع العامل كما سيجيء في ص 383 و 391.

2 في ص 383 و 391.

ص: 367

جـ– أحوال مرجعها السماع، وتدل على الدوام بقرائن خارجية؛ مثل:"قائمًا" في قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ} ، فكلمة "قائمًا" حال، وعاملها الفعل:"شهد"، وصاحبها:"الله". ودوام القيام بالقسط معروف من أمر خارجي عن الجملة؛ هو: صفات الخالق. ومثل: "مفصلًا" في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} 1.

الثاني: انقسامها بحسب الاشتقاق والجمود إلى: "مشتقة" وهي الغالبة؛ كالأمثلة السالفة وإلى "جامدة" وهي القليلة، ولكنها مع قلتها قياسية في عدة مواضع 2؛ سواء أكانت جامدة مؤولة بالمشتق، أم غير مؤولة 3.

وأشهر مواضع المؤولة بالمشتق أربعة:

أ- أن تقع الحال "مشبهًا به" في جملة تفيد التشبيه إفادة تبعية غير

1 مبينًا فيه الحق والباطل بحيث لا يلتبس أحدهما بالآخر، ولا يختلط به.

وفيما سبق من تعريف الحال، وبيان المنتقل منها والثابت، والجامد والمشتق، وأن المنتقل غالب ولكنه ليس مستحقًا، أي: ليس واجبًا يقول ابن مالك:

الحال: وصف، فضلة، منتصب

مفهم في حال: "كفردًا أذهب"

أراد: مفهم في حال كذا

فكلمة: "حال" هنا لا تنون؛ لأنها مضاف، والمضاف إليه محذوف على نية الثبوت، أي: في حال كذا كما سبق ذلك أن قولك: جاء محمودًا راكبًا، يفيد المعنى الذي في: جاء محمود في حال الركوب، وهو بيان هيئة صاحبه، وهذا معنى قولهم: الحال على معنى: "في"، ثم قال بعد ذلك:

وكونه منتقلًا، مشتقًا

يغلب، لكن ليس مستحقًا

أي: هذا الكون الذي سرده ووصفه بالانتقال والاشتقاق ليس مستحقًا. فهو كثير لا واجب.

2 لأنها ليست قلة ذاتية مرادها قلة استعمال العرب لها، وإنما مرادها أنها قلة بانسبة للمشتقة، فهي كثيرة في ذاتها بغير نظر لقسيمتها.

انظر معنى "القلة" في الأشموني ج 2 "باب الإضافة" عند بيت ابن مالك، "وربما أكسب ثان أولًا

"، وستجيء إشارة لها في ص 456، ويجيء الإيضاح في ج 3 رقم 1 من هامش ص 74 م 94، وهذا، وفي الجزء الرابع باب جمع التكسير، م 172 ص 185 معنى المطرد وغير المطرد، والكثير، والغالب، والقياسي، وغير القياسي، وتحديد القلة والكثرة.

3 الأهمية الأولى إنما هي لصحة وقوع الحال جامدة في هذه المواضع، أما التأويل وعدمه فلا أهمية له.

ص: 368

مقصودة لذاتها، نحو: ترنم المغني بلبلا سارت الطيارة برقا هجم القط أسدا. فالكلمات الثلاث: "بلبلا، برقا، أسدا" أحوال منصوبة مُئَوَّلَة بالمشتق، "أي: سارا، سريعة، جريئا"، وكل حال من الثاث يعد بمنزلة المشبه به، "أي: كالبلبل، كالبرق، كالأسد"، ولا يعتبر مشبها به مقصودا حقيقة؛ لأن التشبيه المقصود الأول هنا، إنما المقصود الأول هو المعنى الحادث عند التأويل بالمشتق.

ب- أن تكون الحال دالة على مفاعلة: "بأن يكون لفظها أو معناها جاريا على صيغة "المفاعلة"، وهي صيغة تقتضي في الأغلب المشاركة من جانبين أو فريقين في أمر"، نحو، سلمت البائع نقوده مقابضة، أو: سلمت البائع النقود يدا بيد، فكلمة:"مقابضة"، حال جامدة، ولفظها على صيغة:"المفاعلة" مباشرة ومعناها: "مقابضين"، وهذا يستلزم اشتراك البائع والمتكلم في عملية القبض. ولهذا كانت الحال هنا مبنية هيئة الفاعل والمفعول به معا، أي: أن صاحب الحال هو الأمران.

ومثلها: يدا بيد1، إذ معنى الكلمتين لا لفظهما جاريا على صيغة:"المفاعلة" غير المباشرة؛ لأن معناهما: "مقابضة" وتأويلها: "مقابضين" أيضا، والأسهل عند الإعراب أن نقول:"يدا" حال من الفاعل والمفعول به معا، و:"بيد" جار ومجرور متعلقان بمحذوف، صفة للحال، والتقدير: ملتصقة بيد مثلا فمن مجموع هذه الصفة والموصوف ينشأ معنى الحال، وهو:"المفاعلة" المقتضية للمشاركة، فهذه المشاركة لا تتحقق إلا باجتماع الصفة والموصوف في المعنى. أما في الإعراب فكلمة:"يدا" وحدها هي الحال، وهي أيضا الموصوف، و"بيد"

صفة

ومثل هذا يقال في: "كلمت المنكر عينه إلى عيني1 أي: مواجهة أو مقابلة، بمعنى مواجهين

فكلمة "عين" حال2 من الفاعل والمفعول به

1و1 من الحال الجامدة المسموعة بنصها بعض أمثلة، منها قولهم

يدًا بيد وقولهم: كلمته فاه إلى في، فهل يجوز القياس على تلك الأمثلة فنقول مثلًا: كلمت المنكر عينه إلى عيني؟

قالوا: لا يجوز القياس إلا عند بعض الكوفيين، وحجة المانعين جدلية لا تثبت على الفحص، والأنسب الرأي الكوفي.

2 يصح فيها وفي أمثالها الرفع؛ فتكون مبتدأ، والجار مع مجروره خبرها، والجملة في محل نصب، حال، ولا يحسن في كلمة:"عين" أن تكون بدلًا؛ لأن البدل في القول الشائع يكون على نية تكرار العامل، لا يستقيم المعنى هنا على تكراره، إذ لا يقال: كلمت عينه.

ص: 369

معًا، وهي مضاف، "والهاء" مضاف إليه، و"إلى عيني" جار ومجرور، ومضاف إليه، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة؛ والتقدير؛ عينه المتجهة إلى عيني

ومجموع الصفة والموصوف هو الذي يوجد صيغة: "المفاعلة" برغم أن الإعراب يقتضي التوزيع على الطريقة السالفة؛ فتكون: "عين" الأولى وحدها هي الحال والموصوف معًا، وما بعدها صفة

ومثل هذا أيضًا: كلمت الصديق فاه إلى في "أي: فمه إلى فمي"، بمعنى مشافهة؛ المؤولة بكلمة: مشافهين.

ومثل: ساكنته غرفته إلى غرفتي؛ بمعنى: ملاصقة، التي تؤول بكلمة: ملاصقين، وجالسته جنبه إلى جنبي، كذلك

، وكل هذا قياس في الرأي الأحسن.

ج– أن تكون دالة على سعر؛ نحو: بع القمح كيله بثلاثين، أي: مسعرًا فكلمة "كيلة" حال منصوبة، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف، هو صفتها، والتقدير: كائنة مثلًا ومن مجموع الصفة والموصوف يكون المشتق المؤول.

د– أن تكون الحال دالة على ترتيب: نحو: ادخلوا الغرفة واحدًا واحدًا 1أو: اثنين اثنين، أو: ثلاثًا ثلاثًا

والمعنى: ادخلوها: مترتبين.

وضابط هذا النوع: أن يذكر المجموع أولًا مجملًا، مشتملًا ضمنًا على جزأيه المكررين، ثم يأتي بعده تفصيله مشتملًا صراحة على بيان الجزأين المكررين. ومن أمثلته: يمشي الجنود ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة

، ينقضي

1 يكثر اليوم أمثال هذه الأساليب المشتملة على التكرار العددي المفيد للترتيب، وقد منعها بعض النحاة، تبعًا للحريري في كتابه:"درة الغواص" حيث صرح بأنه لا يجوز: جاءوا واحدًا واحدًا، ولا اثنين اثنين؛ لأن العرب في رأيه عدلوا عن ذلك إلى:"أحاد، ومثنى وأخواتهما"، وهجروا المعدول عنه.

وقد تعقبه الشهاب الخفاجي، وعلق على ذلك الرأي، مثبتًا بالأدلة والشواهد ابتعاده عن الصواب، وأن رأي الحريري هو الخطأ الذي لا سند يؤيده، وأن ذلك التكرير كثير في كلام العرب، فهو قياسي، وكذلك صرح بعض شراح "الكافية" بأن أسماء العدد المستعملة للتكرير المعنوي بلفظها مطردة.

مما سبق يتبين أنه لا داعي لمنع تلك الأساليب، ولا للجدل حول قياستها. "كما ستجيء الإشارة في ج 4 ص 172 م 146".

ص: 370

الأسبوع يومًا يومًا، وينقضي الشهر أسبوعًا أسبوعًا، وتنقضي السنة السنة شهرًا شهرًا، وهكذا 3، ومن مجموع الكلمتين المكررتين تنشأ الحال المؤولة؛ الدالة على الترتيب ولا يحدث الترتيب من واحد فقط، لكن الأمر عند الإعراب يختلف؛ إذ يجب إعراب الكلمة الأولى وحدها هي الحال من الفاعل كما في الأمثلة السالفة أو من المفعول به، أو من غيره على حسب الجمل الأخرى التي تكون فيها.

أما الكلمة الثانية المكررة فيجوز إعرابها توكيدًا لفظيًا للأولى، كما يجوز وهذا أحسن أن تكون معطوفة على الأولى بحرف العطف المحذوف "الفاء" أو:"ثم" دون غيرهما من حروف العطف1، فالأصل: ادخلوا الغرفة واحدًا فواحدًا، أو: ثم واحدًا يمشي الجنود ثلاثة فثلاثة، أو: ثم ثلاثة

2، ويصح أن يقال: ادخلوا الأول فالأول 3

و

و

فيكون حرف العطف ظاهرًا، وما بعده معطوف على الحال التي قبله، ولكن الحال هنا مع صحتها فقدت الاشتقاق والتنكير معًا.

هـ- أن تكون مصدرًا صريحًا 4 متضمنًا معنى الوصف "أي: معنى المشتق"؛

1 فالمجموع المجمل هو: "واو الجماعة، الجنود، الأسبوع، الشهر، السنة

" ولهذه الأساليب صلة بما يشبهها من نحو: ثناء ومثنى، وثلاث ومثلث و

و

، مما سيجيء بيانه في ج 4 ص 171 م 146 عند الكلام على منع الصرف للوصفية والعدل.

2 لأن هذين الحرفين هما اللذان يدلان على الترتيب، دون باقي حروف العطف.

3 وقد يكون الغرض من التكرار الاستيعاب لا الترتيب؛ فقد جاء في كتاب الإقليد: "إن العرب تكرر الشيء مرتين فتستوعب جميع جنسه"؛ مثل: ستمر بك أبواب الكتاب مفصلة بابًا بابًا، راجع ص 80 من حاشية الألوسي على شرح القطر.

4 "الأول" السابقة "حال" منصوبة، والثانية معطوفة عليها بالفاء التي تفيد الترتيب، وزيدت، سماعًا، فيهما "أل" شذوذًا، كما تزاد في النظم للضرورة. والأصل: ادخلوا أول فأول؛ أي: ادخلوا مترتبين.

وقد سبق هذا عند الكلام على "أل" الزائدة ج 1 م 31 ص 98 "ب" انظر ما يتصل بها في ص 376.

5 أما المصدر المؤول فلا يكون حالًا؛ لأنه يشتمل على ضمير يجعل الحال معرفة، فتخالف الأغلب فيها: وهو؛ التنكير، وبالرغم من هذا يصح وقوع الحال مصدرًا مؤولًا بشرط أن تكون أداة السبك هي:"ما" المصدرية، وبعدها فعل من أفعال الاستثناء الثلاثة "خلا" أو:"عدا" أو: "حاشا"؛ لأن المصدر المؤول هنا يؤول بنكرة، "انظر رقم 2 من هامش ص 355، وفي ج 1 ص 21 م 29 إشارة لبعض ما تقدم".

ص: 371

بحيث تقوم قرينة تدل على هذا؛ نحو: اذهب جريًا لإحضار البريد، أي: جاريًا تكلم الخطيب ارتجالًا، أي: مرتجلًا1 حضرالوالد بغتة، أي مفاجئًا

لا تثق بالكذوب، واعلم يقينا

أن شر الرجال فينا الكذوب

أي: متيقنًا.

وقد ورد بكثرة في الكلام الفصيح وقوع المصدر الصريح المنكر حالًا؛ ولكثرته كان القياس عليه مباحًا في رأي بعض المحققين 2، وهو رأي فوق صحته فيه تيسير، وتوسعة، وشمول لأنواع من المصادر أجازها فريق، ومنعها فريق، ولا معنى لتأويل المصادر الكثيرة المسموعة تأويلًا يبعدها عن المصدر، كما فعل بعض النحاة من ابتكار عدة أنواع من التأويل بغير داع 3؛

1 أي: من غير إعداد سابق للخطبة.

2 انظر البيان وقرار مؤتمر المجمع اللغوي، في هذا الشأن، رقم 2 التالي:.

3 غريب كما يقول بعض النحاة أن يكثر ورود الحال مصدرًا منكرًا، في فصيح الكلام المأثور، بل في أفصحه؛ وهو: القرآن، ثم نسمع ونقرأ من يقول: إنه بالرغم من تلك الكثيرة مقصور على السماع، راجع آخر صفحة من الحاشية على شرح "التصريح" باب "الإدغام".

فما جاء في القرآن قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً} ، وقوله:{يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً} ، وقوله:{إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} ، وقوله:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} ، فالكلمات: سعيًا، سرًا، جهارًا، خوفًا، ظلمًا، هي مصادر لا شك فيها، وهي أيضًا بعض ما جاء في الكتاب العزيز من الأحوال، وما أكثر ما جاء في غيره مما يستشهد به، وتأويلها بالمفعول المطلق الذي حذف عامله ضعيف؛ لأن حذف عامل المؤكد في مثل هذا معيب كما سبق في ص 211 وكذا كل تأويل آخر يشبه، فما الذي يقاس عليه إن لم تكن هذه الشواهد كلها داعية للقياس عليها؟ ولماذا يوافق بعضهم على القياس في المصدر المنكر الصريح إذا كان نوعًا لعامله؛ نحو جاء السائق سرعة، أي: سريعًا؟ ولماذا يقصره كثير منهم على أنواع ثلاثة من المصدر الصريح النكرة؟ هي:

أ– المصدر الدال على بلوغ نهاية الشيء؛ نحو: أنت الرجل شجاعة، وأخوك الرجل علمًا، وأمثال هذا المصدر الذي قبله خبر مقرون "بأل" الدالة على الوصول إلى نهاية الشيء؛ حسنًا أو قبحًا.

ب– والمصدر الذي قبله مبتدأ وخبر، والمبتدأ شبه بالخبر، أنت عمر عدلًا، وهي الخنساء شعرًا.

جـ– والمصدر الواقع بعد: "أما" في نحو: أما بلاغة فيبلغ، من كل صدر وقع بعد "أما" في مقام قصد في الرد على من وصف شخصًا بوصفين، أو سلبه أحدهما، وأنت تعتقد اتصافه بواحد منهما.

والحق أنه لا داعي لشيء من التقييد والحصر في هذا كله، فالقياس مباح على كل ما سلف، وبالقياس أخذ مؤتمر المجمع اللغوي الذي انعقد بالقاهرة خلال شهر فبراير سنة 1971، وسجله بين قراراته النهاية التي أصدرها بعد تمحيص وطول بحث.

ص: 372

إذ لم يراعوا للكثرة حقها الذي يبيح القياس 1.

وأشهر مواضع الحال الجامدة التي لا تتأول بالمشتق سبعة:

أ– أن تكون الحال الجامدة موصوفة بمشتق2 أو بشبه 3 المشتق؛ نحو: "ارتفع السعر قدرًا كبيرًا، وقفت القلعة سدًا حائلًا، تخيل العدو القلعة جبلًا في طريقه، عرفت جبل المقطم حصنًا حول القاهرة.

والنحاة يسمون هذا الحال الموصوفة: "بالحال الموطئة"، "أي: الممهدة" لما بعدها؛ لأنها تمهد الذهن، وتهيئه لما يجيء بعدها من الصفة التي لها الأهمية الأولى دون الحال، فإن الحال غير مقصودة؛ وإنما هي مجرد وسيلة وطريق إلى النعت الذي بعدها، ولهذا يقسم النحاة الحال قسمين:

أحدهما: "الموطئة"، وتسمى أيضًا:"غير المقصودة"، وهي التي شرحناها.

وثانيهما: "المقصودة مباشرة"؛ وهي المخالفة للسالفة.

1 يقول ابن مالك:

ومصدر منكر حالًا يقع

بكثرة؛ كبغتة زيد طلع-6

وسيعاد هذا البيت لمناسبة اخرى في ص 376.

2 يرى كثير من النحاة أن هذه مؤولة بالمشتق أيضًا، وأنه لا وجود لحال جامدة لا تؤول بالمشتق كما سبق في رقم 3 من هامش ص 366، والخلاف شكلي لا أثر له.

3 شبه المشتق "أو: شبه الوصف" هو الظرف والجار مع مجروره، وإنما كان شبه الجملة شبيها بالمشتق لإمكان تعلق كل منهما بمحذوف مشتق، تقديره: كائن، أو: موجود، أو: حاصل

ولأن الضمير قد انتقل من المشتق بعد حذفه إلى شبه الجملة "كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 282، وفي هامش ص 448 م 89".

ويلحق بشبه المشتق هنا ما يسمونه "المؤول بالمشتق" يريدون به: الاسم المختوم بياء النسب كعربي، ومصري و

إذ يؤولونه بالمنصوب إلى العرب، وإلى مصر

، ومن أمثلته هنا قوله تعالى عن القرآن الكريم:{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}

، فكلمه:"قرآنًا" حال، و"عربيًا" صفة لها.

ص: 373

ب– أن تكون دالة على شيء له سعر؛ نحو: اشتريت الأرض قيراطًا بألف قرش، وبعتها قصبة بدينار رضيت بالعسل رطلًا بعشرة قروش، وبعته أقة بثلاثين

فالكلمات؛ "قيراطًا، قصبة، رطلًا، أقة" حال جامدة، وهي من الأشياء التي تسعر؛ كالمكيلات، والموزونات، والمساحات

جـ– أن تكون دالة على عدد؛ نحو: اكتمل العمل عشرين يومًا، وتم عدد العاملين فيه ثلاثين عاملًا، فكلمة:"عشرين" و"ثلاثين"،

حال.

د– أن تكون إحدى حالين ينصبهما "أفعل التفصيل"، متحدتين في مدلولهما، وتدل على أن صاحبها في طور من أطواره مفضل1 على نفسه أو على غيره، في الحال الأخرى، نحو: هذا الخادم شبابًا أنشط منه كهولة، فللخادم أطوار مختلفة؛ منها طور الشباب، وطور الكهولة، وهو في طور الشباب مفضل على نفسه في طور الكهولة، وناحية التفضيل هي: النشاط.

ومثل: الشتاء بردًا أشد منه دفئًا، فللشتاء أطوار، منها طور البرودة، وطور الدفء، وهو في ناحية البرد أشد منه في ناحية الدفء، ومثل: الحقل قصبًا أنفع منه قمحًا.

ومن الأمثلة للمفضل على غيره: الولد غلامًا أقوى من الفتاة غلامة2 المنزل سكنًا أحسن من الفندق إقامة

وكلتا الحالين في جميع ما تقدم منصوبة بأفعل التفضيل، والأكثر أن تتقدم إحداهما عليه، وهي المفضلة، وتتأخر الثانية 3.

هـ- أن تكون نوعًا من أنواع صاحبها المتعددة؛ نحو: هذه أموالك4 بيوتًا؛ فكلمة: "بيوتًا" حال، وصاحبها وهو: أموال له أنواع متعددة

1 ليس المراد بالتفضيل: الحسن، أو عدم العيب، أو قلته

وإنما المراد: الزيادة في الشيء مطلقًا؛ حسنًا: وقبحًا، كما سيجيء في باب التفضيل، جـ3.

2 مؤنث غلام.

3 كما يجيء في رقم 2 من هامش 381، وفي "د" من ص 384، ثم انظر الملاحظة التي في ص 385؛ حيث يجوز تأخرهما.

4 المال: كل شيء يمكن امتلاكه، من عقار، ونقود، وغيرهما.

ص: 374

"منها: البيوت، والزروع والمتاجر، والثياب

"، ونحو: هذه ثروتك كتبًا، وهذه كتبك هندسية

و– أن يكون صاحبها نوعًا معينًا وهي فرع منه؛ نحو، رغبت في الذهب خاتمًا، انتفعت بالفضة سوارًا، تمتعت بالحرير قميصًا

و

فكل من الذهب؛ والفضة، والحرير، نوع، والحال فرع منه1.

ز– أن كون هي النوع وصاحبها هو الفرع المعين؛ نحو: رغبت في الخاتم ذهبًا انتفعت بالسوار فضة، تمتعت بالقميص حريرًا 2

الثالث: انقسامها من ناحية التنكير والتعريف:

لا تكون الحال إلا نكرة 3، كالأمثلة السالفة، وقد وردت معرفة في ألفاظ مسموعة لا يقاس عليها، ولا يجوز الزيادة فيها، ومنها كلمة "وحد" في قولهم: جاء الضيف وحده سايرت الزميل وحده، فكلمة:"وحد" حال، معرفة؛ بسبب إضافتها للضمير؛ وهي جامدة مؤولة بمشتق من معناها، أي: منفردًا، أو متوحدًا 4.

1 ضابط هذا القسم: أن يكون الفرع جزءًا من أصله، وحين يتفرع منه يكتسب اسمًا جديدًا، وهذا الاسم الجديد لا يمنع من إطلاق اسم الأصل عليه.

2 وفي الحال الجامدة يقول ابن مالك:

ويكثر الجمود في سعر، وفي

مبدي تأول بلا تكلف-3

أي: في الأشياء التي تسعر، وفي كل ما يظهر قبول التأويل السهل:

كبعه مدًا بكذا، يدًا بيد

وكر زيدًا أسدًا، أي: كأسد-4

المد: مكيال يختلف باختلاف الجهات: فهو في بضعها مقدار وطل وثلث، وفي بعض آخر مقدار رطلين

و

وقد يكون ملء الكفين المعتدلتين مع امتدادهما.

3 أو ما هو بمنزلة النكرة، كالجملة الواقعة حالًا؛ لما رددناه من أن الجملة نكرة أو بمنزلة النكرة، راجع رقم 4 من هامش ص 394.

4 كلمة: "وحد" ملازمة للإضافة دائمًا، ويدر الجدل حول إعرابها وإضافتها؛ أهي ملازمة للنصب دائمًا، أم تتركه إلى غيره؟ أهي مضافة للضمير وجوبًا، أم يجوز إضافتها إلى غيره؟ بيان هذا كله مسجل في "باب الإضافة" ج 3 م 94 ص 66.

ص: 375

ومنها: "رجع المسافر عوده على بدئه"، فكلمة:"عود" حال، وهي معرفة، لإضافتها للضمير، ومؤولة بالمشتق، على إرادة: رجع عائدًا، أو راجعًا على بدئه، والمعنى: رجع عائدًا فورًا، أي: في الحال: أو: رجع على الطريق نفسه.

ومنها: "ادخلوا الأول فالأولى1"، أي: مترتبين، ومنها: جاء الوافدون الجماء الغفير 2، أي: جميعًا.

ومنها: قولهم في رجل أرسل إبله أو حمره الوحشية إلى الماء، مزاحمة غيرها ومعاركة: أرسلها العراك، أي: معاركة، مقاتلة3.

1 انظر ما يوضح هذا في رقم 4 من هامش ص 371.

2 "الجماء": مؤنث الأجم، بمعنى: الكثير، و"الغفير": الكثير الذي يغفر وجه الأرض، أي: يغطيه بكثرته.

والغفير، في المثال صفة للجماء، مع أن كلمة:"الغفير" هنا مذكرة، والجماء مؤنثة فلم تطابق الصفة موصوفها الحقيقي، وقد تلمس النحاة لهذا تأويلات؛ منها: أن "فعيلًا" هذا وإن كان بمعنى فاعل، قد حمل على "فعيل" بمعنى "مفعول" حيث تحذف التاء منه غالبًا عند ذكر الموصوف، وهذا وأشباهه مردود. والسبب الذي لا يرد هو: أن العرب نطقوا بها هكذا من غير تعليل..

3 يقول بعض النحاة: إن الأحوال المذكورة ليست معارف؛ لأن "وحد" و"عود" ألفاظ مبهمة لا تكتسب التعريف؛ ولأن "أل" زائدة في الأحوال الباقية المبدوءة بها وهذا رأي فيه تكلف وضعف.

يقول ابن مالك:

والحال إن عرف لفظًا فاعتقد

تنكيره معنى، كوحدك اجتهد-5

ومصدر منكر حالًا يقع

بكثرة؛ كبغتة زيد طلع-6

وقد سبق هذا البيت في رقم 1 من هامش ص 373 لمناسبة أخرى.

ص: 376

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

من الألفاظ التي وقعت حالًا مع أنها معرفة بالإضافة، قولهم: تفرق المهزومون أيادي سبأ، على تأويل: متبددين، لا بقاء لهم، أو على تأويل "مثل أيادي سبأ"1، وحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه؛ فأعرب حالًا مثله2.

ومنها: طلبت الأمر جهدي، أو طاقتي، على تأويل، جاهدًا، ومطيقًا 3.

ومنها: العدد من ثلاثة إلى عشرة، مضافًا إلى ضمير المعدود؛ نحو: مررت بالإخوان ثلاثتهم

أو خمستهم

أو سبعتهم

على تأويل مثلثًا إياهم، أو مخمسًا، أو مسبعًا

ويجوز اتباعه لما قبله؛ فلا يعرب حالًا، وإنما يعرب توكيدًا معنويًا: بمعنى جميعهم، ويضبط لفظ العدد بما يضبط به التوكيد.

والصحيح أن هذا ليس مقصورًا على العدد المفرد؛ بل يسري على المركب؛ نحو: جاء القوم خمسة عشرهم؛ بالبناء على الفتح 4 في محل نصب، أو محل غيره على حسب حاجة الجملة.

1 يلاحظ أن كلمة: "مثل" هي من الألفاظ المبهمة في أغلب استعمالاتها كما سبق في ص 302، ولهذا لا تكتسب التعريف إذا أضيفت لمعرفة.

2 سيجيء هذا في جـ 3 م 96 ص 136.

3 ستجيء الإشارة لهذه الألفاظ في باب الإضافة جـ 3 ص 24 م 93.

4 بالرغم من أن العدد المركب مبني هنا فهو مضاف للضمير، وستجيء إشارة لهذا في باب "التوكيد" جـ 3 م 116 ص 413، وكذلك في جـ 4 باب:"العدد" عند الكلام على تمييز العدد م 164 ص 379.

ص: 377

الرابع: انقسامها من ناحية انها هي نفس صاحبها في المعنى أو ليست كذلك.

الغالب أنها هي نفسه؛ كالحال المشتقة في نحو: صاح المتألم صارخًا، شاهدت الطيور مبكرة

فالصارخ في الجملة، هو المتألم، والمتألم هو الصارخ؛ والمبكرة هي الطيور، والطيور هي المبكرة.

وغير الغالب أن تكون مخالفة له، كالحال الواقعة مصدرًا صريحًا في نحو: خرج الولد جريًا، وجاء القادم بغتة، وأشباههما؛ فإن الجري ليس هو الولد، والولد ليس هو الجري، والبغتة ليست هي القادم، والقادم ليس هو البغتة، وقد سبق 1 الكلام على صحة وقوع المصدر حالًا، وهذه المخالفة لصاحبها لا تؤثر في المعنى مع القرينة.

الخامس: انقسامها بحسب تأخيرها عن صاحبها، أو تقديمها عليه، وبحسب تأخيرها عن عاملها أو تقديمها عليه إلى ثلاثة أقسام في كل2 هي: وجوب تأخيرها، ووجوب تقديمها، وجواز الأمرين.

ترتيبها مع صاحبها:

أ– يجب تأخيرها عن صاحبها إذا كانت محصورة 3، نحو قوله تعالى:{وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} ، فلا يصح تقديم الحال وحدها؛ لأن تقديمها يفسد سلامة التركيب، ويزيل الحصر والغرض البلاغي منه،. ولو تقدمت معها "إلا" فالأحسن المنع أيضًا، مع مجاراة لنهج الصحيح الشائع.

وكذلك يجب تأخيرها إن كان صاحبها مجرورًا بالإضافة "أي: أنه مضاف إليه" 4، نحو: أعجبني شكل النجوم واضحة؛ فلا يجوز تقديم الحال: "واضحة" على صاحبها المضاف: "النجوم" لئلا تكون فاصلة بين المضاف والمضاف

1 في: "هـ" من ص 371.

2 أحكام التقديم والتأخير الآتية مقصورة على الحال المؤسسة، أما المؤكدة فالرأي الأنسب عدم تقديمها.

3 سبقت الإشارة إلى الحصر ومعناه، وطريقته في الجزء الأول ص 364 م 37.

4 بشرط أن يصلح لمجيء الحال منه، وسيجيء بيان ذلك في ص 404.

ص: 378

إليه، والفضل بها لا يصح، كما لا يصح في الرأي الأنسب تقديمها على المضاف، "ولا فرق في الحالين بين الإضافة المحضة وغيرها".

أما إذا كان صاحبها مجرورًا بحرف جر أصلي؛ نحو: جلست في الحديقة، ناضرة، فالأحسن الأخذ بالرأي القائل بجواز تقديمها؛ لورود أمثلة كثيرة منها في القرآن وغيره تؤيده 1، ولا داعي لتكلف التأويل والتقدير2 والتقديم، فإن كانت مجرورة بحرف جر زائد جاز التقديم؛ نحو: ما جاء متأخرًا من

1 ومنها قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أي: ما أرسلناك إلا للناس كافة وقول الشاعر:

تسليت طر عنكمو بعد بينكم

بذكراكمو حتى كأنكموا عندي

البين: الفراق: طرا: جميعًا، أي: تسليت عنكم طرا.

وبمناسبة الكلام على: "كافة" يذكر أكثر اللغويين والنحاة ألفاظًا لا تستعمل إلا منصوبة على "الحال"، ومنها:"كافة" و"قاطبة" غير أن "الصبان" سجل في باب: "الحال" جـ 3 عند الكلام على الآية السابقة استعمال "كافة" مجرورة ومضافة في كلام عمر بن الخطاب ونصه:

"قد جعلت لآل بني كاكلة على كافة المسلمين لكل عام مثنى مثقال ذهبًا إبريزًا".

وعرض الصبان بعد ذلك لتفصيلات أخرى تختص بهذه الكلمة، وباستعمالها.

وعلى هامش القاموس المحيط جـ 3 مادة: "كف" نص منقول عن شرح القاموس يجيز استعمال هذه الكلمة مرونة بأل، أو مضافة، وأن رفض هذين الاستعمالين لا مسوغ له، ونص كلامه:"ما رفضوه رده الشهاب في شرح الدرة، وصحح أنه يقال، وإن كان قليلًا". ا. هـ.

أما: "قاطبة" فقد استعملها "الجاحظ" غير حال في أول رسالته التي موضوعها: "تفضيل النطق على الصمت" حيث يقول: "وإن حجته قد لزمت جميع الأنام، ودحضت حجة قاطبة أهل الأديان".

وتردد الأدباء في محاكاته، ولكن هذا التردد يزول بما جاء في كتاب:"الأمالي، للقالي" جـ 1 ص 170 طبعة المطبعة الأميرية بالقاهرة، فقد قال مؤلفه عند الكلام على مادة:"قطب" ومعناها ما نصه: "قال يعقوب بن السكيت: يقال: قطب، يقطب، قطوبًا، وهو قاطب

إذا جمع ما بين عينيه، واسم ذلك الموضع:"المقطب"، ومنه قيل: الناس قاطبة، أي: الناس جمع". ا. هـ، فقد استعملها خبرًا، ومن كل ما سبق يتبين أن الكلمتين ليستا ملازمتين للحال.

2 ولا شك أن محاكاة القرآن في هذه الصيغة، وفي جميع الصيغ الواردة به جائزة بليغة، ما دامت المحاكاة تامة فليس لأحد أن يرفضها، ومن شاء تأويلها كما أول الآية فليفعل

وفي هذه الصورة يقول ابن مالك:

وسبق حال ما بحرف جر قد

أبوا، ولا أمنعه فقد ورد-9

أي: أن النحاة أبوا أن يوافقوا على تقديم حال صاحبها فقد جر بحرف جر "أي: أصل"، ثم أوضح رأيه الخاص قائلًا: إنه لا يوافقهم، ولا يمنع تقديم الحال وسبقها على صاحبها المجرور بالحرف؛ الأصلي؛ لأن هذا ورد في الكلام الفصيح، وإذا كان واردًا فيه بقدر كاف فكيف يمنع؟ لكنه لا يذكر التفصيل.

ص: 379

أحد، وهذا بشرط أن يكون حرف الجر الزائد مما لا يمتنع حذفه، أو مما لا يقل حذفه؛ فالذي يمتنع كالباء الداخلة على صيغة:"أفعل" الخاصة بأسلوب التعجب؛ نحو: أحمل بالنجوم1 طالعة، والذي يقل كالباء في فاعل:"كفى" بمعنى: "يكفي"، مثل: كفى بالزمان مرشدًا، فإن كان حرف الجر الزائد مما يمتنع حذفه، أو يقل لم يجز تقديم الحال عليه.

وزاد بعض النحاة مواضع أخرى يمتنع فيها تقديم الحال على صاحبها، منها: أن يكون صاحبها منصوبًا بالحرف الناسخ: "كأن" أو: "ليت"، أو:"لعل" أو بفعل تعجب، أو بصلة الحرف المصدري في نحو: أعجبني أن ساعدت الفقيرة عاجزة أو أن يكون ضميرًا متصلًا بصلة "أل" نحو: الود أنت المستحقة صافيًا2.

ب– ويجب تقديمها على صاحبها إذا كان محصورًا؛ نحو: ما فاز خطيبًا إلا البليغ، ولا انتصر مدافعًا إلا الصادق.

أو كان صاحبها مضافًا إلى ضمير يعود على شيء له صلة وعلامة بالحال، نحو: جاء زائرًا هندًا أخوها، جاء منقادًا للوالد ولده.

ج– ويجوز التقديم والتأخير في غير حالتي الوجوب السالفتين، نحو دخل الصديق مبتسمًا، أو: دخل، مبتسمًا، الصديق.

ترتيبها مع عاملها3:

أ– يجب أن تتأخر عنه إن كان فعلًا جامدًا كفعل التعجب؛ نحو:

1 تفصيل الكلام على هذه "الباء" في باب التعجب، ج 3 م 108، ص 279.

2 على اعتبار أن صاحب الحال: "هاء" الضمير، لا المبتدأ.

3 "ملاحظة هامة" تختص بالعامل في الحال، وفي صاحبها:

الحال منصوبة، وعامل النصب إما لفظي؛ كالمصدر، وكالفعل المشتق، وكالوصف الذي يعمل عمله، وكاسم الفعل. .. وإما معنوي كأسماء الإشارة، وألفاظ الاستفهام، وبعض الحروف والأدوات التي سيجيء ذكرها هنا، ومنها شبه الجملة، والعامل في الحال هو في أكثر الصور العامل في صاحبها فعاملها واحد، ولو اختلف نوع عمله في كل منهما، وهناك صور أخرى يختلف فيه العاملان عامل الحال، وعامل صاحبها كالحال التي صاحبها المبتدأ، حيث يكون المبتدأ هو العامل في الحال، ويكون الابتداء هو العامل في المبتدأ وكالحال التي صاحبها اسم لناسخ

وكثرة النحاة تشترط أن يكون العامل في الحال، وفي صاحبها واحدًا في كل الصور، إلا سيبويه وفريق معه، فإنه يرفض هذا الشرط كما سبق البيان المفيد في رقم 2 من هامش ص 364 ورأيه هو الحق؛ لما سلف هناك مفصلًا، ولما يجيء في رقم 3 من هامش ص 405 حيث بيان السبب عند سيبويه.

ص: 380

ما أحسن الصديق وفيًا، أو كان مشتقًا يشبه الجامد، كأفعل التفضيل1؛ نحو: أنت أفصح الناس متكلمًا 2.

أو كان عاملها مصدرًا صريحًا يمكن تقديره بأن والفعل والفاعل، نحو: من الخير إنجازك العمل سريعًا، فكلمة:"سريعًا" حال من الكاف، والعامل هو المصدر الصريح3:"إنجاز" ومن الممكن أن يحل محله مصدر مؤول من أن والفعل والفاعل فتكون الجملة: من الخير أن تنجز العمل سريعًا، ومثله أن تقول: يعجبني إنجاز الصانع عمله سريعًا؛ فكلمة: "سريعًا" حال من "الصانع"، والعامل هو:"نجاز" أيضًا.

فإن كان المصدر الصريح غير مقدر بهما جاز تقديم الحال وتأخيره؛ نحو: معتذرًا لك صفحًا عن المسيء

أو: صفحًا عن المسيء معتذرًا لك.

أو كان العالم اسم فعل؛ نحو: نزال مسرعًا؛ أي: انزل مسرعًا؛ لأن معمول اسم الفعل لا يتقدم عليه.

1 كان شبيهًا بالجامد؛ لأنه في كثير من أحواله لا يقبل علامة التأنيث، ولا علامة التثنية، أو الجمع؛ فخالف بهذا المشتقات الأصيلة؛ كاسم الفاعل، واسم المفعول، واقترب من الجامد الذي لا تتغير صورته.

2 يستثنى من أفعل التفضيل صورتان؛ إحداهما: أن يكون عاملًا في حالين لاسمين، متحدين في مسماهما، وإحداهما مفضلة على الأخرى، فالأحسن تقديم المفضلة عليه، وتأخير الأخرى عنه، نحو: هذا الأديب نائرًا أبرع منه شاعرًا. فكلمة: "أبرع" أفعل تفضيل، نصبت حالين؛ هما:"ناثرًا" و"شاعرًا" والاسمان لمسمى والصورة وإحداهما مفضلة، وهي:"ناثر" فتقدمت على العامل؛ وتأخرت الثانية.

والصورة الثانية كالسابقة؛ إلا أن الحالين لشيئين مختلفين في مسماهما، نحو؛ المتعلم منفردًا أنفع من الجاهل مستعينا بغيره.

"راجع د من ص 374 ود من ص 384، وانظر الملاحظة التي بعدها حيث يجوز تأخير الحالين معًا.

3 إذا كان العامل مصدرًا نائبًا عن فعله المحذوف وجوبًا جاز تقديم الحال، نحو: إكرامًا هندًا متعلمة، فيصح: متعلمة إكرامًا هندًا "كما في ج من ص 384"، وقد سبقت مواضع المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبا في ص 220 م 76.

ص: 381

أو كان العامل معنويًا؛ "وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروف الفعل كألفاظ الإشارة، والاستفهام، وأحرف التمني والتشبيه، وكشبه الجملة الظرف، أو الجار مع مجروره الواقع خبرًا، أو نعتًا كذلك"1، نحو: هذا كتابك جميلًا، فكلمة:"جميلًا" حال من الخبر: "كتاب" والعامل هو اسم الإشارة، ومعناه: أشير؛ فهو يتضمن معنى الفعل، دون أن يشتمل على حروفه.

ومثل: ليت الصانع، متعلمًا، حريص على الإتقان، فكلمة:"متعلما" حال من الصانع، والعامل "هو: ليت"، وحرف معناه: "أتمنى"، فيتضمن معي الفعل دون حروفه

ومثل: كأن الباخرة، واسعة، فندق كبير، ومثل: الزروع أمامك ناضرة، أو: الزروع في حديقتك، ناضرة

والاستفهام المقصود به التعظيم؛ نحو: يا جارتا، ما أنت، جارة؟

وهكذا كل ما يتضمن معنى الفعل دون حروفه غير ما سبق، كأدوات التنبيه، والترجي، والنداء

لكن بعض النحاة يستثني من العامل الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه، شبه الجملة بنوعيه "الظرف والجار مع مجروره"، فيجيز أن يتقدم عليها الحال أو يتأخر، نحو:"الحارس عند الباب واقفًا، و: الحارس، واقفًا، عند الباب"، نحو: القط في الحديقة قابعًا، أو: القط، قابعًا، في الحديقة، وإنما يجيز تقدم هذه الحال بشرط أن تتوسط بين مبتدأ متقدم وخبره شبه الجملة المتأخر عنه، وعن الحال معًا، ولا يصح تقدم الحال عليهما معًا، فلا يقال:"واقفًا، الحارس عند الباب، ولا قابعًا القط في الحديقة"، فإن تقدمت الحال والخبر معًا، وكانت الحال هي الأسبق جاز؛ نحو: واقفًا عند الباب الحارس، وهذا رأي مقبول2.

1 لأن شبه الجملة قد يكون متعلقًا بفعل محذوف، أو بوصف محذوف، وينتقل إلى شبه الجملة الضمير الذي يكون في المتعلق بعد حذفه، وبهذا يصير شبه الجملة متضمنًا معنى الفعل، لاشتماله على المتعلق المحذوف، فوق اشتماله على ضميره "على الوجه المفصل في جـ 1 ص 346 م 35، ورقم 3 من هامش ص 373 في هذا الباب وهامش من وص 448 م 89".

2 برغم قلته بالنسبة إلى الأول "فالقلة نسبية لا تمنع القياس"، وحجة أصحابه ورود أمثلة فصيحة تكفي للحكم بقياسيته؛ منها قراءة من قرأ قوله تعالى:{وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ، بنصب، "مطويات" وقول الشاعر:

رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم، ورهط ربيعة من حذار

فكلمة: "محقبي" حال، تقدمت على عاملها شبه الجملة:"فيهم"

والمخالفون لهذا الرأي يؤلونه بغير داع مقبول.

ص: 382

ويصح عند أكثر النحاة تقديم الحال على عاملها "شبه الجملة" إن كانت هي شبه جملة أيضًا؛ نحو: الخير عندك أمامك، أو الخير في الدار أمامك

على اعتبار الظرف "عند"، والجار مع مجروره "في الدار" حالين من الضمير المستكن في شبه الجملة بعدهما1.

أو كانت الحال مؤكدة معنى الجملة2؛ نحو: على جدك شفيقًا، وتقدير العامل: علي جدك أعرفه، "أو: أعلمه، أو: أحقه

" شفيقًا، فعامل الحال وصاحبها "باعتباره الضمير" محذوفان وجوبًا قبل الحال.

أو كان العامل قد عرض له ما يمنع من تقدم معموله عليه، كالماضي المبدوء بلام الابتداء 3، أو بلام جواب القسم 4؛ فإن المعمول لا يتقدم على هذه اللام نحو: إني لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب، أو: والله لقد تحملت، صابرًا، هفوة القريب.

وكالعامل الواقع في صلة حرف مصدري مطلقًا؛ نحو: لك أن تنتقل راكبًا: أو الواقع صلة "أل"5، نحو: أنت السائق بارعًا؛ لأن معمولهما لا يتقدم عليهما في الرأي الراجح.

أو كانت الحال جملة مقترنة بالواو؛ نحو: اقر الكتاب والنفس صافية6.

1 ومما يصلح مثالًا لهذا شبه الجملة "من الله" في قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} ، "راجع الصبان، وكذا حاشية الأمير على "المغني" أو المقدمة".

2 سبق الكلام عليها في ص 366، وسيجيء بمناسبة أخرى في ص 391 و396.

3 سبق الكلام عليها في ج 1 ص 497 م 53.

4 الكلام عليها سيأتي 419 في حروف القسم، باب: حروف الجر.

5 بخلاف صلة غيرها، فيجوز: من الذي راكبًا جاء، لجواز تقديم معمول الصلة عليها لا على الموصول.

6 يحسن الاقتصار على هذا الرأي، دون الرأي الذي يجيز التقديم والتأخير بتأول.

ص: 383

ب– يجب أن تتقدم عليه إذا كان لها الصدارة، نحو: كيف أنقذت الغريق؟ فكلمة: "كيف" اسم على الأرجح مبني على التفح في محل نصب، حال1.

ج– يجوز الأمران في غير الحالتين السالفتين، مثل: واقفًا أنشد الشاعر القصيدة. وأشباه هذا مما يكون فيه عامل الحال فعلًا متصرفًا، أو مشتقًا يشبه الفعل المتصرف، أو مصدرًا نائبًا عن فعله المحذوف وجوبًا "كما سبقت الإشارة إليه"2، والمراد بالذي يشبه الفعل ما يتضمن معنى الفعل وحروفه، ويقبل عاملات التأنيث، والتثنية، والجمع3، فمثال الحال المتقدمة على عاملها الفعل المتصرف غير ما سبق راغبًا أقبلك على زيارتك، ومثال المتقدمة على اسم فاعل: مسرعة الطائرة مسافرة، ومثال المتقدمة على صفة مشبهة: الإنسان، قانعًا، غني، ومثال اسم المفعول: الحاكم، ظالمًا، محطم

ومثال المتقدمة على المصدر النائب عن فعله المحذوف وجوبًا: متعلمة إكرامًا هندًا4.

د– إذا كان العامل هو أفعل التفضيل الذي يقتضي حالين5 إحداهما تدل على أن صاحبها في طور من أطواره أفضل من نفسه، أو غيره في الحال الأخرى، فالأحسن أن تتقدم إحداهما على أفعل التفضيل، وتتأخر الثانية كما سبق 6 نحو: الحقل قطنًا أنفع منه قمحًا الفدان عنبا أحسن منه قطنًا المتعلم تاجرًا أقدر منه زارعًا، المصباح الكهربي منفردًا أقوى من عشرات الشموع

1 تقدم في ج 1 ص 462 م 39 إعراب "كيف" في صورتها المختلفة.

وأشرنا لهذا في رقم 1 من هامش ص 61، وفي 1 من هامش ص 67 و 3 من هامش ص 133.

2 في رقم 3 من هامش ص 381.

3 خرج اسم الفعل؛ فإنه قد يتضمن معنى الفعل وحروفه ولكنه غير مشتق، ولا يقبل تلك العلامات؛ كاسم الفعل:"نزال" بمعنى: انزل، وخرج أفعل التفضيل كذلك؛ لأنه مشتق، ولكن لا يقبل تلك العلامات في حالات كثيرة كما سبق في رقم 1 من هامش ص 381.

4 كما سبقت الإشارة في رقم 3 من هامش ص 381.

5 ولا مانع أن تكون الحالان أو إحداهما جامدة، غير مؤولة بالمشتق؛ طبقًا لما سبق في:"د" من ص 374 عند سرد مواضع الحال الحامدة غير المؤولة بالمشتق.

6 في "د" من ص 374، وكما في رقم 2 من هامش 381.

ص: 384

مجتمعة1، ومثل قول علي رضي الله عنه لأنصاره، وهم يعرضون عليه الخلافة أول الأمر: "أنا لكم وزيرًا، خير لكم من أميرًا

".

ملاحظة:

أجاز فريق من النحاة ما يشيع اليوم في بعض الأساليب، من تأخر الحالين معًا عن أفعل التفضيل، بشرط أن تقع بعده الحال الأولى مفصولة من الثانية بالمفضل عليه؛ نحو: المتعلم أقدر تاجرًا منه زراعًا المصباح الكهربي أقوى منفردًا من عشرات الشموع مجتمعة هذه الفاكهة أطيب ناضجة منها فجة.

السادس: انقسامها بحسب التعدد الجائز والواجب وعدمه، إلى واحدة وإلى أكثر:

قد يكون الحال واحدة لواحد؛ نحو: يقف الشرطين متيقظًا، وهذه تطابق:

1 وإلى مواضع تقديم الحال على عاملها، وعلى صاحبها يشير ابن مالك بإيجاز ومزج بين مواضعهما، فيقول:

والحال إن ينصب بفعل صرفا

أو صفة أشبهت المصرفا-12

فجائز تقديمه كمسرعا

ذ راحل، ومخلصًا زيد دعا-13

يريد: أن الحال المنصوبة بفعل متصرف أو وصف يشبه يجوز تقديمها وتأخيرها عن عاملها؛ وذكر مثالين: أحدهما لحال تقدمت على عاملها الفعل المصرف، "وهو مخلصًا زيد دعا"، والآخر لحال تقدمت على عاملها الوصف الذي يشبه الفعل المتصرف، وهو: مسرعًا ذا راحل، ثم انتقل إلى الكلام على الحال التي لا يجوز تقديمها على عاملها المعنوي فقال:

وعامل ضمن معنى الفعل لا

حروفه مؤخرًا لن يعملا-14

كتلك، ليت، وكأن، وندر

نحو: سعيد مستقر في هجر-15

أي: أن العامل المعنوي "وهو الذي يتضمن معنى الفعل دون حروفه"، ولا يعمل النصب إذا كان متأخرًا عن الحال، وبين أمثلة من العامل المعنوي، هي: تلك؛ ليت، كأن

وأوضح أن تقديم الحال على عاملها المعنوي شبه الجملة نادر عنده، وضرب له مثلًا هو: سعيد مستقرًا في هجر، "بلد باليمن"، ثم تكلم على جواز تقديم أحد الحالين المنصوبين بأفعل التفضيل:

ونحو: زيد مفردًا أنفع من

عمرو معانًا، مستجاز، لن يهن-16

مستجاز: أجازه النحاة، لن يهن: لن يضعف مثل هذا الأسلوب في نظر العارفين. النحو الوافي -ثان.

ص: 385

صاحبها الحقيقي في الإفراد وفروعه، وفي التأنيث والتذكير1 نحو: هبط الطيار هادئًا، هبط الطياران هادئين، هبط الطيارون هادئين، هبطت الطيارة هادئة

و

وقد تكون الحال واحدة ولكن يتعدد ما تصلح له، من غير أن توجد قرينة تعين واحدًا مما يصلح؛ نحو: قابلت الأخ راكبًا، والأنسب من هذا النوع أن تكون للأقرب، ومنع بعض النحاة هذا الأسلوب، لإبهامه، وخفاء الصاحب الحقيقي، ورأيه سديد.

والمتعددة 2 قد تكون متعددة لواحد، فتطابقه في الأمور السالفة، نحو: هبط الطيار هادئًا، مبتسمًا، لابسًا ثياب الطيران، ونزل مساعده نشيطًا مبتهجًا حاملًا بعض معداته، وخرجت المضيفة مسرعة قاصدة حجرتها

، ولا يجوز وجود حرف عطف بين الأحوال المتعددة ما دامت أحوالًا، فإن وجد حرف العطف صح، وكأن ما بعده معطوفًا، ولا يصح أن يعرف حالًا 3.

وقد تكون متعددة لأكثر من واحد؛ فإن كان معنى الأحوال ولفظها واحدًا وجب تثنيتها، أو جمعها على حسب أصحابها من غير نظر للعوامل، أهي متحدة في عملها وألفاظها، ومعانيها، أم غير متحدة في شيء من ذلك؟ نحو: عرفت النحل والنمل دائبين على العمل، والأصل: عرفت النحل دائبًا

والنمل دائبًا

والحالان متفقان لفظًا ومعنى4، وهما يبينان هيئة شيئين؛ فوجب تثبيتهما تبعًا لذلك، فرارًا من التكرار، ونحو: أبصرت في الباخرة الربان،

1 كل هذا يشترط أن تكون الحال حقيقية، "وهي: الدالة لى هيئة صاحبها مباشرة؛ لا هيئة شيء آخر يتصل به.

فالدالة على هيئة صاحبها الحقيقي نحو: يقف الشرطي متيقظًا، والدالة على هيئة شيء آخر يتصل به بسبب.

وتسمى: "الحال السببية"، ولا تشترط فيها المطابقة التامة لصاحبها، وسيجيء حكمها في ص 400 نحو: يقف الشرطي مفتحة عيناه طول الليل.

2 وتسمى: المترادفة، وقد تسمى: المتداخلة، طبقًا للبيان الموضح في "أ" من ص 389.

3 كما في رقم 4 من ص 429.

4 ولا يضر الاختلاف تذكيرًا، وتأنيثًا؛ نحو قوله تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} : سخر لكم الشمس دائبة والقمر دائبًا.

ص: 386

والبحار والمهندس منهمكين في إدارتها، والأصل: أبصرت الربان منهمكًا، والبحار منهمكًا، والمهندس منهمكًا، فالحال هنا متعددة، وهي متفقة الألفاظ والمعاني، وأصحابها ثلاثة؛ فجمعت وجوبًا تبعًا لذلك، استغناء عن التكرار. ونحو: بنيت البيت وأصلحت السور جميلين، ووقفت سعاد وشاهدت أمها متكلمتين1.

هذا، والتكرار الممنوع في التثنية والجمع هو تعدد الأحوال متوالية، كل واحدة وراء الأخرى مباشرة 2، أما وقوع كل واحدة بعد صاحبها مباشرة، فليس بممنوع، وإن تعددت لمتعدد وكانت مختلفة الألفاظ والمعاني وجب التفريق بغير عطف؛ بحيث تكون كل حال بعد صاحبها مباشرة، وهو الأحسن؛ منعًا للغموض، ويجوز تأخير الأحوال المتعددة كلها وتكون الأولى منا للاسم الأخير 4 والحال الثانية للاسم الذي قبله 2، والحال الثالثة للاسم الذي قبل هذا3

وهكذا ترتب الأحوال مع أصحابها ترتيبًا عكسيًا، فأول الأحوال لآخر الأصحاب، وثاني الأحوال للصاحب الذي قبل الأخير

ومراعاة هذا واجبة. إلا إن قامت قرينة تدل على غيره، فمثال مراعاة الترتيب السابق: كنت أسوق السيارة فأبصرت زميلي في سيارته قاصدًا الريف، مقبلًا من الريف، فكلمة:"قاصدًا" حال من "زميل" بإعطاء أول الحالين لآخر الاسمين، وكلمة:"مقبلًا" حال من التاء في: "أبصرت"، بإعطاء ثاني الحالين للاسم الذي قبل السابق

و

ومثال مخالفة هذا الترتيب لقرينة تدعو للمخالفة: لقي الترجمان جماعة السياح باحثًا عنهم، سائله عنه، فكلمة:"باحثًا" حال من: "الترجمان"، وكلمة:"سائلة" حال من "جماعة" ولو روعي الترتيب هنا لاختلت المطابقة الواجبة بين الحال وصاحبها في التذكير والتأنيث، فالذي ربط بين الحال وصاحبها، وعين لكل حال صاحبها هو قرينة التذكير فيهما معًا، أو التأنيث فيهما معًا، ومثل: حدث المحاضر طلابه وافقًا جالسين؛ فكلمة: "واقفا" حال من: "المحاضر"

1 من الكلام النظري المحض ما يقوله النحاة: "إن العامل في الحال عند تعدد العامل هو مجموع العوامل، لا كل واحد مستقلًا، لئلا يجتمع عاملان على معمول واحد! ! وانظر "أ" "من" 389، ولا فائدة من تناسي الأمر الواقع من غير داع؛ فالواقع أن كل عامل قد اشترك في العمل برغم ما سبق.

2و 2 فلا يصح: أبصرت المسافرة في الباخرة الريان، والبحار، والمندس منهمكًا، منهمكًا، منهمكًا.

3و3 وهو صاحبها.

ص: 387

و"جالسين" حال من: "الطلاب"، ولم يراع الترتيب؛ لأن اللبس مأمون؛ سبب وجود المطابقة التي تقضي بأن يكون صاحب المال المفردة مفردًا، وصاحب الحال المجموعة جمعًا1.

والجدير في هذه المسألة وفي غيرها الاعتماد على القرينة؛ فلها الاعتبار الأول دائمًا.

وإذا وقعت الحال بعد: "إما" التي للتفصيل، أو بعد:"لا" النافية وجب تعدد الحال، نحو قوله تعالى:{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، ونحو: يقفز الطيار؛ لا خائفًا، ولا مترددًا، أما في غير هذين الموضعين، فالتعدد جائز على حسب الدواعي المعنوية.

1 اقتصر ابن مالك الكلام في الحال المتعددة على البيت الآتي:

والحال قد يجيء ذا تعدد

لمفرد فاعلم وغير مفرد-17

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ– إذا تعددت الحال لواحد سميت: "مترادفة"؛ أي: متوالية، "تتلو الواحدة الأخرى"، ويجوز أن تكون الحال الثانية حالًا من الضمير المستتر في الأولى؛ وعندئذ تسمى الثانية:"متداخلة"، وهذا يجري فيكل حال متعددة، فيجوز أن تكون حالًا من ضمير التي قبلها مباشرة.

ويمنع جماعة من النحاة ترادف الحالين؛ بزعم أن العامل الواحد لا ينصب إلا حالًا واحدة، وله حجة جدلية مردودة؛ لأنها من نوع الجدليات التي تسيء إلى النحو من غير أن تفيده1.

ب– عرفنا أن يجوز أن تتعدد الحال من غير أن يتعدد صاحبها؛ نحو: مشيت بين الرياحين هانئًا، مستنشقًا أريجها، متمليًا جمالها

،

ولكن لا يجوز أن تتعارض الأحوال، فلا يقال: حضر القطار سريعًا بطيئًا، ولا وقف الحارس متيقظًا غافلًا، نعم يجوز هذا عند إرادة الوصول إلى معنى واحد يؤخذ من الحالين معًا، ولا يؤديه أحدهما دون الآخر؛ نحو: أكلت الطعام ساخنًا باردًا، أي: معتدلًا في حرارته، ونحو: ركبت السيارة مسرعة بطيئة؛ أي: متوسطة في سرعتها، ومثل: لا تأكل الفاكهة ناضجة فجة، أي: متوسطة النضج، ونحو: اترك الطعام ممتلئًا جائعًا، أي: متوسطًا في الشبع، ونحو: تخير ثيابك واسعة ضيقة، أي: معتدلة السعة، وهكذا.

بالرغم من أن المعنى المقصود لا يتحقق إلا من اللفظين معًا، فإن الإعراب يقتضي أن يكون كل لفظ منهما حالًا.

1 انظر رقم 1 من هامش ص 387.

ص: 389

السابع: انقسامها بحسب الزمان إلى: مقارنة، ومقدرة 1 "مستقبلة"

فالمقارنة هي التي يتحقق معناها في زمن تحقق معنى عاملها، وحصول مضمونه؛ بحيث لا يتخلف وقوع معنى أحدهما عن الآخر، نحو:"أقبل البريء فرحًا، هذا يسوق السيارة الآن محترسًا" فزمن الفرح، والاحتراس، وهو زمن وقوع معنى الفعلين: أقبل، يسوق

2.

والمقدرة، أو المستقبلة3: هي التي يتحقق معناها بعد وقوع معنى عاملها، أي: بعد تحقق معناه بزمن يطول أو يقصر؛ فحصول معنى الحال هنا متأخر عن حصول مضمون عاملها؛ نحو: سيسافر بعض الطلاب غدًا إلى البلاد الغربية؛ موزعين فيها، متدربين في مصانعها، ثم يعودون عاملين في مصانعنا؛ فزمن التوزع والتدرب متأخر عن السفر، الذي هو زمن حصول العامل، ومستقبل بالنسبة له، وكذلك العمل متأخر عن العودة.

وكقوله تعالى في الإنسان: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ، فكلمة "شاكرًا" حال، وزمن وقوعه متأخر حتمًا عن زمن عامله "وهو الفعل: هدى"، وكلمة: "كفورًا" معطوف عليه، وهو حال مثله، وكذلك قوله تعالى للصالحين أهل الجنة:{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} ، وقوله تعالى:{فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} ، فكل من الأمن والخلود متأخر في زمنه عن زمن الدخول لا محالة

4

1 سيجيء في رقم 4 من هذا الهامش نوع ثالث يذكره، بعض النحاة، ويعارض فيه آخرون.

2 ومن أمثلة الحال "المقارنة"، والتي هي جملة، قول الشاعر يصف من نال الولاية ثم تركته:

تولاها وليس له عدو

وغادرها وليس له صديق

فالزمن الذي خلا من الأعداء هو نفسه زمن التولي، والزمن الذي خلا من الأصدقاء هو نفسه زمن المغادرة.

3 وهي التي أشرنا إليها في رقم 3 من ص 364.

4 أما النوع الثالث الذي يسميه بعض النحاة: "الحال المحكية"، فحال وقع معناها وتحقق قبل النطق بها؛ نحو: نزل المطر أمس فياضًا، واندفع في طريقه جارفًا، وقد عارض بحق كثرة النحاة في هذا القسم وفي أمثلته بحجة قوية؛ هي أن العبرة إنما تكون بمقارنة الحال وقت تحقق معناها وحين وقوعها ووجودها لزمن العامل وتحقق معناه؛ كالتي هنا، وليست لزمن المتكلم، هذا إلى أن الأمثلة المعروضة "وأشباهها"، وقد جاءت فيها "الأحوال" مشتقات نوعها اسم فاعل، واسم الفاعل حقيقة في الزمن الحالي، عند عدم القرينة التي توجهه

لزمن غير الحال، فالتعبير به عن الماضي، يعتبر مجازًا ويسمى:"حكاية حال ماضية".

وهذه الحجة صحيحة، وبرغم صحتها لا أهمية للخلاف؛ لأن الغرض المطلوب هو الحكم على مثل تلك "الأحوال" بالصحة والبعد عن الخطأ، وقد ثبت أن ذلك الاستعمال صحيح والأسلوب سليم، فلا أهمية بعد ذلك لأن يمكن الاستعمال الصحيح حقيقًا أو مجازيًا، وإن كانت قلة الأقسام من غير ضرر أمرًا محمودًا.

ص: 390

والحال المقارنة أكثر استعمالًا وورودًا في الكلام، ولا تحتاج إلى قرينة كالتي يحتاج إليها غيرها.

الثامن: انقسامها بحسب التأسيس والتأكيد على مؤسسة ومؤكده، فالمؤسسة، وتسمى المبينة1: هي التي تفيد معنى جديدًا لا يستفاد من الكلام إلا بذكرها، نحو: وقف الأسد في قفصه غاضبًا، ثم هدأ حين رأى حارسه مقبلًا"، فكلمة، "غاضبًا" حال مؤسسة: لأنها أفادت الجملة معنى جديدًا لا يفهم عند حذفها. وكذلك كلمة: "مقبلًا" وأشباههما من الأحوال التي لا يستفاد معناها من سياق الكلام بدون ذكرها.

والمؤكدة: هي التي لا تفيد معنى جديدًا، وإنما تقوي معنى تحتويه الجملة قبل مجيء الحال 2، ولو حذفت الحال لفهم معناها مما بقي من الجملة، نحو: لا تظلم الناس باغيًا، ولا تتكبر عليهم مستعليًا، "فالبغي"هو الظلم، و"الاستعلاء" هو الكبر، ولو حذف كل من الحالين في المثال "وهما يؤكدان عاملهما" ما نقص المعنى، ولا تغير، ولفهم معناها من بقية الكلام، ومثلهما باقي الأحوال التي يستفاد معناها بغير وجودها.

وقد سبق في مناسبة أخرى 3 الإشارة إلى المؤكدة، وأنها قد تكون مؤكدة لمضمون الجملة؛ نحو: خليل أبوك عطوفًا، أو مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى؛ نحو:{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، أو معنى فقط: نحو: {.... وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً....} ؛ لأن البعث يقتضي الحياة، أو مؤكدة لصاحبها؛ نحو قوله تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} ، فكلمة:"جميعًا" حال من الفاعل "من"، وهذا الفاعل اسم موصول يفيد العموم، والحال هنا تفيد العموم، وهي مؤكدة له.

1 لأنها تبين هيئة صاحبها أما المؤكدة، فلا تبين هيئة كما في ص 366 و 367.

2 سواء أكان المعنى الذي تؤكده هو معنى عاملها أم معنى صاحبها، أم معنى الجملة التي قبلها كما سبق في ص 367 وما بعدها، وله إشارة في ص 396.

3 ص 367 وما بعدها.

ص: 391

وأشرنا هناك إلى أن الجملة التي تؤكد الحال مضمونها لا بد أن تكون جملة اسمية، طرفاها معرفتان، جامدتان1؛ ولا بد أن تتأخر الحال عنهما معًا، وعن عاملها أيضًا، وأن العامل في هذه الحال محذوف وجوبًا، وكذلك صاحبها. ففي المثال السابق:"خليل أبوك عطوفًا"، يكون التقدير: أحقه، أو: أعرفه، أعلمه، أو نحو ذلك، وهذا التقدير حين يكون المبتدأ كلمة غير ضمير المتكلم، فإن كان ضميرًا للمتكلم وجب اختيار الفعل أو العامل المقدر مناسبًا له، أي: أحقني أعرفني أعلم أني

ولا بد أن تكون هذه الحال متأخرة عنه أيضًا.

أما الغرض2 من التوكيد بالحال فقد يكون بيان اليقين، نحو: أنت الرجل معلومًا، أو الفخر، نحو: أنا فلان بطلًا، أو التعظيم؛ نحو: أنت العالم مهيبًا، أو: التحقير: نحو: هو الجاني مقهورًا؛ أو: التصاغر، نحو: رب أنا عبدك فقيرًا إليك؛ أو التهديد والوعيد، نحو: فلان قاهر للأبطال قادرًا على الفتك بك 3

التاسع: انقسامها بحسب الإفراد وعدمه إلى: مفردة، وجملة، وشبه جملة، ثم الكلام على ما تحتاج إليه الجملة الحالية من رابط.

1 إذا كان في الجملة فعل أو ما يعمل عمله كان عاملًا في الحال: فلا يعتبر العامل مضمرًا، ولا تكون الحال مؤكدة لمضمون الجملة، وقد قلنا في رقم 3 من هامش 366: إن بعض النحاة اشترط الجمود المحض؛ ليخرج: هو الأسد مقدامًا؛ فإنها مؤكدة لعاملها؛ وهو: "الأسد"، لتأوله بالشجاع وليست مؤكدة لمضمون الجملة؛ لأن هذه الحال ليست جامدة محضة، كما يشترط، وقد آثرنا هناك إهمال رأيه، والأخذ بالرأي الذي يكتفي بمجرد الجمود للأسباب التي أوضحناها.

2 يتبين هذا الغرض بالقرائن المتضمة للكلام.

3 فيما سبق يقول ابن مالك:

وعامل الحال بها قد أكدا

في نحو: لا تعث في الأرض مفسدا-18

"بها": أي: الحال، ثم قال في الحال المؤكدة لمضمون الجملة:

وإن تؤكد جملة فمضمر

عاملها ولفظها يؤخر-19

أي: أن العامل مضمر "أي: محذوف" إذا كانت الحال مؤكدة للجملة، وأن لفظ الحال يؤخر وجوبًا عن الجملة، وعن عاملها المحذوف، وهو صاحبها.

ص: 392

أ– فالمفردة: ما ليست جملة ولا شبهها، نحو: أشرب الماء صافيًا 1 سر في الطريق حذرًا 2،

ومثل كلمة: "جاهدًا" في قول الشاعر:

ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة

يجدها، ولا يسلم له الدهر صاحب

ب– وشبه الجملة هو: "الظرف، والجار مع مجروره"، نحو: كنت في الطائرة فأبصرت البيوت الكبيرة فوق الأرض صغيرة، والسفن الضخمة بين الأمواج محتجبة إن دار الآثار في القاهرة مليئة بالنفائس تشكلت الثلوج على الغصون أشكالًا بديعة

ولا بد في شبه الجملة أن يكون تامًا؛ أي: مفيدًا، وإفادته قد تكون بالإضافة، أو بالنعت، أو بالعدد، أو بغير ذلك مما يكون مناسبًا له، ويجعله مقيدًا على الوجه الذي تكرر شرحه من قبل3 فلا يصح: هذا إبراهيم عنك، ولا هذا إبراهيم اليوم

1 ومن الحال المفردة بعض ألفاظ مركبة تركيب مزج سماعًا، "فلا يجوز القياس عليها"، وهي ألفاظ وردت عن العرب مركبة مزجًا، ومبنية: على الأصح على فتح الجزأين في محل نصب، باعتبارها حالًا، ومها: هرب الأعداء شغر بغر، أي: متفرقين، وكذلك شذر مذر، بمعنى: متفرقين أيضًا، ومثل: تركت الصحراء حيث بيث، أي: مبحوثًا عن أهلها، مطلوبًا إخراجهم منها ومثل: فلان جاري بيث بيث، أي: مقاربًا، أو ملاصقًا ومثل: لاقيتهم كفية كفية، أي: مواجهًا.... وهكذا

ويلاحظ أن الجزء الثاني، في كثير من تلك المركبات ونظائرها مثل: بغر، مذر، بيث، إلخ، هو في الرأي الأقوى مجرد لفظ عرضي، أي: صوت ليس له معنى مستقل، ولا كيان ذاتي يستقل به عن الكلمة التي يتبعها، ولا يجلب زيادة معنى. ولا يوصف وحده بإعراب ولا بناء

كما سيجيء بالتفصيل في باب النعت ج 3 م 114 ص 452، وإنما يجيء عرضًا بعد الأول، ولهذا يذكر في إعرابه في الصور التي ليست حالًا مركبة أنه "تبع للأول"؛ فهو مفرد وجمعه:"الأتباع""بفتح الهمزة"، وليس من التوابع الأربعة المشهورة "النعت، التوكيد، العطف، البدل"، ولا يعرب أعرابها ما لم يؤد معنى جديدًا، وإنما يكتفى في إعرابه بأن يقال في غير تلك الصور الحالية المركبة إنه:"تبع للأول"، أو إنه من:"الأتباع"؛ فمثله مثل الثاني من قولهم: "محمد حسن بسن" و"اللص شيطان نيطان" أو عفريت نعفريت

ولا شيء في هذه الثواني، وأشباهها داخل "في التوابع الأربعة المذكورة؛ لأنه لا يأتي بمعنى من معانيها، هذا، وتفصيل الكلام على المركب المزجي في جـ 1 م 23 باب أقسام العلم.

2 قد يجب اقتران الحال المفردة "بالفاء" أو: "ثم" العاطفتين في صورة واحدة هي الصورة الثالثة التي تجيء في ص 410، والكوفيون يجيزون:"واو العطف" أيضًا كما سيجيء.

3 في باب الموصول "جـ 1 ص 347 م 27"، والمبتدأ والخبر "جـ 1 ص 431 م 35، وجـ 2 م 68 ص 155 و 177"، وفي المواضع السالفة بيان عن شبه الجملة من ناحية تعلقه.

ص: 393

وإذا كانت الحال جملة وستأتي أو شبه جملة، فلا بد أن يكون صاحبها معرفة1 محضة؛ "أي: معرفة لفظًا ومعنى"؛ مثل: وقف جاري يكلمني، فإن لم يكن معرفة خالصة؛ بأن كان معرفة في اللفظ دون المعنى؛ كالمبدوء "بأل الجنسية"، أو كان نكرة مختصة، بسبب نعت أو غيره2، جاز في الجملة وشبهها أن تكون حالًا، وأن تكون نعتًا؛ نحو: أعرف الطائرات تفوق غيرها في السرعة. وقد عرفنا طائرات سريعة تطوف بالكرة الأرضية في دقائق3

ونحو: في الجو تهدر الطائرات كقصف الرعود

وهذه طائرة كبيرة أمامنا تهدر كالرعد.

ج– والجملة4 قد تكون اسمية أو فعلية؛ نحو: لازمت البيت والمطر هاطل5 لازمت البيت، وقد هطل المطر6

وقد اجتمعت الجملتان في قول الشاعر:

1 يصح أن يكون صاحب الحال نكرة في بضعة مواضع تجيء في ص 402. عند الكلام عليه.

2 كما سيجيء البيان في رقم 1 من هامش ص 403، وقد سبق بيان النكرة المحضة وغير المحضة بإسهاب، وكذا المعرفة بنوعيها في الجزء الأول، باب النكرة والمعرفة، ص 194 م 17 ويجيء في الجزء الثالث باب النعت م 114 ص 460 إشارة له أيضًا.

3 ومثل قول الشاعر:

لنا في الدهر آمال طوال

نرجيها، وأعمال قصار

4 إذا وقعت الجملة حالًا، فإنها تسمى جملة باعتبار أصلها السابق قبل الحالية حين كانت تؤدي فيه معنى مفيدًا مستقلًا، أما بعد وقوعها حالًا، فإنها تؤدي معنى غير مستقل، وهي لذلك لا تسمى جملة ولا كلامًا، شأنها في هذا كشأن الجملة الواقعة خبرًا ونعتًا وغيرها؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سبق في ج 1 هامش ص 15 م 1، وفي رقم 3 من هامش ص 377 م 27.

وإذا وقعت الجملة حالًا أو نعتًا أو موقعًا إعرابيًا آخر، فهي نكرة، وقيل: في حكم النكرة، كما سبق في رقم 3 من هامش ص 375 وقد تردد هذا في كثير من المراجع النحوية، ومنها حاشية ياسين على شرح التوضيح أول باب النكرة والمعرفة حيث قال: "وأما الجمل والأفعال فليست نكرات، وإن حكم لها بحكم النكرات، وما يوجد في عبارة بعضهم أنها نكرات فهو تجوز.

وهذا الخلاف لا أهمية له؛ إذ الأهمية في أنها تقع في كل موقع لا يصلح فيه إلا النكرة، كوقوعها خبر "لا" النافية للجنس، ونعتًا للنكرة المحضة.

5 ومن أمثلة الاسمية أيضًا قول الشاعر:

عش عزيزًا، أو مت وأنت كريم

بين طعن القنا، وخفق البنود

وقولهم: من صحب الأشرار وهو يعلم حالهم كان شقاؤه من نفسه.

6 ومن أمثلة الفعلية أيضًا ما تضمنه الشطر الثاني من قول شاعرهم:

العلم يدرك أقوامًا فيقذهم

كالغيث يدرك عيدانًا فيحييها

ص: 394

كأن سواد الليل والفجر ضاحك

يلوح ويخفى، أسود يتبسم

ويشترط في الجملة الواقعة حالًا أن تكون خبرية، غير تعجبية "وعلى القول بأن الجملة التعجبية خبرية، فلا تصح الإنشائية بنوعيها1 الطلبي، وغير الطلبي، وأن تكون مجردة من علامة تدل على الاستقبال2كالسين وسوف، ولن، وأداة الشرط.... و.... وأن تكون مشتملة على رابط يربطها بصاحبها ليكون المعنى متصلًا بين الجملتين؛ فيحقق الغرض من مجيء الحال جملة، ولولا الرابط3 2لكانت الجملتان منفصلتين لا صلة بينهما، والكلام مفككًا4.

والرابط قد يكون واوًا مجردة تسمى: واو5 الحال، نحو: احترست من الشمس والحرارة شديدة، وقد يكون الضمير6 وحده؛ نحو: تركت البحر أمواجه

1 سبق توضيح المراد من الجملة الإنشائية ملخصًا في رقم 4 من هامش ص 220، وفي ج 1 ص 268 م 72.

2 في هذا الشرط وفي تعليله خلاف، وجدل كلامي

أما مثل: لأمدحن المخلص؛ إن حضر وإن غاب حيث وقعت الجملة الشرطية حالًا مع أنها إنشائية، ومشتملة على علامة استقبال؛ وهي حرف الشرط:"إن" فالمسوغ عندهم أنها شرطية لفظًا لا معنى: إذ التقدير: لأمدحته على كل حال.

ونشير إلى ما جاء في "المغني"، و"الهمع" خاصًا بأن:"لا" النافية تخلص المضارع للاستقبال إذا سبقته، خلافًا لابن مالك ومن معه محتجًا بإجماع النحاة على صحة "جاء محمد لا يتكلم" مع الإجماع أيضًا على أن الجملة الحالية لا تصدر بعلامة استقبال.

وتقول: الرأي الأنسب هو أن "لا" تخلصه للاستقبال عند عدم قرينة تمنع، وقد سجلنا كلام المغني والهمع في ج 1 م 4 ص 56.

3 وقد يكون الرابط محذوفًا، كما سيجيء في ص 441.

4 يقول ابن مالك في الحال التي تقع جملة من غير تفصيل لأنواعها، ولا بيان لشروطها الكاملة:

وموضع الحال تجيء جمله

كجاء زيد، وهو نار رحله-20

أي: تجيء الجملة موضع الحال المفردة؛ بمعنى أنها تكون حالًا مثلها مع اختلافهما نوعًا وعرض لها مثالًا جملة اسمية في قوله: "وهو ناو رحلة".

5 وهي في الوقت نفسه للاستئناف؛ لوجوب دخولها على جملة، كما أنها تفيد الاقتران والمعية، ولكنها لا تسمى اصطلاحًا واو معية انظر رقم 1 من هامش ص 306، ومن الأمثلة لذلك أيضًا البيت التالي الذى وصفوه بأنه أبلغ بيت في الوفاء وكتمان السر، وهو:

لأخرجن من الدنيا وسركمو

بين الجوانح لم يعلم به أحد

6 إذا كان المبتدأ ضميرًا للمتكلم، والحال جملة فعلية ربطها الضمير جاز في الضمير الرابط أن يكون للمتكلم أو للغائب؛ نحو: أنا الصادق أحب الحق، أو بحب الحق، وكذلك إن كان المبتدأ ضميرًا للمخاطب جاز في الضمير الرابط أن يكون للمخاطب أو للغائب؛ نحو: أنت الصادق تحب الحق، أو يحب الحق، ومراعاة التكلم والخطاب أحسن في الصورتين؟

"كما سبق في ج 1 م 35 ص 245 هامشها.

ص: 395

عنيفة، وقد يكون الواو والضمير معًا، نحو: لا أكل الطعام وأنا شبعان، ولا أشرب الماء وهو غير نقي، وكقول الشاعر:

إن الكريم ليخفي عنك عسرته

حتى تراه غنيًا وهو مجهود

.............................1

...............................

وقد يستغنى عن الرابط أحيانًا كما سيجيء2.

لكن هناك موضعان تجب فيهما الواو، ومواضع أخرى تمتنع؛ فتجب الواو في الجملة الحالية الخالية من الضمير لفظًا وتقديرًا3؛ نحو: تيقظت وما طلعت الشمس، وفي الجملة

المضارعية المثبتة، المسبوقة بالحرف: "قد؛ نحو قوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} .

والمواضع التي تمتنع فيها الواو هي:

1-

أن تكون جملة الحال اسمية واقعة بعد عاطف يعطفها على حال قبلها، نحو: سيجيء المتسابقون مشاة، أو هم راكبون 4السيارات؛ فلا يصح أن يكون الرابط هنا واو الحال؛ لوجود حرف العطف:"أو" وواو الحال لا تلاقي حرف عطف.

2-

أن تكون جملة الحال مؤكدة لمضمون جملة قبلها5؛ كالقول عن القرآن هو الحق لا شك فيه، وقوله تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه} ، وليس من اللازم أن تكون جملة الحال المؤكدة اسمية، فقد تكون فعلية أيضًا؛ نحو: هو الحق لا يشك فيه أحد

1 وقول الآخر:

يخفي العداوة وهي خفية

نظر العدو بما أسر يبوح

2 في ص 411.

3 ذلك أن الضمير قد يجوز حذفه لفظًا لا تقديرًا إذا عرف من السياق كما سيجيء في "د" ص 411 نحو: ارتفع سعر القمح؛ كعيلة بخمسين قرشًا. أي: كيلة منه.

4 الأحسن في إعراب مثل هذا المثال: أن تكون: "أو" حرف عطف، والجملة بعدها في محل نصب حال، وهذه الحال المنصوبة معطوفة على "مشاة".

5 سبق تفصيل الكلام عليها في ص 366 و 383 و 391 و 396.

ص: 396

أما المؤكدة لعاملها فقد تقترن بالواو؛ نحو: قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} .

3– الجملة الفعلية الماضوية بعد "إلا" التي تفيد الإيجاب "أي: المسبوقة بكلام غير موجب فيكون المعنى بعدها موجبًا؛ نحو: ما تكلم العظيم إلا قال حقًا. ويرى بعض النحاة: أنه يجوز في هذا الموضع الربط بالواو، محتجًا بأمثلة فصيحة متعددة1، وحجته مقبولة، ولكن من يريد الاقتصار على الأعم الأفصح لا يساير هذا الرأي، ويجيز بعض آخر صحة الربط بالواو بشرط أن تقع بعدها "قد" مباشرة2، وهذا رأي حسن وفيه تيسير.

4– الجملة الماضوية المعطوفة على حال، بالحرف العاطف:"أو"؛ نحو: أخلص للصديق؛ حضر3 أو غاب.

1 منها قول الشاعر:

نعم امرأ هرم؛ لم تعر نائبة

إلا وكان لمرتاع بها وزرًا

وهنا قال الخضري ما نصه: "وشذ قول الشاعر: نعم امرأ هرم

إلخ

وقيل: غير شاذ". ا. هـ، كلام الخضري.

وجاء في الأشموني ما نصه: "وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو تمسكًا بقوله:

نعم امرأ هرم

إلخ. وحكم الأول "أي: الفريق صاحب الرأي الأول بشذوذه. ا. هـ.

وجاء في التصريح ما نصه عند الكلام على الصور التي تمتنع فيها "واو الحال": الثالثة؛ الماضي التالي "إلا" الإيجابية؛ نحو: "ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون"، فجملة:"كانوا به يستهزئون" حال من الهاء والميم في: "يأتيهم" ولا تقترن بالواو عند ابن مالك.

وصرح شارح "اللب" بجواز الواو وتركها فيما إذا كان الماضي تاليًا "إلا كقول الشاعر: نعم امرأ هرم

". ا. هـ.

وجاء في الحاشية ما نصه، "قوله: بجواز الواو وتركها

جوازها هو القياس على جوازها مع الأمية الواقعة بعد "إلا"؛ نحو: "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم". ا. هـ.

ملاحظة: الجملة الواقعة بعد "إلا" في هذه الآية الكريمة "نعت"، والواو التي في صدرها هي واو زائدة تلتصق بأول الجملة النعتية لتقوى دلالتها على النعت، وتزيد التصاقها بالمنعوت، ويسمونها لذلك "واو اللصوق" طبقًا للبيان الخاص بها المعروض في مكانه الأنسب "باب النعت ج 3 م 114 ص 462.

2 قال "الصبان" قرب آخر الباب ما نصه: "في الرضي أنهما قد يجتمعان بعد "إلا" نحو: ما لقيته إلا وقد أكرمني". ا. هـ.

3 الجملة من الفعل: "حضر"، وفاعله في محل نصب حال من الصديق، وبعدها:"أو" فلا يجوز أن يكون الرابط في الجملة السابقة الواو؛ لأن الكلام العربي خال من الواو في مثل هذا الأسلوب، أما التعليلات الأخرى للمنع فمردودة.

ص: 397

5– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "لا"؛ نحو: ما أنتم؟ لا تعملون1. وقول الشاعر:

فلا مرحبًا بالدار لا تسكنونها

ولو أنها الفردوس أو جنة الخلد

ومن القليل الذي لا يقاس عليه أن تقع الواو رابطة في الجملة الفعلية مضارعية، أو ماضوية إذا كانت مسبوقة بالحرف النافي "لا".

6– الجملة المضارعية المسبوقة بحرف النفي: "ما"2؛ نحو: عرفتك ما تحب العبث، وعهدتك ما تسعى للإيذاء.

7– الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد"؛ نحو: شهدت الطالب الحريص يسرع إلى المحاضرة، يتفرغ لها، وقد وردت أمثلة مسموعة من هذا النوع، وكان الرابط فيها الواو، منها قولهم: قمت وأصك عين العدو، ومنها:

فلما خشيت أظافيرهم

نجوت، وأرهنهم مالكا

ومنها:

"علقتها"3 عرضًا وأقتل قومها"

وأمثلة أخرى.

وقد تأول النحاة هذه الأمثلة ليدخلوها في نطاق القاعدة، ويخرجوها في مجال الشذوذ، ولا داعي لهذا التأول4 الذي لم يعرفه، ولم يقصد إليه الناطقون بتلك

1 مثل هذا التركيب يتضح معناه، ويزول ما قد يكون فيه من غموض إذا عرفنا أن "لا" النافية تقدر فيه بكلمة:"غير" المنصوبة على الحال، المضافة، وأن المضارع بعدها يقدر اسم فاعل، هو:"المضاف إليه"، أي: ما أنتم غير عاملين؟ أي: ما أنتم وما أمركم في الحالة التي لا تعملون فيها؟

وهو مثل الآية الكريمة: {وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} التقدير: ما لنا غير مؤمنين؟ ما أمرنا، وما شأننا في الحالة التي تكون فيها غير مؤمنين؟

2 "إن": النافية، مثل:"ما" فيقال في حرف النفي: "ما" وفي المضارع بعده ما قيل في سابقه مما هو مدون قبل هذا مباشرة في رقم1.

3 أحببتها.

4 قالوا من التأويل: إن الواو واو الحال حقيقة، ولكنها لم تدخل على الجملة المضارعية مباشرة،=

ص: 398

الأمثلة، والخير أن نحكم عليها بما تستحقه من القلة والندرة التي لا تحاكى، ولا يقاس عليها.

في غير هذه المواضع التي تمتنع فيها الواو يكون الربط بالواو وحدها، أو بالضمير وحده، أو بهما معًا، وقد سبقت الأمثلة لكل هذا1.

وإذا كانت جملة الحال ماضوية مثبتة وفعلها متصرف، ورابطها الواو وحدها وجب مجيء "قد" بعد الواو مباشرة2؛ نحو: انصرفت وقد انتهى ميعاد العمل،

= وإنما دخلت على مبتدأ محذوف؛ خبره الجملة المضارعية المذكورة بعده، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب حال، فالحال هو الجملة الاسمية لا الفعلية، والواو داخلة على جملة اسمية عندهم.

فما الداعي لهذا؟ إن كان دخول الواو على الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد" غير مقبول، وغير صحيح وجب التصريح بهذا، والحكم على ما يخالفه بأنه سماعي؛ يحفظ ولا يقاس عليه، وإن كان دخول الواو صحيحًا وجب التصريح بهذا أيضًا من غير تأويل، وإن كان التأويل يبيح الممنوع وجب السماع بالواو لكل من شاء، ومن أراد بعد ذلك أن يحمل نفسه مشقة التأويل، فهو حر فيما يرتضيه لها.

ولا شك أن التأول على هذه الصورة لا خير فيه، وأن الخير في منع الواو في مثل هذا المواضع.

1 اقتصر ابن مالك على حالة واحدة من الحالات التي تمتنع فيها الواو، سجلها بقوله:

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرًا، ومن الواو خلت-21

يريد: أن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالًا تحوي الضمير الرابط، وتخلو من الواو المستعملة في الربط؛ لأن هذه الواو لا تصلح للربط هنا، ثم بين أن الجملة المضارعية الحالية المسبوقة بالواو ينوى ويقدر لها بعد هذه الواو مبتدأ محذوف، خبره الجملة المضارعية؛ فتكون مسندة له، يقول:

وذات واو بعدها انوا مبتدا

له المضارع اجعلن مسندا-22

وما عدا هذه الحالة التي اقتصر عليها يجوز فيها الربط بالواو فقط، أو بالضمير فقط، أو بهما معًا؛ فيقول:

وجملة الحال سوى ما قدما

بواو، أو بمضمر، أو بهما-23

2 لتقرب زمنها من الحال، وهذا هو الرأي المختار، ويرى فريق آخر من النحاة لزوم:"قد" مع الماضي لكن يقول "أبو حيان" ما نصه:

"الصحيح جواز وقوع الماضي حالًا بدون "قد"، ولا يحتاج لتقديرها؛ للكثرة. ورد ذلك، وتأويل الكثير، ضعيف جدًا؛ لأنا إنما تبني المقاييس العربية على وجود الكثرة. ا. هـ، راجع "الهمع" ج 1 ص 247 آخر باب الحال.

وهذا الرأي حسن، وفي الأخذ به تيسير تؤيده النصوص الكثيرة المسموعة كما يقول أبو حيان، ومن وافقه ومن تلك النصوص قوله تعالى:{هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، وقوله تعالى:{أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ، وآخر الشطر الثاني من قول الشاعر:

وإني لتعروني لذكراك هزة

كما انتفض العصفور بلله القطر

هذا، ولا تدخل "قد" على الجملة الماضوية التي فعلها جامد؛ كأفعال الاستثناء "ليس، خلا، عدا، حاشًا" كما سبق في رقم 3 من هامش ص 354.

ص: 399

كان الرابط هو الضمير وحده، أو الواو أو الضمير معًا فالأحسن مجيء "قد".

وتمتنع "قد" مع الماضي الممتنع ربطه بالواو، وقد سبق بيانه كالماضي التالي "إلا" الاستثنائية التي تفيد الإيجاب عند من يمنع ربطه بالواو1، أو الذي بعده:"أو".

العاشر: انقسامها باعتبار جريانها على صاحبها أو عدم جريانها إلى قسمين؛ حقيقية وسببية2.

فالحقيقية: هي التي تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ كالأمثلة التي مرت في أكثر الموضوعات السالفة، ومثل: فزع العصفور من المطر مبتلًا، فكلمة "مبتلًا" حال. تبين هيئة صاحبها نفسه؛ وهو:"العصفور" وقت فزعه، ولا تبين هيئة شيء آخر غير العصفور نفسه، كعشه، أو شجرته، أو صاحبه، أو طيور أخرى ومثل: وقف المصلي خاشعًا، فكلمة:"خاشعًا" حال تبين هيئة صاحبها مباشرة؛ وهو: المصلي، ولا شأن لها بغيره

ولا بد أن تطابق الحال الحقيقية3 صاحبها في التذكير، والتأنيث والإفراد، والتثنية والجمع.

والسببية: هي التي تبين هيئة شيء له اتصال وعلاقة بصاحبها الحقيقي، أي علاقة، دون أن تبين هيئة صاحبها الحقيقي مباشرة؛ مثل: فزع العصفور من

1 انظر ما يختص بهذا في رقم 23 من هامش ص 397.

2 وهذا الموضوع هو الذي سبقت له الإشارة العابرة في رقم1 من هامش ص 386، وتفصيل الكلام على صاحب الحال يجيء في ص 402.

3 ما لم يمنع من وجوب المطابقة مانع لغوي، مما سيجيء في موضعه ص 406؛ "ولمطابقة الحال لصاحبها موضوع مستقل؛ في ص 406".

ص: 400

المطر مبتلًا عشه، ومثل: وقف المصلي خاشعًا قلبه، فكلمة:"مبتلًا" حال، كما كانت، وصاحبها هو:"العصفور" كما كان، أيضًا، ولكن الحال هنا لا تبين هيئة صاحبها الحقيقي:"العصفور"، وإنما تبين هيئة:"العش"، وللعش صلة وعلاقة بصاحبها؛ فهو مسكن العصفور ومأواه.

كذلك المثال الثاني، فكلمة:"خاشعًا" حال، وصاحبها الحقيقي هو: المصلي. ولكنها لا تبين هيئته، وإنما تبين شيئًا له صلة وعلاقة به؛ هو قلبه؛ فإن قلبه جزء منه.

ومن أمثلة السببية: كتبت الصفحة مستقيمة خطوطها، سمعت المغنية عذبًا صوتها، وسمعت القارئ واضحة نبراته.

ولا بد في الحال السببية أن ترفع اسمًا ظاهرًا مضافًا لضمير يعود على صاحب الحال كالأمثلة السالفة، وأن تكون مطابقة لهذا الاسم المرفوع بها، في التذكير والتأنيث، والإفراد، دون التثنية والجمع، إذا الأحسن أن تلتزم معها الإفراد؛ نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مدخلاه، نظيفة مسالكه

1

1 وكما في "ب" من ص 407.

ص: 401