الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتعين المأموم الواحد للاستخلاف بلا نية.
باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها
يفسد الصلاة التكلم،
ــ
يستلزم/ ثبوت الأولوية لجواز الوجوب بل هو الثابت على ما مر في الواجبات من أن منها مراعاة الترتيب فيما شرع مكررًا وأجاب في (الكافي) بأنه سقط بالنسيان لكنه لم يدفع الاعتراض من الوارد على التعليل السابق بل تعليله إنما يكون بسقوط الوجوب بالنسيان كذا في (الفتح) أي: لم يعدهما فرضًا لأن مراعاة الترتيب في المكرر ليست بفرض ولا وجوبًا لسقوطه بالنسيان فتعين الندب لتقع الأفعال مرتبة بقدر الإمكان مع أن ما في (الكافي) ممنوع إذ الساقط بالنسيان إنما هو ترتيب الفوائت أما الواجبات فنسيانها يوجب السجود والجواب أنهم لم يمنعوا وجوب السجود إنما الممنوع لزوم الإعادة كذا في (البحر).
وقيد في (الفتح) ندبها بما إذا قضاها عقيب التذكير فإن أخرها إلى آخر الصلاة قضاها فقط وفي (الخانية): لو تخلل بين المتروكة وبين التي تذكرها فيها ركعة تامة لا ترتفض باتفاق الروايات وإن لم تكن تامة فكذلك في ظاهر الرواية وروى الحسن أنها ترتفض، قيد بالتذكر فيها لأنه لو تذكرها في القعدة فسجدها أعادها وبالسجدة لا لأنه لو تذكر في الركوع لم يقرأ السورة فعاد إليها أعاده (ويتعين المأموم الواحد) الصالح للإمامة (للاستخلاف بلا نية) لعدم المزاحم مع صيانة الصلاة أما غير الصالح كالصبي والمرأة فإن استخلفه بطلت صلاة الإمام أيضًا إجماعًا وإلا بطلت صلاة المقتدي فقط على الأصح كما في (المحيط) وغيره لأن الإمامة لم تتحول إليه لعدم صلاحيته فبقي بلا إمام، ولابد أن يقيد هذا بما إذا خرج الإمام من المسجد لما مر من أنه إذا لم يخرج فهو على إمامته حتى لو توضأ في المسجد وعاد إلى مكانه صح، ولو أحدثا معًا وخرجا من المسجد فسدت صلاة المقتدي دون الإمام كذا في (التجنيس) والله الموفق للصواب.
باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها
شروع في العوارض الاختيارية بعد الفراغ من السماوية وقدمها لأنها أعرق في العارضية (يفسد الصلاة) مطلقًا (التكلم) أي: النطق بالحروف سمي كلامًا أو لا، وهذا أولى من تعبير (المجمع) بالكلام كذا في (البحر) وفيه نظر إذ مبناه على أن المراد به النحوي وليس بمتعين لجواز أن يريد به اللغوي بل هو الظاهر أطلقه فشمل
والدعاء بما يشبه كلامنا، والأنين، والتأوه، وارتفاع بكائه من وجع أو مصيبة
ــ
الخطأ بأن قصد القراءة فجرى على لسانه كلام الناس والنسيان بأن قصد كلام الناس ناسيًا أنه في الصلاة والسهو والفرق بينه وبين النسيان أن الصورة الحاصلة عند العقل عما من شأنه الملاحظة في الجملة إن كانت بحيث يتمكن من ملاحظتها أي وقت شاء سمي ذهولاً وسهوًا أو إلَاّ بعد كسب جديد سمي نسيانًا وكلام النائم أيضًا وبالفساد قال كثير من المشايخ وهو المختار خلافًا لما اختاره فخر الإسلام قال في (البحر): وشمل أيضًا قراءة التوراة والإنجيل والزبور كما في (المجتبى) وقال في (الأصل): لم يجزئه وعن الثاني إن أشبه التسبيح جاز وأقول: يجب حمل ما في (المجتبى) على المبدل منها إن لم يكن ذكرًا أو تنزيهًا وقد سبق أن غير المبدل يحرم على الجنب قراءته ولو لدغته عقرب فقال: بسم الله فسدت عندهما خلافًا للثاني كذا في (السراج) وفي (الخانية) وقيل: لا تفسد وعليه الفتوى.
(و) يفسد أيضًا (الدعاء) من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنه وتنصيصًا على الرد على من خالفه (بما) أي: بلفظ (يشبه كلامنا) هذا ينبغي أن يكون قيدًا في التكلم والدعاء كذا في (البحر).
وأقول: ظاهر ما في (الشرح) وعليه جرى العيني أنه قيد في الدعاء فقط وهو الظاهر لاشتمال الدعاء على ما يشبه كلامنا وما لا يشبهه بخلاف التكلم فإنه يفسد وإن لم يشبه كلامنا كالمهمل ولا شك أن كونه قيدًا فيه يخرجه فتدبر وقد مر الفرق بين ما يشبه كلامنا وما لا يشبه، (و) يفسدها أيضًا (الأنين) وهو صوت المتوجع كذا في (العناية) وخصه العيني بالحاصل من قوله آه، وقيل: هو قوله آه (والتأوه) وهو قوله أوه قال الحلبي: وفيه ثلاث عشرة لغة منها أة فيسميه الأول أنينًا والثاني تأوهًا اصطلاح انتهى. وأنت خبير بأن هذا إنما يتأتى على ما مر من أنه لفظ آه أما أنه صوت المتوجع فالفرق بين.
(و) يفسدها أيضًا (ارتفاع بكائه) إن حصل به حروف كما في (الفتح) وفي (الصحاح) البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي مع البكاء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها (من وجع) في بدنه (أو مصيبة) في نفسه أو ماله وهذا الجار والمجرور قيد في الثلاثة وإنما أفسد لأن فيه إظهار التأسف والوجع فكان من كلام الناس قال في (فتح القدير): وهذا صريح في أن كونه إظهارًا بلفظ هو المصير له كلامًا فلا يحتاج/ في تقديره إلى قولهم: لأنه إذا كان إظهارًا للوجع فكأنه قال: أدركوني وأعينوني إذا يعطي ظاهره أن كونه دالاً على ذلك الكلام صيره كلامًا وهو الحق وعن الثاني عدم الفساد في آه بناء على أصله أن الكلمة إن استعملت على
لا من ذكر جنة أو نار والتنحنح بلا عذر،
ــ
حرفين زائدين أو أحدهما زائد لا تفسد ولو أصليين أفسدت أما لو زادت على الحرفين أفسدت على كل حال كذا في (العناية) ويوافقه ما في (المجتبى) لا تفسد عنده في وقف مخففًا، والأصح الفساد في المشدد إلا أنه في (الخلاصة) قال: اختلف المشايخ في الثلاثة على قوله والأصح أنها لا تفسد فيحتمل أن عنه روايتين وحروف الزوائد عشرة قال الشيخ شعبان في تصحيح (ألفية ابن معطي): إنها جمعت عشرين جمعًا وسردها لكن بعضها مؤاخذ فيه ولم يجمعها أحد أربع مرات في بيت إلا ابن مالك في (شرح الكافية) حيث قال:
هناء وتسليم تلي يوم أنسه .... نهاية مسئول أمان وتسهيل
قال: وفيه نظر، لأن تلا ثلاثي من بنات الياء، وإذا رسم بها تكرر معنى وضع الياء كما تكرر معنى لفظ الهاء وليس بجيد، والصواب أنه يؤتى بها على لفظ المطابقة لفظًا وخطًا كقول بعضهم: سألتمونيها أو كقولي أسهل ما تنوي انتهى.
وليس المراد بكونها زوائد أن تكون كذلك حيث ما وقعت بل إنه لو زيد حرف كان من هذه الحروف ولهما أن الفساد إنما هو باللفظ المفيد للمعنى وإن لم يكن موضوعًا إذ المؤثر في الإفساد كونه خارجًا عن عمل الصلاة وذا لا يتوقف على الوضع (لا) يفسدها الأنين أو التأوه أو ارتفاع البكاء (من ذكر جنة أو نار) لدلالة ذلك على الخشوع المطلوب في الصلاة قيد بالأنين لأنه لو استعطف كلبًا أو هرة أو ساق حمارًا لا تفسد لأنه صوت لا هجاء له وبارتفاع البكاء لأنه لو خرج معه بلا صوت لم تفسد بلا خلاف كذا في (البحر) وأقول: هذا ظاهر في أن مجرد الصوت مفسد وقد بينا أنه لابد أن يحصل به حروف ولو وسوسه الشيطان فحوقل إن من أمور الدنيا فسدت لا من أمور الآخرة.
(و) يفسدها أيضًا (التنحنح بلا عذر) وهو وصف يطرأ على المكلف يناسب التخفيف عليه قيد بعدم العذر لأنه لو كان بعذر بأن كان مبعوث الطبع لم تفسد بلا خلاف وإن وجدت الحروف والأنين والتأوه كالتنحنح أورد أنه لو تنحنح لإصلاح صوته وتحسينه لا تفسد على الأصح وكذا لاهتداء الإمام عن خطئه أو لإعلام أنه في الصلاة فلو قال: وغرض صحيح لكان أشمل وأقول: لو فسر قوله بلا عذر أي: حاجة لاندفع هذا، نعم لو حذف قوله لا من ذكر جنة أو نار واستغنى عنه بقوله بلا عذر
وجواب عاطس بيرحمك الله، وفتحه على غير إمامه، والجواب بلا إله إلا الله،
ــ
لكان أولى لأنه حينئذ يكون قيدًا في الكل أعنى الأنين والتأوه وارتفاع البكاء والتنحنح (و) يفسدها أيضًا (جواب عاطس) لغيره (بيرحمك الله) لو قال: الحمد لله فإن عين الجواب اختلف المشايخ أو التعليم فسدت أو لم يرد واحدًا منهما لا تفسد اتفاقًا ولو قال العاطس بعد ترحمه، آمين فسدت صلاته أيضًا ولو قالها أيضًا من هو بجانبه لا تفسد كذا في (الخانية) وعلله في (الظهيرية) بأنه لم يدع له قال في (البحر): ويشكل عليه ما في (الذخيرة) إذا أمن المصلي لدعاء رجل ليس في الصلاة تفسد صلاته وهو مفيد لفساد صلاة الآخر وأقول/ إنا لا نسلم أن الثاني تأمين لدعائه لانقطاعه بالأول وإلى هذا يشير التعليل.
(و) يفسد أيضًا (فتحه) أي: المصلي (على غير إمامه) هذا شامل لفتح المقتدي على مثله وعلى غير المصلي وعليه وحده أي: على المصلي وحده وعلى إمام آخر ولفتح الإمام والمنفرد على أي شخص كان إن أراد به التعليم لا التلاوة، وقيد به لأن فتحه على إمامه غير مفسد سواء قرأ قدر ما تجوز به الصلاة أم لا انتقل إلى آية أخرى أم لا كرره أم لا هو الأصح لإطلاق الحديث أعني قوله عليه الصلاة والسلام:(إذا استطعمك الإمام فأطعمه) وقيده في (القنية) أن لا يسمعه المقتدي ممن ليس في الصلاة فلو سمعه وفتح به يجب أن تبطل صلاة الكل لأن التلقين من خارج، ويكره الفتح من ساعته كما يكره للإمام أن يلجئه إليه بل ينتقل إلى آية أخرى لا يلزم من وصلها ما يفسد الصلاة وإلى سورة أخرى أو يركع إذا جاء أوانه كذا في (المحيط) واختلف في أوانه ففي رواية إذا قرأ القدر المستحب وفي أخرى إذا قرأ قدر الفرض وعليها اقتصر الشارح والأولى/ هي ظاهر الدليل كما في (الفتح) لا القراءة.
(و) يفسدها أيضًا (الجواب) بنحو (لا إله إلا الله) من كل كلمة هي ذكر أو قرآن أريد به الجواب كما إذا سمع قول القائل أمع الله آخر أأخبر بخبر رسوله فقال: لا إله إلا الله أو سمع الأذان أو اسمه عليه الصلاة والسلام فأجابه أو صلى أراد به الجواب أو لم يكن له نية ولو قال: لبيك عند قول القارئ {يا أيها الذين آمنوا} ففي فسادها قولان وفي (القنية) قال: عند قراءة الإمام صدق الله ورسوله أو ذكر في التشهد الشهادتين عند ذكر المؤذن لهما وأراد الجواب فسدت وأدخل (البحر) هذه الفروع في جواب عاطس وما سلكناه أولى وهذا عندهما وقال الثاني: لا تفسد لأنه
والسلام
ــ
ثناء بصيغته فلا يتغير بعزيمته قلنا: ممنوع ألا ترى أن الجنب لو قرأ الفاتحة على قصد الثناء جاز قال في (الفتح): وأقرب ما ينقض به كلامه ما وافق عليه من الفساد بالفتح على قارئ غير الإمام فهو قرآن وقد تغير إلى وقوع الفساد به بالعزيمة انتهى وفيه نظر أما أولاً فلأن الثاني لا يقول بالإفساد به بالعزيمة كما في (الشرح) ولئن سلم فلكونه تعليمًا.
قال في (البحر): ولا خلاف في الفساد فيما لو قال لمن اسمه يحيى أو موسى {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} (مريم: 12){أو يا بني اركب معنا} (هود: 42) أو نحو ذلك مريدًا به الخطاب إذ لا يشكل على أحد أنه متكلم لا قارئ قيد بالجواب لأنه لو استأذن على المصلي فسبح مريدًا به الإعلام أنه في الصلاة لا تفسد وكذا لو عرض للإمام شيء فسبح لما مر إلا أنه إذا قام إلى الأخيرين لا يسبح إذ لا يجوز له الرجوع إذا كان إلى القيام أقرب كذا في (البدائع) قال في (البحر): وينبغي الفساد حينئذ لعدم الحاجة ثم رأيته في (المجتبى) قال: لو قام إلى الثالثة في الظهر قبل أن يقعد فقال المقتدي: سبحان الله قيل: لا تفسد وعن الكرخي تفسد وأقول: الظاهر أن هذا الاختلاف له التفات إلى آخر هو أنه لو عاد بعدما كان إلى القيام أقرب ففي فساد صلاته خلاف وعلى عدمه فهو مفيد.
(و) يفسدها (السلام) عمدًا كان أو سهوًا اشتمل على خطاب أو لا كما في (الخلاصة) وقيده صدر الشريعة وصاحب (المجمع) بالعمد لأنه من الأذكار ففي غير العمد يجعل ذكرًا وفي العمد كلامًا بخلاف الرد لأنه محض كلام فيفسد مطلقًا فيحمل ما هنا على سلام التحية بقرينة عطف الرد عليه، وهذا لا فرق فيه بين الرد وغيره وما قاله صدر الشريعة على سلام التحليل، ولذا قال في (البدائع): السلام على إنسان مبطل مطلقًا وأما السلام وهو الخروج من الصلاة فمفسد إن كان عمدًا انتهى وقيده في (القنية) بما إذا كان قاعدًا أو قائمًا في صلاة الجنازة أما لو سلم قائمًا في غيرها فسدت.
وقيل: يبني لأنه سلم في غير محله فلا يعد نسيانه عذرًا لأن حالهما حالة مذكرة وفيها سلم المسبوق ودعا بدعاء كان له عادة أعاد ولو قال: أستغفر الله وهو عادته لا يعيد ولو قال بعد الترويحة سبحان الله إلى آخره كما هو المعتاد ينبغي أن تفسد ثم رأيت في (زاد الفقير) للعلامة ابن الهمام كلامًا حسنًا هنا قال: الكلام مفسد إلا السلام ساهيًا وليس معناه السلام على إنسان إذ صرحوا بأنه إذا سلم على إنسان ساهيًا فقال: السلام ثم علم فسكت تفسد صلاته بل المراد السلام للخروج
ورده، وافتتاح العصر أو التطوع
ــ
من الصلاة ساهيًا قبل ?تمامها ومعنى المسألة ?نه يظن أنه أكمل أما ?ذا سلم في الرباعية مثلاً ساهيًا بعد ركعتين على ظن أنها ترويحة ونحو ذلك تفسد فليحفظ هذا انتهى.
(ورده) بالفظ لما سيأتي من أنه باليد مكروه فقط وجعله في (المجمع) مفسدًا آخذًا من قولهم: لو صافح المصلي غيره بنية السلام فسدت قال حسام الأئمة: فعلى هذا تفسد إذا أراد بالإشارة لأنه كالتسليم باليد لكن قال الحلبي: صريح كلام الطحاوي يفيد أن عدم الفساد في الرد باليد هو قول الثلاثة وحينئذ فيحتاج إلى الفرق بينه وبين المصافحة وقول الشارح: إن المصافحة كلام معنى يرد عليه أن الرد عليه باليد كلام معني أيضًا فالأولى أن يعلل الفساد في المصافحة بأنه عمل كثير بخلاف الرد باليد وقد ذكر الشارح أنه يكره السلام على المصلي والقارئ والجالس للقضاء أو البحث في الفقه أو التخلي وزيد عليه مواضع وأحسن منن جمعها الشيخ صدر الدين الغزي فقال رحمه الله تعالى: سلامك مكروه على من تسمع .... ومن بعد ما أبدى يسن يشرع
مصل وتال ذاكر ومحدث ..... خطيب ومن يصغي ?ليهم ويسمع
مكرر فقه جالس لقضائه ..... ومن بحثوا في العلم دعهم لينفعوا
ومؤذن أيضًا أو مقيم مدرس .... كذا الأجنبيات الفتيات أمنع
ولعاب شطرنج وشبه بخلقهم .... ومن هو مع أهل له يتمتع
ودع كافرًا أيضًا ومكشوف عورة .... ومن هو في حال التغوط أشنع
ودع آكلاً إلا إذا كنت جائعًا .... وتعلم منه أنه ليس يمنع
قال: وقد زدت عليه المتفقة على أستاذه كما في (القنية) ومغن ومطير الحمام وألحقته فقلت:
كذلك أستاذ مغنٍ مطير .... فهذا ختام والزيادة أنفع
(و) يفسدها أيضًا (افتتاح العصر أو التطوع) بأن صلى ركعة من الظهر مثلاً ثم افتتح العصر أو التطوع بتكبيرة فإن كان صاحب ترتيب كان شارعًا في التطوع عندهما خلافًا لمحمد أو لم يكن بأن سقط للضيق أو للكثرة صح شروعه في العصر لأنه نوى تحصيل ما ليس بحاصل فخرج عن الأول فمناط الخروج عن الأول صحة الشروع في المغاير ولو من وجه فلذا لو كان منفردًا فكبر ينوى الاقتداء أو عكسه أو
لا الظهر بعد ركعة الظهر وقراءته من مصحف،
ــ
إمامة النساء فسد الأول وكان شارعًا في الثاني وكذا لو نوى نفلاً أو واجبًا أو شرع في جنازة فجيء بأخرى فكبر ينويهما أو الثانية يصير مستأنفًا على الثانية كذا في (فتح القدير) وفيه إفادة أنه لو كبر وهو يصلي الظهر ناويًا العصر أيضًا صار متنفلاً عن الظهر وهو حسن (لا) يفسدها افتتاح (الظهر).
وقوله: (بعد ركعة الظهر) ظرف للافتتاح الملفوظ أو المقدر أي: يفسدها افتتاح العصر أو التطوع بعد ركعة الظهر ولا يفسدها افتتاح الظهر بعد ركعة الظهر ومعلوم أن هذا كله إذا لم يتلفظ بلسانه أما إذا قال: نويت أن أصلي كذا صار داخلاً في الثاني مطلقًا.
(و) يفسدها أيضًا (قراءته من مصحف) أراد به ما كتب فيه شيء من القرآن وهذا قول الإمام وقالا: يكره فقط لأنها عبادة ضمت إلى مثلها وله أن حمل المصحف وتقليب أوراقه عمل كثير يقطع من رآه أنه ليس في الصلاة ولأنه يتلقن منه فأشبه التلقن من غيره فهاتان علتان وعلى الثانية لا فرق بين المحمول وغيره في الفساد وقال السرخسي: وهو الصحيح ولا بين قراءته مما يمكن حمله أو لا كالمحراب وهو الأصح بقي لو لم يقدر على القراءة إلا منه فصلى بغيرها فالأصح أنه يجوز كذا في (الظهيرية) وفي (النهاية): عن الفضل أنه كان يقول في التعليل للإمام: أجمعنا على أنه لو لم يقدر على القراءة إلا من المصحف فصلى بغير قراءة جاز ولو كانت منه جائزة لما أبيحت بغير القراءة إلا أنهما لا يسلمان هذه المسألة وبه قال بعض المشايخ قال في (البحر): والظاهر أن ما في (الظهيرية) متفرع على العلة الأولى وما في (النهاية) على الثانية ثم قال: وإطلاقه يفيد أنه لا فرق بين القليل والكثير ولا بين الحافظ وغيره لكن قال الرازى: ما قاله الإمام محمول على غير الحافظ، أما الحافظ فلا تفسده صلاته في قولهم جميعًا وجزم به في (فتح القدير) و (النهاية) و (التبيين) وهذا وجيه انتهى.
وأقول: إطلاق عدم الفساد في الحافظ إنما يتم على العلة الثانية أما على الأولى فلا فرق بين الحافظ وغيره وعبارة الشارح ولو كان يحفظ وقرأ من غير حمل قالوا: لا تفسد لعدم الأمرين، وفي (الفتح) ولو كان يحفظ إلا أنه نظر وقرأ لا تفسد وهاتان العبارتان لا غبار عليهما.
والأكل والشرب
ــ
(و) يفسدها أيضًا (أكله وشربه) ولو ناسيًا لأن كل واحد منهما عمل كثير قال في (الخانية): لأنه عمل اليد والفم واللسان واستشكله الحلبي لو أخذ بسمسمة أو وقع في فيه قطرة مطر فابتلعهما فإنها تفسد مطلقًا كما نص عليه وليس كل أكل يفسد بل ما يفسد الصوم وهو أكل مقدار الحمصة كذا في (الشرح) تبعًا (للخلاصة) و (البدائع)، وجعل في (الخانية) هذا قول البعض وقال بعضهم: ما دون ملء الفم لا يفسد وفرق بين الصلاة والصوم وما في (الشرح) أولى ونبه بالأكل والشرب على أن العمل الكثير يفسد لا غيره واختلفوا في الفارق بينهما أقوال فقيل: ما يعمل بيد واحدة قليل وباليدين كثير واختاره أبو الفضل وقيل مفوض إلى رأي المصلي إن استكثره فكثير مفسد وإلا لا قال الحلواني: وهذا أقرب الأقوال إلى دأب الإمام وقيل: الكثير ثلاث والقليل ما دونه.
وقيل: إن كان العامل بحيث لو رآه راء على بعد تيقن أنه ليس في الصلاة فكثير وإن شك أنه فيها أو لم يشك فقليل قال في (البدائع): وهذا أصح وتبعه الشارح وغيره واختاره العامة كما في (الفتح) وقال الشهيد: إنه الصواب قال الحلبي: والظاهر أن مرادهم بالناظر من لا علم له بأنه في الصلاة قال في (البحر): ولم أر من رجح الأول، وقد يقال: إنه غير صحيح فإنه لو مضغ العلك في صلاته فسدت وليس فيه استعمال اليد وأقول: لا خفاء أن قيد الحيثية مراعى فمعنى ما يعمل باليدين كثير أي: من حيث أنه يعمل بهما والله أعلم.
فروع مهمة: أرضعته أو ارتضعها هو فنزل لبنها فسدت ولو مص مصة أو مصتين ولم ينزل لا تفسد ولو ثلاثًا فسدت وإن لم ينزل كذا في (الخلاصة) و (الخانية)، والمذكور في (المحيط) و (المنية) أنها تفسد بخروج اللبن من غير تقييد بعدد لا إن لم ينزل وصححه في (الدراية)، وفي (القنية) مص ثديها ثلاثًا فسدت وإلا فلا وفي (النوادر) ونزل لها لبن وهو الأصح وهذا ظاهر في أن الفساد بالثلاث مقيد بالنزول قال في (البحر): وقولهم لو أرضعت ولدها فسدت شمل لما إذا حمل إليها فدفعت إليه الثدي وما ارتضع من ثديها وهي كارهة وأقول: هذا سهو ظاهر وأنى يقال في ارتضاعه من غير فعل منها أنها أرضعته، ولو قبل المصلية ولو بغير شهوة أو مسها بشهوة فسدت، ولو قبلته ولم يشتهها لم تفسد كذا في (الخلاصة) قال في (الفتح): والله أعلم بوجه الفرق وذلك أنه لا صنع للمصلي في الوجهين وفي (المجتبي) لو قبل المصلية لا تفسد وقال أبو جعفر: إن كان بشهوة فسدت والأول مفيد للتسوية وعلى ما في (الخلاصة) قد فرق بأن الشهوة لما كانت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في النساء أغلب كان تقبيله مستلزمًا لاشتهائها عادة بخلاف تقبيلها ولو نظر إلى فرجها بشهوة لا تفسد في المختار وإن صار مراجعًا، والفرق لا يخفى، ولو نتف ثلاث شعرات أو حك ثلاثًا في ركن أو كتب ثلاث كلمات أو رمى عن قوس أو ضرب إنسانًا كذلك فسدت، لكن قيد في (الخلاصة) مسألة الحك بما إذا رفع يده أما إذا لم يرفعها فلا فساد لأنه حك واحد وفي (الظهيرية) ما يخالفه حيث قال: ولو حك موضعًا واحدًا من جسده بدفعة واحدة فسدت وكل هذا مبني على قول من فسر الكثير بالثلاث أما على الراجح فلا يتقيد بها.
ولذا قال في (المحيط): لو كتب في صلاته على شيء فسدت صلاته وإن على شيء لا يرى لا تفسد ولم يقيده بالثلاث، نعم على قولهم لو قتل القمل قتلاً متداركًا فسدت إلا إن كان بين القتلات فرجه فجاز على كل الأقوال. وأما قولهم لو حرك رجلاً لا على الدوام لا تفسد ولو رجلين فسدت فمشكل إذ الظاهر أن تحريك اليدين فيها غير مبطل ليلتحق به تحريك الرجلين فالوجه قول بعضهم إن حركهما قليلاً لا تفسد ولو كثيرًا فسدت وكأن الفارق العرف، والحاصل أن الاختلاف في الفروع من هنا مبناه على الاختلاف في التخريج.
تكميل: بقى من المفسدات الموت والارتداد بالقلب والجنون والإغماء وكل ما أوجب الوضوء والغسل وترك ركن بلا قضاء أو شرط بلا عذر ومنها زلة القارئ وأحسن من لخص كلامهم فيها الكمال في (زاد الفقير) فقال: إن كان الخطأ في الإعراب ولم يتغير به المعنى ككسر قوامًا مكان فتحها وفتح باء نعبد مكان ضمها لا تفسد وإن غير كنصب همزة العلماء وضم هاء الجلالة من قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: 28) تفسد على قول المتقدمين.
واختلف المتأخرون فقال ابن الفضل وابن مقاتل وأبو جعفر الحلواني وابن سلام وإسماعيل الزاهد: لا تفسد وقول هؤلاء أوسع وإن كان بوضع حرف مكان حرف ولم يتغير المعنى نحو إياب لم تفسد وعن أبي يوسف نفسد وكثيرًا ما يقع في قراءة بعض القرويين والأتراك والسودان وإياك نعبد بواو مكان الهمزة والصراط الذين بزيادة الألف واللام وصرحوا في الصورتين بعدم الفساد وإن غير فإن أمكن الفصل بين الحرفين من غير مشقة كالطاء مع الصاد كالطالحات مكان الصالحات تفسد عند الكل وإن لم يمكن إلا بمشقة كالضاد والظاء اختلفوا وأكثرهم لم يفسدها وخرج عن هذا آيات كثيرة من يعالج مخارج الحروف وفي زيادة الحرف وإن لم يتغير المعنى نحو رادوه إليك لم تفسد وإلا فسدت نحو {يس والقرآن الحكيم وإنك لمن المرسلين} (يس: 1 - 3)
ولو نظر إلى مكتوب وفهمه، أو أكل ما بين أسنانه، أو مر مار في موضع سجوده،
ــ
لأنه جعل جواب القسم قسمًا كذا ذكروه، والله أعلم بصحته وفي نقصه نحو فجاءهم في فجاءتهم لا تفسد/ إلا أن يكون الحرف من أصل الكلمة كما قال ربيًا أو عريًا في عربيًا فتفسد إما لتغيير المعنى أو لأنه يصير لغوًا إلا أن يكون لغوًا يصح حذفه ترخيمًا نحو يا مال في يا مالك وفي تعدد الحرف إن تغير فسدت وإلا فلا وقيل: فسدت لأنه لا يخلو عن تغيير وفيه ما لا يخفى وفي ذكر كلمة مكان أخرى فإما أن توجد مثل ألق بها الخطأ في الإعراب أو لا وعلى التقديرين إما أن يخالف التي جعلها موضعها معنى أو لا فهذه أربعة أوجه ففي الأول تفسد كما لو قرأ إنا كنا غافلين مكان فاعلين وفي الثاني لا تفسد كما لو قرأ الحكيم مكان العليم وليفهم من هذا معنى الموافقة وفي الثالث تفسد كما لو قرأ إن الفجار لفي جنات وفي الرابع لا تفسد كما لو قرأ طعام الفجار مكان الأثيم والله سبحانه وتعالى الموفق.
(ولو نظر) المصلي (إلى مكتوب) قرآن أو غيره (وفهمه) أما عدم الفساد بالقرآن فلا خلاف فيه وأما غيره فقيل: هو قول الثاني وبه أخذ مشايخنا وعند محمد تفسد وبه أخذ الفقيه قياسًا على ما إذا حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه وفهمه والأصح أنه متفق عليه، والفرق أن الفساد بالعمل الكثير ولم يوجد والمقصود من اليمين الفهم وقد وجد وهل يكره ذلك؟ ففي (منية المصلي) ما يقتضيها حيث قال: ولو أنشأ شعرًا أو خطبة ولم يتكلم بلسانه لا تفسد وقد أساء وعلله شارحها بأنه اشتغل بما ليس من أعمال الصلاة بلا ضرورة ثم قال: وينبغي أن يجب عليه السهو إذا أشغله ذلك عن أداء ركن أو واجب انتهى.
(أو أكل ما بين أسنانه) مما هو دون الحمصة لأنه مما لا يمكن الاحتراز عنه ولهذا لا يبطل به الصوم فصار كالريق أما إذا كان حمصة فما فوقها أفسد كذا في (الشرح) تبعًا (للبدائع) و (شرح الطحاوي) وفي (الولوالجية) لو ابتلع ما بين أسنانه وكان قدر الحمصة فسد صومه دون صلاته، والفرق أن إفساد الصوم بوصول ما يتغذى به وقد وجد والصلاة بالعمل الكثير ولم يوجد وقدمنا عن (الخانية) أن ما دون ملء الفم لا يفسد قال في (البحر): وينبغي أن يكون محل الخلاف فيما إذا ابتلع ما بين أسنانه بلا مضغ أما إذا مضغه كثيرًا فلا خلاف في الفساد، وعلى هذا فلو عبر الصنف بالابتلاع لكان أولى وأقول: فيه بحث إذ قد تقرر أن العمل القليل لا يفسد ولا شك أن ما دون الحمصة غني عن الكثير من المضغ بل لا يتأتى فيه مضغ لتلاشيه بين الأسنان فلا يفسد بخلاف الحمصة ولا كلام في الكراهة كما في (منية المصلي).
(أو مر مار) أي مار كان (في موضع سجوده) أي: صلاته وهو من قدمه إلى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
موضع سجوده نبه بذلك على أن مروره فيما وراءه غير مكروه زاد في (الهداية) ولا يكون بينهما حائل وتحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان واعتراض بأن بين هذين القيدين وبين التقييد بموضع السجود تنافيًا إذ الحائل كالأسطوانة والجدار لا يتصور أن يكون بينه وبين موضوع سجوده، وكذا إذا صلى على الدكان ولعله معنى قوله: في موضع سجوده في موضع قريب من موضع سجوده كذا في (العناية)، وأجاب في (البحر) بأنه متصور كما إذا صلى قريبًا من الجدار بالإيماء للمرض بحيث لو لم يكن الجدار لكان موضعه موضع سجوده وأنت خبير بأن هذا إنما يحتاج إليه في تفسير الحائل بالجدار والأسطوانة وليس بلازم لجواز أن تكون ستارة ترتفع إذا سجد وتعود إذا قام كما قال ملا سعدي.
واعلم أن اعتبار موضع السجود هو مختار السرخسي ورجحه الشارح وغيره، والذي اختاره فخر الإسلام أنه لو كان بحيث لو صلى صلاة الخاشعين كان بصره في قيامه في موضع سجوده وفي ركوعه في موضع قدميه وفي سجوده إلى أرنبته وفي قعوده إلى حجره وفي سلامه إلى منكبه ولا يقع بصره على المار لا يكره وإلا كره قال التمرتاشي: وهو الأصح أيده في (النهاية) بما مر من الصلاة في الدكان إذ كراهة المرور ثابتة اتفاقًا حيث وقعت محاذاة الأعضاء وإن لم يكن في موضع السجود وانتصر في (البحر) لما في (الهداية) بأنه يلزم على ما اختاره فخر الإسلام أن الموضع الذي يكره المرور فيه يختلف وهو بعيد وقد ذكر في (الهداية) مسألة الدكان فلا نزد عليه.
وأقول: إنما أورد المشايخ مسألة الدكان على ما اختار السرخسي لا على صاحب (الهداية) ولذا قال في (فتح القدير) وغيره: فكانت مسألة الدكان نقضًا لما اختاره شمس الأئمة بخلاف ما اختاره فخر الإسلام فإنه ممشى في كل الصور غير منقوص ولا مانع من كون موضع المرور مختلفًا، ثم إطلاق (الكتاب) يفيد أنه لا فرق بين المسجد وغيره إلا أن في المسجد اختلافًا ففي (الخلاصة) لا ينبغي لأحد أن يمر بينه وبين حائط القبلة فيه لكن في (المحيط) وغيره الأصح أنه لو مر عن بعد لا يكره وفي (الذخيرة) إن كان صغيرًا يكره مطلقًا في ظاهر المذهب وإليه أشار في (الأصل) وإن كان كبيرًا فقيل: يكره أيضًا، وقيل: هو بمنزلة الصحراء والحاصل أن المرور بين يديه في الصغير مكروه مطلقًا وفي الكبير عن قرب لا عن بعد، وينبغي أن يكون القريب موضع السجود أو وقوع بصر المصلي عليه على ما مر كما في الصحراء
لا تفسد وإن أثم وكره عبثه بثوبه وبدنه
ــ
أو أسفل الدكان إن حاذى أعضاؤه أعضاء المصلي إلا إن كان بينهما قدر قامة الرجل وكذا السترة والسرير وكل مرتفع (لا تفسد) صلاته في هذه الوجوه كلها.
(وإن أثم) فاعل ذلك أعني الناظر والآكل والمار وبهذا يكون كلامه مستوفيًا للفساد والكراهة في الكل، وقصره الشارح وغيره على المار وأنت خبير فإنك قد علمت ثبوت الكراهة في الناظر والآكل بل قد مر عن الحلبي ما يفيد أنها فيه تحريمة ولا كلام في المار لقوله عليه الصلاة والسلام:(لو يعلم المار ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه) قال النواوى الراوي: ولا أدري قال أربعين عامًا أو شهرًا أو يومًا لكن أخرج البراز أربعين خريفًا وينبغي للمصلي في الصحراء أن يتخذ ستره إذا خاف المرور ويكره له تركها وينبغي أيضًا أن تكون مقدار ذراع في غلظ الإصبع وأن يغرزها إن أمكن وإلا وضعها على ما قيل: طولاً لا عرضًا والسنة أن يكون قريبًا منها وأن تكون على الجانب الأيمن وسترة الإمام سترة للقوم وفي إنابة الخط منابها عند فقدها روايتان والكثير على أنه لا ينوب وعلى أنه ينوب فقيل: يخط طولاً، وقيل: عرضًا. قال الإمام النووي: والأول هو المختار وله درؤه والأولى أن لا يفعل كما في (البدائع) والله الموفق.
(وكره عبثه بثوبه وبدنه) لما أخرجه القضاعي مرسلاً عن يحيى بن كثير عنه عليه الصلاة والسلام (أن الله كره لكم ثلاثًا العبث في الصلاة والرفث في الصوم ولضحك في المقابر) وقدمنا أن الكراهة المطلقة يراد بها التحريم غير أنه ذكر هنا ما يكره تنزيهًا أيضًا مما مرجعه خلاف الأولى قال الحلبي: وكثيرًا ما يطلقون الكراهة عليه وحينئذ فالفارق الدليل، والعبث كل عمل ليس فيه غرض صحيح فلو كان لنفع كسلت العرق عن وجهه والتراب عنه وعن ثوبه فلا بأس به كذا قالوا، وتعقبهم في (شرح المنية) بأنه إذا كان يكره رفع الثوب كيلا يتترب وأنه وقع الخلاف في أنه يكره مسح التراب عن جبهته في الصلاة وندب تتريب الوجه في الصلاة مطلقًا فضلاً عن الثوب فيكون نفض التراب عملاً مفيدًا أو أنه لا بأس به مطلقًا فيه نظر ظاهر.
وقلب الحصى إلا للسجود مرة وفرقعة الأصابع
ــ
وأما أنه لا بأس بسلت العرق في الصلاة فهو قول بعض المشائخ واختاره في (الخانية) وغيرها، وفي (منية المصلي) يكره أن يمسح عرقه أو التراب عن جبهته في أثناء صلاته أو في التشهد قبل السلام ووفق بينهما بأن المراد بالعرق الممسوح عرق لم تدع الحاجة إلى مسحه وبالكراهة التنزيهية وحينئذ فلا منافاة بينهما وبين قولهم لا بأس لأن تركه أولى، ويحمل فعله عليه الصلاة والسلام إن ثبت على الحاجة أو بيان الجواز قال في (النهاية): لما كان العبث بالثوب والبدن كليًا يشمل ما بعده حقيقة ورده في (العناية) بأن العبث في الثوب لا يشمل ما بعده من تقليب الحصى بل لأنه أكثر وقوعًا انتهى. وأنت خبير بأن هذا لا يخص تقليب الحصى إذ التحضر والإقعاء كذلك وأجاب في (البحر) بأن الشامل للتقليب وغيره العبث بالبدن وما قاله لا يتم إلا لو اقتصروا على العبث بالثوب وهذا ظاهر في أنه فهم أن الكلي ذكرهما وليس بالواقع بل ذكر كل منهما على ما يفصح عن ذلك وأن معنى كون العبث بالبدن شاملاً لسائر ما سيأتي هو أنه لا فرق بين كون البدن معبوثًا فيه أو آلة للعبث هذا وقول (الوقاية) وكره كل هيئة فيها ترك الخشوع أشمل لصدقها على كراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين قيده بالمصلي لأن عبث غيره إنما هو مكروه تنزيهًا فقط ومن ثم قال السروجي في قول (الهداية) ولأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك بالصلاة فيه نظر إذ العبث بثوبه أو بدنه خارجها خلاف الأولى.
(و) كره أيضًا (تقلب الحصى) عن مكان السجود (إلا للسجود مرة) لما في الكتب الستة عن معيقب/ أنه عليه الصلاة والسلام قال له: (لا تمسح الحصى وأنت تصلي فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة) ولأن فيه نوع عبث إلا أنه اغتفر إذا كان لا يمكنه السجود عليه لإصلاح صلاته كذا في (الهداية) أي: لا يمكنه السجود التام إذ لو أريد نفي الإمكان حقيقة لكان واجبًا، فيه إفادة أن التسوية بهذا الوصف أولى كذا في (البحر).
وأقول: ظاهر قوله: اغتفر يومئ إلا أنه رخصة وبه صرح في (البدائع) والأولى تركه وفي (النهاية) وغيرها أنه الأحب، قيده بالمرة لأن الزيادة عليها مكروهة في ظاهر الرواية وقيل يفعل مرتين كذا في (منية المصلي).
(و) كره أيضًا (فرقعة الأصابع) وهو غمزها أو مدها لتصوت للإجماع على
والتخصر والالتفات
ــ
كراهة ذلك فيها كذا في (الدراية) وكذا يكره تشبيكها كما في (المحيط) وغيره، وألحق في (المجتبى) منتظر الصلاة والماشي إليها بمن فيها والظاهر أنها تحريمية فيها للنهي عن ذلك وأما خارجها فقال الحلبي: لم أقف عليه لمشايخنا والظاهر أنها في غير هذين الموضعين لا لعبث ليست مكروهة ولو لإراحة الأصابع وإن لعبث كرهت تنزيهًا قال في (البحر): وينبغي أن يكون لغير حاجة مكروهًا تحريمًا لما مر عن (الهداية) وقد علمت أن ما في (الهداية) غير مسلم.
(و) يكره أيضًا (التخصر) لنهيه عليه الصلاة والسلام عن (الاختصار في الصلاة) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجة وفيه تأويلات أشهرها ما قاله ابن سيرين إنه وضع اليد على الخاصرة قال في (المغرب): وهي ما فوق الطفطفة والشراسيف وأراد بالأول: أطراف الخاصرة، وبالثاني: ما يشرف على البطن كذا في (النهاية).
وقد جاء مفسرًا هكذا عن ابن عمر قال في (السنن): وحكمته أنه في الصلاة راحة أهل النار، وقال ابن حبان: إنه فعل اليهود والنصارى في صلاتهم الذين هم أهل النار لا أن لهم راحة فيها وصرح في (المبسوط) بكراهته خارج الصلاة وينبغي أن تكون تحريمية فيها لا خارجها، وقيل: هو أن يتكئ على عصى في الصلاة وتسمى المخصرة كذا في (المجتبى) أي: في الفرض أما النفل فلا يكره فيه على الأصح كما في (المجتبى) وقيل: هو أن يختصر السورة فيقرأ منها آية أو آيتين ولا شك في كراهته لما أنه إخلال بالواجب وقيل: أن يحذف السجدة وسيأتي كراهته وكل هذه التأويلات ليس في اللفظ ما يمنع واحدًا منها إلا أن الأنسب هو الأول.
(و) كره أيضًا (الالتفات) وهو تحويل وجهه عن القبلة لخبر البخاري (أنه اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد) أطلقه تبعًا لعامة الكتب وقيده في (العناية) بعدم العذر أما للعذر فلا يكره وفي (منية المصلي) بما إذا عاد إلى الاستقبال من ساعته وجزم في (الخلاصة) و (الخانية) بأنه مفسد وأن المكروه إنما هو تحويل بعض الوجه فظاهر ما في (المنية) الفساد فيما إذا لم يعد من ساعته وعليه يحمل ما في (الخانية) كذا في (البحر) وفيه بحث ولا كلام أن تحويل الصدر مفسد
والإقعاء وافتراش ذراعيه ورد السلام بيده والتربع بلا عذر وعقص شعره
ــ
وقيده في (منية المصلي) بعدم العذر وكأنه يعني بالعذر ما إذا انحرف للوضوء من سبق الحدث على ما مر، ولو نظر بمؤخر عينه فقط لم يكره أي: تحريمًا والأولى تركه، ويكره أن يرفع بصره إلى السماء وأن يطأطئ رأسه وأن يتمايل يمنة أو يسرة كما في (السراج).
(و) كره أيضًا (الإقعاء) لنهيه عليه الصلاة والسلام (عن إقعاء الكلب) وفسره الطحاوي بأن يقعد على إليتيه وينصب فخذيه ويضم ركبتيه إلى صدره واضعًا يديه على الأرض، وقال الكرخي: بأن ينصب قدميه ويقعد على عقبيه ويضع يديه على الأرض والأصح الذي عليه العامة هو الأول أي: كون هذا هو المراد بالحديث إلا أن ما قاله الكرخي غير مكروه كذا في (الفتح). قال في (البحر): وينبغي أن تكون الكراهة تحريمة على الأول تنزيهية على الثاني وأقول: إنما كانت تنزيهية على الثاني بناء على أن هذا الفعل ليس بإقعاء وإنما الكراهة لترك الجلسة المسنونة كما علل في (البدائع) ولو فسر الإقعاء بقول الكرخي تعاكست الأحكام.
(و) يكره أيضًا (افتراش ذراعيه) أي: بسطهما في حالة السجود للنهي عن ذلك ولأن فيه إظهار التكاسل والتهاون بحاله مع ما فيه من التشبه بالكلاب. (و) يكره أيضًا (رد السلام) بعده لأنه ليس من أفعال الصلاة وقد سبق ما فيه. (و) يكره أيضًا (التربع بلا عذر) لأن فيه ترك سنة الجلوس مع منافاته للخشوع وهذا يفيد أنها تنزيهية وما قيل من أنه من أفعال الجبابرة رد بأنه عليه الصلاة والسلام (كان جل قعوده مع أصحابه في غير صلاته التربع) وكذا عمر، كذا في (الفتح). وعبارة العيني كان عليه الصلاة والسلام يتربع في جلوسه في بعض أحواله وعامة جلوس عمر في مسجده عليه الصلاة والسلام كان متربعًا ولا شك أن فعله عليه/ الصلاة والسلام مبرأ عن فعل الجبابرة ولو في الجملة.
(و) يكره أيضًا (عقص شعره) وهو جمعه على الرأس بشيء لئلا ينحل وقيل: هو لف ذوائبه حول رأسه كما يفعله النساء والكل مكروه لما في الكتب الستة من قوله عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم وأن لا أكف شعرًا ولا
وكف ثوبه وسدله
ــ
ثوبًا) وفي العقص كف، ومن المكروه أيضًا اعتجاره العمامة وهو لفها حول رأسه وإبداء الهامة كما يفعله كذا في (الظهيرية).
وقيل: هو أن يكرر عمامته ويترك وسط رأسه مكشوفًا كهيئة الأشرار وقيل: هو أن يتنقب بعمامته فيغطي أنفيه لأنه عليه الصلاة والسلام (نهى عن الاعتجار) كذا في (المحيط). وأقرب الأقوال هو الأول كما في (المغرب) أي: كون هذا هو المراد بالحديث لا أن غيره غير مكروه فقد صرح في (المحيط) بكراهة تغطية الأنف في الصلاة لنهي ابن عباس عنه ولا يبعد القول بالكراهة أيضًا على الثاني.
(و) يكره أيضًا (كف ثوبه) لما رويناه وهو رفعه بين يديه أو من خلفه إذا أراد السجود وفي (المغرب) عن بعضهم أن منه الاتزار فوق القميص وعليه فيكره أن يصلي مشدود الوسط وبه صرح في (العناية) معللاً بأنه صنيع أهل الكتاب وفي (الخلاصة) بعدمها قال في (الفتح): ويدخل فيه تشمير الكمين وقيده في (الخلاصة) وغيرها بأن يكون إلى المرفقين إلا أن الظاهر هو الإطلاق وفي (البحر) رأيت في بعض الفتاوى ولا يحضرني تعيينها أنه إن كان للصلاة كره لا إن عمله لعمل ثم حضرته الصلاة وأقول: المذكور في (القنية) و (الخانية) أنه لو شمر كميه لعمل كان يعمله قبل الصلاة اختلفوا في الكراهة وهو ظاهر في الكراهة فيما لو شمر لها.
(و) يكره أيضًا (سدله) أي: المصلي لما صرح الحاكم أنه عليه الصلاة والسلام (نهى عنه) ويقال: سدل ثوبه سدلاً من باب ضرب أرسله من غير أن يضم جانبيه وأسدل خطأ قال في (الهداية): وهو أن يجعل ثوبه على رأسه وكتفيه ويرسل أطرافه من جوانبه وفي (فتح القدير) هذا يصدق على أن يكون المنديل مرسلاً بين كتفيه كما يفعله كثير فينبغي له أن يضعه عند الصلاة ويصدق أيضًا على لبس العبا من غير إدخاله اليدين فيه وقد صرح بالكراهة فيه انتهى. وهذا يومئ إلى أن الواو في التعريف بمعنى أو وذكر في (البدائع) هذا التعريف عن الكرخي بأو غير أنه زاد بعد قوله ويرسل أطرافه إذا لم يكن عليه سراويل، وعن الإمام يكره السدل على القميص والإزار
والتثاؤب وتغميض عينيه وقيام الإمام
ــ
لأنه صنيع أهل الكتاب فإن كان سدله بدون السراويل فكراهته لاحتمال كشف العورة عند الركوع وإن كان مع الإزار فكراهته للتشبيه بأهل الكتاب انتهى. بقي أن قوله في (الفتح): فينبغي له أن يضعه لا يتعين لأنه لو خالف بين طرفيه خرج عنها وأما الكراهة في لبس العبا من غير إدخال اليدين فعلى أحد القولين قال في (الخلاصة) والمختار عدمها ثم ظاهر كلامهم أنه لا فرق بين الثوب محفوظًا من الوقوع أو لا وعليه فيكره الطيلسان الذي يجعل على الرأس كما في (شرح الوقاية) ولا كراهة في البرنس لأنه مخيط واختلف في كراهة السدل خارجها والأصح أنه لا يكره كما في كراهة (القنية) أي: تحريمًا وإلا فمقتضى ما مر أنه يكره تنزيهًا قال الحلبي: هذا كله مع عدم العذر ولا كراهة مع العذر، ويكره اشتمال الصماء وهو أن يلف بثوب واحد رأسه وسائر بدنه فلا يدع منفذًا ليده وهل يشترط عدم الإزار مع ذلك عن محمد نعم وعن غيره لا وستر المنكبين فيها مندوب يكره تنزيهًا انتهى ويكره تغطية القدمين في السجود كما في (الخلاصة).
(و) يكره أيضًا (التثاؤب) بالهمز لحديث الصحيحين (التثاؤب من الشيطان وإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع) ولذا يندب حبسه ما استطاع فإن لم يقدر وضع يده أو كمه على فيه كذا في (الشرح) لكن في (الخلاصة) إن أمكنه أن يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو كمه يكره كذا عن الإمام ووجهه أن التغطية مكروهة إلا لضرورة وهي منتفية، ثم المذكور في (مختارات النوازل) أن يضع ظهر يده قال الحلبي: وهل يفعل ذلك باليمنى أو اليسرى لم أقف عليه، وأفاد في (البحر) عن (المجتبى) أنه يغطي في القيام باليمنى وفي غيره باليسرى والذي رأيته أنه يغطي باليمنى وقيل: إن كان في القيام وإن كان في غيره فباليسرى.
(و) كره أيضًا (تغميض عينيه) ولو في السجود كما هو ظاهر الإطلاق للنهي عن ذلك، كما رواه عدي إلا إذا رأى ما يمنع خشوعه فلا يكره (و) يكره أيضًا (قيام الإمام)
لا سجوده في الطاق وانفراد الإمام على الدكان وعكسه، ولبس ثوب فيه تصاوير،
ــ
في الطاق أي: المحراب (لا) يكره (سجوده في الطاق) والفرق أن في الأول تشبيهًا بأهل الكتاب بخلاف الثاني. وقيل/: لاشتباه حاله على أهل اليمين واليسار وعليه فلا يكره إذا لم يشتبه قال السرخسي: والأول أوجه لأنه المناسب لإطلاق (الكتاب) لكن لا يخفى أن امتياز الإمام بالمكان مطلوب شرعًا حتى كان التقدم واجبًا عليه وغاية ما هنا كونه في خصوص مكان ولا أثر له لأنه يحاذي وسط الصف وهو المطلوب إذ قيامه في غير محاذاته مكروه وغايته اتفاق الملتين في بعض الأحكام ولا بدع فيه على أن أهل الكتاب إنما يخصون الإمام بالمكان المرتفع على ما قيل فلا يشتبه كذا في (الفتح) وأجاب في (البحر) بأن الامتياز المطلوب حاصل بتقدمه من غير أن يقف في مكان آخر فمتى أمكن تمييزه بلا تشبيه كره له خلافه ومن ثم قال في (التجنيس) وغيره: لو ضاق المسجد بمن خلفه لا بأس بقيامه في الطاق.
(و) كره أيضًا (انفراد الإمام على الدكان) للتشبيه أيضًا وأراد بها المكان المرتفع قدر ذراع وقيل: ما يقع به الامتياز وهو الأوجه كما في الفتح. (و) كره أيضًا (عكسه) وهو انفراد على الدكان لما فيه من الازدراء بالإمام وهذا هو ظاهر الرواية وروى الطحاوي عدمها لانتفاء التشبيه قال في (الخانية): وعليه عامة المشايخ، ولا خلاف في عدم الكراهة مع الحاجة كما في الجمعة والعيدين يعني لعذر الزحمة وعن الإمام أن منها إرادة تبليغ انتقالات الإمام عند اتساع المكان وكثرة المصلين وإرادة تعليم المأمومين أعمال الصلاة قاله الحلبي.
(و) كره أيضًا (لبس ثوب فيه تصاوير) لأنه يشبه حامل الصنم والصورة عام في ذي الروح وغيره والتمثال خاص بذي الروح وتمثال الشجر مجاز إن صح كذا في (المغرب) والمراد ذو الروح لعدم الكراهة في غيره عملاً بقول ابن عباس (إن كنت ولابد فاعلاً فعليك بتمثال غير ذي روح) وفيه إيماء إلى أن تمثال ذي الروح ممنوع ومن ثم قال في (الخلاصة) ويكره التصاوير على الثوب صلى أم لم يصل ولولا أن الباب معقود لما يكره في الصلاة لأمكن إجراء كلامه على عمومه أعني سواء أكان في الصلاة أو خارجها، وفي (المحيط) صلى بالناس وفي يده تصاوير لا يكره إمامته لأنه مستورة بالثياب فصار كصورة في نقش خاتم وهو غير مستبين وهذا يفيد تقييد الإطلاق بما إذا كان الثوب مكشوفًا قال في (البحر): ويفيد أيضًا عدم الكراهة مع
وأن يكون فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه صورة إلا أن تكون صغيرة
ــ
صورة فيها دنانير عليها صور صغار لاستتارها وغير خاف أن عدم الكراهة في الصغار غني عن التعليل بالاستتار بل مقتضاه ثبوتها إذا كانت منكشفة وسيأتي أنها لا تكره الصلاة لكن تكره كراهة تنزيه جعل الصورة في البيت لخبر (أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة).
(و) كذا يكره (أن يكون فوق رأسه) في السقف (أو بين يديه أو بحذائه) يمنة أو يسرة (صورة) قيد بذلك لأنها لو كانت خلفه أو تحت رجليه لا يكره الصلاة لكن تكره كراهة جعل الصورة في البيت لخبر (أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة) كذا في (شرح عتاب) لكنه مخالف لقولهم: أشدها كراهة أن تكون أمام المصلي ثم فوق رأسه ثم بحذائه ثم خلفه ومقتضى كراهتها مطلقًا على بساط مفروش وسيأتي أنه إذا لم يسجد عليها لم يكره وحقق في (فتح القدير) ثبوتها في التي خلفه باعتبار المكان كالصلاة في الحمام أم التي تحت قدمه فلا يكره جعلها في المكان ليتعدى إلى الصلاة وخبر جبريل بخصوص ذلك لما أخرجه ابن حبان: (استأذن جبريل في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم فأذنه فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير فإن كنت لابد فاعلاً فاقطع رأسها أو اقطعها أو اجعلها بسطًا) انتهى.
وجعل في (المحيط) عدم الكراهة في التي خلفه رواية (الأصل) وفي (الجامع الصغير) وصرح بالكراهة وفي (العناية) أنه تنزيه المكان عما يمنع دخول الملائكة مستحب وفيه تنبيه على أن الكراهة باعتباره تنزيهية ثم قيل: المراد بالملائكة غير الحفظة إذ الحفظة لا يفارقون الإنسان إلا عند الجماع والخلاء كذا في (البخاري) وينبغي أن يراد بالحفظة ما مر أعم من الكرام الكاتبين والذين يحفظونه من الجن هذا واختلف المحدثون في امتناعهم بما على الدنانير فنفاه عياض وأثبته النووي والمراد ملائكة الرحمة (إلا أن تكون صغيرة) لا تبدو للناظرين على بعد لأنها لا تعبد عادة في هذه الحالة والكراهة باعتبارها وفي كراهية (الخلاصة) صلى ومعه دراهم فيها تماثيل
أو مقطوعة الرأس، أو لغير ذي روح، وعد الآي والتسبيح، لا قتل الحية والعقرب
ــ
ملك لا بأس بها لصغرها (أو) تكون الصورة (مقطوعة الرأس) أي: ممحوة إما بنحت أو بخيط خيط على جميعه حتى لو لم يبق لها أثرًا أو يصلي بمفرده ونحوها لأنها لا تعبد عادة في هذه الحالة، ومحو وجه الرأس كمحو الرأس/ كذا في (الخلاصة) بخلاف ما إذا قطعها بخيط من الحلقوم حيث لا تنتفي الكراهة لأن من الطيور ما هو مطوق قيد بالرأس لأن قطع الحاجبين أو العينين أو اليدين أو الرجلين لا يعدمها.
(أو) تكون الصورة (لغير ذي روح) لما مر عن ابن عباس ولا فرق في الشجر بين المثمر وغيره في قول (الكافي) خلافًا لمجاهد وجوز في (الخلاصة) لمن رأى صورة في بيت غيره أن يزيلها ويجب عليه، ولو استأجر مصورًا فلا أجر له لأن عمله معصية كذا عن محمد ولو هدم بيتًا فيه تصاوير ضمن قيمته خاليًا عنها.
(و) كره أيضًا (عد الآي) جمع آية (و) عد (التسبيح) في الصلاة باليد فرضًا كانت أو نفلاً باتفاق أصحابنا في ظاهر الرواية لأن ذلك ليس من أفعال الصلاة وعن الصاحبين في غير ظاهر الرواية عنهما لأنه لا بأس به وقيل: الخلاف في الفرائض ولا كراهة في النوافل اتفاقًا. وقيل: في النوافل ولا خلاف في الكراهة في الفرائض وصرح ابن أمير حاج بأن كراهة العد تنزيهية قال في (البحر): ظاهر قوله في (النهاية) الصحيح أنها لا تباح أصلاً يفيد أنها تحريمية.
وأقول: فيه نظر إذ المكروه تنزيهًا غير مباح أي: غير مستوي الطرفين، قيدنا العد باليد لأنه لو أحصى بقلبه أو غمز بأنامله فلا كراهة اتفاقًا وعليه يحمل ما جاء من صلاة التسبيح، ولو لم يمكنه ذلك وكان مضطرًا قال فخر الإسلام: يعمل بقولهما ولو عد بلسانه فسدت صلاته اتفاقًا وقيد بالآي لأن عد الناسي مكروه اتفاقًا وبالصلاة لأن العمد خارجها لا كراهة فيه في ظاهر الرواية وهو الأصح وكرهه بعضهم.
(لا) يكره (قتل الحية والعقرب) لخبر الشيخين (اقتلوا الأسودين في الصلاة الحية والعقرب) وأدنى مراتب الأمر الإباحة وهذا الإطلاق قيده في (النهاية) بما إذا مرت بين يديه وخاف الأذى وإلا فيكره، أطلق في الحية فعم سائر أنواعها وهو الأصح غير أن الأولى هو الإمساك عما فيه علامة الجان لا للحرمة بل لدفع الأذى وقيل: ينذرها بقول خلى طريق المسلمين وارجعي بإذن الله تعالى وما إذا كان القتل بعمل كثير قال السرخسي: وهو الأظهر لأنه عمل رخص للمصلي فصار كالمشي بعد الحدث والاستقاء
والصلاة إلى ظهر قاعد يتحدث وإلى مصحف أو سيف معلق أو شمع أو سراج
ــ
من البئر، ورده في (النهاية) بأنه مخالف لما عليه عامة رواية شروح (الجامع الصغير) و (مبسوط) شيخ الإسلام من أن الكثير لا يباح قال في (الفتح): وهو الحق فيما يظهر إذ الأمر بالقتل لا يستلزم بقاء الصحة على نهج ما قالوه في صلاة الخوف من الفساد في القتال فيها ثم لا إثم عليه، والتنظير بالاستقاء ممنوع لما مر من أنه مفسد ودعوى أنه لا تفصيل في الرخصة يستلزم مثله في علاج الماء إذا كثر فإنه أيضًا مأمور بالنص مع أنه مفسد فما هو جوابه عنه فهو جوابنا في قتل الحية انتهى. قال الحلبي: ويندب قتل العقرب بالنعل اليسرى إن أمكن كذا أخرجه أبو داود ولا بأس بقياس الحية عليها قيد بالحية والعقرب لأن قتل القمل والبرغوث مكروه عند الإمام فتدفن وقال محمد: القتل أحب إلي وأي ذلك فعل لا بأس به، وكره الثاني كلاهما فيها كذا في (الظهيرية) قال الحلبي: ولعل الإمام إنما يختار الدفن لما فيه من التنزه عن إصابة دمها ليد القاتل وثوبه وإن عفي عنه عنده، هذا إذا تعرضت له بالأذى فإن لم تتعرض له كره الأخذ فضلاً عن غيره وهذا كله خارج المسجد أما في المسجد فلا بأس بالقتل بالشرط المذكور ولا يطرحها فيه بطريق الدفن ولا غيره إلا إذا غلب على ظنه أنه يظفر بها بعد الفراغ منها.
(و) بهذا التفصيل يحصل الجمع بين ما سبق عن الإمام أنه يدفنها في (الصلاة) وبين ما عنه أنه لو دفنها في المسجد أساء (و) لا يكره أيضًا (إلى ظهر) شخص (قاعد يتحدث) بعيدًا كان أو قريبًا وما عن ابن عباس (نهينا أن نصلي إلى النيام والمتحدثين) فمحمول في الأول على ما إذا خاف ظهور ما يضحكه من النائم أو يخجله إذا انتبه، وفي الثاني ما إذا رفعوا أصواتهم وخشي المصلي أن يزل في القراءة أو شغل البال وفي قوله: يتحدث إيماء إلى أنه لا كراهة لو لم يتحدث بالأولى، قيد بالظهر لأنها إلى الوجه مكروهة اتفاقًا، ولذا قال في (الذخيرة): يكره للإمام أن يستقبل المصلي وإن كان بينهما صفوف في ظاهر المذهب يعني إذا فرغ من صلاته للزوم الصلاة إلى وجهه وبه علم أن الاستقبال إن كان من المصلي فالكراهة عليه وإلا فعلى المستقبل قال الحلبي: وصرحوا بأنه لو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره كأنه/ للفاصل وقياسه أنه لو صلى إلى وجه إنسان هو على مكان عال ينظره إذا قام لا إذا قعد لا يكره ولم أره لهم.
(و) كذا لا تكره الصلاة (إلى مصحف أو سيف معلق) موضوع بين يديه لأنهما لا يعبدان (أو شمع) بفتح الميم على الأوجه والسكون ضعيف مع أنه المستعمل قاله ابن قتيبة (أو سراج) هذا هو المختار كما في (غاية البيان). وقيل: يكره كما لو كان بين يديه جمر أو نار توقد التمرتاشي: وهو الأصح لأنهما لا يعبدهما أحد وفي