المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء 1: "غير، وسوى، بلغاتها المختلفة" من - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 82: أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء 1: "غير، وسوى، بلغاتها المختلفة" من

‌المسألة 82:

أحكام المستثنى الذي أدواته أسماء 1:

"غير، وسوى، بلغاتها المختلفة"

من أدوات الاستثناء ما هو اسم صريح؛ أشهره: غير، وسوى "وفيها لغات مختلفة: سوى، سوى، سواء، سواء"، وهذه الأسماء الصريحة عند استعمالها أداة استثناء تشترك في المعنى وفي الحكم.

فأما "غير" ومثلها نظيراتها، فمعناها إفادة المغايرة

أي: الدلالة على أن ما بعدها مغاير ومخالف لما قبلها في المعنى الذي ثبت له، إيجابًا أو نفيًا؛ فمعنى:"أسرع المتسابقون غير سعيد"، أنهم أسرعوا مغايرين ومخالفين في هذا الأمر سعيدًا؛ فهو لم يسرع، فكان مخالفًا ومغايرًا لهم أيضًا، وكذلك:"ما ضحك الحاضرون غير صالح"، فالمعنى: أنهم لم يضحكوا، مغايرين ومخالفين صالحًا في هذا، أي: في عدم الضحك؛ لأنه ضحك دونهم، فكان مخالفًا ومغايرًا أيضًا. ومثل هذا يقال في بقية أسماء الاستثناء.

وأما حكم تلك الأسماء فينحصر في أمرين2؛ أولهما: ضبط المستثنى الواقع بعد كل اسم منها، وطريقة إعرابه.

وثانيهما: ضبط أداة الاستثناء الاسمية، وطريقة إعرابها؛ "لأنها اسم لا بد له من موقع إعرابي؛ فيكون مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، على حسب موقعه من الجملة؛ كشأن جميع الأسماء".

1 من هذه الأسماء: بيد، وسيجيء الكلام عليها وعلى الفرق بينها وبين "غير" وأخواتها في:"أ""من" الزيادة، ص 349.

2 لا بد قبل النظر في تحقيق هذين الأمرين معًا، من أن يكون الكلام جاريًا على ما يقتضيه، ويتطلبه أسلوب الاستثناء؛ بحيث لا يستقيم المعنى إلا على أساس الاستثناء، والسبب في هذا الشرط أن كل اسم من أدوات الاستثناء الاسمية يصلح في ذاته لأشياء كثيرة، منها الاستثناء، وغيره؛ فلا يتعين للاستثناء إلا إذا اقتضى السياق ذلك؛ وتحققت أركان الاستثناء بوجود المستثنى منه، أو بعدم وجوده إن كان الكلام "مفرغًا"، فلا بد من النظر لحاجة السياق أولًا.

ص: 343

أ– فأما ضبط المستثنى وإعرابه فليس له إلا ضبط واحد، وإعراب واحد، هو: ضبطه بالجر، ويعرب "مضافًا إليه"، إليه دائمًا، ولا بد أن يكون مفردًا 3 والأداة الاسمية هي المضاف، كما في الأمثلة الآتية:

"أ"

أسرع

المتسابقون

غير

سعيد.

فرح

الفائزون

غير

واحد.

ظهرت

النجوم

غير

نجم.

"ب"

ما أسرع المتسابقون غير سعيد، أو: غير سعيد.

ما رأيت الفائزين غير سعيد، أو: غير سعيد.

ما نظرت للنجوم غير نجم، أو: غير نجم.

"جـ"

ما أسرع

غير سعيد.

ما رأيت

غير سعيد.

ما نظرت

لغير سعيد.

ففي كل هذه الأمثلة وأشباهها لا يكون المستثنى إلا مضافًا إليه مجرورًا، مفردًا1، وأداة الاستثناء الاسمية هي: المضاف.

ب– وأما ضبط أداة الاستثناء وإعرابها، فيختلف باختلاف حالة الكلام، فحين يكون الكلام تامًا موجبًا، تنصب على الاستثناء2 كما في "أ" من الأمثلة السالفة، وكقول الشاعر:

كل المصائب قد تمر على الفتى

وتهون، غير شماتة الحساد

وحين يكون الكلام تامًا غير موجب يجوز نصبها على "الاستثناء"، ويجوز اتباعها للمستثنى منه؛ كما في "ب" من الأمثلة السالفة، وكما في قولهم:"أين الأقوال من الأفعال، فلن تتحقق بالكلام الغايات الجليلة غير بعض منها، وما أقلة؟ ".

وحين يكون الكلام مفرغًا تضبط وتعرب على حسب حاجة الجملة، فقد

1 و 1 أي: ليس جملة ولا شبهها.

2 في الأخذ بهذا الرأي راحة وسهولة؛ لأنه يساير في إعرابه إعراب المنصوب من المستثنيات الأخرى؛ ولأن الاعتراض عليه أخف من الاعتراض على الرأي القائل بإعرابها حالًا مؤولة، بمعنى:"مغاير"، وعلى الرأي القائل إنها منصوبة على التشبيه بظرف المكان في الإبهام "انظر الحالة الثانية التي تشتمل على ما ألحق بأسماء الزمان المبهمة ص 303"، ولسنا بحاجة إلى الإثقال بعض الأدلة؛ لأنها جدلية محضة؛ ولا أثر لها في الأمر الهام، وهو: ضبط الكلمة.

ص: 344

تكون فاعلًا، أو مفعولًا، أو غيرهما، كما في "ج" من الأمثلة السالفة، وكقولهم: لا ينفع المرء غير عمله.

يفهم من كل ما تقدم: "أنه يطبق على كلمة: "غير" عند ضبط صيغتها الخاصة كل الأحكام التي تجري على المستثنى بإلا عند إرادة ضبطه1 بالتفصيلات المختلفة التي سبقت هناك، ولا فرق في هذا التطبيق بين: "غير" وباقي أخواتها الأسماء 2.

لكن بينها وبين أخواتها 3 بضع فروق من نواح أخرى؛ منها: أن المضاف إليه بعد الأداة "غير" 4 قد يحذف إذا دلت عليه قرينة: مثل: "عرفت خمسين ليس غير"5، أي: ليس غير الخميس، ولا يصح: عرفت خمسين ليس سوى؛ لأن "سوى بلغاتها المختلفة واجبة الإضافة لفظًا ومعنى، ولا يصح قطعها عن هذه الإضافة اللفظية6.

1 ويجوز بناؤه على الفتح في كل الحالات بشرط أن تكون مضافة إلى مبني. شأنها في ذلك شأن الأسماء المتوغلة في الإبهام، "وقد سبقت الإشارة إلى المراد منها في باب الظرف ص 302 ومنها: غير، ومثل، وبعض الظروف التي عرضناها

".

2 وفيما سبق يقول ابن مالك:

واستثن مجرورًا بغير، معربا

بما لمستثنى بإلا نسبا

ولسوى، سوى، سواء اجعلا

على الأصح ما لغير جعلا

"التقدير: استثن بكلمة: غير، مجرورًا، أي: مستثنى مجرورًا، حالة كون لفظ: "غير" معربًا بمثل ما نسب للمستثنى بإلا، أي: معربًا مثل إعرابه في الحالات المختلفة، يريد: أن المستثنى "بغير" مجرور دائمًا، وأن كلمة "غير" نفسها تضبط بالضبط الذي يكون للمستثنى "بإلا" فيما لو حذفت "غير"، وحلت محلها: "إلا" وجاء بعد "إلا"مستثناها كما شرحنا.

ثم بين أن مثل "غير" في ذلك كلمات أخرى؛ منها: سوى سواء، وأن الأصح أنها تشبهها في الاستثناء.

وليست ظرفًا إلا عند فريق.

3 أما الفرق بين "غير" و"إلا" و"بيد" فيجيء في "ب" من ص 349.

4 وبعض أدوات سيجيء ذكرها في مكانها الخاص من باب الإضافة ج 3.

5 يصح ضبط "غير" هنا بأوجه متعددة؛ منها: البناء على الضم؛ باعتبارها اسم "ليس" والخبر محذوف، ويكون المضاف إليه محذوفًا مع نية معناه، والتقدير مثلًا: ليس غير الخمسين معروفًا، ويجوز في:"غير" أن تكون مبنية على الفتح لإضافتها إلى مبني "وهو: الضمير" في محل رفع اسم "ليس" أيضًا والتقدير: ليس غيرها، والخبر محذوف كالسابق، ويجوز أن تكون مرفوعة منونة باعتبارها اسم "ليس"، والمضاف إليه محذوف، ولم ينو لفظه ولا معناه، والخبر محذوف أيضًا، أي: ليس غير

، والتقدير: ليس غير الخمسين معروفًا، ويجوز نصبها مع تنوينها باعتبارها خبر "ليس" واسمها محذوف: والتقدير: عرفت خمسين ليس المعروف غيرًا، أي: غيرها وسيجيء الكلام على: "غير" في باب الإضافة ج 3 م 95.

6 بيان هذا في مكانه المناسب من باب الإضافة "ج 3" عند الكلام على: "غير".

ص: 345

ومنها: أن "غير" لا تكون ظرفًا، أما "سوى" فتقع ظرف مكان في مثل:"جاء الذي سواك"، عند من يرى ذلك، ويجعلها صلة الموصول؛ "لأن الصلة لا تكون إلا جملة أو شبه جملة"، والتقدير عنده: جاء الذي استقر في مكانك عوضًا عنك، ثم توسعوا في استعمال "سواك" ومكانك، فجعلوهما مجازًا بمعنى:"عوضك" من غير ملاحظة حلول بالمكان.

ومنها: أن استعمال "غير" في الاستثناء ليس هو الأكثر، وإنما الأكثر أن تكون:

1– نعتًا لنكرة؛ فتفيد مغايرة مجرورها للمنعوت، أما في ذاته المادية؛ نحو:"أقبلت على رجل غير1 علي"، وإما في وصف طارئ على ذاته المادية، نحو:"خرج البريء من المحكمة بوجه غير الذي دخل به"، ذلك أن وصف الوجه مختلف في الحالتين

، أما ذات الوجه، ومادته التي يتكون منها، فلم تتغير. وكقول الشاعر:

تحاول مني شيمة غير شيمتي

وتطلب مني مذهبًا غير مذهبي

"فالشيمة، أو المذهب، وصف طارئ على الذات، وأمر عرضي لاحق بها، وليس جزءًا أساسيًا في تكوينها المادي الأصيل.

2– أو نعتًا لشبه النكرة: وهو المعرفة المراد منها الجنس2، نحو قوله تعالى:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة "غير" مجرورة، وهي لذلك نعت لكلمة:"الذين" المراد بها جنس لأقوام معينين 3، وليست للاستثناء؛ إذ لو كانت للاستثناء لوجب نصبها.

1 ليست هنا أداة استثناء لما هو مقرر من وجوب أن يكون المستثنى منه في الأغلب أعم من المستثنى، بحيث يشمله.

2 كاسم الموصول؛ فإنه مبهم باعتبار عينه، من غير اعتبار صلته معه؛ فإنها تزيل إبهامه، وتجعله مغنيًا، كما سيجيء في "ج" من ص 350.

3 كيف تقع "غير" نعتًا لاسم الموصول وأشباهه مع أنها نكرة وهو معرفة؟

والجواب: أن منعوتها وحده من غير الصلة بمنزلة النكرة؛ فهي مطابقة له في التنكير، أو: أن إبهامها وتنكيرها ضعيفان بسبب وقوعها بين ضدين، فهي قريبة من المعرفة؛ فتقع نعتًا للمعرفة بالإيضاح الوارد عنها في ج 3 باب الإضافة. والرأي الحق هو أن العرب استعملت في كلامها "غير" نعتًا للنكرة أحيانًا، وللمعرفة التي تشبهها حينًا؛ كما في الآية المعروضة، وتفصيل هذا كله على وجه =

ص: 346

وإذا وقعت نعتًا كما في الحالتين السالفتين، فإنها تكون مؤولة بالمشتق؛ بمعنى: مغاير1.

3– يلي هاتين في الكثرة أن تقع موقعًا إعرابيًا آخر مما تصلح له الأسماء الجامدة؛ كالمبتدأ في قول الشاعر:

وغير تقي بأمر الناس بالتقى

طبيب يداوي والطبيب مريض

وكالخير ومنه خبر النواسخ في قول الشاعر:

وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم

إذا كانت الأعمال غير حسان

وكالفاعل ونائبه، والمفعول به

و

، وكل هذا قياسي فصيح.

أما "سوى" فالأكثر فيها أن تكون للاستثناء؛ كالأمثلة السالفة؛ ولغير الاستثناء في نحو: سواك متسرع رأيت سواك متسرعًا القوة بسوى الحق مهزومة

لا ينفع سوى الصبر عند معالجة المشكلات، وكقول الشاعر:

وإذا تباع كريمة أو تشترى

فسواك بائعها، وأنت المشتري

وقول الآخر:

أأترك ليلى ليس بيني وبينها

سوى ليلة؟ إني إذا لصبور

وقد تكون نعتًا لنكرة، أو لشبه نكرة كما تكون "غير"

وهكذا 2.

حكم تابع المستثنى "بغير" وأخواتها.

مما يلاحظ أن المستثنى "بغير وأخواتها الأسماء" مجرور دائمًا؛ لأنه "مضاف إليه". لكن إذا جاء بعده تابع 3 له جاز في التابع أمران:

1 لأن النعت لا يكون في الأغلب إلا مشتقًا، أو مؤولًا به.

2 سيجيء في: هـ من ص 361 أن "سوى" قد تكون أحيانًا بمعنى: "ولا سيما"؛ طبقًا للبيان الشامل الذي سبق تفصيله في ج 1 م 28 ص 366 باب: "الموصول".

3 سبق أن التوابع أربعة: النعت – العطف – التوكيد – البدل، "وفي الجزء الثالث باب خاص بكل واحد".

ص: 347

أحدهما: الجر مراعاة للفظ المستثنى المجرور؛ نحو: قدمت المنح للفائزين غير محمود وحسن.

ثانيهما: ضبطه بمثل ضبط المستثنى "بإلا"، لو حذفت "غير" وحل محلها:"إلا". وذلك بأن نتخيل حذف كلمة: "غير" ووقوع "إلا" موقعها، وضبط المستثنى بغير على حسب ما تقتضيه الحالة الجديدة بسبب مجيء "إلا"، في مكان "غير"، ثم نضبط تابعه بمثل حركته الجديدة، في المثال السابق:"قدمت المنح للفائزين غير محمود" يصير: قدمت المنح للفائزين إلا محمودًا، فصار المستثنى منصوبًا مع "إلا" بعد أن كان مجرورًا مع الأداة:"غير"، فيصح في تابعه أن يكون منصوبًا مع كلمة "غير" أيضًا، على تخيل "إلا" المقدرة والملحوظة، وأن المستثنى بها على فرض وجودها في الكلام منصوب؛ فنقول: قدمت المنح للفائزين غير محمود، وحسن أو: غير محمود وحسنًا؛ بافتراض أن كلمة: "محمود" مجرورة في ظاهرها؛ لأنها مستثنى للأداة "غير"، ومنصوبة في التقدير والتوهم؛ لأنها مستثنى للأداة:"إلا" المقدرة، ولهذا يصح النصب والجر في كلمة:"ضرب" من قول الشاعر:

ليس بيني وبين قيس عتاب

غير طعن الكلى، وضرب الرقاب

ومثل: ما جاء الفائزون غير محمود وحسن، أو: حسنًا، أو: حسن؛ لأننا لو وضعنا الأداة: "إلا" مكان الأداة "غير" لجاز في المستثنى، الذي كان مجرورا بعد "غير" أمران بعد مجيء "إلا" هما النصب على الاستثناء، والرفع على البدلية، هكذا: ما جاء الفائزون إلا محمودًا أو محمود، فيجوز في تابعه الأمران: النصب والرفع؛ وهذا يجري أيضًا في تابع المستثنى بكلمة: "غير" التي تجيء في مكان: "إلا" فيجوز فيه الأمران زيادة على جره، ومعنى هذا أن كلمة "حسن"، وهي المعطوفة في المثال السالف، يجوز فيها الجر، والنصب، والرفع.

والنحاة يسمون الضبط الناشئ من التخيل السالف: "الإعراب على التوهم"1 أو: "على المحل"، وهو مقصور في باب الاستثناء على المستثنى "بغير"، وأخواتها الأسماء، ولا يجوز في غيرها، ومع جوازه المشار إليه يحسن البعد عنه، وعن التوهم عامة؛ حرصًا على أهم خصائص اللغة، وتمسكًا بسلامة البيان.

1 انظر البيان في رقم 3 من هامش ص 431، وله إشارة في رقم من ص 534.

ص: 348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- من أخوات "غير" الاستثنائية كلمة بمعناها، هي:"بيد"1 "وقد يقال فيها: "ميد"، ولكنها تختلف عن "غير" في أمور:

منها: ملازمة "بيد" للنصب دائمًا، على اعتبارها حالًا مؤولة، بمعنى:"مغاير"، أو على اعتبارها منصوبة على الاستثناء؛ فلا يكون صفة، ولا تكون مرفوعة، ولا مجرورة، ولا تكون منصوبة إلا على الاعتبار السابق.

ومنها: أنها لا تكون أداة استثناء إلا في الاستثناء المنقطع.

ومنها: أنها مضافة دائمًا إلى مصدر مؤول من: "أن ومعموليها"، ولا يجوز قطعها عن الإضافة.

ومن الأمثلة: فلان غني، بيد أنه جشع، وأخوه فقير بيد أنه عزيز النفس.

ب– تختلف الأداتان "غير" و"إلا" في أمور2؛ أهمها:

1– أن كلمة "غير" لا يقع بعدها الجمل؛ لأنها اسم لا يضاف إلا للمفرد.

أما "إلا" فيقع بعدها المفرد والجمل بنوعيها الاسمية والفعلية، وقد سبق3 القول بأنه لا داعي للأخذ بما اشترطه بعض النحاة لوقوع الجمل بعدها، وهو: ألا يكون الاستثناء متصلًا، وأن يكون الكلام مفرغًا وأن يكون الفعل في الجمل الفعلية إما مضارعًا، نحو: ما النبيل إلا يعمل الخير، وإما ماضيًا مقترنًا لحرف "قد" نحو: ما النبيل إلا قد قام بالواجب، وإما ماضيًا مسبوقًا بماض آخر قبل "إلا"، نحو: ما أرسلت رسالة إلا تمنيت أن ترضي صاحبها، وقول الشاعر:

1 هي التي سبقت لها الإشارة في رقم 1 من هامش ص 343.

2 سبق في ص 345 بيان الفوارق بين "غير" وأخواتها الأخرى.

3 في رقم 3 من هامش ص 332 البيان والإيضاح.

ص: 349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بطور سيناء، كرم، ما مررت به

إلا تعجبت ممن يشرب الماء

فالظاهر أن ما سبق ليس بالشروط المحتومة، وإنما هو البادي في الصور الكثيرة 1.

2– يجوز أن يقال: عندي درهم غير جيد، على النعت، ولا يجوز: عندي درهم إلا جيد؛ لأن الكثير في وقوع "إلا" نعتًا أن يكون ذلك في أسلوب يصح فيه الاستثناء، وهنا لا يصح الاستثناء؛ لمخالفته الكثيرة 2

3– يجوز أن يقال: قام غير واحد، ولا يجوز: قام إلا واحد؛ لأن حذف المستثنى منه لا يكون في الكلام الموجب.

4– يجوز أن يقال: أقبل الإخوان غير واحد وزميلة، أو زميلة، يجر "زميلة" مراعاة للفظ المعطوف عليه، أو نصبها حملًا على المعنى المتخيل كما شرحناه، وأبدينا فيه رأينا من قبل 3 ولا يجوز مع "إلا" تخيل سقوطها، وإحلال "غير" محلها

5– يجوز أن يقال: ما جئتك إلا ابتغاء علمك، ولا يجوز مع الأداة:"غير" إلا الجر، أي: ما جئتك لغير ابتغاء معروفك؛ لأن المفعول لأجله يجب أن يكون مصدرًا، و"غير" ليست مصدرًا.

جـ– قد يقتضى المعنى أن تخرج "إلا" عن الحرفية، وعن أن تكون أداة استثناء، لتكون اسمًا بمعنى:"غير" وتعرب صفة بشرطين 4.

أولهما: أن يكون الموصوف نكرة أو ما يشبهها من معرفة يراد بها الجنس كما سبق 5 مثل المعرف بأل الجنسية

1 في رقم 3 من هامش ص 332 البيان والإيضاح.

2 يوضح هذا ما سبق في رقم 2 من هامش ص 343، وما سيجيء في "ج".

3 ص 347 و 348 عند الكلام على تابع المستثنى بـ"غير".

4 زاد بعض النحاة شرطًا ثالثًا؛ هو: أن تكون في الأسلوب الذي تقع فيه نعتًا صالحة، لأن تكون للاستثناء، والتحقيق أن هذا الشرط مردود بدليل أن سيبويه يمثل لها بقوله:"لو كان معنا رجل إلا زيد لهلكنا" بل إن المبرد يصرح في أحد رأييه بأنه سيبويه يشترط ألا تكون صالحة للاستثناء، ويذكر مثاله السالف. فالصحيح أن هذا الشرط مرفوض كما تقدم.

5 انظر رقم 1 و 2 من ص 346.

ص: 350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وثانيهما: أن يكون جمعًا أو شبه جمع، والمراد يشبه الجمع: ما كان مفردًا في اللفظ، دالًا على متعدد في المعنى؛ مثل: كلمة: "غير"

في نحو: جاء غير الغريب، فغير الغريب وأشباهه متعدد حتمًا 1.

فمثال إلا الواقعة صفة لجمع حقيقي هو نكرة حقيقية: "سينهزم الأعداء، فقد خرج لملاقاتهم جيش كبير، إلا القواد والرماة"، فلا يصح أن تكون "إلا" هنا حرف استثناء؛ خشية أن يفسد المعنى؛ إذ الاستثناء كما شرحنا أول الباب يقتضي أن يكون المعنى هنا: خرج لملاقاتهم جيش كبير طرحنا، ونقصنا منه القواعد والرماة، ولا يعقل أن يخرج جيش كبير دون قواده ورماته.

ومثل: "تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة إلا المحاضر"، فهي هنا كما في المثال السابق بمعنى: غير، ولا يصح أن تكون بمعنى "إلا" الاستثنائية؛ لئلا يترتب على ذلك أن يكون المعنى: تتسع قاعة المحاضرة لمجموع كثيرة طرحنا ونقصنا منهم المحاضر، إذا لا يعقل أن تتسع قاعة المحاضرة للسامعين، ولا تتسع للمحاضرة، فلا يمكن أن يجتمعوا لسماع محاضرة من ليس له مكان عندهم، ومثل هذا قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا 2 آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ، فلو كانت "إلا" حرف استثناء لكان المعنى: لو كان فيهما آلهة، ليس من ضمنها الله لفسدتا، أي: لو كان فيهما آلهة أخرجنا وطرحنا منها الله، لفسدتا"، وهذا معنى باطل؛ إذ يوحي بأنهما لا تفسدان إذا كان الله من ضمن الآلهة ولم يخرج ولم يطرح، وهذا واضح البطلان، بخلاف ما لو كانت "إلا" اسمًا بمعنى: "غير"، نعتًا للنكرة قبلها، فإن المعنى يصح ويستقيم.

ومثال: "إلا" الاسمية الواقعة نعتًا لشبه الجمع الذي هو نكرة حقيقية أن تقول للخائن: غيرك إلا الخائن يستحق الصفح، فكلمة "إلا" اسم بمعنى:"غير" ولا تصلح أن تكون استثناء؛ لئلا يكون المعنى: غيرك من الخائنين يستحق

1 ومن الشرطين السالفين تنشأ صور أربع: "أن يكون الموصوف جمعًا حقيقيًا ونكرة حقيقية"، "وأن يكون شبيهًا بالجمع ونكرة حقيقية"، "وأن يكون جمعًا حقيقيًا وشبيهًا بالنكرة الحقيقية"، والصور الثلاثة السالفة أمثلة معروضة، "أما الرباعة: فأن يكون شبيهًا بالجمع، شبيهًا بالنكرة، كالمفرد المعروف بأل الجنسية".

2 في السماء والأرض.

ص: 351

الصفح إلا الخائن، وفي هذا تناقض ظاهر، أو غيرك من الأمناء مطروحًا وخارجًا منهم الخائن يستحقون الصفح، والخائن ليس من الأمناء، ولا علاقة له بهم حتى يستثنى منهم1، فإذا جعلنا:"إلا" بمعنى: "غير" صح المعنى واستقام وتعرب صفة لكلمة "غير" الأولى، ولا يصح أن تكون حرف استثناء لفساد المعنى وتناقضه

ومثالها نعتًا للجمع الحقيقي الشبيه بالنكرة: يخشى عقاب الله العصاة إلا الصالحون، فالعصاة شبه نكرة لوجود "أل" 2 الجنسية، و"إلا" بمعنى "غير" صفة، ولو كان حرفًا لفسد المعنى؛ إذ يكون: يخشى عقاب الله العصاة، والصالحون لا يخشونه.

أما شبه الجمع الشبيه بالنكرة، فكالمفرد المعروف "بأل الجنسية" نحو: الرجل إلا المريض يحتمل الأثقال.

وإذا كانت "إلا" الاسمية نعتًا، فكيف نعربها؟ أتكون هي وحدها النعت: مباشرة؛ مرفوعًا، أو منصوبًا، أو مجرورًا، بحركات مقدرة على آخره، على حسب المنعوت، وبعدها ما أضيفت إليه مجرورًا؟ أم تكون هي النعت أيضًا مرفوعة، أو منصوبة، أو مجرورة، على حسب المنعوت، ولكن صورتها كصورة الحرف، فالحركات لا تقدر عليها، وإنما تنتقل إلى المضاف إليه الذي بعدها مباشرة؛ فتكون "إلا" نعتًا مضافًا، واللفظ بعدها هو المضاف إليه، وهو مجرور بكسرة مقدرة منع من ظهورها الحركة المنقولة إليه من "إلا"؟.

رأيان، كلاهما معيب، معترض عليه، ولكن أولهما: أقرب إلى القبول، ومن الخير ألا نلجأ في أساليبنا إلى استعمال "إلا" الاسمية ما استطعنا لذلك سبيلًا.

1 ولا يصح هنا جعل الاستثناء منقطعًا؛ لعدم وجود نوع من العلاقة أو الارتباط بين المستثنى والمستثنى منه، "طبقًا لما يقتضيه الاستثناء المنقطع، كما سبق في ص 318، 334".

2 سبقت أحكامها مفصلة ولا سيما من ناحية أثرها في التعريف والتنكير في جـ 1 ص 308 م 3.

ص: 352