المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المسألة 85: صاحب الحال: عرفنا1 أن الحال قد تبين هيئة الفاعل في - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌ ‌المسألة 85: صاحب الحال: عرفنا1 أن الحال قد تبين هيئة الفاعل في

‌المسألة 85:

صاحب الحال:

عرفنا1 أن الحال قد تبين هيئة الفاعل في مثل: ينفع الصانع متقنًا، أو هيئة المفعول به في مثل: يحترم الناس العامل مخلصًا2

أو هيئة الفاعل والمفعول به معًا في نحو: استقبل الأخ أخاه مسرورين، أو هيئة المبتدأ3 في نحو:"الصحف، ماجنة، ضارة"

أو غير ذلك مما تبين الحال هيئته؛ كالمضاف والمضاف إليه4

وهذا الذي تبين الحال هيئته يسمى: صاحب الحال؛ كالذي في الأمثلة السالفة: "الصانع، العامل، الأخ، أخاه، الصحف

والأكثر في صاحب الحال أن يكون معرفة، وقد يكون نكرة بمسوغ من المسوغات الآتية:

1– أن تكون النكرة متأخرة والحال متقدمة عليها؛ نحو:

"يمشي، حزينًا، مدين"، "يدعو، متألمًا، مظلوم"5.

1 في ص 363 م 84.

2 وفي مثل قول الشاعر حيث المفعول به ضميرًا لجماعة الذكور، والحال جملة اسمية:

وتفقدهم عيني، وهم في سوادها

ويشتقاهم قلبي وهم بين أضلعي

3 مجيء الحال من المبتدأ صحيح، "طبقًا للبيان المدون في رقم 2 من هامش ص 364 ورقم 3 من هامش ص 380".

4 لمجيء الحال من المضاف إليه شروط ذكرناها في ص 404.

5 من الجائز أن يكون أصل الجملتين السالفتين هو: يمشي مدين حزين، يدعو مظلوم متألم

ومن المقرر أن نعت النكرة إذا تقدم عليها أعرب حالًا؛ كالمثالين المذكورين، ما لم يمنع مانع من إعرابه حالًا؛ ذلك أن المنعوت النكرة قد يكون أحيانًا كالمنعوت المعرفة، من جهة أن النعت المتقدم عليه يعرب على حسب العوامل، والمنعوت المتأخر يعرب بدلًا منه أو عطف بيان، نحو: مررت بقائم رجل، واستمعت إلى خطيب غلام وأصلهما قبل التقديم: مررت برجل قائم، استمعت إلى غلام خطيب، ومما تقدم نعلم أن نصب نعت النكرة المتقدم عليه باعتباره حالًا هو أمر غالب، لا واجب على الأصح؛ لتخرج الصور السالفة، ويخرج النعت في مثل: جاءني رجل أحمر، ونحوه مما ليس منتقلًا؛ لأنه من الصفات الثابتة "راجع جـ 3 من حاشية الصبان آخر باب النعت". ولهذا إشارة في جـ 3 م 115 باب النعت عند الكلام على تقدم النعت على المنعوت، ص 481.

ص: 402

2-

أن تكون النكرة متخصصة1؛ إما بنعت بعدها؛ نحو: أشفقت على طفلة صغيرة تائهة، وإما بإضافة؛ نحو: حافظ على أثاث الغرفة منسقًا، وإما بعمل؛ نحو: أفرح بناظم شعرًا مبتدئًا، وإما بعطف معرفة عليها، نحو: ذهب فريق ومحمود مسرعين.

3– أن تكون النكرة مسبوقة بنفي، أو شبهة "وهو هنا: النهي والاستفهام"؛ نحو: ما خاب عامل مخلصًا، لا تشرب في كوب مكسورًا، هل ترضى عن أم قاسيًا قلبها؟.

4– أن تكون الحال جملة مقرونة بالواو؛ نحو: استقبلت صديقًا وهو راجع من سفر

2

5– أن تكون الحال جامدة، نحو: هذا خاتم ذهبًا3.

وقد وردت أمثلة مسموعة من فصحاء العرب وقع فيها صاحب الحال نكرة بغير مسوغ؛ منها: صلى رجال قيامًا، ومنها: فلان يستعين بمائة أبطالًا

وللنحاة في هذا المسموع كلام وجدل، والذي يعنينا أن فريقًا منهم يبيح مجيء صاحب الحال نكرة بغير مسوغ4 وفريقًا آخر5 يمنعه، ويقصره على السماع، ويؤول الأمثلة القديمة، أو يحكم عليها بالشذوذ الذي لا يصح القياس عليه، وفي الأخذ بالرأي الأول توسعه ومحاكاة نافعة، ولكن يحسن ألا نسارع إليه قدر الاستطاعة، ذلك

1 ولهذا يصح أن تكون الجملة وشبهها بعد النكرة المتخصصة حالًا إذا لاحظنا تخصصها، كما سبق في ص 394 عند الكلام على الحكم التاسع، ويصح أن تكون نعتًا إذا لم نلاحظه، وقد أوضحنا هذا في مواضع متعددة؛ منها: باب النكرة والمعرفة في الجزء الأول، م 17 ص 194.

2 وقول الشاعر:

ولا خير في عيش امرئ وهو خامل

وذكر الفتى بالخير عمر مجدد

3 في هذا المثال حين يكون صاحب الحال نكرة، وفرعًا من الحال يرتضي النحاة إعراب الأصل تمييزًا.

4 من هؤلاء سيبويه، وحجته: أن الحال جاءت لتقييد العامل؛ فلا معنى لاشتراط المسوغ، وهذه الحجة يؤديها ويقويها السماع الذي يكفي للقياس عليه.

5 كالخليل ويونس.

ص: 403

أن صاحب الحال النكرة بغير مسوغ قليل في فصيح الكلام المأثور، نعم هذه القلة ليست مطلقة؛ وإنما هي نسبية "أي: بالنسبة لصاحب الحال المعرفة أو النكرة المختصة"1 لكن هذا لا يمنعنا أن نختار الأكثر استعمالًا في المأثور الفصيح، وإن كان غيره مقبولًا2.

صاحب الحال الحال إذا كان مضافًا إليه:

يصح أن يكون صاحب الحال مضافًا إليه، نحو: تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر متفتحًا ناضرًا، وأكلت نادر الفاكهة ناضجة، ويشرط أكثر النحاة3 في صاحب الحال إذا كان مضافًا إليه أن يكون المضاف:

أ– إما جزءًا حقيقيًا من المضاف إليه؛ نحو: أعجبتني أسنان الرجل نظيفًا، وراقتني أظفاره باسطًا أنامله، "فالأسنان" مضاف وهي جزء حقيقي من المضاف إليه؛ أي: من صاحب الحال؛ "وهو: الرجل" و"الأظفار" مضاف، وهي جزء حقيقي من المضاف إليه صاحب الحال؛ "وهو: الضمير العائد: على الرجل، ويعتبر في حكم الرجل"، ومن هذا قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} ؛ فكلمة: "إخوانًا" حال من الضمير: "هم" المضاف إليه، والمضاف بعض حقيقي منه.

ومن الأمثلة قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} ، فكلمة:"ميتًا" حال من المضاف إليه "وهو: أخ"، والمضاف "وهو: لحم" بعض منه.

1 فهي قلة نسبية "كالتي شرحناها في رقم 2 من هامش ص 368 و 456 والبيان في ج3 رقم1 من هامش ص 74 م 94.

2 وفي صاحب الحال النكرة يقول ابن مالك:

ولم ينكر –غالبًا– ذو الحال إن

لم يتأخر، أو يخصص، أو يبن:-7

من بعد نفي، أو مضاهية: كلا

يبغ امرؤ على امرئ مستسهلا-8

يريد: أن الغالب على صاحب الحال ألا يكون نكرة، إلا إذا تأخر عنها صاحب الحال، أو: خصص أو: بأن "أي: ظهر" بعد نفي، أو ما يضاهي النفي "يشابهه، وهو هنا: النهي والاستفهام"، وساق مثالًا هو: لا يبغ امرؤ على امرئ مستسهلًا، والمسوغ فيه النهي.

3 ويخالفهم سيبويه بحق، وإن كان رأيه –مع صحته– ليس الأفصح فيما اشترطوه كما، سيجيء البيان في رقم3 من هامش الصفحة التالية:"405".

ص: 404

ب– وإما بمنزلة الجزء الحقيقي "حيث يصح حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه؛ فلا يتغير المعنى العام" كما في الأمثلة الأولى: "تمتعت بجمال الحديقة واسعة، ونعمت برائحة الزهر، متفتحًا ناضرًا

و

"، فيصح أن يقال: تمتعت بالحديقة واسعة، ونعمت بالزهر متفتحًا

و

ومن هذا قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ؛ حيث يصح: أن اتبع إبراهيم حنيفًا

جـ– وإما عاملًا في المضاف إليه، كأن يكون المضاف مصدرًا عاملًا فيه؛ نحو: عند الله تقدير العاملين مسرورين، ونحو:{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً} 1، أو أن يكون وصفًا عاملًا فيه2، نحو: هذا رافع الراية عالية في الغد3

4

1 "مرجع"، مصدر ميمي، أي: رجوعكم.

2 كاسمي الفاعل والمفعول بالشروط الواجبة لإعمالهما، ومنها: أن يكونا بمعنى الحال أو الاستقبال

و

3 جاء في "الخضري" في هذا الموضع خاصًا بالأمور الثلاثة ما نصه:

"وإنما اشترط أحد الأمور الثلاثة أ، ب، ج لوجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها عند الجمهور: كالنعت والمنعوت، وصاحبها إذا كان مضافًا إليه هو معمول للمضاف، وهو أي: المضاف لا يعمل في الحال إلا إذا أشبه الفعل: بأن كان مصدرًا، أو صفة "أي: وصفًا مشتقًا"، وحينئذ فالقاعدة موفاة، فإن كان المضاف جزءًا أو كالجزء من المضاف إليه، صار هو كأنه صاحب الحال؛ لشدة اتصال الجزء بكله؛ فيصح توجه عامله للحال، بخلاف غير ذلك. وذهب سيبويه إلى جواز اختلاف الحال وصاحبها في العامل؛ لأنه أشبه بالخبر من النعت، وعامل الخبر غير عامل صاحبه، وهو: المبتدأ على الصحيح. ومقتضى ذلك صحة مجيئه من المضاف إليه مطلقًا، ليحرر، ثم رأيت في الصبان التصريح به". ا. هـ.

انظر البيان المفيد المتصل بهذا في رقم2 من هامش ص364.

4 وفي مجيء الحال من المضاف إليه بقول ابن مالك:

ولا تجز حالًا من المضاف له

إلا إذا اقتضى المضاف عمله-10

أي: إلا إذا استوفى المضاف عمله في الحال، وهذا يدل على اشتراط أن يكون المضاف مما يعمل.

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه؛ فلا تحيفا-11

يريد: أن الحال يجيء من المضاف إليه إذا كان المضاف جزءًا مما أضيف إليه، "أي: إذا كان المضاف جزءًا من المضاف إليه"، أو مثل الجزء كما شرحناه، أما قوله: "فلا تحيفا"، فأصله: تحيفن، بنون التوكيد الخفيفة التي تنقلب ألفًا عند الوقف، والجملة معناها: لا تظلم نفسك، أو اللغة بمخالفة هذا، وهو حشو لم يذكر إلا لتكملة البيت.

ص: 405

مطابقة الحال بنوعيها 1 لصاحبها:

أ– الأصل أن تطابق الحال "الحقيقية" صاحبها وجوبًا في التذكير والتأنيث، وفي الإفراد وفروعه، كالأمثلة السالفة2، لكن يستثنى من هذا الأصل بعض حالات لها أحكام أخرى تتلخص فيما يلي:

1– إذا كان صاحب الحال الحقيقية جمعًا مفردة مذكر لغير العاقل3، جاز في الحال أن تكون مفردة مؤنثة، وجمع مؤنث سالمًا، وجمع تكسير4؛ نحو: سرتني الكتب نافعة، أو: نافعات، أو: نوافع.

2– إذا كان لفظ الحال الحقيقية من الألفاظ التي يغلب استعمالها بصورة واحدة للمذكر والمؤنث ككلمة: صبور، بقي على صورته؛ نحو: عرفت المؤمن صبورًا عند الشدائد، وعرفت المؤمنة صبورًا كذلك5.

3– إذا كان لفظ الحال الحقيقية أفعل التفضيل المجرد من "أل" والإضافة، أو المضاف إلى نكرة، لزم الإفراد والتذكير على الأرجح، كما سيجيء في بابه6 نحو: عرفت العصامي أنشط وأنفع، أو: أنشط عامل، وأنفع رجل.

1 انظر ص400 حيث الكلام: على الحال "الحقيقية"، وعلى قسيمتها:"السببية".

2 ومن أمثلة المطابقة في الجمع مع التذكير كلمة: "سالمين" في قول الشاعر يدعو لمن يخاطبهم:

بقيتم، وعشتم سالمين من الأذى

ومنية قلبي أن تعيشوا وتسلموا

3 يدخل في هذا الجمع نوعان، أحدهما: جمع التكسير الذي مفرده مذكر غير عاقل، والآخر: ما ألحق بجمع المذكر السالم، وكان مفرده مذكرًا غير عاقل أيضًا: مثل: "وابلون"، جمع: وابل؛ للمطر الغزير، و"عليون"، جمع: علي؛ للمكان المرتفع، ولا يدخل جمع المذكر السالم الأصيل؛ لأن مفرده -في الأغلب– مذكر عاقل.

4 يصح في جمع التكسير هذا أن يكون للمؤنث، وأن يكون للمذكر، بملاحظة مفرد، المذكر غير العاقل مثل قرأت الكتب نوافع، سرتني الكتب أحاسن "جمع: أحسن"، "راجع رقم 1 من هامش ص 362 م 114 جـ 3 ثم حاشية ياسين جـ 2 أول باب النعت حيث النص الشامل.

5 لهذه الصورة فروع تتضح من نظائرها في النعت جـ 3 ص 337.

6 جـ 3 م 112 ص 327 و 338.

ص: 406

4– إذا كانت الحال الحقيقية مصدرًا فإنه يلازم صورة واحدة؛ نحو: حضر القطار سرعة، وإذا اشتهر المصدر صح تثنيته وجمعه كالنعت؛ نحو: عرفت الوالي عدلًا، والواليين عدلين، والولاة عدولًا.

5– إذا كانت الحال كلمة: "أي"1 فإنها –في الغالب– تقع حالًا من معرفة مع إضافتها إلى نكرة؛ نحو: استعمت إلى علي أي خطيب.

ب– أما الحال "السببية"، فتطابق الاسم المرفوع بها –وجوبًا– في التذكير والتأنيث والإفراد، دون التثنية والجمع، إذ الأحسن أن تلتزم معهما الإفراد كما سبق2 نحو: سكنت البيت جيدًا هواؤه، واسعة غرفه، جميلًا مداخله، نظيفة مسالكه.

1 الكلام على: "أي" وأنواعها، وأحكامها المختلفة، مفرق في أجزاء الكتاب المختلفة على حسب الأبواب التي تستعمل فيها؛ كصفحة216 السابقة، والصفحة 262 م 26 جـ1 باب الموصول، وكبابي الإضافة والنعت في جـ3.

2 انظر ص401.

ص: 407