الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيروزج ولؤلؤ وعنبر.
باب العشر
ــ
الإسلام ملكه ملكا خبيثا ولو بغير أمان حل له ولا خمس فيه لما قلنا لا فرق في ذلك بين المتاع وغيره وما في (النقاية) وغيره من أن ركاز المتاع الموجود في أرض غير المملوكة يخمس سهو (و) لا يخمس أيضا (فيروزج) عطف على ركاز وما في العيني من انه عطف على زيبق فهو من سهو القلم وهو معرب فيروز حجر مضيء يوجد في الجبال لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا خمس في الحجر) ومن ثم قلنا: لا خمس في كل جامد لا ينطبع كالياقوت وسائر الجواهر بشرط أن يؤخذ من معادنها أما إذا وجدت كنزا كان فيها الخمس.
(و) لا يخمس أيضا (لؤلؤ) وهو مطر ربيع يقع في الصدفة الذي هو حيوان فيصير لؤلؤا، وقيل: إنه يخلق فيه ابتداء (وعنبر) وهو حي في ذاته في (البحر) وقيل نبت فيه كالحشيش وما مر يؤيده وكذا كل حلية استخرجت من (البحر) حتى الذهب والفضة بأن كانت كنزا فيه وهذا عندهما وأوجب الثاني الخمس في الكل لأنه مما تحويه يد الملوك ولهما أن قعر (البحر) لا يرد عليه قهر أحد فانعدمت اليد فيه وهي شرط لوجوبه وقد جاء عن ابن عباس: (لا خمس في العنبر) والحاصل أن المعدن غن كان يذوب وينطبع كان فيه الخمس وما لا فلا سواء كان مائعا كالقير أو لا كسائر الأحجار ولا نقصان في الكنز بل يجب فيه الخمس كيف كان ما كان والله أعلم.
باب العشر
ذكره في الزكاة لما أنه يصرف مصارفها وأخره لأنه ليس عبادة محضة بل مؤنة فيها العبادة ولذا وجب في أرض الصبي والمجنون وأرض الوقف والمأذون والمكاتب ولو أخذه الإمام جبرا سقط عن المالك ولو مات أخذ في تركته ويجب أيضا مع الدين في ظاهر الرواية ومع عدم الحول حتى لو أخرجت الأرض مرارا وجب في كل مرة فقوله في (الفتح): لا شك أن المأخوذ عشرا أو نصفه زكاة حتى يصرف مصارفها فيه بحث والظاهر ما في (العناية) وغيرها من أن تسميته زكاة مجاز وركنه التمليك وسببه الأرض النامية بالخارج تحقيقا وشرطه ابتداء الإسلام والعلم بالوجوب كغيره
يجب في عسل أرض العشر ومسقي سماء وسيح بلا شرط نصاب، وبقاء
ــ
من العبادات وشرائط الأداء فيه كالزكاة ويسقط بهلاكه وبهلاك بعضه بقدره بخلاف الاستهلاك وبردته كذا في (البدائع).
(يجب) العشر (في عسل أرض العشر) الموجود فيها لما أخرجه عبد الرزاق (أنه عليه الصلاة والسلام كتب إلى أهل اليمن أن يؤخذ من أهل العسل العشور) وقيد بأرض العشر لأنه لو وجده في أرض خراج فلا شيء فيه لكن يرد عليه ما لو وجد في مفازة أو جبل فإنه يجب العشر أيضا عندهما خلافا للثاني وعلى هذا كل ما يوجد في الجبال من الثمار والجوز ومن ثم زاد صدر الشريعة أو الجبل ولم يذكر المفازة اكتفاء بذكره لأنها في حكمه وخصه دفعا لقول الثاني من أنه لا وجوب فيما يوجد فيه لكن لا يخفى أنه لو قال في عسل أرض غير الخراج لكان أولى. وفي (شرح الدرر) عن التمرتاشي ما يوجد في الجبال والبراري والموات والموات من العسل والفاكهة إن لم يحمه الإمام فهو كالصيد وإن حماه ففيه العشر لأنه مال مقصود انتهى.
وقد قالوا: إنه يملكه سواء هيأ أرضه لذلك أو لا بخلاف الطير إذا فرخ في أرضه والفرق أنه لم يفرخ فيها ليترك فيها بل ليطير فلم يصر صاحب الأرض محرزا للفرخ بملكه (و) يجب أيضا (مسقي سماء) سمي بذلك مجازا من/ تسمية الشيء باسم ما يجاوره أو ما يحل فيه (و) في (سيح) وهو الماء الجاري أنه عليه السلام قال: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر) والعثري بالمهملة والمثلثة المفتوحتين ما يشرب بعروقه بلا سقي قاله الخطابي (بلا شرط نصاب) راجع إلى الكل.
(و) بلا شرط (بقاء) فيجب فيما دون الصاب بشرط أن يبلغ صاعا وقيل: نصفه وفي الخضراوات التي لا تبقى وهذا قول الإمام وهو الصحيح كما في (التحفة) وقالا: لا يجب إلا فيما له ثمرة باقية حولا بشرط أن يبلغ خمسة أوسق إن كان مما يوسق والوسق ستون صاعا بصاعه عيه السلام وكل صاع أربعة أمناء فخمسة أوسق ألف ومائتان قال الحلواني: هذا قول أهل الكوفة وقال أهل ابصرة: هو ثلثمائة وإلا فحتى يبلغ قيمة نصاب من أدنى الموسوق عند الثاني واعتبر الثالث خمسة أمثال مما
إلا الحطب والقصب والحشيش ونصفه في مسقي غرب، ودالية،
ــ
يقدر به نوعه ففي القطن خمسة أحمال وفي العسل أفراق وفي السكر أمناء ولو كان الخارج نوعين يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب وإن كانا جنسين وكل واحد أقل من خمسة أوسق لا يضم لقوله عليه السلام ليس في حب ولا ثمرة صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق) وقال عليه السلام: (ليس في الخضراوات شيء) رواه الترمذي وله عموم ما روينا والمنفي زكاة التجارة لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق أربعون درهما وعلى إرخاء العنان يتقدم العام على الخاص عند التعارض احتياطا وحديث الخضراوات طعن فيه الترمذي (إلا الحطب) استثناء من يجب (والقصب) الفارسي أما قصب السكر فيجب فيه قل او كثر. قال الشارح: وعلى قياس قول أبي يوسف يعتبر قيمة ما يخرج منه أن يبلغ خمسة أوسق وعند محمد نصاب السكر خمسة أمناء انتهى.
وهذا تحكم بل إذا بلغ نفس الخارج خمسة أوسق من أدنى ما يوسق به كان ذلك نصاب القصب عنده وقوله عند محمد إلخ يريد إذا بلغ القصب قدرا يخرج منه خمسة أمناء وجب على قوله وإلا فالسكر نفسه ليس مال الزكاة إلا إذا أعد للتجارة فالصواب على قوله أن يبلغ الخارج خمسة مقادير من أعلى ما تقدر به القصب نفسه لخمسة أطنان في ديارنا كذا في (الفتح) و (الحشيش)، لأنه لا يقصد بالاستغلال حتى لو استغل بهما أرضه وجب وظاهر كلامه أن ما سوى المستثنى داخل في الوجوب لكن نصوا على إخراج السعف أعني غصون الشجر والتبن ويمكن إدراجها في مسمى الحشيش بقي أنهم أخرجوا أيضا الطرفا وشجر القطن والباذنجان ويمكن إدراجها في الحطب وقالوا: لا شيء في الأدوية كالهليلج والكندر.
وقيل: إلا الحبة السوداء وإلا فيما يخرج من الأشجار كالصبغ والقطران ولا فيما هو تابع للأرض كالنخل والأشجار لأنهما كالأرض ولذا تستتبعهما الأرض في البيع ولا في كل بزر لا يقصد بالزراعة كبزر البطيخ والقثاء بخلاف العصر والكتان وبزره قال في (الفتح): فعدم الوجوب في بعض هذه الصور مما لا يرد على الإطلاق بأدنى تأمل (ونصفه) عطف على ضمير يجب وجاز الفصل (في سقي غرب) بفتح المعجمة وسكون الراء الدلو العظيم (ودالية) أي: دولاب تديره البقر ولو سقاه بها وسيحا اعتبر الأكثر ولو استويا قيل: يجب ثلاثة أرباع العشر وهو قول الأئمة الثلاثة ولا نعلم فيه
ولا ترفع المؤن،
ــ
خلافا كذا في (الغاية)، قال الشارح: والقياس على السائمة يوجب الأقل (ولا ترفع المؤن) جمع مؤونة أي: لا تحسب يعني لا يقال: يجب العشر في قدر الخارج الذي بمقابلة المؤونة كنفقة العمال وأجرة البقر ونحو ذلك كالبزر بل يجب العشر في الكل وظاهره أنه لا فرق بين كون المؤونة من عين الخارج أو لا.
قال الصيرفي: ويظهر أنها إذا كانت جزءا من الطعام أن يجعل كالهالك ويجب العشر في الباقي لأنه لا يقدر أن يتولى ذلك بنفسه فهو مضطر إلى إخراجه لكن ظاهر كلامهم الإطلاق وذلك أنه عليه الصلاة والسلام (حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤونة) كما روينا فلا معنى لدفعها لأنه يستلزم عدم التفاوت/ المنصوص عليه وهو باطل بيانه أن الخارج في مسقي السماء إذا كان عشرين قفيزا كان العشر قفيزين وإذا كان في مسقي الغرب أربعين والمؤونة تساوي عشرين فلو رفعت كان الواجب قفيزين وحينئذ فلا تفاوت والمنصوص خلافه وهذا من خواص هذا الشرح كما في (العناية) ولا يخفى أنه إذا لم ترفع يكون الواجب قفيزين أيضا لأنهما نصف العشر فلو اعتبر ما ذكر من المؤونة فيما سقته السماء لكان أولى فتدبره.
تتميم: أجر أرضه فالعشر على المؤجر عنده. وقالا: على المستأجر ولو هلك الزرع قبل الحصاد لم يجب شيء إجماعا وبعده يجب عند الإمام بخلاف المالك وسوياه به وخراج المقاسمة على هذا الخلاف أما الموظف فعلى المؤجر اتفاقا ولا فرق عنده أن يؤجرها من مسلم أو ذمي وقال أبو يوسف: على المستأجر عشران ووحده محمد والعارية منه على هذا الخلاف أما من المسلم فعلى المستعير اتفاقا في ظاهر الرواية عن الإمام وفي الكافر على رب الأرض عنده ولو دفع العشرية مزارعة أن البزر من قبل العامل فعلى رب الأرض في قياس قوله لفسادها.
وقالا: في الزرع لصحتها وقد اشتهر أن الفتوى على الصحة وإن من قبل رب الأرض كان عليه إجماعا ولو باع الأرض مع زرعها أو هو فقط بعد الإدراك من مسلم فالعشر على البائع وقال محمد: على المشتري ولو لم يدرك كان على المشتري اتفاقا لأنه انتهى على ملكه. واعلم أن وجوبه عند الإمام إذا ظهرت الثمرة وأمن عليها الفساد لا وقت الإدراك كما قال الثاني، ولا حصوله في الحظيرة كما قال الثالث وأثر الخلاف يظهر في وجوب الضمان بالإتلاف.
وضعفه في أرض عشرية لتغلبي، وإن أسلم أو ابتاعها منه مسلم، أو ذمي وخراج إن اشترى ذمي أرضا عشرية من مسلم، وعشر إن أخذها منه مسلم بشفعة، أو رد على البائع للفساد، وإن جعل مسلم داره بستانا فمؤونته تدور مع مائه
ــ
(و) يجب (ضعفه) أي: العشر وهو الخمس (في أرض عشرية) كائنة (لتغلبي) بكسر اللام على الأفصح ويجوز فتحها نسبة لبني تغلب بفتح المثناة وكسر اللام قوم من نصارى العرب بقرب الروم أجمع الصحابة على تضعيف العشر عليهم لا فرق في ذلك بين ما إذا اشتراها من مسلم أو لا وإطلاقه يعم أطفالهم وإناثهم أيضا لأنه حيث وجب في أراضي المسلمين فهو أولى.
(وإن أسلم) التغلبي (أو ابتاعها) أي: اشتراها (منه مسلم أو ذمي) لأن التضعيف صار وظيفة للأرض فتنتقل إلى المشتري بما فيها من الوظيفة وهذا قول الإمام ومحمد في الأصح عنه وقال الثاني إن أسلم وكان المشتري مسلما تعود إلى عشر واحد، (و) يجب (خراخ إن اشترى ذمي) غير تغلبي وأطلقه لما مر (أرضا عشرية من مسلم) وقبض منه كما قيد به في (الهداية) وكأنه مطوي تحت قوله وخراج لما اشتهر من أنه لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة وذلك بالقبض وهذا عند الإمام لأن في العشر معنى العبادة والكفر ينافيها ولا وجه إلى التضعيف لأنه ضروري ولا ضرورة هنا وبهذا اندفع قول محمد ببقاء العشر وقول أبي يوسف بالتضعيف.
(و) يجب (عشر) واحد (إن أخذها) أي: (من الذمي مسلم بشفعة) لتحول الصفقة إليه كأنه اشتراها من المسلم (أو رد) البيع (على البائع للفساد) لأنه بالرد والفسخ جعل البيع كأن لم يكن ومنه إيماء إلى أن كل موضع كان الرد فيه فسخا كان الحكم فيه كذلك كالرد بخيار الشرط والرؤية مطلقا وبخيار العيب إن كان بقضاء ولو بغيره بقيت خراجية لأنه إقالة وهي في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث وهذا مبني على تصور ثبوت الرد.
وفي نوادر زكاة (المبسوط) ليس له الرد لأن الخراج عيب حدث في ملكه وأجيب بارتفاعه بالفسخ فلا يمنع الرد (وإن جعل داره بستانا) وهو كل أرض يحوط عليها حائط وفيها أشجار متفرقة وكذا لو جعلها مزرعة (فمؤونته) أي: البستان (تدور مع مائه) فإن سقى بماء العشر فعشري أو بماء الخراج فخراجي ولو سقاه بهما كان عشريا لأنه أحق بالعشر من الخراج واختلف في سيحون نهر الترك وجيحون نهر ترمذ ودجلة نهر بغداد والفرات نهر الكوفة كذا في الشمني وفي (غاية البيان) جيحون نهر بلخ ووافق على الباقي الشمني ثم قال: وهذا من المشهور وفي (الكشاف) سيحون نهر الهند فأقول: لا مشاحة في التسمية انتهى.
بخلاف الذمي وداره حر، كعين قير ونفط في أرض عشر ولو في أرض خراج يجب الخراج.
ــ
وبهذا عرف الجواب عما وقع في (الخانية) وسيحون وهو نهر الروم ونيل وهو نهر في الروم وتوهم أن المراد به نيل مصر غلط فاحش وقصارى الأمر أن الروم بها نهران سيحون ونيل وإذا عرف هذا فقال الثاني: عشرية والثالث خراجية قيل: المسألة مشكلة لأن فيها وضع الخراج على المسلم ابتداء، وقد نص محمد في (سير الزيادات) أن المسلم لا يبتدأ به حتى قال السرخسي رحمه الله: الأظهر وجوب العشر عليه مطلقا وأجيب/ منع كونه ابتداء بل انتقال ما تقدر فيه الخراج بوظيفته إليه وهو الماء كما لو اشترى خراجية وبهذا اندفع ما في (النهاية) من جوازه ابتداء أخذا من قول أبي اليسر إن وضعه عليه ابتداء جائز.
وقال شمس الأئمة: لا صغار في خراج الأراضي إنما الصغار في خراج الجماجم قيد بالمسلم لأن الكافر يجب عليه الخراج مطلقا كما سيأتي وبالبستان لأنه لو كان فيه أشجار يخرج منها أكرار في كل سنة لم يجب فيها شيء كما مر (بخلاف الذمي) إذا جعل داره بستانا حيث يجب عليه الخراج كيفما كان لأنه بحاله أليق ولو حذفه لأغناه التقييد بالمسلم وكان يأتي بالضمير في داره ظاهرا (وداره) أي: الذمي (حرة) لا يجب فيها شيء لأن عمر رضي الله تعالى عنه جعل المساكين عفوا وكذا المقابر (كعين قير) أي: زفت والقار لغة فيه (ونفط) بكسر النون في الأفصح ويجوز فتحها دهن يكون على وجه الماء في العين وجدا (في أرض عشرية) لأنهما ليسا من أتراب الأرض بل عين فوارة كعين الماء.
(لو) وجد (في أرض خراج يجب الخراج) فيهما إن كان حريمهما يصح للزراعة وإلا لم يجب الخراج أيضا وهل يمسح موضع القير والزفت فيه روايتان في رواية يمسح وفي أخرى لا لعدم صلاحيته والله الموفق.
خاتمة: العشر والخراج لا يجتمعان فلا عشر على المالك في الخراجية عندنا ولا خلاف أن العشرية لا خراج فيها وكذا الزكاة والعشر لا يجتمعان ولو اتجر بهما عندهما خلافا لمحمد وأجمعوا أن الزكاة مع الخراج لا يجتمعان وهذا مما اشتهر أن عشرة لا تجتمع مع عشرة وزيد عليها فمن ذلك زكاة الفطر مع التجارة والحد مع المهر والأجر مع الضمان والوصية مع الميراث والقطع مع الضمان والمتعة مع المهر والتيمم مع الوضوء والحيض مع الحمل والفدية مع الصوم ومهر المثل مع التسمية والقصاص مع الدية والجلد مع الرجم والجلد مع النفي والقصاص مع الكفارة والقيمة مع الدية والأجر مع النصيب في الغنيمة وهذا الجمع من خواص هذا الشرح ولو ترك الإمام الخراج للمالك جاز عند الثاني وعليه الفتوى خلافا لمحمد ولو غنيا ضمن السلطان مثله لبيت المال كذا في (البناية) وأجمعوا أن ترك العشر لا يجوز والله أعلم.