المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة 60: ظن وأخواتها - النحو الوافي - جـ ٢

[عباس حسن]

الفصل: ‌المسألة 60: ظن وأخواتها

‌المجلد الثاني

‌ظن وأخواتها

‌المسألة 60: ظن وأخواتها

ظن وأخواتها:

المسألة 60: ظن وأخواتها 1

أمثلة:

الكلام عنوان على صاحبه

علمت الكلام عنوانًا على صاحبه

المجاملة حارسة للصداقة

ظننت المجاملة حارسة للصداقة

الوفاء دليل على النبل

اعتقدت الوفاء دليلًا على النبل

الماء الجامد ثلج

صبر البرد الماء ثلجًا

الجلد أسود

ردت2 الثمن المجلد أسود

الخشب مشتعل

تركت النار الخشب رمادًا

من النواسخ ما يدخل -في الغالب3- على المبتدأ والخبر فينصبهما معًا، ويُغير اسمهما؛ إذا يصير اسم كل منهما:"مفعولًا به"4 للناسخ. "مثل: علم، ظن - أعتقد - صبر

، وغيرها من الكلمات التي تحتها خط في الأمثلة المعروضة". وهذا هو:"القسم الثالث" من النواسخ، ويشتهر باسم:

1 هما من النواسخ. ويلاحظ ما لا يصلح أن يدخل عليه الناسخ، "وقد سبق بيانه وباين معنى الناسخ، وعمله، وأقسامه، وما يتصل بهذا - في جـ 1 ص 543 م42 - باب: "كان وأخواتها". وتأتي له إشارة في ص 21".

2 صيرت.

3 كان دخول هذا النوع من النواسخ على المبتدأ والخبر أمرًا غالبًا؛ لأن منه ما قد يدخل عليهما، وعلى غيرهما، كالفعل:"حسب"، ومنه ما لا يدخل إلا على غيرهما؛ كأفعال التحويل الآتية - في ص8- وللنجاة تعليل يسوغ الدخول على غيرهما، سيجيء في "أ" من ص11.

4-

وبالرغم من اعتبارهما مفعولين، هما "عمدتان"، لا "فضلتان" كبقية المفعولات، "كما سيجئ في رقم1 هامش ص179"، لأن أصلهما المبتدأ والخبر؛ فيكون الثاني في المعنى هو الأول، ولو تأويلًا، والأول هو الثاني في المعنى أيضًا؛ كالشأن في المبتدأ والخبر دائما وقد يدخل هذا الناسخ على غيرهما، كما سنعرف في "أ" من ص 11- والمفعول الثاني هنا هو الذي تتم به الفائدة الأساسية؛ لأنه الخبر في الأصل، فهو أهم.

لاحظ ما يأتي في "ج" من ص12، لأهميته.

ص: 3

"ظن وأخواتها" وليس يه حروف؛ فكله أفعال، أو أسماء تعمل عملها. وتنحصر هذه الأسماء في مصادر تلك الأفعال، وفي بعض المشتقات العاملة عملها. فالفعل الماضي المتصرف1 هنا، لا ينفرد وحده بالعمل السالف؛ وإنما يشابهه فيه ما قد يكون له من مضارع، وأمر، ومصدر، واسم فاعل، واسم مفعول، دون بقية المشتقات2 الأخرى. أما غير المتصرف فعمله مقصور على صبغته الخاصة به، إذا ليس لها فروع، ولا صيغ أخرى تتصل بها.

وقد ارتضى بعض النحاة تقسيم الأفعال العاملة هنا قسمين؛ مراعيًا الأغلب في استعمالها3؛ هما: "أفعال قلوب"4 و "أفعال تحويل"5. ولا بد لكل

1 الفعل الماضي المتصرف إما إن يكون تصرفه كاملًا إما أن يكون تصرفه كاملًا؛ فيكون له المضارع، والأمر، والمصدر، واسم الفاعل

وبقية المشتقات المعروفة، كالفعل:"سمع" إما أن يكون تصرفه ناقصًا؛ فيكون له بعض تلك المشتقات فقط؛ كالفعل: "كاد"؛ من أفعال المقاربة، وكالفعل:"يدع". أما غير التصرف مطلقًا فهو الجامد الذي يلازم صيغة واحدة لا يفارقها؛ كالفعل: "تعلم" بمعنى: "اعلم"، والفعلِ:"هب"، بمعنى: ظن وهما من أفعال هذا الباب القلبية، وكالفعل "عسى" و "اليس" وهما من أخوات "كان" والأنواع المشتقات إشارة عابرة في رقم 2 التالي.

2 رددنا في مناسبات مختلفة، أسماء المشتقات الاصطلاحية من المصدر؛ وهي: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعل التفضيل، المصدر الميمين اسم الزمان، اسم المكان، اسم الآلة. "ويدخل في عداد المشتقات أكثر الأفعال بأنواعها الثلاثة". وهذه المشتقات قسمان:

قسم يعمل عمل فله بشروط؛ فبرفع الفاعل مثله، أو نائب الفاعل، وقد ينصب المفعول به، كفعله أحيانًا، وهو: اسم الفاعل، اسم المفعول، الصفة المشبهة، أفعل التفضيل، المصدر الميمي. ويدخل في هذا القسم العامل: المصدر الأصلي أيضًا "بالرغم من جموده، في الرأي الشائع".

وقسم لا يعمل شيئًا من عمل الفهل؛ ويسمى: "المهمل" وهو: اسم الزمان، واسم المكان، واسم الآلة. ولا دخل للقسم المهمل في أحكام هذا الباب. بل إن بعض المشتقات العاملة لا يدخل في أحكامه؛ فالصفة المشبهة الأصيلة خارجة من أحكامه؛ لأنها تجئ من الفعل اللازم وحده؛ فلا تنصب مفعولًا به. أما غير الأصيلة فقد تنصب بالشروط والطريقة المذكورة في بابها "جـ3 ص282 م104" وأفعل التفضيل خارج؛ لأنه لا ينصب مفعولًا به. والفعل الماضي الذي للتعجب خارج؛ لأنه ينصب مفعولًا واحدًا فالثلاثة لا تصلح لأحكام هذا الباب -كما سيجئ في ص26 م61-.

3 راجع "ج" من ص12 حيث تقسيم آخر، وبيان عن سبب التقسيمين.

4 سميت بذلك لأن معانيها قائمة بالقلب، متصلة بهِ، وهي المعاني النفسية التي تعرف اليوم: بالأمور النفسية؛ ويسميها القدماء: الأمور القليلة، لاعتقادهم أن مركزها القلب. ومنها: الفرح - الحزن - الفهم - الذكاء - اليقين - الإنكار....

5 تدل على انتقال الشيء في حالة إلى حالة أخرى تخالفها. وتسمى أيضًا: "أفعال التصيير"؛ لأن كل فعل منها بمعنى: "صبر"، أي: حول الشيء من حالته القائمة إلى أخرى تغايرها.

ص: 4

فعل من القسمين من فاعل1، ولا يغني عنه وجود المفعولين أو أحدهما:

أ- فأما أفعال القلوب2 فمنها ما قد يكون معناه العلم. "أي: الدلالة على اليقين3 والقطع"، ومنها ما قد يكون معناه الرجحان4 والنوعان صالحان للدخول - مباشرة - على المبتدأ الصريح، وعلى المصدر المؤول من "أن مع معموليها"، أو:"أن والفعل مع مرفوعة"5.

ويشتهر من الأفعال الأول6 سبعة:

1-

علم7؛ مثل: علمت البر سبيل المحبة، وعملت المحبة سبيل القوة.

2-

رأى8؛ مثل: رأيت الأمل داعي العمل، ورأيت اليأس رائد الإخفاق، وقول الشاعر:

1 بخلاف "كان" وأخواتها من أفعال الناسخة؛ فإنها لا ترفع الفاعل - وهذا أحد وجوه الاختلاف بين النوعين.

2 أفعال القلوب ثلاثة أنواع: نوع لازم "لا ينصب المفعول به" مثل: فكر - تفكر - حزن - جبن

ونوع ينصب مفعولًا به واحدًا؛ مثل: أخب - كره

ونوع ينصب مفعولين؛ كأفعال هذا الباب المذكورة هنا، بشرط أن تؤدي معنى معينًا؛ كما سنعرف.

3 هو: الاعتقاد الجازم الذي لا يعارضه دليل آخر يسلم به المتكلم. وقد يكون هذا الاعتقاد صحيحًا في الواقع أو غير صحيح.

4 الشك: ما ينشأ في النفس من تعارض دليلين في أمر واحد؛ بحيث تساوى قوتهما في التعارض والاستدلال؛ فلا يستطيع المرء ترجيح أحدهما على الآخر؛ لعدم وجود مرجح. أما الجرحان أو الظن، فهو ما ينشأ من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر، بحيث يصير أقرب إلى اليقين. فالأمر الراجح محتمل للشك واليقين، لكنه أقرب إلى اليقين إلى الشك، وفي هذه الحالة يسمى المرجوح:"وهما".

5 فاعله أو نائب الفاعل. وانظر "ب" من ص11.

6 وهي الدالة على العلم، وقد يستعمل كل منها في معان أخرى عبر "اليقين" فينصب مفعولًا واحدًا، أو لا ينصب. "وسنعرض لبعض هذا في "جـ" ص 12".

7، 8 يستعمل الفعل:"علم" أحيانًا في القسم غير الصريح؛ فيحتاج لجواب، ونكسر بعده همزة "إن". "وقد أشرنا لهذا في آخر الجزء الأول؛ وله إشارة تجئ في ص500 وسيجئ في الباب التالي:"اعلم وأرى" ص59 حكم الفعلين: "علم" و "رأى" إذا سبقتهما همزة النقل؛ "أي: همزة التعدية".

ومما يتصل بمعنى الفعل "رأى" وباستعماله ماضيًا وروده في الأساليب العالية بمعنى: "أخبروني"؛ نحو: أرأيتك هذا الكتاب، هل عرفت قيمته؟

وقد أوضحنا هذا الأسلوب ونوع الكاف وحكمها، بتفصيل واف يشمل معناه، وصياغته، وطريقة استعماله. "في باب الضمير شص 238، م19 من الجزء الأول- الطبعة الرابعة" وسيجئ له إشارة في ص16.

ص: 5

رأيت لسان المرء وافد1 عقله

وعنوانه؛ فأنظر بماذا تعنون؟ 2

3-

وجد؛ مثل: وجدت ضعاف الأمم تهبًا لأقوياتها، ووجدت العلم أعظم أسباب القوة3.

4-

دري؛ مثل: دريت المجد قريبًا من الدائب في طلبه، ودريت لذة إدراكه ماحية تعب السعي إليه.

5-

ألفي4، مثل: ألفيت الشدائد صاقلة للنفوس، وألفيت إحتمالتها سهلًا على كبار العزائم.

6-

جعل؛ مثل: جعلت5 الإله واحدَا، لا شك فيه.

7-

تعلم6، مثل:"اعلم": مثل: تعلم وطنك شركة بين أبنائه، وتعلم نجاح الشركة رهنًا بالإخلاص والعمل.

1 رسول عقله ودليله، وبعد هذا البيت:

ويعجبني زي الفتى وجماله

فيسقط من عيني ساعة يلحن

2 وكذلك قول الآخر:

=

قد جعلنا الوداد حتمًا علينا

ورأينا الوفاء بالعهد فرضًا

3 ومثل قوله تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى} ، {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}

4 لا يستعمل هذا الفعل هنا إلا مزيدًا بالهمزة.

5 أي: اعتقدت. ومن هذا- في بعض الآراء- قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} أي: اعتقدوا - انظر رقم 4 ي هامش ص8:

ولهذا الفعل معان أخرى سيجئ بعضها "وقد أشرنا لها في رقم 3 من هامش ص9".

6 الفعل: "تعلم" بمعنى: "اعلم"، فعل أمر جامد -عند فريق من النحاة- لا يجيئ من صيغته الأصلية غير الأمر، مع كثرة دخوله على مصدر مؤول، أداته:"أن" المشددة أو المخففة الناسختين، أو "أن" الداخلة على الفعل؛ ومتصرف عند فريق آخر يجري عله أحكام الفعل المتصرف. وقد شاع الرأي الأول - ويسد فيه المصدر مسد المفعولين - فيحسن أتباعه؛ توحيدًا للتفاهم "وسيجيئ إيضاح هام لمعناه في رقم 1من هامش ص19".

ص: 6

ويشتهر من الأفعال الثانية1 ثمانية، هي:

1-

ظن؛ مثل: ظن الطيار النهر قناة، وطن البيوت الكبيرة أكواخًا.

2-

خال2، مثل: خال المسافر الطيارة أنفع له، وهو يحال الركوب فيها متعة.

3-

حسب؛ مثل: أحسب السهر الطويل إرهاقًا، وأحسب الإرهاق سبيل المرض، وقول الشاعر:

لا تحسبن الموت موت المبلي

وإنما الموت سؤال الرجال3

4-

زعم4؛ مثل: زعمت الملاينة مرغوبة في مواطن، وزعمت التشدد مرغوبًا في أخرى.

1 وهي الدالة على الرجحان. وقد يستعمل كل منها في معان أخرى؛ فينصب مفعولًا واحدًا، أو لا ينصبه. "كما سيجئ قريبًا في جـ من ص12 وما بعدها".

2 ومضارعها المسموع كثيرًا للمتكلم هو: إخال - بكسر الهمزة غالبًا. وهذا السماعي الغالب مخالف للقياس، = وفتح الهمزة لغة قليلة مسموعة أيضًا. والمستحسن الاقتصار على الكثير الغالب - كما سبق في جـ1 م4 عند الكلام على:"أحرف المضارعة" ص47.

فإن كان الفعل "خال" بمعنى: تكبر" أو طلع التي بمعنى: عرج

فهو لازم.

3 بعد هذا البيت:

كلاهما موت. ولكن ذا

أفظع من ذاك، لذل السؤال

4 كثر الكلام في معنى: "زعم". وصفوة ما يقال: إنها قد تكون بمعنى اليقين أحيانًا عند المخاطب؛ كقول أبي طالب يخاطب الرسول:

ودعوتني وزعمت أنك ناصح

ولقد صدقت، وكنت ثم أمينا

وقد تكون بمعنى الاعتقاد من غير دليل؛ كقوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}

إلخ. وقد تدل على الرجحان. وقد تستعمل للدلالة على الشك، وهو الغالب في استعمالها. وقد تستعمل في القول الكاذب؛ فإذا قلت:"زعم فلان كذا" فكأنك قلت: كذب، وردد كلامًا غير صحيح. والقرئية هي التي تحدد المعنى المناسب لمقام من بين المعاني السالفة. وقد تكون بمعنى:"كفل" أو بمعنى رأس "أي: ساد وشرف" أو بمعنى: سمن أو هزل: فيتغير حكمها في التعدي واللزوم -تبعًا للغير المعنى- على الوجه المبين في رقم5 من هامش ص20.

وزعم- كغيرها من الأفعال القلبية الناصبة للمفعولين. قد تنصب المفعولين مباشرة، وقد تدخل على "أن" مع الفعل ومرفوعه، أو "أن" مع معموليها؛ فيكون المصدر المؤول في الحالتين سادًا مسد المفعولين، ومغنيًا عنهما، وهذا هو الأغلب في "زعم" كما سيجئ في رقم 4 من هامش ص11 - وإليه تميل أكثر الأساليب الأدبية؛ كقوله تعالى:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}

وقول الشاعر:

وقد زعمت أني تغيرت بعدها

ومن ذا الذي - يا عز - لا يتغير؟

ص: 7

(5)

عَدَّ؛ مثل: عدَّدت الصديق أخاً. وقول الشاعر:

فلا تَعْدُد المولَى (1) شريكَك في الغنى

ولكنما المولَى شريكُكَ في العُدمِ (2)

(6)

حَجَا (3) ؛ مثل: حَجَا السائحُ المِئذنة بُرْجَ مراقبة.

وقول الشاعر:

قد كنت أحْجُو أبا عمْروٍ أخاً ثقةً

حتى ألَمَّتْ بنا يوماًَ مُلِمَّاتُ

(7)

جَعَلَ؛ مثل: جعل الصياد السمكةَ الكبيرةَ حوتاً.

وقوله تعالى في المشركين: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}

(4)[الزخرف: 19]

(8)

هَبْ؛ ": هبْ مالَك سلاحاً في يدك؛ فلا تعتمد عليه وحده (5)

وهذا الفعل دون بقية أفعال الرجحان السّالفة -جامد، ملازم صيغة الأمر (6)

***

(ب) وأما أفعال التحويل (أو: التَّصيير) فأشهرها سبعة، ولا تدخل على مصدر مؤول من "أنَّ" مع معموليها، أو: من "أنْ" الفعل مع مرفوعه (7) - وهي:

(1)

صَيَّر؛ مثل: صَيَّر (8) الصائغُ الذهب سبيكةً، وصَيَّر السبيكةَ سوَاراً.

(1) الناصر، أو الصديق.

(2)

الفقر الشديد.

(3)

لهذا الفعل معان أخرى يتغير بسببها حكمه، طبقاً للبيان الذي في رقم 5 من هامش ص20.

(4)

وقيل: إن "جعل" هنا بمعنى: اعتقد -كما في رقم 5 من هامش ص6.

(5)

لهذا الفعل الجامد معنى واستعمال يخالف فيهما المتصرف الذي على صورته الآتية في ص20.

(6)

هو فعل أمر، بمعنى:"ظُنّ" وهو بهذا المعنى فعل جامد، لا يكون منه غير الأمر، ودخوله محل نصب، سد مسد المفعولين. وهذا استعمال نادر في الأساليب الرفيعة، بالرغم من إجازته (انظر الخضري والتصريح. ثم رقم 4 من هامش ص11 الآتية) .

(7)

كما سيجيء في آخر. "ب" من ص11.

(8)

"صَيَّر"، و"أصار"، فعلا، أصلهما قبل التعدية بالتضعيف والهمزة:"صار" الذي هو من أخوات "كان، نحو: صار الخشب باباً. وبعد تعديهما ابتعدا عن عمل "كان"، وانتقلا منه إلى نصب المفعولين؛ نحو: صيَّر الجوهري الدرّ فصوصاً، وأصار الفصوص عقداً.

أما "صيَّر" بمعنى: "نقل" فينصب مفعولاً واحداً، نحو: صيرت السائح إلى دار الآثار، أي. نقلته.

ص: 8

(2)

جَعَلَ؛ مثل: جعل الغازلُ القطنَ خيوطاً، وجعل الحائك الخيوط نسيجاً (1)

وقول الشاعر:

اجعلْ شعارك رحمةً ومودةً

إن القلوب مع المودة تُكْسَبُ

(3)

اتَّخذَ؛ مثل: اتخذ المهندسون الحديدَ والخشبَ باخرةً، واتخذ المسافرون الباخرةَ فُنْدُقاً.

(4)

تَخٍِذَ؛ مثل: تَخِذَت الحرارةُ الثلجَ ماءً، وتَخِذَت الماءَ بخاراً.

(5)

تَرَك؛ مثل: ترك الموجُ الصخورَ حصىً، وتركت الشمس الحصَى رمالا.

(6)

رَدَّ؛ مثل: ردّ الأمل الوجوهَ الشاحبةَ مُشْرقةً، وردّ النفوس اليائسة مستبشرةً.

(7)

وَهَبَ؛ مثل: وهَبَت الحَبَّ دقيقاً، ووهبت الدقيقَ عجيناً (2) .

***

وفيما يلي بيان موجزَ للأفعال السابقة (3)، وأنواعها المختلفة:

(1) ومثل قوله تعالى:

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] خِلْفة: يجيء كل منهما بعد الآخر.

(2)

وهبَ، بمعنى:"صير" -فعل ماض جامد، ولا يستعمل في معنى التحويل إلا بصيغة الماضي. ومنه قولهم:"وهبني الله فداء الحق"، أي: صيرني.

(3)

إلى ما سبق يشير ابن مالك باختصار، قائلاً:

اِنْصِبْ بِفِعْل القلْبِ جُزْأَيِ ابتِدا

أَعْني: رأَى -خَالَ - عَلمْتُ - وَجَدَا

ظَنَّ - حَسِبْت - وزَعَمْتُ - مَعَ عَدْ

حجَا - دَرَى - وجَعَل: اللَّذْ كاعْتَقَدْ

وهَبْ - تَعَلَّمْ - والَّتِي كَصَيَّرَا

أَيْضاً - بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وخَبَرا=

ص: 9

ظن وأخواتها

أ- أفعال قلْبية

- أفعال يقين، وأشهرها سبعة:

(1)

علِمَ 1 (2) رأى (3) وجَد (4) دَرَى (5) ألفَى (6) جَعَل (7) تعلَّم، بمعنى: اعلم

- أفعال رجحان، وأشهرها ثمانية:(1) ظنّ (2) خال (3) حسِبَ (4) زعم (5) عَدَّ (6) حَجَا (7) جعل (8) هبْ

ب- أفعال تحويل

أشهرها سبعة: (1) صَيَّر (2) جَعَل (3) اتخذَ (4) تَخِذَ (5) تركَ (6) ردّ (7) وهبَ

=أي: انصب بفعل القلب جملة ذات ابتداء -وهي الجمل الاسمية الخالصة- وسرد في الأبياد كثيراً من أفعال القلوب التي شرحناها؛ منها ما يدل على اليقين، ومنها ما يدل على الرجحان. وقبل سردها صرح بكلمة:"أعني" ليدل على أن المقصود أفعال معينة، دون غيرها؛ فليس كل فعل قلبي ينصب مفعولين -كما أوضحنا في رقم 2 من هامش ص5- وطالب أن تنصب هذه الأفعال جزأي ابتداء (وهما: المبتدأ والخبر) كما أشار إلى أن "جعل" إذا كان من أفعال القلوب -أي: بمعنى الفعل: "اعتقد" فإنه ينصب مفعولين مثله. وهو يختلف في المعنى والعمل عن "جعل" الذي سبق الكلام عليه في باب: "أفعال المقاربة والشروع" من الجزء الأول، كما يختلف في معناه عن "جعل" الذي هو من أفعال الرجحان، والذي من أفعال التحويل والتصيير؛ كما عرفنا في الشرح.

والفعل: "اعتقد" معدود من أفعال كثيرة قد تنصب مفعولين ولم تذكر في هذا الباب. منها: تيقن - تمنى - توهم - تبين - شعر - أصاب

إلى غير هذا مما سرده صاحب الهمع في هذا الباب (ج1 ص151) ونقل بعضه الصبان هنا.

أما أفعال التحويل والتصيير فلم يذكرها ابن مالك، واكتفى بأن يشير إليها بقوله:

...... والَّتِي كَصَيَّرا

أَيضاً بِهَا انْصِبْ مُبْتَداً وخَبَراً

أي: انصب -أيضاً- مبتدأ وخبراً بالنواسخ التي مثل "صير" في إفادة التحويل.

وقضت ضرورة الشعر على الناظم بزيادة الألف في آخر الفعلين: "وجد"، "صير"، وبتخفيف الدال في الفعل: عدّ. أما كلمة: "اللذ" في أبياته فهي لغة صحيحة في "الذي".

1 انظر ما له صلة بهذا الفعل في رقم 7، 8 من هامش ص5.

ص: 10

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

(1)

ليس من اللازم -كما أشرنا (1) - أن يكون المفعولان أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة، بل يكفي أن يكون أصلهما كذلك ولو بشيء من التأويل المقبول، كالشأن في أفعال التحويل، وكالشأن في:"حسب"؛ مثل: صيرُ الفضة خاتَماً؛ إذ لا يصح المعنى بقولنا: الفضةُ خَاتَمٌ؛ لأن الخبر هنا لس هو المبتدأ في المعنى الحقيقي؛ فليست الفضة هي الخاتم، وليس الخاتم هو الفضة؛ إلا على تقدير هذه الفضة ستئُول (2) إلى خاتم. ومثل: حسبت المِرِّيخَ الزُّهَرَة؛ إذ لا يقال على سبيل الحقيقة المحضة: المِرِّيخُ الزُّهَرة؛ لفساد المعنى كذلك؛ فليس أحدهما هو الآخَر، إلا على ضرب من التشبيه. أو نحو من التأويل السائغ، المناسب للتعبير. فالأول (أي: التشبيه) قد جعل المفعول الثاني بمنزلة ما أصله الخبر. وإن لم يكن خبراً حقيقياً في أصله.

هذا كلامهم. والواقع أنه لا داعي لهذا التمحل، والتماس التأويل؛ إذ يكفي أن يكون فصحاء العرب قد أدخلوا النواسخ على ما أصله المبتدأ والخبر حقيقة، وعلى ما ليس أصله الحقيقي المبتدأ والخبر، مما يستقيم معه المعنى المراد بغير غموض.

(ب) ليس من اللازم أن تدخل أفعال هذا الباب القلبية على المبتدأ والخبر لتنصب كلاًّ منهما مباشرة (3) فقد تدخل على "أنّ" مع معموليها، أو: على "أنْ" مع الفعل؛ فيكون المصدر سادّاً مسد المفعولين (4) ، مغنياً عنهما.

(1) في رقم 4 من هامش ص3.

(2)

أي: ستتحول وينتهي أمرها في المستقبل إليه.

(3)

أي: نصباً صريحاً لا تأويل فيه، ولا سبك، ولا تقدير.

(4)

وسنعود للكلام على هذا المصدر عند بحث الحكم الثالث من الأحكام التي تختص بها الأفعال القلبية (في ص43) ،

والأغلب في "زعم" وفي "تعلمْ" بمعنى: "اعلمْ" دخولهما على "أنَّ" مع معموليها، أو على "أنْ"، والفعل مع مرفوعه - كما في رقم 6 من هامش ص6 وفي 4 من هامش ص7- والأغلب في "هب" الأمر الجامد بمعنى "ظن" عدم دخوله عليهما، برغم صحة دخوله: كما سبق (في رقم 6 من هامش ص8. أما الأمر المتصرف فله حكم في ص20) .

والأحسن الأخذ بالرأي السهل القائل: إن المصدر المؤول في هذا الباب يسد مسد المفعولين، دون=

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مثل: علمت أن السباحة أسْلمُ من الملاكمة، وأظن أن العاقل يختار الأسلم وقول الشاعر:

يرى الجبناء أن الجبن حزمٌ

وتلك خديعة الطبع اللئيم

ومثل: دَرَيت أن الكِبْرُ بغيض إلى النفوس الكبيرة، ووجدت أن صغائر الأمور محببة إلى النفوس الصغيرة. ومثل: من زعم أن يَخْدعَ الناسَ فهو المخدوع ومن حسب أن يدرك غايته بالتمني فهو مخبول (1) .

أما أفعال التحويل فلا تدخل على "أنّ" ومعمليها، ولا على "أنْ" والفعل مع فاعله (2)

(ج) جرى بعض النحاة على تقسيم الأفعال القلبية السابقة أربعة أقسام، بدلاً من اثنين:

فلليقين وحده خمسة: وجد - تَعلمْ، بمعنى: اعلم - دَرى - ألْفَى - جعل.

وللرجحان وحده خمسة: جعل - حجا - عدّ - زعم - هبْ، بمعنى: ظُنّ.

وللأمرين والغالب اليقين، اثنان: رأى - علِم.

وللأمرين والغالب الرجحان، ثلاثة: ظنّ - خال - حَسِب.

=الرأي القائل: إنه يسد مسد المفعول الأول، وأن المفعول الثاني محذوف، وتقديره:"ثابتاً"، أو ما يشبهه؛ ففي نحو: وجدت أن الصب أنفع في الشدائد -يقدرون: وجدت نفع الصبر في الشدائد ثابتاً

وهذا نوع من التضييق والإطالة لا داعي له.

(1)

في مثل قولهم: "غبت"، وما حسبتك أن تغيب" تكون "الكاف" حرفاً محضاً لمجرد الخطاب ومتصرفاً. وليس اسماً ضميراً؛ إذ لو كان ضميراً لكان هو المفعول الأول للفعل "حسب" ومفعوله الثاني هو المصدر المؤول:(أن تغيب) . ويترتب على هذا أن يكون ذلك. المصدر المؤول خبراً عن "الكاف"، باعتبار أن أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأن مفعولي "حسب" أصلهما -في الغالب- المبتدأ والخبر.

وإذا وقع المصدر المؤول هنا خبراً عن الكاف أدّى إلى الإخبار بالمعنى عن الجثة. وهو ممنوع عندهم في أغلب الحالات إذا كان المراد الإخبار من طريق الحقيقة، لا من طريق المجاز. أما من طريق المجاز فصحيح -كما سبق البيان في الجزء الأول ص241 م19. باب:"الضمير" عند الكلام على "كاف الخطاب"-

(2)

كما سبق في: "ب" من ص8.

ص: 12

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لكن التقسيم الثنائي أنسب، لأنه أدمج القسم الثالث فى الأول، والرابع في الثاني؛ نظراً للغلب عليهما، وتقليلاً للأقسام (1) ، واكتفاء بالإشارة إلى أن كل فعل يستعمل في معنىً آخر غير ما ذكر له، مع ضرب أمثلة لذلك:

1-

فمن أفعال اليقين وألفاظه ما يستعمل في الرجحان؛ فينصب مفعولين أيضاً، وقد يستعمل في بعض المعاني الأخرى، فينصب مفعولاً به واحداً، أو لا ينصب؛ فيكون لازماً. كل ذلك على حسب معناه اللغوي الذي تدل عليه المراجع اللغويَّة الخاصة، وليس هنا موضع استقصاء تلك المعاني؛ وإنما نسوق بعضها: فمن الأمثلة: الفعل "عَلِمَ"؛ فإنه ينصب المفعولين حين يكون بمعنى: اعتقد وتيقن -كما سبق-؛ مثل: علمت الكواكبَ متحركةً. وقد يكتفي بمفعول به واحد في هذه الحالة؛ بأن نأتي بمصدر المفعول الثاني، وننصبه مفعولاً به، ونكتفي به، بعد أن نجعله مضافاً أيضاً، ونجعل المفعول الأول هو المضاف إليه. فنقول: علمت تَحَرّكَ الكواكب، فيستغني عن المفعول الثاني وعن تقديره.

ومن النحاة من لا يقصر هذا الحكم على "عَلِمَ"؛ بل يجعله عامًّا في جميع أفعال هذا الباب؛ فيحيز إضافة مصدر المفعول الثاني إلى المفعول الأول، والاكتفاء بهذا المصدر مفعولاً به واحداً (2) .

وقد يكون بمعنى: "ظن" فينصب مفعولين أيضاً؛ مثل أعْلَمُ الجوَّ بارداً في الغد. فإن كان بمعنى: "عرف" نصب مفعولاً به واحداً (3) ؛ مثل:

(1) راجع الخضري أول هذا الباب.

(2)

وهذا الرأي فيه اختصار محمود، ولا ضرر في الأخذ به أحياناً. وتفضيل أحدهما متروك للمتكلم؛ ليختار منهما ما يناسب كلامه على حسب الدواعي البلاغية. ومن تلك الدواعي أن الإبانة قد تقتضينا أحياناً- أن نصرح بالمفعولين منصوبين-

فإن لم يكن في التصريح بهما زيادة إيضاح، أو إزالة لبس عند السامع، أو إتمام فائدة -فالاختصار أحسن.

(3)

في بعض كتب اللغة -دون بعض- ما يدل على أن "المعرفة" مقصورة على العلم المكتسب بحاسة من الحواس؛ جاء في "المصباح المنير"، مادة "عرف" ما نصه:(عرفته عِرفة -بالكسر- وعرفاناً، علمته بحاسة من الحواس الخمس) . وأيضاً يرى كثير من النحاة فرقاً بين "علم" التي بمعنى: "عرف" و"علم" التي بمعنى: "اعتقد" وأنهما غير متساويين في المعنى ولا في العمل، وحجته: =

ص: 13

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

علمت الخبر، أي عرفته (1) . وإن كان بمعنى:"انشَقّ" فهو لازم لا ينصب المفعول المفعول به؛ مثل عَلِم البعيرُ (2)، أي: انشقت شفته العليا

والفعل: "رأى" ينصب المفعولين إذا كان بمعنى: اعتقدَ وتيقَّن، أو:

=أن "العلم" الذي بمعنى: "المعرفة" يتعلق بنفس الشيء وذاته المادية؛ تقول: "علمت القمر"، كما تقول "عرفت القمر" كلاهما معناه منصب على ذاته المحسوسة وجرمه، (أي: حقيقته المادية) وعلى هذا تكون "علم التي بمعنى: "عرف" مختصة عندهم بما يسميه المناطقة: "الذات" أو: "الشيء المفرد" أي: "البسيط" وكلا الفعلين بهذا المعنى يتعدى لواحد.

أما "علم" الناصبة للمفعولين فمختصة -عند تلك الكثرة- بوصف الذات بصفة ما، ولا شأن لها بالذات وحدها مباشرة، مثل: علمت القمر متنقلاً. أي: علمت اتصاف ذات القمر بالتنقل، وليس المراد علمت ذات القمر وجرمه. فالفعل "علم" بهذا المعنى مختص بما يسميه المناطقة:"الكليات".

على أساس ما سبق كله يكون القائل: "عرفت قدوم الضيف" مريداً عرفت القدوم ذاته، دون زيادة أخرى عليه، فهو لا يريد وصف الضيف بالقدوم بخلاف من يقول: علمت من الرسالة الضيف قادماً، فإنه يريد اتصاف الضيف بالقدوم، ولا يريد أنه علم حقيقته القدوم المنسوب إلى الضيف، بشرط أن يكون الفعل "علم" في هذا المثال ناصباً مفعولين.

وقال الرضى: لا فرق بين الفعلين في المعنى، وإنما الفرق في العمل؛ فالفعل: علم "بمعنى: عرف" ينصب مفعولاً واحداً، والآخر ينصب مفعولين، بالرغم من تساويهما معنى؛ لأن العرب هي التي فرقت بينهما في العمل دون المعنى، فلا اعتراض عليها.

غير أن كلامه هذا -مع قبوله والارتياح له- مناقض لما قرره في هذا الشأن في باب: "كان" -كما نصوا على ذلك- والحق أن الخلاف بين الآراء السابقة يسير، يكاد يكون شكليًّا، ذلك أن بين الفعلين (المتعدي لواحد والمتعدي لاثنين) فرقاً في المعنى الحقيقيّ لا المجازي، وأنه لا مانع من استعمال أحدهما مكان الآخر مجازاً لسبب بلاغي.

(1)

وإلى هذا يشير ابن مالك في بيت متأخر، نصه:

لِعِلْمِ عِرْفَانٍ وظَنٍّ تهَمَهْ

تَعْدِيَةٌ لِواحِد مُلْتَزَمَهْ

("لعلم عرفان"؛ أي للعلم المنسوب للعرفان، ولمعنى العرفان.. "ظن تهمه"؛ أي: الظن المنسوب معناه للتهمة

) يريد: أن "علم" بمعنى - والمصدر: العلم؛ بمعنى: العرفان - يتعدي لمفعول واحد. ومثله: الفعل: "ظن" بمعنى: اتهم - والمصدر: الظن؛ بمعنى: الاتهام - ومثال الأول: اقترب الشبح فعلمت صاحبه؛ أي عرفته. ومثال الثاني: اختفى القلم، فظننت اللص، أي: اتهمته.

(2)

فهو أَعلَم. والناقة عَلْماء. (والفعل من بابي: فرح وضرب، وهو لازم في الحالتين) .

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمعنى: "ظَنّ". وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى عن منكري البعث ويوم القيامة: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا} (1)[المعارج: 6، 7] فالفعل الأول بمعنى: "الظن" والثاني بمعنى: اليقين (2) . وكلاهما نصب مفعولين. وكذلك إن كان معناه مأخوذاً من: "الحُلمُ"(أي: دالاًّ على الرؤيا المنامية)، نحو: كنت نائماً؛ فرأيت الصديق مسرعاً إلى القطار (3) .

فإن كان معناه الفهم وإبداء الرأي في أمر عقليّ فقد ينصب مفعولاً به واحداً، أو مفعولين، على حسب مقتضيات المعنى؛ مثل: يختلف الأطباء في أمر القهوة؛ فواحد يراها ضارَّةً، وآخر يراها مفيدةً إذا خلت من الإفراط. أو: واحد يرى ضررها، وآخرُ يرى إفادتها.

فإذا نظرت رأيت قوماً سادة

وشجاعة، ومهابة، وكمالا

وقول الآخر:

إنّ العرانين تلقاها محسَّدة

ولن ترى للئام الناس حسَّادا

(1) المراد بالبعد هنا: عدم حصول الشيء، ونفى وقوعه. وبالقرب: حصوله ووقوعه. وعلى هذا جرت ألسنة العرب وأساليبهم الفصيحة.

(2)

كاليقين في الفعل "رأى" من قول الشاعر:

وإذا الكريم رأّى الخمول نزيله

في موطن فالحزم أن يترحّلا

(3)

وفي هذا يقول ابن مالك:

ولِرَأَى الرُّؤْيَا انْمِ مَا لِعَلِمَا

طِالِبَ مَفْعُولَيْنِ مِنْ قَبْلُ انْتَمَى

(انم: انسب. انتمى. انتمى: انتسب. والتقدير: انم للفعل: "رأى" الذي مصدر "الرؤيا" أي: انسب للفعل: "رأى" الذي مصدره: "الرؤيا" هي المصدر الغالب لرأى الحُلُمية) أي: انسب للفعل: "رأى" الذي مصدره: "الرؤيا" المنامية -ما انتسب وثبت من قبل للفعل: ص43 أن "رأى" الحلمية لا يدخلها تعليق ولا إلغاء، بخلاف:"علم") .

ص: 15

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ْوكذلك أن كان معناه أصاب: الرئة؛ مثل انطلق السهم فرأى الغزَالَ؛ أي: أصاب رئتهُ.

وقد أشرنا قريباً (1) إلى أن الأساليب العالية يتردد فيها الماضي: "رأى" -دون المضارع، والأمر، والمشتقات الأخرى- مسبوقاً بأداة استفهام. ومعناه:"أخْبِرني"؛ نحو: أرأيتَكَ هذا القمر، أمسكون هو؟ وينصب مفعولاً به، أو مفعولين، على حسب المراد من الأسلوب، وأوضحنا الأمر بإسهاب فيما سبق (2) كذلك يتردد في تلك الأساليب وقوع المضارع:"أُرَى" مبنيّاً للمجهول -غالباً- على حسب السماع، وناصباً للمفعولين (3) ؛ لأن معناه:"أظنُّ"

(1) في رقم 8 من هامش ص5.

(2)

هذا الأسلوب يتطلب بياناً شافياً، جليا، يتعرض لنواحيه المختلفة، كصياغته، وتركيبه، وإعرابه، ومعناه

وقد وفيناه حقه في موضعه من الجزء الأول، ص238 م19. -من الطبعة الرابعة- عند الكلام على الضمير وأنواعه

(3)

إذا كان المضارع "أُرى" بمعنى: "أَظن"، ويعمل عمله -فكيف ينصب مفعولين مع رفعه نائب فاعل، هو في الأصلب مفعول به أيضاً؟ أليس معنى هذا أنه كان قبل بنائه للمجهول ينصب من المفاعيل ثلاثة، مع أن الفعل:"أظن" ينصب اثنين فقط؟

يجيب النحاة بإجابتين؛ كل واحدة منهما وافية في تقديرهم. وفي الأولى من التعارض والتكلف ما سنعرفه.

الأولى: أن هذا المضارع: "أُرى" المبني للمجهول -غالباً، طبقاً للسماع- قد يكون ماضيه هو "أَرى" مفتوح الهمزة، الناصب لثلاثة من المفاعيل، والذي معناه:"أَعلم" الدال على اليقين -وسيجيء الكلام عليه في الباب التالي ص58-؛ مثل: أَرى العالمُ الناس السفر للكواكب سهلاً؛ أي: أعلمهم السفر سهلا

ومقتضى هذا أن يكون مضارعه ناصباً ثلاثة أيضاً، وليس ناصباً اثنين فقط.

لكن السبب في نصبه اثنين أنه ترك معنى ماضيه، وانتقل إلى معنى آخر جديد؛ إذ صار بمعنى: الفعل المضارع: "أَظنُّ" لا بمعنى الفعل المضارع: "أعلم ويعلم" وغيرهما مما فعله الماضي: "أَعلم" الدال على اليقين. فلما ترك معناه الأصلي إلى معنى فعل آخر، كان من الضروري أن يترك عمله الأصلي ليعمل العمل المناسب للمعنى الجديد، فينصب مفعولين لا ثلاثة، وعلى هذا يتعين أن يكون ضمير المتكلم في المضارع المبني للمجهول فاعلاً، ولا يصح أن يكون نائب فاعل؛ لأن اعتباره نائب فاعل يؤدي إلى اعتباره مفعولاً به في الأصل قبل أن ينوب عن الفاعل؛ فينتهي الأمر إلى أن ذلك المضارع قد نصب من المفاعيل ثلاثة. وهذا مرفوض عندهم حتماً. فالسبب في تعدية المضارع المبني للمجهول -سماعاً- إلى مفعولين مع أن ماضيه:

ص: 16

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدال على الرجحان؛ نحو: كنت أُرى الرحلة مُتْعبة، فإذا هي سارّة.

ولا يكون معناه في الفصيح الوارد: "أعْلَمُ"؛ الدّال على اليقين، بالرغم

"أَرى" الدال على العلم واليقين، ينصب ثلاثة، هو استعماله بمعنى الفعل:"أظن" المتعدي لاثنين، من باب الاستعمال في اللازم؛ لأن معنى:"أَرى العالمُ الناسَ السفر سَهلا" هو: "جعل العالم الناس ظانين السفر سهلا" وصحة هذا المعنى تستلزم صحة قولنا: ظن الناس السفر للكواكب سهلا.

أما إن كان الفعل "أَرى" مفتوح الهمزة (أي: غير مبتي للمجهول، وهذا جائز) ومعناه: "أظن" فينصب مفعولين بغير حاجة لتأويل واضح التكلف والالتواء، كالذي سبق.

الثانية: أن الفعل: "أُرى" المضارع المبني للمجهول سماعاً، ينصب ثلاثة من المفاعيل برغم أنه بمعنى أنه بمعنى: الظن، وأن ماضيع بمعنى:"أُظْننْت" وأول المفاعيل الثلاثة هو الذي صار نائب فاعل، ويليه المفعولان المنصوبان. ويقولون: إن الفعل "أُرى" المبني للمجهول هو المضارع للفعل الماضي: "أُريت" المبني للمجهول أيضاً، بمعنى:"أُظْننْتُ" كما سبق، وإن العرب لم تنطق بالماضي "أُريت" إلا مبنيّاً" للمجهول، ولم يعرف عنهم بناؤه للفاعل، كما لم يعرف عنهم أنهم قالوا: "أٌظْننْت" ببناء الماضي "أظننت" للمجهول مع أنه بمعنى الماضي "أُريت". وفي هذه الإجابة بعض اليسر ومسايرة القواعد العامة، وإن كانت -كالأولى- لا تخلو من تكلف، والتواء.

وخير منها أن نقول: (إذا كان المضارع "أُرى" المبني للمجهول بمعنى: "أظن" فإنه يرفع نائب فاعل، وينصب بعده مفعولين فقط) وبهذا نستريح من الإطالة والإعانات والتأويل، ولن يترتب على هذا الرأي ضرر لفظي أو معني.

وقد اتفق النجاة على أن نائب فاعله لابد أن يكون ضميراً للمتكلم الواحد أو الأكثر، نحو: شاع الحديث عن الحياة في الكواكب، وأُرَى المرِّيخ مأهولا. أو نُسري المريخ مأهولا. وقد يكن للمخاطب؛ كقراءة من قرأ الآية الكريمة:(وتُرَ الناسَ سكارى) بنصب كلمة: "الناس".

مما تقدم نعلم أنه لابد للمضارع: "أُرى" الذي سبق الكلام عليه -من نائب فاعل يكون ضميراً للمتكلم- في الأغلب -ومن مفعولين منصوبين. أما الفعل: "أُريت" الذي يتردد في الأساليب الصحيحة أيضاً بصيغة الماضي المبني للمجهول- فقد يكون بمعنى: "أُظنْنْتُ"، لكن الغالب في استعماله أن يكون بمعنى:"أُعْلمت" أي: من مادة "العلم" لا من مادة الظن.

(راجع في كل ما سبق: حاشية الخضري، والصبان، والتصريح، في باب "إن وأخواتها" عند الكلام على المواضع التي يجوز فيها فتح همزة "أن" وكسرها، ومنها:"إذا الفجائية". وبيت الشاعر:

وكنت أُرى زيداً كما قيل سيداً

الخ، ثم راجع بعد ذلك المراجع السالفة في باب "ظن" عند الكلام على "رأى" وأنواعها.

بقي بعد ذلك -بهذه المناسبة- سؤال؛ هو: أهناك فعل مبني للمجهول دائماً؟ الجواب: لا؛ طبقاً لما سيجيء في ص108.

ص: 17

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من أنّ الماضي: "أُريتُ" المبني للمجهول والمسند للضمير: "التاء" -لا يستعمل في الأكثر إلا بمعنى: "أُعْلِمْتُ" المفيد لليقين؛ مثل: أُرِيتُ الخير في مقاومة الباطل.

وكذلك يتردد في بعض الأساليب المسموعة وقوع المضارع: "تَرَى" قد حذف آخره، وقبله الحرف:"لا"، أو:"لو"، وبعده "ما" الموصولة في الحالتين. ومعناه فيهما:"لا سيَّما"، مثل: كرّمت الضيوف، لا تر ما عليّ -أو: كرّمت الضيوف لو ترما عليّ. والمعنى ولا سيّما عليّ (1)

والفعل: "وجَد" قد يكون بمعنى: "لقِيَ، وصادف"، فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: وجدت القلم. وقد يكون بمعنى "استغنَى"، فلا يحتاج لمفعول؛ نحو: وَجَد الأبيُّ بعمله.

والفعل: "دَرَى" قد ينصب المفعولين كما سبق، والأكثر استعماله لازماً مع تعديته إلى مفعوله بحرف الجر:"الباء"؛ نحو: "دَرَيتُ بالخبر السارّ. فإن سبقته همزة التعدية نصب بنفسه مفعولاً آخر مع المجرور؛ نحو: قد أدريتك بالحبر السارّ (2) . وكذلك يتعدى لواحد إن كان بمعنى: "ختلَ" (أي: خدَع) نحو: دَرَيت الصيد؛ بمعنى: ختلتهُ وخدعتهُ.

والفعل: "تعلَّمْ" ينصب المفعولين حين يكون جامداً بمعنى: "اعْلَمْ".

فإن كان مشتقًّا بمعنى: "تَعَلَّمْ" نصب مفعولاً به واحداً؛ مثل: تَعَلَّمْ

(1) سبق الكلام على معنى هذين الأسلوبين المسموعين، وتفصيل إعرابهما، وأحكامهما في الموضع المناسب. وهو الجزء الأول، باب الموصول، -م28 ص363 من الطبعة الثالثة التي بعدها- عند الكلام على "لا سيما" والاقتصار في الاستعمال على هذه أحسن.

(2)

فإن وقعت همزة التعدية بعد أداة استفهام، كما في قوله تعالى:{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ؟} [القارعة: 1 - 3] فقيل إن الفعل في الآية نصب ثلاثة مفاعيل؛ أولها: الضمير "الكاف"، وثانيها وثالثها معاً الجملة الاسمية التي بعد الضمير، فقد سدت مسد المفعولين الأخيرين، وقيل إن الفعل نصب بنفسه مفعولاً واحداً هو الضمير، وإن الجملة سدت مسد المفعول الآخر الذي يتعدى إليه الفعل "أدري" بحرف الجر:"الباء" فالجملة في محل نصب بإسقاط حرف الجر، كما في قولنا: فكرت.، أهذا صحيح أم لا؟ وأصله: فكرت، في هذا، أصحح أم لا

(راجع الخضري في هذا الموضع وراجع أيضاً" "ح" من ص37.

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فنون الآداب (1) .

والفعل: "ألفَى" قد يكون بمعنى: "وَجَدَ" و"لَقِيَ" فينصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: غاب عصفوري، ثم ألفيتُهُ.

2-

ومن أفعال الرجحان ما قد يستعمل في اليقين؛ فينصب المفعولين أيضاً.

وقد يستعمل في بعض المعاني اللغوية الأخرى؛ فينصب بنفسه مفعولاً واحداً؛ أوْ لا ينصبه؛ وذلك على حسب ما ترشد إليه اللغة. ومن أمثلة ذلك الفعل: "خال" فمعناه اليقين في نحو: إخالُ الظلمَ بغيضاً إلى النفوس الكريمة. وكذلك في نحو: حَسِبت المالَ وقايةً من ذل السؤال. فإن كان "حَسِبَ"(2) بمعنَى: "عَدّ" نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: حَسَبت النقود التي معي. أي: عددتها. وإن كان معناه صار ذا بياض، وحمرة، وشقرة -كان لازماً؛ نحو: حَسِب الغلام

و

والفعل: "جعل" إن كان بمعنى: "أوْجَد" أو بمعنى: "فَرَض وأوجب" -نصب مفعولاً به واحداً؛ نحو: جعل الله الشمس، والقمر، والنجوم، وسائر

(1) بين الفعلين فرق في اللفظ والمعنى والاستعمال؛ فالفعل الأول: تعلمْ: بمعنى: "اعلمْ" فعل أمر جامد؛ لا ماضي له، ولا مضارع، ولا مصدر، ولا شيء من المشتقات في الرأي الأقوى (كما أسلفنا في رقم6 من هامش ص6) . والغالب في استعماله دخوله على "أنّ" مع معموليها، أو "أنْ" والفعل مع مرفوعه؛ نحو: تعلمْ أن احتمال الأذى في سبيل الله لذة

فالمصدر المؤول من "أنّ" مع معموليها سد مسد المفعولين. ومعناه مطلوب تحقيقه سريعاً، وتحصيل المراد منه في المستقبل القريب الذي يشبه الحال؛ وذلك بالإصغاء للمتكلم، واستيعاب ما يريده فوراً، وتنفيذ ما يجيء بعد فعل الأمر بغير تمهل.

أما الفعل الثاني فلفظه أمر أيضاً، ولكنه غير جامد، فله ماض هو:"تَسَلَّمَ" وله مضارع هو: "يتعلَّمُ" وله مصدر

وباقي المشتقات

والغالب في استعماله دخوله مباشرة على مفعوله الصريح.

ومعناه مطلوب تحقيقه وتحصيله في المستقبل، ولكن مع تمهل وامتداد، واتخاذ للوسائل المختلفة. الكفيلة بالوصول.

(2)

الغالب في الفعل: "حسب" بمعنى: "عَدَّ"، فتح "السين" في الماضي، وضمها مضارعه.

ص: 19

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المخلوقات، أى: أوجدها وخلقها (1) ..، ونحو: جعلت للحارس أجراً (2) ، بمعنى فرضت له، وأوجبت عليّ

والفعل؛ "هبْ" ينصب مفعولاً به واحداً إن كان متصرفاً (3) أمراً من الهبة؛ نحو: هبْ بعض المال لأعمال البرّ (4) . أو أمراً من الهيبة؛ نحو: هبْ ربَّك في كل ما تقدم عليه من عمل. وهكذا (5)

(1) ومن هذا قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] .

(2)

قد يكون الفعل: "جعل". بمعنى: شرع. (وقد سبق الكلام عليه مع أفعال الشروع في باب أفعال المقاربة ج1 ص464 م50) وقد يكون بمعنى: اعتقد، أو ظن، أو "صيَّر" -كما عرفناه فيما سبق.

(3)

وهذا "الأمر" المتصرف مخالف في معناه واستعماله لفعل الأمر الجامد الذي على صورته وسبق الكلام عليه في ص8.

(4)

وردت أمثلة صحيحة نصب فيها مفعولين بنفسه؛ منها: انطلق معي؛ أهبْك نبلا. (المخصص ج12 ص227) . ولا مانع من محاكاتها وإن كانت قليلة؛ إذ الكثير أن ينصب بنفسه مفعولاً واحداً، ويتعدى للآخر بحرف الجر. وقد صرح المغني بأن هذا الفعل نصب المفعول الثاني بعد إسقاط حرف الجر:"اللام" ومن المستحسن هنا تسجيل النصوص الواردة في المراجع المختلفة للدلالة على صحة استعمال هذا الفعل: (وَهَب) متعديا بنفسه إلى مفعولين مباشرة، أو إلى أحدهما بنفسه وإلى الآخر بمعونة حرف الجر؛ كي ينقطع الجدل حول صحة تعديته إلى المفعولين مباشرة. جاء في المخصص -ج12 ص227- ما نصه:("قال سيبويه: وهبت لك، ولا يقال: وهبتك. قال أبو علي: وقد حكاها غيره؛ ذكر أبو عمرو: أنه سمع أعرابياً يقول لآخر: "انطلق معي أهبك نبلا". حكاه أبو سعيد السيرافي") اهـ. وجاء في "المغني" عند الكلام على اللام المفردة -ج1 ص184- ما نصه ("تنبيه: زادوا اللام في بعض المفاعيل المستغنية عنها -كما تقدم- وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها؛ كقوله تعالى: "تبغونها عوجاً" وقوله تعالى: "والقمر قدرناه منازل" وقوله: "وإذا كالوهم أو وزنوهم

" وقالوا: وهبتك ديناراً، وصدتك ظبياً، وجنيتك ثمرة

") اهـ وجاء في الصبان -ج2 ص216 باب: حروف الجر، عند التمثيل للام الملك بقول الأشموني: وهبت لزيد ديناراً- ما نصه: ("التمليك مستفاد من الفعل، لا من اللام؛ بدليل أنك لو أسقطت اللام، وقلت: وهبت زيداً ديناراً لكان الكلام صحيحاً دالاًّ على التمليك. ولو مثل: بجعلت لزيد ديناراً لكان أحسن") . اهـ.

(5)

إن كان الفعل: "زعم" بمعنى: "كفل"، أو:"رأس (أي: شرُف وساد) تعدى لواحد بنفسه، أو بحرف الجر، والمصدر: "الزعامة". وإن كان بمعنى: سمِن أو هزُل (أي: أصابه الهزال) لم ينصب بنفسه مفعولاً. (راجع ما يتصل بهذا ويتممه في رقم 4 من هامش ص7) .

وإن كان الفعل "حجا" بمعنى: قصد، أو: رد، أو: ساق، أو: حفظ، أو: كتم، أو غلب في المحاجة (وهي إقامة الحجة، وإظهار البرعة وحدة الذكاء في تقديمها) نصب مفعولاً به واحداً-

ص: 20