الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصرف
هو الفقير
ــ
باب المصرف
لما ذكر الزكاة وما يلحقها من خمس المعدن والعشر احتاج إلى بيان من يصرف إليه ذلك ولذا لم يقيده بمصرف الزكاة إليه أشير في (النهاية) إلى أن الأولى حذف خمس المعدن فيما يلحقها وإن ذكره في (العناية) و (الغاية) و (الدراية) أيضا لما مر أن مصرفه مصرف الغنيمة والمذكور في هذا الباب إنما هو مصرف الزكاة وعلى هذا فما في (النقاية) من التقييد بمصرف الزكاة أحسن لئلا يتوهم أن المراد مصرف ما مر ولم يعرفه استغناء بحصره بالعد.
(هو الفقير) بدأ به اقتداء بما هو الأصل في هذا الباب وهو قوله تعالى:} إنما الصدقات للفقراء والمساكين {[التوبة:60] وسكت عن المؤلفة قلوبهم إيذانا بسقوطهم وكانوا ثلاثة أقسام قسم كفار وكان عليه الصلاة والسلام يعطيهم ليتألفهم على الإسلام وقسم كان يعطيهم لدفع شرهم وقسم أسلموا وفي إسلامهم ضعف فكان يتألفهم ليثبتوا ولا حاجة إلى إيراد السؤال القائل كيف يجوز صرف الصدقة إلى الكفار؟ وجوابه أنه كان من جهاد الفقراء في ذلك الوقت أو من الجهاد لأنه تارة بالسنان وتارة بالإحسان لأن الذي إليه نصب الشرع إذا ينص على الصرف إليهم وبين من هم بالإعطاء كان هو المشروع كذا في (فتح القدير).
وفي (الدراية) هم قسمان مسلمون وكفار والمسلمون قسمان قسم أسلموا وفي إسلامهم ضعف فكان يعطيهم تألفا أو كانوا شرفاء قومهم فكان يعطيهم ترغيبا لأمثالهم لكن من خمس الخمس دون الصدقات وقسم بإزاء كفار أبعدهم عن الجهاد والضعف فكان يعطيهم من سهم الغزاة وقيل: من سهم المؤلفة أو بإزاء منعة الزكاة يأخذون منهم الزكاة ويحملونها إليه فيعطيهم منها وقيل: من الغنيمة وأما الكفار فمن يخشى شره أو يرجى إسلامه انتهى. ثم منعهم عمر في خلافة الصديق ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا فإما أن يكون لعلمهم بالناسخ بناء على القول بأنه لا إجماع إلا عن سنة أو بدليل أفاد تقييده الحكم بحياته عليه الصلاة والسلام أو أنه حكم مغيا بانتهاء علته وقد اتفق انتهاؤها بعد وفاته أو من آخر إعطاء أعطي لهم والمراد العلة الغائية إذ الدفع لهم هو العلة للإعزاز لما أنه يحصل به فانتهى.
المسكين وهو أسوأ حالا من الفقير والعامل،
ــ
ترتب الحكم الذي/ هو لإعزاز الدفع الذي هو علته وعن هذا قيل: عدم الدفع الآن لهم تقرير لما كان في زمنه عليه الصلاة والسلام لا نسخ لأنه كان للإعزاز وهو الآن في عدمه ورده في (الفتح) بان هذا لا يبقي النسخ لأن جواز الدفع حكم شرعي كان ثابتا وقد ارتفع وغاية الأمر أنه نسخ لزوال علته ويمكن أن يكون الناسخ للكفار وهو قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ: (خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم) وهذا كان آخر الأمر منه عليه الصلاة والسلام.
(والمسكين) أفهم بالعطف أنهما صنفان وهو قول الإمام وهو الصحيح وقال الثاني: صنف واحد وأثر الخلاف يظهر فيما إذا أوصى بثلث ماله لزيد والفقراء والمساكين أو وقف كذلك كان لزيد الثلث ولكل صنف ثلث عنده وقال الثاني: لزيد النصف ولهما النصف وفي (البدائع) لا خلاف أن كل واحد منهما جنس على حدة هو الصحيح وما قاله بعض المشايخ من أنهما جنس واحد في الزكاة بلا خلاف بدليل جواز صرفها إلى جنس واحد والخلاف إنما هو في الوصايا غير سديد بلا لا خلاف في أنهما جنسان مختلفان فيهما وإنما جاز الدفع في الزكاة لواحد لأن المقصود دفع الحاجة وهو حاصل به بخلاف الوصية لأنها لم تشرع لذلك بدليل جواز صرفها للفقير والغني وقد يكون للموصي أغراض لا يوقف عليها فأجرى كلامه على ظاهره من غير اعتبار للمعنى انتهى. وكذا لو أوصى بثلث ماله للأصناف السبعة فصرفها الوصي لواحد لا يجوز وقيل: يجوز كذا في (المحيط).
(وهو) أي: المسكين (أسوأ حالا من الفقير) لأنه الذي له أدنى شيء وهو ما دون النصاب أو قدر نصاب غير تام مستغرق في الحاجة كذا في (الفتح) وهذا أولى من تفسير (الشريعة) بمن له ما دون النصاب والمسكين من لا شيء له وعن الإمام عكسه والأول أصح وأثر الخلاف إنما يظهر في الوصايا والأوقاف والنذور كما إذا أوصى لفقراء والمساكين أو وقف أو نذر (والعامل) أي: عامل الصدقة يعني جابيها ساعيا كان أو عاشرا وقد مر الفرق بينهما فيعطى مما يجبيه ما يكفيه وأعوانه وسطا مدة ذهابهم وإيابهم إلا إذا استغرق الزكاة فلا يزاد على النصف ولو ضاعت في يده بطلت عمالته ولا يستحق شيئا وفي (البرازية) أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي رزقه قبل المدة جاز والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة انتهى.
والمكاتب، والمديون،
ــ
ولم أر ما لو هلك المال في يده وقد تعجل عمالته والظاهر أنه لا يسترد منه ولذا قالوا: إن لها شبها بالأجرة حتى جازت للغني ولو أداها أرباب الأموال للإمام فلا شيء له وبالصدقة فمنعت عن الهاشمي واعتبر هذا الشبه في الهاشمي دون الغني لعدم موازاته للهاشمي في استحقاق الكرامة على أن منع الهاشمي صريح في السنة وفي (النهاية) استعمل الهاشمي على الصدقة فأجري له منها رزق لا ينبغي له أخذه ولو عمل ورزق من غيرها فلا بأس به قال في (البحر): وهذا يفيد صحة توليته وأن أخذه منها مكروه لا حرام انتهى. والمراد كراهة التحريم لقولهم: لا يحل له ذلك لكن ما مر من أن من شرائط الساعي أن لا يكون هاشميا يعارضه وهو الذي ينبغي أن يعول عليه.
(والمكاتب) إعانة له في فك رقبة وهذا هو المعنى بقوله تعالى:} وفي الرقاب {[البقرة: 177] في قول أكثر أهل العلم وهو المروي عن الحسن البصري أطلقه فعم مكاتب الغني أيضا وقيده الحدادي بالكبير أما الصغير فلا يجوز كمكاتب الهاشمي مطلقا وفيه نظر إذ قد صرحوا بأن المكاتب يملك المدفوع إليه وهذا بإطلاقه يعم الصغير أيضا وعلى هذا فالعدول فيه وفيما بعده عن اللام إلى في دلالة على أن الاستحقاق للمجتهد لا للرقبة أو للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم من غيرهم لا لأنهم لا يملكون شيئا كما قد ظن إلا أن يراد لا يملكون ملكا مستقرا وهل يجوز للمكاتب صرف المدفوع إليه في غير ذلك الوجه لم أره لهم.
(والمديون) تفسير للغارم زاد في (الفتح) تبعا للشارح أو من له دين على الناس لا يقدر على أخذه وليس عنده نصاب فاضل في الفصلين وهذا لأن الغريم فعيل يطلق على المديون وقد يطلق على رب الدين كما في (الصحاح) وهو بمعنى فاعل إلا أن الظاهر ما اقتصر عليه المصنف فقد قال العتبي: الغارم من عليه الدين ولا يجد وفاء وأما ما زيد فإنما جاز الدفع له لأنه فقير يدا كابن السبيل كما علل في (المحيط) إلا أنه غارم وفي (الخانية) أن من له مؤجل إذا احتاج إلى النفقة يجوز أخذ الزكاة قدر كفايته إلى حلول الأجل ولو كان حالا/ إلا أن الذي عليه الدين معسر يجوز له الأخذ في أصح الأقاويل لأنه بمنزلة ابن السبيل ولو موسرا معترفا لا يحل.
ومنقطع الغزاة، وابن السبيل فيدفع إلى كلهم، أو إلى صنف، لا إلى ذمي
ــ
وكذا إذا كان جاحدا وله بينة عادلة وإن لم تكن عادلة لا يحل أيضا ما لم يحلف القاضي وفي (الفتح) دفع إلى فقيرة لها مهر دين على زوجها يبلغ نصابا وهو موسر بحيث لو طلبت أعطاها لا يجوز وغن كان لا يعطي لو طلبت جاز قال في (البحر): المراد من المهر ما تعورف تعجيله وهذا مقيد لعموم ما في (الخانية) ويكون عدم إعطائه بمنزلة إعساره ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة بخلاف غيره، لكن في (البزازية) إن موسرا والمعجل قدر النصاب لا يجوز عندهما وبه يفتى احتياطا وعند الإمام يجوز مطلقا انتهى.
قال في (السراج): والخلاف مبني على أن المهر في الذمة ليس بنصاب عنده وعندهما نصاب بقي أنه في (الأصل) لم يجعل الدين المجحود نصابا ولم يفصل بين ما إذا كان له بينة عادلة أو لا قال السرخسي: والصحيح جواب (الكتاب) إذ ليس كل قاض يعدل ولا كل بينة تعدل وفي الجثو بين يدي القاضي ذل وكل أحد لا يختار ذلك وينبغي أن يعول على هذا كما في (عقد الفرائد).
(ومنقطع الغزاة) فسر به سبيل الله اختار القول الثاني قال في (غاية البيان): وهو الأظهر وفي (الإسبيجابي) أنه الصحيح وفسره محمد بمنقطع الحاج وقيل: طلبة العلم واقتصر عليه في (الظهيرية) وفسره في (البدائع) بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى ثم ذكر ما عن الشيخين والخلف لفظي للاتفاق على أن الأصناف كلهم سوى العامل يعطون بشرط الفقر فمنقطع الحاج يعطى اتفاقا وعن هذا قال في (السراج): وغيره فائدة الخلاف تظهر في الوصية يعني ونحوها كالأوقاف والنذور على ما مر.
(وابن السبيل) هو المسافر الذي له مال في وطنه وهو في مكان آخر لا شيء له فيه كذا في (الهداية) سمي بذلك لثبوته في السبيل أي: الطريق وفي (النقاية) هو من له مال لا معه سواء كان في غير وطنه أو في وطنه وله ديون لا يقدر على أخذها إلا أن الشارح جعل هذا ملحقا به فيجوز له الأخذ قدر كفايته لا ما زاد لأنه فقير يدا والأولى له أن يستقرض إن قدر لكن لا يلزمه ذلك لعجزه عن الأداء (فيدفع) المزكي (إلى كلهم أو إلى صنف) أي صنف شاء يعني أنه مخير بين الدفع إلى الكل أو إلى صنف مما مر وله أن يقتصر على واحد من أي صنف كان لقوله تعالى:} وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم {[البقرة: 271] وكما روينا من حديث معاذ والمراد من الآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع لهم (لا) تعيين الدفع لهم ولذا روي عن كثير من الصحابة عدم التعيين لا يدفع (إلى ذمي) لقوله عليه الصلاة والسلام في
وصح غيرها، وبناء مسجد، وتكفين ميت، وقضاء دينه، وشراء قن يعتق، وأصله وإن علا
ــ
حديث معاذ: (خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم) كما مر إذ لا خلاف ان الضمير في أغنيائهم يرجع للمسلمين فكذا جمع ضمير فقرائهم واعترض بأنه فيه زيادة على الكتاب وأجيب بأنه مشهور وبفرض أن لا يكون فقد خص منه الفقير الحربي بالقطعي وأصله وفرعه بالإجماع فجاز تخصيصه حينئذ بخبر الواحد كما تقرر في محله (وصح) دفع (غيرها) أي: غير الزكاة كالنذر والفطرة والكفارات خلافا للثاني وأجمعوا على جواز دفع التطوع إلا أن فقراء المسلمين أحب أما الحربي فلا يجوز دفع صدقة ما إليه اتفاقا كذا في (غاية البيان) وغيره وإطلاقه يعم المستأمن وبه صرح في (النهاية) لكن جزم في (الشرح) بجواز التطوع له فإن قلت: يرد عليه العشر فإنه لا يجوز دفعه له قلت: هو ملحق بالزكاة فليس غيرا مطلقا.
(و) لا إلى (بناء مسجد) وقنطرة ونحوها (و) لا إلى (تكفين ميت) لعدم صحة التمليك منه ألا ترى أنه لو افترسه سبع كان الكفن للمتبرع لا للورثة (و) لا إلى (قضاء دينه) لأن قضاء دين الغير لا يقتضي التمليك منه لا سيما من الميت بدليل أنهما لو تصادقا أن لا دين استرده الدافع وليس للمدين أخذه قيد به لأنه لو قضى دين حي بأمره جاز ويكون القابض كالوكيل في قبض الصدقة ثم يصير قابضا لنفسه بقي لو أذن ومات فظاهر ما في (المحيط) و (المفيد) أنه لا يجوز حيث قالا: لو قضى بها دين حي أو ميت بأمره جاز وهو ظاهر ما في (الخانية) أيضا فإنه قال: لو بنى مسجدا بنية الزكاة لا يجوز وكذا لو قضى دين ميت أو حي بغير أمره وإطلاق (الكتاب) يفيد أنه لا يجوز وهو ظاهر ما في (الخلاصة) أيضا حيث قال: بنى مسجدا للغير بنية الزكاة أو حج أو اعتمر أو أعتق أو قضى دين حي أو ميت بغير إذن/ الحي لا يجوز وهو الوجه لأنه لا بد من كونه تمليكا وهو لا يقع عند أمره بل عند أداء المأمور وقبض الغائب وحينئذ لم يكن المديون أهلا للتمليك بموته.
وعلى هذا فإطلاق مسألة التصادق السابقة محمول على ما إذا كان الوفاء بغير أمر المديون أما لو كان بأمره فينبغي أن يرجع المديون إذ غاية الأمر أنه ملك فقيرا على ظن أنه مديون وظهور عدمه لا يؤثر عدم التمليك بعد وقوعه لله تعالى (و) لا إلى (شراء قن يعتق) لما مر والحيلة في هذا أن يتصدق على الفقير ثم يأمره بفعل هذه الأشياء وهل له أن يخالف أمره؟ مقتضى صحة تمليكه أن له ذلك ولم أره (و) لا يدفع أيضا إلى (أصله) من الآباء والأمهات (وإن علا) ذلك الأصل كالأجداد والجدات
وفرعه وإن سفل، وزوجته وزوجها وعبده، ومكاتبه، ومدبره، وأم ولده، ومعتق البعض،
ــ
من قبلهما (و) لا إلى (فرعه) ولده ومنه في هذا الباب المخلوق من مائه بالزنى والذي نفاه احتياطا (وإن سفل) بضم الفاء كالأولاد لأن منافع الأملاك بينهم متصلة فلم يتحقق التمليك على الكمال ومن ثم منع من كل صدقة واجبة كالفطر والنذور والكفارات أما التطوع فيجوز بل هو الأولى كما في (البدائع) قيد بالأصول لأن غيرهم من الأقارب يجوز الصرف إليه واختلف في المريض إذا دفع زكاته إلى أخيه وهو وارثه قيل: يصح، وقيل: لا كمن أوصى بالحج ليس للوصي أن يدفعه إلى قريب الميت لأنه وصيته وقيل: للورثة الرد باعتبارها كذا في (القنية).
وظاهر كلامهم يشهد للأول (و) لا يدفع أيضا إلى (زوجته) اتفاقا (و) لا تدفع المرأة إلى (زوجها) عند الإمام وقالا: تدفع لقوله عليه الصلاة والسلام لامرأة ابن مسعود وقد سألته في التصدق عليه: (لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة) وله أن منافع الإمام بينهما مشتركة عادة والحديث محمول على النافلة ولا خلاف في جوازه ويدل عليه ما جاء في بعض الطرق أن السؤال وقع عن التصدق عليه وعلى ولده فقال عليه الصلاة والسلام: (زوجك وولدك أحق من تصدقت عليهم) والزكاة على الولد لا تجوز اتفاقا ودخل في اسم الزوجة المعتدة ولو بثلاث كما في (الدراية).
تتمة: تعتبر الزوجية في شهادة أحدهما للآخر وقت الأداء وفي (الخانية) ما يفيد أن الاعتبار لوقت القضاء وفي الرجوع في الهبة وقت الهبة وفي الوصية وقت الموت وفي الإقرار لها في المرض وقت الإقرار ويعتبر في السرقة كلا الطرفين.
(و) لا إلى (عبده) لعدم التمليك (و) لا إلى (مكاتبه) لأن له حقا في كسبه وكذا لم يجز تزوج المولى في أمته (و) لا إلى (مدبره) مطلقا كان أو مقيدا (و) لا إلى (أم ولده) لما قلنا، (و) لا إلى (معتق البعض) سواء كان له أو لا كعبد بينه وبين ابنه أعتق الأب نصفه وهو معسر سعى العبد ولا يجوز له دفع زكاته إليه لأنه مكاتب أمته فإن قلت: أنى يتصور دفع الزكاة من المعسر؟ قلت: يتصور بأن يكون زكاة مال استهلك قبل الإعتاق ويكون عند الإعتاق فقيرا وأما إذا كان بينه وبين أجنبي فجواز الدفع إليه قد علم لما مر أول الباب وهذا عند الإمام وقالا: يجوز الدفع إليه مطلقا بناء على تجزئ العتق عنده لا عندهما كما سيأتي.
وغني يملك نصابا وعبده
ــ
(و) لا إلى (غني يملك نصابا) قيد بذلك لأن الغني على مراتب ما يتعلق به وجوب الزكاة وقد مر ما يتعلق به وجوب الأضحية وصدقة الفطر ونفقة الأقارب وحرمان الأخذ وهو أن يكون مالكا لنصاب فاضل عن حوائجه الأصلية وهو المراد هنا وما يتعلق به حرمة السؤال وسيأتي كذا في (الشرح) وغيره.
وجعل بعضهم النصب ثلاثة وجرى في (فتح القدير) وغيره وأن الثالث ما يتعلق به حرمة السؤال وعليه فيشكل كلامه وأجاب في (البحر) بأن إطلاق النصاب عليه مجاز لما في (الصحاح) النصاب من المال القدر الذي تجب فيه الزكاة إذا بلغه نحو مائتي درهم وخمس من الإبل وليس قوت اليوم كذلك في (ضياء الحلوم) نصاب كل شيء أصله ومنه النصاب المعتبر في وجوب الزكاة وهذا يقتضي أن إطلاق النصاب عليه حقيقة إذ قوت اليوم أصل تحريم السؤال انتهى.
والأولى أن يكون مجازا شرعيا بقي هل الاعتبار في هذا النصاب المحرم للأخذ الوزن أو القيمة ففي (المحيط) عن محمد الثاني حتى لو كان له تسعة عشر دينارا قيمتها ثلثمائة درهم لا تحل له الصدقة إلا أن المذكور في (الظهيرية) عنه أنها تحل فيحمل على اختلاف الروايتين أطلق النصاب فشمل أي نصاب كان حتى لو كان له خمس من الإبل وأربعون من الغنم السائمة لا تحل له الصدقة بلغت قيمتها مائتي درهم أو لا وقيد به لأن من ملك ما دونه تحل له لكن لا يحل له الأخذ ولا تلازم بينهما كذا في (الدراية).
وجزم في (البحر) بعدم صحته/ فقد صرح في (غاية البيان) بجواز الأخذ له وحكم الصدقة الواجبة كالزكاة ومنه الوقف لما أنه صدقة واجبة إلا إذا سماه الواقف كما في (البدائع) أما النافلة فتجوز قال في (الواقعات): وليس له أن يقبل جائزة السلطان من بيت المال وإن أعطاه من مورث جاز أما الفقير فله ذلك إن كان السلطان يأخذ من الناس ما يجوز له أخذه كما في (السراج) وله أكل الواجبة من الفقير بشراء أو هبة واختلف فيما لو أباحها له قال خواهر زادة: لا تحل وأبو المعين النسفي: تحل ويدل للأول قوله في حديث بريزة: (هو لهما صدقة ولنا هدية) ولو اكتفى بالإباحة لما احتيج إلى هذا إلا أن يقال: بأن الشبهة في الهاشمي كافية في المنع بخلاف الغني على ما مر (و) لا إلى (عبده) أي: الغني لأن الملك يقع للمولى وقد مر جواز
وطفله، وبني هاشم،
ــ
الدفع إلى المكاتب وهو بإطلاقه يتناول مكاتب الغني فلذا لم يستثنه نعم يرد عليه المأذون المديون بما يستغرق رقبته وكسبه حيث يجوز الدفع إليه عند الإمام خلافا لهما بناء على أنه لا يملك أكسابه عنده وعندهما يملك وإطلاقه يعم ما لو كان زمنا وليس في عيال المولى ولا يجد شيئا أو كان مولاه غائبا، وفي (الذخيرة) عن الثاني جواز الدفع إليه وفيه نظر لأنه بهذا العارض لا ينتفي المانع وغاية ما في هذا وجوب كفايته على السيد وتأثيمه بتركه واستحباب الصدقة النافلة عليه وقد يجاب بأنه إذا كان في هذه الحالة لا ينزل على حال ابن السبيل كذا في (الفتح)، وقد يقال: بأن ابن السبيل مصرف بخلاف الغني كذا في (البحر).
وفي (السراج) قيل: إنما لم يجز الدفع إليه لأن نفقته على مولاه فعلى هذه العلة يجوز الدفع (و) لا إلى (طفله) أيضا ذكرا كان أو أنثى في عياله أو لا على الأصح لما أنه يعد غنيا بغناه وأفاد كلامه أن طفل الغنية يجوز الدفع إليه كما في (القنية) ولو كان أبوه ميتا لانتفاء المانع قيد بالطفل لأن الكبير يجوز الدفع إليه ولو زمنا قبل الفرض بالإجماع وبعده عند محمد خلافا للثاني وعلى هذا بقية الأقارب وفي بنته ذات الزوج خلاف والأصح الجواز وهو قولهما ورواية عن الثاني وابنا زوجته فذكر الكرخي أنها تعطى عندهما خلافا للثاني والأصح قولهما كذا في (السراج).
وفي (الفتح) وهو ظاهر الرواية وسواء فرض لها أو لا وعن الثاني لا (و) لا إلى (بني هاشم) لخبر البخاري (نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة) وكلامه ظاهر في أن المراد أقرباؤه عليه الصلاة والسلام من بني هاشم وإن لم يناصروه فيدخل فيه من أسلم من أولاد أبي لهب وبه صرح في (غاية البيان) إلا أن الأكثر على إخراج أبي لهب وأولاده من هذا النوع وعلى ذلك جرى جمهور الشارحين ومن ثم قال القدوري تبعا للكرخي: وهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل عباس والحارث بن عبد المطلب فبنو الحارث والقياس أبناء عبد المطلب جده عليه الصلاة والسلام والباقون آل أبي طالب لأنهم ينسبون إلى هاشم بن عبد مناف ونسبة القبيلة إليه كذا في (الهداية).
واعترضه في (الحواشي السعدية) بأن آل أبي لهب تنسب أيضا إلى هاشم وتحل لهم الصدقة وأقوال: قال في (النافع) بعد ذكر بني هاشم: إلا من أبطل النص قرابته يعني به قوله عليه الصلاة والسلام: (لا قرابة بيني وبين أبي لهب فإنه آثر علينا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأفجرين) وهذا صريح في انقطاع نسبته عن هاشم وكان هذا هو السر في قصر صاحب (الهداية) النسبة إلى هؤلاء وبه ظهر أن في اقتصار المصنف على بني هاشم كفاية وإن من قال: وهم آل كذا فإنما عنى زيادة الإيضاح أو دفع ما عساه أن يتوهم وإن من أسلم من أولاد أبي لهب غير داخل لعدم قرابته وهذا حسن جداً لم أر من نحا نحوه فتدبره قيد ببني هاشم لأن بني المطلب تحل لهم الصدقة وهذا لأن الجد الثالث له عليه الصلاة والسلام وهو عبد مناف ترك أربعة أولاد هاشم وعبد المطلب ونوفل وعبد شمس وكان علية الصلاة والسلام من نسل هاشم ونسبته الجمع عليها إلى عدنان مشهورة وإطلاقه يفيد أنه لا فرق بين دفع غيرهم لهم ودفعهم لبعضهم بعضا وجوز الثاني دفع بعضهم لبعض وهو رواية عن الإمام وقول العيني والهاشمي يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله عند أبي حنيفة خلافا لأبي يوسف صوابه لا يجوز ولا يصح حمله على اختلاف الرواية السابقة عن الإمام لمن تأمل ولا فرق في المنع بين الزكاة وغيرها كالنذور والكفارات وجزاء الصيد إلا خمس الركاز فيجوز صرفه إليهم كما في (السراج).
وأما الوقف عليهم فالمذكور في (الكافي) في جوازه كالنفل وعليه جرى في وقف (الخانية) وقيده في الزكاة منها تبعا لغيره/ بما إذا أسماهم فإن لم يسمهم لا يجوز الصرف إليهم لأنها صدقة واجبة وجزم به في (السراج) وغيره ونقل في (النهاية) الإجماع على جواز النقل لهم وكذا يجوز للغني قال في (الفتح): والحق إجراء الوقف مجرى النافلة إذ لا شك أن الواقف متبرع بتصدقه بالوقف لأنه لإيقاف واجب وكان منشأ الغلط وجوب دفعها على الناظر وبذلك لم تصر واجبة على المالك بل غاية الأمر أن وجوب شرط الواقف على الناظر ونقل عن الشارح أنه قال: لا فريق بين الواجبة والتطوع.
وقال بعضهم: يحل له التطوع وهذا يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات فوجب اعتباره انتهى. وحاصله ترجيح منع الوقف عليهم كالنافلة وفيه بحث أما أولا فلأن قوله: لا لإيقاف واجب ممنوع لأنه لو نذره بأن قال: لله علي أن أقف هذه الدار كان الوقف واجبا فإن قلت: لا بد في النذر من أن يكون من جنسه واجب وأين هو هنا قلت: هو أنه يجب على الإمام أن يقف مسجدا من بيت مال المسلمين وإن لم يكن في بيت المال شيء فصلى المسلمون كذا في (فتح القدير)
ومواليهم، ولو دفع بتحر فبان أنه غني أو هاشمي، أو كافر، أو أبوه أو ابنه صح،
ــ
وفي (الظهيرية) سقط منه شيء فقال: إن وجدته فلله علي أن أقف أرضي هذه على أبناء السبيل فوجده كان عليه الوفاء به فإن وقف أرضه على من يجوز له صرف الزكاة إليه من الأقارب والأجانب جاز وأما ثانيا فلأن ما أشعر به كلام الشارح مخالف لما مر عن (النهاية) وتبعه في (الدراية) و (غاية البيان) واختاره في (المحيط) وجزم به الأقطع وغيره وروى أبو عصمة جواز إعطائهم الواجبة في زماننا لمنعهم من خمس الخمس قال الطحاوي: وبه نأخذ إلا أن ظاهر الراوية إطلاق المنع.
(و) لا إلى (مواليهم) لقوله عليه الصلاة والسلام: (مولى القوم من أنفسهم) رواه أبو داود وغيره أي: في حل الصدقة وحرمتها لا في جميع الوجوه ألا ترى أنه ليس بكفو لهم وإن مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية ومولى التغلبي لا تأخذ منه المضاعفة بل الجزية قيد بمواليهم لأن موالي الغني يجوز الدفع إليه وفي آخر (المبسوط) تكلم الناس في حق سائر الأنبياء هل تحل لهم الصدقة منهم من قال: لا تحل وإنما كانت تحل لأقاربهم فأظهر الله تعالى فضيلته صلى الله عليه وسلم بتحريمها على أقاربه وقيل: بل كانت تحل لهم وهذه خصوصية به صلى الله عليه وسلم انتهى.
والذي ينبغي اعتماده الأول لقوله في الحديث: (وحرم عليكم أوساخ الناس) ولا شك أن الأنبياء منزهون عن ذلك (ولو دفع) المزكي (بتحر) أي: اجتهاد وهو لغة الطلب والابتغاء ويرادفه التوخي إلا أن الأول يستعمل في المعاملات، والثاني في العبادات وعرفا طلب الشيء بغالب الظن عند عدم الوقوف على حقيقته (فبان) أي: ظهر (أنه) أي: المدفوع إليه (غنى هاشمي و) بان أنه (كافر أو أبوه أو ابنه) أو زوجته (صح) دفعه عندهما خلافا للثاني لأنه ظهر خطؤه بيقين لكن لا يسترده اتفاقا وهل يطيب له؟ لا رواية فيه واختلف المشايخ وعلى أنه لا يطيب يتصدق به وقيل: يرده على المعطي له على وجه التمليك منه ليفيد الأداء ولهما قوله عليه الصلاة والسلام لزيد حين وقعت زكاته في يد ولده: (لك ما نويت ولك يا معين ما أخذت) رواه البخاري، قيد بالتحري في أنه مصرف لأنه لو لم يتحر ولم يشك فظهر أنه ليس مصرفا أعاد إجماعا وإن لم يظهر فهو على الجواز ولو شك فلم يتحر أو تحرى فغلب
ولو عبده أو مكاتبه لا، وكره الإغناء
ــ
على ظنه أنه غير مصرف ودفع لم يجز حتى يظهر أنه مصرف فيجزئه هو الصحيح خلافا لمن ظن عدم إجزائه عندهما قياسا على ما إذا صلى إلى غير جهة تحريه حيث لا تجزئه وإن أصاب والفرق على الراجع أن الصلاة لتلك الجهة معصية لتعمده الصلاة إلى غير جهة القبلة كيف؟ وقد قال الإمام: أخشى عليه الكفر وهنا نفس الإعطاء لا يكون عاصيا فصلح مسقطا إذا ظهر صوابه كذا في (الفتح): وأقول كون الإعطاء لا يكون به عاصيا مطلقا ممنوع فقد صرح الإسبيجابي بأنه إذا غلب على ظنه غناه حرم عليه الدفع. واعلم أن المدفوع إليه لو كان جالسا في صف الفقراء يصنع صنيعهم أو كان عليه زيهم أو سأله فأعطاه كانت هذه الأسباب بمنزلة التحري كذا في (المبسوط) حتى لو ظهر غناه لم يعد قيد بالزكاة لأن الوصي لو دفع الثلث الموصى به للفقراء فبان أنهم أغنياء ضمن اتفاقا لأن الزكاة حق الله تعالى فاعتبر فيها الوسع والوصية حق العبد فاعتبر/ فيها الحقيقة كذا في (الدراية) معزيا إلى جامع شمس الأئمة.
قال في (البحر): وقياسه أن الوصي بشراء دار لتوقف إذا اشترى ونقد الثمن ثم ظهر أنها وقف الغير وضاع الثمن أنه يضمن وهي واقعة حال أطلق الكافر فعم الحربي أيضا وبه صرح في (المبتغى) وفي (المحيط) وفيه روايتان وجزم في (الدراية) بعدم الجواز وفي (التحفة) أجمعوا أنه لو ظهر حربي أو مستأمن لا يجوز كذا في (غاية البيان).
(ولو) بان أنه (عبده) ولو مدبرا وكانت أم ولده (أو) بان أنه (مكاتبه) أو ما في حكمه كالمستسعي (لا) أي: لا يصح لأنه لم يخرج عن ملكه (وكره الإغناء) بأن يدفع إلى فقير ما به يصير غنيا بأن يعطيه نصابا أو يكمله له حتى لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما فأعطاه درهما كره أيضا كما في (الضهيرية)، والظاهر أنه لا فرق في ذلك النصاب بين كونه نام أو لا حتى لو أعطاه عروضا تبلغ نصابا فكذلك ولا بين كونه من النقود أو من الحيوانات حتى لو أعطي له خمس من الإبل لم تبلع قيمتها نصابا كره لما مر ولو أعطى مديونا أكثر من نصاب لا يفضل له بعده نصاب أو كان له عيال بحيث لو وزع المعطى له عليهم لا يصيب كل واحد نصابا لم يكره وإنما كره مع مقارنة الغنى للأداء فقط لأنه حالة التمليك فقير وذلك إنما يحصل بعد
وندب عن السؤال وكره نقلها إلى آخر لغير قريب، وأحوج، ولا يسأل من له قوت يومه.
ــ
تمامه (وندب) الإغناء (عن السؤال) لقوله عليه الصلاة والسلام: (أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم) أطلقه هنا وقيده في (النقاية) بقوله يوما وفي (غاية البيان) المراد الإغناء عنه بأداء قوت يومه والإطلاق أولى لما انه ينبغي أن ينظر إلى ما يقتضيه الحال في كل فقير من عيال وحاجة كدين وثوب وغير ذلك واقتضى كلامه أن إعطاء الكثير لواحد أولى من توزيعه على جماعة (وكره نقلها) أي: الزكاة (إلى بلد غير بلد) المال لما روينا من حديث معاذ ولو نقلها صح لأن المصرف مطلق الفقراء بالنص (لغير قريب و) لغير (أحوج).
أما القريب والأحوج فلا يكره النقل إليهما لأن المقصود منهما سد خلة المحتاج وفي القريب جمع بين الصلة والصدقة وكذا لا يكره النقل إلى الأورع والأصلح كما فعل معاذ ولذا قيل: إن التصدق على العالم الفقير أفضل كذا في (الدراية)، ولا من دار الحرب إلى دار الإسلام، وفي (الخلاصة) لا يكره نقل زكاته المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج ومديون قالوا: والأفضل صرفها إلى إخوته الفقراء ثم أولادهم ثم أعمامه الفقراء ثم أخواله ثم ذوي أرحامه ثم جيرانه ثم أهل سكنه ثم أهل ربضه كذا في (الظهيرية).
ويعتبر في الزكاة مكان المال في الروايات كلها واختلف في صدقة الفطر فرجح في (فتح القدير) وغيره اعتبار مكان الرأس وفي (المحيط) إن كان يؤدي عن نفسه يعتبر حيث هو وإن كان عن ولده وعبده فعن الثاني يؤدي حيث العبد وعن محمد حيث المولى وهو الأصح وذكر الإسبيجابي قول الإمام مع الثاني (ولا) يسأل أي: لا يحل له أن (يسأل) شيئا من القوت (من له قوت يومه) وهذا أولى من قوله في (البحر) أي: لا يحل له أن يسأل قوت يومه لأن عدم الحل لا يتقيد به لخبر: (من سأل الناس وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر جمر جهنم قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: يغديه ويعشيه) قيد بالسؤال لأن الأخذ لغيره لمن له القوت جائز وبقوت يومه لأن له أن يسأل الكسوة إذا كان عاريا كمن لا قوت له إلا إذا كان مكتسيا فلا يحل له السؤال إلا إذا كان غازيا لاشتغاله بالجهاد كذا في (غاية البيان).
قال في (البحر): وينبغي إلحاق طالب العلم. بقي هل يأثم معطى من له القوت مع اعلم بحاله؟ قال الأكمل في (شرح المشارق): في القياس نعم للإعانة