الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني [شرح متن الجزرية]
1 - مقدمة المتن
(1)
يقول راجي عفو ربّ سامع
…
(محمّد بن الجزريّ الشّافعيّ)
(2)
(الحمد لله) وصلّى الله
…
على نبيّه ومصطفاه
ــ
(1)
(يقول راجي عفو رب سامع) بإشباع كسرة العين وذلك للوزن، وفي نسخة بإثبات ياء الإضافة هكذا «سامعي» وذلك لتناسب قوله:«الشافعي» في النطق والوزن، والقائل هو المؤلف رحمه الله، وهو يرجو عفو ربه سبحانه، ومن يرغب عن عفو الله تعالى، فالكل يرغب في عفوه سبحانه وتعالى، والله هو السامع والسميع، وقد جاء في بعض الروايات السامع خلقه، وقد يكون السمع بمعنى القبول والإجابة ومنه قول المصلي «سمع الله لمن حمده» أي ممن حمده، وسامعي بياء الإضافة على الالتفات من الغيبة إلى التكلم، والحقيقة أن السميع صفة مبالغة من السمع والإدراك للمسموعات، ومنه قوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ومن الملاحظ هنا رفع محمد على أنه بدل أو عطف بيان للراجي، ويجوز نصبه بتقدير أعني أو يعني وأبعد من جعله فاعلا، وجعل راجي عفو حالا. و (الجزري) نسبة إلى جزيرة ابن عمر ببلاد المشرق، وفي القاموس بلد شمال الموصل تحيط به دجلة مثل الهلال والله أعلم، والمراد بابن عمر الذي نسب إليه هو عبد العزيز بن عمر وهو رجل من أهل برقعيد من عمل الموصل بناها فنسبت إليه، وقد نص على ذلك العلامة أبو الوليد بن الشحنة الحنفي في تاريخه «روضة المناظر في علم الأوائل والأواخر» ، وهو ليس بصحابي كما توهم البعض، و (الشافعي): نسبة إلى الشافعي إمام الأئمة محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم ابن المطلب بن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: نسبة إلى مذهب الإمام وهو أقرب إلى المرام، وقيل: نسبة إلى جده شافع والله أعلم.)
(2)
(الحمد لله): والمقصود به الثناء باللسان على الجميل الاختياري على جهة التبجيل من نعمة وغيرها، ومثله المدح لكن بحذف الاختياري والمدح أعم من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحمد، والشطر هنا مكون من جملتين وما بعدهما من الأبيات إلى آخر المتن مقول القول، والجملة الأولى اسمية وهي (الحمد لله) وهي مفيدة للدوام والثبوت والأبدية، والجملة الثانية خبرية وفي المعنى فعلية مفيدة للتجديد في كل حالة، والمعنى كل حمد صدر من حامد فهو ثابت لله تعالى أو مختص به دون من عداه، فإن حمد المصنوع راجع إلى حمد الصانع سواء علم بذلك أو جهل، والحمد هو الذي حمد الله به نفسه، وأظهره على لسان أنبيائه وأصفيائه، وبدأ المصنف رحمه الله بالحمد اقتداء بالقرآن المجيد، واقتفاء بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» أي مقطوع البركة، وفي رواية «فهو أقطع» ، وفي أخرى فهو أبتر، والحديث أخرجه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وحسنه ابن الصلاح وغيره، وورد أيضا عنه مرفوعا:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع» ، وفي رواية عنه أيضا:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة» ويفهم من مجموع الأحاديث أنه ينبغي أن يقع الابتداء بكل من الثلاثة، وقد أشار الشيخ زكريا (أبي يحيى زكريا الأنصارى) في شرحه إلى أن البسملة في أولها قبل الشروع فيها موجودة بحسب الكتابة، لكنه مخالف لما عليه الأصول مع أنها لا تدخل تحت المقول، والحمد لله أصل في كتاب الله عز وجل، فقد بدأ الله سبحانه بالحمد لله في خمس سور هي:(فاتحة الكتاب، والأنعام، والكهف، وفاطر، وسبأ)، (وصلي الله) الصلاة من الله تعالى رحمة، ومن الملائكة استغفار، ومن بني آدم تضرع ودعاء، وكان من الأفضل أن يذكر السلام بعد الصلاة لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.
(على نبيه) النبي إما مهموز من النبأ، وقيل: من النبوة بمعنى الرفعة، لأن النبي مرفوع الرتبة على سائر البرية، وهو إنسان أوحي إليه بشرع، وإن لم يؤمر بتبليغه،
والرسول إنسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، فالنبي أعم منه مطلقا. وأما الفرق بين النبي والرسول أن الرسول مأمور بتبليغ ما أنبئ به، والنبي هو المخبر، ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، وأراد المصنف رحمه الله من قوله:(ومصطفاه): رسوله كما يشير إليه قوله تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ-)
(3)
(محمّد) وآله وصحبه
…
ومقرئ القرآن مع محبّه
ــ
الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ، وهو لا ينافي حديث مسلم «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم» وعلة اعتراض الشيخ زكريا رحمه الله على المصنف على أنه لم يذكر السلام وذلك لأن إفراد الصلاة عنه مكروه كعكسه لاقترانهما كما قلنا في قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً والجمع بين الصلاة والسلام هو الأولى والأفضل والأكمل، ولو اقتصر على أحدهما جاز من غير كراهة، فقد أورده جماعة من السلف منهم الإمام مسلم في أول صحيحه.)
(3)
(محمد): هو اسم من أسماء النبي محمد وهو في القرآن الكريم في أكثر من موضع نحو قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ويقال لمن كثرت خصاله الحميدة: محمد، وسماه جده عبد المطلب في سابع ولادته لموت أبيه قبل ولادته، فقيل له: لم سميته محمدا وليس من أسماء آبائك ولا قومك فقال: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، وقد تحقق رجاءه، (وآله): هم مؤمنوا بني هاشم، وبني المطلب على الأصح، (وصحبه): بفتح الصاد يجوز فيها الكسر، وهي اسم جمع لصاحب، والصحب غير الآل، والآل مختص بذوي الشرف، والصحب اسم جمع كركب للراكب وهو اختيار سيبويه، وقيل: جمع صاحب، وهو مختار الأخفش، والصحيح في حد الصحابي أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا به، ومات على الإيمان من غير ردة، (ومقرئ القرآن) العامل به، وقيل: معلم القرآن، (ومع محبه) أي مقرئ القرآن أو القرآن، وقيل (محبه) أن الضمير فيها راجع إلى القرآن، وهو صادق بعموم أهل الإيمان، وقد ذكر الشيخ زكريا نفس هذه المعاني، والحقيقة أنه أعم من أن يكون قارئا أو غيره لأن المرء مع من أحبه، وقيل: الضمير في محبه راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غاية من البعد.
فائدة: قد وقع اختلاف بين أكابر الأمة في أن النبوة أفضل أم الرسالة، ولكل وجهه إذ النبوة المجردة من حيث التوجه إلى الله تعالى، وأخذ الفيض منه سبحانه وتعالى أولى من حيث التوجه إلى الخلق وإيصال الفيض إليهم إلا أن الرسول من حيث إنه كامل مكمل أفضل من النبي من حيث إنه كامل مع أن الرسالة لا تنافي
(4)
(وبعد) إنّ هذه المقدّمة
…
فيما على قارئه أن يعلمه
(5)
إذ واجب عليهم محتّم
…
قبل الشّروع أوّلا أن يعلمو
ــ
الولاية فله المرتبة الجمعية المستفادة من صفة الاصطفائية، فإن الكامل الواصل إلى مرتبة جمع الجمع لا يحجبه الكثرة عن الواحد ولا الواحد عن الكثرة، وأما ما ذهب به بعض الصوفية أن الولاية أفضل من النبوة لم يقل به أحد من أهل العلم، وإذا كانوا يستندون إلى أن ولاية الرسول أفضل من النبوة، وأما قول الحليمي: يحصل الإيمان بقول الكافر: آمنت بمحمد النبي بخلاف محمد الرسول، لأن النبي لا يكون إلا نبيه والرسول قد يكون لغيره فمبني على الاستعمال العرفي، إلا أن لفظ الإيمان يمنع من حمله على المعنى العرفي كما لا يخفى على أهل الإيقان، ومن الملاحظ أن في البيت إيماء إلى قوله عليه السلام:«اغد عالما أو متعلما، أو مستمعا أو محبا، ولا تكن الخامسة فتهلك» رواه البزار والطبراني عن أبي بكر.)
(4)
(وبعد): أي وبعد ما تقدم من الحمد لله والصلاة، وهذه الكلمة وبعد يؤتى بها دائما للانتقال من غرض أو اسلوب إلى آخر، ويستحب الإتيان بها في الخطب اقتداء بالنبي عليه السلام، (وهذه) إشارة إلى القصيدة التي بين أيدينا وهي أرجوزة جميلة، (ومقدمة) وهي طائفة من العلم كمقدمة الجيش من قدم بمعنى:
تقدم بكسر الدال ومنه قول الله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أي لا تتقدموا وقيل: في الآية: إن المفعول مقدر أي لا تقدموا أمرا، ويجوز فتح دال مقدمة وهي لغة قليلة كمقدمة الرحل، والمراد بها طائفة من مسائل علم القراءة ينبغي الاهتمام بها والاعتناء بشأنها، وقد أشار المصنف بقوله (فيما على قارئه أن يعلمه) أي بيان ما يجب على كل قارئ من قراء القرآن علمه، وهذه الأرجوزة من بحر الرجز، وأجزاؤه مستفعلن ست مرات هكذا:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
…
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
) (5) أي من الأمور الواجبة والمحتمة على كل قارئ قبل، وربما يراد بكلام الناظم الوجوب الشرعي، أي يأثم من ترك علمه أو العلم به، والمقصود بهذا كله أنه لا بدّ قبل الشروع في تعلم القرآن لتجويده أن يعلم القارئ جيدا مخارج الحروف
(6)
مخارج الحروف والصّفات
…
ليلفظوا بأفصح اللّغات
ــ
وصفاتها، والوجوب الشرعي هنا ما يثاب على فعله، ويعاقب على تركه، والعرفي ما لا بد منه في فعله، ولا يستحسن تركه، ويجب هنا حمل كلام المصنف على المعنى الاصطلاحي، وهو لا ينافي الوجوب الشرعي، ومن الملاحظ هنا أن جميع ما في هذه المقدمة ليس من هذا القبيل إلا إذا حمل على وجوب الكفاية، فمن اتصف بالفصاحة كالعرب الفصحاء وغيرهم ممن رزقه الله تعالى القراءة بالسليقة دون تعلم الأحكام فلا شك أنه ليس معناه الواجب عند الفقهاء الذي يعاقب على تركه، وأما من لم يتصف بما ذكر فلا بد في حقه من التجويد وعليه يحمل كلام الناظم ويراد به الوجوب الشرعي.)
(6)
(مخارج الحروف) وهذا الكلام تكملة للكلام السابق، وكأن المصنف يريد أن يقول: من الواجب على كل قارئ قبل الشروع في قراءة وتعلم القرآن أن يعلم أولا مخارج
الحروف، وصفاتها، والمخرج: هو موضع خروج الحرف بواسطة صوت وهو هواء يتموج بتصادم جسمين، وإذا اتبع طالب العلم ذلك وأخذ العلم بالأداء عن أفواه وأسماع المشايخ تكون النتيجة أن يلفظ بلغة فصيحة صحيحة، وهنا يكون قادرا على تلقي القرآن، والحروف المقصودة هي الحروف الهجائية، وهي تسعة وعشرون حرفا، و (ليلفظوا) أي لينطقوا بلغة فصيحة مليحة إذا عرف الطالب كيف يخرج الحرف من مخرجه، وما الصفة التي تصاحبه وقت خروجه استطاع أن ينطق بأفصح اللغات.
وأفصح اللغات لغة قريش، وهي أفصح من لغات سائر العرب العرباء، وهم قوم النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ، ولقوله عليه السلام:«أحب العرب لثلاث: لأني عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي» والحديث أخرجه الطبراني والحاكم والضياء عن ابن عباس رضي الله عنهما ولا غرابة في ذلك فقد أنزل القرآن بلغة قريش، وقد يتولد الحرف من حرفين، ويتردد بين مخرجين بعضها فصيح وبعضها غير فصيح، والوارد من الثاني في القرآن خمسة: الألف الممالة، والهمزة المسهلة، واللام المفخمة، والصاد كالزاي والنون المخفاة، واللغات جمع لغة، وهي الألفاظ الموضوعة من لغى بالكسر
(7)
محرّري التّجويد والمواقف
…
وما الّذي رسم في المصاحف
(8)
من كلّ مقطوع وموصول بها
…
وتاء أنثى لم تكن تكتب بها
ــ
يلغي لغيا إذا لهج بالكلام وأصلها لغي أو لغو، والهاء عوض عن المحذوف.)
(7)
(محرري) أي محققي، وهنا لا بد من إشباع كسرة الفاء حتى تصل إلى حد الياء في كلمة مواقف، وذلك لمناسبة الوزن، وكذلك رسم بتشديد السين المكسورة هكذا رسم، وفي نسخة بالتخفيف هكذا (رسم) أي كتب، والمعنى حال كون علماء المخارج والصفات طالبي تحرير تجويد القرآن وإتقانه، من تحسينه وإمعانه ومريدي معرفة المواقف والمبادي من الكلمات القرآنية، ومعرفة مرسوم المصاحف العثمانية لأنه أحد أركان القرآن وهي ثلاثة:
1 -
ضرورة موافقته لوجه من وجوه النحو ولو ضعيفا.
2 -
ضرورة موافقته للرسم العثماني ولو احتمالا.
3 -
صحة الإسناد، وفي ذلك يقول ابن الجزري:
فكل ما وافق وجه نحو
…
وكان للرسم احتمالا يحوي
وصحّ إسنادا هو القرآن
…
فهذه الثلاثة الأركان
والركنان الآخران: التواتر وموافقة العربية، وحذف المبادي من باب الاكتفاء كقوله تعالى: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ أي والبرد، والمراد بالمواقف المواضع التي يحسن الوقف إليها أو عليها.)
(8)
(من كل مقطوع) أي كل مقطوع وموصول كتب في المصاحف العثمانية، وما يكتب مقطوعا منه الكلمات لا من الحروف، ومن الملاحظ هنا أن الضمير في «بها» يعود إلى المصاحف، (وتاء أنثى لم تكن تكتب بها) أي بهاء وقصر كما هو قراءة حمزة في الوقف على الهمزة، والمعنى تاء التأنيث لم تكتب بتاء مربوطة بل تكتب بتاء مجرورة، وهناك مواضع تكتب فيها التاء مربوطة غير المواضع التي تكتب فيها مجرورة، سوف يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
فائدة: يلاحظ في البيت - آخر المقدمة - الجناس اللفظي والخطى وهو الجمع بين متشابهين في اللفظ والخط والطباق وهو الجمع بين معنيين متقابلين.