الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الشهيد
هو من قتله أهل الحرب، أو البغي، أو قطاع الطريق، أو وجد في معركة وبه أثر، أو قتله مسلم ظلماً، ولم تجب به دية
ــ
باب صلاة الشهيد
أخرجه من صلاة الجنازة مبوباً له مع أن المقتول ميت بأجله لاختصاصه بالفضيلة التي ليست لغيره، وهو فعيل إما بمعنى فاعل لشهوده، أي حضوره حياً يرزق عند ربه على المعنى الذي يصح أو لأن عليه شاهداً يشهد له وهو دمه وجرحه وشجه، أو لأن روحه شهدت دار الإسلام وروح غيره لا تشهدها إلا يوم القيامة أو لقيامه بشهادة الحق حتى قتل أو لأنه يشهد عند خروج روحه ما له من الثواب، أو بمعنى مفعول لما أنه مشهود له بالجنة، أو لأن الملائكة تشهده إكراماً له.
(هو) أي: الشهيد في العرف ما ذكر وهو تعريف له باعتبار الحكم الآتي، أعني: عدم تغسيله ونزع ثيابه لا لمطلقه لأنه أعم من ذلك لما جاء أن الغريق، والحريق، والمبطون ونحوهم شهداء، ثم هو على قول الكل بناء على ما اختار بعضهم من أن المختلف فيه من الأحكام والأوصاف يجتنب في الحد من أي شخص مسلم، ولو أريد تعريفه على مذهب الإمام خاصة فسر (من) بمسلم مكلف ظاهر، (قتله أهل الحرب والبغي).
وقوله: (وقطاع الطريق) بالرفع عطف على أهل لا بالجر لفساد المعنى حينئذ. وأهل قطاع الطريق مع أن القطاع جمع قاطع ففيه إضافة الشيء إلى نفسه ولا فرق بين كون القتل مباشرة أو تسبباً، كما لو نفروا دابة مسلم فرمته ولا بين كون القاتل ذاباً عن نفسه أو ماله أو أهله أو عن واحد من المسلمين، أو من أهل الذمة كما في (الخلاصة)، وأحتزر به عما لو رمى العود فأصاب نفسه فمات حيث يغسل، لأنها لم يقتل بفعله مضاف إلى العدو كما في (التجنيس)، قال يعقوب باشا: وأما قتل أهل البغي بعضهم بعضاً وكذا قطاع الطريق فلا يبعد أن يعد المقتول منهم شهيداً انتهى، ولا خفاء أن إطلاق المصنف يفيده، (ووجد في المعركة) وهي موضع القتال، أي: وجد ميتاً (وبه أثر) دال على قتله كسيلان الدم من عينيه أو أذنه بخلاف من أنفه أو ذكره أو دبره قيد بذلك لأنه لو وجد مقتولاً بين عسكر المسلمين بعد القتال ولم يكن به أثر لا يكون شهيداً، (أو قتله مسلم) أو ذمي ظلماً، أي: بغير حق (ولم تجب) بقتله أي بنفس قتله (دية) بل قصاص حتى ولو وجبت بعارض كالصلح أو قتل الأب
فيكفن، ويصلى عليه بلا غسل ويدفن بدمه وثيابه إلا ما ليس من الكفن، ويزاد وينقص،
ــ
ابنه لا تسقط الشهادة قيد بالظلم لأنه لو قتل بحد أو قصاص أو عداء على القوم فقتلوه لا يكون شهيداً، وبعدم وجوب الدية بنفس القتل لا من قتل خطأ أو وجد مذبوحاً ولم يعلم قاتله لا يكون شهيداً، وإنما لم يكن القصاص مانعاً لأنه للميت من وجه وللوارث من آخر وللمصلحة العامة فلم يكن عوضاً مطلقاً، فإن قلت هلا استغنى بقوله: أو قتله مسلم ظلماً عن أهل البغي وقطاع الطريق كما فعل صاحب (المجمع) قلت: للفرق بينهما وذلك أن أهل البغي وقطاع الطريق لا يشترط في/ قتلهم أن يكون بما يوجب القصاص بل بأي وجه قتل فإنه يكون شهيداً إلحاقاً للقتال معهم بقتال أهل الحرب بجامع الأمر في كل بخلاف قتل غيرهم حيث يشترط فيه ذلك كذا في (البحر).
وأقول: فيه نظر إذا لو قالوا هو من قتل ظلماً ولم يجب بقتله دية لا مستفيد ما ذكره مع كمال الاختصار، وأما من قتل مدافعاً عن نفسه فكونه شهيداً مع قتله بغير المحدد مشكل جداً لوجوب الدية بقتله فتدبره ممعناً النظر فيه، وبقي من قتل مدافعاً عن نفسه أو ماله أو المسلمين أو أهل الذمة فإن المقتول يكون شهيداً بأي آلة قتل من غير أن يكون القاتل واحداً من الثلاثة كما في (المحيط) عاطفاً له عليها، أو جاعلاً إياه سبباً رابعاً يتظر في (المحيط)(فيكفن ويصلى عليه) لأنه صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد، والشهيد وإن طهر عنه الذنوب إلا أنا لظاهر عنها لا يستغني عن الدعاء كالنبي والصبي كذا في (الهداية). قال في (الفتح): ولو اقتصر على النبي لكان أولى لأن الدعاء في الصلاة على الصبي لأبويه، قال في (الحواشي السعدية): وفيه بحث.
وأقول: لعل وجهه مع كون الدعاء لأبويه فقط بل له أيضاً بكونه فرطاً وما في (البحر) من كلام (الهداية) في نفس الصلاة لا في المدعو له فممنوع، ولو اختلط قتلى المسلمين بقتلى الكفار لم يصل عليهم إلا أن يكون موتى المسلمين أكثر فيصلى عليهم، وينوي بالدعاء أهل الإسلام (ويدفن بدمه وثيابه) بذلك أمر عليه الصلاة والسلام في شهداء أحد، ويكره أن ينزع عنه ثيابه وأن يجدد له الكفن (إلا ما ليس) من جنس (الكفن) كالفرو والحشو والسلاح والقلنسوة والخف، وقد سبق ما فيه (ويزاد) على ما عليه من الثياب إن لم يبلغ كفن السنة وينقص) منها إن كانت
ويغسل إن قتل جنباً أو صبياً، أ، ارتث بأن أكل، أو شرب، أو نام أو تداوى، أو مضى وقت صلاة وهو يعقل، أو نقل من المعركة حياً،
ــ
زائدة هذا ما عليه جمهور الشارحين، وفي (المعراج): بهذا استدل المشايخ على جواز الزيادة في الكفن على الثلاثة انتهى، وهذا يفيد أن المراد يزاد على الثلاث وقد مرعن (الغاية)(ويغسل) من قتله أهل الحرب (إن قتل) حال كونه (جنباً) أو حائضاً بعد الانقطاع أو قبله في الأصح بشرط أن يستمر ثلاثة أيام أو تسعاً، (أو) قتل حال كونه (صبياً) أو مجنوناً عند الإمام، وقالا: لا يغسلون لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت والصبي أحق بهذه الكرامة وله أن الشهادة عرفت مانعة لا واقعة، والسيف أغنى عن الغسل لكونه طهرة ولا ذنب للصبي ولا للمجنون وهذا يقتضي أن يقيد المجنون بمن بلغ كذلك أما من طرأ الجنون عليه بعد بلوغه فلا خفاء في احتياجه إلى ما يطهر ما مضي من ذنوبه إلا أن يقال: إنه إذا استمر مجنوناً حتى مات لم يؤاخذ بما مضى لعدم قدرته على التوبة كذا في (البحر)، ولا يخفى أن هذا مسلم فيما إذا جن عقب المعصية أما لو مضى بعدها زن يقدر فيه على التوبة فلم يفعل كان تحت المشيئة.
(أو ارتث) بالبناء للمفعول، أي: حمل من المعركة رثيثاً، أي: جريحاً وفي (النهاية) الرث البالي الخلق، أي صار خلقاً في الشهادة، ومعناه الشرعي ما أفاده بقوله:(بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى) قليلاً كان أو كثيراً، وكذا لو باع أو ابتاع (أو مضى) عليه (وقت صلاة وهو) أي: والحال أنه (يعقل) ويقدر على أدائها حتى يجب عليه القضاء كذا قيده الشارح، قال في (الفتح): والله أعلم بصحته وفيه إفادة أنه إذا لم يقدر على الأداء لا يجب القضاء، فإن أراد لم يقدر للضعف مع حضور العقل فكونه يسقط به القضاء قول طائفة والمختار هو ظاهر كلامه في المريض أنه لا يقسط، وإن أراد لغيبة العقل فالمغمى عليه يقضي ما لم يزد على يوم وليلة فمتى سقط القضاء مطلقاً لعدم قدرة الأداء في الحرج انتهى.
وقد يقال أراد الأول وكون عدم القدرة للضعف لا يسقط القضاء هو فيما إذا قدر بعده أما إذا مات على حاله فلا إثم لعدم القدرة عليها بالإيماء قيد بكونه يعقل لأنه لو كان لا يعقل كان شهيداً (أو نقل من المعركة) سواء استقر في مكان أو لا، بأن مات على أيدي الرجال إلا إذا كان لخوف وطء الدواب له باد لأنه ما نال شيئاً من الراحة كذا في (الهداية)،ومنعه في (غاية البيان) وقرر في (البدائع) أن النقل يوجب ضعفاً وحدوث ألم، فيكون مشاركاً للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بها يقيناً فلا يسقط الغسل بالشك، وهذا يفيد أن كونه مرتثاً ليس للجراحة ولا بد منه.
أو أوصى أو قتل في المصر، ولم يعلم أنه قتل بحديدة ظلماً
ــ
وعلم منه أنه انتقل بنفسه كان مرتثاً بالأولى لكن لا بد في وضع المسألة من أن يعقل فلو أخره لكان أقعد، (أو أوصى) يعني بأمور الدنيا، أما بالأخرى فلا يكون مرتثاً إجماعاً؛ لأنه في الأول نال بعض مرافق الحياة فصار خلقاً في حكم الشهادة أعني عدم تغسيله لا في نفسها هذا كله إذا وضعت/ الحرب أوزارها فإن لم تضع لا يكون مرتثاً بشيء مما ذكر، (أو قتل في المصر قيد) به؛ لأنه لو قتل في المفازة التي ليست بقربها عمران كان شهيداً لوجوب القتل بحكم قطاع الطريق إلا أنه يرد عليه القرية وما في (البحر) أراد به العمران، وما يقربه مصراً كان أو قرية ففيه نظر على أنه لا بد أن يقيد بموضع تجب فيه القسامة والديه كما قيده بعضهم ليخرج المسجد الجامع.
(ولم يعلم) أي: والحال أنه لم يعلم (أنه) أي: المقتول (قتل) بحديدة يعني بما يوجب القصاص قتلاً ظلماً قيد بذلك لأنه لو وجد مذبوحاً في المصر كان شهيداً فقوله: ظلماً داخل تحت النفي أي: لم يعلم أنه قتل مظلوماً (بحديدة) فكان فيه شأن عدم العلم بكونه قتل بحديدة ثانيهما عدم العلم بكونه مظلوماً بأن لم يعلم قاتله لأنه إذا لم يعلم قاتله لم يتحقق كونه مظلوماً.
وأما إذا علم قاتله فقد تحقق كونه مظلوماً واعلم أن عبارة (الهداية) من وجد قتيلاً في المصر غسل لأن الواجب فيه القسامة والدية فحق أثر الظلم إلا إذا علم أنه قتل بحديدة (ظلماً) لأن الواجب فيه القصاص قال صدر الشريعة: أقول: هذه الرواية مخالفة لما ذكره في (الذخيرة).
لأن رواية (الهداية) فيما لم يعلم قاتله لأنه علل بوجوب القسامة ولا قسامة إلا إذا لم يعلم قاتلة ففي صورة عدم العلم بالقاتل إذا علم أن القتل بالحديدة، ففي رواية (الهداية): لا يغسل لأن نفس هذا القتل أوجب القصاص وأما وجوب الدية والقسامة فلعارض العجز عن إقامة القصاص فلا يخرجه هذا العارض عن أن يكون شهيداً وأما على رواية (الذخيرة) فيغسل.
وعبارة (الذخيرة) وإن حصل القتل بحديدة فإن لم يعلم قاتلة تجب الدية والقسامة على أهل المحلة فيغسل وإن علم قاتلة لم يغسل عندنا ففي (الذخيرة) لم يقيد نفس القاتل بوجوب الدية وإن كان بالعارض أخرجه عن الشهادة ورده منلا خسروا بأن الشارحين (للهداية) صرحوا بأن قوله إلا إذا علم أنه قتل بحديدة ظلماً محمول على ما إذا علم قاتله وفي قوله لأن الواجب فيه القصاص إشارة إليه إذ لا
أو قتل بحد، أو قصاص لا لبغي وقطع طريق.
ــ
قصاص يجب إلا على القاتل المعلوم انتهى. قال ابن الكمال: وغاية ما لزم من ذلك أن يكون الاستثناء منقطعاً ولا بأس به لا يقال: يوجب القتل بحديدة القصاص ووجوب المال إذا لم يعلم القاتل سبب للعارض وهو الجهل به فينبغي أن يكون الحكم فيه كالأب إذا قتل ولده بحديدة ظلماً لأنا نقول ليس القصاص موجب القتل بحديدة بل لا بد أن يكون القتل ظلماً وذلك غير ثابت في الصورة المذكورة فلا مخالفة بين رواية (الهداية)(والذخيرة) والله الموفق.
وفي (البدائع):لو قتله اللصوص ليلاً في المصر بسلاح أو غيره كان شهيداً وهذه ترد على المصنف والجواب أنهم ألحقوا بقطاع الطريق كما في (غاية البيان) وبهذا التقرير علم أنه لا قسامة ولا دية فيمن قتله اللصوص في بيته في المصر لأنها فيما إذا لم يعلم القاتل وقد علم هنا كونه من اللصوص غاية الأمر أن عينه لم تعلم فليحفظ.
(أو قتل بحد) أي: بسبب حد الزنا أو قود أي: قصاص لأنه لم يقتل ظلماً وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام غسل ماعزاً (لا) يغسل من قتل (لبغي) أي: خروج عن طاعة الإمام الحق ولا لأجل (قطع الطريق) إهانة لهما وأفاد أنه لا يصلى عليهما أيضاً قيل: هذا إذا قتلا حالة المحاربة أما لو قتلا بعد ثبوت الأمان عليهما غسلا قال الشارح وهذا التفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ لأنه في هذه الحالة حد (أو قصاص) وفيه يغسلان والعصبية كالبغاة ومن هذا النوع الخناق وقاتل أحد أبويه.
وأما قاتل نفسه فقيل يغسل عندهما وهو الأصح وبه يفتى خلافاً للثاني وجعل في (غابة البيان) قوله الثاني أصح وأيده في (فتح القدير) بما في (مسلم) أنه عليه الصلاة والسلام (أتي له برجل قتل نفسه بمشاقص ولم يصل عليه) وصرح في (الخانية) قبيل كتاب الوقف بأن قاتل نفسه أعظم وزراً وإثماً من قاتل غيره فظاهر أنه لو قتل نفسه خطاً غسل وصلي عليه اتفاقاً والله الموفق للصواب.