الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التجني والافتراء - وهذا التنجيم قد يكون ليبين للمؤمنين خطأهم وتعيدهم إلى الصواب في الفعل والسلوك، كقوله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 25 - 27]. وأوضح مثال للتدرج في التشريع تحريم الخمر وهي حبيبة إلى قلوب العرب، وتشكل جزءا من موقفهم الوجودي، ولعلك تذكر قول طرفة:
ولولا ثلاث هنّ من عيشة الفتى
…
وجدك لم أخفى متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربه
…
كميت متى ما تعل بالماء تزيد
ولذلك يصبح تحريمها دفعة واحدة مفاجأة قد تضر بالموقف الإيماني للمتلقين، فكان أول ما نزل فيها: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة: 219] ثم كانت الخطوة الثانية فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ [النساء: 43] ثم كانت الخطوة الأخيرة فحرمت نهائيا حين أنزل الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
90 -
91].
والحكمة الرابعة: تأكيد إعجاز القرآن والإشارة إلى أن مصدر القرآن هو الله سبحانه وتعالى فعلى الرغم من طول تأليفه وتعدد موضوعاته، لم يتباين نسجه ولم يختلف سبكه، فهو مشتق مترابط، وفي ذلك دليل على أنه معجز خارق لكلام البشر صادر عن الربوبية التي تنزهت عن كلام البشر باختلافه، وعدم تناسبه انظر في هذا المبحث وهو (من علوم القرآن) محاضرات في الدراسات الإسلامية للدكتور:
عمر عبد الواحد.
6 - في احترام المصحف وتقديسه:
يقول دكتور سيد إسماعيل في كتابه «البيان في علوم القرآن» : ليس فيما نرى
ونسمع كتاب أحيط بهالة من الإجلال والتقديس، كالقرآن الكريم، حتى لقد وصفه الحق جل شأنه كِتابٍ مَكْنُونٍ وحكم بأنه لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وأقسم على ذلك حيث
قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ [الواقعة:
75 -
80]. ولذلك كان من إجلال القرآن وتعظيمه عد إباحة كتابته على الجدران سواء كانت جدران مساجد، أم جدران منازل أم غير ذلك.
أما جدران المساجد فقد اتفق الأئمة على كراهة كتابة شيء من القرآن عليها.
حيث قال المالكية: إن كانت الكتابة في القبلة كرهت، لأنها تشغل المصلي سواء كان المكتوب قرآنا أو غيره، ولا تكره فيما عدا ذلك.
وقال الشافعية: يكره كتابة شيء من القرآن على جدران المسجد وسقوفه ويحرم الإسناد لما كتب فيه من القرآن بأن يجعله خلف ظهره.
وقال الحنابلة: تكره الكتابة على جدران المساجد وسقوفه وإن كان فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله.
وقال الحنفية: لا ينبغي الكتابة على جدران المسجد خوفا من أن تسقط وتهاون بوطء الأقدام.
فهذه أقوال الأئمة، نجد فيها المالكية يعللون الكراهة بانشغال المصلي، والحنفية يعللونها بالخوف من سقوط المكتوب، ثم الإجماع منهم جميعا بصفة عامة على الكراهة.
وأما جدران المنازل وما شابهها، فإن علة الكراهة قائمة بسبب عدم التحرز من تطاير النجاسات أو عبث الصبيان، فقد قال القرطبي: ومن حرمته - أي القرآن - ألا يكتب على حائط كما يفعل بهذه المساجد المحدثة. ثم روي عن محمد بن الزبير قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في أرض.
فقال لشاب من هذيل: «ما هذا؟» قال من كتاب الله كتبه يهودي، فقال:«لعن الله من فعل هذا، لا تضعوا كتاب الله إلا موضعه» . وقال محمد بن الزبير: رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه.