المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 78: ظرف الزمان، وظرف المكان - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 78: ظرف الزمان، وظرف المكان

‌المسألة 78: ظرف الزمان، وظرف المكان

1

في مثل: "جاءت السيارة صباحًا، ووقفت يمين الطريق؛ ليركب الراغبون" تدل كلمة: "صباحًا" على زمن معروف؛ هو أول النهار وتتضمن في ثناياها معنى الحرف: "في" الدال على الظرفية2، بحيث نستطيع أن نضع قبلها هذا الحرف، ونقول:"جاءت السيارة في صباح، ووقفت يمين الطريق"؛ فلا يتغير المعنى مع وجود "في"، ولا يفسد صوغ التركيب، فهو حرف عند حذفه هنا ملاحظ كالموجود، يراعى عند تأدية المعنى؛ ولأن كلمة:"صباحًا" ترشد إليه، وتوجه الذهن لمكانه؛ وهذا هو المقصود من أن كلمة "صباحًا" تتضمنه 3.

ولو غيرنا الفعل: "جاء"، ووضعنا مكانه فعلًا آخر؛ مثل: وقف – ذهب – تحرك

– لبقيت كلمة: "صباحًا" على حالها من الدلالة على الزمن المعروف، ومن تضمنها معنى:"في"، وهذا يدل على أن تضمنها معنى:"في" مطرد4 مع أفعال كثيرة متغيرة المعنى.

1 يسمى الظرف بنوعيه: "المفعول فيه"، وهو نوع من:"شبه الجملة"، وكذا من "شبه الوصف" كما سيجيء في رقم 1 من هامش الصفة الآتية.

2 أي: "على أن شيئًا في داخل شيء آخر"؛ فالغلاف الخارجي هو الظرف، وما في داخله هو: المظروف؛ نحو: الماء في الكوب، وفي مثل:"السفر اليوم"، يكون الظرف هو اليوم، والمظروف هو السفر.

3 فالمراد من تضمنها: أنها تشير إلى معنى "في" من غير أن تتضمن لفظه، أو تنوب عنه في أداء معناه، أو عمله، أو تكتسب شيئًا بهذا التضمن، ولولا ذلك لوجب بناء هذه الظروف؛ "لما يسميه النحاة:"السبب التضمني، أو المعنوي" وهو يمنع غالبًا، ظهور الحرف وقد سبق بيانه في الجزء الأول، ص 60 م 7، وهو يزيد الأمر هنا وضوحا" مع أن أكثر الظروف معرب، برغم تضمنه معنى: "في".

4 أي: مستمر في مختلف الأحوال، ومع كل الأفعال ومشتقاتها العاملة، غير مقصور على نوع معين منها، لكن يجب ملاحظة أمور ثلاثة.

أولها: أن كلمة: "في" لا يصح التصريح بها مع الظروف التي لا تتصرف كما سيجيء في رقم 4 من ص 236 و"د" من ص 270 بخلاف المتصرفة. =

ص: 242

بخلاف ما لو قلنا: الصباح مشرق – صباح الخميس معتدل،

فإن كلمة: "الصباح" في المثالين، وأشباهما تدل على الزمن المعروف، ولكنها لا تتضمن معنى "في"، فلو وضعنا هذا الحرف قبلها لفسد الأسلوب والمعنى المراد منه؛ إذ لا يصح أن يقال: في الصباح مشرق – ولا في صباح الخميس معتدل؛ ومن أجل هذا لا يصح اصطلاحًا تسمية كلمة: "الصباح" في هذين المثالين ظرف زمان؛ لعدم وجود شيء مظرف فيها، بالرغم من أنها تدل على الزمان فيهما.

وتدل كلمة: "يمين" في المثال الأول على المكان؛ لأن معناها وقفت السيارة في مكان؛ هو: "جهة اليمين"، وهي متضمنة معنى:"في"، إذ نستطيع أن نقول: وقفت في اليمين، أو: في جهة اليمين؛ فلا يتغير المعنى.

ولو غيرنا الفعل، وجئنا بآخر، فآخر

لظلت كلمة: "يمين" على حالها من الدلالة على المكان، ومن تضمنها معنى "في" باطراد.

بخلاف قولنا: اليمين مأمونة – إن اليمين مأمونة – خلت اليمين

فإنها في هذه الأمثلة وأشباهها – لا تتضمن معنى الحرف: "في"، ويفسد الأسلوب والمعنى بمجيئه؛ إذ لا يقال: في اليمين مأمونة، وكذا الحال في باقي الأمثلة وأشباهها؛ لهذا لا يصح تسميتها في هذه الأمثلة ظرف مكان، لعدم وجود شيء مظرف فيها

فكلمة: "صباحًا" في المثال الأول ونظائرها تسمى: ظرف "زمان". وكلمة "يمين" ونظائرها، تسمى:"ظرف مكان".

فالظرف1 هو: "اسم منصوب يدل على زمان أو مكان، ويتضمن معنى:

= وثانيها: أن نوعين من الظروف المكانية لا ينصبهما إلا أفعال معينة خاصة، أو مشتقاتها؛ فلا يتضمنان في الأعم الأغلب معنى:"في" باطراد كما سيجيء في رقم 3 من هامش ص 235 فالظروف الدالة على المقادير لا تنصبها إلا أفعال السير ومشتقاتها، والظروف التي تلاقي فعلها في الاشتقاق إنما ينصبها ما تجتمع معه في حروف مادته من فعل، أو وصف بعمل عمله.

ثالثها: أن أسماء الزمان التي تلاقي فلها في الاشتقاق، ينصبها ما تجتمع معه في حروف مادته من قل: أو وصف يعمل عمله

"انظر "ج" من ص 254".

1 يسمى الظرف بنوعيه: "المفعول فيه" كما سبق في رقم 1 من هامش الصفحة الماضية، وقد يطلق الظرف في كلام الأقدمين أحيانًا مرادًا منه الجار مع مجروره؛ لأن كلمة:"الظرف" عندهم قد تشمل "شبه الجملة" بنوعيه، وتطلق على كل منهما، صرح بهذا:"المغني" جـ 1 في مبحث: "كيف" والهمع =

ص: 243

"في" باطراد1

"، وينقسم إلى ظرف زمان، وظرف مكان2.

أحكام الظرف بنوعيه:

أشهرها سبعة:

1– أنه منصوب3 على الظرفية4، فلو كان مرفوعًا، أو كان منصوبًا لداع آخر غير الظرفية، أو مجرورًا 4ولو كان الجار هو:"في" الدالة على الظرفية فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان5.

وناصبه ويسمى: عامله إما مصدر؛ نحو: المشي يمين الطريق أسلم. والجري وراء السيارات يعرض للأخطار.

وإما فعل6 لازم أو متعد، نحو: أنجزت عملي مساءً، ثم قعدت أمام المذياع، أتمتع به.

= ج 1 في باب الظرف" – في المبحث المستقل الذي عنوانه "كيف" ص 214، وكذا الخضري – وغيره، في ج 1 باب: "المبتدأ والخبر" عند بيت ابن مالك الذي نصه: "وفي" جواب كيف زيد؟ قل دنف

".

وانظر النحو الوافي "ج1 م 39 ص362 من الطبعة الثالثة.

وشبه الجملة يسمى أيضًا: "شبه المشتق"، أو: شبه الوصف" للسبب المدون في رقم 3 من هامش ص 373".

أما حكم شبه الجملة بنوعيه: "الظرف، والجار مع مجروره" بعد المعارف والنكرات فيجيء في ص 446.

1 أي: بأن يتعدى إليه كل الأفعال مع بقاء تضمنه في المعنى لذلك الحرف الدال على احتواء الظرف لمعنى عامله، إلا الظروف التي أشرنا إليها "في رقم 4 من هامش ص 242"، ومنها نوعان لا يتضمنان معنى "في" إلا في حالات معينة يكون فيها الفعل العامل أو مشتقاته من نوع معين؛ فهما بسبب هذا التعين لا يتضمنان معنى "في" باطراد.

2 وفي هذا يقول ابن مالك:

الظرف وقت أو مكان ضمنًا:

"في" باطراد؛ "كهنا" أمكث "أزمنا"

والأحسن في: "ضمنا" أن تكون ألفه للتثنية المراد منها الوقت والمكان، وكلمة:"أو" للتنويع، بمعنى الواو.

3 إما مباشرة؛ لأنه معرب مثل: يوم وراء

، وإما مبني في محل نصب. مثل: حيث – منذ.

4 و 4 انظر "أ" من ص 259 حيث الكلام على الظرف المتصرف.

5 كالصور التي يجب فيها جزء بالحرف: "في" وإعرابهما بعد ذلك خبرًا لمبتدأ، وقد سبقت في باب المبتدأ والخبر، ج 1 م 35.

6 تام أو ناقص، جامد أو متصرف

، أو غير ذلك

إلا الفعل: "ليس" ففي التعلق به، خلاف "وسيجيء الكلام على سبب التعلق في ص 249، وفي باب حروف الجر، ص 436 ب".

ص: 244

وإما وصف1 حقيقي عامل، "اسم فاعل، اسم مفعول

" نحو الطيارة مرتفعة فوق السحاب، والسحاب مركوم تحتها لا يعوقها.

إما وصف تأويلًا؛ ويزاد به الاسم الجامد المقصود منه الوصف بإحدى الصفات المعنوية، مثل: أنا عمر عند الفصل في قضايا الناس، وأنت معاوية ساعة الغضب، فالظرف:"عند" منصوب بكلمة: "عمر"، والمراد منها:"العادل". وكلمة: "ساعة" منصوبة بكلمة: "معاوية" والمراد منها: الحليم2

2-

ولا بد أن يتعلق3 الظرف بناصبه "أي: بعامله"، وليس من اللازم أن يكون عامله متقدمًا عليه؛ كالأمثلة السالفة، فقد يكون متأخرًا عنه؛ كقولهم:"الجر عند الحمية لا يصطاد، ولكنه عند الكرم ينقاد، وعند الشدائد تذهب الأحقاد"، والمشهور أنه لا يتعلق بعامله المباشر إن كان هذا العامل حرفًا من "حروف المعاني"4.

1 أي: مشتق، والحقيقي: غير التأويل الآتي.

2 وقد يكون ناصبه هو العامل في المنادى؛ كالطرف: "بين" في قول الشاعر:

يا دار بين النقا والحزن ما صنعت

يد النوى بالألى كانوا أهاليك؟

وسيجيء بيان هنا، وفي باب:"المنادى"، ج 4 م 127.

3 معنى التعلق موضح في "ب" ص 267، وفيها أن التعلق قد يكون بعامل معنوي، وهو:"الإسناد".

4 المراد من: "حروف المعاني" موضح، في صدر الجزء الأول "م 5" عند الكلام على موضوع:"الحرف" ومن أنواعها: حروف العطف، وحروف الاستفهام، وحروف النفي

و

ونزيد هنا ما يقول صاحب " المفصل" في ج 8 ص 7 من أنها حروف جاءت عوضًا عن الجمل، ومفيدة معناها، بأوجز لفظ، فكل حرف منها يفيد فائدتها المعنوية مع الإيجاز والاختصار؛ فحروف العطف جيء معناها، بأوجز لفظ، فكل حرف منها يفيد فائدتها المعنوية مع الإيجاز والاختصار؛ فحروف العطف جيء بها عوضًا عن:"أعطف"، وحروف الاستفهام جيء بها عوضًا عن:"أستفهم" وحروف النفي إنما جاءت عوضًا عن "أجحد"، أو:"أنفى"، وحروف الاستثناء جاءت عوضًا عن:"أستثني"، أو:"لا أقصد"، وكذلك لام التعريف نابت عن:"أعرف"، وحروف الجر جاءت لتنوب عن الأفعال التي بمعناها؛ فالباء نابت عن: ألصق مثلًا والكاف ثابت عن أشبه، وكذلك سائر حروف المعاني: كأحرف النداء والتمني

وقد عقد صاحب المغني في الجزء الثان من كتابه فضلًا من شبه الجملة بنوعيه "الظرف، والجار مع مجروره"، عنوانه:"هل يتعلقان بأحرف المعاني"؟ ملخصة: أن هناك ثلاثة آراء: =

ص: 245

3-

أن عامله قد يحذف جوازًا، أو وجوبا، فيحذف جوازا حين يدل عليه دليل؛ كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: يوم الجمعة؛ أي: حضرت يوم الجمعة، ومتى وصلت يوم الجمعة؟ فيجاب: مساءً، أي: وصلت مساءً، ومثل: كم ميلًا مشيت؟ فيجاب: ميلين؛ أي: مشيت ميلين، ويسمى الظرف الذي ذكر عامله أو حذف جوازًا لوجود قرينة تدل عليه:"الظرف اللغو"1، أما الذي حذف عامله وجوبًا فيسمى:"الظرف المستقر"1.

= أولها: المنع مطلقًا، وهو المشهور، ثانيها: الجواز مطلقًا، ثالثها: التفصيل؛ فإن كان حرف المعنى نائبًا عن فعل حذف جار ذلك على طريق النيابة، لا الأصالة، وإلا فلا؛ فنحو "يا لمحمد" يكون الجار والمجرور متعلقين بالحرف:"يا"، لنيابته عن "أدعو"، أو:"أنادي".

وأما الذين قالوا بالجواز مطلقًا، فمثلوا له بقول الشاعر:

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا

إلا أغن عضيض الطرف مكحول

فالظرف: "غداة" ظرف للنفي، أي: انتفى كونها في هذا الوقت إلا كأغن، ولا يصح تعلقه بما بعد "إلا"؛ لأن معمول المستثنى لا يتقدم عليهما كما سيجيء في بابه ص 328 م 81، ومثل: ما ضربت الغلام للتأديب، فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فالجار والمجرور متعلقان بالفعل، والمنفي ضرب مخصوص، وللتأديب تعليل للضرب المنفي، أما إذا قصدت نفي الضرب على كل حال فالجار والمجرور متعلقان بالنفي، والتعليل له، أي: أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب؛ لأنه قد يؤدب بعض الناس بالصفح عنه، وتركك إياه دون أن تضربه.

ومثله في التعلق بحرف النفي عندهم: ما أكرمت المسيء لتأديبه، وما أهنت المحسن لمكافأته؛ إذ لو علق هذا بالفعل لفسد المعنى المراد، ومثل هذا قوله تعالى:{مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ؛ فالباء متعلقة بالنفي؛ إذ لو علق الجار والمجرور بكلمة: "مجنون" ولم يتعلقا بالنفي لأفاد نفي جنون خاص؛ هو الجنون الذي يكون من نعمة الله، وليس في الوجود جنون هو نعمة، ولا المراد نفي جنون خاص

و

ثم قال صاحب المغني تعليقًا على هذا الرأي ما نصه:

"هذا كلام بديع، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف، فينبغي على قولهم أن يقدر التعلق بفعل دل عليه النافي

و

". ا. هـ.

وإذا كان الكلام السالف بديعًا "كما يقول بحق صاحب المغني"، فكيف لا يوافق عليه جمهرة النحاة بعد ما بدا له من تلك الآثار المعنوية الهامة التي كشفها أصحابه، وأبانوا جليل قدرها؟ ولم التقدير والتأويل من غير داع؟

لهذا لم يكن بد من الاطمئنان إلى ذلك الكلام والاقتصار عليه، وإن خالفه الجمهور بغير حجة واضحة، اللهم إلا إن كان القصد أن التعلق بالفعل الذي يدل عليه النافي أظهر وأبين، فهذا صحيح.

1 و 1 تكلمنا بإسهاب على الظرف "اللغو" والظرف "المستقر" بفتح القاف، وعن =

ص: 246

ويجب حذف هذا العامل في ستة مواضع:

أن يقع خبرًا، أو حالًا، أو صفة، أو صلة، أو مشتغلًا1 عنه، أو لفظًا مسموعًا عن العرب محذوفًا في أكثر استعمالهم، فمثال الخبر: الأزهار أمامنا، والزروع حولنا، ومثال الحال: هذا الأسد أمام مروضه كالفأر، ومثال الصفة: إن شهادة زور أمام القضاء قد تحفر هوة سحيقة تحت أقدام شاهدها، ومثال الصلة: احتفيت بالصديق الذي معك، ومثال الاشتغال: يوم الأحد سافرت فيه2. ومثال المسموع: حينئذ الآن.

= سبب التسمية؛ وما يصحبها من أحكام مختلفة؛ في الجزء الأول "في ص 271 م 27 و 246 م 35"، وهي أحكام هامة "منها: أن الظرف اللغو لا يقع بنفسه خبرًا، ولا صلة

و

وإنما الذي يقع هو عامله المذكور، أو المحذوف جوازا لقرينة -كما سيجيء في، في ص249- وبعضها يؤدي إلى تيسير محمود، ثم عدنا إلى الكلام المفصل مرة أخرى في هذا الجزء الثاني بمناسبة الكلام على حروف الجر، وتعلقها بعامل محذوف – وغيره – وآثاره من النواحي المختلفة "في رقم 3 من هامش ص 245"، والموضوع كله جدير بالاطلاع عليه.

1 تقدم باب الاشتغال في هذا الجزء ص 124.

2 القياس في الاشتغال بمعناه العام أن نقول: سافرته، إلا أن الضمير العائد على الظرف يغلب جزء بفي، وقد تحذف تيسيرًا وتوسعًا؛ - كما قالوا – على تخيل أن الفعل اللازم متعد بنفسه، وبناء على هذا التخيل يكون الضمير المتصل به مباشرة، مفعولًا به، لا ظرفًا – بالرغم من أنه عائد على الظرف، ويصير الفعل متعديًا بنفسه، "راجع الصبان في هذا الموضع، ثم المفصل ج 2 ص 46"، وهذا التخيل يؤدي إلى اللبس والخلط بين المتعدي واللازم، فالخير في إبقاء حرف الجر وجوبًا كما يرى كثرة النحاة، أما عند حذفه فالأنسب إعراب الضمير ظرفًا؛ لأنه راجع إلى الظرف – "انظر رقم 2 من هامش ص 126 ثم من ص 252".

ومما فيه إشارة إلى التخيل السالف كلام "أبي علي القالي" في كتابه: "ذيل الأمالي والنوادر" – ص 3 – عند عرضه قصيدة الأبيرد الرياحي في رثاء أخيه، ومطلعها:

تطاول ليلي لم أنمه تقلبًا

كأن فراشي حال من دونه الجمر

قال: أبو علي، بعد الفراغ منها ما نصه:"قال أبو الحسن – يريد: أبا الحسن علي بن سليمان الأخفش – من روى: "لم أنمه" جعله مفعولًا به على السعة، كما قالوا: "اليوم صمته"، والمعنى: لم أنم فيه، وصمت في اليوم، جعله مثل: زيد ضربته". ا. هـ.

ومثل هذا في كتاب: "الكامل للمبرد" – ص 27 – فقد نقل في باب عنوانه: "من كلام العرب: الاختصار" حذف كلمة "في" من قول العرب: "أقمت ثلاثًا ما أذوقهن طعامًا ولا شرابًا"، وقول الراجز:"في اسعة يحبها الطعام" – ببناء المضارع للمجهول – ثم قال بعد ذلك: "يريد في اسعة يحب فيها الطعام. وكذلك الأول معناه ما أذوق فيهن

، وذلك أنه ضمير الظرف تجعله العرب مفعولًا به على السعة؛ كقولهم يوم الجمعة سرته، ومكانكم قمته، وشهر رمضان صمته

؛ فهذا يشبه في السعة بقولك: "زيد ضربته" وما شابهه، فهذا بين". ا. هـ.

ص: 247

والعامل المحذوف في الثلاثة الأولى يصح أن يكون وصفًا أو فعلًا؛ فالتقدير على اعتباره وصفًا هو: "مستقر، أو موجود، أو كائن، أو حاصل

، وأشباه هذا مما يناسب"، وعلى اعتباره فعلًا هو: "استقر – وجد – كان التي بمعنى: وجد – حصل

وأشباه هذا مما يناسب".

أما مع الصلة فيجب أن يكون فعلًا1؛ لأن الصلة لغير "أل" لا بد أن تكون جملة فعلية، والوصف مع مرفوعه ليس جملة2.

والأحسن في "المشغول عنه" هنا، وفي "المسموع" أيضًا أن يكون فعلًا، فأصل المشغول عنه: سافرت يوم الأحد سافرت فيه، وأصل المسموع في قولهم: حينئذ الآن، هو:"كان ذلك حينئذ، واسمع الآن3".

1 وكذلك العامل المحذوف في – القسم؛ لأن القسم والصلة – لغير أل –، لا يكونان إلا جملتين، ولن يتحقق هذا إلا بتقدير العامل المحذوف فعلًا، وليس اسمًا مشتقًا يشبهه – كما سيجيء في باب حروف الجر ص 500 – أما صلة "أل" فصفة صريحة؛ فيجب أن يكون المحذوف اسمًا مشتقًا يصلح أن يكون صلة لها على الوجه الذي تقدم بيانه عند الكلام عليها في باب الموصول والصلة "ج1 ص 253 م 26 و 271 م 27".

2 إذا كان المحذوف في الصلة وغيرها هو متعلق الظرف، فهل يجوز أن نقول: إن الظرف نفسه هو الصفة، أو الصلة، أو الحال، أو الخير، ونستريح من التقدير؟.

الجواب؛ نعم، "وتفاصيل هذا وأدلته قد سبقت في ج 1 ص 272، م 27 وفي باب المبتدأ والخبر شبه الجملة، م 35 وسيجيء تلخيصها في الزيادة "ص 249"، وفي: "باب حروف الجر" "رقم 3 من هامش ص 445".

3 هذا مثل يقال لمن ذكر أمرًا تقادم عهده، أي:"حصل ووقع ما تقوله حين إذ كان كذا وكذا، واسمع الآن كلامي"، فهما جملتان، والمقصود منعه من ذكر ما سبق، وأمره بسماع ما يقال له الآن.

وفي نصب الظرف وحذفه عامله جوازًا أو وجوبًا يشير ابن مالك بقوله:

فأنصبه بالواقع فيه مظهرًا

كان، وإلا فانوه مقدرًا

وكل وقت قابل ذاك، وما

يقبله المكان إلا مبهمًا

نحو: الجهات، والمقادير وما

صيغ من الفعل؛ كمرمى من رمى

الظرف يقع فيه المعنى إما من المصدر المجرد، أو من الفعل، أو من الوصف العامل – وهو هنا يقول: انصب الظرف بالعامل الذي معناه يقع في هذا الظرف، فالمراد: انصبه بواحد من الأشياء السالفة إن كان موجودًا، وإلا فقدره، ثم بين أن كل وقت، - أي: ظرف للزمان – يقبل النصب على الظرفية، مبهمًا كان أم مختصًا، أم ظرف المكان فلا ينصب منه إلا ما ذكره من الجهات، والمقادير، وما صيغ من الفعل.

"وسيأتي شرح هذا في ص 252".

ص: 248

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

إذا كان عامل الظرف محذوفًا وجوبًا بعض المواضع1، فما الداعي إلى ملاحظته عند الإعراب، ووجوب تقديره في تلك المواضع، واعتباره هو الخبر أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو

، دون الظرف نفسه؟ لم لا يكون الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو الحال، أو الصلة، أو

في تلك المواضع ما دام متعلقة المحذوف واجب الحذف، ولا يصح ذكره بحال؟ وإذا كان كلام العرب خاليا منه دائمًا فكيف عرفنا أنه محذوف؟ إن الحكم بالحذف يقتضي علمًا سابقًا ومعرفة من اللغة بأن هذا المحذوف أو نظائره قد وجد حقيقة في الكلام العربي، ثم حذف لسبب طارئ، وهذه المعرفة لم توجد حقًا، فكيف حكمنا إذا بأنه محذوف؟

إلى غير هذا مما يحتج به المعارضون، وينتهون منه إلى أن الظرف نفسه هو الخبر، أو الصفة، أو

أو

، وليس من اللازم في رأيهم أن يكون هذا الظرف منصوبًا بالعامل المحذوف، فقد يكون منصوبا بشيء آخر في الجملة، أو بعامل معنوي كالحذف

أو بغير عامل

، ولا ضرر في هذا عندهم.

وفريق منهم يقول: إن خصائص العامل ومنها: معناه، وتحمله للضمير قد انتقلت للظرف؛ فلا مانع أن يكون الظرف نفسه بعد هذا هو الخبر، أو: الصفة

أو

"وقد أشرنا لهذا الرأي في ص 447، وسبق إيضاحه في الجزء الأول، هامش ص 271 م 27 وص 346 م 35"، وأنه رأي مقبول عند بعض القدامى المحققين".

أما الذين يحتمون أن يكون العامل المحذوف هو الخبر، أو الصفة

أو

دون الظرف، ويشترطون أن يكون للظرف في تلك المواضع متعلقًا هو الخبر أو الصفة

أو

، فلهم حجة منطقية قوية، ولكنها على قوتها تتسع للتيسير والتخفيف بغير ضرر، وتنتهي إلى ما يقوله المعارضون؛ هي: أن الزمان المجرد لا وجود له؛ فمن المستيحل أن يوجد زمان لا يقع فيه حادث جديد، أو لا يستمر فيه حادث موجود، فخلو الزمان من أحداث جديدة، أو مستمرة محال. وبتعبير

1 سبق بيانها في ص 247.

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أدق: لا بد من اقتران كل حادث بزمان، ويستحيل أن يوجد حادث في غير زمان، ولهذا سمي الزمان ظرفًا؛ تشبيهًا بالظرف الحسي كالأواني والأوعية التي توضع في داخلها الأشياء، وإذا كان الأمر هكذا فكل زمان مقرون حتمًا بالحادث المتصل به الواقع فيه، وكثير من هذه الحوادث أمر عام يدل على مجرد "الوجود المطلق" من غير زيادة معنوية عليه، فهو معروف، فلا داعي لذكره؛ إذ لا فرق في المعنى بين: قولنا: "السفر حاصل غدًا"، وقولنا:"السفر غدًا"؛ لأنه هو والزمان متلازمان كما سلف؛ فذكر الثاني كاف في الدلالة على وجود المحذوف؛ فهو مع حذفه ملاحظ وكأنه موجود، هذا من الناحية العقلية المحضة1.

وهناك شيء آخر يقولونه في شبه الجمة الواقع خبرًا أو غير خبر من الأشياء التي سلفت؛ هو: أن اللفظ الدال على الزمان لا يكمل وحده بغير متعلقه المعنى الأساسي للجملة، ولا يستقل بنفسه في تحقيق فائدة تامة، وإنما يجيء لتكملة معنى آخر فيما يسمى:"العامل"؛ فليس من شأن اللفظ الزماني أن يتمم المعنى الأساسي المراد بغير ملاحظة العامل المحذوف؛ فلولا ملاحظته في مثل: "السفر يوم الخيمس" لكان المعنى: السفر زمان، وهذا الزمان يوم الخميس، وبعبارة أخرى: السفر هو يوم الخميس نفسه، ويوم الخميس هو السفر، والمعنى لا شك فاسد، مع أن الثابت المقرر من استقراء كلام العرب يوجب أن يكون الخبر هو المبتدأ في المعنى، والمبتدأ هو الخبر في المعنى كذلك، ولا فساد في ذلك مطلقًا.

ومثل هذا يقولون في ظرف المكان؛ فالمكان المجرد لا وجود له؛ فمن المستحيل أن يوجد مكان لا تقع فيه أحداث جديدة، أو تستمر يه أحداث قديمة؛ فالحوادث والأماكن مقترنان متلازمان على الدوام، فذكر الثاني في الكلام كاف في الدلالة على وجود المحذوف الملاحظ حتمًا، فيتساوى المعنى بين:"علي موجود في البيت" و"علي في البيت، وكذلك بين""علي موجود أمامك"، و"علي

1 بل إن الظرف بنوعيه لا بد أن يدل في أصله على: "الوجود المطلق"، ثم يمتاز "اللغو" بدلالته فوق هذا على معنى خاص آخر، كالأكل، أو الشرب، أو غيرهما مما يزاد عليه فيجعله خاصًا مقيدًا بعد أن كان عامًا مطلقًا، وسيجيء الموضوع بيان في باب:"حروف الجر"، عند الكلام على شبه الجملة رقم 3 من هامش ص 445.

ص: 250

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أمامك"، هذا إلى أن ظرف المكان وحده بغير ملاحظة عامله المحذوف لا يتمم المعنى الأساسي المراد، ولا يكمل القصد؛ فالمكان إنما يجيء لتكملة معنى، ولا يمكن أن يستقل بإيجاد معنى أساسي جديد، وإذا ثبت أن لكل حادثة زمنًا فلا بد لها من مكان أيضًا، وإذا استحال أن يخلو زمان من حادثة استحال أن يخلو مكان من حادثة أيضًا.

ولولا ملاحظة المحذوف لكان المبتدأ في مثل: "الجلوس فوق" هو نفس الخبر، أي: أن: الجلوس هو "فوق"، "وفوق" هو الجلوس ذاته1، وهذا معنى فاسد، ومثل هذا يقولون في الجار مع مجروره؟

تلك هي الأدلة القوية، ولا حاجة لغير المتخصصين بمعاناتها، وحسبنا أن نحكم بقوة الرأي القائل بأن شبه الجملة هو الخبر، أو الحال، أو

، وأنه رأي سديد لا مانع من مسايرته، على الوجه المدون في الجزء الأول في الصفحات المشار إليها.

1 لما تقرر من أن المبتدأ هو الخبر في المعنى، والخبر هو المبتدأ في المعنى في غير هذه المواضع.

ص: 251

4– أن أسماء الزمان الظاهرة1 كلها تصلح للمنصب على الظرفية، يتساوى في هذا ما يدل على الزمان المبهم2، وما يدل على الزمان المختص4 فمثال الأول: عملت حينًا، واسترحت حينًا، ومثال الثاني: قضيت يومًا سعيدًا في الضواحي، وأمضيت يوم الخميس في الريف، كما يتساوى في هذا ما كان منها جامدًا؛ مثل: يوم، وساعة

وما كان مشتقًا مرادًا به الزمان؛ كصيغتي: "مفعل، ومفعل" بفتح العين وكسرها القياسيتين الدالتين على "الزمان"، بشرط أن تكون الصيغ القياسية المشتقة جارية على عاملها "أي: مشتركة معه في مثل

1 بخلاف المضمرة كضمير الظرف في مثل: يوم الجمعة سرت فيه فإنه ظرف يجر بالحرف: "في" وجوبًا؛ فلا يقال: سرته، إلا على رأي يبيح التوسع بحذف حرف الجر قبله، وإعرابه مفعولًا به، "وقد سبق البيان والتفصيل في رقم 2 من هامش ص 247 وله إشارة في رقم 2 من هامش ص 126".

2و2 اسم الزمان المبهم هو: النكرة التي تدل على زمن غير محدود، "أي: غير مقدر بابتداء معين، ونهاية معروفة"؛ مثل: حين، وقت، مدة، زمن، أو: تدل على وجه من الزمان دون وجه، مثل: صباح، عشية، غداة، "كما سيجيء في ص 301م 79 أما الإيضاح الأنسب فهو في باب الإضافة ج3م 94".

والمختص: عكسه؛ ومنه المقدر المعلوم؛ لتعريفه بالعملية؛ كرمضان، أو بالإضافة مثل: زمن الشتاء، أو بأل، مثل: اليوم

، ومنه أيضًا: المقدر غير المعلوم؛ كالنكرة المعدودة غير المعينة، نحو: سرت يومًا أو يومين، والنكرة الموصوفة كسرت زمنًا طويلًا.

وهناك فرق آخر يترتب على ما سبق؛ هو: أن الظرف الزماني المبهم بمنزلة التأكيد المعنوي لزمن عامله؛ لأن معنى: سار الرجل، هو: حصول سير من الرجل في زمن فات، فإذا قلنا:"سار الرجل زمنًا" كان المعنى أيضًا: حصول سير الرجل في زمن فات، فالظرف الزماني لم يفد إلا التأكيد العنوي للزمن؛ كما قلنا، ومنه "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا"، فكلمة:"ليلا" ظرف زمان يؤكد زمن الفعل، "أسرى"؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلًا.

أما الظرف المختص فيفيد التأكيد المعنوي مع الزيادة الدالة على الاختصاص. وعلى هذا يكون من الظروف الزمانية ما يؤكد عامله كما يقع تأكيد العامل بالمصدر والحال، ومنها ما يؤكده مع زيادة أخرى؛ كالشأن في المصدر المبين للنوع أو للعدد، وقد سبق.

وسيجيء الكلام على الظرف المؤكد والمؤسس في "ب" من ص 257.

وظرف الزمان المبهم غير الأسماء المبهمة التي سبق الكلام عليها في ج 1 ص 305 "ج" م 25، وفي رقم 3 من هامش ص 306 م 26".

وبمناسبة الكلام على الظرف الزماني المضاف تردد كتب اللغة "أن العرب لم تضف كلمة: "شهر" إلا إلى "رمضان، والربيعين" لكن لا مانع من إضافتها إلى الشهور الأخرى، ولا مانع كذلك من ترك الإضافة إلى: "رمضان والربيعين" وغيرهما؛ كما نص على ذلك النحاة.

"راجع الصبان ج 1 عند الكلام على الظرف "المبهم والمختص"، وكذلك الهمع ج1 باب "الظرف" ص 199 حيث البيان أوسع.

ص: 252

حروفه الأصلية"، مثل: قعدت مقعد الضيف، أي: زمن قعود الضيف1.

أما أسماء المكان فلا يصح منها للنصب على الظرفية إلا بعض أنواع:

أ- منها: المبهم2 وملحقاته؛ نحو: الجهات الست، في مثل: وقف الحارس أمام البيت وطار العصفور فوقه

، فإن كان المكان مختصًا لم يصح نصبه على الظرفية، ووجب جره بالحرف:"في" إلا في حالتين:

الأولى: أن يكون عامل الظرف المكاني المختص هو الفعل: "دخل" أو: "سكن" أو: "نزل"، فقد نصب العرب كل ظرف مختص مع هذه الثلاثة؛ نحو: دخلت الدار، وسكنت البيت

، ونزلت البلد

، والأحسن في إعراب هذه الصور وأشباهها أن يكون كل من " الدار"، و"البيت"، "والبلد" مفعولًا به لا ظرفًا ويكون الفعل قبلها متعديًا3 إليها بنفسه مباشرة.

الثانية: أن يكون الظرف المكاني المختص هو كلمة: "الشام" وعامله هو الفعل: "ذهب"، فقد قال العرب:"ذهبت الشام" وتعرب هنا ظرفًا ومثله الظرف المختص: "مكة" مع عامله الفعل: "توجه" فقد قال العرب أيضًا: توجهت مكة. فنصب ظرفًا مع هذا الفعل وحده، و"الشام" و"مكة" ضرفان مكانيان على معنى:"إلى".

ب– ومنها: المقادير4، نحو: غلوة – ميل – فرسخ –

1 انظر رقم 3 من هامش ص 254 "راجع أول "باب الظرف" في ج 1 من حاشيتي الخضري والصبان".

2 المراد به: ما ليس له هيئة ولا شكل محسوس، ولا حدود تحصره بين نهايات مضبوطة، تحدد جوانبه؛ ومنه: الجهات الست، وما يشبهها في الشيوع وهي "أمام – خلف – يمين – شمال – فوق – تحت"، والمختص: عكسه؛ مثل: بيت – دار – غرفة

وقد ألحق بالجهات الست ألفاظ ستجيء؛ في "أ" من ص 257 منها: عند، ولدي

و

وهناك تفصيل آخر في باب الإضافة ج 3 م 94.

3 لنستريح من النصب على نزع الخافض، ومن اعتراضات أخرى على إعرابه ظرفًا منصوبًا.

4 ويلاحظ ما سبقت الإشارة إليه "في رقم 4 من هامش ص 242 ورقم 1 من هامش ص 244"، وهو ان الظروف الدالة على ضمير لا تتضمن معنى:"في" باطراد، وإنما تتضمنها أحيانًا قليلة؛ لأن ناصبها لا بد أن يكون من أفعال السير، أو مشتقاتها؛ فلا توجد:"في" مع ناصب آخر:

كذلك النوع الآتي: وهو ما صيغ من مادة فعله وحوى حروفه، فإن هذا الظرف لا يتضمن معنى =

ص: 253

بريد1

و

و

مثل: مشيت غلوة، ثم ركبت ميلًا، ثم سرت فرسخًا.

ج– ومنها: ما صبغ، على وزن2:"مفعل"، أو"مفعل" للدلالة على المكان، بشرط أن يكون الوزن جاريًا على عامله، "أي: مشتركًا معه في مثل حروفه الأصيلة ومشتملًا عليها"3، مثل: وقفت موقف الخطيب، وجلست مجلس المتعلم صنعت مصنع الورق، وبنيت مبناه

، فلو كان عامله من غير لفظه لوجب الجر بالحرف:"في"، نحو: جلست في مرمى الكرة4.

= "في" باطراد؛ لأن ناصبه من فعل أو وصف يعمل عمله، لا بد أن يكون مشتركًا معه في حروف صيغته، فلا توجد "في" مع غيره، ففي هذين النوعين لا تطرد "في"؛ إذ توجد مع بعض الأفعال المعينة، ومشتقاتها دون بعض آخر لا يمكن أن يتضمنها معنويًا؛ لأنه غير صالح للعمل في النوعين السالفين.

هذا، وقد اختلف النحاة في المقادير؛ أهي من المبهم، أم شبيهة بالمبهم، أم قسم قائم بذاته

ولسنا في حاجة إلى العناء؛ فاعتبارها قسمًا مستقلًا أنسب، وليست من المبهم؛ لأنها معلومة المقدار، ولكنها مختلفة الابتداء، والانتهاء، والبقعة، بحسب الاعتبار؛ فليس لها جهة ثابتة مستقرة فيها، فالميل قد يكون في بلد؛ وقد يكون في غيرها

، يكون في صحراء، وقد يكون في حضر، وقد يكون في الشرق بالنسبة لشيء آخر، أو في الغرب، وهكذا.

1 الغلوة: مائة باع تقريبًا، أو: هي أبعد مسافة يقطعها السهم، والميل: ألف باع، والفرسخ: ثلاثة أمثال، وللبريد: أربعة فراسخ

2 كما سبق في ص 252 ويكون اسم الزمان والمكان من الثلاثي على وزن: مفعل "بفتح العين" إن كان مضارع فعله مفتوح العين، أو مضمومها "مثل: يلعب يقعد"، أو: كان مضارعه معتل اللام؛ نحو: يرمي، ويكون على وزن مفعل "بكسر العين" إن كان مضارع فعله مكسور العين، مثل: يجلس، أو: معتل الفاء في أصلها الماضي، مع سلامة اللام، بشرط أن تكون الفاء واوًا تحذف في مضارعه؛ مثل: يعد، من: وعد.

أما من غير الثلاثي فيكون على وزن مضارعه، مع إبدال أوله ميمًا مضمومة وفتح ما قبل الآخر؛ مثل:"مستخرج" ومضارعه: "يستخرج".

"وفي ج 3 ص 242 م 106 تفصيل الكلام عليها وعلى أحكامها".

3 وكذلك ما سبقت إليه الإشارة "في رقم 4 ص 252"، وهو المشتق من مصدر الفعل للدلالة على الزمان وتحقق فيه هذا الشرط وكان منصوبًا؛ فإنه يصلح أن يعرب ظر زمان؛ كالمثال: قعدت مقعد الضيف؛ أي: زمن قعود الضيف.

4 وردت ألفاظ مسموعة بالنصب لا يصح القياس عليها، مثل قولهم: فلان يجلس من الباب مقعد القابلة "أي: المولدة" كناية عن قربه من الباب، وفلان مزجر الكلب، ومناط الثريا، كناية عن البعد فيهما.

ص: 254

ومن ثم كان هذا النوع غير متضمن معنى "في" باطراد، ومستثنى من التضمن1 المطرد.

وهذا القسم يكون مختصا كالأمثلة السالفة، ومبهما، نحو: وقفت موقفا، جلست مجلسا2.

ومما يلاحظ أن هذه الصيغة: "مفعل -مفعل" صلحة للزمان والمكان ويكون التمييز بينهما بالقرائن، كأن يقال: متى حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر القطار، أي: زمن حضور القطار؛ لأن "متى" للاستفهام عن الزمن، بخلاف: أين حضرت؟ فيجاب: حضرت محضر المجتمعين حول الخطيب، أي: مكان حضور المجتمعين

لأن "أين" أداة استفهام عن المكان.

5-

أنه يجوز تعدد الظروف المنصوبة على الظرفية لعامل واحد بغير اتباع3، بشرط اختلافها في جنسها:"أي: اختلافها زمانا ومكانا"، مثل: استرح هنا ساعة أقم عندنا يوما، أما إذا اتفقت في جنسها فلا تتعدد إلا في صورتين، إحداهما: الاتباع، يجعل الظرف الثاني بدلا4 من الأول، نحو: أقابلك يوم

1 كما سبق في رقم4 من هامش ص242، وفي رقم 3 من هامش ص253.

هذا والظروف المكانية الثلاثة: "المبهم - المقدار - ما صيغ من الفعل" هي التي أشار إليه ابن مالك فيما سبق رقم 3 من هامش ص248 بقوله:

........................ ما

يقبله المكان إلا مبهما

2 وإلى هذا أشار ابن مالك "وهو يسرد الأشياء التي تصلح للنصب على الظرفية المكانية، ومنه ما صيغ من الفعل كمرمى من رمى، " بقوله:

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

3 أي: بغير أن يكون واحد مها تابعا للآخر، "نعتا له، أو عطفا، أو توكيدا، أو بدلا".

4 ولا يبدل الأكثر من الأقل على الصحيح ففي نحو: كتبت الرسالة يوم الخميس سنة كذا

يعرب الظرف الثاني "سنة" حالا من الأول، وليس بدلا "راجع أول الباب السادس من المغني".

وهذا رأي البصريين، لكن جاء في "الهمع"، ما يرده بقوة حيث قال في جـ2 ص127 باب البدل ما نصه: "المختار - خلافا للجمهور - إثبات بدل الكل من البعض، لوروده في الفصيح

". ا. هـ، وسرد أمثلة من القرآن والشعر تؤيد رأيه، وقد ذكرناها في باب البدل جـ3 م123.

ص: 255

الجمعة ظهرًا، فكلمة "ظهرا" بدل بعض من كلمة: يوم1.

والأخرى، أن يكون العامل اسم تفضيل؛ نحو: المريض اليوم أحسن منه أمس. "فاليوم وأمس؛ ظرفان عاملها أفعل التفضيل وهو: أحسن"، وقد تقدم عليه واحد، وتأخر واحد

6-

أنه يجوز عطف الزمان على المكان وعكسه؛ مسايرة للرأي القائل بذلك، توسعًا وتيسيرًا؛ نحو: أعطيت السائل أمامك ويوم العيد قرأت الكتاب هنا، ويوم السبت الماضي2.

7– إذا وقع الظرف خبرًا فإنه يستحق أحكامًا خاصة يستقل بها، وقد سبق تسجيلها في مكانها الأنسب، وهو باب:"المبتدأ والخبر"3، ومن تلك الأحكام أن يكون في مواضع معينة باقيًا على حالته من النصب، وفي مواضع أخرى يكون مرفوعًا أو مجروًا، ولا يسمى في هاتين الحالتين ظرفًا

إلى غير هذا من الأحكام الهامة المدونة في الموضع المشار إليه.

1 ملاحظة: في ضوء ما سبق نفهم ما جاء في حاشية الخضري، جـ2، أول باب:"البدل" ونصه: ".... بدل كل من بعض كلقيته غدوة يوم الجمعة، بنصب""يوم"، إذ لا يصح جعله ظرفا ثانيا؛ لأن ظرف الزمان لا يتعدد بلا عطف.". ا. هـ، هذا، وإن تعدد بعطف فإن ما بعد العاطف لا يسمى ظرفا، وإنما يسمى: "معطوفا".

2 لهذا الحكم تفصيل في المكان الأنسب "ج 3 آخر باب: "العطف" م 122".

3 ج 1 م 35 ص 475.

ص: 256

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ- عرفنا1 "المبهم" من ظروف المكان، وأنه يشمل أنواعًا منها:"الجهات الست"، وقد ألحقوا بهذه الجهات ألفاظًا أخرى، منها: "عند – لدى – وسط – بين – إزاء – حذاء

"، واختلفوا في مثل2: "داخل – خارج – ظاهر – باطن – جوف الدار – جانب"، وما بمعناه "مثل: جهة – وجه – كنف" في مثل: قابلته داخل المدينة أو خارجها، أو ظاهرها

؛ فكثير من النحاة يمنع نصب هذه الكلمات على الظرفية المكانية؛ لعدم إبهامها، ويوجب جرها بالحرف:"في"، وفريق يجيز، ويرى أن هذا هو الأوجه3، لما فيه من تيسير؛ لأن تلك الكلمات الدالة على المكان لا تخلو من إبهام، فهي شبيهة بالمبهم، وملحقة به.

وكان الجدير بكل فريق أن يستند في تأييد رأيه على موقفه من كثرة المسموع المأثور، ويعتمد عليه وحده في الاستدلال، واستنباط الحكم، فمن نصره السماع الكثير فرأيه هو الأقوى، دون غيره، ولكنهم لم يفعلوا، ومن ثم يكون الرأي المجيز أولى بالاتباع، وإن كانت المبالغة في الدقة والحرص على سلامة الأسلوب وسموه تقتضي البعد عن الخلاف باستعمال الحرف "في"؛ لاتفاق الفريقين على صحة مجيئه؛ فيجري التعبير اللغوي على سنن موحد.

ب- من أنواع الظرف ما يكون مؤسسًا، وما يكون مؤكدًا، فالمؤسس هو الذي يفيد زمانًا أو مكانًا جديدًا لا يفهم من عامله؛ نحو: صفًا الجو اليوم، فقضيته حول المياه المتدفقة، وبين الأزاهر والرياحين، فكل واحد من الظروف: "اليوم – حول – بين

" يسمى: "ظرفًا مؤسسا، أو تأسيسيًا"؛ لأنه أسس أي: أنشأ معنى جديدًا لا يفهم من الجملة بغير وجود هذا الظرف.

1 في ص 253.

2 من كل خما لا يدل على حقيقته بنفسه، وإنما تعرف حقيقته بما تضاف إليه؛ مثل: مكان – ناحية – أمام – وراء – جهة

فيقال مثلًا: مكان علي – ناحية محمود

3 راجع حاشية الخضري، باب:"الظرف" ج1، ففيها تلخيص الرأيين، وبيان الأوجه منهما، وأنه المفهوم من كلام صاحب "الهمع" في هذا الباب.

ص: 257

والمؤكد: هو الذي لا يأتي بزمن جديد، ولا مكان جديد، وإنما يؤكد زمنًا أو مكانًا مفهومًا من عامله، ومن الأمثلة قوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} ، فالظرف:"ليلًا" لا جديد معه إلا التوكيد لزمن الإسراء؛ لأن الإسراء لا يكون إلا ليلًا، ومثل: صعد الخطيب فوق المنبر؛ فالظرف: "فوق" لم يأت بجديد إلا توكيد معنى عامله الدال على الصعود، أي: الارتفاع والفوقية.

لما سبق كان الظرف في مثل قول القائل: سرت حينًا ومدة لم يزد زمنًا جديدًا غير الزمن الذي دل عليه الفعل 1

1 انظر رقم 2 من هامش ص252.

ص: 258

المسألة 79: الظرف المتصرف وغير المتصرف، وأقسام كل

الظرف بنوعيه قد يكون متصرفًا، وقد يكون غير متصرف.

أ- فالمتصرف هو الذي لا يلازم النصب على الظرفية، وإنما يتركها إلى كل حالات الإعراب الأخرى التي لا يكون فيها ظرفًا؛ كأن يقع مبتدأ، أو خبرًا، أو فاعلًا، أو مفعولًا به، أو مجرورًا بالحرف:"في" المذكور قبله أو بغيره

أو

فمثال الزمان المتصرف كلمة: "يوم" في العبارات التالية: يومكم مبارك، ونهاركم سعيد، إن يومكم مبارك، وإن نهاركم سعيد، جاء اليوم المبارك

إنا نرقب مجيء اليوم المبارك في يوم العيد يتزاور الأهل، والأصدقاء

و

ومثال المكان المتصرف: يمينك أوسع من شمالك العاقل لا ينظر إلى الخلف إلا للعبرة؛ وإنما وجهته الأمام، ومثل: الفرسخ ثلاثة أميال، ونعرف أن الميل ألف باع1.

وقد سبق2 أن الظرف بنوعيه إذا ترك النصب على الظرفية إلى حالة أخرى غير النصب على الظرفية ولو إلى الجر "بفي" أو بغيرها، فإنه لا يسمى ظرفًا، ولا يعرب ظرفًا، ولو دل على زمان أو مكان3

1 وفي الظرف المتصرف يقول ابن مالك:

وما يرى ظرفًا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف

أي: في عرف النحاة واصطلاحهم.

2 في ص 244.

3 من أمثلة هذا كلمة: "اليوم" و"عام" في قول الشاعر:

يطول اليوم لا ألقاك فيه

وعام نلتقي فيه قصير

ومثل كلمة: "غد" في قول الشاعر:

لا مرحبا بغد، ولا أهلًا به

إن كان تفريق الأحبة في غد

ص: 259

حكم الظرف المتصرف:

1-

إما معرب منصرف؛ مثل: يوم – شهر – يمين – مكان1.

2-

وإما معرب غير منصرف مثل: غدوة2؛ وبكره3، وضحوة؛ بشرط أن تكون كل واحد "علم جنس"4، على وقتها المعين المعروف؛ سواء أكان هذا الوقت مقصودًا ومحددًا من يوم خاص بعينه، أم غير مقصود ولا محدد من يوم معين، فهذه الثلاثة وأشباهها متصرفة؛ تستعمل ظرفًا وغير ظرف، وفي الحالتين تمنع من الصرف، وسبب منعها من الصرف:"العلمية الجنسية والتأنيث اللفظي"، فإن فقدت العلمية لم تمنع من الصرف، وذلك لعدم التعيين؛ "لأنها فقدت تعيين الزمن وتحديده؛ وصارت دالة على مجرد الوقت المحض الخالي من كل أنواع التخصيص إلا بقرينة أخرى للتعيين"؛ مثل: غدوة وقت نشاط، يسرني السفر غدوة والقودم ضحوة، بشرط أن يراد بهما مطلق زمن بغير تعيينه، ومن هذا قوله تعالى في أهل الجنة:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} 5.

1 انظر ما يختص بهذه الكلمة في ص 265.

2 الوقت في طلوع الفجر إلى شروق الشمس، وفي ص 553 كلام يختص بهذه الكلمة.

3 الوقت من طلوع الشمس إلى الضحوة، أي: الضحا، وهو وقت ارتفاع الشمس في الأفق.

4 سبق إيضاحه في مكانه المناسب "ج 1 ص 261 م 22 و 266 م23".

5 لزيادة الإيضاح نسوق ما قاله الصبان في هذا الموضع من الجزء الثاني آخر باب الظرف، قال: عن "غدوة وبكرة" ومثلهما: ضحوة ما نصه:

"إنهما علمان جنسيان؛ بمعنى أن الواضح وضعهما علمين جنسيين لهذين الوقتين؛ أعم من أن يكونا من يوم بعينه، أو لا، وهذا معنى قولهم: قصد بهما التعيين أو لم يقصد، كما ضع لفظ: "أسامة" علمًا للحقيقة الأسدية، أعم من أن يقصد به واحد بعينه أو لا، فالتعيين المنفي قصده هو التعيين الشخصي، لا النوعي؛ إذ هو لا بد منه، فلا اعتراض "بأن عدم قصد التعيين يصيرهما نكرتين منصرفتين"، ويؤيد ما ذكرناه قول الدماميني: "كما يقال عند قصد التعميم: أسامة شر السباع، وعند التعيين هذا أسامة فاحذره يقال عند قصد التعميم غدوة أو بكرة وقت نشاط، وعند قصد التعيين لأسيرن الليلة إلى غدوة أو بكرة"، قال: "وقد يخلوان من العلمية فينصرفان، ومنه قوله تعالى:{وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} ، وحكى الخليل: جئتك اليوم غدوة، وجئتني أمس بكرة، والتعيين في هذا لا يقتضي العلمية حتى يمنع الصرف؛ لأن التعيين أعم من العلمية، فلا يلزم من استعمالهما في يوم معين أن يكونا علمين؛ لجواز أن يشار بهما إلى معين مع بقائهما على كونهما من أسماء الأجناس النكرات بحسب الوضع، كما تقول: رأيت رجلا وأنت تريد شخصًا معينًا، فيحمل على ما أردته من المعين، ولا يكون علمًا". ا. هـ، ما نقله الصبان.

ثم انظر الكلام عليهما في جـ 1 ص 110 م 22.

ص: 260

3– وإما مبني، والمبني قد يكون مبنيا على السكون، مثل:"إذ" الواقعة "مضافًا إليه"، والمضاف زمان، نحو: لاح النصر ساعة إذا أخلص المجاهدون كان النصر يوم إذ جاهد المخلصون، أو مبنيًا على الكسر، مثل الظرف:"أمس" عند الحجازيين؛ في نحو: اعتدل الجو أمس.

ب– أما غير المتصرف1: فمنه الذي لا يستعمل إلا ظرفًا، ومنه ما يستعمل ظرفًا، وقد يترك الظرفية ولا يسمى ظرفًا إلى شبهها، وهو الجر بالحرف:"من" غالبًا2، فمثال الذي لا يستعمل إلا ظرفًا:"قط"3، و"عوض"4 و"بدل" بمعنى: مكان "مثل: خذ هذا بدل ذلك"، و"مكان" بمعنى:"بدل"، "أما "مكان" بمعناه الأصلي فظرف متصرف".

"وسحر"5؛ إذا أريد به سحر يوم معين محدد؛ نحو: أزورك سحر يوم السبت المقبل؛ وإلا فهو ظرف متصرف؛ نحو: تمتعت بسحر منعش؛ فهل يساعفني سحرا مثله؟.

ومثال ما يلازم النصب على الظرفية، وقد يتركها إلى شبهها: "عند، ولدن

1 ستجيء له امثلة أخرى في "الزيادة والتفصيل"، ص 266 وما بعدها.

2 قلنا: "غالبًا"؛ لأن الظرف: "أين" قد يخرج عن النصب على الظرفية إلى الجر بالحرف: "من" أو: "إلى".

وكذلك الظرفان: "ثم" و "هنا" بلغاتهما المخلتفة وهما في الوقت نفسه من أسماء الإشارة؛ فيخرجان إلى الجر بأحد الحرفين: "من" أو"إلى""راجع الصبان ج 1 باب اسم الإشارة عند الكلام على: ثم وسبق لذا بيان في ج 1 باب اسم الإشارة م 25".

وكذلك الظرف: "متى" قد يخرج إلى الجر بالحرف: "إلى" أو: حتى.

3 و4 سبق الكلام عليهما في هذا الجزء ص 116 م 68 وملخصه: أن "قط" ظرف زمان لاستغراق الماضي، ولا يستعمل في الغالب إلا بعد نفي أو شبهة. والأصح في ضبطه: فتح القاف وضم الطاء مع تشديدها، وفيها لغات أخرى وهو ظرف مبني على الضم، مثل: ما خدعت أحدًا قط "وقط" غير: "فقط" التي سبق الكلام عليها في رقم 2 من هامش ص 116، وقلنا هناك: إن إيضاحها، وبيان حكمها في ج 2 م 30 ص 382 عند بيت ابن مالك في المعرف، بأل":"أل" حرف تعريف" وأنها بمعنى: "حسب" واالفاء زائدة لتزيين اللفظ"

وعرض: ظرف لاستغراق الزمان المستقبل، غالبًا ولا يكاد يستعمل إلا بعد نفي أو شبهه: وهو مبني على الضم، أو الفتح، أو الكسر، إن لم يضف فإن أضيف أعرب؛ نحو: لن أخادع عوض العائضين.

5 الثلث الأخير من الليل.

ص: 261

وقبل، وبعد، وحول1، و

"، مثل: مكثت عندك ساعة، ثم خرجت من عندك إلى بيتي سأقصد الحدائق لدن الصبح حتى الضحا، ثم أعود من لدنها حضرت قبل الميعاد ولم أحضر بعده، أو: حضرت من قبل الميعاد، ولم أحضر من بعده2.

حكم الظرف غير المتصرف:

1– إما معرب ممنوع من الصرف؛ مثل: عتمة3 عشية4 سحر5 بشرط أن يقصد بكل واحدة التعيين الدال على وقت خاص، فتكون علم جنس عليه؛ لدلالتها على زمن معين محدد دون غيره من الأزمان المبهمة الخالية من التعيين، نحو: استيقظت: ليلة الخميس سحر، حضرت يوم الجمعة عشية، سهرت يوم السبت عتمة.

فإن فقدت هذه العلمية صارت نكرة لا تدل على وقت مخصص من يوم بذاته، وخرجت من نوع الظرف غير المتصرف، ودخلت في نوع المتصرف المنصرف؛ فتصير مبتدأ، وخبرًا، وفاعلًا

و

وغير ذلك، مع التنوين في كل حالة؛ نحو سحر خير من عيشة، ورب عتمة

خير من سحر5.

1 من ظروف المكان غير المتصرفة: "حول" بلغاته المختلفة التي منها: حول

، وحوال

، وحوالي

وحولى وأحوال

وأحوالى

مع إضافته في كل الصور، ومعناه الجهات المحيطة بالمضاف إليه راجع الصبان واللسان، ولهذا إشارة وبيان، في ص 272.

2 لهذه الظروف وملازمتهما النصب على الظرفية أحكام تفصيلية موضع الكلام عليها باب: "الإضافة" ج 3 ص 114 وما بعدها، وفي هذا يقول ابن مالك:

وغير ذي التصرف: الذي لزم

ظرفية، أو شبهها من الكلم

يريد: أن الظرف غير المتصرف من الكلمات، هو: الذي لزم الظرفية وحدها، أو: لزم الظرفية وقد يتركها إلى شبهها أحيانًا، وفي البيت قصور في صياغته؛ لقوله: وغير صاحب التصرف، بدل قوله: غير المتصرف، وكالحذف في الشطر الأخير حيث الواجب: ظرفية فقط، أو: ظرفية وشبهها.

3 الثلث الأول من الليل، "وهي ممنوعة من الصرف، على رأي راجح".

4 آخر النهار.

5و 5 فتمنع كلمة: "سحر" للعلمية والعدل عن السحر؛ لأنها تدل على معين كما تدل عليه الكلمة المقرونة بأل التي للتعريف؛ فكان حقها التصدير بكلمة "أل" التي للتعريف، ولكن العرب عدلوا عن هذا؛ فاجتمع في الكلمة العلمية والعدل، وبسبب اجتماعهما تحقق ما يوجب منع الصرف كما يقول النحاة.

وتمنع كلمتا: "عتمة وعشية" للعلمية والتأنيث اللفظي، "وقد يوضح العلمية هنا ما سبق في رقم 5 من هامش ص 260"، ويشترط لمنع الثلاثة من الصرف الخلو من "أل"، ومن الإضافة فغن نكرت نونت وتصرفت؛ كقوله تعالى:{نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} ، وكذلك مع أل أو الإضافة؛ نحو: سافر الرجل يوم الجمعة السحر منه، أو في سحره، "ولهذا الكلام صلة بما سيجيء عنها في ص 553" وما بعدها.

ص: 262

2– وإما معرب مصروف مثل: "بدل" و"مكان" السالفين1.

3– وإما مبني على السكون أو غيره في مثل: لدن، ومتى2، ومد، ومنذ3 وقط،

وغيرها "مما سيجيء 4".

4-

جميع الظروف غير المتصرفة لا يصح التصريح قبلها بالحرف: "في" بخلاف المتصرفة، وإذا ظهرت "في" قبل الظرف مطلقًا، فإنه يصير اسمًا محضا مجرورًا بها، ولا يصح تسميته ظرف زمان، أو ظرف5 مكان.

ما ينوب عن الظرف:

أ– يكثر حذف الظرف الزماني المضاف إلى مصدر، وإقامة المصدر مقامه6. فنيصب مثله باعتباره نائبا عنه، وذلك بشرط أن يعين المصدر الوقت ويوضحه، أو يبين مقداره، وإن لم يعينه؛ فمثال الأول: أخرج من البيت شروق الشمس، وأعود إليه غروبها أزوركم في العام الآتي قدوم الراجعين من الحج، "تريد: أخرج من البيت وقت طلوع الشمس، وأعود إليه وقت غروبها، ووقت قدوم الراجعين"، فحذف الظرف الزماني: "وقت" وقام مقامه المصدر، وهو: "شروق، غروب، قدوم"، فأعرب طرفًا بالنيابة.

1 في ص 261.

2 "له إشارة في رقم 2 من هامش ص 261"، وهو ظرف غير منصرف، مبني على السكون المقدر دائمًا، ويسأل به عن الزمان وقد يكون مع ظرفيته هذه اسم شرط جازم طبقًا لما سيجيء في ج 4 باب الجوازم التي تجزم فعلين.

3 لا يكون "مذ ومنذ" غير متصرفين إلا على الرأي الذي يمنع وقوعهما مبتدأ، أو شيئًا آخر غير الظرفية، "كما يجيء في رقم 3 هامش ص 270".

4 في الزيادة والتفصيل، ص 268.

5 كما سبق في ص 259 و 1 من ص 244.

6 والمصدر قد يقع أحيانًا ظرفًا دون تقدير مضاف؛ مثل: أحقًا أنك مكافح، أي: أفي حق

، "وسيجيء في من ص 273"

ص: 263

ومثال الثاني: أمكث عندك كتابة صفحة؛ "أي: مدة كتابة صفحة"، وأنتظرك لبس الثياب، "أي: مدة لبسها"، وأغيب غمضة عين، "أي: مدة غمضها"، ففي هذه الصور ونحوها بيان للمقدار الزمني الذي يدل عليه المصدر في كل صورة، دون أن يعين ذلك الوقت، ويحدده: "أهو الصبح، أم الظهر، أم الغروب، أم غيرهما

؟ ".

وقد يحذف الظرف وينوب عنه مصدر مضاف إلى اسم عين1، ثم يحذف هذا المصدر المضاف أيضًا، ويحل محله اسم العين، باعتباره نائبًا عن النائب عن الظرف الزماني، ويعرف ظرفًا بالإنابة، نحو: لا أكلم السفية النيرين أي: مدة طلوع النيرين؛ "وهما: الشمس والقمر": فحذف الظرف الزماني؛ وهو "مدة"، وقام مقامه المصدر المضاف:"طلوع"، ثم حذف المصدر المضاف وحل محله المضاف إليه؛ وهو: كلمة: "النيرين" وتعرب ظرفًا بالإنابة كما قلنا ومن أمثلتهم: لا أجالس لمحدًا الفرقدين2، ولا أماشيه القارظين3 يريدون: مدة ظهور الفرقدين، ومدة غياب القارظين.

هذا، والإنابة فيكل ما سبق قياسية إذا تحقق ما شرحناه.

ب– أما نيابة المصدر عن ظرف المكان، فقليلة حتى قصروها على المسموع دون غيره مثل كلمة: قرب نحو: جلست قرب المدفأة، أي: مكان قرب المدفأة، فكلمة:"قرب" مصدر بالنيابة.

ج– وهناك أشياء أخرى غير المصدر تصلح للإنابة قياسًا عن الظرف بنوعيه بعد حذفه، وتعرب ظرفًا بالنيابة.

منها: صفته؛ نحو: صبرت طويلًا من الدهر جلست شرقي المنزل؛ أي: صبرت زمنًا طويلًا

جلست مجلسًا شرقي المنزل، أو جلست مكانًا شرقي المنزل.

1 أي: اسم ذات، أي: شيء حسي مجسم.

2 اسم نجمين.

3 رجلان خرجا يجمعان القوظ، "وهو: ثمر شجر السنط، ويستخدم في الدباغة"، فلم يرجعا.

ص: 264

ومنها: عدده، بشرط أن يوجد ما يدل على أنه عدده: كالإضافة إلى زمان، أو مكان؛ نحو: مشيت خمس ساعات قطعت فيها ثلاثة فراسخ.

ومنها: كل أو بعض، وغيرهما مما يدل على الكلية والجزئية، بشرط الإضافة إلى زمان أو مكان1؛ نحو: نمت كل الليل، وقول الشاعر:

أكل الدهر حل وارتحال

أما يبقي علي، وما يقيني؟

ومثل: استمخر الحفل بعض الليل

مشت القافلة كل الأميال أو بعض الأميال2

1 كما سيجيء في باب الإضافة ج 3 ص 58 م 94.

2 وفيما سبق يقول ابن مالك:

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر

ص: 265

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

أ– الظروف من حيث التصرف وعدمه، ودرجته، أربعة أقسام:

قسم يمتنع تصرفه أصلًا؛ مثل: "قط"، "عوض" وقد سبقا، ومثل:"بين" إذا اتصلت بها "الألف" أو"ما" فصارت: "بينا أو بينما"، فإنها عندئذ تلازم الظرفية تمامًا كالتي في ص 277، و 278 أيضًا.

ويلحق بهذا القسم: "عند، وفوق، وتحت"1، وأشباهها مما لا يخرج عن الظرفية إلا إلى الجر بالحرف:"من" غالبًا 2.

وقسم ثان: يتصرف كثيرًا، كيوم، شهر، يمين3، شمال، ذات اليمين ذات الشمال4.

وثالث: متوسط في تصرفه؛ وهو: أسماء الجهات "إلا ما سبق حكمه في القسمين السالفين؛ من مثل: فوق، وتحت، ويمين، وشمال، وذات اليمين، وذات الشمال

".

ومن هذا القسم المتوسط: "بين" التي لم يتصل بآخرها: "الألف" أو"ما"، فإن اتصلت بها:"الألف" أو: "ما" وصارت: "بينا، بينما"

فهي ممنوعة التصرف 5، كما أسلفنا.

1 هناك رأي يقول: "فوق، وتحت" يتصرفان نادرًا، ولا داعي للأخذ به، وسيجيء في ص 283 الكلام على حالات بنائهما وإعرابهما.

2 انظر رقم 2 من هامش ص 261.

3 كل من الظرفين: "يمين" و"شمال" قد يكون معربًا كما في ص 259، وقد يكون مبنيًا، بالتفصيل الذي في رقم 5 من ص 283 أما تفصيل الكلام على معناها، وإضافتهما ففي ج 3 ص 36 م 93.

4 بشرط إضافة: "ذات" إلى: "اليمين" أو: "الشمال".

"كما سيأتي في ص 272 من هذا الجزء، وفي ج 3 ص 36 م 39، هذا، إلى أن لكلمة: "ذو" و"ذات" أحكامًا أخرى في ج 1 ص 70 م 8، باب: "الأسماء الستة"، ص 254 م 26 باب: "الموصول".

5 وفي الحالتين يجب تصديرها وإضفاتها للجملة؛ طبقًا للبيان التفصيلي، الآتي في ص 287.

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورابع: تصرفه نادر في السماع، لا يقاس عليه، مثل: الآن، وحيث، ودون، التي ليست بمعنى رديء ووسط؛ بسكون السين في الغالب، أما بفتحها فاسم متصرف في الغالب أيضًا، وفي غير الغالب يجوز في كليهما التسكين والفتح، والأفضل اتباع الغالب؛ ليقع التفاهم بغير تردد، وقد وضعوا علامة للتميز المعنوي بين الكلمتين؛ فقالوا: إن أمكن وضع كلمة: "بين" مكان: "وسط" واستقام المعنى فهي ظرف؛ نحو: جلست وسط القوم، أي: بينهم، وفي هذه الحالة يحسن تسكين السين؛ مراعاة للغالب، وإن لم تصلح كانت اسمًا، نحو: احمر وسط وجهه، وفي هذه الصورة يحسن تحريك السين بالفتح، مراعاة للغالب.

ب– إذا كان الظرف منصوب اللفظ أو المحل على الظرفية، وجب عند الأكثرين أن يكون متعلقًا بالعامل الذي عمل فيه النصب1، وهذا العامل يكون في الغالب فعلًا2، أو مصدرًا، أو شيئًا يعمل عمل الفعل3 كالوصف؛ نحو: سافرت يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، أو: أنا مسافر يوم الجمعة فوق دراجة بخارية، فالظرفان "يوم" و"فوق" متعلقان بعاملهما "سافر" أو:"مسافر"

و

ومعنى أنهما متعلقان به: مرتبطان ومستمسكان به، كأنهما جزءان منه لا يظهر معناهما إلا بالتعلق به، فاستمساكهما بالعامل كاستمساك الجزء بأصله، ثم هما في الوقت نفسه يكملان معناه.

بيان هذا: أن العامل يؤدي معناه في جملته، ولكن هذا المعنى لا يتم ولا يكمل إلا بالظرف الذي هو جزء متمم ومكمل له؛ ففي مثل: جلس المريض

قد نحس في المعنى نقصًا يتمثل في الأسئلة التي تدور في النفس عند سماع هذه

1 سبق "في رقم 4 من هامش ص 245، ثم في ص 249 م 78" كلام هام يتصل بهذا الموضوع، وبتممه؛ من ناحية التعلق بحروف المعاني، والحكمة في وجوب التعلق، وسيجيء في ص 445، رقم 3 من هامش، باب حروف الجر، عند الكلام على شبه الجملة م 89 ما يزيده توفية واكتمالًا.

2 والرأي الشائع القوي أن شبه الجملة بنوعيه "وهما الظرف، وحرف الجر الأصلي مع مجروره" لا يجوز أن يتقدم على عامله الفعل المؤكد بالنون طبقًا للبيان الذي سبق في رقم 3 من هامش ص 101.

3 وقد يكون تعلقهما بعامل معنوي، إذا لم يوجد عامل آخر يصح التعلق به وهذا العامل المعنوي هو: الإسناد "أي: النسبة" على الوجه المشروح في هامش ص 357 ورقم 2 من ص 441 أما تعلقه بأحرف المعاني، فقد سبق بيانه في رقم 4 من هامش ص 245 م 78.

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الألفاظ؛ ومن الأسئلة: أين جلس؟ أكان فوق السرير، أم أمامه، أو وراء النافذة،

أيمين الداخل

أم شمال الخارج....؟ متى جلس؟ أصباحًا، أم ظهرًا، أم مساء

؟ وهكذا

فإذا جاء الظرف الزماني أو المكاني، فقد أقبل ومعه جزء من الفائدة ينضم إلى الفائدة المتحققة من العامل؛ فيزداد المعنى العام اكتمالًا بقدر الزيادة التي جلبها معه؛ فمجيئه إنما هو لسبب معين، ولتحقيق غاية مقصودة دعت إلى استحضاره، هي عرض معناه، مع تكملة معنى عامله، فلهذا وجب أن يتلعق به.

والاهتداء إلى هذا العامل قد يحتاج في كثير من الأحيان إلى فطنة ويقظة، ولا سيما إذا تعددت في الجملة الواحدة الأفعال أو لا يعمل عملها؛ حيث يتطلب استخلاص العامل الحقيقي من بينها أناة وتفهمًا؛ خذ مثلًا لذلك:"أسرعت الطائرة التي تخيرتها بين السحب"

فقد يتسرع من لا دراية له فيجعل الظرف "بين" متعلقًا بالفعل القريب منه، وهو الفعل:"تخير" فيفسد المعنى؛ إذ يصير الكلام: تخيرت الطيارة بين السحب، إنما الصحيح: أسرعت بين السحب، وهذا يقتضي أن يكون الظرف متعلقًا بالفعل "أسرع"، فيزداد معناه، ويكمل بعض نقصه، كما لو قلنا: تخيرت الطيارة فأسرعت بين السحب.

مثال آخر: "قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها تحت لسانه"، فلا يصح أن يكون الظرف "تحت" متعلقًا بالفعل "كتب"؛ لئلا يؤدي التعلق إلى أن الكتابة كانت تحت اللسان؛ وهذا معنى فاسد لا يقع، أما إذا تعلق الظرف "تحت" بالفعل:"قاس" فإن المعنى يستقيم، وتزداد به الفائدة، أي: قاس الطبيب حرارة المريض تحت لسانه، فالقياس تحت اللسان، وهكذا يجب الالتفات لسلامة المعنى وحدها دون اعتبار لقرب العامل أو بعده من الظرف1.

1 ومن الأمثلة أيضًا الشطر الثاني قول الشاعر يخاطب الإمام عليًا رضي الله عنه:

يخبرنا الناس عن فضلكم

وفضلكم اليوم فوق الخبر

حيث يتعين تعليق الطرفين "اليوم، فوق" بالخبر المحذوف، طبقًا لأقوى الآراء.

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جـ- الزمان أربعة أقسام 1:

أولها: المعين2 المعدود3 معًا، مثل: رمضان، المحرم من غير أن يذكر قبلهما كلمة: شهر"، الصيف، الشتاء، وهذا القسم يصلح جوابًا لأداتي الاستفهام: "كم، ومتى"، نحو: كم شهرًا صمت؟ متى رجعت من سفرك؟ والجواب: صمت رمضان، رجعت الصيف

ثانيًا: غير المعين وغير المعدود؛ فلا يصلح جوابًا لواحد منهما؛ مثل: حين، وقت.

ثالثها: المعين غير المعدود؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "متى" فقط؛ نحو: يوم الخميس، وكلمة:"شهر" المضاف إلى اسم بعده من أسماء الشهور، مثل: شهر صفر، شهر رجب

وذلك جوابًا فيهما عن قول القائل: متى حضرت؟ متى تغيبت؟.

رابعها: المعدود غير المعين؛ فيقع جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" فقط، نحو: يومين، ثلاثة أيام، أسبوع، شهر، حول.

1– فالذي يصلح جوابًا للأداتين: "كم"، و"متى" "وهو القسم الأول" أو يصلح جوابًا للأداة:"كم" وهو القسم الرابع يستغرقه الحدث "المعنى"، الذي تضمنه ناصبه سواء أكان الجواب نكرة أم معرفة بشرط ألا يوجد ما يدل على أن الحدث مختص ببعض أجزاء ذلك الزمان، فإذا قيل: كم سرت؟ فأجبت: "شهرًا"، وجب أن يقع السير في جميع الشهر كله، ليله ونهاره إلا إن قامت قرينة تدل على أن المقصود المبالغة والتجوز وكذا إن كان الجواب: المحرم، مثلًا. وكذا يقال في الأبد والدهر، مقرونين بكلمة:"أل" فالحدث الواقع من ناصبهما يستغرقها ليلًا ونهارًا 4.

1 من ناحية استغراق المعنى: "راجع الهمع ج 1 ص 197، والصبان ج 2 ص 95، وبينهما اضطراب ظاهر تداركناه بمعونة مراجع أخرى".

2 أي: المعين بالعلمية.

3 الدال بلفظه على عدد محدود.

4 أما كلمة؛ "أبدًا" بغير "أل" فلاستغراق الزمن المستقبل وحده؛ فإذا قلت: صام الرجل الأبد، كان معناه: صام كل زمن من أزمنة عمره، القابلة للصوم، عادة إلى حين وفاته، ولا تقول صام أبدًا؛ وإنما تقول إذا أردت المستقبل وحده: لأصومن أبدًا.

ص: 269

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإن كان حدث الناصب "أي: معناه" مختصًا ببعض أجزاء الزمان، استغرق بعضها الذي يختص به، وانصب عليه وحده دون غيره من الأجزاء الأخرى. فإذا قيل: كم صمت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب الصوم على الأيام دون الليالي؛ لأن الصوم لا يكون إلا نهارًا، وإذا قيل: كم سريت؟ فكان الجواب: "شهرًا" انصب السرى على الليالي دون الأيام؛ لأن السرى لا يكون إلا ليلًا. وكذا يقال: ي الليل والنهار معرفين، فالحدث الواقع على كل منهما مقصور على زمنه الخاص.

2– وغير ما سبق يجوز فيه التعميم والتبعيض؛ كيوم، وليلة، وأسماء أيام الأسبوع، وأسماء الشهور؛ بشرط أن يذكر قبلها المضاف وهو كلمة: شهر؛ كشهر رمضان، شهر المحرم.

وهناك رأي آخر من عدة آراء في هذا البحث؛ هو: أن ما صلح جوابًا لأداة الاستفهام: "كم" أو: "متى" يكون الحدث "المعنى" في جميعه تعميمًا أو تقسيطًا، فإذا قلت: سرت يومين؛ فالسير واقع في كل منهما من أوله إلى آخره، وقد يكون في كل واحد من اليومين، وإن لم يشمل اليوم كله من أوله إلى آخره. ولا يجوز أن يكون في أحدهما فقط، ومن التعميم: صمت ثلاثة أيام، ومن التقسيط أذنت ثلاثة أيام، ومن الصالح لهما: تهجدث ثلاث ليال.

وعلى كل فهذه كما قالوا ضوابط تقريبية، والقول الفصل للقرائن الحاسمة، ولا سيما العرف الشائع؛ فتلك القرائن هي التي توضح أن المراد التعميم أو التبعيض.

د– قلنا1: إن الظرف غير المتصرف إما معرب منصرف، وإما معرب غير منصرف، وإما مبني، وقد تدمت الأمثلة، وهو في حالالته الثلاث لا يجوز أن تسبقه "في" 2، فالمبنى قد يكون مبنيًا على السكون مثل: مذ3، ولدن

أو على الضم مثل: منذ3، أو على فتح الجزأين؛ مثل ظروف الزمان أو المكان

1 في 262 م 79.

2 كما سبق في: "أ" رقم4 من هامش ص 242، وفي رقم 4 من ص 263.

3 و 3 لا يكون "مذ ومنذ" غير متصرفين إلا في الرأي الذي يقصرهما على الظرفية وحدها، ويمنع وقوعهما مبتدأ، "كما سبق في رقم 3 من هامش ص 263".

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المركبة تركيب مزج1؛ "نحو: صباح مساء – يوم يوم – صباح صباح. والمعنى: كل صباح ومساء "أي: كل صباح، وكل مساء"، وكل يوم، وكل صباح".

"ومثل: بين بين وستأتي" 2، فإن فقدت الظروف التركيب، أو أضيف أحد الجزأين للآخر، أو عطف عليه امتنع البناء، ووجب إعرابها وتصرفها

لكن أيبقى المعنى في الجميع مع فقد التركيب بسبب وجود العطف، أو الإضافة كما كان مع التركيب أم يختلف؟ اتفقوا على أنه باق في الجميع، إلا صباح مساء عند الإضافة، مثل: أنت تزورنا صباح مساءٍ، ففريق يرى أنها كغيرها من الظروف المركبة التي تتخلى عن التركيب وتضاف، فيظل المعنى الأول باقيًا بعد الإضافة "وهو هنا: كل صباح وكل مساء"، وفريق يرى أن المعنى مع الإضافة يختلف؛ فيقتصر على الصباح وحده كما في المثال السالف، حيث تقتصر الزيارة فيه على الصباح فقط؛ اعتمادًا على أن المعنى منصب على المضاف، "وهو الصباح"، أما المضاف إليه فهو مجرد قيد له؛ أي: صباحًا لمساء3.

والحق أن الأمرين محتملان في المثال، إلا عند وجود قرينة تحتم هذا وحده، أو ذاك، فوجودها ضروري لمنع هذا الاحتمال.

ومن الظروف المركبة مزجًا، المبنية لهذا على فتح الجزأين، والتي لا تتصرف، "بين بين"4 بمعنى: التوسط بين شيئين: مثل: درجة حرارة الجو أو الماء: بين بين، أي: متوسطة بين المرتفعة والمنخفضة، ثروة فلان بين بين، أي: بين الكثرة والقليلة

فإن فقد الظرف: "بين" التركيب جاز أن يكون معربًا

1 تفصيل الكلام على المركب المزجي تعريفه، وتقسيمه، وحكمه مدون في الجزء الأول "م 23 ص 270 و 279، وما بعدهما في أقسام العلم

".

2 الكلام على بعض استعمالات: "بين" في ص 277 و 286.

3 هذا رأي الحريري ومن تابعه، وقد دفعه آخرون، منهم ابن بري، والرأيان معروضان في الهمع ج 1 ص 197.

4 ستجيء إشارة إليها في ص 277 بمناسبة الكلام على: "إذ" كما سيجيء بعض أحكامها الهامة في ص 286، وبيان "عن تركيبها المزجي" في ص 289.

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

متصرفًا ومنه قوله تعالى: {مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} ، وقوله:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من قرأه مرفوعًا، أما من قرأه بالنصب يدل الرفع فقد جرى على أغلب أحواله1 ومثله الظرف:"دون" في قوله تعالى: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} .

ومن الظروف غير المتصرفة2: "ذا"، و"ذات"، بشرط إضافتها إلى الزمان دون غيره، فيلتزمان النصب على الظرفية الزمانية فلا يجوز جرهما بـ"في" ولا وقوعهما في موقع إعرابي آخر، إلا على لغة ضعيفة لقبيلة "خثعم" تبيح فيهما التصرف، وقد رفضها جمهرة النحاة3؛ نحو: قابلت الأخ ذا صباح، أو ذا مساء، أو ذات يوم، أو ذات ليلة، أي: وقتًا ذا صباح، ووقتًا ذا مساء، ومدة ذات يوم، ومدة ذات ليلة، أي: وقتًا صاحبًا لهذا الاسم، ومدة صاحبة لهذا الاسم4.

وقد تضاف "ذات"، إلى كلمة:"اليمين" أو: "الشمال" وهما من الظروف المكانية كما سبق5 فتصير ظرف مكان متصرفًا؛ نحو: تتحرك الشجرة ذات اليمين وذات الشمال، ونحو: دارك ذات اليمين والحدائق ذات الشمال، "وقد سبقت الإشارة إلى "ذا" و"ذات" من ناحية إفرادهما وجمعهما في الجزء الأول، باب الأسماء الستة م 8 ص 699، وفي آخر هامش ص 321 منه إشارة إلى استعمال: "ذات" استعمال الأسماء المحضة المستقلة، وأن النسب إليها هو: "ذووي، أو ذاتي" طبقًا للبيان التفصيلي في باب النسب ج 2 م 178، وص 544".

ومن غير المتصرف أيضًا: حوال – حوالى – حول – حولى

– أحوال – أحوالى6

وليس المراد في الغالب حقيقة التثنية والجمع، وإنما

1 يجوز إعرابه ظرفًا منصوبًا مباشرة، والفاعل محذوف، ويجوز اعتباره اسمًا مبنيا على الفتح في محل رفع فاعل

وهناك إعرابات أخرى

وانظر كلامًا يختص به في ص 277 و 286.

2 لهذا الظرف أمثلة أيضًا في ص 261 و 266 م 79.

3 راجع الهمع ج 1 ص 168.

4 سبقت الإشارة لهذه الظروف في ص 266 أما إيضاح معناها وحكم إضافتها مفصلة، فيجيء في ج 3 ص 36 م 93.

5 في ص 266.

6 لهذه الألفاظ إشارة في رقم 1 من هامش ص 262.

ص: 272

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المراد المعنى المفهوم من الكلمة المفردة، وهو: الإحاطة والالتفاف وقد يستعمل "حواليك" مصدرًا: مثل: لبيك1؛ لأن الحول، والحوال يكونان بمعنى "جانب الشيء المحيط به"، كما يكونان بمعنى:"القوة".

ومن الظروف التي لا تصرف "شطر" بمعنى: ناحية أو جهة؛ كقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ، ومنها: زنة الجبل، أي: إزاءه، ومثله: وزن الجبل، أي: الناحية التي تقابله؛ سواء أكانت قريبة أم بعيدة.

ومنها في أي: صددك وصقبك، تقول: بيني صدد بيتك، بنصبه على الظرفية؛ أي: قربه وقبالته، وبيتي صفت بيتك، أي: قربه كذلك، والصحيح أن هذين الظرفين يتصرفان؛ فيستعملان اسمين.

هـ- هناك ألفاظ مسموعة بالنصب، جرت مجرى ظرف الزمان والمكان، كانت مجرورة بحرف الجر:"في" فأسقطوه توسعًا، ونصبوها على اعتبارها متضمنة معناه، فمن أمثلة الزمان كلمة "حقًا" في مثل: أحقًا أنك مسرور؟ فحقًا ظرف زمان ومنصوب خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ والأصل: أفي حق سرورك2؟ وقد نطقوا بالحرف "في" أحيانًا فقالوا:

"أفي حق مواساتي أخاكم

"، وقالوا: "أفي الحق أني مغرم بك هائم

" وهذا الاستشهاد قد يصلح دليلًا على أن كلمة: "حقًا" السالفة ظرف زمان

ومثلها: "غير شك أنك مسرور"، أو:"جهد رأيي أنك محسن"، أو:"ظنا مني أنك أديب"، فغير، وجهد، وظنا كلمات منصوبة هنا على الظرفية الزمانية3 توسعًا بإسقاط حرف الجر:"في" والأصل: في غير شك في

1 سبق الكلام عليه في ص 233 م 76.

2 والظرفية هنا زمانية مجازية كما في الخضري والتصريح آخر باب: "الظرف"، وقد سبق الكلام عليه مفصلًا في ج 1 ص 586 "د" م 52 عند الكلام على فتح همزة "أن"، وسبقت الإشارة إليه في رقم 6 هامش ص 263.

3 والمعنى: سرورك حاصل في زمن لا شك في وقوع السرور فيه، وإحسانك متحقق في زمن سجلت فيه هذا قدر جهدي واستطاعتي، وأدبك حاصل في زمن أظن وقوعه فيه.

ص: 273

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جهد رأيي في ظني والظرف فيها جميعًا خبر مقدم، والمصدر المؤول بعده مبتدأ مؤخر.

ومن أمثلة ظروف المكان السماعية: مطرنا السهل والجبل، وضربت الجاسوس الظهر والبطن، وإنما كانت هذه الظروف سماعية مقصورة عليه؛ لأنها لا تدخل في أنواع الظروف المكانية القياسية1.

و– قد ينزل بعض الظروف منزلة أداة الشراط؛ فيحتاج لجملة بعدها جملة بمثابة الجواب، وقد تقترن هذه بالفاء؛ كقوله تعالى: في منكري القرآن: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} .

وعلى هذا قول ابن مالك في حكم "خلا وعدا"، في باب "الاستثناء".

"وحيث جرًا فهما حرفان

"2

ز- هل يجو عطف الزمان على المكان وعكسه؟ سيجيء الجواب في مكانه الأنسب، من باب العطف آخر الجزء الثالث3.

ح– الظروف الزمانية والمكانية متعددة الأنواع، والأحكام، جديرة أن تستقل برسالة توفيها حقها من البسط، والإيضاح، والتهذيب، وجمع شتاتها المتناثر في المطولات، والمراجع الكبيرة، واستصفاء ما يجدر الأخذ به، واستبعاد ما يغشيه مما لا يناسب، وتحقيق هذا كله غرض جليل هام يقتضي بحثًا مستقلًا؛ لا تزحمه البحوث الأخرى، فتضغطه، أو تطغى عليه.

على أن هذا لا يحول دون استخلاص موجز، مركز، دقيق؛ قد يفيد القانع؛ أو يسعف المضطر، ولكنه لا يغني المستقصي، الذي لن يرضى بغير التوفية بديلًا. ومثل هذا لا يجد طلبته إلا في بطون المراجع الواسعة؛ كالمعنى، وشرح

1 ظرف المكان القياسية مدونة في ص 253 وما بعدها.

2 راجع الصبان والخضري عند شرح البيت، ويجيء الإيضاح في هامش ص 357، وانظر الكلام على الظرف "بين" في ص 286 وما يليها من رقم 4 هامش ص 287" وهامشها؛ لصلته بالموضوع.

3 ج 3 م 122 ص 524 وقد عرض الصبان لهذا البحث في آخر باب الظرف من الجزء الثاني من حاشيته على الأشموني.

ص: 274

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المفصل، والجزء الأول1 من همع الهوامع: للسيوطي؛ فقد حوى أو كاد من شأن "الظرف" بنوعيه، ولا سيما الظرف المبني، ما لم يهيأ لسواه، وجمع في فصل:"الظروف المبنية" ما وصفه صادقًا بقوله1: "إني أوردت في هذا الفصل ما لم أسبق إلى جمعه واستيفائه من مبني ظروف الزمان والمكان، مرتبا على حروف المعجم

".

وفيما يلي الموجز: الذي استخلصناه من تلك المراجع، ورتبناه على حسب الحروف الهجائية، مع ترك ما سبق الكلام عليه2.

1-

إذ3 ظرف للزمن الماضي في أكثر استعمالاتها، وقد تكون للمستقبل بقرينة4، وهي مبنية على السكون، غير متصرفة5 في الأغلب وتكون أحيانًا

1 و 1 في ص 204.

2 مما يمكن الاكتفاء به.

3 سبق كلام موجز عن "إذ" لمناسبة في "ج1 م 3".

وسيجيء الكلام على "إذ" و"إذا " بمناسبة أخرى في ج 3 باب: "الإضافة"" ص 77 و 79 و 84 و 92 م94"، وفي ذلك الكلام بعض المسائل والأحكام الهامة ومن دواعي الاستفادة الكاملة الرجوع إليها، وربط المشترك منها بين هذا الباب، وذاك وسيجيء كلام آخر مفيد على "إذا" في ج 4 باب:"عوامل الجزم"، ص 333 م 56.

4 بيان هذا في رقم 5 الآتي.

5 جاء في المغني ج 1 عند الكلام عليها ما يفيد أنها: متصرفة؛ حيث يقول في الوجه الثاني من أوجه استعمالها ما نصه: "أن تكون مفعولًا به، نحو قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} ، والغالب على المذكورة في أوائل القصص في التنزيل أن تكون مفعولًا به بتقدير، "اذكر"، نحو قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} ، وقوله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ} ، وقوله: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} – وبعض المعربين يقول يذلك إنه ظرف للفعل: "اذكر" محذوفًا وليس مفعوًا به وهذا وهم فاحش؛ لاقتضائه حينئذ الأمر بالذكر في ذلك لوقت، مع أن الأمر للاستقبال، وذلك الوقت قد مضى قبل تعلق الخطاب بالمكلفين منا، وإنما المراد ذكر الوقت نفسه أي: تذكره لا الذكر فيه". ا. هـ. كلام المغني.

وقال صاحب الهمع "ج 1 ص 204" في دلالتها الزمنية، وفي تصرفها، ما نصه: "أصل وضعها أن تكون ظرفًا للوقت الماضي، وهل تقع للاستقبال؟ قال الجمهور: لا، وقال جماعة منهم ابن مالك: نعم، واستدلوا بقوله تعالى:{يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ، والجمهور جعلوا الآية ونحوها من باب قوله تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} أي: من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد =

ص: 275

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مضافًا إليه، والمضاف اسم زمان؛ نحو: حيئذ، يومئذ.... فتتحرك "الذال" بالكسر عند التنوين.

وإذا كانت ظرفًا التزمت الإضافة إلى جملة1؛ إما اسمية ليس عجزها فعلًا ماضيًا2، نحو قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً} ، وإمال فعليه نحو: جئتك إذ دعوتني، ويشترط في الجملة الفعلية أن تكون ماضوية لفظًا ومعنى فقط كأن يكون فعلها مضارعًا قصد به حكاية الحال الماضية3، وألا تكون شرطية، ولا مشتملة على ضمير يعود على المضاف، فلا

= وقع، قال ابن هاشم: ويحتج لغيرهم أي: لغير الجمهور بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ} ؛ فإن: "يعلمون" مستقبل لفظًا ومعنى: لدخول حرف "التنفيس" عليه، وقد عمل في "إذ"، فيلزم أن يكون بمنزلة "إذا"؛ لأن "إذا" للمتسقبل.

"وتلزم "إذ" الظرفية؛ فلا تتصرف بأن تكون فاعله أو مبتدأة، أو غيرهما

إلا أن يضاف اسم الزمان إليها؛ نحو: "حينئذ"، "يومئذ"

وجوز الأخفش، الزجاج، وابن مالك وقوعها مفعولًا به، نحو قوله تعالى:{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ} وبدللًا منه؛ نحو: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ} ، والجمهور لا يثبتون ذلك، ووافقهم أبو حيان، فقال:

"لأنه لا يوجد في كلام العرب: "أحببت إذ قدم زيد، ولا كرهت إذ قدم"، وإنما ذكروا ذلك مع الفعل: "اذكر" لما اعتاض أي: التوى، وصعب عليهم ما ورد من ذلك في القرآن وتخريجه سهل، وهو أن تكون "إذ" معمولة لمحذوف يدل عليه المعنى، أي: اذكروا حالتكم، أو: قضيتكم "أو أمركم

وقد جاء بعض ذلك مصرحًا به؛ قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} ، "فإذا" ظرف معمول لقوله:"نعمة الله"، وهذا أولى من إثبات حكم كل بمحتمل، بل مرجوح". ا. هـ. كلام أبو حبان. ا. هـ، ما دونه الهمع.

1 وفي هذه الحالة يشترط في "إذ" الظرفية المحضة ألا تكون مختومة بما الزائدة – نص على هذا المبرد في كتابه المقتضب، ج 2 ص 54.

2 والسبب كما يقولون أن "إذ" للزمان الماضي في أغلب استعمالاتها، والفعل الماضي مناسب لها في الزمان، فلا يسوغ الفصل بينهما بالمبتدأ أو غيره، وهما في جملة واحدة، أما إذا كان الفعل بعدها مضارعًا، ولا بد أن يكون بمعنى الماضي ولو تأويلا ففصله وعدم فصله سواء؛ كلاهما حسن

وسيجيء البيان مفصلًا في موضعه الأنسب. "ج 3 م 94 ص 79 و 84 باب: الإضافة

".

3 وقد اجتمع أنواع الجمل الثلاث في قوله تعالى عن رسوله الكريم: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَن} ، فقد أضيفت "إذ" لجملة ماضوية، ثم لجملة اسمية، ثم لجملة مضارعية.

ص: 276

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصح: أتذكر إذ إن تأتنا نكرمك

وقد يحذف شطر الجملة الاسمية أحيانًا مع ملاحظة وجوده؛ كقول الشاعر:

هل ترجعن ليال قد مضين لنا

والعيش منقلب إذ ذاك أفنانًا

والتقدير عندهم: العيش منقلب أفنانًا إذ ذاك كذلك؛ لأنها لا تضاف في الأغلب1 إلى مفرد2، ومثله قول الآخر:

كانت منازل آلاف عهدتهموا

إذ نحن إذ ذاك دون الناس إخوانًا

أي: إذ ذاك كذلك.

وقد تحذف الجملة التي تضاف إليها، ويعوض عنها التنوين3؛ نحو: أقبل الغائب وكنتم حينئذ مجتمعين، أي: حين إذ أقبل

وقد تزاد للتعليل؛ كقوله تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} ؛ أي: لأجل ظلمكم في الدنيا

ولا تصلح للظرفية هنا؛ لأن الظلم لا يقع يوم القيامة، وإنما يقع قبله في الدنيا

وهي حرف بمنزلة لام التعليل وهذا أسهل وقيل: ظرف، والتعليل مستفاد من قوة الكلام، لا من اللفظ.

وقد تكون حرفًا للمفاجأة، أو زائدة لتأكيد معنى الجملة كلها؛ وذلك بعد كلمة:"بين"4 المختومة "بالألف" الزائدة، أو"ما" الزائدة؛ نحو: بينا نحن جلوس إذ أقبل صديق

ومثل: "فبينما العسر إذا دارت مياسير5".

1 راجع الخضري والصبان "باب: "إن" مواضع كسرل الهمزة وجوبًا، وهل منها: "حيث"؟.

2 قد يبدو هذا التقدير غريبًا، ولكن نزول غرابته كما يجيء في ج 3 ص 65 م 94 بأمثلة أخرى توضحه وتؤيده، كأن نقول: المنافق منقلب أحوالًا إذ هذا المنافقان منقلبان أحوالًا إذ هذان، المنافقون منقلبون أحوالًا إذ هؤلاء، ففي كل هذه التراكيب وأشباهها وما أكثرها لا يتم المعنى إلا بالتقدير السالف.

3 كما سبق في ج 1 ص 26 م 3.

4 لها بيان في ص 286 وما يليها، ومنه يعلم أنها واجبة الصدارة، والإضافة للجملة إذا كانت مختومة بالألف الزائدة، أو"ما" الزائدة.

5 ولا بشرط فيها غير هذا، بخلاف "إذا" الفجائية التي ستجيء الكلام عليها في ص 280.

ص: 277

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا، واستعمال "إذ" قياسي في جميع الصور، والحالات المختلفة التي سردناها في الكلام عليها.

2– إذا1 الصحيح أنها اسم؛ بدليل وقوعها خبرًا مع مباشرتها الفعل؛ نحو: الهناء إذا تسود المحبة الأهل، ووقوعها بدلًا من الاسم الصريح، نحو: المقابلة غدًا إذا تطلع الشمس.

أ– وهي ظرف للمستقبل في أكثر استعمالاتها، وتكون للماضي بقرينة؛ نحو قوله تعالى:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا} ؛ لأن الآية نزلت بعد انفضاضهم.

وقد تكون ظرفًا للحال بعد القسم؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؛ لأن الليل والغشيان مقترنان، وهل "إذا" في الآية متعلقة بفعل القسم، وفعل القسم للحال2؟ ومثل قوله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} .

ب- والغالب ي استعمالها أن تتضمن مع الظرفية معنى الشرط بغير أن تجزم إلا في ضرورة الشعر، وتحتاج بعدها إلى جملتين، الأولى تحتوى على فعل الشرط، والثانية الجواب: نحو قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} .

وقد تتجرد للظرفية المحضة الخالية من الشرط3؛ كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ

1 لبعض أنواعها بيان يجيء في ج 3 م 94 ص 92 باب: "الإضافة"، وكذا في ج 4 ص 405 م 155، الأمور التي تختلف فيها الأدوات الشرطية، وص 413 م 156: النوع الثالث.

2 هذا رأي فريق من النحاة، ولم يوافق عليه آخرون؛ لما يلزم عليه من أن يكون القسم في وت غشيان الليل، وأنهما يحصلان معًا في زمن واحد. وارتضى هؤلاء أن تكون "إذا" ظرفًا متعلقًا بمضاف يدل عليه القسم؛ إذ لا يقسم بشيء إلا لعظمته، والتقدير: وعظمة الليل إذا يغشى، "راجع الصبان، جـ 2 باب الإضافة عند الكلام على "إذا".

3 جمهرة النحاة في هذه الحالة توجب نصبها على الظرفية دون غيرها، فلا تكون فاعلًا، ولا مفعولًا به، ولا غيرهما، أما قوله عليه السلام لعائشة:"إني لأعلم إذا كنت عني راضية"

فيؤولونه بأن المراد: إني لأعلم شأنك إذا كنت عني راضية، ولا يوافقون على أن تكون مفعولًا به، لئلا يفسد المعنى؛ إذ المراد ليس العلم بالزمن، وإنما المراد العلم بالحال والشأن.

وهذا صحيح في الحديث السالف أما في غيره، فقد يكون المراد وقوع الأثر على الزمن نفسه، وعندئذ لا يمنع مانع من أن تكون "إذا" مفعولًا به، نزولا على ما يقتضيه المعنى.

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ، وقوله تعالى:{وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} ، وقوله تعالى:{وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} 1، وقد اجتمع النوعان الظرفية المحضة، والظرفية الشرطية، مع حذف فعل الشرط في قول الشاعر:

إذا أنت لم تترك أخاك وزلة2

إذا زلها أوشكتما3 أن تفرقا4

وإذا كانت للشرط فإنها لا تدل على التكرار؛ في مثل: إذا خرجت أخرج معك، يتحقق المراد بالخروج مرة واحدة، وهي أيضًا لا تفيد الشمول والتعميم في الرأي الشائع، فلو حلف رجل على أن يتصدق بمائة مثلًا إذا رجع ابن من أبنائه الغائبين؛ فرجع ثلاثة، لم يجب عليه إلا مائة، وتسقط عنه اليمين بعدها.

وتستعمل "إذا" الظرفية الشرطية في التعليق إذا كان الشرط محقق الوقوع5، نحو: إذا أقبل الشتاء أقيم عندكم، أو مرجع الوقوع، نحو: إذا دعوتموني أيها الإخوان أحضر.

ج "وإذا" الظرفية الشرطية تضاف دائمًا إلى جملة فعلية خبرية، غير مشتملة على ضمير يعود على المضاف، والأكثر أن تكون ماضوية، وقد اجتمع

1 لو كانت "إذا" في الآية شرطية لاشتمل جوابها "هم يغفرون" على الفاء الرابطة أو ما ينوب عنها في الربط؛ لأن هذا الجواب جملة اسمية تحتاج للرابط، ولا داعي للتمحل بأن الرابط قد يحذف أحيانًا. "انظر ج 4 ص 413 م 156 لأهيمته، واشتماله على بعض أوجه مفيدة".

2 هفوة.

3 اقتربتما.

4 الأصل: تتفرقا، حذفت إحدى التاءين تخفيفًا.

5 وهي بهذا تختلف عن "إن" الشرطية وأخواتها؛ مما يكثر في الأمر المحتمل، أو المشكوك في تحقيقه، وقد تدخل على المستحيل، كقوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} .

وقد تدخل على الأمر المحقق إن كان غير متيقن الزمان: كقوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} ؟ فالموت محقق، ولكن زمنه مبهم.

"وفي الجزء الرابع ص 327 م 155 وص 333 م 156 باب الجوازم البيان الشامل لهذه الأدوات كلها".

ص: 279

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النوعان في قول الشاعر:

والنفس راغبة إذا رغبتها

وإذا ترد إلى قليل تقنع

والماضي في شرطها أو جوابها مستقبل الزمن1؛ فإن وليها اسم مرفوع بعده فعل فالاسم في الغالب فاعل لفعل محذوف2 مثل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وحين تقع شرطية ظرفية تكون مضافة إلى الجملة الشرطية المكونة من فعل الشرط ومرفوعه، ومنصوبة بما يكون في جملة الجواب من فعل أو شبهة3.

د– وقد تكون "إذا" للمفاجأة4، والأحسن في هذه الحالة اعتبارها حرفًا5؛ فتدخل وجوبًا؛ إما على الجمل الاسمية، نحو: اشتدت الريح، فإذا البحر هائج، وإما على الجمل الفعلية المقرونة بقد؛ لأن "قد" تقرب زمن الفعل من الحال نحو: اشتدت الرياح، فإذا قد لجأت السفن إلى المواني يضطرب البحر، فإذا قد يتألم ركاب البواخر، كما يجب في كل حالاتها أن يسبقها

1 سواء أكان ماضي اللفظ والمعنى معًا، "وهو الماضي الحقيقي بصيغته وزمنه"، أم كان ماضيًا معنى وحكمًا دون لفظ، وهو المضارع المسبوق بحرف الجزم:"لم"، فإن هذا الجازم يقلب في الغالب زمنه للمضي كما هو موضح في باب "الجوازم"، ج4 فإذا وقع الماضي الحقيقي، أو المعنوي وهو المضارع المسبوق بالحرف "لم" فعل شرط للأداة:"إذا" الشرطية أو لأداة شرطية جازمة أخرى تخلص زمنه للمستقبل المحض؛ كقول الشاعر:

إن السماء إذا لم تبك مقلتها

لم تضحك الأرض عن دان من الثمر

2 أو نائب فاعل أحيانًا، ولهذا الرأي توضيح واف سبق في باب:"الانشغال" من هذا الجزء رقم 1 هامش ص 133 وفي ص 142.

3 ولا يمنع من هذا العمل أن يكون الجواب مشتملًا أحيانًا على الفاء الرابطة، أو ما ينوب عنها؛ لأن هذه الفاء لا يعمل ما بعدها فيما قبلها في غير هذا الموضع الذي يكون فيه العامل واقعًا في جواب الشرط.

4 أي: مفاجأة ما بعدها، بمعنى: هجومه.

5 ويجوز اعتبارها ظرف زمان أو مكان أيضًا، بمعنى:"ففي الوقت أو ففي المكان" راجع ج ص 492 م 52.

ص: 280

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كلام قبلها تقع عليه المفاجأة، وأن تكون المفاجأة في الزمن الحالي1 حتمًا لا المستقبل، ولا الماضي وأن تقترن بها الفاء الزائدة للتوكيد2، وأن تخلو من جواب بعدها، وقد تليها الباء الزائدة التي تدخل سماعًا في مواضع؛ ومنها بعض أنواع معينة من المبتدأ، كالمبتدأ الذي بعدها، نحو نظرت فإذا بالطيور مهاجرة3.

3– الآن وهو اسم للوقت الحاضر جميعه، وهو الوقت الذي يستغرقه نطق الإنسان بهذه الكلمة نحو: أنارت الشمس الآن، أو الحاضر بعضه فقط، مثل: الملآح يحرك سفينته الآن، فإن تحريكه السفينة لا يعم ولا يشمل كل وقته الحاضر عند النطق، وقد يقع على الماضي القريب من زمن النطق، أو على المستقبل القريب منه: تنزيلًا للقريب في الحالتين منزلة الحاضر.

وهو ظرف، مبني على الفتح تلازمه "أل"، وظرفيته غالبة، لازمة أي: لا يخرج عنها إلا في القليل المسموع الذي لا يقاس عليه، ويرى بعض النحاة أنه معرب منصوب على الظرفية، وليس مبنيًا، وله أدلة تدعو إلى الاطمئنان والاستراحة لرأيه الأسهل4.

1 المقصود بالزمن الحالي: الزمن الذي يتحقق فيه المعنيان في وقت واحد؛ المعنى الذي بعدها والمعنى الذي قبلها؛ بحيث يقترنان معًا في زمن تحقيقها، ولو كان زمن ماضيًا؛ كالذي في نحو: خرجت أمس فإذا المطر فياض.

2 وقد سبقت الإشارة لهذا في ج 1 ص 492.

3 راجع المغني ج1 عند الكلام على "الباء"، وص 493 الآتية و495 حيث الكلام على حرف الجر الباء، والبيان الأنسب من حيث الأصالة والزيادة.

4 في الجزء الأول من: "همع الهوامع""باب: الظرف ص 207" عرض واف للآراء المختلفة المتعددة التي تدور حول الظرف: "الآن" من ناحية الحكم عليه بالبناء، أو بالإعراب، وأدلة كل رأي، وجميعها أدلة جدلية محضة لا قيمة لها في إثبات المراد؛ لأن إثباته القاطع إنما يكون بعرض الأمثلة الصحيحة الواردة عن العرب التي تكفي في تأييد هذا أو ذاك، لا في مجرد الجدل المحض الذي لا تسايره الشواهد الكثيرة.

على أن صاحب الهمع بعد فراعه من عرض الآراء أدلى برأيه، فقال ما نصه: المختار عندي القول بإعرابه؛ لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة؛ فهو منصوب على الظرفية، وإن دخلته "من" جر. =

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

4– أمس، اسم، معرفة، متصرف، وهو اسم زمان لليوم الذي قبل يومك مباشرة، أو ما في حكمه عند إرادة القرب ويستعمل مقرونًا بأل لزيادة التعريف، أو غير مقترن بها فلا يفقد التعريف.

وللعرب فيه لهجات ولغات مختلفة، تعددت بسببها آراء النحاة في استنباط حكمه، وخير ما يستصفى منها أنه:

إذا كان مقرونًا بأل فإعرابه وتصرفه هو الغالب، ولا يكون ظرفًا؛ نحو كان المس طيبا، إن الأمس طيب، أسفت على انقضاء الأمس.

وإذا لم يكن مقترنًا بأل فالأحسن عند استعماله ظرفًا أن يكون مبنيًا على الكسر دائمًا في محل نصب، نحو: أتممت الكتابة أمس

وإن لم يستعمل ظرفًا، فالأحسن بناؤه على الكسر أيضًا في جمع أحواله، نحو: انقضى أمس بخير، إن أمس كان حسنًا، لم أشعر بانقضاء أمس.

ومما يتصل باستعمال "أمس" ما جاء في كتاب: "لسان العرب" وغيره، وهو أنك تقول: ما رأيت الصديق مذ أمس؛ إذا كان ابتداء عدم الرؤية هو

= وخروجه عن الظرفية غير ثابت، ولا يصلح الاستدلال له بالحديث السابق لما تقرر غير مرة". ا. هـ، ثم قال بعد ذلك ما نصه:

وفي شرح الألفية لابن الصائغ: إن الذي قال بأنه أصله "أوان" يقول بإعرابه، كما أن "أوانًا" معرب. ا. هـ.

أما الحديث المشار إليه فقد ذكره قبل رأيه هذا قائلًا ما نصه: "وقال ابن مالك: ظرفيته "أي: الآن" غالبة لازمة؛ فقد يخرج عنها إلى الاسمية، كحديث: "فهو يهوي في النار، الآن حين انتهى إلى قعرها

" فـ"الآن" في موضع رفع بالابتداء، "وحين انتهى" خبره، و"حين" مبني لإضافته إلى جملة صدرها ماض". ا. هـ.

وإنما كان الحديث السالف غير صالح عنده للاستدلال به؛ لأن صاحب الهمع من طائفة ترى أن الحديث النبوي لا يستشهد به في اللغويات، لاحتمال أن يكون مرويًا بالمعنى دون حرص على النص اللفظي الذي نعلق به الرسول، ولأن بعض رواة الحديث أجنبي لا يحسن النطق بالكلام العربي الصحيح.

وهذا رأي له معارضون لا يوافقون عليه، وللفريقين أدلة وبحوث طويلة في هذا الشأن عرضها مختصرة صاحب:"خزانة الأدب" في أولها، وكذلك عرض لها بشيء من البسط صاحب كتاب:"المواهب الفتحية" في الجزء الثاني.

ص: 282

اليوم الذي قبل يومك الحالي مباشرة، فإن لم تره يومًا قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أمس1، فإن لم تره مذ يومين قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أول من أمس، ولا يقال إلا ليومين قبل أمس، أي: لا يصح ذكر "أمس" لما قبلهما2.

5-

بعد، أول، قبل، أمام، قدام، وراء، خلف، أسفل، يمين، شمال، فوق، تحت، عل3، دون

4.

من الظروف المبنية حينًا، والمعربة حينًا آخر:"بعد" وهو ظرف5 زمان أو مكان6، ملازم للإضافة في الحالتين.

1 هذا التركيب مثل قولهم: ما رأيته أول من أمس، "راجع ما يتصل به في ص 285".

2 راجع الكلام على كلمة "أول" في ص 285، ثم إيضاح آخر عنها في ج 3 ص 623، 125، م 94 باب: الإضافة.

3 في الظرف "عل" لغات مختلفة، أوضحناها في باب الإضافة ج 3، منها:"علا""على وزن: عصا"، وبعض العرب يجيز إضافته، ولكنه يوجب قلب ألفه ياء عند إضافته لياء المتكلم طبقًا للبيان الخاص به في باب: الإضافة.

4 في باب الإضافة من ج 3 ص 155 م 95 تفصيل الكلام على هذه الظروف، وعرض أحكامها مستوفاة.

5 معناه الغالب: الدلالة على تأخر شيء عن شيء في زمانه، أو مكانه، ومن أمثلة دلالته على التأخر في الزمان ما قيل في رثاء زعيم سادات العرب:

كأن الناس بعدك نظم سلك

تقطع: لا يقوم له نظام

وقد يكون معناه: "مع"؛ كقوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} أي: مع ذلك: "العتل: جافي الطبع: فاحش الزنيم: الشرير، دنيء الأصل

".

6 صرح صاحب "الهمع" ج 1 ص 209 باب: الظرف بما نصه: "بعد" ظرف زمان لازم الإضافة". ا. هـ، ولم يذكر شيئًا يدل على أنه يكون للمكان، وكذلك صاحب "المصباح المنير" حيث قال في مادة: "بعد" ما نصه: "بعد" ظرف" مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره، وهو زمان متراخ عن السابق، فإن قرب منه قيل:"بعيده" بالتصغير كما يقال: "قبل العصر"؛ فإذا قرب قيل: "قبيل العصر"، بالتصغير، أي: قريبًا منه، ويسمى هذا:"تصغير التقريب". ا. هـ.

غير أن صاحب التصريح ج 1 ص 50 باب: "الإضافة" نص في وضوح وجلاء على أن يكون للزمان والمكان؛ فقد قال في معرض الكلام عن الظرفية: "قبل وبعد" ما يلي: =

ص: 283

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أ- غير أن المضاف إليه قد يذكر، نحو: صفا الجو بعد المطر، وفي هذه الحالة يتعين أن يكون الظرف معربًا منصوبًا بغير تنوين؛ لأنه مضاف، ويجوز جرء بالحرف:"من".

ب– وقد يحذف المضاف إليه وينوي وجود لفظه بنصه الحرفي؛ فيبقى المضاف على حاله معربًا منصوبا غير منون؛ كما كان قبل حذف المضاف إليه؛ نحو: لما انقطع المطر صفا الجو بعد، أي: بعد المطر، وحكم الظرف هنا كسابقه.

جـ– وقد يحذف المضاف إليه، ويستغنى عنه نهائيًا كأن لم يكن؛ مثل: صفا الجو بعدًا

والظرف في هذه الحالة معرب، منصوب، نون

د– وقد يحذف المضاف إليه وينوى معناه، "أي: ينوى وجود كلمة أخرى تؤدي معنى المحذوف في غير أن تشاركه في نصه وحروفه"، وفي هذه الصورة يلتزم الظرف المضاف: البناء على الضم؛ مثل: لما انقطع المطر صفًا الجو بعد، أي: بعد انقطاعه، أو: بعد ذلك1

= لا يختصان بالزمان فقد يكونان للمكان كقولك: داري قبل دارك أو بعدها

". ا. هـ، بل بالغ بعضهم فجعل الأولى في استعمال: "بعد" أن يكون ظرف مكان، يدل على هذا ما سجله ياسين في تعقبه على ما جاء بالتصريح "ج 2 باب: "حروف الجر"، عند الكلام على الحرف من، ص 8".

والحق أن "بعد" تكون للزمان تارة وللمكان أخرى، ولا داعي للتأويل الذي يراد منه قصرها على أحدهما.

ثم انظر في رقم 1 التالي بعض الاستعمالات الأدبية.

1 يكثر وقوع الظرف: "بعد" تاليًا "أما الشرطية" التي ستجيء أحكامها مفصلة في باب خاص بها ج4 م161 ص 470 كقولهم: "

أما بعد، فإن شر الكلام الكذب

"، وقد تحل "الواو" محل "أما الشرطية"، فيقال: "وبعد، فإن

"، فمن أي الصور والحالات السالفة ما يكثر في بدء الخطب والرسائل الأدبية، ونحوها من مثل: تحية الله وسلامة عليكم: "وبعد"، فإدراك الغايات رهن باتخاذ الوسائل الناجعة

" وقول صاحب: "القاموس المحيط" في ديباجة قاموسه: ما نصه: "الحمد لله منطق البلغاء

وبعد فإن للعلم رياضًا

". ا. هـ.

قال شارع الديباجة حين عرض لهذه العبارة قبل ذلك في تقييداته الأولى التي سماها: شرح ديباجة =

ص: 284

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فالأحوال أربعة 2 تعرب في ثلاثة منها، وتبنى في حالة واحدة هي: التي يحذف فيها المضاف وينوى معناه.

وتلك الأحوال الأربعة تنطبق على باقي الظروف التي وليت: "بعد".

غير أن هناك بعض الأمور تتصل بلفظ: "أول" الذي ليس ظرفًا1، منها: اعتباره اسمًا مصروفًا معناه ابتداء الشيء المقابل لنهايته، ولا يستلزم أن يكون له ثان؛ فقد يكون له ثان، وربما لا يكون؛ تقول: هذا أول ما اكتسبته: فقد تكتسب بعده شيئًا، أولا تكتسب، وقيل: يستلزم كما أن الآخر يستلزم أولًا، والحق الرأي الأول، وللقرائن دخل كبير في توجيه المعنى إلى أحد الرأيين، ومنه قولهم: "ما له أول ولا آخر2.

ومنها: أن يكون وصفًا مؤولًا، أي: افعل تفضيل بمعنى: "أسبق"، فيجري عليه حكمه؛ من منع الصرف وعدم التأنيث بالتاء، ووجوب إدخال "من" على المفصل عليه؛

نحو: هذا أول من هذين، ولقيته عام أول من عامنا3.

= القاموس، للهوريني قال ما نصه:"بعد، كلمة يفصل بها بين الكلامين عند إرادة الانتقال من كلام إلى غيره وهي من الظروف، قيل: زمانية، وقيل: مكانية وعامله محذوف، قال الدماميني، والتقدير: أقول بعد ما تقدم من الحمد، والصلاة والتسليم على نبيه العظيم، "فإن" بالفاء، إما على توهم "أما" أو على تقديرها في نظم الكلام، وقيل: إنها لإجراء الظرف مجرى الشرط، وقيل: "إنها عاطفة وقيل: زائدة

". ا. هـ، والذي يعنينا هو فهم هذا الأسلوب، وأنه فصيح بالفاء.

لاحظ البيان الذي في رقم 6 من هامش ص 283؛ لأهميته.

1 تفصيل أحكامها وأحوالها في ج 3 ص 53 م 59 باب الإضافة.

2 تقدم له بيان آخر في ص 283، وكذلك في جـ1 ص 194 م17 باب النكرة والمعرفة، وستجيء إضارة مهمة إليه في جـ 3 باب الإضافة.

3 راجع الكلام عليه مع الظرف "أمس" في ص 283، وله بيان آخر في جـ 3 باب الإضافة ص 125.

4 ويصح لقيته عامًا أول من عامنا، جاء في الهمع "ج 1 ص 54 باب:"النكرة والمعرفة" ما نصه: "من الأسماء ما هو معرفة معنى، نكرة لفظًا، نحو: كان عامًا أول، وأول من أمس؛ فمدلولهما معين لا شيوع فيه بوجه، ولا يستعملا إلا نكرتين

". ا. هـ.

وقد سبق بيان هذا في جـ 1 م.

ص: 285

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أن يكون اسمًا معناه: "السابق"؛ فيكون مصروفًا؛ نحو لقيه عامًا أولًا، أي: سابقًا.

أما "أول" الظرف الزماني فمعناه: "قبل" نحو: رأيت الهلال أول الناس.

هذا، وأصل أول في الأرجح، بنوعيه: الظرف، والاسم، هو "أو أل" بوزن: أفعل؛ قلبت الهمزة الثانية واوًا، ثم أدغمت الواو في الواو، بدليل جمعه على أوائل1.

6-

بين2 بدل فأما: "بين" فأصله ظرف للمكان، وقد يكون للزمان أيضًا. والكلمة في الحالتين مضافة إلا عند التركيب كما سبق2 وتتخلل شيئين3، أو ما في تقدير شيئين4، أو أشياء5، وتصرفها متوسط، وكذلك وقوعها معربة، مثل قوله تعالى في الزوجين:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَ} ، فقد وقعت اسمًا معربَا مضافًا إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة؛ كشأنها في قوله تعالى:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وقوله:{لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} في قراءة من رفع الظرف، وقوله:{وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} .

1 انظر ما يتعلق به في ص 563 وفي ج 3 باب الإضافة.

2و2 سبقت الإشارة إلى بعض أحكامها، "وهو: التركيب المزجي"، في ص 271، ولها إشارة أخرى في ص 277 بمناسبة الكلام على: "إذ".

3 كقوله تعالى:

{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

4 كقوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} ، أي: بين الجهر والمخافتة.

5 كقول امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

أي: بين مواضع الدخول، ومما يصلح لتقدير شيئين، أو أشياء قول الشاعر:

قدر الهجر بيننا فافترقنا

وطوى البين عن جفوني غمضي

ص: 286

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا تضاف إلا إلى متعدد؛ كقولهم: مقتل المرء بين فكيه، وقول الشاعر:

شوقي إليك نفى لذيذ هجوعي

فارقتني فأقام بين ضلوعي

فإن أضيفت لمفرد وكان ضميرًا لا يدل على تعدد، وجب تكرارها مع عطف المكررة بالواو، كالآية السابقة؛ وهي:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ، وإن كان اسمًا ظاهرًا فالكثير أنها لا تتكرر، إذ يكتفى بالعطف بالواو على الاسم الظاهر المضاف إليه، مع جواز التكرار، وإن كان الأول هو الأكثر1؛ مثل: تضيع الغاية بين التردد واليأس، وقولهم: شتان بين روية وتسرع.

وقد يتصل بآخرها "الألف" الزائدة أو"ما"2 الزائدة، فتصير في الحالتين زمانية غير متصرفة، واجبة3 الصدارة والإضافة إلى جملة "اسمية، أو فعلية"، وبعدها كلام مرتب على هذه الجملة، يعتبر منزلة الجواب4

1 تكرارها بين المتعاطفين الضميرين واجب، أما بين المتعاطفين الظاهرين فجائز للتوكيد؛ فيصح أن يقال: المال بين محمود وبين علي، بزيادة:"بين" الثانية، للتأكيد؛ كما قاله ابن بري وغيره، وبذلك يرد على منع الحريري تكرارها. راجع حاشية ياسين على شرح التصريح ج 2، وكذا "الصبان" أول باب:"عطف النسق" فيها عند الكلام على واو العطف.

ويؤيد ما سبق ورودها مكررة في بعض الأحاديث الشريفة التي نقلها، وشرحها صاحب المواهب الفتحية ج2، وفي كلام آخر لعلي بن أبي طالب نقلناه في ج 3 م 118 باب: عطف النسق، عند الكلام على "الواو" وما تنفرد به

ص 544، وفي كلام لعمر بن عبد العزيز، وهو ممن يحتج بكلامهم.

وكذلك وردت في شعر يحتج به نقله "الطبرسي في كتابه مجمع البيان ج 1 ص 45"، ونصه: قال عدي بن زيد:

وجاعل الشمس مصرًا لا خفاء به

بين النهار، وبين الليل قد فضلا

المصر: الحاجز وقول أعشى همدان:

بين الأشح وبين قيس باذخ

بخ بخ لوالده وللمولود

2 وقوع "ما" الزائدة بعد الظرف: "بين" يوجب وصلهما في الكتابة، وتصديرهما في الجملة، وكذلك مع الألف الزائدة كما تقدم في ص 268 و 279.

3 كما في القاموس وغيره.

4 يكون الظرف مضافًا للجملة التي بعده مباشرة، ومنصوبًا لعامل في الكلام المتأخر عنها، المترتب =

ص: 287

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= عليها، كأنه جواب لها، معلق عليها كتعليق الجواب على الشرط، وقد يقترن هذا الجواب بالفاء

على الوجه الذي سبق في "و" ص 276، وكما يجيء في هامش ص 359"، وما سبق هو رأي الجمهور، وهناك آراء أخرى أيسرها أنها بعد اتصال "ما" الزائدة، أو: الألف الزائدة بها، تصير ظرف زمان غير مضاف؛ لأن الحرف الزائد قد كفها عن العمل، ويصير الظرف "بين" منصوبًا بالعامل الذي في الجملة التي تليه مباشرة، والجملة التي تليها بمنزلة الجواب، وهذا رأي حسن، وفيه تيسير.

ومن المفيد الذي يوضح ما سبق أن نسجل هنا ما جاء في حاشية الأمير على المغني، وما جاء في الصبان عن هذه المسألة بالرغم مما في كلامهما من تحليل لا يعرفه العربي القديم:

"أ" جاء في المغنى؛ ج في الكلام على "إذا" وأنواعها، ما نصه:"تكون للمفاجأة، نص على ذلك سيبويه، وهي الواقعة بعد "بينا"، أو"بينما"

و

"، وقد علق على هذا: الأمير في حاشيته، قائلًا ما نصه:

أصل: "بين" مصدر "بان"، إذا تفرق، ثم استعملت الظروف؛ زمانية ومكانية، ولا تضاف إلا لمتعدد؛ فأصل قولك: جلست بين زيد وعمرو، وأتيت بين الظهر والعصر، جلست مكان تفرق زيد وعمرو، أي: المكان الواقع بينهما، وأتيت زمن تفرق الظهر والعصر، أي: الذي يفصل بينهنما، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، ثم لما أرادوا أن يضيفوها إلى الجملة مع كونها لازمة للإضافة للمفرد أي: لغير الجملة وكانت الإضافة إلى الجملة كلا إضافة، لعدم تأثيرها في لفظ المضاف إليه وصلوها بأحد الأمرين، "ما" التي شأنها الكف، فكأنها كفتها عن الإضافة، أو"الألف" مشبعة عن الفتحة؛ لأنها أيضًا تفيد قطع ما قبلها في الوقف، مبدلة عن تنوين إثر فتح، كالظنونا في قوله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} ، ثم هي بعد ظرف زمان فقط؛ لأنه ليس لنا مكان يضاف للجملة غير "حيث"، وإن تأملت ما سبق أغناك عن إضمار "أزمان" بعدها إذا أضيفت للجملة كما قيل"". ا. هـ، وهذا الرأي أحسن من التالي.

"ب" وقال الصبان في الجزء الثاني باب الإضافة عند الكلام على قول ابن مالك:

وألزموا إضافة إلى الجمل

حيث وإذ.........................

ما نصه:

"اعلم أن أصل: "بين" أن تكون مصدرًا بمعنى: الفراق، فمعنى جلست بينكما: جلست مكان فراقكما، ومعنى أقبلت بين خروجك ودخولك: أقبلت زمان فراق خروجك ودخولك، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فتبين أن: "بين" المضافة إلى المفرد أي: الذي ليس جملة تستعمل في الزمان والمكان. فلما قصدوا إضافتها إلى الجملة، اسمية أو فعلية والإضافة إلى الجملة كلا إضافة زادوا عليها تارة: "ما" الكافة: لأنها تكف المقتضى عن اقتضائه، وأشبعوا تارة أخرى الفتحة، فتولدت "ألف" لتكون الألف دليل عدم اقتضائه للمضاف إليه؛ لأنه حينئذ كالموقوف عليه؛ لأن =

ص: 288

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

للظرف1 فمثال الفعلية: بينما أنصفتني بالود ظلمتني بالمن، وقول الشاعر:

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا

إذا نحن فيهم سوقة نتنصف2

ومثال الاسمية:

استقدر الله خيرا3، وارضين به

فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبطًا

إذ صار في الرمس4 تعفوه الأعاصير

وقد ورد في السماع الذي لا يقاس عليه إضافة "بينا" للمصدر دون: "بنيما" على الصحيح

وقد تركب تركيب مزج "كخمسة عشر"، فتبنى مثلها على فتح الجزأين كقول الشاعر:

= الألف قد يؤتى بها للوقوف، كما في:"أنا" والظنونا يشير إلى أن الأصل في "نا" خلوها من الألف، وإلى قوله تعالى:"وتظنون بالله الظنونا"، وتعين حينئذ ألا تكون إلا للزمان، لما تقرر أنه لا يضاف إلى الجمل من المكان إلا حيث. وإضافة:"بينما" أو "بينا" في الحقيقة إلى زمان مضاف إلى الجملة، فحذف الزمان المضاف، والتقدير: بين أوقات زيد قائم، أي بين أوقات قيام زيد كذا قرره الرضي.

"وقد يضاف "بينا" إلى مفرد مصدر دون "بينما" على الصحيح، كذا في الدماميني والهمع، وتقدير: "أوقات"؛ لأن "بين" إنما تضاف لمتعدد، وناقش أبو حين بأن: "بين" قد تضاف للمصدر المتجزئ، كالقيام، مع أنهم لا يحذفون المضاف إلى الجملة في مثل هذا.

"قال في الهمع: وما ذكر من أن الجملة بعد: "بينا" و"بينما" مضاف إليها هو قول الجمهور، وقيل: "ما" و"الألف" كافتان؛ فلا محل للجملة بعدها، وقيل: "ما" كافة دون الألف بل هي مجرد إشباع".

وعلى عدم إضافتهما يكون عاملها ما في الجملة التي تليها كما في المغني". ا. هـ، كلام الصبان.

1 ومن النادر المسموع أن يتحقق لها هذا دون أن يتصل بآخرها "الألف الزائدة"، أو:"ما الائدة" كالوارد في كلام الحارث بن حلزة اليشكري حيث يقول:

بين الفتى يسعى ويسعى له

تاح له من أمره خالج

الخالج: الذي يقتلع الشيء وينتزعه.

2 فطلب الإنصاف.

3 أسأله أن يقدره ويهيئه لك.

4 القبر.

ص: 289

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحمي حقيقتنا وبعض

القوم يسقط بين بين

الأصل: بيننا وبين الأعداء، أي: بين المقاتلين، فأزيلت الإضافة من الظرفين، وركب الأسمان تركيب خمسة عشر.

فإن أضيف صدر: "بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية في الصدر، وجاز زوالها. فمن الأول قولهم: المنافق بين بين، ينصب الأولى على الظرفية مباشرة، ومن الثانية قولهم: المنافق بين بين، أما إذا وقعت مضافًا إليه، فيتعين زوال الظرفية.

وأما: "بدل" قد سبق الكلام عليه في ص 261.

7– حيث من الظروف المكانية الملازمة للبناء، برغم أنها مضافة1، والأكثر أن تبنى على الضم، وتضاف للجمل2 الاسمية والفعلية، وإضافتها للفعلية أكثر نحو: قعدت حيث الجو معتدل، وبقيت حيث طاب المقام؛ وقول الشاعر:

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه

ففي صالح الأخلاق نفسك فاجعل

ومن القليل إضافتها للمفرد، ومع قلته جائز، ولكن لا داعي لترك الكثير إلى القليل، ومثله دلالتها على الزمان3.

1 سيجيء الكلام عليها من ناحية إضافتها للجملة أو المفرد "في باب: الإضافة، ج 3 م 93 ص 77"، وبناء الظروف مع إضافتها شائع، كما ترى في هذا الباب.

2 بشرط أن تكون "حيث" غير مختومة بما الزائدة عند إضافتها إلى الجملة. وقد نص على هذا الشرط فيها، وفي "إذ" الظرفية المحضة المبرد في كتابه:"المقتضب" ج2 ص 54.

3 فقد قالوا: إن الأصل فيها أن تكون للمكان، وقد تكون للزمان؛ كقول الشاعر:

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه

" أي: حين تهدي

" كما قالا: إنها لا تستعمل في الغالب إلا ظرفًا، وندر جرها بالباء، نحو: تلاقينا بحيث صافح أحدنا الآخر، وكذلك جرها بالحرف "إلى"، كقول الشاعر:

إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم

و"في" نحو: أصبحنا في حيث التقينا، ونص ابن مالك على أن تصرفها نادر. وقال ابن هشام في المغني: الغالب كونها في محل نصب على الظرفية، أو خفض بمن، وقد تخفض بغيرها، كقول الشاعر: إلى حيث

إلخ، والأحسن الأخذ برأي ابن هشام؛ لما فيه من تيسير وإن كان الجر قليلًا.

ص: 290

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

8– حول.... سبق عنه بيان مناسب 1.

9– ريث أصله: مصدر راث، يريث، إذا أبطأ، ويجوز أن يترك المصدرية ويستعمل في معنى ظرف الزمان، فيكون مبينًا على الفتح، ومضافًا إلى جملة فعلية؛ نحو: بقيت معك ريث حضر زميلك، أي: قدر بطء حضور زميلك. وقد تقع بعدها "ما" الزائدة أو المصدرية فاصلة بينها وبين الجملة الفعلية، نحو: فلان يمنح المحتاج ريث ما2 يسمع.

10-

عند، ظرف يبين أن مظروفه إما حاضر حسًا، أو؛ معنى، وإما قريب حسًا، أو: معنى، فالأول، نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ} 3، والثاني: نحو قوله: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} ، والثالث: نحو قوله تعالى: {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} ، والرابع: نحو قوله تعالى: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} ، وقوله:{عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} .

وهي ظرف مكان معرب، لا يكاد يستعمل إلا منصوبًا على الظرفية المكانية، كالأمثلة السابقة، أو مجرورًا بالحرف:"من" دون غيره من حروف الجر مثل: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ، وقد وردت للزمان قليلًا في مثل: أزورك عند شروق الشمس وقولهم: الصبر عند الصدمة الأولى، ويجوز محاكاته عند قيام قرينة، بشرط إضافة "عند" للزمان4.

1 في رقم 1 من هامش ص 262، وفي ص 272.

2 إن كانت "ما" زائدة فالأحسن في الكتابة وصلها بالظرف: "ريث"، وإن كانت مصدرية فالأحسن فصلها، وبالصورتين تصلح في البيت الثاني من قول الشاعر:

ولولا اجتناب الذام لم يلف مشرب

يعاش به إلا لدي، ومأكل

ولكن نفسًا حرة لا تقيم بي

على الضيم إلا ريثما أتحول

3 ومثل قول الشاعر:

إذا الشعر لم يطربك عند سماعه

فليس خليقًا أن يقال له شعر

4 جاء في المصباح المنير في مادة: "عند" ما نصه: =

ص: 291

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتشترك: "عند"1 مع "لدى" – و"لدن"1 في أمور، أهمها: الدلالة على ابتداء غاية مكانية أو زمانية 2، وتخالفهما في أمور أخرى يجيء الكلام عليها مع الكلام عليهما.

= "والأصل في استعمال هذا الظرف أن يكون فيما حضرك من أي قطر "ناحية" كان من أقطارك، أو دنا منك، وقد استعمل في غيره؛ فتقول: عندي مال؛ لما هو بحضرتك، ولما غالب عنك؛ فقد ضمن معنى الملك والسلطان على الشيء، ومن هنا استعمل في المعاني فيقال: عنده خير، وما عنده شر؛ لأن المعاني ليس لها جهات

". ا. هـ.

ويقول أيضًا: "عند" ظرف مكان، ويكون ظرف زمان إذا ضيف إلى الزمان؛ نحو: عند الصبح، وعند طلوع الشمس، ويدخل عليه من حروف الجر "من" لا غير؛ تقول: جئت من عنده، وكسر العين هو اللغة الفصحى وتكلم بها أهل الفصاحة.... وحكى الفتح والضم". ا. هـ.

1 و 1 سيجيء الكلام على: "لدن ولدي في ص 294 و 295"، وأيضًا على "عند، ولدن" في باب الإضافة، ج 3 ص 101 م 95.

2 قال صاحب المفصل ج 4 ص 85 ما نصه في معنى ظروف الغايات: "قيل لهذا الضرب من الظروف غايات؛ لأن غاية كل شيء ما ينتهى به ذلك الشيء، وهذه الظروف إذا أضيفت كانت غايتها آخر المضاف إليه؛ لأن به يتم الكلام، وهو نهايته، فإذا قطعت عن الإضافة وأريد معنى الإضافة صارت هي غايات ذلك الكلام؛ فلذلك من المعنى، قيل لها: غايات". ا. هـ.

وهذا يوافق ما يقوله بعض الشراح في تعريف ظروف الغايات، ونصه:"هي الظروف المبنية على الضم لحذف المضاف إليه، فتصير غاية وظرفًا بعد حذفه". ا. هـ.

راجع حاشية المغني للعلامة الأمير أول ج 2 فصل لكلام على "ما".

وتوضيحًا لما سلف نسوق بعض الأمثلة التي تجلي المراد، منبهين إلى أن الغاية لها معان أخرى تختلف باختلاف الموضوعات، والمناسبات "منها: ما سيجيء في رقم 4 من هامش ص 459 ورقم 2 من هامش ص 468، ومنها: ما سيجيء كاملًا في ص 101 و 121 م 95 من الجزء الثالث، وفيه الأمثلة التي نسوقها لمناسبة دغت إليها هناك":

أ- في مثل: سافرت من لدن بيتنا إلى الضاحية تشتمل هذه الجملة على الفعل: "سافر"، والسفر يقتضي الانتقال من مكان إلى آخر، فلا بد لتحققه من نقطة معينة يبتدئ منها، وأخرى ينتهي إليها، أي: لا بد له من مكان ابتداء، ومكان انتهاء، محددين، مضبوطين؛ كالذين هنا، وهما: البيت والضاحية، وبين نقطتي الابتداء والانتهاء مسافة محصورة بينهما، لا محالة، ويطلق على مجموع الثلاثة اسم اصطلاحي، هو:"الغاية المكانية" أي: "المسافة المكانية" أو: المقدار المكاني، وهي تشتمل كما ترى مكانا محدودا، محصورا، له بداية ونهاية معينتان، ومسافة تصل هذه بتلك، وقد دخل =

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

11، 12- عوض، قط، سبق الكلام عليهما في ص116 و261

= لفظ "لدن" على كلمة هي بداية الغاية؛ فدخوله على هذه الكلمة وعلى نظائرها يرشد إلى أنها أول جزء من أجزاء الغاية المكانية، أو أنها نقطة البداية.

ولو قلت: سافرت من لدن الصبح إلى العصر، لدل الفعل:"سافر" على أنه استغرق زمنًا محددًا معينًا، له بداية زمنية معروفة، ونهاية زمنية معروفة كذلك؛ فله نقطتا ابتداء وانتهاء، زمنيتان مضبوطتان، وينحصر بينهما مقدار زمني يصلهما، ويتكون من مجموع الثلاثة "أي: من نقطة البداية، ونقطة النهاية، وما بينهما" ما يسمى في الاصطلاح:"الغاية الزمانية" بمعنى: "المقدار الزماني"، ودخول لفظ "لدن" على الكلمة التي بعده يرشد إلى أن هذه الكلمة نفسها هي نقطة البداية، أي أول: جزء من أجزاء الغاية الزمانية.

ويفهم مما سبق أن "لدن"، و"عند" اسمان يدلان على ما بعدهما من بدء الغاية

فسمى كل منهما "نقطة البداية" نفسها، وليس الابتداء الذي هو أمر معنوي، ولهذا كانا اسمين عند النحاة دون "من"، "ومنذ" الحرفين اللذين معناهما الابتداء المعنوي، فإضافة "لدن"، و"عند" إنما هي من إضافة الاسم إلى مسماه.

"هذا وقد أطلنا الكلام في ج 1 ص 56 م 6 عن سبب تفريقهم بين كلمة: "ابتداء" واعتبرها اسما، وكلمة: "من" الجارة المقيدة للابتداء، واعتبارها حرفًا".

لكن قد يخطر على البال السؤال الآتي: إذا ان لفظ "لدن" للدلالة على بداية الغاية، فما الداعي لمجيء الحرف "من" قبله، ومعناه الابتداء أيضًا؟

أجاب النحاة عن هذا إجابة غير مقنعة؛ فقالوا: إن دلالة "لدن" على بداية الغاية ليست مألوفة في الأسماء؛ فجاء الحرف "من" ليكون بمنزلة الدال على ذلك، ولهذا يكون في الأعلم الأغلب موجودًا. "راجع حاشية ياسين على شرح التصريح في هذا الموضع".

والسبب الحق هو استعمال العرب القدامى لهما مجتمعين، دون تعليل آخر:

ب– ما سبق يقال في الظرف: "عند"؛ فلو وضعناه مكان "لدن" في الأمثلة السالفة وأشباهها لم يتغير الأمر؛ ففي مثل: قرأت الكتاب من عند المقدمة إلى الخاتمة، تجد الفعل:"قرأ" لا يتحقق كاملًا إلا بنقطة مكانية معينة تبتدئ منها القراءة؛ هي: "المقدمة"، ونقطة أخرى محددة تنتهي إليها؛ هي:"الخاتمة"، وبين النقطتين المكانيتين مسافة مكانية تصل بينهما هي المسافة الأخرى المكتوبة، ومن اجتماع الثلاثة:"أي نقطة البداية المكانية، ونقطة النهاية المكانية، وما بينهما" يتكون ما يسمونه: "الغاية المكانية" التي يجيء الظرف "عند" ليدل على أن المضاف إليه هو نقطة البداية فيها:

وإذا قلت: قرأت الكتاب من عند العصر إلى المغرب نشأت: "الغاية الزمانية" التي تتكون من اجتماع تلك الثلاثة، والتي يدخل الظرف "عند" على أول جزء منها؛ فيكون وجوده دليلًا على أن ما بعده "وهو المضاف إليه" نقطة البداية الزمانية

مما تقدم يتضح الفرق بين "الغاية"، ومبدأ الغاية الذي يدل عليه "لدن" أو"عند"؛ فالغاية =

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

13– كلما ظرف مركب من كلمتين هما: "كل" و"ما"، وهو بهذا التركيب اللفظي يفيد تكرار المعنى؛ نحو: كلما رأى الناس المصلح أكبروه، ويقول النحاة: إن كلمة "كل" فيه منصوبة باتفاق، وأنها مضافة إلى كلمة "ما" المصدرية؛ أو التي تعتبر نكرة بمعنى:"شيء"، وهذا الشيء "وقت" فكلمة:"ما" هنا محتملة لوجهين.

أحدهما: أن تكون حرفًا مصدريًا والجملة بعد هذا الحرف المصدري صلة له؛ لا محل لها من الإعراب، والأصل: كل رؤية الناس

، ثم عبرنا عن معنى المصدر بكلمتي:"ما والفعل" ثم أنيبا عن الزمان، أي: كل وقت رؤية

كما أنيب عنه المصدر الصريح في مثل: جئتك خفوق النجم.

والآخر: أن تكون "ما" اسمًا نكرة بمعنى: "وقت"، فلا تحتاج على هذا إلى تقدير:"وقت" والجملة بعده في محل جر صفة؛ فتحتاج إلى تقدير ضمير عائد منها، أي: كل وقت رأى الناس فيه

وقد سبق أن هذا الظرف مركب من كلمتين، وأن كلمة:"كل" منصوبة حتمًا، وبقي أنه يحتاج إلى جملتين ماضيتين بعده، والثانية منهما بمنزلة الجواب له مع أنه ليس أداة شرط، والماضي فيها هو عامل نصبه ويجب تأخيرها.

"راجع المغني والهمع".

14– لدن، يكون ظرفًا دالًا على مبدأ الغايات، "أي: أنه لابتداء غاية زمان أو مكان بالمعنى الذي سبق1 شرحه في "عند"، ويلازم البناء، وبناؤه

= تشمل الأجزاء الثلاثة، أما مبدأ الغاية فهو الجزء الأول منها، دون الجزأين الآخرين، وكذلك يتضح المراد من قولهم:"إن معنى: "لدن"، و"عند" هو الدلالة على مبدأ الغايات الزمانية أو المكانية"، وأنه يصح وضع أحدهما مكان الآخر، فيقال: جئت من عند الصديق، أو: من لدن الصديق، وفي القرآن الكريم:{آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} ، فلو وضع أحد الظرفين مكان الآخر لجاز، ولم يمنع منه مانع إلا كره التكرار اللفظي بغير داع بلاغي.

جـ- إذا دخل "لدن"، أو:"عند" على بداية الغاية فليس من اللازم أن يذكر معها اللفظ الدال على النهاية، إذ يكفي أن يشتمل الكلام على البداية وحدها ما دام المقام يكتفي به.

د– ليس الأمر في كل ما سبق مقصورًا على الأفعال التي تعمل في الظرف، وتحتاج في تحقيق معناها إلى غاية زمانية أو مكانية، وإنما الأمر يشمل كل عامل آخر لا يتحقق معناه كاملًا إلا بذكر الغاية؛ يتساوى في هذا أن يكون العامل فعلًا، أو شبه فعل، أو اسم فاعل، أو اسم مفعول، أو غير ذلك مما يعمل

1 في رقم 2 من هامش ص 292.

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على السكون هو الأغلب، مثل: تذكر فضل والديك لدن أنت صغير.

والكثير في استعماله أن يكون مسبوقًا "بمن الجارة"1 مثل: هذا فضل من لدن الله الكريم، ومثل: بقي هنا من لدن الظهر إلى الغروب، وأن يكون مضافًا لمفرد كهذين المثالين2، أو مضافًا للجملة؛ نحو: فلان مولع بالعلم لدن شب إلى أن شاب أو؛ مولع بالعلم لدن هو يافع، وقد يستغني عن الإضافة في حالة ستجيء

ويكون بمعنى: "عند" كثيرًا، ولكن يخالفها في أمور؛ منها:

أن "لدن" ظرف ملازم للإضافة للمفرد، أو للجملة، ويجوز استغناؤه عن الإضافة إذا وقعت بعده كلمة:"غدوة"؛ منصوبة3 مثل قضيت الوقت لدن غدوة حتى غروب الشمس، أما "عند" فيصح أن تترك الإضافة، وتصير اسمًا مجردًا؛ كأن يقول شخص: عندي مال؛ فيجاب: وهل لك عند؟ "فعند" هنا مبتدأ، أو يقال: الكتاب عندي، فيجاب: أين عندك؟:

ومنها: أنه لا يكون إلا فضلة ولو ترك الظرفية؛ ففي مثل السفر من عند البيت لا يصح: السفر من لدن البيت، فكلمة:"عند" مجرورة، والجار والمجرور خبر، والخبر عمدة، وقد اشتركت "عند" في تكوينه؛ فهي عمدة بسبب اشتراكها، ولذا لا يصح:"السفر من لدن البيت" لكيلا تشترك: "لدن" في تكوين العمدة، وهي لا تكون إلا فضلة خالصة دائمًا.

15– لدى، ظرف معرب ملازم للنصب على الظرفية، ومعناه:"عند" ويخالفها في أمور:

منها: أن "لدى" لا تجر أصلًا، أما "عند" فتجر بالحرف "من".

1 وفي حالة جره لا يكون ظرفًا، وكذلك كل حالة أخرى لا يكون فيها منصوبا على الظرفية.

2 ومثل قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} .

3 على اعتبار: "غدوة" تمييزًا، أو: اعتبارها خبرًا لكان المحذوفة، والتقدير: لدن كانت الساعة غدوة، ويجوز في "غدوة" الرفع عند الكوفيين، على اعتبارها فاعلًا لكان التامة المحذوفة، والتقدير: لدن كانت غدوة، أي: ظهرت ووجدت غدوة، ويجوز في "غدوة" الجر بالإضافة؛ وهو القياس.

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أن "عند" تكون ظرفًا للأعيان "أي: للأشياء المجسمة" وللمعاني، أما "لدى" فلا تكون إلا للأعيان في الصحيح؛ تقول: هذا الرأي عندي صائب، ولا تقول: لدي.

ومنها: أنك تقول: عندي مال، وإن كان غائبًا، ولا تقول: لدي مال، إلا إذا كان حاضرًا.

هذا، وبإضافة "لدى" للضمير تنقلب ألفها ياء، نحو: لديك، لديه

1 أما حين إضافتها للاسم الظاهر فلا تنقلب.

16– لما2 تكون ظرف زمان3، بمعنى: حين، فتفيد وجود شيء لوجود آخر. والثاني منهما مترتب على الأول؛ فهو بمنزلة الجواب المعلق وقوعه على وقوع شيء آخر، نحو: لما جرى الماء شرب الزرع، ولهذا لا بد لها من جملتين، بعدها، تضاف وجوبًا إلى الأولى منهما؛ لأنها من الأسماء الواجبة الإضافة لجملة وتكون ثانيتهما متوقفة التحقق على الأولى، وعامل النصب في:"لما" هو الفعل أو ما يشبهه في الجملة الثانية.

والأغلب الأكثر شيوعًا في الجملتين ولا سيما 4 الثانية أن تكون معًا

1 ويراعي في الإعراب ما سبق تفصيله في ج 1 م 16 ص 178، "آخر الكلام على الاسم المعتل الآخر".

2 "لما" أنواع متعددة، منها:"لما، الظرفية"، والكلام عليها هنا، "ولها إشارة في ج 3 ص 92 م 94، من باب: "الإضافة".

ومنها: التي بمعنى "إلا" الاستثنائية وستجيء في "د" من ص 361 ومنها: "لما" الجازمة، "وستجيء في ج 4 م 153 ص 388".

3 على المشهور؛ "لأن بعض النحاة يعتبرها حرفًا بمعنى: حين".

وتسمى: "لما الحينية" ويسميها بعض النحاة: "لما الوجودية"؛ لأنها الرابطة لوجود شيء بوجود غيره؛ أو: "لما التوقيتية"؛ لأنها بمعنى وقت.

4 قال الأشموني في الجزء الثالث، أو باب:"إعراب الفعل" عند الكلام على أنواع: "أن" ومنها الزائدة، ما نصه:"الزائدة هي التالية لما"، نحو قوله تعالى:{فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ} . ا. هـ، كلام الأشموني، وهنا قال الصبان: "قوله: نحو: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ}

وتقول: "أكرمك لما =

ص: 296

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ماضيتين لفظًا ومعنى؛ نحو: قوله تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} ، أو معنى فقط1 كقول المعري يصف خيلًا سريعة:

ولما لم يسابقهن شيء

من الحيوان سابقن الظلالا

وقول المتنبي:

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا

فلما دهتني لم تزدني بها علما

وقد ورد في القرآن الكريم وقوع الجملة الثانية مضارعية في قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا} كما ورد فيه وقوعها جملة اسمية مقترنة بالفاء، أو إذا، حيث يقول: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ

= أن يقوم زيد، برفع المضارع، فارضى". ا. هـ، كلام الصبان نقلًا عن الفارضي، وهذا النص صريح في أنها قد تدخل على المضارع قياسًا إذا كان مسبوقًا بأن الزائدة، والعجيب أن الصبان يأتي به هنا جلبًا واضحًا، ليكمل ما فات الأشموني ثم ينسى هذا في الجزء الرابع أو باب الجوازم عند الكلام على: "لما" الجازمة حيث يصرح "الأشموني" بأنه استغنى كبعض من سبقوه بقوله: "لما" أخت "لم" عن أن يقول: "لما" الجازمة، وأنه احترز بكلمة: "أختها" من "لما" الحينية، ومن "لما" الاستثنائية؛ لأن هاتين لا يليهما المضارع، فيقول "الصبان" تعليقًا على هذا، وتأييدًا لما ما نصه: "أي: كلامه فيما يليه المضارع، فلا حاجة إلى الاحتراز منهما". ا. هـ، فهو يكتفي بهذا ساكتا عما قيل من أن المضارع لا يجيء بعد "لما" الحينية، و "لما" الاستثنائية، وكما نسي هذا في "باب الجوازم" نسيه أيضًا في باب "جمع التكسير" جـ 4 عند الكلام على صيغة: "فعول" واطرادها، حيث قال الأشموني عنها في ذلك الباب: "ظاهر كلام المصنف هنا موافقة التسهيل فإنه لا يذكر في هذا النظم غالبًا إلا المطرد، ولما يذكر غيره يشير إلى عدم اطراده غالبًا بقد، أو نحو: قل، أو ندر

". ا. هـ، وهنا قال الصبان ما نصه:

قوله: ولما يذكر غيره

إلخ تركيب فاسد؛ لأن "لما" الحينية لا تدخل إلا على ماض

ا. هـ، كلام الصبان.

فما المراد في كل ما سبق في أن المضارع لا يجيء بعد "لما"؟ أيكون المراد أنه لا يجيء بعدها مباشرة بغير فاصل بينهما؟ لا دليل يوضح المراد.

فبأي الرأيين نأخذ؟

بالأول؛ لأنه نص صريح، فيه تيسير، ولكن حظه من القوة والسمو البلاغي أقل كثيرًا من الآخر الذي منعه أكثر النحاة حتى الصبان في بعض تصريحاته.

وستأتي إشارة أخرى للظرف "لما" في ج 4 ص 314 م 53، ونص الكلام السالف في جـ 4، وفي النواصب م 148 ص 122"، ومن الخير ترك الأول الضعيف.

1 بأن يكون الفعل مضارعًا مجزومًا بالحرف "لم" الذي يخلصه للماضي.

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} ، ويقول:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} 1، وقد تأول النحاة هذه الآيات؛ بتقدير حذف الجواب أو بغير هذا، ولا داعي للتأول في القرآن بغير حاجة شديدة، وإذا كنا نقبل التأول في القرآن فلم لا نقبله في كلام من يحاكي القرآن؟ نعم نقبل محاكاته، وندع التأول لمن يتخذه شرطًا للقبول؛ فالنتيجة الأخيرة واحدة، هي صحة الاستعمال، وصحة تأليف الأسلوب على نسق القرآن، وقد جاء في كتاب:"مجمع البيان لعلوم القرآن" للطبرسي ج 3 ص 155 في إعرابه قوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّه} ما نصه: إذا، بمنزلة "الفاء" في تعليقه الجملة بالشرط. ا. هـ، يريد: ربط جملة جواب "لما" بشرطها، وهذا يؤيد ما قلناه.

وقد رأيت الجواب ماضيًا مقترنًا بالفاء أو أنه محذوف إن أخذنا بالرأي السالف في خطبة عائشة تدافع على أبيها، وتذكر مناقبه بعد موته وهي الخطبة الرائعة التي نقلها، وشرحها العلامة اللغوي محمد بن القاسم الأنباري " المتوفى سنة 327 هـ"، وقد جاء فيها قولها: "

أبى، والله لا تعطوه2 الأيدي، وذاك طود منيف3، وظل مديد

فتى قريش ناشئًا، وكهفها كهلًا

فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم اضطرب حبل الدين، ومرج4 عهده، وماج أهله

وأنى والصديق بين أظهرهم؛ فقام حاسرًا مشمرًا

فلما انتاش5 الدين، فنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرر الرءوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، فلما حضرته منيته ففسد ثلمته بنظيره في المعدلة، وشقيقه في السيرة والمرحمة؛ ذاك ابن الخطاب

" ففي المنقول هنا من الخطبة ووقع جواب "لما" ماضيًا مقرونًا بالفاء في موضعين هما: "فنعشه" و"فسد"

إلا على الرأي القائل إنه محذوف.

والخطبة كاملة مشروحة في الجزء الثالث من مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق عدد تموز "يوليو" سنة 1962 م المحرم سنة 1382 هـ ص 414.

هذا "ولا مانع أن يتقدم جواب لما" عليها ما ورد في بعض المراجع اللغوية6.

1 وكذلك قوله تعالى في قوم موسى: {َلَمَّا جَاءَهُمْ بِآياتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ} .

2 لا تعطوه: لا تصل إليه.

3 مرتفع.

4 اضطرب.

5 انتشل وانتزع.

6 فقد جاء في: "تاج العروس، شرح القاموس" عند الكلام عليها ما نصه: =

ص: 298

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

17– مذ ومنذ 1 قد يكونان ظرفين للزمان2 متصرفين، مبنيين، وقد

= "قد يتقدم الجواب عليها فيقال: استعد القوم للقاء العدو لما أحسوا بهم، أي: حين أحسوا بهم". ا. هـ، ومن هذا قول حافظ إبراهيم في قصيدته العمرية:

أمنت لما أقمت العدل بينهمو

فنمت نوم قرير العين هانيها

والتقدير: لما أقمت العدل بينهم أمنت

وكذلك قول ذي الرمة:

تعرفته لما وقفت بربعه

كأن بقاياه تماثيل أعجما

أي: لما وقفت بربعه تعرفته

لكن إذا تقدم جوابها عليها أيظل محتفظًا باسمه وبعمله، فيسمى جوابها، ويعمل فيها النصب، مع مخالفة هذا للحكم العام الذي يمنع تقدم الجواب على كل أداة من أدوات التعليق

، أم هي مستثناة من هذا الحكم العام؟.

المفهوم من كلام "تاج العروس" هو احتفاظ جوابها باسمه، وبعمله بالرغم من تقدمه عليها مع أنها أداة تعليق، غير أن المفهوم من كلام الصبان في مسألة أخرى كهذه يخالف ما هنا؛ فقال في "لما" التي تقدم عليها عاملها إنها ظرف بمعنى "حين" متعلقة بالعامل الملفوظ المتقدم عليها، ثم قال ما نصه:

"والظاهر أنها على هذا القول خالية من معنى الشرط". ا. هـ، راجع الصبان ج 2 باب الإضافة عند بيت ابن مالك:

والزموا "إذا" إضافة إلى

جمل الأفعال.........

إلخ

وهو يريد بخلوها من منى الشرط أنها ظرف محض لا يفيد تعليقًا: فلا يصح تسمية عامله جوابًا إذا تقدم عليه، وعلى هذا لا يكون في الكلام أداة شرط.

سواء أبقيت "لما" مفيدة للتعليق مع تقدم الجواب أم غير مفيدة، وسواء أكان هذا الرأي هو الأوضح أم ذاك، فالخلاف لفظي شكلي؛ لا يعنينا منه إلا أن الاستعمال صحيح على الرأيين، وأن الأسلوب خال من العيب اللفظي والمعنوي.

1 سبق الكلام عليهما في ج 1 ص 266 م 37 وص 370 م 38، وسيجيء في حروف الجر ص 518 م 90 مناسبة أخرى لهما، والكلام عليهما متشعب النواحي، متعدد الأحكام، ولقد خصهما ببحث واف مستقل أحد أعضاء مجمع اللغة العربية القاهري، ودون بحثه المستفيض بمجلة المجمع "ج 3 ص 254"، واستطاع أن يعرض فيه كل ما يختص بهما عرضًا مقيدًا كاملًا، وقد أثبتناه آخر الكتاب ص 544.

2 معناهما: زمن، أو: أمد.

ومن الظروف الزمانية: "متى" وهو اسم استفهام عن الزمان، وقد سبق الكلام على حكمه في رقم 2 من هامش ص 263.

ص: 299

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يكونان اسمين مجردين من الظرفية، وقد يكونان حرفي جر.

فيصلحان للظرفية إذا وقع بعدهما جملة اسمية، أو فعلية ماضوية؛ فيعربان ظرفين مبنيين في محل نصب، مع إضافة كل منهما إلى الجملة التي بعده، وعامل النصب فيهما لا بد أن يكون فعلًا ماضيًا؛ وكذلك الفعل في الجملة الفعلية التي يضافان إليهما لا بد أن يكون ماضيًا، نحو: جئت مذ أو منذ الوالد حاضر مذ أو منذ حضر الوالد.

ويتجردان للاسمية الخالصة1 إذا لم تقع بعدهما جملة، ووقع بعدهما اسم مرفوع2 نحو: غادرت البلد مذ، أو: منذ يومان، "فمنذ" أو"منذ" مبتدأ و"يومان" خبره. أو العكس3، ولا بد من تقدمها في الحالتين "أي: عند إعرابها مبتدأ وخبرًا". والمعنى: غادرت البلد، أمد المغادرة يومان.

ويكونان حرفي جر إذا وقع الاسم بعدهما مجرورًا.

18– مع، ظرف لا يتصرف، وهو معرب منصوب على الظرفية في الرأي الشائع ويدل على زمان اجتماع اثنين غالبًا أو مكانهما4، وإضافته هي الكثيرة، فإن انقطع عن الإضافة نون، وصار حالًا، وقد يصير خبرًا طبقًا لما سيجيء5 من كلام وتفصيل هام عليه، وعلى ظروف تقدمت في المكان المناسب من باب:"الإضافة".

بناء أسماء الزمان المبهمة، وشبيهتها الأسماء الأخرى المبهمة التي ليست بزمان. تبنى على الفتح أسماء الزمان المبهمة كلها6، ظروفًا وغير ظروف، جوازًا لا وجوبًا في حالتين:

1 أي: بغير ظرفية.

2 فإن كان مجرورًا فهما حرفًا جر، كما سيجيء هنا، أما التفصيل ففي ص 299، 90، مبحث حرف الجر، وفي البحث المستقبل الخاص بهما ص 544.

3 فيكون "مذ ومنذ" ظرفين متعلقين بمحذوف هو الخبر، "انظر رقم 3 من هامش ص 520".

4 كالذي في قول الشاعر:

من جاور الشر لا يأمن بوائقه

كيف الحياة مع الحيات في سفط

5 ج 3 ص126 م 95.

6 سبقت الإشارة إليها في ص 252 وما بعدها، ويجيء تفصيل الكلام على أحكامها في ج 3 باب الإضافة ص 21 و 54 و 70 و 73.

ص: 300

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأولى: إذا أضيفت إلى الجمل جوازًا ولا وجوبًا1، والمراد بالمبهمة هنا:

النكرة التي تدل على الزمان دلالة غير محدودة بمبدأ ولا نهاية، مثل: حين، زمان وقت، أو تدل على وجه من الزمان دون وجه؛ مثل: نهار، صباح، عشية، غداة، بخلاف أسماء الزمان المختصة بتعريف أو غيره، مما سبق بيانه في رقم 2 من هامش ص252، فإن المختصة لا تضاف إلى الجمل، ومثلها: الزمان المحدود، كأمس، وغد، والمعدودة كيومين، ليلتين، أسبوع، شهر، سنة؛ فكل هذه الأزمنة2 لا يضاف منها شيء للجمل.

فإذا أضيفت تلك الأسماء الزمانية المبهمة إلى الجمل فإنها تبنى جوازًا كما أسلفنا ويكون بناؤها على الفتح3، ويجوز فيها الإعراب؛ ولكن البناء على الفتح أفضل إذا أضيفت لجملة فعلية، فلها مبني ولو كان مضارعًا مبنيا مثل: عاد المسرف فقيرًا كيوم جاء إلى الدنيا، ومثل: أشرف أيام الأمهات حين يحرص، على تربية أولادهن4

والإعراب أفضل إذا أضيفت لجملة مضارعية مضارعها معرب، أو لجملة اسمية 5؛ مثل قوله تعالى:{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} 6

ومثل: أن تسمع من يقول: "الشجاعة مطلوبة"، فنقول: هذا يوم الشجاعة مطلوبة.

1 لأن الإضافة الواجبة إلى الجمل تحتم البناء كما سيجيء في جـ 3 ص 63، 65، 67 م 94 وإذا أضيفت أسماء الزمان إلى جملة وجب أن تكون جملة خبرية، ولا تصلح الجملة الشرطية المقترنة "بإن" أو بغيرها من أدوات التعليق، ولا الجملة الإنشائية على اختلاف أنواعها

إلى غير هذا من بقية الشروط التي ستذكر في الموضع السالف.

2 سبق الكلام عليها أيضًا في ص 252 م 78.

3 راجع الخضري وغيره في باب: "الإضافة" حيث عقد "تنبيهًا" مستقلًا للنص على البناء على الفتح فقط.

4 ومن أمثلة المضاف لجملة ماضوية قول الشاعر:

إن شر الناس من يبسم لي

حين ألقاه، وإن غبت شتم

فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا مبنية على الفتح.

5 سواء أكانت الجملة الاسمية مصدرة بما الحجازية، أو:"لا" أختها، أو:"لا" العاملة عمل: "إن" أم غير مصدرة.

6 ومثل قول الشاعر:

ولا خير فيمن لا يوطن نفسه

على نائبات الدهر حين تنوب

فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا معربة "منصوبة مباشرة"، وليست مبنية على الفتح.

ص: 301

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الثانية: إذا أضيفت لمبني مفرد "أي: غير جملة"، نحو: يومئذ، حينئذ

وألحق النحاة بأسماء الزمان المبهمة، ما ليس زمانًا من كل اسم معرب ناقص الدلالة بسبب توغله1 في الإبهام؛ مثل: غير – دون – بين – مثل

ونحوها ما يسمونه: "التوغل في الإبهام2، ومن الأمثلة: "ما قام أحد غيرك" والآيات الكريمة: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} ، في قراءة من قرأ: مثل بفتح اللام {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} ، {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالبناء على الفتح

ولا خير فيمن لا يوطن نفسه

على نائبات الدهر حين تنوب

فالأحسن في الإعراب أن تكون "حين" هنا معربة "منصوبة مباشرة"، وليست مبنية على الفتح.

1 أي: تعمقه وتغلغله في داخله.

2 المراد به: اللفظ الذي لا يتضح معناه إلا بما يضاف إليه، وستجيء إشارة له " في الجزء الثالث باب: الإضافة ص 21 ص 45 م 93 ومنها نعلم: أن اللفظ المتوغل في الإبهام قد يكتسب البناء من المضاف إليه مع إيضاح هذا مفصلًا وأنه في أكثر أحواله لا يقع نعتًا، ولا منعوتًا، إلا "غير، وسوى"، فيصلحان للنعت، ومن ألفاظه: قبل وبعد

و

كما سيجيء في باب لنعت ص 346 م 144 من الجزء الثالث.

وأنه في أكثر أحواله لا يستفيد التعريف من المضاف إليه المعرفة إلا بأمر خارج عن الإضافة؛ كوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين كما نص على هذا " العكبري" في صدر كتابه المسمى: "إملاء ما من به الرحمن

" أول سورة البقرة في مثل: رأيت: العلم غير الجهل، وعرفت العالم غير الجاهل، وكقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين أزال إبهامها؛ لأن جهة المغايرة تتعين، بخلاف خلوها من ذلك في مثل: أبصرت رجلًا غيرك، وكذلك الشأن في كلمة: "مثل" إذا أضيفت إلى معرفة بغير وجود قرينة تشعر بمماثلة خاصة، فإن الإضافة لا تعرفها، ولا تزيل إبهامها، إما إن أضيفت لمعرفة وقارنها ما يشعر بمماثلة خاصة فإنها تتعرف؛ نحو: راقني هذا الخط وسأكتب مثله؛ وهذا معنى قولهم: إذا أريد بكلمة: "غير" و"مثل" مغايرة خاصة ومماثلة خاصة حكم بتعريفهما، وأكثر ما يكون ذلك في "غير" إذا وقعت بين متضادين؛ أما قوله تعالى: {أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} حيث وقعت كلمة: "غير" المضافة للمعرفة صفة للنكرة، فالحقيقة أنها لا تعرب هنا صفة ولكن تعرب بدلًا؛ لعدم مطابقتها.

"ثم انظر رقم 3 من هامش ص 346، ففيه تكملة للموضوع مفيدة" أما تفصيله على وجه مناسب ففي ج 3 باب الإضافة م 93 ص 25 عند الكلام على الحكم السادس من أحكام الإضافة.

ص: 302

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جوازًا في هذه الأمثلة، وأشباهها، فالإضافة تجوز البناء على الفتح وحده في الأنواع الثلاثة السالفة.

وذهب ابن مالك إلى أنه لا يبني مضاف بسبب إضافته إلى مبني أصلًا، لا ظرفًا ولا غيره؛ وأن الفتحة في الأمثلة السابقة حركة إعراب لا بناء؛ إما على الحالية، أو على المصدرية، أو

أو1....

وهذا الرأي قد يكون أنسب للأخذ به اليوم والاقتصار عليه، بالرغم من صحة الأول وقوته، شيوعه قديمًا، منعًا للاضطراب، وتحديدًا للغرض.

1 راجع في كل ما سبق الهمع "جـ 1 ص 218"، والأشموني والصبان أول باب:"الإضافة"، عند الكلام على الإضافة غير المحضة؛ وبيت ابن مالك:

وذي الإضافة اسمها لفظية......

بقي أن نذكر ما قرره النحاة بشأن تلك الألفاظ إذا لم تستفد التعريف من المضاف إليه، فسيبويه والمبرد يقولان: إن الإضافة غير المحضة: فائدتها التخفيف، وما يتبعه من مزايا تلك الإضافة.

وغيرهما يقول: إنها محضة ومعنوية تفيد "التخصيص"، وإن كانت لا تفيد "التعيين" كما سيجيء في باب الإضافة، جـ 3.

ص: 303