الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الجنائز
ولي المحتضر القبلة على يمينه، ولقن الشهادة،
ــ
باب صلاة الجنائز
لاشك أنها صلاة في وجه لا مطلقة، ثم هي متعلقة بعارض، هو آخر ما يعرض للحي في دار التكليف، وكل منهما لا يستقل بمناسبة تأخيرها عن كل الصلوات، فكيف وقد اجتمعتا، إلا أن هذا يقتضي ذكر الصلاة في الكعبة قبلها، لكنه أخرها ليكون ختم كتاب الصلاة بما يتبرك به حالاً ومكانًا، وهي بفتح الجيم لا غير، جمع جنازة، بالفتح للميت، وبالكسر للسرير، وقيل: لغتان، وسيأتي بينا ركنها وصفتها وشرائطها، ثم قيل: الموت صفة وجودية خلقت ضدًا للحياة، وقيل: هو عدم الحياة عما في شانه الحياة، كذا في (التلويح) (ولي) أي: وجه (المحتضر) وهو من قرب من الموت، وعلاماته لا تخفى (القبلة على يمينه) أي: على جنبه الأيمن بيان للسنة، والمختار ببلادنا الاستلقاء، لأنه أيسر لطلوع الروح/ كذا قالوا: ولا يعلم إلا نقلاً نعم هذا أيسر لتغميضه وشد لحيته وأمنع من تقويس أعضائه وينبغي أن يرفع رأسه قليلاً ليكون وجهه إلى القبلة، قال في (المبتغى): والأصح أن يوضع كيف تيسر هذا إذا لم يشق عليه وإن شق ترك على حاله والمرجوم لا يوجه كذا في (المعراج)، (ولقن) كلمة (الشهادة) عبارته في (التحفة) وغيرها الشهادتين وهو أصح لأن الأولى لا تقبل بدون الثانية إلا أن يقال: الشهادة المتعارفة ما يدل على التوحيد كذا في (الدراية)، ولو قدر مضافًا إلى كلمة الشهادة لاستغنى عن هذا لقوله عليه السلام:(لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله).
والمراد من قرب من الموت ويلقن عند النزع قبل الغرغرة ويندب أن يكون الملقن غير متهم بالمسرة بموته وأن يكون ممن يعتقد فيه الخير ونقل الحدادي اختلاف المشايخ في وقت السؤال فقيل بعد الدفن ونسب إلى أبي بكر الأعمش وقيل: في بيته تنطبق عليه الأرض كالقبر وقال أبو جعفر البلخي: قيل: في التابوت والأول أشهر انتهي. أقول: وينبغي أن يخرج ما في ظاهر الرواية من أنه لا يفعل إذ لا فائدة له في القبر بعد ذلك ومن نفاه على الأول أثبت الفائدة وإذا فعل ذلك بعد الدفن
فإن مات شد لحياه، وغمض عيناه، ووضع على سرير
ــ
كما هو المتعارف فكيفيته أن يقول: يا فلان يا ابن فلان اذكر ما كنت عليه فقل: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا.
قيل: يا رسول الله فإن لم يعرف اسمه قال: ينسب إلى حوى كذا في (الحواشي)، ومن لم يسأل ينبغي أن لا يلقن وقد اختلف في الصبي فجزم المصنف في (العمدة) بأنه يسأل والأصح أنه لا يسأل وكذلك النبي وخص ذلك في (المسايرة) لابن الهمام بأطفال المؤمنين فقال: الأصح أن الأنبياء لا يسألون ولا أطفال المؤمنين واختلف في أطفال المشركين ودخولهم الجنة أو النار.
فرعان: الأول: يكره تمني الموت لضر نزل به للنهي عن ذلك (فإن) كان ولا بد فليقل اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي كذا في (السراج). الثاني: اختلف في قبول توبة اليائس ففي (البزازية) قيل: تقبل توبته لا إيمانه وقيل: لا تقبل كإيمانه ثم قال: المسطور في (الفتاوى) أن توبته مقبولة مطلقًا لإطلاق قوله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} [الشورى: 25] لا إيمانه لأن الكافر أجنبي غير عارف بالله تعالى ويبتدىء إيمانًا وعرفانًا والفاسق عارف وحاله حال البقاء والبقاء أسهل والدليل على قبولها منه مطلقًا إطلاق قوله تعالى: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} [الشورى: 25] انتهى، ملخصًا ومعنى تلقينها ذكرها جهرًا عنده عساه أن يأتي بها لتكون آخر كلامه لا الأمر بها ولو أتى بها مرة كفاه ولا يكثر عليه ما لم يتكلم بأجنبي وهذا التلقين مستحب بالإجماع كذا في (الدراية)، فما في (القنية) الواجب على إخوانه وأصدقائه أن يلقنوه تجوز وإذا ظهر منه ما يوجب الكفر لم يحكم بكفره ويعامل معاملة موتى المسلمين حملاً له على أنه حال زوال عقله ومن ثم اختار بعضهم الحكم بزواله في هذه الحالة ولم أر تلقين المجنون والأصم والأخرس والصغير والذي لا يعقل وينبغي تلقين الأولين لأن المدار على أن يكون آخر كلامه لا إله إلا الله وكل منهما يمكن منه ذلك بخلاف الأخيرين فتدبره ويستحب قراءة {يس} عنده واستحسن بعض التابعين سورة الرعد وينبغي إحضار الطيب وإخراج الحائض والنفساء والجنب ويوضع على بطنه سيف أو مرآة لئلا ينتفخ وأما تلقينه بعد الموت فلا يفعل عندنا في ظاهر الرواية وكذا في (المعراج). وقيل: لا يؤمر به ولا ينهى عنه كذا في (السراج).
وإذا (مات شد لحياه وغمض عيناه) بذلك جرى التوارث وفيه أيضًا تحسينه وينبغي أن يقول مغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله اللهم يسر عليه أمره وسهل عليه ما بعده (ويوضع على سرير) وهو التخت الذي يغسل عليه كما في (الدراية)
مجمر وترًا، وستر عورته، وجرد، ووضىء
ــ
ويوضع طولاً وقيل: عرضًا والأصح كيف تيسر وفيه إيماء إلى أنه يوضع كما مات لئلا يغيره نداوة الأرض وقيده القدوري بما إذا أرادوا غسله والأول أشبه كذا في (الشرح). (مجمر) أي: مبخر فيه إشارة إلى أنه يجمر قبل وضعه تعظيمًا وإزالة للرائحة الكريهة منه وقرأ خمس ولا يزاد عليها كذا في (الشرح)، وفي (النهاية) وغيرها إلى سبع ولا يزاد عليها وقراءة القرآن عنده قبل غسله مكروهة (وستر عورته) الغليظة والخفيفة هو الصحيح.
وقيل: الغليظة فقط تيسيرًا ورجحه في (الهداية) وغيرها وجعله بعضهم ظاهر الرواية، ثم إذا سترها لف على يده خرقة وغسلها تحاميًا عن مسها (وجرد) من ثيابه لأنه أمكن في التنظيف وقالوا: إنه يجرد كما مات وغسله عليه السلام في الثياب خصوصية (ووضئ) اعلم أن غسله فرض كفاية بالإجماع واختلف في سببه فقيل: الحدث الحال بالموت وقيل: النجاسة وهذا قول العامة كما في (البدائع)، وفي (الكافي) وهو الصحيح، ولذا لو حمل ميتًا قبل غسله وصلى به لم تصح/ صلاته قال في (التجنيس): ولابد من النية في غسله في الظاهر يعني لإسقاط وجوبه ولا ينافيه ما في (الخانية) لو غسله أهله من غير نية الغسل يجوز عندنا أي: لطهارته وعن أبي يوسف في الميت إذا أصابه المطر أو جرى عليه الماء لا ينوب عن الغسل لأنا أمرنا بالغسل وقالوا: في الغريق يغسل ثلاثًا في قول أبي يوسف وعن محمد في رواية إن نوى الغسل عند الإخراج من الماء يغسل مرتين وعنه مرة واحدة كان هذه ذكر فيها القدر الواجب كذا في (الفتح).
وهذا التعليل يفيد أنهم لو صلوا عليه بدون إعادة غسله صح وإن لم يسقط الوجوب عنهم فتدبره وعندي أنه يستثنى من هذا نبينا صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام إذا مات وقد ظفرت بذلك في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ففي (البدائع) أن الميت يجرد من ثيابه وأما غسله عليه الصلاة والسلام في قميصه فمخصوص به ولأن المقصود من التجريد هو التطهير وأنه عليه الصلاة والسلام كان طاهرًا حتى قال علي حين تولى غسله: (طبت حيًا وميتًا) انتهى.
وإنما يوضىء لأن الوضوء سنة الاغتسال وفيه إيماء إلى أنه يمسح رأسه وهو الصحيح أطلقه فعم البالغ وغيره إلا أن الصبي الذي لا يعقل لا يوضىء لأنه لم يكن نجسًا بحيث يصلي قاله الحلواني وهذا يقتضي أن من بلغ مجنونًا لا يوضئ أيضًا ولم
بلا مضمضة، واستنشاق، وصب عليه ماء مغلي بسدر، أو خرض وإلا فالقراح وغسل رأسه ولحيته بالخطمي، وأضجع على يساره فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التخت منه ثم على يمينه كذلك ثم أجلس مسندًا إليه ومسح بطنه رفيقًا وما خرج منه غسله ولم يعد غسله
ــ
أره لهم وأنه لا يوضئ إلا من بلغ سبعًا لأنه الذي يؤمر بالصلاة حينئذ (بلا مضمضة واستنشاق) لأن إخراج الماء منه متعذر فيتركان وبقي أنه لا يبدأ بغسل يديه بل بوجهه ولا يؤخر غسل رجليه واستحب بعض العلماء مسح أسنانه ولهاته وشفتيه ومنخريه وعليه عمل الناس الآن (وصب عليه ماء مغلي) من الأغلال من الغلي والغليان لأنه لازم (بسدر) وهو ورق شجر النبق ويطلق على الشجر نفسه وعلى الغاسول (أو حرض) وهو أشنان غير مطبوخ مبالغة في التنظيف ودل كلامه أن الحار أفضل مطلقًا أعني سواء كان عليه وسخ أم لا (وإلا) أي: وإن لم يتيسر ذلك (فالقراح) بفتح القاف وتخفيف الراء الخالص عن مشائبة الخلط لأن المقصود وهو الطهارة به تحصل (وغسل رأسه ولحيته بالخطمي) بكسر الخاء والفتح لغة ضعيفة ونقل القاضي عياض في تنبيهاته غيره نبت بالعراق طيب الرائحة يعمل عمل الصابون في التنظيف فإن لم يوجد فبالصابون ونحوه هذا إذا كان على رأسه شعر كذا في (الشرح). ولم يقل أي الزيلعي ولحيته لأن الغالب وجود شعر فيها بخلاف الرأس حتى لو كان أمرد أو أجرد لا يفعل وهذا القيد اعتله في (البحر).
(وأضجعه على يساره) لتكون البدأة في الغسل بشقه الأيمن لما في (البخاري) من حديث أم عطية قالت: لما غسلنا ابنته عليه الصلاة والسلام قال: (ابدؤوا بميامنها)(فيغسل حتى يصل الماء إلى ما يلي التخت) بالمعجمة الجنب المتصل به لا بالمهملة لأنه يوهم أنه يغسل ما يلي التخت من الجنب لا الجنب المتصل بالتخت كذا في (المعراج). وجوز العيني الوجهين (ثم أضجع عن يمينه) فيغسل (كذلك ثم أجلس) حال كونه (مسندًا) على صيغة اسم المفعول (إليه ومسح بطنه) مسحًا (رفيقًا) أي: لينًا (وما خرج منه غسله) أي: غسل موضعه تنظيفًا (ولم يعد غسله) بضم الغين، قيل: وبالفتح أيضًا، وقيل: إن أضيف إلى المغسول فتح وإلى غيره ضم، وكذا لا يعاد وضوءه أيضًا لأنه عرف نصًا وقد حصل مرة. اعلم أن تثليث الغسلات مسنون ولم يذكر المصنف إلا غسلتين الأولى في قوله: وأضجع على يساره إلى آخره والثانية: بعد إقفائه يضجعه على شقه الأيسر ويغسله.
ونشف في ثوب وجعل الحنوط على رأسه ولحيته والكافور على مساجده، ولا يسرح شعره، ولحيته، ولا يقص ظفره، وشعره،
ــ
وما قيل: إن الثالثة هي قوله: وصب عليه ماء مغلي فيعيد لأنه قال بعده: وغسل رأسه ولحيته بالخطمي وغسل الرأس بعد الوضوء قبل الغسل بالإجماع بل قد أجمل في قوله وصب عليه ثم ذكر كيفية الماء والغسل كذا في (المعراج). وهذا أولى من قوله في (البحر) إذ هو غير صحيح لأن الواو لا تفيد ترتيبًا غاية الأمر أنه لم يذكر كيفية الغسلات مرتبة كما أنه لم يفصل في هيئتها بين القراح وغيره قال في (الفتح): والأولى غسل الأوليان بالسدر ومعلوم أن الواجب منهما مرة ويسن أن يصب عليه عند كل إضجاع ثلاثًا (ونشف في ثوب) كيلا تبتل أكفانه (وجعل الحنوط) وهو عطر مركب من أشياء طيبة كذا في (غاية البيان) ولا بأس بسائر الطيب فيه غير الزعفران والورس يعني للرجال وجعل الزعفران في رأس الكفن جهل كذا في (البحر). (على رأسه ولحيته) لأمر علي وغيره بذلك قال الرازي: وهذا الجعل مندوب (والكافور على مساجده) أي: مواضع سجوده جمع مسجد بالفتح لا غير وهو الجبهة والأنف واليدان والركبتان والقدمان يروى ذلك عن ابن مسعود لأنه لما كان يسجد بها خصت بزيادة كرامة وصيانة/ لها عن سرعة الفساد وأسقط السرخسي الأنف والقدمين ولم يذكر القطن في الروايات الظاهرة ولا بأس بجعله على الوجه وما يخشى منه من مخارقه كالدبر والقبل والأذنين والفم وكذا في (الشرح).
وظاهر ما في (البحر) أن طائفة خصوا الفم والمنخر وآخرين خصوا الصماخ (ولا يسرح شعره) أي: شعر الميت أي: يكره ذلك وظاهر ما في (القنية) أنها تحريمية حيث قال: أما التزيين بعد الموت والامتشاط وقطع الشعر فلا يجوز (ولحيته) من عطف الخاص على العام اهتمامًا بشأنه لا تكرار محض كما ادعاه الشارح. (ولا يقص ظفره) إلا أن يكون مكسورًا روي ذلك عن الإمام والثاني والحاصل أنه لا يفعل به ما هو للزينة.
فروع: لا يغسل الرجل امرأته ولا أم ولده ولا مدبرته ومكاتبته ولا يغسلونه في المشهور عن الإمام إلا الزوجة فلها ذلك ولو ذمية بشرط بقاء الزوجية عند الغسل حتى لو كانت مبانة وهي في العدة أو محرمة برده أو رضاع أو صهرية لم تغسله، وكذا لو ارتدت بعد موته ثم أسلمت، ولو أقامت الأختان بينة على النكاح والدخول ولم يدر الأول منهما أو قال لنسائه: إحداكن طالق ومات بلا بيان لم تغسله واحدة منهن وإن لم يكن للميتة إلا رجال يممها ذو رحم محرم منها وإن لم يكن لها أحد لف الأجنبي على يده خرقة فيممها إلا أن تكون أمه لا يحتاج إلى حائل أو للرجل إلا نساء يممه
وكفنه سنة إزار
ــ
واحدة من محارمه إلا أن تكون له زوجة فتغسله والظاهر في الخنثى المشكل المراهق أن ييمم أيضًا أما الذي لم يبلغ حد الشهوة فكغيره يغسله الرجال والنساء وقدره في (الأصل) بما قبل التكلم ولو وجد أطراف ميت أو بعض بدنه لم يغسل ولم يصل عليه بل يدفن إلا أن يوجد أكثر من النصف من بدنه أو النصف ومعه الرأس يصلى عليه ولو شق نصفين فوجد أحد النصفين لا يغسل، وإذا لم يدر حاله أمسلم هو أم كافر فإن كان عليه سيما المسلمين غسل وإن لم يكن ففيه روايتان والصحيح أنه يغسل ويصلى عليه لأن دلالة المكان بها تحصل غلبة الظن بكونه مسلمًا، ولو في دار الحرب نظر إلى العلامة فإن لم يكن ففيه روايتان والصحيح أنه لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابرنا كذا في (البدائع). وفيها علامة المسلمين أربعة أشياء الختان والخضاب ولبس السواد وحلق العانة هذا والأولى أن يكون الغاسل أقرب الناس إلى الميت فإن لم يحسن الغسل فأهل الأمانة والورع وتغسيل الجنب والحائض مكروه والله الموفق.
(وكفنه سنة) أي: من حيث السنة. اعلم أن التكفين فرض كفاية هو والحنوط وسائر تجهيزه مقدم على الدين إلى قدر السنة ما لم يتعلق بعينه حق الغير كالرهن والمبيع قبل القبض حتى يكون البائع والمرتهن أحق به من كل أحد، وكذا العبد الجاني وإن لم يترك شيئًا فعلى من تجب نفقته عليه إلا الزوجة في قول محمد وقال أبو يوسف: هو على زوجها قال ابن الساعاتي: وعليه الفتوى وأجمعوا على أنها لو تركت مالاً كان في مالها كذا في (السراج) وغيره إلا أن المذكور في (الخانية) وغيرها وجوبه عليه ولو غنية وعليه الفتوى وإذا تعدد من تجب عليه النفقة كان على قدر ميراثهم ولو كان للمعتق خالة ومعتق كان على معتقه. وقال محمد: على خالته، وإن لم يكن له أحد ففي بيت المال فإن لم يعط ظلمًا أو عجزًا فعلى الناس أن يسألوا له ثوبًا فإن فضل شيء رد على المتصدق فإن لم يدر كفن به مثله فإن استغنى عنه تصدق به وهذا ظاهر في أنهم لا يجب عليهم إلا سؤال كفن الضرورة لا الكفاية ولو كان في مكان ليس فيه إلا واحد وذلك الواحد ليس له إلا ثوب لا يجب عليه أن يكفنه ولو نبش وهو طري كفن ثانيًا من جميع المال فإن قسم ماله فعلى الورثة وإلا ففي بيت المال قال في (البدائع): ولو نبش بعد ما تفسخ وأخذ كفنه كفن في ثوب واحد ولا يخرج الكفن عن ملك المتبرع حتى لو افترس الميت سبع كان للمتبرع لا للورثة (إزار) من قرنه أي شعره إلى قدمه وفي بعض النسخ المختار من المنكب قال
وقميص ولفافة، وكفاية: إزار ولفافة
ــ
في (الفتح): وأنا لا أعلم مخالفة إزار الميت إزار الحي من السنة وقد قال عليه الصلاة والسلام في ذلك المحرم: (كفنوه في ثوبيه) وهما ثوبا إحرامه إزاره ورداؤه ومعلوم أن إزاره من الحقوة (وقميص) من المنكب إلى القدم/ بلا جيب ولا دخريص ولا كم غير مكفف الأطراف ولو كفن في قميصه قطع جيبه ولبته. (ولفافة) من القرن إلى القدمين أيضًا لخبر البخاري أنه عليه السلام (كفن في ثلاثة أثواب سحولية) بفتح السين على المشهور نسبة إلى قرية باليمن وسكت عن العمامة لأن ظاهر الرواية أنه لا عمامة فيه، وفي (المجتبى): الأصح أنها مكروهة وعللها في (البدائع)، بأنها لو فعلت لصار الكفن شفعًا والسنة أن يكون وترًا واستحسنها بعضهم لما عن ابن عمر أنه كان يعممه ويجعل العذبة على وجهه وفي (النهاية) واستحسن المتأخرون أن الميت إذا كان عالمًا أو من أشراف الناس أن يعمم ويجعل ذنب العمامة على وجهه وقيده في (الظهيرية) بالأشراف والعلوية.
وفي (السراج): إذا كان من الأوساط فلا يعمم ونبه باقتصاره على الثلاثة أن الزيادة عليها مكروهة كما في (المجتبى) إلا أن يوصي بالأكثر ولو وصى بأن يكفن بألف درهم كفن كفنًا وسطًا كذا في (البحر) معزيًا إلى (الروضة) والمذكور في (غاية البيان) أنه لا بأس بالزيادة على الثلاثة في كفن الرجل ذكره في كتاب الخنثى فالاقتصار على الثلاث لنفي كون الأقل مسنونًا هذا ويجوز تكفين الرجل في كل ما يجوز لبسه لو كان حيًا وكذا المرأة وأحبه البياض والجديد وغيره سواء بعد أن يكون نظيفًا قال ابن المبارك: وتكفينه فيما كان يصلي فيه أحب إلي، وفي (الظهيرية) ويكفن في كفن مثله وهو أن ينظر إلى ثيابه في حياته للجمعة والعيدين وفي المرأة ما تلبسه لزيارة أبويها كذا في (المعراج) فقول الحدادي وتكره المغالاة في الكفن يعني زيادة على كفن المثل. واعلم أنه سيأتي في الشهيد أنه ينزع عنه ما ليس من جنس الكفن كالفرو والحشو وهذا يفيد أن التكفين فيه ابتداء لا يجوز إلا أن يقال: المراد أنه ليس من جنس المسنون وهو الظاهر فيجوز كذا في (البحر).
(وكفاية) أي: من حيث الكفاية (إزار) أو لفافة لحديث المحرم السابق وقيل: قميص (ولفافة) والأول أصح كذا في (الشرح) قال في (البحر): وينبغي عدم التخصيص بالإزار واللفافة لأن كفن الكفاية معتبر بأن ما يلبسه الرجل في حال حياته من غير
وضرورة ما يوجد، ولف من يساره، ثم يمينه، وعقد إن خيف انتشاره، وكفنها سنة درع وإزار وخمار، ولفافة، وخرقة تربط بها ثدياها،
ــ
كراهة وهو ثوبان كما علله به في (البدائع) وأقول: المراد بالثوبين في كلام (البدائع) الإزار والرداء لأنه قال: أدنى ما يكفن فيه إزار أو رداء لقول الصديق كفنوني في ثوبي هذين ولأن أدنى ما يلبسه الإنسان في حال حياته ثوبان انتهى، نعم مقتضاه أن القميص مع الإزار كفاية قالوا: وكفن الكفاية أولى عند قلة المال وكثرة الورثة وكفن السنة أولى في العكس وقضية هذا أنه لو كان عليه كفن السنة وهو مديون ولا مال له سواه أن يباع واحد منها للدين وقد صرحوا بأنه لا يباع اعتبارًا بما إذا أفلس حالة الحياة وله ثلاثة أثواب هو لابسها فإنه لا ينزع عنه شيء قال في (الفتح): ولا يبعد الجواب (و) كفنه (ضرورة ما وجد) لما أخرجه الجماعة أن مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا نمرة فكانت إذا وضعت على رأسه بدت رجلاه أو على رجليه بدت رأسه فأمر عليه السلام (بتغطية رأسه وأن يوضع على رجليه شيء من الإذخر) قال الشارح:
وفيه دليل على أن ستر العورة وحدها لا يكفي (ولف) الميت (من يساره ثم يمينه) بأن نبسط اللفافة ثم الإزار فوقها فيوضع عليها مقمصًا ثم يعطف عليه الإزار من قبل اليسار ثم اليمين ثم اللفافة كذلك والأولى كون الإزار طويلاًَ ليعطف على رأسه وبعد هذا قوله وضرورة ما يوجد كذا في عامة النسخ فليكتب كذلك (وعقد) الكفن (إن خيف انتشاره) صيانة عن الكشف (وكفنها سنة درع) بمهملة أي: قميص وهو مذكر بخلاف درع الحديد فإنه مؤنث كذا في (غاية البيان)، قال في (البحر): والتعبير بالقميص أولى لأنه قد قيل: إن الدرع ما تلبسه فوق القميص كذا في (المغرب) وليس مرادًا وأقول: أنى يتوهم هذا مع قوله بعد وتلبس الدرع أولاً (وإزار ولفافة وخمار) لحديث أم عطية أنه عليه الصلاة والسلام (أعطى اللاتي غسلن ابنته خمسة أثواب) ففي (مسلم) أنها زينب وفي (أبي داود) أنها أم كلثوم.
(وخرقة تربط بها ثدياها) وبطنها هو الصحيح فوق الأكفان أي: تحت اللفافة وفوق الإزار والقميص هو الظاهر كذا في (السراج) والأولى أن يكون من الثديين إلى
وكفاية إزار، ولفافة، وخمار، وتلبس الدرع أولاً، ثم يجعل شعرها ضفيرتين على صدرها فوق الدرع، ثم الخمار فوقه تحت اللفافة، وتجمر الأكفان أولاً وترًا.
ــ
الفخذ كما في (الخانية)، وفي (المستصفى) من الصدر إلى الركبتين وفي (المغرب) إلى السرة (و) كفنها (كفاية إزار ولفافة وخمار) اعتبارًا لما تلبسه حية بلا كراهة وفي (الهداية) ثوبان وخمار وفسرهما في (الفتح) بالقميص واللفافة قال في/ (البحر): والظاهر عدم التعيين بل إما قميص وإزار أو إزاران إلا أن يجعلهما إزارين زيادة في ستر الرأس والعنق وأبدل في (الخلاصة) الخمار بالقميص.
وما في (الكتاب) أولى فإن بهذا تكون جميع عورتها مستورة بخلاف ترك الخمار قالوا: والخنثى المشكل كالمرأة إلا أنه يجنب الحرير والعصفر والزعفران احتياطًا.
(وتلبس الدرع أولاً ثم يجعل شعرها على صدرها فوق الدرع ثم الحمار فوقه وتحت اللفافة) ثم يعطف الإزار ثم اللفافة كما سبق في الرجل.
تنبيه: الغلام المراهق كالرجل والمراهقة كالبالغة أما الذي لم يراهق فإن كفن في إزار ورداء فحسن أو في إزار واحد جاز ولا بأس بتكفين الصغيرة في ثوبين كذا في (البدائع).
(وتجمر الأكفان أولاً) أي: قبل الغسل حال كون التجمير (وترًا) ولا تزاد على خمس من جمر ثوبه وأجمره بخره والتجمير أكثر ومنه (جنبوا صبيانكم مساجدكم وجمروها) أي: (طيبوها بالجمر) وهو ما يبخر به الثياب من عود ونحوه ويقال الشيء الذي يوقد فيه مجمرة أيضًا والجمار صغار الأحجار جمع جمرة وبها سمي الموضع الذي يرمى فيه الجمار للملابسة وقيل: لتجمع ما هناك من تجمر القوم تجمعوا وجمر شعره جمعه كذا في (المغرب).
ولا خفاء في تبادر المعنى الأول في كلام المصنف وعليه اقتصر الشارح وغيره قال في (المجتبى): قيل: ويحتمل إرادة الثاني أي جمعها قبل الغسل وترًا وبعده لا يخفى على أن ظاهره أنه لا يجمعها قبل الغسل إلا في حال كونه وترًا فيخرج منه كفن الكفاية للرجل وعليه فيحتاج إلى الفرق والله أعلم.