المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في القصر - الهداية في تخريج أحاديث البداية - جـ ٣

[أحمد بن الصديق الغماري]

فهرس الكتاب

- ‌أركان الصلاة

- ‌الباب الأول: في صلاة المنفرد

- ‌الفصل الأول: أقوال الصلاة

- ‌التكبير

- ‌لفظ التكبير

- ‌دعا التوجه

- ‌البسملة

- ‌قراءة القرآن

- ‌ما يقوله في الركوع والسجود

- ‌التشهد

- ‌التسليم

- ‌القنوت

- ‌الفصل الثاني: أفعال الصلاة

- ‌رفع اليدين

- ‌الاعتدال من الركوع

- ‌الجلوس

- ‌الجلسة الوسطى والأخيرة

- ‌وضع اليدين إحداهما على الأخرى

- ‌النهوض من السجود

- ‌السجود على سبعة أعضاء

- ‌النهي عن الإقعاء

- ‌الباب الثاني: صلاة الجماعة

- ‌الفصل الأول حكم صلاة الجماعة

- ‌وجوب الجماعة على من سمع النداء

- ‌من دخل على جماعة صلى

- ‌الفصل الثاني: الإمامة

- ‌من هو أولى بالإمامة

- ‌إمامة الصبي

- ‌إمامة الفاسق

- ‌أحكام الإمام الخاصة به

- ‌الفصل الثالث: موقف الإمام، وأحكام المأمومين

- ‌موقف الإمام المأمومين

- ‌فضل الصف الأول

- ‌الإسراع إلى الصلاة

- ‌متى ينهض للصلاة

- ‌الفصل الرابع: وجوب اتباع الإمام

- ‌اتباع الإمام في الأقوال والأفعال

- ‌صلاة القائم خلف القاعد

- ‌الفصل الخامس: صفة الاتباع

- ‌الفصل السادس: ما يحمله الإمام عن المأمومين

- ‌الفصل السابع: تعدي فساد صلاة الإمام للمأمومين

- ‌الباب الثالث: صلاة الجمعة

- ‌الفصل الأول: وجوب الجمعة

- ‌الفصل الثاني: شروط الجمعة

- ‌الفصل الثالث: أركان الجمعة

- ‌الخطبة

- ‌مقدار الخطبة

- ‌الانصات للإمام وهو يخطب

- ‌هل يصلي ركعتين إذا دخل والإمام يخطب

- ‌الفصل الرابع: في أحكام الجمعة

- ‌غسل يوم الجمعة

- ‌هل تجب الجمعة على من هو خارج المصر

- ‌التبكير لصلاة الجمعة

- ‌حكم البيع والشراء وقت صلاة الجمعة

- ‌آداب الجمعة

- ‌الباب الرابع: صلاة السفر

- ‌الفصل الأول: في القصر

- ‌الفصل الثاني: في الجمع

- ‌جواز الجمع

- ‌صورة الجمع

- ‌الاسباب المبيحة للجمع

الفصل: ‌الفصل الأول: في القصر

‌الفصل الأول: في القصر

467 -

قوله: (وقالوا إن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم إنما قَصَّر لأنَّهُ كَانَ خَائِفًا).

ابن جرير في "التفسير" حدثني أبو عاصم عمران بن محمد الأنصاري، ثنا

ص: 304

عبد الكريم بن عبد المجيد، ثني عمر بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: سمعت أبي يقول سمعت عائشة تقول في السفر: أتموا صلاتكم فقالوا إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في السفر ركعتين فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حرب وكان يخاف فهل تخافون أنتم.

قال ابن القيم في "الهدي النبوي"(قيل ظنت عائشة أن القصر مشروط بالخوف فإِذا زال الخوف زال سبب القصر، وهذا التأويل بعيد فإِن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمنًا وكان يقصر الصلاة) ا. هـ.

يريد ما رواه الترمذي، والنسائي وجماعة وصحّحه غير واحد من حديث

ص: 305

عبد الله بن عباس قال: خَرَجَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من المَدِينَةِ إلى مَكَة لا يخاف إلا أنه يصلي ركعتين.

وما رواه البخاري، ومسلم من حديث حارثة بن وهب قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم آمن ما كان بمنى ركعتين.

قال الحافظ في "الفتح" فيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف.

* * *

468 -

حديث يعلى بن أمية قال: "قلت لعمر: إنَّما قَالَ الله تَعَالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ

ص: 306

يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} وفدًا من النَّاسِ يرى في قصر الصلاة في السفر، فقَالَ عُمر: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَألتُ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ الله بِها عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ".

أحمد، والدارمي، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجة، وابن جرير، والبيهقي وجماعة.

ص: 307

469 -

حديث أبي قلابة عن رجل من بني عامر أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله وَضَعَ عن المُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ"، وقال ابن رشد: هو في الصحيح.

قلت: وليس كذلك فلا وجود له في الصحيحين أصلًا هو حديث مضطرب روى فيه عن أبي قلابة نحو اثني عشر قولًا.

القول الأول: ما ذكره ابن رشد عنه، عن رجل من بني عامر أخرجه الطحاوي في "معاني الآثار"، من رواية حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطعم فقال: هلم فكل، فقال إني صائم: فقال: ادن حتى أخبرك عن الصوم، إن الله عز وجل وضع شطر الصلاة عن المسافر، والصوم عن الحبلى والمرضع.

ورواه البيهقي من طريق وهيب عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر أيضًا، إلا أن أيوب قال: فلقيته، يعني الرجل من بني عامر فحدثنيه عن رجل منهم أنه أتى المدينة في طلب إبل له فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره.

القول الثاني: عنه، عن رجل من بني عامر عن رجل يقال له أنس رواه البخاري في "التاريخ الكبير" من طريق عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب، عن أبي قلابة،

ص: 308

عن رجل من بني عامر أن رجلًا يقال له أنس حدثه أنه قدم المدينة بنحوه.

القول الثالث: عنه، عن أبي أمية رواه البخاري في "التاريخ" من طريق أبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، عن أبي أمية أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من سفر فأراد أن يرجع، فقال: ألا تفطر قال: إني صائم، قال: إن الله عز وجل وضع عن المسافر شطر الصلاة والصوم.

ورواه النَّسائي من طريق شعيب عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة الجرمي، أن أبا أمية الضمري حدثهم أنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم من سفر فقال: انتظر الغداء يا أبا أمية، قلت: إني صائم، قال: ادْنُ أخبرك عن المسافر، إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة. وهكذا رواه أيضًا من طريق معاوية بن سلام، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن قلابة.

القول الرابع: عنه، عن أبي أمية، أو عن رجل، عن أبي أمية بالشك رواه الطحاوي، عن محمد بن عبد الله بن ميمون، ثنا الوليد، عن الأوزاعي عن يحيى قال: ثنا أبو قلابة، قال: حدثني أبو أمية أو عن رجل عن أبي أمية قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر فقال ألا تنتظر الغداء يا أبا أمية الحديث.

القول الخامس: عنه، عن رجل عن أبي أمية بدون شك.

ص: 309

رواه البخاري في "التاريخ"، من طريق يحيى بن عبد العزيز، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة أن رجلًا أخبره أن أبا أمية أخبره أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم فقال: إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصيام ونصف الصلاة.

ورواه النَّسائي، من طريق علي بن المبارك، عن يحيى، عن أبي قلابة مثله، وهكذا رواه الدولابي في "الكنى" في كنية أبي أمية الضمري، إلا أنه وقع عنده علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي بكير وهو وهم، ثم قال الدولابي:(هكذا قال أن أبا أمية أخبره، والصواب أبو أميمة).

ورواه أيضًا في كنية أبي قلابة من طريق عقبة بن علقمة، عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة الجرمي عبد الله بن زيد حدثني رجل عن أبي أمية فذكره.

القول السادس: عنه، عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه رواه النَّسائي، عن عمرو بن عثمان، ثنا الوليد، عن الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قلابة قال: حدثني جعفر بن عمرو بن أُميَّة الضَّمريُّ عن أبيه قال: قدمتُ على رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال لي ألا تنتظر الغدَاء. الحديث.

القول السابع: عنه، عن أبي المهاجر، عن أبي أمية، رواه النَّسائي من طريق

ص: 310

أبي المغيرة، ثنا الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي قلابة، عن أبي المهاجر عن أبي أمية الضمري قال: قدِمْتُ علَى رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من سفر، الحديث.

القول الثامن: عنه، عن أنس بن مالك الكعبي رواه البخاري في "التاريخ" عن قبيصة، ومحمد بن يوسف كلاهما عن الثوري، عن أيوب عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك الكعبي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى فقال: تعال أحدثك أن الله عز وجل وضع عن المسافر والمرضع الصوم.

ورواه النَّسائي من طريق محمد بن الحسن بن التَّلِّ عن الثوري به مثله إلا أنه قال في المتن أنَّ اللهَ وَضَعَ عن المُسافِرِ: يعني نصفَ الصَّلاةِ والصَّوْمِ عن الحُبْلى والمُرْضِعِ.

القول التاسع: عنه، عن قريب لأنس، عن أنس. رواه أحمد والنَّسائي كلاهما من رواية إسماعيل بن عُلَيَّةَ، ثنا أيُّوب قال: كان أبو قلابة حدثني بهذا الحديث، ثم قال لي: هَلْ لَكَ في الذي حدثنيه؟ قال: فدلَّني عليه، فأتَيْتُه فقَالَ: حدَّثني قريبٌ لي يُقالُ لَهُ أنسُ بن مالكِ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبلٍ لجار لي أخذت فَوَافَقْتُهُ وهو يأكُلُ فدعاني إلى طَعَامِهِ، فقُلتُ: إني صائِمٌ، فَقَالَ: أدنُ أو قال: هلم أخْبِرْكَ عن ذلك إِنَّ الله تبارك وتعالى وَضَعَ عن المُسَافِر الصَّومَ وشَطْر الصَّلاةِ، وعن الحبلى والمرضع، قال: فكان بعد ذلك يتلهف بقول ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاني إليه، لفظ أحمد.

ص: 311

ولفظ النسائي: أن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وهنا انتهى حديثه.

القول العاشر: عنه، عن شيخ من بني قشير، عن عمه. رواه الطحاوي من طريق ابن المبارك، عن ابن عيينة، عن أيوب قال: حدثني أبو قلابة، عن شيخ من بني قشير، عن عمه، ثم لقيناه فقال له أبو قلابة حدثه: يعني أيوب فقال الشيخ حدثني عمي أنه ذهب في إبل له فانتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وزاد عن الحبلى والمرضع.

القول الحادي عشر: عنه، عن رجل قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم. رواه النَّسائي، عن سُويد بن نصر، والطحاوي من طريق نعيم بن حماد كلاهما عن ابن المبارك، عن خالد الحَذَّاء، عن أبي قلابة، عن رجل قال أتيت لحاجة فإِذا هو يتغدى قال: هلُمَّ إلى الغَدَاء قلت إني صائم، قال: هلم أخبرك عن الصوم إن الله وضع عن المسافر ونصف الصلاة والصوم، زاد سويد بن نصر وَرَخَّصَ للحُبْلَى والمرضع.

القول الثاني عشر: عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا مع مخالفة أخرى في المتن. رواه النَّسائي من طريق موسى بن أبي عائشة عن غيلان قال: خرجت مع أبي قلابة في سفر فقرب طعامًا، فقلت: إني صائم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فقرب طعامًا فقال لرجل: أدن فأطعم، فقال: إني صائم قال: إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصيام في السفر فادن فأطعم فدنوت فطعمت.

قلت: والواقع من هذا كله، أن الحديث حديث أنس بن مالك الكعبي من بني

ص: 312

قشير، وكنيته أبو أميمة، ويقال أبو أمية، فلما شارك أبا أمية الضمري في كنيته اشتبه الحال على الرواة فطروا يأتون بتلك الأسانيد المختلفة.

وقد روى الحديث عن أنس بن مالك الكعبي من وجه آخر لم يقع فيه اضطراب، فأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والطحاوي، والبيهقي كلهم من حديث عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب قال: أَغارتْ عَلَيْنَا خيلُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُهُ يَتَغَذَّى، فَقَالَ: ادنُ فكُلْ، فقُلْت إني صائِمٌ، فَقَالَ: أُدْنُ أُحدثَكَ عن الصَّومِ أو الصِّيَامِ، إن اللهَ وَضَعَ عن المُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلاةِ، وعَنِ الحَامِلِ أو المُرْضِعِ الصَّومَ أو الصيامَ؛ والله لقد قالَهُما النبيُّ صلى الله عليه وسلم كِلَيهما أو أحدهما فيا لَهْفَ نفسِي أنْ لَا أكونَ طَعِمْتُ من طَعَامِ النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الترمذي وقال:(حديث حسن ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد).

قلت: وهذا الطريق لم يختلف فيه أحدًا لكن اختلف في أصل الحديث على أقوال أخرى من غير طريق أبي قلابة منها عن رجل من بني عامر رواه عبد الله بن

ص: 313

صالح كاتب الليث في "نسخته" عن ابن وهب، عن ابن جريج أن أيوب السختياني أخبره أن أبا حمران المعافري أخبره، عن رجل من بني عامر أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فوجده. يأكل، الحديث. وفيه إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع.

ورواه النَّسائي من طريق خالد الحذاء، والطحاوي من طريق الجريري كلاهما عن أبي العلاء بن الشخير، عن رجل من قومه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير أخو مطرف.

ورواه الطحاوي من طريق أبي داود الطيالسي، وأبي عوانة، عن أبي بشر عن هانئ بن عبد الله بن الشخير، عن رجل من بلحريش، قال: كنا نسافر فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطعم، الحديث. وفيه: أن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة.

قلت: وهانئ بن عبد الله ما أرى له قرابة بيزيد بن عبد الله، والله أعلم.

ورواه النَّسائي عن قتيبة عن أبي عوانة به فقال: عن رجل من بلحريش، عن أبيه فزاد ذكر أبيه وجعله هو صاحب الحديث.

ورواه أيضًا من طريق سهل بن بكار، عن أبي عوانة فقال: عن أبي بشر، عن هانئ بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه قال: كنت مسافرًا فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يأكل

ص: 314

وأنا صائم، فقال: هلم، قلت: إني صائم، قال: أتدري ما وضع الله عن المسافر؟ قلت: وما وضع الله عن المسافر؟ قال: الصوم وشطر الصلاة.

قلت: فالظاهر أن القصة تعددت، والله أعلم.

* * *

470 -

حديث عائشة قالت: "فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ ركْعَتَيْنِ، فَأقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ".

مالك، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنَّسائي، والبيهقي وله عندهم ألفاظ.

ص: 315

471 -

قوله: (وأمَّا دَلِيلُ الفِعْلِ فَمَا رُويَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَصْرِ الصَّلاةِ في كُلِّ أسْفَارِهِ، وأنَّه لَمْ يَصُحُّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ أتَمَّ الصَّلاةَ قَطْ).

قلت: هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث والأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم وقد نص الحفاظ على ذلك. قال ابن القيم في "الهدي النبوي"(وكان صلى الله عليه وسلم يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرًا إلى أن يرجع إلى المدينة، ولم يثبت عنه أتم الرباعية في سفره البتة، قال: وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يَقْصُرُ في السفر، وُيتِمُّ، ويُفْطِرُ ويصُومُ، فلا يصحُّ. سمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقد رُوي: كان يَقْصُرُ، ويُتِمُّ، الأول بالياء آخر الحروف، والثاني بالتاء المثناة من فوق، وكذلك يُفْطِرُ وَتَصوم، أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين، قال: شيخنا ابن تيمية: وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميعَ أصحابه، فتصلى خِلاف صلاتهم).

قلت: والحديث المذكور خرجه الدارقطني، من طريق أبي عاصم، عن عمرو بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم.

ص: 316

قال الدارقطني: وهذا إسناد صحيح.

قال الحافظ: وقد استنكره أحمد وصحته بعيدة فإن عائشة كانت تتم، وذكر عروة أنها تأولت ما تأول عثمان كما في الصحيح، فلو كان عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل عروة عنها أنها تأولت.

وقال أيضًا: في "بلوغ المرام"(رواه ثقات إلا أنه معلول، والمحفوظ عن عائشة من فعلها، وقالت إنه لا يشق عليَّ أخرجه البيهقي).

قلت: وقد روى الضعفاء عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتم وقصر وصام وأفطر في السفر، رواه الدارقطني من جهة طلحة بن عمرو عن عطاء عنها وطلحة كذاب، وتابعه المغيرة بن زياد الموصلي عن عطاء، أخرجه الطحاوي، والدارقطني والبيهقي، وقال:(المغيرة ليس بالقوي).

ص: 317

قلت: وقد قال أحمد: أنه ضعيف له مناكير، ومنها هذا المخالف لصحيح الأحاديث القولية والفعلية.

* * *

472 -

حديث عائشة: "أنَّهَا كانَتْ تُتِم".

متفق عليه من حديث الزهري، عن عروة عن عائشة: أنَّ الصَّلاةَ أوَّلَ ما فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ: فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الحَضَرِ.

قَالَ الزُّهريُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عائِشَةَ تُتِمُّ؟ قالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.

* * *

473 -

قوله: (وروى عطاء عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُتِمُّ الصَّلاةَ في السَّفَرِ وَيَقْصُر ويَصُومُ وَيُفْطِرُ، الحديث).

رواه الدارقطني، والبيهقي، وقد تقدم الكلام عليه قبل حديث واحد، وليس

ص: 318

فيه عند من ذكرت زيادة، ويؤخر الظهر ويعجل العصر، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء، بل هي في أحاديث أخرى تأتي.

* * *

474 -

حديث أنس وأبي نجيح المكي قال: "اصطَحَبَ أصحَابَ مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ بَعْضُهم يُتِمُّ، وَبَعْضُهم يَقْصِرُ، وَبَعْضُهمْ يَصوم وَبَعْضهُم يُفْطِرُ، فَلَا يَعِيبُ هَؤلاءِ عَلى هَؤلاءِ، وَلَا هَؤُلَاءِ عَلى هَؤُلَاءِ".

البيهقي من حديث عمران بن زيد التغلبي، عن زيد العمي، عن أنس بن مالك قال: إنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كُنَّا نسافر فمنَّا الصائمُ، ومنا المفطر، ومنا

المُتِمُّ، ومنَّا المقْصِرُ، فلم يعبْ الصائمُ وعمران التغلبي مختلف فيه.

قال ابن دقيق العيد: لا يحتج بحديثه، وذكره ابن حبان في الثقات وزيد

ص: 319

العمي منكر الحديث متروك.

قال أبو زرعة: (واهي الحديث)، وقال ابن حبان:(يروى عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل الاحتجاج بخبره).

والحديث في "الموطأ""وصحيح البخاري" من رواية حميد الطويل عن أنس قال: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فلمْ يَعِبْ الصائِمُ عَلى المُفْطِرِ ولا المفطِرُ على الصَّائِم؛ ليس فيه ذكر القصر والاتمام.

وفي "صحيح مسلم" عنه قال: سَافَرْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في رَمَضَانَ، فلم يَعِبْ وذكره.

ص: 320

وهكذا وقع عنده أيضًا من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري، وجابر ابن عبد الله قالا: سَافَرْنَا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فيَصُومُ الصَّائِمُ وَيُفْطِرُ المُفْطِرُ فلا يَعِيْبُ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ.

ومن الغريب قول النووي في "شرح مسلم"، واحتج الشافعي وموافقوه بالأحاديث المشهورة في "صحيح مسلم" وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر، ومنهم المتم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض فإنه لا ذكر للقصر والاتمام في "صحيح مسلم" ولا في غيره في حديث أنس وأبي سعيد وجابر المذكورة، إلا في رواية زيد العمي المنكرة الضعيفة أو الباطلة كما سبق.

* * *

475 -

حديث: "إنَّ الله وَضَعَ عَنِ المُسَافِر الصَّومَ وَشَطْرِ الصَّلاةِ".

ص: 321

تقدم.

* * *

476 -

حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْصُرُ في نَحوِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِيْلًا"، قال ابن رشد: رواه مسلم.

قلت: هذا وهم على مسلم، وإنما فيه من طريق جُبَير بن نُفَير قال: خَرَجْتُ مَعَ شُرَحْبِيلَ بنِ السِّمْطِ إلى قَرْيَةٍ عَلى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَر أَوْ ثَمانِيَةَ عَشَرَ مِيْلًا. فَصَلَّى رَكْعَتَينِ فَقُلْتُ لَهُ: فَقَالَ: رأيتُ عُمَرَ صَلَّى بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكْعَتينِ فَقُلْتُ لَهُ: فَقَالَ: إنَّما أَفْعَلُ كَما رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ. وكأن ابن رشد ظن من هذا الاستدلال الذي استدل به ابن السمط أن بين المدينة وذي الحليفة هذا العدد أيضًا، فروى الحديث بالمعنى وليس كذلك فإن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال وقيل سبعة.

ص: 322

477 -

قوله: (وَقَدْ قَالُوا أنَّهُ مَذْهَبُ عَائِشَة، وَقَالوا: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما قَصَّرَ لأنَّه كَانَ خَائِفًا).

قلت: قائل ذلك هو عائشة رضي الله عنها. كما أخرجه ابن جرير عنها، وقد ذكرنا بسنده فيما تقدم أول الباب.

ص: 323

478 -

قوله: (لأنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقصُرُ قَطّ إلا في سَفَرٍ مُتَقَرِّبٍ بهِ).

قلت: هذا معروف ضرورة بل لا يجوز أن يذكر لأنه لا يعقل أن يسافر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في طاعة لاسيما ولم يتفق أنه صلى الله عليه وسلم سافر بعد الرسالة إلا في حج أو عمرة أو جهاد.

ص: 324

479 -

حديث أنس: "كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أميالٍ أو ثَلاثَة فَرَاسِخٍ -شُعْبَةُ الشَّاكُّ- صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".

أحمد، ومسلم، وأبو داود، من حديث محمد بن جعفر، عن شُعبة، عن

ص: 325

يَحْيى بن يزيد الهُنَائيِّ قال: سَأَلْتُ أنسًا عن قَصْرِ الصَّلاةِ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَميَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخٍ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ (شعبة الشاك).

* * *

480 -

حديث: "أنَّهُ صلى الله عليه وسلم أقَامَ بِمَكَّةَ ثَلاثًا يَقْصُرُ في عُمْرَتِهِ".

قلت: هي عمرة القضاء ثبت أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاثًا من حديث البراء عند الشيخين. ومن حديث ابن عمر عند البخاري. ومن حديث ابن عباس عند أبي داود، وليس في واحد منها النص على القصر إلا أنه معلوم من أحاديث أخرى أنه صلى الله عليه وسلم منذ خرج من المدينة وهو يصلي ركعتين إلى أن رجع إليها.

ص: 326

482 -

حديث: "أنه صلى الله عليه وسلم أقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الفَتْحِ مُقَصِّرًا نَحوَ خَمْسَةَ عَشرَ يَوْمًا في بعض الروايات".

أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي من حديث عبيد الله ابن عبد الله، عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة، ولفظ النسائي يصلي ركعتين ركعتين.

* * *

482 -

قوله: (وقد رُوِيَ سَبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا).

أحمد، وأبو داود، والبيهقي من رواية شريك، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عام الفتح سبع عشرة يصلي ركعتين.

ص: 327

ورواه أبو داود أيضًا من طريق حفص عن عاصم، عن عكرمة به مثله وزاد، قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم.

قال أبو داود: (وقال عباد بن منصور، عن عكرمة عن ابن عباس: أقام تسع عشرة يعني بتقديم التاء).

وقال البيهقي: (اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة وأصحها عندي والله أعلم، رواية من روى تسع عشرة وهي الرواية التي أودعها محمد بن إسماعيل البخاري في "الجامع الصحيح" فأحد من رواها لم يختلف عليه عبد الله بن المبارك وهو أحفظ من رواه عن عاصم الأحول).

* * *

483 -

قوله: (وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا).

أبو داود، والترمذي، والبيهقي، من حديث علي بن زيد، عن أبي

ص: 328

نَضْرَة، عن عمران بن حصين قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة زمان الفتح ثمان عشرة ليلة يصلي رَكْعَتَين رَكْعَتين يقول: يا أهل البلد، صلُّوا أربعًا فإنَّا قومٌ سَفْرٌ. حسنه الترمذي مع أن علي بن زيد فيه مقال. قال الحافظ:(وإنَّما حسنه لشواهده، ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما عُرِف من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق).

* * *

484 -

قوله: (وتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، قال ابن رشد: رواه البخاري).

قلت: وكذا أحمد، وابن ماجه، والبيهقي من رواية عاصم الأحول عن ابن عباس قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يومًا يصلي ركعتين، قال ابن عباس: فنحن نصلي رَكْعَتَيْنِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فإن أقمنا أكثر من ذلك أتممنا.

ص: 329

485 -

قوله: (والفريق الثالث احتجُوا بمَقَامِهِ في حَجِّهِ بِمكَّةَ مُقَصِرًا أربعَةَ أيامٍ).

متفق عليه من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة، وفيها أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى، الحديث.

* * *

486 -

حديث: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمهاجر مقام ثلاثة أيام بمكة بعد قضاء نسكه".

ص: 330

أحمد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنَّسائي، وابن ماجه والبيهقي من حديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُقيمُ المَهاجِرُ بِمَكَّةَ بَعَدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا.

* * *

487 -

قوله: (أكثرُ الزمانِ الَّذي رُوي عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أنَّهُ أقَامَ فيه مُقْصِرًا).

ص: 331

قلت: أكثر تسعة عشر يومًا كما مر في "الصحيح" وقد ورد عشرين يومًا إلا إنها رواية شاذة وإن كانت صحيحة الإسناد، أخرجها عبد بن حميد في "مسنده"، عن عبد الرزاق عن ابن المبارك، عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أقام عشرين يومًا يقصر الصلاة. وابن المبارك هو راوي حديث التسعة عشر، عن عاصم في "الصحيح" وذلك عنه أثبت وأصح وأشهر.

ص: 332